رواية قطة في وادي الذئاب الفصل الخامس 5 بقلم إسراء عبد القادر
رواية قطة في وادي الذئاب الجزء الخامس
رواية قطة في وادي الذئاب البارت الخامس
رواية قطة في وادي الذئاب الحلقة الخامسة
((ماذا يقول و هو حائر بين إغراء المصلحة و بين ضعفه أمام ما تملك من صفاء؟!))
داعبت أشعة الشمس رموشها السوداء الطويلة لتضع ظاهر يدها على عينيها حاجبة ضوءها المزعج ، و لكن أبت الشمس الابتعاد و كأنها تستحثها على النهوض بنشاط و ترك الكسل لأهل الكسل ، نهضت ببطء و هى تضع يدها على فمها المتثائب ، ثم فركت عينيها و بدأت تزيح خصيلات شعرها المنسابة على وجهها إلى الخلف ، ثم وقفت عن السرير و هى تتمطأ كى تترك الفرصة لعضلاتها المنقبضة فى الارتخاء ، التفتت الى الهاتف الموضوع على الكومود بحانب السرير _و الذى اشتراه أخوها قبل الزفاف بيومين كى تكلمهم بين فترة و أخرى_ ، اقتربت منه و ضغطت على أحد أزراره لتضئ شاشته فتتسع حدقتاها دهشة بعدما طالعت الساعة عليه لتقول بتعجب:
_ يابووووى! ، انا نمت كل ده؟!
ثم اتجهت الى مكان حقائبها اللواتى أتت بهن إلى القاهرة ، ففوجئت بكون الحقائب فارغة! لتفرك رأسها قائلة بتعجب:
_ هى الهدوم فين؟ انى حطيتهم اهنه بس الشنط فاضية!
بينما تحاول التذكر بكونها نقلت مكانهم الى آخر قاطعتها طرقات الباب الهادئة لتذهب نحو الباب ثم تفتحه ، و تطالع وجه الطارق فإذ به فتاة عشرينية ترتدى ملابس رسمية خاصة بالخدم بينما تقول و بصرها مثبت على الأرض بجدية:
_ صباح الخير يا مدام زينة ، انا نقلت هدوم حضرتك و حطيتها فى الدرفة اليمين من الدولاب ، و الفطار جاهز فى الوقت اللى تحبيه ، تحبى احضر لك الحمام الأول؟
_ اى ده؟ ، هو أشرف عنده خدم كمان؟!
قالتها فى نفسها باستغراب و هى تحاول ان تستوعب كم المعلومات التى تحدثت عنها هذه الفتاة للتو! ، أغمضت عينيها ثم تحدثت بارتباك:
_ اه جصدى لا ، انى هحضر حمامى ، و الفطار يستنى لحد ما أشرف ياجى
حمحمت الفتاة ثم قالت بتهذيب:
_ أستاذ أشرف ممكن مايجيش دلوقتى
قطبت زينة حاجبيها ثم قالت بتعجب:
_ كيف ده؟
مطت شفتيها بسخرية و قد تأكدت شكوكها بكون هذه الصغيرة لا تعلم بخطط أشرف و ذهابه و إيابه لتردف بثبات لا يخلو من ذبذبات التردد:
_ هو هو علطول بي بيشتغل ، عشان كدة ممكن يقعد يومين و تلاتة فى الشركة
اماءت زينة برأسها بعدم اقتناع لتردف بهدوء:
_ طب بصى حضرى الفطار بعد مانزل ، و انى هخلص حمامى و جاية علطول
اماءت الأخرى بدورها ثم انصاعت لامرها و اتجهت الى الدرج بينما اتجهت زينة إلى حيث يوجد الدولاب بآخر الغرفة ثم تحاول جذب باب الضلفة اليمنى نحوها و لكن لا تنفتح! ، رفعت أحد حاجبيها بعدم فهم ثم حاولت مجددا و لكن لم تجد نتيجة ، و بينما تعيد الكرة الثالثة وجدت الباب ينجذب إلى اليسار لا الأمام ، لتكمل دفعه ناحية اليسار و قد فهمت ماهية عمله قائلة فى نفسها بإعجاب:
_ حلو جوى شغل ولد الأكابر ده!
ثم تحدثت و هى ترمق مساحة الضلفة و اتساعها الشاهق بذهول قائلة بثقة:
_ فعلا ولد أكابر!
ثم أخرجت بيجامة حريرية منه و أخذتها متجهة نحو المرحاض الملحق بالغرفة ، و الذى لا أحتاج إلى وصف تعبيرات الدهشة التى باتت جلية على وجه زينة بعد ما رأت فيه و كأنها بفيلم سينمائي لا واقع تلمسه!
بعد مرور ساعة كانت زينة تجلس عند السفرة و هى تتناول طعام الإفطار الذى كانت يتمثل فى أصناف من الجبن و نوع من البيض الذى لم تسمع به قبلا _بيض العيون كما قيل لها_ و مربى و ما إلى ذلك ، و لكنها لم تتمتع بوجبة هنيئة على الرغم من تعدد أصناف الطعام أمامها حيث كان كرسى أشرف خاليا! ، لذا أمسكت بهاتفها و ضغطت عدة أزرار به ثم وضعته على أذنها و انتظرت قليلا حتى أتاها الرد من الطرف الآخر و الذى يبدو ناعسا صوته:
_ ألو
هتفت زينة بلهفة:
_ إيوة يا أشرف إنت فين؟
هب الثانى عن الفراش واقفا و كأنه صعق بسلك كهربائى ، ليتحدث ببعض التوتر و قد عرف لمن الصوت:
_ أ أيوة يا زينة
ثم أخذ ينظر حوله بعدم تركيز قائلا:
_ أنا بس فى الشغل ، بخلص كام حاجة و و لقيت الوقت ا اتأخر قلت ابات أحسن
تقلصت معالم زينة و قد استشعرت التعب بنبرته حيث و من الواضح انه عمل كثيرا الليلة الماضية لتقول بود:
_ تعالى علطول بجى ، و ارتاح و اجعد معاى ، مش المفروض أننا عرسان؟!
اماء برأسه قائلا بارتباك:
_ أ آه طبعا
أغلق معها الهاتف ثم التفت نحو باب الغرفة مناديا:
_ هيدى يا هيدى
أسرعت نحو الغرفة لتجد أشرف الذى كان يرتدى حزام بنطاله مهندما ملابسه لتقول بدهشة:
_ هتخرج بدرى كدة؟ ، طب ما تفطر الأول!
نظر نحوها بحدة قائلا:
_ انتى سيبتينى نايم لحد دلوقتى؟!
مطت شفتيها بطفولية و هى تقول:
_ اعمل اى طيب ، حاولت اصحيك من ساعتين و مارضيتش!
ثم اقتربت منه و اخذت تداعب لحيته الخفيفة بأناملها قائلة بخلاعة:
_ و اللى حصل امبارح كمان مكانش قليل ، ولا اى؟
رمقها بابتسامة ثابتة قبل ان يقبل أنامل يدها قائلا:
_ همشى انا دلوقتى
حدقت به و هو يخرج قائلة:
_ باى
بعد مرور ساعة أخرى كان أشرف يضغط مكابح السيارة حتى توقفت أمام الباب الداخلى للفيلا ، ثم نزل من السيارة و دلف متجاوزا الباب ليجد زينة التى تجلس بالصالون و هى تداعب جديلتيها بوجوم ، زم شفتيه بضيق و قد خالجه شعور الشك من جانبها بعد ابتعاده منذ اليوم الثانى من الزفاف بهذه الطريقة ، ازدرد ريقه ببطء ثم اقترب منها حتى لمحته لتقف عن الكرسى بلهفة بينما يقول هو بابتسامة واثقة:
_ صباح الخير
قبل ان تسرع إليه و تزيح الستار الموارى اشتياقها للجلوس معه ، ابتعدت و هى تقول بزجر:
_ بجى فى عريس من اول أسبوع فرح يخرج الشغل؟!
أمسك بساعدها ثم جذبها ليجلسا سويا على نفس الأريكة و لكنها ملتفة بكامل جسدها إلى الناحية الأخرى ، بينما يزيد أشرف فى الاقتراب منها حتى صار ملاصقا لها بينما تفسح هى تاركة مسافة بينهما ، أمسك بطرف جديلتها الناعمة و هو يقول معتذرا:
_ معلش يا زينة و الله من ساعة ما رجعت و الشغل متلتل كان لازم أخلص اللى فاضل معايا ، ماتزعليش بقى
بينما يتحدث هو صارت بمكان آخر بمجرد خروج أنفاسه المعبقة برائحة الكحول الكريهة التى أزكمت أنفها لتستدير و هى ترمقه بشك بينما يقول هو متسائلا:
_ بتبصيلى كدة ليه؟
وضعت يدها على أنفها محاولة صد هذه الرائحة المقززة حيث تقول بضيق:
_ ليه ريحة بوجك اكده؟ ، أنت شارب إيه؟
أطبق شفتيه على بعضهما البعض و قد شعر بأنه يكاد يكشف أمر سكره يوميا حيث يقف و يبتعد بضعة سنتيمترات و هو يقول على مضض:
_ لا لا ما شربتش ح حاجة ، بس يمكن عشان جيت علطول من غير ماغسل سنانى
اماءت برأسها إيجابا بينما ازدادت دقات قلبها منذرة إياها بأن لا تصدق ما يقال ، و لكنها لم تأبه لذلك و لم تفهم مغزى هذه الخفقات المتسارعة ، و أرجعته إلى عامل التوتر بعد التواجد فى هذا المكان الجديد ، بينما شعر هو بنواقيس الخطر البادى فى صمتها ليمسك بيدها ثم يقول بحفاوة:
_ طب اى رأيك اعوضك عن بياتى برة البيت؟
رفعت بصرها إليه بتساؤل دون كلام بينما يجيبها قائلا:
_ روحى البسى و يالا هنروح رحلة
_ رحلة اى؟!
سألته بحماس متناسية ظنونها ليقترب منها قائلا بمرح:
_ مفاجأة ، روحى جهزى نفسك عشان نخرج علطول
قالت و هى تبتعد عنه بطاعة:
_ حاضر
بمدينة الملاهى الكبيرة ، تعالت صرخات الراكبين فى الألعاب المختلفة ما بين خوف و حماس ، و لكنها تتفق على دافع واحد و هو المرح ، و كان هذا المكان أحد الأشياء التى تراها زينة للمرة الأولى ، فكانت تنظر حولها بانبهار و بسمتها المتسعة تزين شدقها بينما يقترب أشرف من اذنها هامسا:
_ تحبى تجربى؟
التفتت إليه ثم زمت شفتيها قائلة بحزن:
_ أنى بخاف
نظر بعينيها قائلا بتشجيع:
_ ما تخافيش ، كلها حاجات سهلة ، و بعدين شاورى على اللعبة اللى تحسيها أمان و انا معاكى
نظرت حولها و هى تفكر مليا بما ستختار قبل ان تسير نحو لعبة السيارات قائلة باستئذان:
_ ممكن اركب دى؟
جذبها من يدها متجها إلى ما أشارت و هو يقول بحبور:
_ اكييييد
فكانت هى اللعبة الوحيدة التى استطاعت زينة ان تتكيف معها ، كسلحفاة جربت التكيف مع البر بعدما كان البحر بيئتها! ، الى جانب كونها تناولت أطعمة تجربها للمرة الأولى فى حياتها مثل غزل البنات و الفشار ، حتى انقضى اليوم سريعا ليعودا إلى المنزل منهمكين حيث لا تنتظر زينة تناول طعام الغداء حتى! ، بل غلبها سلطان النوم و هى بالسيارة فى طريق العودة!
و مرت الأيام و معها الحال كما هو عليه و لكن ببعض التغييرات حيث بات أشرف يذهب إلى الشركة و يعود دون تعديل الوجهة يمينا او يسارا حيث لا يريد أن تغمر الشكوك بعقل زينة فيكون قد خسر الكثير! ، إلى جانب انه عاد يكتفى بكؤوس النبيذ فى الصباح الباكر حتى تزول الرائحة إلى حين عودته فى منتصف الليل حيث يجدها كعادتها نائمة على الأريكة و هى تنتظره! ، و هو ما يريد عندما يتجنب دوما لقياها كى لا يضعف امام جمالها الطبيعى و براءة عينيها التى لم يلحظها بامرأة غيرها أبدا ، و فى أحد الأيام كان يعمل على إمضاء بعض الملفات الخاصة بالشركة حتى قاطعه صوت دقات الباب ليجفل عما يفعل ثم ينظر نحو الباب قائلا:
_ ادخل
فتح الباب بهدوء و خلفه ناصر الذى دلف بخطى وقورة ثابتة و بيده ملف شفاف ، وقف أشرف عن مجلسه ثم قال بابتسامة مرحبة:
_ اهلا اهلا يا عمو ناصر ، اتفضل
اقترب منه ناصر حتى عانقه و قد اشتاق المكوث معه بعد فترة غياب قضاها مع أهله فى قنا ، و بعد ألفاظ السلام ابتعد عنه ثم جلس على الكرسى المقابل لأشرف الذى قال:
_ عاملين اى الأهل فى الصعيد؟
أردف ناصر بحبور:
_ الحمد لله يا ولدى
ثم أردف متسائلا:
_ كيف زينة معاك؟
_ زى الفل
قالها باصطناع و هو الذى لم ير منها فلا و لا ياسمين! ، بينما يقول ناصر بابتهال:
_ طب الحمد لله
ثم رفع الملف الذى بيده و وضعه على سطح المكتب أمام أشرف قائلا ببهجة:
_ الجسيمة طلعت يا ولدى ، مبروك
فتح عينيه عن آخرهما حيث انتقل بصره إلى الملف المستند على المكتب ، يرمقه بعدم تصديق ، حيث يمسك به و يخرج القسيمة منه محاولا التأكد مما فيها ثم يقول دون ان يزح بصره عنها:
_ متشكر اوى اوى يا عمو ناصر
_ العفو يا ولدىط
_ ازيك يا نجاة ، عاملة اى يا حبيبتى؟
قالتها زينة و هى تضع الهاتف على اذنها بلهفة و اساريرها منفرجة
بسعادة حقيقية بينما تجيبها نجاة بسرور:
_ الحمد لله يا جمر ، انتى عاملة اى؟
_ الحمد لله
_ و أشرف عامل اى معاكى؟ ، و اى رأيك فى الجواز؟
قالتها بنبرة خبيثة جهلت زينة مقصدها حيث تردف بخفوت:
_ أهو ماشى الحال
عادت تسألها نجاة مستفهمة:
_ أمال فين أشرف عشان انادى حسنى يكلمه؟
مطت زينة شفتيها و هى تقول بحزن:
_ لسة مارجعش
تقلصت ملامح نجاة و هى تقول بتعجب:
_ واه! ، داحنا وصلنا العشا! ، أمال بيرجع ميتا ده؟!
اجابتها زينة قائلة بنبرة واجمة تحمل بثناياها غضبا داخليا:
_ كل يوم ياجى نص الليل أكون نمت انى ، و يخرج بعد ما نفطر علطول ، و الله ما بعرف اجعد معاه ساعة على بعضها!
عاد الحزن يجد طريقا إلى معالمها حيث تنهدت بخيبة أمل على صغيرتها البادى الحزن فى نبرة صوتها ، لتحاول التطرق إلى أحد الحلول قائلة:
_ بصى يا زينة ، كل حاجة و ليها حل صدجينى ، بس عرفينى الأول ، انتو جضيتوا وجت مع بعض؟
فتئت زينة تتكلم ببراءة:
_ أيوة خرجنا ياجى مرتين أكده ، مرة للملاهى و التانية لمطعم
أغمضت نجاة عينيها بنفاذ صبر بعدما فشلت طريقة الإيحاء فى الحصول على إجابات من هذه الفتاة ، استطردت تقول باستهجان:
_ طب بلاش السؤال ده! ، لبستى حاجة من الشنطة الحمرا اللى عبتهالك؟
هزت زينة رأسها نفيا و هى تقول بسرعة:
_ لا ، دى حاجات تكسف و الله!
زفرت نجاة بضيق و هى تقول فى نفسها بتعب:
_ و الله أجلى هياجى على يدك يا بت مشارى
ثم عادت تقول بنبرة هادئة شارحة:
_ طب بصى يا زينة ، الراجل يا حبيبتى بيحب أما يشوف مرته لابسة من الجصير و المفتوح عشان تملى عينه ، و يعشجها و ما يبصش لغيرها
احمرت وجنتا زينة خجلا لتقول من بين حرجها بعدم فهم:
_ و هيفرج ايه ده عن ده؟ ، ما ياخدنى زى مانى احسن!
قبضت على طرف جلبابها و هى تهدئ نفسها كى لا تنفجر بابنتها غضبا حيث تقول محفزة:
_ طب جربى يا زينة و مش هتخسرى صدجينى ، و ان ما غيرش معاده من نص الليل للمغرب ما يبجاش اسمى نجاة
اماءت زينة برأسها و هى تقول بخوف من خوض هذه التجربة:
_ حاضر يا نجاة ، ربنا يسهل
نهاية أحداث الفصل الخامس
يا ترى اى اللى ممكن يحصل دلوقتى بما إن أشرف خلاص بقت ف أيده القسيمة؟!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قطة في وادي الذئاب)