رواية سدفة الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية شاكر
رواية سدفة الجزء التاسع والعشرون
رواية سدفة البارت التاسع والعشرون
رواية سدفة الحلقة التاسعة والعشرون
وحين لاحظت ريناد عدم انتباه ريم لما قالت واستمرارها بمتابعة ما يجري أمامها، أضافت بحسرة زائفة:
-منهم لله اللي قتـ ـلوا رغدة.
إلتفتت لها ريم في سرعة وسألتها في ذهول:
-إنتِ قُلتِ إيه!!!؟
شهقت ريناد متظاهرة بالصدمة وكأنها تذكرت للتو أن ريم لا تعلم بمقـ ـتل أختها! أطبقت يدها على فمها لتكتم شهقتها، ثم أكملت ما بدأته قائلة بندم مصطنع ممزوج بالخبث:
-إيه اللي أنا قولته ده! نسيت خالص إنهم مخبين عليكِ…
-مين اللي مخبين عليا؟! وإيه؟ مالها رغده؟
قالتها ريم وهي تحرك عنقها بتسائل، توارد لذهنها أنه ربما كانت رغده معجبة بيحيى! أو ربما مقصد ريناد من قـ ـتـ ـل رغده أن فتيات العائلة الأصغر منها تزوجن ومازالت هي تُعاني من عدم تقدم أحد لخطبتها حتى الآن.
حين طال صمت ريناد سألت ريم بقلق:
-وضحي تقصدي إيه!! وإيه اللي مخبينه عليا؟!
حدقت ريم بريناد تتفرس ملامحها وتنتظرها أن تنطق بإجابة تساؤلاتها.
أطرقت ريناد في صمت ثم رفعت رأسها وأطلقت تنهيدة طويلة ونطقت بتلعثم زائف وبخبث:
-رغده… رغده الله يرحمها… اتقـ ـتـ ـلت.
قبضت ريم على ذراعها وهدرت بها:
-إنتِ بتخرفي تقولي إيه؟!
-اه… سيبي إيدي يا ريم…
تركت ريم يدها وسألتها بقلق:
-رغده أختي فين؟ مش هي زعلانه من وئام وقاعده عند صاحبتها؟
قالت ريناد دفعة واحدة:
-صاحبتها مين؟ رغده مـ ـاتت يا ريم… اتقـ ـتـ ـلت… دبـ ـحوها.
ظلت ريم محدقة بريناد بينما كلماتها تدور في عقلها، لا تستوعب ما سمعته بأذنها للتو! عقبت ريناد وهي تربت على ذراع ريم في هدوء وبحنو مصطنع:
-بصي هو الموضوع ده بقاله أكتر من سنه يعني خلاص الحزن انتهى والكل فرحان زي ما إنتِ شايفه فمتبوظيش فرحتهم… حاولي تتماسكي وتهدي وبعدين كده كده إنتِ ورغده مكنتوش بتحبوا بعض.
لم تسمع ريم مواساتها تلك، وعادت تسألها بشدوه وبنبرة مرتعشة:
-رغده فين؟
-روقي كده وإن شاء الله نروح أنا وإنتِ نزور قبرها ونقرالها الفاتحه.
زلزلت كلمة ”قبرها” قلب ريم فشخص بصرها وترنح جسدها، عادت للخلف خطوتين حتى استشعرت مقعد خلفها فهوت جالسة عليه لتستوعب تلك الصاعقة التي وقعت على قلبها على حين غرة.
رمقتها ريناد بنظرة سريعة من أعلاها لأسفلها واستدارت وهي تبتسم بخبث ثم تنهدت براحة قبل أن تتوجه نحو صالح وتخاطبه ببرود:
-هنرجع البيت امته أنا عايزه أنام؟
أجابها بغلظة:
-الهي تنامي ما تقومي وأرتاح منك يا شيخه.
قالت وهي تصر على أسنانها:
-إلهي إنت اللهم آمين.
تظاهر صالح بالإبتسامة وباغتها بقبضته على يدها ثم التفت يمنة ويسرة ليتأكد من عدم انتباه أحد لهما وعصر يدها الصغيرة بين كفه، فصرخت متأوهة بينما جذبها هو بعنـ ـف لتقف جواره ومال على أذنها قائلًا وهو يصر على أسنانه:
-حسابنا لسه في البيت.
حاولت نزع يدها منه لكنه شدد من قبضته أكثر وأكثر فكادت أن تبكي! لولا أنه أرخى قبضته بعدما أوشك على كـ ـسر عظام يدها، لم يفلت يدها فحدجته بنظرة غاضبة وبادلها هو بنظرة حادة مشوبة بالسخرية.
وقفت ريناد جواره دون مقاومة فقد حاولت مقاومته سابقًا ولم تقدر عليه فقررت الإستسلام والتسليم له لقلة حيلتها، عادت تنظر نحو ريم التي لم تبرح مكانها، كانت ريم تُطالع الأفق بوجه متجهم مصدوم بعدما ذبحتها هي بكلماتها التي استعذبت إطلاقها من فمها وكأنها كانت تستمتع بأنين قلب تلك المسكينه وحين رأت الهم يتجول بين خلجات وجهها تدفقت مياه السرور لقلبها الذي يسكن في الدرك الأسفل من الحقد.
*****
كان محمد يحمل الصغير بين يديه ويبحث عن هيام التي اختفت منذ أن سمعت صراخ أختها وبعدما أخذت الورقه من يده وأخبرته أنها ستوصلها حيث يريد، لا يعلم أفهمت أنها لها أم لمن ستعطيها تلك الفتاة؟ لذا أخذ يتجول بنظراته في المكان بحثًا عنها حتى أبصر ريم التي شخُص بصرها تجلس بمفردها على المقعد وتحدق أمامها في سكون فدنا منها ليعطيها طفلها.
لم تلحظ ريم جلوس محمد جوارها ولا نداءه عليها إلا عندما هزها بلطف، فالتفتت تُطالعه وهو يقول بابتسامة:
-سرحانه في إيه يا مسكر؟ خدي العسل ده على ما أجي.
فتحت ذراعيها وحملت ابنها دون أن تنبس ببنت شفه، ونهض محمد ليكمل بحثه عن هيام فنادته ريم، التفت لها وما أن أبصر نظراتها الحزينة، جلس جوارها مجددًا وسألها بلهفة وهو يلمس كتفها بحنان:
-مالك يا ريمو؟
ابتلعت لعابها ثم ضغطت مقلتيها بجفونها وهي تسأله بنبرة مختنقة:
-هي رغده… رغده فين؟!
ضغط محمد شفتيه معًا وحاول التظاهر بالتبسم قائلًا بتلعثم:
-ما هي… هي… رغده عند صاحبتـ….
بتر حديثه تحشرج صوتها وهي تردد بعد استيعاب:
-رغده ماتت! رغده أختنا مـ ـاتت يا محمد؟!! ماتت وإنتوا مخبين عليا صح؟
قالتها ثم انفجـ ـرت باكية، وعلى الفور حمل محمد الرضيع من يدها بذراع بينما حاوطها وضمها لصدره بالذراع الأخر وأخذ يواسيها ويعضدها ويسألها أن تتصبر ويذكرها بأن جميعنا لله وكلنا إليه راجعون.
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
انتهي ذلك الحفل العجيب، ودخلت وئام لشقتها عانقت أختها بقـ ـوة وظلتا هكذا لفترة فحاول رامي أن يسحب هيام بلطف وهما تبكيان وتتشبثان ببعضهما.
نظرت هيام ليحيى وقالت من خلف دموعها وبصوت مبحوح:
-إنت أخدت حته من قلبي… بالله عليك ما تزعلها عشان أنا هحس بيها حتى لو هي ما قالتش…
بدل يحيى نظراته بين شيرين ويحيى وهيام وعمرو وعامر فقد كانت الدموع تُغرق وجوههم، قال:
-بالله عليكوا كفاية عياط دا احنا بينا شارع واحد يعني مش هاخدها وأسافر يا جماعه.
أخذ رائد يوصيه بأخته كثيرًا ويحذره أن يُحزن فؤادها، ويحيى يطمئنهم ويُطالع وئام بشفقة فقد كانت دموعها تسيل في صمت وهي تبدل نظراتها بين وجوه أفراد أسرتها بضياع.
ودع الجميع العروسين، حمل رائد عامر الباكي بينما حمل رامي عمرو وانصرفوا، وغادر والدي يحيى أيضًا الشقة ليمكثا ببيت عم يحيى لعدة أيام.
وبعدما أغلق يحيى باب الشقة دنا من وئام التي ارتفع نشيجها بعد رحيل الجميع، طالعها لبرهة وكأنه يصورها بعينيه كي لا ينسى حالتها تلك أبدًا، ثم دنا منها ومسح دموعها بأطراف أنامله وهو يقول بنبرة حانية:
-لو حصل وزعلتك في يوم من الأيام حتى لو أنا غلطان فكريني بالدموع دي… فكريني إن أنا أخدتك من وسط أهلك لبيتي اللي أكيد غريب عنك…
أضاف بابتسامة عذبة:
-دا لو زعلتك لأن عمري ما هعملها يا وئام…
لاح على شفتيها ابتسامة صغيرة شقت طريقها من خلف دموعها، فهي الآن مع حبيبها الذي أرادته وتمنته، أكمل يحيى بحـ ـماس:
-وئام احنا محتاجين نعمل تلت حاجات أولًا نغير الهدوم دي عشان منبهدلش الشقه… ثانيًا نصلي ركعتين…
وكأن حماسه تسرب إليها فغادرها الحزن، تنحنحت لتجلي حلقها وسألته:
-وثالثًا؟!
زفر متنهدًا وقال بمرح وهو يفرك كفيه معًا بحمـ ـاس:
-ثالثًا بقا محتاج أقولك كلام كتير وأعترفلك بحاجات كتير… حاجات كنت عايزه أقولهالك يوم كتب الكتاب ولم تسنح لي فرصة.
-حـ… حاجات إيه؟
قالتها بتوتر، فأجاب بمكر:
-حاجات زي… إنك لفتِ نظري من أول مره كنتِ بتقولي لرائد يقفلك سوستة الفستان مثلًا…
غضنت جبينها وتظاهرت بالجهل، سألته:
-امته الكلام ده؟!
غضن يحيى حاجبيه مجيبًا:
-يا شيخه بقا مش عارفه إمته؟
كبحت ابتسامة التي كادت أن تفضحها أمامه، لم تكن تعلم أن عمرو وعامر أخبروه بكل شيء وقد فهم ما تبقى بفطنته.
جذبها من يدها وهو يقول:
-يلا يا حياتي نغير ونصلي وبعدين نتكلم ونحكي ونقول للصبح…
وسارت جواره مبتسمة، وهي تحمد الله في سريرة نفسها أنها قد رُزقت به في الحلال…
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★
استقل أهل العروس سياراتهم للإنصراف….
في إحدى السيارات حيث كان قائدها رامي تجاوره والدته التي تواري دموعها المنهمرة عن عيونهم، لا تدري أتلك دموع الفرح أم لفراقها فلذة كبدها فقد انتقلت لتستظل بسقف بيت أخر ولكنف رجل أخر بعدما كانت في رعايتها وحمايتها وتحت ظلها هي ووالدها.
كانت ريم تجلس بالمقعد الخلفي بالمنتصف بين هيام ومحمد الذي ظل يحمل رضيعها ويحاوطها بذراعه وهي تحاول التماسك كما اوصاها محمد لحين وصولها للبيت فاضطرت أن تكبح عبراتها وتكتم آهات قلبها.
ألقى الصمت عباءته عليهم ولم يكن يظهر سوى صوت استنشاق هيام لدموعها بين فترة وأخرى، قال عمرو الذي يجلس على فخذ والدته بنبرة متحشرجة:
-إنتوا سيبتوا وئام هناك ليه!! هتقعد إزاي لوحدها مع راجل غريب.
-مبقاش غريب يا عمرو خلاص بقا جوزها…
قالها رامي، في حين قال عامر ببكاء:
-أنا عايز وئام.
قالها مخاطبًا هيام حيث كان يجلس جوارها، فشهقت هيام باكية ورددت وهي تمسد على ذراعه:
-هنروح لها الصبح يا عامر.
رماها محمد بنظرة استعادها سريعًا وانشغل مع ريم متناسيًا أمر الورقة التي أعطاها لها تمامًا.
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
وفي سيارةٍ أخرى حيث كان رائد قائدها وجواره رشدي بينما نداء في المنتصف بين والدتها ونادر الذي ظل يُطالع الطريق عبر النافذة وينطق باسم الأشياء ورائد يشجعه ويشاركه حديثه.
تسائلت نداء كيف تناست أخيها؟! ألم تكن تكرس حياتها وجهودها لأجله! وكأنها أفاقت للتو من غيبوبتها الطويلة، عام كامل مضى وهي بعيدة عن كل من حولها وكأن الأيام كانت تمضي وهي واقفة مكانها، أو أنها كانت تتحرك كثيرًا وتبذل الكثير من الجهد لكنها لم تكن تفعل شيئا!
ظلت الأفكار تلفح رأسها يمنة ويسرة ابتسمت لأنها تذكرت كيف علمت بعد كتب كتابها أن رائد قد تولى أمر نادر لعامٍ كامل كان يعلمه الكلام ومفهوم الأشياء حتى نطق نادر وبدأت حياته تسير بصورة طبيعية.
-علي… استنى يا علي…
جذب انتباهها تلك العبارة التي نطقتها سيدة قد تجاوزتها السيارة للتو وكانت تركض خلف ابنها الصغير وتناديه، ظلت نداء تُطالع الطفل عبر زجاج السيارة الخلفي حتى اختفى عن مرمى بصرها فاعتدلت في جلستها وأطلقت تنهيدة متألمة.
لمَ كل شيء يذكرها به؛ «علي» الذي تعـ ـاقب قلبها المكظوم لأجله زاعمةً بأن قلبها يستحق بعدما خذل قلبه! فكلما ذُكر اسمه أو حضرت صورته لمخيلتها شعرت وكأن هناك من غرس نصل حاد بمنتصف قلبها، وأحست بألم مباغت في صدرها، وضعت راحة يدها على صدرها وأخذت تتنفس الصعداء وتزفر بهدوء علها ترتاح، كان التعب والإرهاق واضحًا على خلجات وجهها، بل على مظهر جسدها ومشيتها وكل حركاتها…
انتبهت أثر جملة والدتها التي تخاطب رائد:
-شايف أصلًا مش قادره تاخد نفسها ازاي؟!
طالع رائد انعكاس صورتها بالمرآة وهو يقول بابتسامة:
-إن شاء الله هتبقى زي الفل… أهم حاجه تاخد علاجها بانتظام.
قالت دينا:
-انا متابعه معاها المواعيد بالدقيقة…
كانت تنطق حرف العين هاء، فابتسمت نداء…
وحين مروا أسفل عمود للضوء استطاعت التقاط عينيه اللتان تسترقان النظر إليها عبر المرآة، فأشاحت بصرها وعادت تبحر في عالمها المظلم وهم يتطرقون لموضوعات عدة حتى انتبهت مجددًا حين وقفت السيارة قبالة منزلها وارتجلوا مودعين رائد الذي ظل يُطالعها وهي تدخل بيتها بخطواتٍ بطيئة توحي بمدى إرهاقها، استبد به القلق فكلما نظر إليها أدرك حجم معاناتها وآلام نفسها وجسدها وأدرك أنها تحاول جاهدةً أن تتماسك وتخفي تعبها، لكنه كان يراها ويشعر بروحها المنهكة، عزم أن ينقذها من تخبطها، وقرر أن يأخذ بيدها لتستعيد كامل عافيتها وتعود لسابق عهدها؛ تضحك، تكتب، تأكل، تعمل وتعيش…
★★★★
وعلى سجادة الصلاة وبعد التسليم التفت يحيى وطالع وئام بابتسامة ثم وضع يده على رأسها ودعى بصوت مسموع:
«اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليها، اللهم بارك لي في زوجتي واجعلني قرة عينها واجعلها قرة عيني وإن كتبت علينا الفراق فاقبضني إليك قبلها»
نظر لها بابتسامة وصمتٍ دام ثوان قبل أن يبسط يده ويقول:
-خلينا نتعاهد يا وئام إن أسرارنا متخرجش بره الأوضه دي…
مدت يدها ببطئ ووضعتها فوق راحة يده مرددة:
-أوعدك.
ضم يدها وقبلها، طالعها بحب وهو مبتسم كاد أن يغرقها بكلمات الحب لولا أن جحظت عينيها فجأة وظهر عليها الذعر فسألها عما أصابها، أشارت خلفه بيد مرتعشة فالتفت يُطالع الفراغ خلفه ثم عاد ينظر إليها قائلًا:
-فيه إيه يا بنتي؟ مفيش حاجه ورايا.
أشارت على الأرض وهي تقول برجفة:
-بـ… بُص عـ… على السجاده…
وحين طالع يحيى الأرض أصابه الشدوه للحظات، وأخذ يبدل نظره بين وئام المصدومة التي لم تحرك ساكنًا وبين الثعبان القابع على بُعد خطوات منه، ثم قال:
-هي ليلة باينه من أولها.
وحين تحرك الثعبان صرخت وئام ووثبت فوق الطاولة، ووثب هو لأعلى الفراش أخذ يصك وجهه هادرًا بالثعبان بهلع:
-إنت إيه اللي جابك هنا!! دخلت منين… دخلت منين؟!
أضاف يحيى بنبرة مرتعشة:
-أستحلفك بالله ألا تظهر لنا ولا تؤذينا.
أخذ يلوح بيده في اضطراب مرددًا:
-انصرف… انصرف.
وحين دخل الثعبان أسفل الطاولة التي تقف عليها وئام صرخت مرددة:
-انصرف إيه يا يحيى!! دا هيطلعلي!
قال بتوتر بالغ:
-طيب اعمل ايه دلوقتي؟!
-إنت لسه هتسأل اضـ ـربه يا يحيى…
وثب يحيى من فوق الفراش وهرع يبحث عن أي شيء ليجهز عليه، ووئام تصرخ باسمه وتستغيث، وسرعان قـ ـتـ ـله يحيى بأن هشم فوقه خشبة ثم ألقاه خارج البيت وعاد لوئام التي ظلت أعلى الطاولة فقال يحيى:
-خلاص انزلي بقا.
-أنزل فين! أنا لا يمكن أقعد في البيت ده لحظه واحده.
-تصدقي بالله نفس إحساسي! بس خلينا نفكر بالعقل هو احنا يعني ضامنين لو روحنا بيت تاني مش هيكون فيه زي ده ومستخبي.
مدت ذراعيها الإثنين أمامها مستفهمة بخوف:
-يعني ايه؟!
-يعني يلا نطلع نقعد على السرير للصبح…
ظل يراودها حتى قالت بحياء ممزوج الخوف:
-طيب أنا ممكن أقعد على السرير معنديش مشكلة بس شيلني حطني هناك…
ضحك يحيى ثم دنا منها وحملها عن الطاولة متجهًا صوب الفراش وهو يردد بمرح:
-تصدقي طلعتِ تقيله يا بت يا وئام.
وضعها فوق الفراش بهدوء، فاعتدلت جالسة وقالت بحنق:
-تقيله!! قول بقا إن إنتِ اللي مش قادر تشيلني.
أضاء يحيى جميع مصابيح الغرفة ثم عاد وجلس جوارها على الفراش عاقدًا ساقيه، فالتلفت حولها بتوجس، وظل هو يرمقها بين حين وأخر في صمت تام، قطعه ليطمئنها:
-متقلقيش يا حبيبتي أنا جنبك والنور قايد يعني لو فيه اي حاجه تانيه هنشوفها.
وما لبث أن أنهى جملته حتى انقطع التيار الكهربائي، فتشبثت به في هلع، قال بذعر حاول اخفاؤه:
-وبعدين في الليله البيضه دي يا وئام…
-يحيى أنا عايزه ماما…
قالتها بنبرةٍ مروعه فقال:
-نفس إحساسي والله بس خلينا نفكر بالعقل أكيد مامتي ومامتك نايمين دلوقتي فاحنا إيه… نصبر للصبح وكل واحد فينا يروح لأمه… والحمد لله معانا كشاف الموبايل…
وما أن انتهى من جملته حتى فصل شحن بطارية الهاتف، فقال يحيى:
-مش بقولك ليلة باينه من أولها.
-طيب قوم شوفلنا كشاف.
قالتها باضطراب، فقال بنبرة مهزوزة:
-قصدك أقوم أنزل من على السرير وأشوف كشاف؟!
-أ… أيوه…
حاوط كتفيها بذراعه وجذبها إليه مرددًا بخوف:
-طبعًا هعمل كده بس خلينا نفكر بالعقل لو نزلت أشوف كشاف هسيبك لوحدك وإنتِ هتخافي فاحنا ايه… ننام… ننام بقا للصبح والشمس هتطلع والدنيا هتنور لوحدها.
حثها أن تستلقي جواره وكانت تتشبث به بذعر، قالت بنبرة متحشرجة:
-يحيى أنا خايفه.
قال بنبرة مضطربة:
-نفس إحساسي والله بس خلينا نفكر بالعقل النايم ده في حفظ الله فاحنا ايه… نتوكل على الله ونقول أذكار النوم وننام… يلا رددي ورايا…
ابتلع ريقه ثم ردد:
-أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله…
سألته بتوجس:
-هي دي أذكار النوم؟!
-لا دي الشهاده تحسُبًا يعني.
قالت بحسرة:
-ياريتني ما اتجوزت.
قال:
-نفس إحساسي والله بس خلينا نفكر بالعقل….
قاطعته بنبرة مرتفعة:
-اسكت يا يحيى… اسكت مش عايزه أسمع صوتك لو سمحت.
-نفس إحساسي والله بس لو فكرنا بالعقل…
قاطعته بلكزتها لذراعه ثم قالت:
-عقل إيه! إذا حضر الخوف غاب المنطق… وإنت خايف اكتر مني يا يحيى.
قال بانفعال مصطنع:
-لا أنا مش خايف….
قالها تزامنًا مع لمسحها لقدمه بأصابع قدمها فصرخ وهو يسحب قدمه، ضحكت مرددة:
-مش خايف هااه!!!!
قال ببكاء مصطنع:
-أنا مش خايف أنا مرعوب يا وئام… أصل أنا مش بخاف الا منهم…
ضحكا وتحدثا كثيرًا حتى غلبهما النعاس…
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★
منذ أن دخلت ريم لشقتها بعدما علمت بحقيقة موت أختها وملامحها تتشنج ألمًا لأجل أختها وتلحزن يتمشى بين عينيها، بكت كثيرًا علها تخفف حزنها، خاصة بعدما أصرت أن تعلم كيف قُـ ـتـ ـلت أختها واضطر محمد أن يخبرها كيف ذُ.بـ ـحت بلا رحمة، كي يكون الألم في آن واحد ويمضي، لا يدري أنه بذلك ضاعف ألمها فبدلًا من أن تكون طعنتها واحدة أصبحت طعنات كثيرة في وقت واحد، ظلت تأنبهما لعدم اخبارها بما حدث لرغده وهي تبكي، وهما يحاولان مواساتها.
لم تنم ريم طول الليل تولى رامي أمرها بينما تولى محمد أمر الرضيع ورفض قطعًا أن يعطيها إياه خشية أن تسكب حليبها الممزوج بسم الحزن لقلبه الصغير، وتولى هو إعداد الحليب الصناعي له طول الليل…
انتبه محمد في الصباح أثر صوت بكاء الطفل فنهض على الفور وحين أبّ لتجهيز اللبن وجد وعاء الماء قد فرغ، فخرج من غرفته يحمل الرضيع بين يديه وهو يغلق عينًا ويفتح أخرى، فقابله رامي الذي دنا منه وأخذ الطفل من يده وهو يقول:
-هات يا غالي إحنا تعبناك الليلة اللي فاتت أخر تعب.
رد محمد بصوت ناعس:
-عيب متقولش كده يا رامي…
وحين بكى الصغير قال محمد:
-هزه شويه على ما أحضرله الرضعه.
أخذ رامي يهدهده ليهدأ في حين أعد محمد الحليب وهو يقاوم ليفتح عينيه ثم أخذ يعلم أبيه كيف يطعمه ثم هم ليدخل الغرفة ينام فسعل الطفل أثر شرقة، ركض محمد عائدًا إليه أخذ الطفل من يده مجددًا مرددًا بضجر:
-اوعى يا عم سيب الواد.
أسرع محمد بالطفل نحو الغرفة وتبعه رامي يشير بيده وهو يناديه:
-استنى يا عم أنا أبوه والله.
لوح محمد يده بضجر دون أن يلتفت له وصك باب الغرفة بوجهه تزامنًا مع خروج ريم من غرفتها فاتجه رامي صوبها، وهو يسألها بابتسامة:
-إيه يا مسكر عامله إيه؟
تجاهلت سؤاله وسألته بجمود:
-فين أيان؟!
-مع محمد متقلقيش عليه…
أومأت في صمت وحين عانقها رامي بكت مجددًا بين ذراعيه فربت على ظهرها قائلًا:
-عشان خاطري روقي… بلاش عشان خاطري أنا يا ستي عشان خاطر أيان لأنه محتاجلك.
ارتشفت دموعها وقالت:
-كنت بلوم رغده وظنيت فيها السوء يا رامي… افتكرتها غيرانه من وئام… ومني عشان اتجوزت قبلها وعشان كده مكانتش بتسأل عليا… أنا ظلمتها يا رامي…
خرجت من بين ذراعيه وأضافت بنبرة متحشرجة:
-يوم ما كنا مسافرين حضنتني جامد وطلبت مني أسامحها… ساعتها حسيت إنها بتفكر في مؤامرة عليا وقلت لنفسي مش معقول تتغير بين ليلة وضحاها… لكنها زي ما تكون كانت حاسه إنها هتـ ـموت…
شهقت باكية ثم أشارت لقلبها مرددةً:
-انا قلبي واجعني أوي يا رامي.
ضم وجهها بين كفيه وقال:
-سامحيها يا ريم… سامحيها وادعيليها يا حبيبتي… هي محتاجه دعواتنا كلنا.
لم يخبرها رامي أو محمد عما فعلته رغده بالإتفاق مع ريناد، ظل يربت على ظهرها ويواسيها حتى هدأت أو تظاهرت بالهدوء بينما جرح قلبها ينزف ألمًا، ألمٌ ضمادته الصبر ودواءه مرور الوقت ليذبل ويطيب.
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم🌹
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★★
ارتدى رائد ثيابه في عجالة وأخذ يضع عطره في سرعة ليخرج من البيت فرأته هيام، خاطبته:
-رايح فين من الصبح كده؟
قال وهو يربط حذائه:
-كنت برن على نداء فعمي رشدي رد عليا وقالي إنها تعبانه شويه… هروحلها وبعدين أعدي على وئام وأنا راجع.
-طيب خدني معاك أنا أصلًا عايزه نداء في موضوع.
-هتأخريني يا هيام!
هرولت من أمامه وهي تردد:
-والله دقيقه واحده وهكون جاهزه عد لحد ٦٠ هكون عندك… أنا بلبس بسرعة أصلًا.
انتهى رايد.من ربط حذاءه ثم نهض تنفس الصعداء ثم قال:
-هستناكِ في العربيه يا هيام.
صاحت وهي تهندم حجابها:
-ماشي نص دقيقه وهكون عندك.
ركب رائد السيارة التي استأجراها محمد ورامي وانتظرها لتخرج…
تأكدت هيام أن الورقه التي أعطاها لها محمد بحقيبتها، فهي تجاهد نفسها منذ الأمس أن تفتحها وتقرأ ما بها، وقررت أن تتخلص منها وتسلمها لنداء، تناهى لسمعها أبواق السيارة، كان رائد يستعجلها للخروج فأغلقت حقيبتها ثم هرولت للخارج وهي تخبر والدتها أنها مغادرة برفقة أخيها…
★★★★
لم تستيقظ نداء في موعدها فقد كانت الحمى تسكن جسدها وتأبى تركها الليل بطوله، وظلت تنتفض وتهذي بكلماتٍ منها المفهوم هو اسم رائد ومنها الغير مفهوم.
ورغم تحسن حالتها وزوال الحمى إلا أنها لم تسمع نقرات العصفورة المتواصلة لنافذة غرفتها وظلت تغط في نومها حتى اقترب وقت الظهيرة.
ومن ناحية أخرى كانت ردهة البيت تعبق بتلاوة عطره من إذاعة القرآن الكريم بالراديو، تخلله صوت جرس الباب فخرجت دينا من المطبخ تسأل عن هوية الطارق! وما أن فتحت تتفاجئت برائد وهيام استقبلتهما ورحبت بهما وجلسوا بغرفة الضيافة، سألتها هيام عن نداء، فشرحت دينا ما أصابها بإيجاز وأضافت:
-وطول الليل تردد اسمك يا رائد وهي تحت تأثير السخونية.
ابتسم رائد ابتسامة باهتة مجاملة فقد كانت حالة نداء تؤرقه ويقلقه مرضها.
قالت دينا:
-طيب قومي يا هيام ادخلي صحيها.
قال رائد:
-لا يا أمي سيبيها ترتاح.
قالت دينا:
-لا دي لازم تصحى عشان ليها علاج… وكويس انك جيت عشان تساعدني وتأكلها لأنها تعبتني… وأنا هقوم أجهز الفطار على ما تصحوها.
قالت جملتها الأخيرة وهي تنهض فتبعتها هيام التي غمزت لرائد ثم خاطبت دينا:
-أنا هاجي معاكي نجهز لها الفطار ورائد يدخل يصحيها…
حمحم رائد وقال بحرج:
-لا لا ميصحش…
شهقت دينا وقالت بدهشة:
-ميصحش! الله!! قوم يابني صحيها هو إنت غريب! دا إنت جوزها.
كبح رائد ابتسامته، فكلما تذكر أنه زوجها وأنها خاصته تراقص قلبه فرحًا وسرور، نهض وهو يقول:
-طيب ماشي…
دلف رائد لغرفتها التي كانت إضائتها خافتة، وكانت هي غارقة في نومها، وقف قبالتها للحظات بتأمل وجهها الباهت ثم قلب بصره بأرجاء الغرفة، فأبصر مكتبها المكتظ بالأوراق، أخذ يفتش أدراجه حيث كانت الفوضى تعمه، إلى أن صادف ورقة كُتب عليها:
“رائد؛ الراء روضتي والألف استثنائي أنت، والهمزة أُنسي والدال دفئي…”
اتسعت ابتسامة رائد وقلب بين الأوراق حتى أبصر دفتر أسفلهم فتحه فكان بخط يدها، التفت حوله كاللص قبل أن يضعه أسفل قميصه ويطمئن أنه لن يظهر لأحد حتى يغادر.
اتجه نحوها ووضع ظهر يده على جبينها ليتأكد من تحسن حرارتها ثم مسك يدها قائلًا بنبرة خافتة هادئة:
-دودو… اصحي بقا يا قلبي عشان تاخدي علاجك…
فتحت جفونها أثر صوته الذي ظنته حلم وما أن أبصرته أمامها، انتفضت وسحبت الغطاء عليها، قالت بصوت ناعس:
-إنت دخلت هنا ازاي؟!
-من الباب والله.
قالها بابتسامة وهو يشير نحو الباب فقالت بجمود وهي تعتدل جالسة:
-لو سمحت اخرج بره.
-ولو مخرجتش؟!
قالها رافعًا حاجبيه، فنفخت متضجرة من والدتها ووالدها اللذان سمحا له باختراق خصوصياتها بتلك الطريقة، قالت وهي توقع كلماتها:
-اطلع بره…
ضغط على كلماته مرددًا:
-مش هطلع…
همت أن تنزل من فراشها وهي تقول:
-ماشي خليك هطلع أنا.
جلس على المقعد وقال بابتسامة استفزتها:
-اتفضلي يا حياتي الباب مفتوح.
رمقته بغيظ وخرجت من الغرفة تنادي والدتها وهو يتابعها بابتسامة واسعة ويتحسس بطنه محل ما أخفى الدفتر ليطمئن أنه بموضعه.
ظل رائد يتابع نداء التي اضطرت لتناول فطورها رغمًا عنها بسببه كي تتهرب من الجدال معه، وكي لا تخوض والدتها سجال موضوع التغذية أمامه.
وبعد فترة أبصر رائد وشوشات هيام ونداء فأرهف السمع عل أذنه تلتقط ما تتجادلان بشأنه، لم يرى سوى مظروف أصفر اللون وضعته هيام بيد نداء التي كانت تأبى أن تأخذه، هدرت بها نداء:
-إنتِ أكيد تعبانه في دماغك.
-بصي أنا مليش دعوه ولعي فيه بس بعيد عني.
-يعني هو قالك ده لـ نداء؟!
قالتها نداء لتتأكد من حماقة ما يجري معها، فتذكرت هيام حديثها مع محمد بالأمس لم يذكر اسم نداء مطلقًا لكنها فهمت بفطنتها وذكاء سريرتها أنه يخص نداء، قالت بحماقة:
-أ… أيوه.
مطت نداء فمها، تسائلت هل محمد هو الأخر معجب بها!؟ اختلج قلبها وظلت تفكر هل هذا قلب ثالث وُضع بين يديها؟!
تركتها هيام وعادت لرائد قائلة:
-مش يلا بقا يا رائد عشان لسه هنروح لوئام.
نهض رائد واقفًا وعينيه على يد نداء التي تقبض بها على تلك الورقة، قال:
-أيوه يلا… عشان نسيب نداء تريح شويه.
دنا من نداء فعادت هي للخلف بتوجس، ظانةً أنه سيعانقها أو ما شابه! وما أن وقف قبالتها باغتها بسحب الورقة من بين يديها وهو يقول:
-إيه الورقه دي!
شهقت هيام واتسعت حدقتي نداء بصدمة بينما فتح رائد المظروف، رماه أرضًا بعدما أخرج الورقة من داخله، همت نداء أن تسحب الورقة من يديه وهيام أيضًا لكنه سحب يده بعيدًا وعاد للخلف ليفتح الورقة ويقرأ ما كُتب على سطحها، قبل أن يصر على أسنانه بغيظ ناطقًا:
-محمد!
سأل نداء:
-ممكن أفهم إيه ده؟!
ابتلعت نداء ريقها ووضحت باندفاع:
-أنا معرفش حاجه ابن عمك اللي بعتهولي مع هيام…
حدج رائد أخته بنظرات حارقة، ثم هز الورقة نصب عينها هادرًاوبانفعال:
-قالك تعطيه لنداء يا هيام؟!
خافت هيام من نظرات أخيها فقالت برهبة:
-أنا مليش دعوه هو اللي قالي أوصله ليها!!
قبض رائد يديه بعصبيه قم خرج من البيت يهملج بعصبية وتبعته هيام تناديه، فتوقف ونظربعينيها قائلًا وهو يصر على أسنانه:
-مش عايز ولا كلمه…. يلا….
رفعت هيام رأسها تُطالع نداء المضطربة التي تتابعهما من الشرفة بقلق، ثم ركبت هيام جواره قبل أن ينطلق بالسيارة.
وقفت نداء أمام المرآة تتحسس وجهها الشاحب وملامحها الباهتة وهي تخاطب حالها بأنها ليست جميلة لتفتن عقول هؤلاء الشباب!!!
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★
-المشكله إن اللي طلع معايا في الوقت ده إني أقوله انصرف… انصرف…
قالها يحيى ضاحكًا بعدما حكى لوالديه ما حدث ليلة البارحة، فقال والده وهو يقلب كفيه:
-دخل منين ده! لا حول ولا قوة الا بالله.
وقالت والدته:
-متقلقيش أنا هتصرف… هحط شيح في كل ركن في البيت مفيش حاجه هتقرب من هنا.
-طيب يا أمي ارجعوا بقا البيت بعد إذنكم وبعدين أنا وئام هنروح إسكندريه كمان يومين.
قال والدة:
-ربنا يسعدكم يا حبيبي… احنا قاعدين مع عمك فوق متقلقش علينا يومين وهنرجع…
من ناحية أخرى مطت وئام ذراعيها أثر النوم وما أن فتحت جفونها واستعادت ذاكرتها ما حدث بالأمس صرخت:
-يحيـــــــى.
سرعان ما فتح يحيى باب الغرفة بلهفة جلس قبالتها مرددًا:
-في إيه تاني؟!
هدرت به بنبرة مرتفعة:
-إنت إزاي تسيبني نايمه لوحدي وتخرج من الأوضه… مصحتنيش ليه؟!
وضع سبابته على فمه قائلًا:
-هووووش… متعليش صوتك بابا وماما بره.
أطرقت في صمت فاستطرد:
-أنا حكيت لرائد واقترح إننا نروح اسكندريه اسبوع إيه رأيك؟
قالت بعدم حمـ ـاس ودون أن ترفع بصرها:
-ماشي يا يحيى.
-ماشي يا يحيى؟!
قاطعه عن إكمال حديثه جرس الباب، فقال:
-يلا قومي كده وروقي عشان أكيد دول أهلك…
تركها وخرج من الغرفة وطالعته حتى أغلق الباب خلف ظهره، تسرب الندم لقلبها لأنها تزوجت بتلك الطريقة وفي بيت مشترك مع والديه، فمذ البارحة وهي تتعرض لما لم تتوقع بحياتها أن تراه! قالت في ندم:
-إيه اللي عملته في نفسي ده! حب ايه اللي يخليني أضحى تضحيه زي دي!!!
هزت رأسها بعنـ ـف لتنفض منها هواجس نفسها ووساوس الشيطان فقد تزوجت وانتهى الأمر، استعاذت بالله من الشيطان ودعت الله أن يبارك لها في حياتها وزوجها وأن يعينها على طاعته، فلم تشك أن تلك هي رهبة البداية التي تصيب قلوب الفتيات في بداية زواجهن.
تفحصت أرضية الغرفة بتوجس قبل أن تنزل من فراشها، وفتحت باب المرحاض وقلبت بصرها بأرجائه قبل أن تخطوه بشمالها…
★★★★★
وبعدما خرج دياب مع زوجته وبرفقة عمرو وعامر متوجهين لبيت وئام، دخلت بعدهما سيارة يونس للشارع تزامنًا مع خروج ريم من البيت حاملة طفلها بين ذراعيها وقاصدة بيت والدها، أوقفها صوت يونس:
-مدام ريم بعد إذنك!
التفتت إليه فارتجل من سيارته وقال:
-اولًا حمد الله السلامه.
قالت باقتضاب:
-الله يسلمك.
-ثانيًا بورك لكما في الموهوب وشكرتم الواهب.
قالها وهو يُطالع الصغير القابع بين يديها فقالت بابتسامة صغيرة:
-الله يبارك فيك.
كانت قد رمقته في سرعة ولاحظت التغير الذي طرأ عليه للأفضل، كان الصلاح يتمشى بين قسمات وجهه، وقد أطلق لحيته وقص شاربه، غض بصره عنها وهو يقول بتلعثم:
-أ… أنا كنت جاي عشان… كنت عايز أقول لحضرتك حاجه بخصوص رغده الله يرحمها.
-حـ… حاجة إيه؟!
-كنت عايز أقولك إنها لما اتفقت مع ريناد يفرقوكي إنتِ ورامي ندمت وحاولت تصلح غلطتها بس مـ….
قاطعته مرددة بجمود:
-رغده أختي؟! رغده كانت عايزه تفرقني أنا ورامي؟!
لم تتعجب كثيرًا فقد كانت تتوقع من رغده أي شيء، زفرت بألم وقررت ألا تستمع للمزيد، وها قد غادرت رغده الدنيت فلا يجوز في حقها سوى الدعاء بالرحمة والمغفرة، وقد انتهى الأمر وولى، ولا داعي للمزيد من الصدمات! والجهل ببعض الأمور عادة يكون أفضل من العلم بها، بل وإخفاء الله ما في نفوسنا نعمة تستحق الحمد ليلًا ونهارًا، أضافت على الفور:
-أرجوك أنا مش عايزه اتكلم في اللي فات… الله يرحمها ويغفر لها…
-أنا مش جاي أتكلم في اللي فات أنا جاي أقولك إني شوفت رغده امبارح في منامي وكانت بتعيط وبتترجاكِ تسامحيها لأنها بتتعذب… قد تكون أضغاث أحلام وقد تكون رؤية لأني بدعيلها في كل سجدة يمكن أسامح نفسي عشان كنت سبب إنها تكون في المكان اللي ماتت فيه… ربنا يصبر قلوبكم…
ظل كلامه يمور برأسها وهي تتجه نحو بيت والدها، وقد استقل يونس سيارته وغادر…
وبمجرد أن فتحت بوابة البيت انتشلها من فِكرها صوت شجار ريناد وصالح ومحاولة والديها ومؤمن الإصلاح بينهما، فعادت أدراجها واستدارت لتفتح البوابة مجددًا لتعود لبيتها تزامنًا مع وقوف رائد بسيارته وخروجه منها مهرولًا وهيام تتبعه وتناديه وتسأله أن يهدأ ولا يتصرف وهو غاضب.
طفقت هيام تأنب حالها فاثناء الطريق سألها رائد هل أخبرها محمد أن توصل تلك الرسالة لنداء فأومأت رأسها وقبل أن تشرح له أنها فهمت ذلك لأن محمد كان يحاوط اسم نداء في الرواية بقلوب حمراء وزرقاء، هدر بها ألا تتفوه بحرف أخر، كانت الأفكار تجذبه يمنة ويسرة والد**ماء تغلي بأوردته وهو يقود السيارة في سرعة وعجلة ليصل لمحمد ليفهم منه…
هرولت ريم خلفهما وسألت هيام ما الذي يجرى فقد كان رائد يطرق باب شقها بعـ ـنـ ـف، سأل رائد ريم وهو يلهث:
-فين محمد؟
وقبل أن تجيب ريم فتح محمد باب الشقة وهو يتثاءب فقد استيقظ من نومه أثر طرقات رائد، سأل محمد وهو يفرك جفونه:
-فيه ايه؟!
ود رائد أن يتحدث معه بهدوء لكن لم يستطع كلح يده عن تسديد لكمة لوجهه أفقدته توازنه للحظات وما لبث محمد أن انتبه هدر برائد بنبرة مرتفعة:
-ايه يا رائد؟!
قذف رائد الورقه بوجه محمد بغضب وهو يقول:
-ممكن تفهمني إيه ده؟!
عرف محمد الورقة من ظهرها فحك رقبته بارتباك وطالع هيام قائلًا بعتاب:
-بتديهاله ليه؟!
أطرقت هيام في حين أخذت ريم الورقة التي سقطت على الطاولة وقرأت ما بها بصوت مسموع:
-خبروها بأني قد تزوجت فظلت تكاتم الغيظ سرًا… اطمني لأن قلبي مستحيل يقبل بواحده غيرك ومهما طال الزمن والصعوبات أنتِ لي… ممكن تقبلي نكون سوا العمر كله؟… محمد.
طالعت ريم وجه محمد وسألته:
-ايه ده يا محمد؟ إنت اللي كاتب ده؟! ولمين؟!
طالع محمد رائد وقال:
-إنتِ بتضربني ليه يا عم أنا مستأذن من عمي دياب! وطلبتها رسمي منه.
أخذ محمد يتحسس وجهه ويتاوه، واستدار رائد للإتجاه الأخر ممعنًا التفكير، ثم بدل نظره بين هيام ومحمد وقد تدارك الخطأ الذي حدث فقد أعماه الغضب وافقده عقله، خاطب رائد هيام بنبرة مرتفعة وغضب:
-هو محمد كان قالهالك صريحه… إديها لنداء؟!
-نداء!!! نداء مين؟!
قالها محمد بدهشة، وطفقت هيام تشرح كيف فهمت من كلام محمد أنها لنداء وموضوع الروايه التي كان محمد يحاوط اسم نداء بها، قال محمد:
-رواية إيه دي!! أنا مش فاكر حاجه زي كده؟
قالت هيام بخفوت:
-الروايه اللي كنت مديها لرائد من سنه و….
قاطعها رائد الذي أشار لرأسها هادرًا بحدة:
-هو فيه هنا مخ ولا فردة جزمة؟! محمد كان عمل كده عشان يدفعني أخد خطوه في موضوعي أنا ونداء… وحتى لو محمد ندل تروحي توصلي لمراتي ورقه منه؟!
جلس محمد على المقعد وانفـ ـجر ضاحكًا، فقال رائد:
-إنت بتضحك!! دا أنا كنت ناوي أفرمك… وبعدين اختي مبتفهمش كده قولها لها صريحه…
-إنت أصلًا طلعت غبي يا رائد!! متخيل إن أنا ممكن ابعت لمراتك رسايل حب!!!
قالها محمد قبل أن يطلق عدة ضحكات ساخرة، فقالت هيام باضطراب مخاطبة محمد:
-يـ… يعني إنت كان قصدك واحده تانيه؟!
نهض محمد واقفًا وقال:
-تخيلي!… واحده استأذنت من عمي دياب عشان أديها الورقه دي!
فهمت مقصده لكنها خشيت أن تكون قد أخطات الفهم فتتشبث بحبل الأمل لتصعد للثريا ثم ينقطع الحبل وهي بمنتصف المسافة فتسقط وتتحطم روحها، قالت بلجلجة:
-تـ… تقصد ريمان؟!
ضحك الثلاثة _ريم ورائد ومحمد_ عاد محمد ليجلس وقال من خلف ضحكاته:
-الظاهر مفيش أمل… أنا مضطر أراجع نفسي يا رائد.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سدفة)