رواية سدفة الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية شاكر
رواية سدفة الجزء السادس والعشرون
رواية سدفة البارت السادس والعشرون
رواية سدفة الحلقة السادسة والعشرون
-مش عارف مقالوش هما استدعونا للقسم… أنا هروح لبابا المحل.
قالها وفتح باب الشقة وغادر، في حين دخلت وئام من الشرفة عندما سمعت حديث رائد، وأنهت شيرين المكالمة حيث كانت تُحدث أخيها عبر الهاتف، بدلت هيام نظرها بين شيرين ووئام ثم حملقت بالفراغ أمامها والتساؤلات تدور بخلدها؛ تُرى من يكون القـ ـاتل، وهل أتى محمد لأجل هذا؟! استفاقت من أفكارها على صوت وئام التي قالت بعد تنهيدة:
-ربنا يسترها.
شيرين وهيام: يارب.
ومن ناحية أخرى بعد مشاورات عدة بين عمرو وعامر، أقبل أحدهما نحو والدته وخاطبها بابتسامة عابثة:
-ماما كنا عايزين نقولك حاجه؟
شعرت شيرين من نظراتهما العابثة أنه بالطبع موضوع تافه وبلا فائدة كالمعتاد منهما، فقالت بنفاذ صبر:
-مش وقته يا عمرو.
ثم نهضت واتجهت صوب غرفتها، فهرول الطفل خلفها مرددًا بسأم:
-أنا مش عمرو أنا عامر.
توقفت شيرين واستدارت ترمقه بسخط، هادرةً وهي تحرك يديها بضجر:
-لا مش وقت سماجه وكلام سخيف خالص… الواحد فيه اللي مكفيه.
تجاهلت وئام حوارهما وهتفت وهي تزم جفونها:
-تفتكري يكون مين القـ ـاتل يا ماما… يونس؟ ولا ريناد وصالح؟ ولا الثلاثه مشتركين مع بعض؟ ولا….
قاطعتها شيرين قائلة بامتعاض:
-يونس مستحيل يقـ ـتل… وبعدين أنا لسه قافله مع خالك وقالي إنه نايم أكيد مش هو.
-شويه وهنعرف كل حاجه.
قالتها هيام وهي تومئ رأسها ثم توجهت للشرفة وتبعتها وئام….
اشرئبت هيام برأسها حين رأت محمد وضياء يستقلان سيارة والدها وتلقائيًا افتر ثغرها عن ابتسامة حاولت اخفائها فليس وقتها إطلاقًا، وحين نظرت لوئام وجدتها عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتُطالعها بمكر قائلة:
-دا باين محمد هنا أهوه…
تظاهرت هيام بللامبالاة وأومأت رأسها قائلة:
-أ… أكيد استدعوه هو كمان…
ومن ناحية أخرى همت شيرين أن تدخل غرفتها فجذب الطفل الأخر «عمرو» ملابسها مرددًا:
-يا ماما عايزينك في موضوع…
قالت بنبرة مرتفعة وبنفاذ صبر:
-عايزين إيه؟
قال عامر بعد غمزه بعينه:
-تدفعي كام ونقولك سر عن رائد؟
غضنت جبينها وهي تهز رأسها باستفهام مرددة:
-سر إيه؟
قال عمرو بابتسامة ماكرة:
-سر خطيـــــــــر…
قال عامر مفصحًا:
-رائد بيحب…
عقب عمرو:
-ابنك مرتبط يا ماما… ها تدفعي كام ونقولك هي مين؟
قالها عمرو ثم جلس على الأريكة وجاوره عامر الذي غمز له بعينه…
حدقت شيرين بالفراغ لبرهة ثم اتجهت نحوهما والفضول يُطل من عينيها، جلست قبالتهما وقالت وهي توقع كلماتها:
-احكوا… وهديكوا اللي إنتوا عايزينه.
بسط عامر يده وقال:
-الفلوس الأول عشان عايز أيس كريم…
-هديلك تجيب بس قول الأول…
أخذ الطفلان يحكيان ما حدث بالتفصيل وكيف رفع رائد نبرته وهو يطلب منها أن تُحدثه عبر الهاتف، وانتهى عمرو بقوله:
-أصلًا بيبصوا لبعض من تحت لتحت من زمان… ولما كنا في المصيف السنه اللي فاتت شوفتهم لما قفلنا الباب عـ…
جحظت عيني عامر وأطبق يده على فم عمرو ليقطع إفصاحه عما فعلاه منذ عام وسُتِر، همس جوار أذنه وهو يضغط على كل كلمة بغيظ:
-اسكت معدتش تتكلم خالص…
بدلت شيرين نظرها بينهما وزمت جفونها قائلة:
-كملوا إيه اللي حصل في المصيف؟!
عامر متلعثم:
-مـ… محصلش حاجه…
اومأ عمرو برأسه مرددًا بعفوية:
-مـ… مقفلناش عليهم الباب هو اللي اتقفل لوحده…
صك عامر وجهه من حماقة أخيه وأب لمغادرة المكان مما نبأ شيرين بأن هناك أمر جلل فدومًا عندما يشعر عامر باقتراب الخطر يهم بالإنسحاب لذا جذبته من ملابسه وأجلسته قبالتها مجددًا وهي تقول:
-رايح فين؟ أقعد بقا احكيلي حوار الباب ده من الأول عايزه أسمعه منك…
رفع سبابته قائلًا بتبرير:
-والله العظيم عمرو اللي قفله وهو صاحب الخطه… وأنا مش عمرو أنا عامر…
ركض عمرو لإحدى الغرف ثم أوصد الباب وقال من خلفه بانفعال:
-أنا مليش دعوه يا ماما دا كداب…
طالع عامر نظرات والدته الحادة وتذكر جملة آدم التي تنقذه من كل المصاعب، فقال باستعطاف:
-أستحلفك بالله ما تتعصبي ولا تزعلي نفسك… وأنا هحكيلك اللي حصل من طق طق…
قالها وهو يطرق بقبضته على كتفها ومردفًا وهو يشير بالسلام بنبرة مرتعشة:
-من طق طق لسلام عليكم.
حكى لها كيف كانوا يحاولون مضايقة رائد أولًا بإغلاق باب المرحاض عليه انتقامًا منه حين أخذ الصـ ـواريخ منهما وثانيًا باب غرفته لأنه كان دائم الغضب منهما وعليهما، ووضح الطفل:
-بس والله ما كنا نعرف إن نداء في الحمام أو في الأوضه والله… والله!
سلط الطفل بصره متفرسًا ملامح والدته التي أرخت قبضتها على ذراعه وهي تفكر في كلام طفلها ولم تنبس ببنت شفه، فقال:
-مش هتديني فلوس أجيب أيس كريم؟
قذفته بنظرة جانبية متبرمه، فنهض وأخذ يسير بظهره مبتعدًا عنها وهو يقول:
-أ… أ… أنا أصلًا مش عايز…
صلوا على خير الأنام ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★
-إيه يا مسكر قاعده لوحدك ليه؟
قالها رامي بابتسامة، وحين لاحظ شرود ريم وتجهمها جلس قبالتها وسألها بلهفة:
-مالك يا ريم؟
أطلقت تنهيدة متألمة ثم قالت بنبرة تخنقها العبرات المكتومة:
-قلبي مقبوض… وماما وحشتني ورغده وبابا… أنا ساعات بندم إني سافرت معاك…
لم يعقب رامي وظل يُطالعها مغضنًا حاجبيه، فأطلقت لدموعها العنان وقالت بحشرجة:
-أنا عايزه أكلم ماما يا رامي…
ربت رامي على ساعدها وقال بابتسامة فاترة:
-حاضر هتصرف وأخليكِ تكلميها بس عشان خاطري إهدي…
زفرت بقـ ـوة ثم قالت:
-هو مينفعش أرجع أنا مصر؟
-وأهون عليكِ تسيبيني لوحدي؟!
-أنا مخنوقه أوي يا رامي… حاسه إن فيه حاجه… أكيد فيه حاجه…
شهقت باكية وكأن قلبها يشعر بالمخفي عنها، فضمها وهو يقول:
-وحدي الله يا ريمو وقومي بس اتوضي وصلي اطردي الشيطان ده… صدقيني مفيش حاجه وإن شاء الله عمي ومامتك يتصالحوا والأمور تتحل…
تركها رامي تفرغ طاقتها السلبية في البكاء وأخذ يربت على ظهرها ويستعيذ بالله من الشيطان ويرتل آيات من القرآن حتى إنزلقت الدموع من عينه هو الأخر وتحشرج صوته حين تخيل رد فعلها بعدما تعرف ما حدث مع أختها، فرفعت بصرها إليه وقالت بلهفة:
-إيه يا رامي؟!
جفف دموعه في سرعة وقال بابتسامة باهتة:
-مفيش يا مسكر أنا بس أهلي وحشوني أنا كمان… الغربه وحشه أوي يا ريم…
ضمته وأخذت تردد آيات تحفظها من القرآن الكريم ثم جذبته من يده ليستعظا لتصلي ويكون هو إمامها…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين.
بقلم آيه شاكر
★★★★★
-تمالك أعصابك يا عمي…
قالها رائد فبينما كان يقود السيارة إذ سمع صوت نحيب عمه الذي يجلس بالمقعد الخلفي جوار محمد، فربت محمد على يد والده وقال:
-أرجوك يا بابا إهدى عشان خاطري…
ارتشف ضياء دموعه مرددًا:
-يارب الصبر يارب…
رمقه رائد ونفث الهواء من فمه بينما اكتسى وجهه بالحزن، وقف قبالة محل والده ليركب معهم ثم انطلقوا صوب قسم الشرطة.
استقبلهم ضابط الشرطة مشيرًا للمقاعد وهو يقول:
-اتفضلوا اقعدوا…
ساد الصمت قليلًا بينما كان الضابط يتحدث عبر هاتفه وحين انتهى وضع أربعة هواتف صوب أعينهم وقال:
-دي الموبايلات اللي كانت مسروقة منكم؟
تفحص رائد الهواتف وأخرج هاتفه من بينهم وهو يقول:
-أيوه يا فندم دا موبايلي فعلًا…
حمحم ضياء وقال:
-حضرتك قولتلنا لقيتوا القـ ـاتل مش الموبايلات؟
اومأ الضابط وصمت هنيهة ثم رفع بصره مخاطبًا رائد:
-تقدر تتعرف على اللي سرقوا منكم الموبايلات يا أستاذ رائد.
بدل رائد نظراته بينهم وقال:
-أأ… أيوه طبعًا… كانوا تلاته…
أومأ الضابط مرة أخرى ورفع صوته مخاطبًا العسكري:
-دخلهم يا بني.
توجهت الأنظار نحو باب الغرفة الذي دلف منه ثلاثة أفراد تتذبذب نظراتهم وتختلج قلوبهم، نهض رائد واقفًا وتفحص وجوههم قائلًا وهو يصر على أسنانه بغيظ:
-أيوه يا باشا هما دول.
-إإ… إحنا مظلومين يا بيه…
قالها أحدهم بارتباك، بينما قال أخر باستعطاف:
-يا باشا أنا اللي شايل أمي وأخواتي… بالله عليك يا باشا أ…
قاطعهما صوت الضابط الحاد:
-بس إنت وهو ولا كلمة…
ثم أشار للعسكري مردفًا:
-خدهم.
اختلطت أصواتهم المضطربة بقول الأول:
-أنا معملتش حاجه…
والثاني:
-أنا مظلـ ـوم هما السبب…
والثالث:
-أنا مقتـ ـلتش حد…
وبعد انصرافهم توجهت النظرات المتسائلة نحو الضابط الذي قال دون أن يرفع ناظره:
-أنا هفرجكوا على فيديو دلوقتي بس أهم حاجه تمسكوا أعصابكوا…
”رجوع للماضي”
همى الدمع من عيني رغده وهي تسير في طريق لم تألفه يخلو من أي بشر، بعدما تركها يونس وغادر، وكانت تلك فرصة مناسبة لتجتر ذكرياتها منذ الطفولة وحتى وقتها هذا! تذكرت أخر عريس رأته يدخل بيت هيام وهي وكيف أنها لم يطرق بابها شخص واحد حتى الآن مع أنها أكبرهم سنًا، وبينما هي على ذلك إذ حاوطها أربعة شباب يبتسمون بخبث، اختلج قلبها فزعًا وأخذت تلتفت حولها بتوجس، هتف أحدهم بصوت يبدو فيه الخـ ـدر:
-القمر ماشي لوحده ليه؟
-إ…أ… محدش يقرب مني…
قالتها بذعر، وبنبرة مرتعشة تنم على تواثب دقات قلبها الذي كاد يفر من بين أضلعها، ضحك الأربعة بصخب فأشارت لأحدهما مستطردة بتلعثم:
-أ.. أنا عارفاك شوفتك قبل كده… شـ… شوفتك وإنت داخل بيت عمو دياب…
ابتلعت ريقها باضطراب وقالت:
-أ… أيوه… إ… إنت أخر عريس اتقدم لهيام…
نظر اللصوص لبعضهم، بينما تجولت نظراتها بالمكان قبل أن تركض ويتبعونها حتى أمسك بها أحدهم، فصرخت قبل أن يطبق يده على فمها، كان تأثير المـ ـخدر واضحًا على صوتهما قبل نظراتهما، وقف الشاب الأخر قبالتها ومقلتيها تدور هلعًا وأنفاسها تتسارع رهبة وريبة، قال عريس هيام السابق بخـ ـدر:
-متخافيش مش هنعملك حاجه… إحنا هنوصلك…
حاولوا سحبها للسيارة فدفعتهم بكامل عزمها وركضت مجددًا حتى قاطع الشاب طريقها وقال بضحك هستيري:
-هتروحي فين تاني؟!
ارتفع نشيجها وأخذت تتوسلهم ليتركونها، وفجأة أمسكها أحدهم من الخلف وأخذ يجرها من حجابها فاضطرت لنزعه وقبل أن تأب للركض باغتها أحدهم بأن جذبها من شعرها للخلف وذبـ ـحـها أخر على حين غفلة.
كان هناك شاب من الأربعة يصور ما يحدث ضاحكًا وما أن رأى ذلك المشهد حتى صرخ وهدر في الفاعل وعمت الفوضى بينهم فركضوا تاركين جسد رغده يرتجف ويترنح قبل أن تسقط والزبد الأحمر يتدفق من حولها…
”عودة”
-يعني ابن صاحبي هو اللي عمل كده!!! وهو اللي سرق موبايلي أنا ورشدي لما روحنا عنده…
-وجرجرني أنا وماما للمكان المقطوع ده عشان يسرقنا!
قالها رائد وهو يُصر على أسنانه وقد اكفهر وجهه من شدة الغضب، فقال الضابط:
-وواضح جدًا إنهم بيتعاطوا مخـ ـدرات… حظهم الإسود إن واحد منهم صور اللي حصل بموبايلك يا أستاذ رائد والناصح حذف الفديو وراح باع الموبايل لكن الفديو كان محفوظ في الملفات المحذوفه وشافه صاحب محل الموبايلات وهو اللي بلغنا…
لم يعقب أي منهم وألقى الصمت رداءه على المكان للحظات…
-دخل المتهم يابني…
قالها الضابط آمرًا، فنظر الجميع نحو باب الذي دلف منه شاب منكس الرأس، أقبل ضياء نحوه وسأله في جمود:
-إنت! إنت اللي قتـ ـلت بنتي! ليه يابني حرام عليك… ليــــه…
أطرق الشاب رأسه، وعلى حين غرة انقض عليه ضياء أطبق يديه على عنقه وهو يردد بهستيرية:
-مش هسيبه… همـ ـوته بإيدي زي ما عمل في بنتي…
أخذ الشاب يجاهد لإلتقاط ذرات الهواء وشحب وجهه وشعر كأن روحه تتصعد في السماء، حتى استطاع الشرطي سحب المتهم من يديه فسقط أرضًا وطفق يسعل ويتنفس الهواء دفعة واحدة، هدر الشرطي بضياء:
-اهدى يا حج ضياء الواد كان هيمـ ـوت في إيدك…
-اهدى يا بابا…
قالها محمد لأبيه الذي يلهث ويزأر كوحش هائج، قال بغضب وهو يلتقط أنفاسه:
-عايزيني أهدى ازاي دا دبـ ـح بنتي…
قالها ثم أجهش بالبكاء وهو يردد اسم رغدة بلوعة وحسرة قبل أن يهوى جالسًا على أقرب مقعد فاقترب منه دياب يواسيه ويعضده بينما ربت رائد على كتف محمد الذي يبدل نظره بينهم بمزيج من الحيرة والحزن…
خرجوا من قسم الشرطة وأطبق الصمت عليهم طوال الطريق، وأمام البيت ارتجل ضياء من السيارة وتبعهزدياب الذي أخذ يهدئه ويربت على كتفه، ونادى رائد محمد يوصيه على عمه، فقال محمد:
-متقلقش أنا قاعد هنا على طول… خلاص مش هرجع مرسى مطروح تاني…
-وهتشتغل إيه هنا يا محمد؟
-قدمت ورقي في فندق هنا وهشتغل فيه مؤقتًا…
-أتمنى يكون قرار صح!
-إن شاء الله خير…
قالها محمد بابتسامة باهتة فربت رائد على كتفه، قال محمد:
-عايزين أنا وإنتِ نحاول نصالح بابا ومراته…
-يومين تلاته كده وإن شاء الله هنعمل كده…
قال محمد بعد تنهيدة:
-وعشان ريم كل لما أكلمها تتحايل عليا أحاول أصلح بينهم…
قال رائد بابتسامة وتؤده:
-حاضر يا محمد ان شاء الله أنا معاك…
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★★
وبعد مرور يومين وفي ظهيرة اليوم حزمت نداء حقائبها لتنتقل لبيت خالتها فسيسافر والديها لأجل عمـ ـلية نادر، فقد خيرتها والدتها لتذهب لبيت خالتها أو لبيت دياب فاختارت خالتها رغم أنها لا تطيق بناتها، لكنها تخشى اللقاء به منذ أخر مرة! حتى أنها لم تعد تذهب للعمل! وأخبرت أمنية أنها تحتاج للراحه لفترة من الوقت، نادتها والدتها فخرجت من غرفتها مسرعة، ليقابلها رشدي بقوله:
-إجهزي عشان هتروحي تقعدي عند عمك دياب…
قالت بتوتر:
-بس أنا مش عايزه أروح عند عمو دياب…
دينا بنفاذ صبر:
-متجادليش يا نداء خالتك أصلًا في اسكندريه مع بناتها وجوزها…
تسارعت دقات قلبها قائلة:
-خلاص هخليني هنا في البيت…
زفر والدها بضجر وقال:
-متخليناش نشيل همك وإحنا مش هنا… ويلا عشان أوصلك…
وبعد مجادلة قصيرة انتهى بها الحال في بيت دياب ومن حولها وئام وهيام اللتان ترحبان بها بحرارة وحبور، وعمرو وعامر اللذان يرمقونها بابتسامة ماكرة لم تفهم مغزاها، قالت هيام:
-تحبي تقعدي في أوضتي ولا في أوضة وئام؟ ولا تحبي يكون ليكِ أوضه لوحدك؟
-لـ… لأ مش عايزه أوضه لوحدي…
قالت وئام:
-خلاص نامي معايا في الأوضه أنا مش بشخر ولا بتحرك وأنا نايمه زي ناس كده…
قالتها وهي تشير لهيام التي ضحكت قائلة:
-لا مش هتعرفي تنامي جنبي أنا نومي وحش أوي…
نهضت وئام وهي تقول:
-تعالي بقا ندخل أوضتنا…
أما نداء فرغم ردعها لنفسها عن التفكير به إلا أن نظراتها كانت تتجول بالبيت بحثًا عنه، لاحظت هيام فحمحمت قائلة:
-اللي بتدوري عليه مش هنا!
ابتلعت نداء ريقها باضطراب وسألتها:
-هـ… هو إيه ده؟
قالت هيام بابتسامة متخابثة:
-ماما… هو مش إنت بتدوري على ماما برده!
قالت وئام دون أن تفهم:
-ماما بتشتري حاجات للبيت هي ورائد وزمانها جايه…
دخلن للغرفة وأشارت وئام للفراش قائلة:
-دا سريرنا هننام جنب بعض…
حمحمت نداء وقالت بتحرج:
-أنا أصلًا مبعرفش أنام إلا في سريري… ربنا يعدي الكام يوم دول على خير…
-هيعدوا إن شاء الله وهيبقوا أجمل كام يوم قضتيهم في حياتك…
استلقت نداء على الفراش بملابسها وقالت:
-بقولكم إيه طفولي النور عايزه أريح شويه… وأهو يعني أجرب السرير…
ضحكتا وئام وهيام وخرجتا من الغرفة تاركين نداء التي غطت في سباتٍ عميق…
وقبيل المغرب، سأل رائد:
-أومال نداء راحت فين؟
-دي نايمه من الصبح أنا قلقت عليها…
قالتها وئام وهي تأكل من البطاطس المقلية التي أعدتها والدتها، فقالت شيرين من المطبخ:
-ادخلي صحيها يا وئام عشان تتعشى معانا…
-حاضر…
دلفت وئام لغرفتها بينما جلست هيام جوار رائد وأخذت ترمقه بطرف خفي تريد أن تسأله عن محمد فلم يُحدثها منذ يومين، تنحنحت لتجذب انتباهه وحين التفت إليها قالت:
-هو… هو محمد ابن عمك رجع مطروح؟!
رمقها بنظرة جانبية وقال:
-رجع ولا مرجعش إنتِ مهتمة ليه؟
-عادي ابن عمي وبسأل عليه… وبعدين ما إنت مهتم بنداء حد كان قالك حاجه…
قذف رائد الوساده بوجهها وقال:
-قومي من جنبي…
نهضت من جواره واتجهت صوب المطبخ وهي تُطلق ضحكات مستفزة فهتف بنبرة مرتفعة:
-ماشي يا هيام…
من ناحية أخرى وبمجرد أن أضاءت وئام سراج الغرفة، كرمشت نداء وجهها وقالت بنزق:
-تؤ تؤ تؤ…. طفي النور ده…
-قومي بقا يابنتي عشان تتعشي…
هدرت بها نداء:
-أنا عايزه أنام مش عايزه أكل…
-يا بنتي المغرب هيأذن….
-يووووه… اطلعي بره.
قالتها نداء بحدة، فقالت وئام وهي تبتعد عنها:
-حاضر.
وقبل أن تخرج من الغرفة أخذت هاتف نداء الذي أضاءت شاشته برقم غير مُسجل، ثم خرجت وئام من الغرفة تقلب كفيها جلست جوار اخوتها وقالت بضحك:
-قال مبتعرفش تنام إلا في سريرها! دي غيبوبه…
ضحك الجميع وقالت شيرين:
-سيبيها نايمه يمكن ارتاحت في سريرك.
وبعد فترة قضتها وئام تُطالع هاتف نداء الصامت والذي لم يتوقف عن الرنين قالت:
-مش عارفه رقم مين اللي بيرن عليها ده!! دا رن فوق العشر مرات…
بسط رائد يده وقال:
-هاتي وأنا أرد عليه…
فتح رائد المكالمة وخرج للشرفة وضع الهاتف على أذنه للحظات ليسمع صوته:
-نداء أنا علي… أنا مخطبتش دعاء ولا عمري هخطبها هي كانت بتغيظك مش أكتر…
أردف بعد تنهيدة:
-أنا محبتش ولا هحب غيرك…
أخذ ينادي اسمها ثم قال:
-أنا عارف إنك سمعاني… وهقولك تاني أنا بحبك.
قال أخر كلمتين وهو يضغط على حروفهما فأصر رائد على أسنانه بغيظ واحتقن وجهه غضبًا ثم هدر بحدة وهو يوقع كلماته:
-اسمع يا حبيبي إنت تشيل نداء من دماغك خالص… ماشي يا… علي؟
أغلق علي المكالمة وقلب عينيه بضجر فهو يعرف صوت رائد حق المعرفة ويعرف أن والديها سافرا مع نادر، فقرر أن يحاول لأخر مرة عله جذبها إليه لكن وكلما اقترب وقف له رائد كالحصن المنيع، أشعل سيجارته ونفث الدخان بحنق مرددًا:
-تعبتيني يا نداء…
من ناحية أخرى أخذ رائد يعبث بهاتف نداء لفترة ووضع ذلك الرقم في قائمة الحظر ثم عاد لمجلس أخوته وأعطى الهاتف لوئام قائلًا:
-دا رقم غلط…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
لم تستيقظ نداء إلا في الثلث الأخير من الليل الساج حيث عم السكون إلا من أصوات الديكة المنبعث بين حين وأخر، انتهت نداء من الصلاة، نظرت خلفها تُطالع هيام المستلقية على الأرض، فمن الواضح أنهما حاولا معها كثيرًا لتستيقظ ولا حياة لمن ينادوا! وقع بصرها على وئام التي استوت جالسة على الفراش كانت تُطالعها بابتسامة، سألتها بصوت ناعس:
-كنتِ بتصلي القيام صح؟
شعرت نداء بالحرج فهي تحب أن تكون علاقتها مع ربها خفية لا يعلم بها أحد، وكانت ستنكر لكنها أومأت بابتسامة صغيرة، فقالت وئام:
-ربنا يثبتك يارب… سامعه صوت الديوك؟
قالتها وئام وهي تشير للخارج، ثم استرسلت:
-ادعيلي يا نداء… النبي ﷺ قال: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا»
-دعيتلك… قومي إنتِ كمان صلي وادعي لنفسك…
وثبت وئام من فراشها، نظرت لهيام المستلقية على الأرض ومن الواضح أنها تغط في النوم ثم جلست جوار نداء على سجادة الصلاة وقالت بهمس:
-عايزه أحكيلك عن حاجه مضيقاتي ومطيره النوم من عيني…
-احكي…
-يحيى من يوم ما اتقدملي ولا جه ولا اتكلم تاني… تفتكري يكون رجع في رأيه؟! أنا خايفه أوي… والمشكلة إني محرجه أسأل عن السبب وعماله نفسي مش واخده بالي و….
قاطعها صوت هيام الناعس:
-أنا سألت ماما النهارده قالت إنهم بلغوه يجي كمان مره وهو لسه مقالش ميعاد يجي فيه يمكن سايبك تفكري كويس…
طالعت وئام هيام بنظرة جانبية، فقد كانت تستمع لحوارهما وتتحدث وهي مغلقة العينين، فدنت منها نداء وحملقت بوجهها وهي تسأل بضحك:
-إنتِ صاحيه ولا بتتكلمي وإنتِ نايمه ولا حكايتك إيه؟!
فتحت هيام جفونها وقالت وهي تستوي جالسة وبصوت ناعس:
-صاحيه وشوفتك وإنتِ بتصلي وحاولت أنام تاني معرفتش فقررت أطرد الكسل وأقوم أصلي…
نهضت هيام وهي تتثائب فاستلقت نداء مكانها على الأرض وقالت:
-وأنا هغمض عيني نص ساعه وابقوا صحوني أصلي الفجر…
لم تكن تريد النوم هي تريد أن تُكمل ليلها تذكر الله لكنها تضمر ذلك ولا تريد البوح به.
تخص ت وئام وخاطبتها بسخرية:
-هو إنتِ مشبعتيش نوم دا إنت نايمه من امبارح الصبح…
قالت نداء بكذب:
-يا بنتي لا أنا صاحيه طول الليل أصلًا… وكلمت ماما وبابا اطمنت عليهم و…
قاطعته هيام:
-وأكلتِ ولا لسه؟
ورغم أنها كانت جوعى إلا انها رددت بحرج:
-مـ… مش جعانه…
نظرتا هيام ووئام لبعضهما وهتفت وئام:
-على فكره رائد عملنا ستاره على السلم وكلهم نايمين تحت… يعني تقدري تخرجي من الأوضه براحتك محدش هيقرب من هنا وعندك بره الأوضه دي تلاجه فيها أكل وفاكهه ومايه يعني عيشي حياتك و…..
قاطعتها نداء:
-مش وقت الكلام ده سيبوني أنام شويه قبل الفجر وروحوا صلوا…
هزت وئام عنقها مستنكرة، وربتت هيام على كتف وئام قائلة بمكر:
-احب أفكرك إن أنا أختك يعني تقدري تحكيلي اللي جواكِ واللي مطير النوم من عينك…
ازدردت وئام لعابها وهي تُطالع عيني أختها، أشاحت بصرها وصمتت هنيهة ثم رفعت بصرها مجددًا فظنت هيام أنها ستتحدث عما يؤرقها لكنها قالت بهدوء:
-أنا داخله أتوضى…
دلفت للمرحاض ووقفت هيام تحك رأسها لبرهة قبل أن تفتح الباب وتخرج قاصدة مرحاض غرفتها لتتوضأ، في حين فتحت نداء جفونها وأخذت تتأمل سقف الغرفة وحين حضرت صورة رائد إلى مخيلتها طردت الأفكار من رأسها سريعًا وأخذت تذكر الله فقد عزمت ألا تفكر به مطلقًا.
★★★★
وقبيل العصر طرق عامر باب غرفة وئام وحين فتحت قال بابتسامة:
-الشيخ يحيى تحت مع أبيه وماما بتقولك تعالي…
-بجد…
تواثبت دقات قلبها بسعادة حين أومأ عامر مؤكدًا فقبلته من رأسه وخرجت من الغرفة متلهفة همت أن تنزل الدرج فنادتها نداء:
-رايحه فين يا بنتي بالمنظر ده؟
طالعت وئام بيجامتها وعادت أدراجها وهي تضحك…
وبعد فترة دخلت للغرفة بصنية العصير والتي كانت تهتز منها بسبب رعشة يديها وارتباكها فسبق يحيى رائد ونهض يقابلها ويأخذ الصنية من يدها، في حين أشار لها رائد لتجلس جواره وقبض على يدها ثم مال على أذنها وقال:
-هسيبك معاه شويه صغيرين ومتخافيش دا واد طيب وابن حلال…
اتسعت ابتسامة وئام وحين رأها يحيى ابتسم تزامنًا مع وقوف رائد وحمله كوب العصير من فوق الطاولة وهو يقول:
-طيب يا يحيى هطلع أشرب كوباية العصير دي بره وأرجع…
-ماشي يا حبيبي…
خرج رائد وكانت وئام تجلس قبالة يحيى ظلت تطالع قدميه لفترة حتى قال:
-عامله إيه؟
رمقته في سرعة خاطفة وعادت تنظر لقدمه مرددة:
-الحمد لله.
-تحبي تسأليني عن حاجه؟
هزت عنقها نافية فأردف:
-بس أنا عايز أسألك عن حاجه…
-إتفضل.
-ليه توافقي عليا؟ قصدي على واحد في ظروفي… على فكره أنا ممكن أبان ظاهريًا شخص ملتزم لكن أنا أقل من أي حد…
وبعدما سأل هذا السؤال استدرك غباء السؤال، هل ينتظر أن تخبره بأنها تحبه مثلًا! استطرد على الفور:
-إنتِ مش مضطره تجاوبي… أ… أنا سحبت السؤال.
قالها وتنحنح بخجل وساد الصمت بينهما، ظلت تفرك يدها بارتباك بالغ، أخذ هو يمرر نظره عليها من أعلى لأسفل ثم أشاح بصره وابتسم فقد ارتضاها زوجته والآن ينتظر رأيها، قال بارتباك:
-بصيلي… يعني شوفيني عاجبك ولا لأ عشان خلاص إنتِ عجباني و…
توقف عن الكلام حين لاحظ مدى الغباء في عبارته تلك، فتنحنح بحرج وغطى وجهه ضاحكًا ومرددًا بخفوت سمعته:
-إيه اللي أنا بقوله ده!
رفع بصره مصححًا ما تفوه به:
-قصدي يعني إ… إنتِ ما شاء الله حلوه وتعجبي أي حد و…
ابتلع ريقه وأخذ يفرك لحيته وهو يتحدث بخفوت وبضحك:
-يا نهار أبيض إيه العك إللي بعكه ده…
ابتسمت بحرج فحاول يحيى التصحيح بقوله:
-مـ… مـ… متفهمنيش غلط أنا أقصد… هو أنا… أنا يعني أنا عاجبك ولا…
تنحنح وقال:
-لأ متجاوبيش على السؤال ده عشان جه بالغلط… قصدي سألته بالغلط…
همست لنفسها:
-هي رسالة بعتتها بالغلط!
تنفس يحيى بعمق وشعر بارتفاع مفاجئ لحرارة الجو، مما دفعه لحممل كوب العصير أخذ منه رشفة، وفي الثانية شربه دفعة واحدة، خيم عليهما الصمت لفترة أطرق خلالها بصره لفترة ثم رفعه وقال بابتسامة:
-إزيك يا وئام؟
ضحك، فانفـ ـجرت ضاحكة هي الأخرى فقد كانت تتابعه وحركاته كابحة ضحكاتها، لا تدري متى ارتبك هكذا وكأن التوتر تسرب منها إليه…
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده 🌹
★★★★★★
كان رائد يتابع نداء التي تقف قبالته مع هيام بالمطبخ، حتى قالت هيام:
-أنا هنزل أشتري كابتشينو من تحت وأجي…
-ماشي بس متغيبيش…
-دقيقتين وأكون هنا…
وحين خرجت هيام من المطبخ التفت رائد حوله فلم يكن في الجوار غير عمرو وعامر لذا دلف للمطبخ وحين أبصره عامر شهق وغمز أخيه وركضا الإثنان يبحثان عن والدتهما، أخذ رائد قنينة المياه من جوارها، وحين رأته نداء توترت وابتلعت ريقها باضطراب وهمت أن تخرج من المطبخ، فأوقفها سؤاله:
-إنتِ مبقتيش تيجي المركز ليه؟
-شـ… شويه وهرجع تاني…
-تمام… طيب أنا كنت عايز أكلمك في موضوع مهم…
وقبل أن يتحدث بالمزيد رأى والدته تقبل نحوهما فقال بجدية مصطنعة:
-مـ… موضوع بخصوص الشغل طبعًا.
بدلت شيرين نظرها بينهما وزمت جفونها قائلة بمكر:
-شغل! أه منكوا إنتوا الإتنين…
رائد بابتسامة مضطربة:
-إيه يا ماما!!
قلدته ساخرة:
-إيه يا ماما! مش عارف إيه يا ماما!
على الصعيد الأخر همت هيام أن تنزل الدرج وهي تدندن فرأت محمد يهم بالصعود ابتسمت ورفعت ذقنها وقبل أن تنزل درجة أخرى تعثرت وتدحرجت ككرة صغيرة بين درجات السلم، وحين وصلت لنهاية الدرج نهضت مسرعة وأخذت تُهندم ثيابها فسألها ببلاهة:
-إنتِ وقعتِ؟
أجابته بسخرية وهي تمسك ظهرها مبدلة التأوه بضحكات متهدجة:
-لا أبدًا… أنا كنت مستعجله فقولت أخد السلم فر هو أنا لسه هنزل درجه درجه…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سدفة)