روايات

رواية سدفة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم آية شاكر

رواية سدفة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم آية شاكر

رواية سدفة الجزء الرابع والعشرون

رواية سدفة البارت الرابع والعشرون

سدفة
سدفة

رواية سدفة الحلقة الرابعة والعشرون

-مش عارفه… ربنا يستر.
قالتها شيرين وركضت تنادي دياب، وهرولت وئام لتخبر رائد ومحمد اللذان كانا يرتشفان القهوة في صمت مطبق قطعته وئام اللاهثة حين قالت:
-فيه صوت صريخ طالع من بيت عمو ضياء…
وثب محمد بعد أن وضع كوب القهوة على الطاولة، مرددًا بفزع:
-بابا!!
أخذت العائلة تركض بالشارع وكأنهم يتسابقون للوصول…
شق محمد صفوف الناس وما أن رأى والده طريحًا حتى صاح بنبرة مرتفعة دكت قلوبًا وصدمت أخرى:
-بــــــــابــــــا!
انحنى محمد يتفحص دقات قلب أبيه وحين اطمأن كونه على قيد الحياة أخذ يهزه وهو يناديه بلهفة:
-بابا.
كان ضياء مـ ـريض بداء السكري ودائمًا ما كان يشرح لمحمد أن غيبوبة سكر الدم المنخفض أشد خطورة من ارتفاعه فلو رآه ملقى أرضًا ذات يوم ينبغي أن يضع في فمه حبيبات السكر أو العسل وإلا قد تتأثر بعض المراكز المهمة في المخ إن لم يخضع للعناية الطبية في غضون دقائق.
لم يكن محمد بطبيب ليعرف أعراض غيبوبة السكر من غيرها ومن فرط الصدمة لم يخطر له إلا تلك الفكرة حيث هدر:
-حد يجيب عسل أو سكر بسرعه…
لم يُحرك أحدهم ساكنًا فكرر محمد طلبه بنبرة مرتفعة لذا توجه دياب للمطبخ وسرعان ما خرج بوعاء للعسل بينما كانت فاطمة تقف كتمثال من الشمع تتابع محمد وهو يسكب العسل في فم زوجها مرددًا:
-فوق يا بابا متسيبنيش أرجوك… أنا مليش غيرك…
لم تعقب فاطمة لكنها كانت تُحملق بمحمد وتتفحص ملامحه فهو يشبه ضياء!
ظلت تُحدق به وهو يحمل والده وحده دون مساعدة أحد بل أنه لم يأبه لمن يحاولون مساعدته ولا يدري متى اكتسب تلك القـ ـوة ليفعل! لكن الأمر تعلق بأعز ما يملك وأهم شخص بحياته ورغم ثقل والده إلا أنه نزل درجات السلم حاملًا إياه على ظهره وكأنه كان يطير طيرًا، وكان يردد كلمة واحدة من خلف أنفاسه الاهثة:
-متسيبنيش يا بابا…
جميعنا أقوياء وكلنا نستطيع مجابهة أي شيء إذا حاولنا، فقط نحتاج لما يدفعنا لندرك أننا نستطيع…
تابعت وئام وهيام ما يجري في اضطراب وبعدما انطلقت السيارة وتبعها عدة سيارات أخرى…
ظل يحيى مكانه يلتفت يمنة ويسرة للواقفون حوله من الناس، تناهى لسمعه صوت أحدهم المتهكم:
-أهو ضياء ده كان بيمشي رافع مناخيره ومبيكلمش حد شوف ربنا كسـ ـرله مناخيره ازاي!
قالها وضحك مع شاب يقف جوار، فهدرت به هيام:
-إنت إزاي تتكلم عن عمي كده؟
-أنا أتكلم زي ما أنا عايز يا بت ويلا امشي من هنا…
قالها الرجل مستهزء ليباغته صوت شيرين التي قالت بحرقة وحدة:
-إنت راجل مش محترم…
فرد الشاب الذي يقف جوار الرجل:
-متغلطيش في أبويا يا حُرمه.
شعرت وئام بإهانة والدتها فتدخلت:
-حُرمه!! طبعًا ما هو إذا كان رب البيت جحش مبردع فشيمة أهل البيت كلهم الرفصُ…
عقبت شيرين وهي تبدل نظرها بين الرجل وابنه باستخفاف واستفزاز:
-طبعًا الكلام دا كبير عليكم مش هتفهموه من أول مره… فقلبوها في دماغكوا كده وإن شاء الله تفهموا.
سُرعان ما ظهر في الأفق سيدة سمينة ومعها بنتين يُعادل وزن الواحدة منهم وئام وهيام معًا، قالت إحدى البنات:
-ادخل يابا إنت وأخويا خلونا نشوف ست الكل بتقول جحش إيه!
كان يحيى يتابع ما يحدث متعجبًا ومعجبًا برد وئام، وحين لاحظ اشتداد النزاع وقف أمامهن كالحصن وأخذ يخاطب الرجل معاتبًا:
-يعني لزمته ايه الكلام ده يا حج؟ الناس بتمر بمرحله صعبه جدًا بدل ما نهون عليهم نسخر منهم!
تدخل الناس في الحوار وكل واحد يعاتب الرجل بعبارة أن جـ ـرحهم لم يندمل، وحين لاحظ الرجل أنه في الكفة الخاسرة هو وأسرته حدجهم بنظرات إزدراء وصرف بناته وزوجته ثم انصرف دون أن يدلي بأي كلمة أخرى، امتثالًا لأمر الناس…
فخاطب يحيى شيرين:
-مش وقت خناق خالص يا طنط خديهم وارجعوا البيت.
أطلقت شيرين تنهيدة خرجت من عمق قلبها المتأجج بالحمم، ثم خاطبت يحيى باستسلام:
-حاضر يا يحيى…
جذب انتباه يحيى عمرو الذي يتجلى الخوف على خلجات وجهه، دنا منه وقبض على يده وخاطبه بقلق:
-إنتِ بتترعش كدا ليه يا عمرو!!
-هما دبحوا عمو هو كمان يا شيخ؟
قالها الطفل بنبرة مرتعشة فزعة، فانحنى يحيى لمستواه وقال:
-لا يا حبيبي عمو بس تعبان شويه… ومتقلقش هيبقا كويس…
صرخ عمرو قائلًا بانهيـ ـار:
-إنت بتضحك عليا دبحـ ـوه وهيدبـ ـحونا واحد واحد…
بكى الطفل الأخر عامر وهو يقول بهلع:
-أنا مش عايز أندبح زي الفرخه…
ضم عمرو يحيى وهو يردد:
-خدني معاك يا شيخ أنا مش عايز أندبـ ـح هنا بالله عليك….
ضمه عامر هو الأخر مرددًا:
-وأنا كمان يا شيخ…
كانت وئام وشيرين تقفان بالجوار وتسمعان حوارهم،
فقالت وئام:
-متخافوش مفيش حاجه… محدش هيعملكم حاجه… يلا هنرجع البيت….
جذبت وئام يد عامر فصرخ قائلًا:
-لا لا لا… مش هرجع البيت… لا…
سحبه يحيى من يدها وهو يقول:
-خلاص… سيبيه يا وئام…
أردف:
-أنا كنت عايز أحصل الجماعه على المستشفى الأول لكن…
حاولت شيرين إقناع الطفلين لكنهما أصرا على الذهاب مع يحيى، تذكر عمرو عبارة آدم التي يضعف يحيى أمامها فطالع يحيى بأعين باكية وقال بحشرجة:
-أستحلفك بالله تاخدنا معاك.
وعندما لاحظ يحيى انهيار الطفلين قال:
-خلاص يا طنط هاخدهم يقعدوا مع آدم يومين…
وافقت شيرين على طلبه وقبل أن يغادر رمق وئام بطرف خفي، وها قد خاب أمله للمرة الثانية فقد كان عازمًا أن يلتمس الفرصة ويتحدث مع رائد الليلة بشأن خطبتها بعد أن شجعته والدته ليفعل! لكن وكلما أبَّ أن يفعل ظهر له عائق من العدم…
استغفروا ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وقبيل منتصف الليل عادوا للبيت بعدما تحسنت حالة ضياء وبعد الفحوصات تبين أنه لم يكن يعاني من أي شيء يستدعي القلق، ولم يدخل في غيبوبة كما ظن محمد هو فقط فقد وعيه أثر انخفاض ضغط د**مه…
وفي البيت
كان ضياء مستلقيًا على فراشه وحين اطمئان محمد على سلامته، دنا منه ثم قبل يده وقال:
-حمد الله على سلامتك يا حبيبي…
طالعت فاطمة محمد بنظرات مدلهمة وقبل أن يهم بالإنصراف دنت منه فاطمة وسألته بنبرة مترقبة ومتوجسة:
-إنت مين؟
تذبذبت نظرات محمد وأخذ يبدل نظره بين دياب وضياء ثم رائد ثم صالح ومؤمن قبل أن يسلط بصره على فاطمة ويرى الإنكـ ـسار والذبول متجليًا على قسمات وجهها، إزدرد ريقه مراتٍ عدة زاعمًا أن أوان الإفصاح عن هويته لم يأن! تلعثم قائلًا:
-أ… أ… أنا صاحب… قصدي ابن…
-ابني أنا…
التفت الجميع لضياء الذي تفوه بتلك العبارة، فطالع محمد ضياء وأخذ يراوغ بقوله:
-اه فعلًا أنا بعتبر حضرتك أكتر من أب بالنسبه لي…
لكن ضياء كان قد حسم الأمر وأزفت ساعة الإفصاح عن زواجه الثاني، قال:
-محمد ابني…. محمد ضياء العقيد.
-إبنك!!! إبنك ازاي؟
قالها مؤمن بدهشة، فأشارت فاطمة لنفسها وقد تحجرت مقلتيها ورددت بنبرة خافتة مرتابة:
-هـ… هو إنت متجوز عليا يا ضياء؟
تجاهل ضياء سؤالها ونظر لصالح ومؤمن قائلًا بجمود:
-محمد أخوكوا…
أردف وهو ينظر أمامه:
-أنا كنت متجوز… ومراتي اتوفت…
زمت فاطمة فمها وأطرقت رأسها لبرهة ثم رفعت رأسها تُطالع محمد بنظرات مبهمة قبل أن تخرج من الغرفة دون التفوه بأي كلمة…
فقال محمد معاتبًا والده:
-مكنش وقته يا بابا!
تجاهل ضياء عتابه وقال:
-بات هنا مع أخواتك النهارده يا محمد.
-لأ يا بابا أنا هبات مع رائد عشان هرجع مطروح الصبح بدري….
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد مرور أربعة أيام من التحقيقات المستمرة مع يونس أُطلق سراحه بعدما لم يثبُت عليه أي دليل.
وابتهج حين علم بسلامة الطفل الذي ظن أنه صدمه بالسيارة، خرج من المرحاض بعدما أغتسل وجلس على طرف فراشه يجفف شعره وأخذ يتذكر صوت رغدة وضحكاتها ومرحها وتذكر تلك المكالمة، حين حدثته في إحدى المرات وكان صوتها مليئ بالشجن.
”رجوع بالوقت”
حين سألها عما بها قال بنبرة مرتعشة متحشرجة:
-أنا مش فاهمه نفسي… معرفش بعمل كده ليه يا يونس!!!
-حصل إيه يا رغده متقلقنيش عليكِ؟
صمتت هنيهة ثم سمع صوت استنشاقها لعبراتها وقالت:
-ريناد هي السبب هي اللي اديتني سائل كده، وقالتلي عشان ريم تكره رامي وتبعد عنه… ولو ريم شربت من المايه نفسها هو هيحس إنها مش كويسه فاهمني؟
-مش فاهم حاجه! فهميني بالراحه.
ارتشفت دموعها وقالت بحشرجة:
-ريناد بتحب رامي وأنا كنت عايزه ريم تتطلق فاتفقنا نفرقهم وريناد اديني سائل كده حطيته في المايه قالت إنهم هيكرهوا بعض بسببه…
استوى يونس جالسًا وتذكر حالة رامي حين زاره أخر مره فعندما نظر بعينه بدا وكأنه سـ ـكران، فرمقه يونس متخابثًا زاعمًا أنه فعل ذلك عمدًا…
جذبه من أفكاره صوتها الباكي:
-يونس أنا فتحتلك قلبي عشان مخنوقه من نفسي ومن اللي بعمله وعايزه أتغير… هو أنا كده حقوده صح؟ أنا كده بحقد على أختي؟
-واضح كده يا رغده…
-طيب ممكن تساعدني أتغير… أنا حاسه إني مريضه نفسية والله!!
”عودة”
مسح يونس وجهه وهو يردد:
-الله يرحمك يا رغده.
★★★★★
في مرسى مطروح وقف محمد يختار ثيابه ليخرج لعمله وكلما أخرج بنطال وجده متسخ فيضعه جانبًا…
تذكر ذلك اليوم حين أفصح والده عن هويته أمام الجميع وكيف أشفق على فاطمة وقتها فقد انسحبت من المكان بهدوء ولم تبدِ أي رد فعل وفي اليوم التالي طلبت من ضياء الطلاق وغادرت البيت وعاد محمد لمرسى مطروح وقد أخبره ضياء بأنه لن يعود معه مجددًا وسيظل بمسقط رأسه جوار أولاده لأنهما بحاجته الآن…
كان شاردًا بينما يرتدي ثيابه وبعدما انتهى وضع يده في جيبه وأبّ للسير ولكن تفاجأ بورقة خطت على ظهرها «هيام» ففتحها وحين قرأ ما بها من عبارات انتزعت منه البسمة أخذ يرددها للمرة الثانية والإبتسامة لم تفارق مُحياه:
-يابن العم يعز علي أشوفك كده لكن إحراجي عائق إني أواسيك… مش عارفه هتشوف الورقة دي ولا لأ بس لو شوفتها إعرف إني بدعيلك كتير وصدقني هتعدي الأزمه دي وترجع أقوى من الأول… اجمد يا بطل…
وجملة أخرى بأخر الورقة:
-كنت عرضت عليا قبل كده نكون أصحاب وأنا برفض خلينا ولاد عم أحسن الصداقه هتخلينا نخسر بعض… بنت عمك هيام.
ضحك وأخذ يتأمل كلماتها ثم وضع الورقة في جيبه وخرج لعمله وكلماتها تمور بقلبه الذي دق بسعادة، بينما الأدرينالين يتدفق داخل عضلات جسده…
وفي منتصف اليوم بينما كان جالسًا على مكتبه طلب رقمها فلم تجب لذا انتظر فترة أخرى وطلبها مجددًا…
صلوا على خير الأنام ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
كانت هيام تمضغ العلكة وبينما تحيك ثياب دميتها، فنادتها وئام:
-موبايلك بيرن يا بنتي…
-سيبيه مش فاضيه.
وبعد فترة صدع مجددًا بالرنين فحملته وئام وقرأت الإسم ثم أقبلت نحو هيام وقالت رافعة إحدى حاجبيها:
-مين محمد!
وثبت هيام وجذبت الهاتف من يد أختها وهي تُطالع شاشة الهاتف باضطراب بعد أن قالت:
-مـ… مين؟ مـ… معرفش.
ازدردت لعابها واستطردت:
-أهاا…. دا ابن عمك ضياء… وتلاقيه عايز رائد ولا حاجه…
طالعتها وئام بابتسامة ماكرة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها، فهدرت بها هيام:
-متبصليش كده!
وئام بخبث:
-طيب ردي عليه وافتحي المايك…
-لأ مش هرد… وامشي بقا من قدامي ولا أقولك همشي أنا…
قالتها هيام وحملت كل أدواتها ودلفت لغرفتها وقلبها يكاد يثب من بين أضلعها من فرط اضطرابه، أخذت تتنفس مرة بعد الأخرى لتهدأ من ارتباكها ثم أوصدت الباب وجلست على طرف فراشها تطرق قدميها بالأرض في سرعة واضطراب وتقضم أظافرها بأسنانها، وهي تتسائل هل قرأ ما كتبته!! نهرت نفسها لأنها كتب له تلك الورقة، وبعد فترة حملت هاتفها وترددت كثيرًا قبل أن تطلب رقمه فلم يجب، وبعد لحظة أضاءت شاشة الهاتف باسمه…
تنفست الصعداء وأجابت ملقية السلام، فرد عليها بنبرة تتجلى بها السعادة وترى فيها بسمته، حاولت التظاهر بالمرح لتُخفي توترها، قالت:
-خير يابن العم بترن عليا ليه؟
-تخيلي لسه قارئ رسالتك الحلوه دي النهارده!
-مش مشكله أن تصل متأخرًا خيرًا من ألا تصل أبدًا يابن عمي…
ضحك بخفوت وقال:
-طيب يا ستي المهم انتوا عاملين إيه ورائد وعمي؟
-الحمد لله بخير… وإنت الحياه عندك عامله إيه؟
قال بأسى:
-ناقصها وجودكوا جنبي…
-مش هتيجي إنت قريب؟
-هاجي إن شاء الله قـ….
قاطع حديثه صوت أنثوي:
-أستاذ محمد المدير طالب حضرتك…
قال بجدية:
-حاضر جاي حالًا…
أردف بينما ينهض من مكانه:
– طيب يا هيام هقفل دلوقتي وهبقا أكلمك تاني… سلام عليكم…
-عليكم السلام…
قالتها بنبرة مختنقة فحين سمعت الصوت الأنثوي جال في رأسها أسئلة عدة؛ هل يعمل مع نساء! وهل يرى فتيات جميلات ويحادثهن! شعرت بالغيظ الشديد فحملت دميتها وأخذت تحيك الثياب وهي تُصر على أسنانها فقد أضناها الندم لأنها أجابت عليه…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد مرور يوم
بعدما أدت نداء فريضة الفجر فتحت هاتفها الصغير، حملقت برقم رائد لبرهة ثم طلبته…
كانت تنتظر أن يعطيها مغلق لكن بدلًا عن ذلك أتاها صوته بعد عدة رنات:
-صباح الخير…
-صـ… صباح النور… آسفه إني بطلبك في الوقت ده لكن كنت عايزه…
صمتت وأخذت تزدرد لعابها في اضطراب فقال:
-كملي سكتتِ ليه؟
تنحنحت وسألته:
-هو إنت لقيت موبايلك المسروق؟
-لأ لكن اشتريت واحد جديد…
ران بينهما الصمت، فقال رائد:
-كويس إنك اتصلتِ كنت عايز أقولك حاجه مهمه.
-خير؟
-نداء أنا… أنا بحبك.
وقبل أن تجبه نقر طبلة أذنها صوت يدوي في مكان ما ولا تعلم مصدره….
“سال دمعي يا إلهي، ولولا غربتي ما كان دمعي يسيل، غربتي نجوى ونيران شوق، وأسى باك وليل طويل، وما لي رجاء غير أن تسعى إليك السبيل، إذا ضاقت فنجوى دعائي، حسبي الله، حسبي الله ونعم الوكيل”
-حسبي الله ونعم الوكيل.
رددتها نداء بعد أن فتحت جفونها وأغلقت المنبه الذي بات يوقظها لصلاة القيام الذي جعلته فرض عليها كالصلاة المكتوبة، واختارت هذا الإبتهال فتلك الكلمات مع صوت «الشيخ نصر الدين طوبار» الخاشع لم يفشلا لمرة واحدة في إيقاظها من سباتها، لتُقبل إلى الله بقلب مشتاق للقاء متلهف للدعاء…
وبعدما ارتدت اسدال الصلاة تذكرت ذلك الحلم وخاطبت نفسها مستنكرة:
-يعني اتحكمت في تفكيري ومشاعري ومبقتش أفكر فيك… تقوم تجيلي في الحلم! طيب أتحكم في أحلامي إزاي؟
أطلقت تنهيدة طويلة وقالت:
-يارب…
إستعاذت بالله من الشيطان ومن شر نفسها ثم شرعت في الصلاة، لا تدري لمَ كانت تخجل أن تدعو الله ليجعل رائد زوج لها وبدلًا عن ذلك كانت تدعوه أن يرزقها سبحانه زوج صالح تقى تقر بها عينها….
فالله أعلم بما يناسبها أما هي فشاعرها متقلبة ولا تعلم ما تريد…
مر الوقت وهي تصلي وتقرأ القرآن حتى أذن الفجر فأدت صلاتها وبعد التسليم استلقت على سجادتها محدقةً بسقف غرفتها محدثة ربها بتذلل:
-يا إلهي… يا من بيده مقاليد كل شيء حتى فؤادي، طهر فؤادي واهده وأعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وأخذت تردد أذكار الصباح حتى غفت عينيها دون إرادتها…
أعلن صوت شقشقة العصافير عن تنفس النهار، فتحت جفونها أثر نقرات العصفورة زجاج نافذتها لتجد حالها مستلقية على سجادة الصلاة، نهضت ثم أقبلت نحوه النافذة وهي تخاطب العصفورة ببهجة:
-صباح الخير يا عصفورتي.
طارت العصفورة حين اقتربت نداء من النافذة فابتسمت، وطالعت نادر الذي يغط في نوم عميق عازمةً ألا تأخذه معها للمركز اليوم…
أقبلت نحو باب الغرفة وقبل أن تفتحه سمعت صوت والدتها الهادر فتراجعت لحين تهدأ تلك المشاحنة….
*******
-مش مسمحاك يا رشدي عشان بقالي ساعه بغسل في بقعه عصير الفراولة اللي في قميصك!
كانت تنطق حرفي العين والحاء هاء مما دفع رشدي للسخرية:
-ساهه! إذا كنتِ إنتِ صاهيه من النوم مبقالكيش نص ساهه…
-وكمان بتتريق عليا يا رشدي طب خد قميصك أهوه…
قالتها ثم ألقت الثوب بوجهه بعصبية وحين لاحظت تجهمه جحظت عيناها بصدمة مما فعلت بسبب غضبها، وحين أقبل رشدي نحوها ركضت صارخة وتبعها وهو يهدر:
-بتحدفي القميص بميته في وشي يا دينا…
-دي مهبه “محبه” يا رشدي… هبًا “حبًا” فيك يخويا…
قالتها بخوف وهي تحتمي خلف الطاولة وهو يقف في الجهة المقابلة، سخر منها قائلًا:
-مهبه!!!
رفعت سبابتها قائلة بحدة مختلطة بالخوف:
-متتريقش عليا!
وثب رشدي نحوها وجذبها من ذراعها وأخذ يمسح الثوب بوجهها وهي تدفعه وتحاول الفرار فتعثرت وسقط عليه فضحك رشدي بينما قالت بنزق:
-عاجبك كده!!
تأمل رشدي ملامحها بابتسامة فظنته سيتغزل بها لذا لم تنهض، وتفاجئت حين قال بخفوت وبابتسامة:
-هو… هتفطرينا إيه النهارده إن شاء الله..
صمتت هنيهة لتستوعب ما قاله ثم قالت بهمس:
-هملالك بطاطس مهمره وطهميه مهمره وبتنجان مهمر يستاهلوا بوقك…
قال بنفس الهمس:
-أمـ ـوت أنا في المهمر.
حين لاحظت نداء الهدوء الذي طغى على البيت فجأة خرجت من غرفتها وأخذت تبحث عنهما فوجدتهما يفترشان الأرض خلف الطاولة ويتهامسان، انحنت لمستواهما وقالت بنفس الهمس:
-بتعملوا إيه؟!
صرخت والدتها ووثب واقفة وتبعها رشدي الذي قال بنبرة مضطربة:
-إنتِ بتعملي إيه هنا يا نداء… مش تخبطي قبل ما تدخلي؟
نهضت نداء وتثائبت ثم مطت ذراعيها وهي تقول:
-كنت داخله الحمام… عندي شغل كمان نص ساعه وعايزه أمشي…
-هو… هو إنتِ بتشوفي رائد في الشغل ده يا نداء؟
سألتها والدتها ببسمة واسعة بينما طالعها رشدي بترقب، فقالت نداء:
-أيوه بشوفه… ليه؟
تنحنحت دينا وقالت:
-لأ مفيش بسأل بس…
وبعدما دلفت نداء للمرحاض دنا رشدي من زوجته وهمس:
-البنت دي بتلبس حلو ولا إيه نظامها؟
-اليومين دول رايهه “رايحه” جايه بالهبايه “بالعباية” السمره قال إيه عشان المرهومه “المرحومه” رغده…
أخذ رشدي يحك ذقنه بتفكير ثم ابتسم رشدي حين تذكر شيئًا وقال غامزًا بعينه:
-هو التيير الإسود اللي شوفتك بيه أول مره لسه موجود يا دودو؟
-طبعًا موجود وفي الدولاب…
-طيب إيه رأيك تخلي نداء تلبسه النهارده؟
-والله فكره هلوه “حلوه” بس لازم تساهدني “تساعدني” فيها أصل البت دماغها ناشفه أوي وقال إيه بتقول إنه قديم وهالك…
قالتها دينا ثم مصمصت شفتيها بعدم اقتناع، فقال رشدي:
-وهي بتفهم حاجه في اللبس دا التيير ده بيدي اللي يلبسه وقار وعظمه كده..
أردف بعد أن هز رأسه باستنكار:
-اجري بس هاتيه وتعالي وأنا هتصرف معاها…
خرجت نداء من المرحاض وحين رأتهما أمامها يُطالعانها بابتسامة واسعة ووالدتها تخفي شيء ما خلف ظهرها، مدت نداء نظرها وحين أبصرت الجاكت الأسود وأدركت ما يجول برأسهما هتفت بحزم:
-مستحيل ألبس كده…
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
حاولت نداء أن تظل مكانها على المقعد ولا تتحرك أمامه بذلك الرداء الهالك، حتى انتهت ساعات العمل وحان وقت الإنصراف، كانت ترمقه بطرف خفي وهو يجلس في غرفة قبالتها تنتظر أن ينصرف أولًا ككل يوم لكنه لم يفعل وظل مكانه لذا عزمت أمرها أن تغادر وتحاول ألا يراها…
نهضت واقفة وأخذت تهندم من ثوبها الجاكت الطويل الذي يصل لما قبل ركبتها بإنش واحد ناهيك عن اتساعه الذي يحتاج لأنثى أخرى لتغرق معها فيه، فضلًا عن نهايته المزركشة بالترتر الأسود اللامع وأكمامه الواسعة التي تحتاج إلى ذراعين أخرين غير نداء والجيبة العجيبة التي ثنيتها على خصرها ثلاث مرات كي لا تتعثر بها نظرًا لطولها، وثباتها بدبوس كي لا تسقط من على خصرها، وأكثر ما يزعجها هو لون القماش الباهت، نفخت بضجر فلا تعلم كيف قال والدها حين رآها:
“الله الله الله دا إيه الشياكه دي كلها…”
ووالدتها:
“أيوه كده خليه ينفشك شويه بدل العبايه اللي بتبين رفعك وعصعوصك.”
وقبل خروجها رأتها سيدة التي تعمل معهما بالمركز «أمنيه» التي انفـ ـجرت ضاحكة وقالت:
-إيه الطقم ده؟ أنا مشوفتكيش وإنتِ جايه!
-أنا فيا اللي مكفيني مش ناقصه تريقه والله.
قالتها نداء بنزق، فقالت أمنية بضحك:
-لأ هو حلو بس محتاج يضيق شويه…
حدجتها نداء بحنق تزامنًا مع دوي هاتفها برقم والدتها فلم تجب لفرط ضيقها من والديها وعنادهما!
وعند خروجها من المركز اختبئت جوار أمنية كي لا يراها رائد وحين خرجت تنفست بارتياح وخاطبت أمنية:
-شكرًا لطولك يا أمنيه.
-أنا مش طويله إنتِ اللي قصيرة.
قالتها أمنيه بضحك ساخرة، فضحكت نداء حين تذكرت أن وئام دوما ما تقول لها تلك الجملة وعندما همت أن تخطو خطوة أخرى تعثرت بذيل ردائها فانكبت على وجهها لكن لحسن حظها أن استندت على سيارة قبالتها ولسوء حظها دوي إنذار السيارة فصُعقت وأخذت تعود بظهرها للخلف فدعست على ذيل ثوبها لينفك دبوس الذي أحكمته على خصرها وأخذت الجيبة تتهدل شيئًا فشيء دون أن تلحظ…
باغتها صوته فتسمرت مكانها وحين ناداها مرة أخرى التفتت إليه مطأطأة الرأس، قال وهو يكبح ابتسامته التي تجلت بنبرته:
-طنط دينا بتقولك هي عندنا في البيت فروحي على هناك…
اومأت وودعت أمنية ثم سارت تغمغم بضجر فإذًا قد أخذت منها والدتها مفتاح البيت لتجبرها على الذهاب لبيت دياب بذلك الرداء!!
كان رائد يسير أمامها ويسبقها بعدة خطوات وحين وصلت لبيت دياب كان رائد يقف أمام بيته ويتحدث عبر هاتفه رمقها وهي تتعثر في سيرها فلوى فمه للأسفل متعجبًا من ثيابها الغريبة!!
وبعدما دخلت نداء سلمت على الجالسات وإذ بغتة بينما تضم شيرين، شعرت أن هناك شيء ما سقط على قدميها تلا ذلك الشعور دوي شهقاتهن…
ابتلعت ريقها ثم نظرت لذيل ثوبها فأبصرت بنطال بجامتها الأبيض الذي تنتشر به ورود حمراء وعدة خطوط باللون الأزرق والأصفر ناهيك عن جورابها السوداء اللذان تضع بهما بنطالها…
نظرت لوجوههن ثم لبنطالها مجددًا وتشنج فمها كالأطفال وهي تردد بنبرة مختنقة:
-دا حرام ولا حلال اللي بيحصلي ده؟
رن جرس الباب فانحنى كل من هيام ووئام يمينها ويسارا ورفعتا لها الجيبة ووقفتا تمسكانها لفترة حتى القى رائد السلام على دينا ثم دخل لغرفته، فتنفستا بارتياح وتركتا الجيبة لتسقط مرة أخرى، فانفـ ـجرن بالضحك عدا نداء التي انحنت ورفعت الجيبة، وظلت واقفة، فخاطبتها دينا بنزق مصطنع:
-قولتلك بلاش الطقم ده قعدتِ تقوليلي دا تيير شيك!
قالت هيام من خلف ضحكاتها:
-تيير!! إنتِ قولتِ تيير يا نداء؟
نظرت دينا لشيرين مبررة:
-والله دولابها مليان هدوم بس هي غاويه تلبس هدومي القديمه…
طالعتها نداء والدموع تقف على عتبة جفونها في انتظار إشارة منها، فشعرا بها وئام وهيام لذا سحبتاها من ثوبها المتهدل ودخلن لإحدى الغرف…
وبعد فترة جلس الثلاث فتيات يضحكن على ذلك الموقف ونداء تحكي لهما عن إصرار والدتها لترتدي ذلك الرداء فقالت هيام:
-بس الحمد لله إن رائد مشافش حاجه! تخيلي الجيبه تقع قدام رائد؟
-دا أنا كنت أروح فيها!
قالتها نداء، فردت وئام بضحك:
-يا بنتي عادي زي أخوكي يعني….
غمزت لها هيام وهي تردد متخابثة:
-لأ يا بنتي متقوليش كده… مينفش يبقا زي أخوها… ولا إيه يا دودو؟
-تعرفي تسكتِ؟!
قالتها نداء بتجهم وهي تُحدق بالفراغ بوجوم…
مر الوقت وعندما عادت نداء لبيتها أخذت دينا تحكي لرشدي ما حدث وتضحك وهو يشاركها الضحك ونداء رهف السمع لحديثهما وهي في قمة غضبها، فقال رشدي مبتهجًا:
-الطقم ده وشه وش الخير يا دينا جابني على ملى وشي وجاب رائد على بوزه…
-يعني إيه؟
-يعني رائد كلمني النهارده وقالي إنه عايز يجي يشرب معايا الشاي عشان موضوع خاص يا دينا…
قالها وهو يصفق بكلتا يديه بحمـ ـاس شديد، فقالت دينا ببهجة:
-أخيرًا هيتقدملها!
-عاوزك بقا تحضري الساقع وتظبطي الشقه وتظبطي البت…
صمتا لبرهة قبل أن يقول رشدي وهو يغمز بإحدى عينيه:
-الفستان الأحمر اللي قابلتيني به أول مره لما اتقدمتلك لسه موجود؟
-موجود طبعًا وفي الدولاب…
قالتها بحمـ ـاس وقد فهمت نداء مقصدهما فوثبت في مكانها وخاطبت نفسها وهي تُصر على أسنانها:
-لأ بجد حرام… ده بالذات مش ممكن البسه…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد آذان العشاء جلست وئام على فراشها تعبث بهاتفها فاقتـ ـحم عمرو وعامر الغرفة، وقفزا على فراشها كالقرود، وقال أحدهما:
-تدينا كام ونقولك سر عن الشيخ يحيى؟
ألقت هاتفها جانبًا وقالت بابتسامة:
-قولوا الأول وبعدين أقرر…
تنحنح عامر وقال بعدما غمز بعينه:
-من خلال قعدتنا في بيته تلت ايام عرفنا إنه راجل محترم بيصلي قيام كل ليلة…
الطفل الأخر:
-وبيقرأ قرآن كتير في كل وقت وصوته حلو أوي.
حملت وئام هاتفها وعادت تعبث به مرددة:
-طيب ما أنا عارفه فين السر هنا؟
قال عمرو:
-ما إحنا بنسخن لسه السر جاي في الطريق انتبهي…
أكمل عامر:
-لما قعد فتره ميجيش يدينا درس هنا كان بسببك…
تركت الهاتف مجددًا وأشارت لنفسها قائلة بصدمة:
-بسببي أنا!!!
اومأ عمرو وقال:
-أيوه عشان… عشان كان معجب بيكِ وخايف يعلق قلبه بحاجه مش حلال.
التقط عامر اللجام منه قائلًا:
-وقال لمامته إنه هيتقدملك لما الظروف اللي بنمر بيها تعدي…
عمرو:
-وكمان سمعته بيقول لمامته إنه أتكلم مع رائد في الموضوع ده…
هز عامر عنقه بأسى مرددًا بحزن:
-بس هو يا حبة عيني خايف ترفضيه…
صمتت وئام تفكر بما قالاه، ليجذبها صوت عمرو:
-يلا ربنا يتمم بخير ونشوفك عروسه ونتفشخر بيكي في الشارع كله…
رفع عامر سبابته قائلًا:
-لعلمك الراجل باين عليه بيحبك جامد يا وئام زي ما إنتِ بتحبيه وأكتر…
شهقت وئام أثر جملته الأخيرة وقالت بصدمة:
-إيه اللي بتقوله ده يا عمرو!!!
هز الطفل رأسه مرددًا بابتسامة جليدية:
-أنا مش عمرو أنا عامر…
هتف الأخر:
-هتدينا كام؟
أخذت وئام تضـ ـربهما بكلتا يديها وهي تقول:
-اطلعـــــوا بره…
ركض الأطفال صوب الباب وقال أحدهما بتهديد:
-لو مديتناش فلوس هنقول لكل العيله عن نظرات الحب الصامته دي…
قذفتهما وئام بالوسادة فخرجا وأغلقا الباب، قلبت كفيها وهي تردد:
-دول مش ممكن يكونوا أطفال…
فُتح باب غرفتها فحملت الوسادة لتقذفها زاعمةً أنهما عادا، ولكنها تراجعت حين رأت والدتها التي قالت باضطراب:
-وئام! البسي بسرعه وتعالي يحيى ووالدته بره!
وثبت واقفة واختلج قلبها! ووقفت تزدرد ريقها بتوتر…
من ناحية أخرى خارج غرفتها قال عمرو:
-شامم إلي أنا شامه؟
استنشق عامر الهواء وهو يقول:
-أيوه رائحة الحب بتهفهف في المكان…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سدفة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى