رواية مملكة سفيد الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم رحمة نبيل
رواية مملكة سفيد الجزء الثامن والثلاثون
رواية مملكة سفيد البارت الثامن والثلاثون
رواية مملكة سفيد الحلقة الثامنة والعشرون
رغم أن ما تبقى من قصرها مجرد رماد خلفه احتراق، وبقايا بناء كان شامخًا، إلا أن الوقوف ومشاهدة شروق شمس جديدة على بلادها بعد كل تلك الأشهر التي حرمت من رؤية شمس بلادها، كان يمثل لها أكثر من مجرد مشهد .
شعرت بالدموع تلسع عيونها وهي تبتسم تستنشق هواء الصباح، ثم اغمضت عيونها تتنفس أكثر وأكثر، لكن إن ظنت أن عقلها سيرحمها في تلك اللحظة، ويشفع لها حنينها، فقد اخطأت فبمجرد أن أغلقت عيونها رأته يبتسم عيونها بسمته، رأته يتحرك بكل هيبة بين ممرات قصره، رأته يحمل سيفه وهو يحركه بمهارة مبتسمًا بسخرية، رأته يتوسط عرشه بكل كبرياء وقوة …
مشاهد عديدة له اندفعت لعقل كهرمان التي فتحت عيونها بسرعة تتنفس بشكل مبالغ به وكأنها كانت تركض في ماراثون، مسحت وجهها تستغفر الله، ثم قررت التحرك بعيدًا عن وحدتها والانضمام لشقيقها علّه يصرف عقلها عن التفكير في كل ذلك ..
وبالفعل تحرك خارج غرفتها تسير مرفوعة الرأس كعادتها وهي التي لم تنحني يومًا ولو في أكثر حالتها سوءًا ..
وبمجرد أن وصلت للقاعة الخاصة بعرش شقيقتها سمعت صوت ضحكات أرسلان من الداخل .
فإن كنت أحد المارة العاديين وسمعت ضحكته لفُتنت بسحرها ولرسم لك عقلك صورة جميلة له وهو سعيد، لكن كونها تعلم أرسلان جيدًا وتدركه كراحة يدها علمت أن هذه الضحكة ليست كما تظهر .
تحركت داخل القاعة لتبصر أرسلان يتوسطها بثياب عادية وقد تخلى عن ثوبه كملك، كان يرتدي بنطال اسود وسترة بيضاء بأزرار خشبية وخصلاته السوداء مبعثرة بقوة وقد كانت عيونه ترسل رسالات تحذيرية لكل من يفكر الاقتراب منه، ألا يفعل .
وأمامه يقف بعض الرجال يراقبونه بخوف شديد .
ابتلعت ريقها وقد علمت أن صباح شقيقها لم يكن مشرقًا بقدر خاصتها، إذ تحرك أرسلان يمينًا ويسارًا وهو يبعد خصلاته بعنف عن عيونه :
” ما يزال يمتلك من الحماقة التي تجعله يواجهني ؟!”
توقف فجأة قد دفع بكل ما قابله صارخًا بجنون :
” اللعنة عليه وعلى أمثاله، والله ما خُلق بعد من يتحداني وينجو، وذلك النتن سأريه من جحيمي ألوانًا ”
توقف عن الحديث يتنفس بصوت مرتفع، ثم رفع عيونه صوب الرجال الذين يتوسطهم المعتصم يقول بصوت خافت :
” المعتصم، أنت الآن المسؤول أمامي عن الجيش، رتب كل شيء واستعد سنهدم جميع مساكنهم القديمة الشمالية والغربية، لا اريد لهم أي كهف أو مخبأ واحد، سنضيق الخناق عليهم، ولن نمس المساكن الشرقية دعها لهم كما هي، فنحن لا نريد أن نشرد مئات الخنازير صحيح ؟!”
ابتسم المعتصم بسمة جانبية، ثم هو رأسه هزة صغيرة يقول بصوت خافت :
” معاذ الله أن نفعل مولاي، لك ما تريد ”
وبنظرة سريعة للرجال أدرك الجميع ما يجب فعله وتحركوا للخارج، وتبقى فقط المعتصم مع أرسلان وكذلك كهرمان التي تراقب ما يحدث من بعيد .
” مولاي أنا كنت فقط اريد أخذ أذنك في أمرٍ ما ”
نظر له أرسلان يقول دون تفكير :
” لك موافقة مني على كل ما تريده، تصرف حسبما ترى ”
ابتسم المعتصم بسمة واسعة يقول بصوت خافت وهو يحني رأسه:
” معاذ الله أن اتخطاك مولاي، هذه مملكتك ونحن هنا نسير بشورتك ”
نظر له أرسلان بجدية يجيب دون تردد لثانية :
” وأنا أقدر لك ذلك يا المعتصم، أقدر لك وجودك هنا لمساندة البلاد، كان سالار كعادته محقًا حين اختارك تحديدًا لهذه المهمة ”
نظر المعتصم في عيونه يقول بصدق :
” القائد اختارني لأنه يعلم أنني سأفني عمري فداءً لبلاد ابائي واجدادي مولاي، فأنا من أهل مشكى في النهاية وإن ترعرعت في سفيد ”
ابتسم له أرسلان يربت على كتفه :
” بارك الله فيك وفي رجال سفيد ومشكى اجمعين، قل ما كنت تريد ”
شعر المعتصم بالسعادة لكلمات أرسلان الواثقة تلك وقد أنعش كل ذلك ولاءه أكثر وأكثر، فرغم أن المعتصم كان والده من مشكى، إلا أنه هاجر منذ عقود لسفيد وتزوج بامرأة هناك وانجبه، لكنه يظل من أهل مشكى رغم تدربه على يد رجال سفيد وسالار، إلا أنه لم ينسى بلاده يومًا .
وحين أراد سالار أن يوكل مهمة قيادة رجال مشكى لأحدهم، كان ذكيًا بالقدر الكافي ليقع اختياره على المعتصم والذي يعلم يقينًا أنه يحمل بين دمائه الحارة غضب يوازي غضب أهل مشكى، غضب سيدفعه للتضحية بنفسه لأجل بلاد والده وبلاده، المعتصم والذي لم يكد يبلغ الخامسة والعشرين من عمره حتى، كان قائدًا بالفطرة، كان شابًا يافعًا في جسد ناضج وعقل ذكي .
” فقط أريد أن أعلن في البلاد حاجة الجيش لرجال ونفتح لهم باب التطوع هناك الكثير من الرجال والشباب سيسدون حاجتنا من الأيدي”
ابتسم له أرسلان بسمة واسعة ثم ضحك بصوت مرتفع وقد كانت ضحكته في هذه اللحظة ضحكة حقيقية يقول بجدية :
” يا الله أشعر أنني اتحدث مع رجل حرب مخضرم، هذا بالفعل ما قمت بفعله يا المعتصم، لقد نشرت منذ البارحة رجال تحمل هذا الخبر بين طرقات مشكى بأكملها وكذلك المدن الحدودية.”
ابتسم له المعتصم يجيبه بمزاح :
” يبدو أنني لست رجل الحرب المخضرم الوحيد هنا”
رفع له أرسلان حاجبه يقول ببسمة ساخرة :
” يا بني لقد خضت من الحروب ما تشيب لها الرؤوس، لقد خضت حروبًا تخطت عدد حروب سالار بخمسة وثلاثين حربًا”
اتسعت أعين المعتصم بقوة وصدمة وفغر فاهه ليبتسم له أرسلان يتذكر مشاكسته لسالار طوال الوقت أنه يفوقه بعدد الحروب وذلك لأنه شارك والده الحروب منذ سن صغيرة، الوقت الذي لم يكن سالار حتى جاء لسفيد وكان ما يزال تحت تدريب الملك آزار، وحين جاء لسفيد أخذ بعض الوقت ليثبت كفاءته ويشاركهم الحروب، أثناء ذلك كان هو قد ألف الحروب وارض المعارك، هذا دون ذكر أنه كان يهوى الحروب، أو كما يقول سالار مختل كلما وجد نفسه متفرغًا أخذ جيشه وذهب ليهجم على أوكار المنبوذين، لذا كان هو الهدف الاول لهم ..
أطلق أرسلان ضحكات صاخبة وصوت سالار يتردد في أذنه ساخطًا متهكمًا :
” أنت مجرد متهور لا تهتم لحياتك، أشعر برغبة عارمة في سحب جيوشك منك وتركك هكذا، حينها أثق أنك ستجن لعدم خوضك حربًا قبل النوم وحرب بعد الاستيقاظ ”
رمقه أرسلان بسخرية لاذعة مستفزًا إياه:
” لا بأس، خذ الجيوش ودع لي سيفي، سأحارب بمفردي، ثم هذه هوايتي المفضلة، تحطيم منازل الخنازير أعلى رؤوسهم ..”
أفاق أرسلان على صوت المعتصم وهو يتحرك بعيدًا عنه مستأذنًا، ثم اقتراب كهرمان منه والتي حيته مبتسمة، لتشرق شمس أرسلان وهو يتحرك لها يضمها بحب :
” مرحبًا بأميرتي الجميلة، هل ازددتي جمالًا منذ الأمس كهرمان ؟؟”
ابتسم له كهرمان تضمه بحب :
” مرحبًا يا وسيم، مالك مبعثرًا بهذا الشكل، هكذا تزداد فتنتك أخي، رفقًا على قلوب النساء هنا، لا نريد لزوجة أخي أن تمتلك العديد من الأعداء هنا ”
أطلق أرسلان ضحكات مرتفعة يسمع منها نفس الجمل التي كانت تكررها منذ طفولتهم وهو يجيبها نفس الإجابة :
” يا ويلي من تلك المرأة التي يحمل الجميع همها قبل المجئ، فقط لتأتي ونرى كيف ستكون، من يعلم ربما أصبح حارسًا خاصًا لها إن كانت برقتك ”
ابتسمت له كهرمان تهز رأسها، ثم قالت تأبى التدخل في أمور البلاد، لكنها تخشى أكثر عليه، تخشى أن يتكرر التاريخ ويتلقى طعنات أخرى :
” ألا ترى أرسلان أنك تعطي صلاحيات أكثر مما يجب للمعتصم ؟؟ اعتقد أنه يجب عليك التريث بعض الشيء ”
ابتسم لها أرسلان يدرك فيما تفكر ثم قال بمرارة :
” لا تقلقي عزيزتي فالمعتصم رجل مخلص ليس كرجالي القذرين، سالار وثق به لدرجة إرساله هنا لقيادة الرجال وهذا ما يجعلني أثق به دون تفكير، سالار لا يثق بأحدهم بسهولة ”
نظرت له كهرمان تبتلع سؤالها الذي كاد يخرج منها، وهو رآه واضحًا في عيونها ليجيب بهدوء :
” لم اكن اثق في رجالي كهرمان، أو لنقل رجال عمي العزيز الذين دسهم بين الجيش فترة حكم أبي، لم أكن اثق بهم، وكنت اضع عيوني عليهم أجمعين، وحين اكتشفت خيانتهم وكنت على وشك ردعهم فعلوا فعلتهم، هذا الهجوم وفي هذه اللحظات لم يكن وليد اللحظة، بل علموا ما سيحدث لهم وفعلوا كل ذلك لردعي، أنا لست احمقًا لاغفل عن نظراتهم لهؤلاء الأوساخ ”
صمت ثم أضاف ببسمة وهو يرى نظرات الحزن في عيونها والدموع التي ملئتها :
” بالإضافة أن المعتصم ليس مجرد جندي في جيش الملك بل هو ابن خالته لذلك الحقيرايفان، والدته هي شقيقة الملكة آمنة والدة إيفان..”
” نعم هذا صحيح، ويكفي أنه تربطني به علاقة لتثق به يا عزيزي، والآن ما رأيك أن نوطد العلاقات بيننا أكثر ؟؟”
اتسعت أعين كهرمان لسماع صوته، أو أنه خرج من رأسها ؟؟ استدارت ببطء مع أرسلان الذي تيبس جسده وهو يحدق بإيفان الذي يتوسط مدخل القاعة بثياب عادية بعدما تخلى عن ثوبه الملكي يبتسم بسمته الساحرة والتي جعلت دقات قلب كهرمان تزداد بشكل مرعب ..
” مرحبًا أرسلان، جئتك حتى مملكتك لنتفاهم بشكل ودي ”
ختم إيفان حديثه يخرج سيفه يريه مقدار السلام الذي جاء محملًا به …..
________________________
ذلك المشهد الذي ابصره بمجرد فتح عيونه جعل موجة غثيان تداهمة بقوة وقد احترقت عيونه من المشهد، أبعدها بسرعة وهو يصرخ بجنون يلتقط ثيابه ليرتديها :
” الويل لكِ ما الذي تفعلينه هنا يا امرأة؟؟ ”
كانت يده وجسده بأكمله يرتجف أثناء ارتدائه للثياب، لا يدري أصدمة كانت أم اشمئزاز، هو فقط يشعر بضغط شديد يكاد يتسبب في انفجاره في هذه اللحظة، والمرأة أمامه لا تتوقف عن البكاء والنحيب وهي تهمس بكلمات غير مفهومة .
وبمجرد أن ارتدى ثيابه اندفع خارج الخيمة بسرعة مخيفة، يحدق حوله يبحث عن رجاله، ليبصر البعض منهم يقف أمام الخيمة الخاصة به يحاولون معرفة ما حدث .
لكن سالار لم يهتم وهو يصرخ بجنون :
” ما الذي يحدث هنا ؟! من هذه المرأة داخل خيمتي ؟؟ كيف عبرت منكم ودخلت ؟؟”
نظر له الجميع بصدمة، هم سمعوا صوت صراخ امرأة بالفعل، لكن لم يفهم أحدهم ما يحدث، تقدم أحد الرجال يتحدث بتعجب :
” امرأة في خيمتك ؟! لقد …لقد سهرنا طوال الليل ولم نغفل إلا لثواني وقد كانت جميع حواسنا متيقظة”
أطلق سالار ضحكة ساخرة يقول وهو يقترب منهم :
” متيقظة ؟؟ يا ويلي متيقظة ماذا ؟؟ هذه امرأة في خيمتي كيف …كيف عبرت من كل هؤلاء الرجال. و…”
” اللعنة عليك يا حقير، اقسم أن اقتلك بيديّ هاتين، لقد دمرتني، لجأت لك وانتهكت عرضي، وتسمي نفسك حامي حمى سفيد أيها الوسخ ”
اتسعت أعين الرجال بصدمة شديدة وعلت الهمسات المستنكرة وهم يرون المرأة تخرج بهيئة مدمرة من الخيمة بعدما سترت ما استطاعت من جسدها، وهجمت على سالار تكيل له الضربات والسباب.
لكن أيًا كانت صدمتهم تلك فلم تكن تمثل جزء ضئيل من صدمة سالار الذي تيبس جسده وهو يستقبل منها الضربات والسباب والاتهامات بوجه احمر من شدة الضغط الذي يمارسه على نفسه للهدوء .
” لقد جئتك استغيث بك من محاولة الاعتداء عليّ وأنت استغليت نوم جنودك وقدتني لخيمتك وانتهكتني، اقسم أنني سأقتص منك أمام الجميع، سأشكوك واقتص منك وافضح أفعالك التي تخفيها أسفل غطاء عفتك هذا، سأطالب بمحاكمتك أمام الجميع ”
اغمض سالار عيونه وقد وصلت بعض الهمسات لاذنه، لكنه لم يهتم، بل فقط فتح عيونه ونظر للفتاة نظرة واحدة فقط صاحبتها بسمة مخيفة جعلتها تتراجع للخلف مرتعبة وقد شعرت أنها هالكة لا محالة .
وسالار لم يتحدث بكلمة واحدة، بل تولت نظراته لها كل ما أراد قوله، نظرة جمع بها كافة مشاعره الغاضبة والساخطة والمحترقة.
واهتزاز جسده وتصلبه في هذه اللحظة كان أكبر إشارة ليتجنبه الجميع كان يستطيع الصراخ، الانهيار غضبًا، ضربها أو الدفاع عن نفسه، لكنه لم يفعل كل ذلك هو فقط اكتفى بهزة رأس صغيرة وكلمات مقتضبة .
” حسنًا، أنتِ محظوظة فملكنا ملك عادل، لكِ قصاصك لا ينقص مقدار حبة خردل، موعدنا في المحكمة ”
وبهذه الكلمات ختم سالار حديثه ووجوده أمام الجميع تاركًا إياهم مصدومين من ردة فعله، فشخصٍ آخر مكانه، كان حطم المكان أعلى رؤوسهم، لكن ردة فعل سالار غير متوقعة بالمرة .
بينما سالار تحرك بعيدًا عن الجميع وعن الخيم المنصوبة يحاول التنفس ومعرفة ما حدث، هو فقط يشعر أن جسده سينفجر إن لم يصرخ، كان عليه الصراخ في وجهها وزجرها، بل وقد سول له شيطانه أن يصفعها ويخبرها أن تذهب للجحيم بكل هذا الهراء الذي نطقته .
لكنه وبصعوبة كبيرة كبت كل تلك الأفكار السوداء، نظر حوله يحاول التنفس بشكل صحيح، وفجأة ضربت رأسه فكرة وذكرى من البارحة، حين كان يجلس في خيمته على وشك السقوط في النوم .
وقتها أبصر تبارك وهي تبتسم له وتقترب منه و…..
انتفض جسد سالار كالملسوع وهو يشعر بارتجافه جسده بأكمله وقد بدأت موجة الاشمئزاز تعلو داخله، هذا مستحيل، لا يمكن أن يكون هذا قد حدث، هل حقًا فعل معها شيء خاطئ معتقدًا أنها زوجته ؟!
عند هذه الفكرة انتفض جسد سالار يتقيأ بعنف، وقد شعر بالنفور من جسده والتقزز، يتقيأ من فكرة أنه ربما في غفلة منه لمس امرأة لا تحل له، امرأة غير زوجته، ازدادت موجة اشمئزازه عنفًا، حتى كاد يتقيأ معدته، وعقله لا يدور سوى في نقطة واحدة، هل فعلها حقًا ؟؟؟؟
______________________
كانت متسطحة على الفراش تشعر بالتعب الشديد يصيبها، وقد ذكرها هذا التعب أنها لم تتناول ادويتها، تحركت بنصف جسدها تلتقط بعض الأعشاب تذيبها في ماء، ثم تناولتها وقد بدأت مرارة العشبة تسير في جسدها لينتفض جسدها بتقزز جعل زمرد التي كانت تجلس جوارها تنتفض بدورها فزعة ظنًا أن شيئًا حدث .
انفجرت تبارك في الضحك على ردة فعل زمرد تضع الكوب على الطاولة :
” أنتِ جبانة زمرد ”
رمقته زمرد بحنق شديد :
” جبانة ماذا أيتها الحقيرة؟! لقد ظننت أن قنبلة سقطت أعلى الفراش ”
ابتسمت لها تبارك تريح جسدها مجددًا وهي تنظر للسقف تتنهد براحة وقد بدأ جسدها يتأقلم شيئًا فشيء على الأعشاب بدلًا من الأدوية، ورغم أن مفعول الأدوية اقوى، إلا أن الاعشاب ليست بهذا السوء، هي تقضي الغرض وتساعدها للعيش أيام إضافية رفقة زوجها والتنعم بحبه .
ارتسمت بسمة واسعة على فمها حين تذكرته ليلتوي ثغر زمرد بسخرية تقول :
” ها هي بدأت تسقط في احلام يقظتها والتي أكاد أجزم أن سالار يترأسها ”
دارت تبارك بعيونها صوبها تجيب بكل هدوء :
” وما الذي يزعجك في الأمر عزيزتي ؟! هل لأنك لا تمتلكين زوجًا ؟؟”
ضحكت برلنت والتي كانت تتناول بعض الفاكهة على طرف الفراش الآخر :
” المسكينة ستشيب خصلاتها وتتساقط أسنانها قبل أن نزفها ”
زفرت زمرد تنتفض عن الفراش بغيظ :
” أنا تركت القصر بأكمله وجئت لاضاعة وقتي معكما، اقسم أنني استحق ما تفعلونه بي، ليت كهرمان ما عادت لقصرها لكانت….”
قاطعتها برلنت ببسمة مستفزة :
” شاركتنا السخرية منكِ ”
ضحكت تبارك بقوة على كلمات برلنت وهي تضيف :
” هي محقة، فحالتك مثيرة للضحك والشفقة ايضًا، انظروا لها اكتشفت أنها أميرة بين ليلة وضحاها، وفي الوقت ذاته حُرمت المسكينة من الرجل الذي تحبه لأن اخاها يغار منه ”
قلبت زمرد عيونها تقول بجدية :
” إيفان لا يغار من دانيار، هو فقط يشعر بالسخط لأن دانيار نبذني حين علم بحقيقتي ”
تناولت برلنت بعض حبات العنب تتحدث بجدية :
” نبذك ماذا يا عزيزتي ؟! الرجل صُدم ولم يكد يستوعب أنكِ من هؤلاء القذرين حتى عاد ليجدك تطعنين أحدهم بخنجرك، والله لو كنت مكانه لفررت منكِ لآخر البلاد”
صمتت برلنت، ثم همست وكأنها تخشى نطق الكلمة بصوت مرتفع :
” أنت امرأة خطيرة مخيفة ”
وما كادت تنهي كلماتها حتى نالت ضربة على كتفها من زمرد لتضيف برلنت صفة أخرى وهي ترمقها بغضب تفرك كتفها :
” وحقيرة، أنتِ حقًا امرأة حقيرة زمرد ”
ابتسمت لها زمرد، ثم استدارت صوب تبارك التي كانت تضحك بصوت مرتفع عليهما، لكنها خنقت الضحكات بسرعة حين أبصرت نظرات زمرد لها .
فابتسمت زمرد بانتصار وهي تردد :
” أرأيتِ يا ابنتي هذا ما تمنحك إياه أمتيازاتك كامرأة خطيرة حقيرة”
صرخت برلنت غاضبة :
” ها أنتِ تعترفين أنكِ حقيرة ”
” أنا فقط من اصف نفسي بالحقير، لا أحد آخر عزيزتي ”
التوى ثغر برلنت وهي تنهض عن مقعدها تقول بملل شديد :
” حسنًا أنا أشعر بالملل لجلوسي معكم هنا، لذا سوف اذهب لازعج تميم، وداعًا ”
وبالفعل ما هي إلا ثواني وكانت تتحرك بعيدًا تاركة الاثنتين تنظران في أثرها بحنق شديد، جلست زمرد على الفراش تضم يديها لصدرها جوار تبارك :
” لم يتبقى لي سواكِ تبارك، أنتِ أكثرهن اخلاصًا ”
هزت تبارك رأسها تقول ببساطة :
” لا أنا فقط لا أجد مكانًا أذهب إليه بعيدًا عنكِ، فسالار خرج منذ البارحة، لذا أنا مضطرة أن أجلس معكِ هنا ”
ابتسمت زمرد أكثر تسترخي على الفراش :
” أقدر صراحتك حقًا، لكن هذا لن يدفعني للرحيل، فأنا لا أريد الخروج من هنا والجلوس وحدي، واعتقد أنكِ أنتِ كذلك لا تحبين الجلوس وحدك ”
نظرت لها تبارك ثواني قبل أن تقول بجدية وبسمة صغيرة مهتزة :
” أنتِ محقة أنا لا أحب البقاء وحيدة، اكتفيت من الوحدة زمرد ”
تنهدت زمرد وهي تنظر للسقف فوقها وجوارها تتسطح تبارك، لتقول دون شعور منها :
” ألا تعلمين من هم عائلتك تبارك ؟؟”
سؤال زمرد جعل جسد تبارك ينتفض بخفة قبل أن تقول بصوت خافت موجوع :
” بلى اعلم، سالار هو عائلتي”
نظرت لها زمرد ترى الوجع يسكن عيونها :
” أشعر أنني احدق بانعكاس نظراتي تبارك، لقد عشت حياتي وحيدة رغم الجميع حوله، وازدادت وحدتي بعد رحيل أمي عن الحياة، عشت بالجحيم ”
ابتسمت تبارك بسمة موجوعة وقد بدأت عيونها تمتلئ دموعًا :
” أشعر بالحقارة لقول ذلك زمرد، لكن حياتي بين جدران الملجأ لا تقارن بحياتك بين شعبٍ وسخ كشعبك ”
ابتسمت زمرد بسمة أوسع :
” نعم، لا يوجد جحيم قد يقارن بجحيمي، لذلك أيًا كان وجعك فلا تعتقدي أنه سيكون مخزيًا أو مثير للشفقة كخاصتي ”
نظرت تبارك للسقف مجددًا وقد بدأت دمعة تتدحرج على وجهها حتى لامست غطاء الفراش أسفلها تهمس بصوت متهدج :
” لقد جئت نتيجة اعتداء، لقد …كانت والدتي طفلة في الخامسة عشر من عمرها و….رفضت عائلتها الاحتفاظ بطفلٍ جاء بهذه الطريقة ولأن الشخص الذي من المفترض أنه والدي لم يكن حرًا ليعتني بي_ والحمدلله على ذلك _ تركوني في الملجأ وعلمت بذلك حين أصبحت بالعاشرة ”
ابتسمت زمرد بسمة لا تمت للموقف بصلة تهمس :
” يبدو أن هناك شيء مشترك بيننا، أنا كذلك جئت نتيجة انتهاك لوالدتي، لكن الفرق بيننا أنني لم املك رفاهية الابتعاد عن الشخص الذي من المفترض أن يكون والدي، احسدك حقًا ”
نظرت لها تبارك ثواني قبل أن تنفجر في الضحك من بين دموعها الغزيرة تهمس بصوت متقطع :
” اللي يشوف بلاوي الناس صحيح …”
ابتسمت زمرد بسمة واسعة تضم لها تبارك وهي تربت عليها بحنان، تساندها وهي الأكثر توجعًا، تربت عليها وهي من تحتاج أن يربت عليها احدهم .
زمرد وتبارك وجهان لعملة واحدة، كل واحدة منهما واجهت مصيرها الذي شابه الأخرى مع اختلاف صغير، أن زمرد اضطرت لعيش نصف حياتها تقريبًا في نفس البيئة الموبوئة التي خُلقت فيها، بينما تبارك كانت أشد حظًا أن أُنتزعت من تلك البيئة لبيئة أقل قذارة، لكنها تظل قذرة في النهاية .
الفرق في ردود الأفعال اعتمد على النشأة، فتبارك التي نشأت هشة منطوية على ذاتها، تتجنب المشاكل قدر استطاعتها تضع خطط نجاة أكثر مما تخطط لمستقبلها، ولا تغضب إلا في مواقف قليلة حين يضيق صبرها، لم تكن بنفس قوة زمرد التي اضطرت للنشأة بين مجرمين وقطاع طرق وظلم وانتهاك، ولو أنها سارت بنفس منهج تبارك لكانت دُهست وأنتُهكت أكثر من عدد أنفاسها، كلٌ تعايش بالطريقة التي تسببت في نجاته حيًا من بيئته، كل كان على قدر الابتلاء، فسبحان الذي لا يكلف نفسًا إلا وسعها ..
همستت زمرد بصوت منخفض وهي تربت على ظهر تبارك التي أبصرت وجعها منذ اللحظة الأولى، وجعها حين ذكر العائلة، حين تبصر كهرمان مع شقيقها، كل ذلك تعلمه هي :
” الحمدلله أنك لم تعاني مما عانيته تبارك، الحمدلله عزيزتي، عسى ألا يرى أحدهم ما رأيته…..”
______________________
يقف في ساحة الرماية يحمل سهامه أعلى ظهره وخلفه يقف صف طويل من المتدربين الجدد، ضيق دانيار عيونه ينتزع أحد السهام من حاملته، ثم وضعه في القوس وفي ثواني كان السهم يتوسط الهدف بدقة شديد .
ولم يكد أحد الوافدين الجدد يلتقط أنفاسه من الانبهار، حتى اتبع دانيار السهم الاول بثاني وثالث ورابع وبسرعة كبيرة مخيفة جعلت الجميع يدرك في هذه اللحظة، كيف أن هذا الشاب وفي هذا العمر أصبح قائدًا لجيش الرماة بأكمله ….
” هل الأمر صعب؟؟”
كانت هذه هي الجملة الوحيدة التي نطق بها دانيار بمجرد انتهاءه من التصويب وهو ينظر لهم، ليتبادل الجميع النظرات يفكرون في اجابه، لكن دانيار تجاهل كل ذلك يقول :
” لا انتظر إجابة الآن، سأحصل عليها في النهاية وحينما تنتهي اشهر التدريب، جميعكم جاء بإرادته الحرة ليتدرب في جيوش سفيد، لذا عليكم الإدراك أن الأمر ليس مجرد لقب سيسبق اسمك للتفاخر بل هو مسؤولية ”
انتبه الجميع لكلماته وهو أكمل يستمع لصوت سالار يتردد في أذنه بنفس الكلمات يوم انضم للجيش قديمًا :
” شعرة واحدة بين الفخر والتكبر، شعرة إن انقطعت فلا مكان لك بيننا، هذا ما يحب وضعه أمام عيونكم جميعًا، نحن هنا لنخدم للشعب، لسنا هنا لنتكبر عليهم .”
ختم حديثه يترك السهام جانبًا، ثم نظر لأحد رجاله القدام نظرة يعلمها ليهرول الاخير ويأتي ليتسلم منه التدريبات وهو تحرك في طريقه ليشرف على باقي كتائب الجيش ويطمئن على باقية الأمور .
وبمجرد أن وصل لوحدة القتال أبصر تميم يقف جانبًا يراقبهم بأعين صقر وملامح جامدة ليتنفس براحة، يبدو أن تميم تولى الأمر بالفعل؛ لذا فكر بالذهاب للراحة قليلًا والاستحمام، ومن ثم العودة .
وهذا ما حدث إذ تحرك في طريقة صوب منطقة الغرف ولم يكد يصل لها أو يخرج من نطاق التدريبات حتى أبصر بوابة القصر تُفتح ليبتسم بسمة واسعة يستقبل بها سالار، لكن ما حدث هو أن سالار لم يتوقف بخيله لثانية واحدة يتحرك به بسرعة مخيفة صوب الاسطبل ووجه جامدًا صخريًا لا ينظر لأحد حوله .
تعجب دانيار ما يحدث ونظر للجنود الذين توقفوا بوجوه شاحبة ولا يدرك ما حدث، فتح فمه للتحدث والتساؤل لكن كل ذلك تلاشى حين أبصر امرأة تهبط من فوق أحد الخيول ..
” ماذا ؟؟ من هذه ؟!”
في ذلك الوقت كانت تبارك تجلس على الفراش مع زمرد وقد انتقلت بحديثها صوب اماكن بعيدة عن ماضيها، تبتسم تارة وتزفر تارة بغيظ حتى انتفض جسدها فجأة عن الفراش بشكل مفزع حين سمعت صوت الحراس يهتفون بصوت صاخب :
” عاد الجيش بقيادة القائد سالار منتصرًا يا رجال ”
ومن ثم اصوات تهليل مرتفعة تسببت في تحرك جسد تبارك عن الفراش تحمل حجابها وهي تضعه بسرعة :
” لقد عاد، عاد سالار يا زمرد ”
رفعت زمرد حاجبها تبتسم من لهفة تبارك الواضحة :
” نعم لقد عاد، وأنتِ ستركضين لاحضانه دون تفكير”
” هو زوجي ”
” نعم، لكن لا بأس ببعض الثقل ”
ابتسمت لها تبارك تقول بجدية وهي تجذب طرف الحجاب تغطي به وجهها :
” هذا الثقل تمارسينه أنتِ على دانيار المسكين الذي راح ضحيتك أنتِ وشقيقك، أما أنا وسالار يكفينا بُعدًا طوال تلك الفترة لامارس عليه ثقلًا لا احتاج له على أية حال ”
وبهذه الكلمات ختمت تبارك وجودها في غرفتها تحت ضحكات وبسمات زمرد، تتحرك بلهفة حاولت كبتها، ليس ثُقلًا كما نصحتها زمرد، لكن محاولة بائسة منها لتمنع لهفتها من الظهور للجميع، عليها أن تتقلد بهيبة تناسب مكانة زوجها في المكان .
خرجت من القصر تتحرك بعيونها في الانحاء بحثًا عنه، حتى أبصرت دانيار لتتساءل بلهفة :
” دانيار أين هو سالار ؟!”
أجابها بحيرة شديدة :
” لا اعلم لقد تحرك بسرعة كبيرة بخيله، لكن الاحتمال الأكبر أنه في الاسطبل الآن”
شكرته بإمائة صغيرة تتحرك بسرعة كبيرة صوب الاسطبل دون أن تبصر سوى وجهه البهي وبسمته الحنونة، اتسعت بسمتها وباب الاسطبل يلوح لها .
وبمجرد أن وصلت له توقفت لتتنفس وقد أضحت ضربات قلبها صاخبة بشكل كبير، تحركت داخله تبحث عنه بعيونها، لتبصره يقف في أقصى اركان الاسطبل أمام أحد الخيول بجسد مشتد لم تبصره، تحركت صوبه بخطوات حذرة تقول بصوت خافت وشفاة مبتسمة :
” مرحبًا يا قائد…”
اشتد جسد سالار أكثر وهو يغمض عيونه وقد كان صوتها الخافت في هذه اللحظة، كالمياه الحارقة على الجروح، نفس الصوت الهامس الذي سمعه البارحة في خيمته قبل أن…
توقف عن هذه الأفكار يدفن وجهه بين يديه، بينما تبارك لم تفهم سبب تشدد جسده، بل فقط اقتربت تقول بصوت متردد :
” سالار أنت بخير ؟!”
” فقط ارحلي الآن تبارك رجاءً ”
تعجبت تبارك هذه الكلمات ولم تفهم غرضه منها تقول بريبة وبسمة مترددة :
” ماذا ؟! هل …هل حدث شيء أثناء رحلتك !! أنت بخير صحيح ؟؟ تريد مني فحصك ؟؟ استطيع المساعدة و…”
” فــقـــط ارحــــلــي، أي جزء من حديثي لا تفهمين تبارك ؟!”
اتسعت أعين تبارك بصدمة تتراجع للخلف برعب، ليس من صراخه، ولا كلماته التي بصقها في وجهها ولا غضبه الواضح للاعمى، بل لهيئته وعيونه الحمراء وبشدة وكأنه يصارع نفسه .
ابتلعت ريقها تحاول الابتسام كي لا تزيد وجعه الظاهر في وجهه :
” هل…هل اغضبتك سالار ؟! أنا آسفة ”
وسالار في هذه اللحظة كان يشعر أنه يحارب نفسه، هو الآن لا يعلم ما عليه فعله، هل ينحني ويطلب منها أن تسامحه على شيء لا يعلمه، هل يبكي ويخبرها أنه لم يفعل شيء ؟؟ هل هو بالفعل أخطأ ؟؟
وتبارك التي كانت على وشك الرحيل حزينة باكية، اوقفتها تلك النظرة المتوسلة في عيونه، رأت في عيونه حيرة ووجع ورجاء، هل يترجاها الان ؟؟ لماذا يفعل ؟!
ابتلعت ريقها وهي تتحرك للخلف وكادت ترحل، لولا رؤيتها له يغمض عينه متراجًا للخلف متوجعًا، الرجل الذي لطالما وقف معها في أحلك لحظاتها، يقف هناك يبحث عن ركنٍ ينأى فيه بنفسه ويلعق جروحه .
استدار سالار عنها كي لا ترى نظراته، فقط تحرك صوب الخيل يلامس رأسه بشرود كبيرة يشعر بوجع ينتشر بأنحاء جسده بأكمله، كان ليقسم بالله أنه ما كان ليده أن تمس امرأة يومًا لا تحل له، لو أن الأمر لم يتضمن تبارك، لو أن آخر ذكرى له أمس لم تكن عن تبارك..
شعر بموجة اشمئزاز أخرى تضرب جسده، وما كاد يطلق صرخة مقهورة حتى انتفض جسده على لمسة من الخلف جعلته يستدير بعنف يدفع ذلك الشخص بتقزز :
” ابتعدي …”
اتسعت أعين تبارك التي اندفع جسدها للخلف بقوة حتى أنها سقطت ارضًا، ورغم الجروح التي أصابت ذراعها، إلا أنها لم تهتم وهي تنظر في عيون سالار بصدمة كبيرة، وصدمة سالار في هذه اللحظة كانت أكبر وأعظم .
إذ اندفع بسرعة مخيفة صوبها يرفع جسدها ليتلقفه بين أحضانه يتفحص يدها بخوف ولسانه لا يتوقف عن ترديد جميع عبارات الاعتذار والذنب يملئ وجهه :
” أنا آسف، اقسم بالله أنني لم اقصد، لم تكوني المقصودة تبارك، هل أنتِ بخير ؟! أريني يدك، هل جُرحت ؟؟”
كان يتحدث بسرعة وهو يرفع أكمام ثوبها، ثم جلس على ركبتيه ارضًا دون اهتمام لشيء، ثوبه الذي كان يمنحه تجبرًا في ارض المعركة ويهيمن به على اعداءه ها هو يلوثه دون اهتمام فقط ليمسح لها جروحها .
أعين سالار مثبتة على يدها وهو ينظر للجرح يخرج محرمة من جيبه يمسحها بلطف ولم يتوقف عن الاعتذار وأخبارها أنها لم تكن المقصودة ..
وهي ابتسمت بوجع تقول :
” إذن من المقصودة سالار ؟؟؟؟”
توقفت يد سالار عما تفعل ورفع عيونه ببطء صوبها، ليرى في عيونها نظرات فضول ورغبة بمعرفة ما حدث، وهو فقط ابتلع ريقه يهمس باسمها في رجاء الا تدفعه لتلك النقطة :
” تبارك أنا….”
” ما الذي حدث لك سالار ؟؟ ومن هي تلك المرأة التي كانت مقصودة بحديثك ؟؟ ”
ختمت حديثها تضيف بمزاح لتخفف من حدة الأجواء ولم تدرك أنها تزيد منها دون وعي :
” لا يُعقل أنك قمت بخيانتي بهذه السرعة ها ؟؟؟”
وسالار لم ينفي أو يضحك أو يستنكر حديثها، بل فقط شحب وجهه وترك يدها ببطء وتراجع للخلف وقد على وجهه نظرات ذنب تائهة، جعلت كلمات تبارك تتوقف في حلقها وهي تهمس بصوت متهدج رغم بسمتها التي حاربت لتظهرها :
” لم تفعل صحيح ؟؟؟”
________________________
الأعين تستطيع المحاربة كذلك، تجند الرموش للدفاع والنظرات للهجوم، وفي هذه القاعة كانت النظرات تقاتل وتهاجم، حتى أنها كادت تحرق المكان من قوتها .
” أنت عنيد أرسلان، وهذا لن يفيدك معي، فأنت تعلم جيدًا أنني لن ارحل من هنا إلا بموافقتك، وإن رحلت فلن أتوقف عن المجئ، ولن استسلم لرغبتك الغبية في ابعادي عن شقيقتك ”
ابتسم أرسلان بسمة واسعة يقول :
” الأميرة زمرد …”
رفع إيفان حاجبه وقد تحفز جسده تحت أعين أرسلان الذي أكمل بخبث :
” زوّجها لي وامنحك شقيقتي، لنقوي العلاقة بيننا أكثر”
نظر له إيفان ثواني وعلم أنه يحاول اللعب على اوتار ثباته لذلك قال :
” بغض النظر عن أنني لا ارتضي لشقيقتي شخص عنيد متجبر احمق ذو رأس صلبة لا مثلك، إلا أنني بالفعل لا استطيع الموافقة فهناك بالفعل من سبقك وحصل عليها والحمدلله أنه ليس أنت”
أطلق أرسلان ضحكات صاخبة :
” أنت أكبر حقير في هذه الحياة، انظر هذه هي مشكلتنا إيفان، نحن نعلم بعضنا البعض أكثر مما يجب، ولهذا أنا لا أريد أن امنح شقيقتي لمتملك متحذلق قذر مثلك ”
” صدقني لو امتلكت شقيقة ثانية اقسم أنني لم أكن لامنحها لشخص متجبر قاسٍ مثلك أرسلان ”
” إذن نحن متفقان ”
هز إيفان رأسه يجيبه بكل بساطة :
” نعم، هذه هي الحقيقة، كما قلت نحن نعلم بعضنا البعض أكثر مما يجب لنوافق على مثل هذه الامور، لكنها الحياة يا صديقي ليس شرطًا أن تخضع لرغباتك ”
تنهد أرسلان بصوت مرتفع يقلب عيونه بملل شديد :
” أنت لن تستسلم قريبًا صحيح ؟!”
” أبدًا ”
” هذا يصعب عليّ وعليك الأمر ”
” يمكننا أن نجعله اسهل علينا جميعًا وتوافق على تزويج شقيقتك لي ”
” أحلم كما شئت ”
أجابه إيفان ببسمة واسعة :
” لطالما حققت احلامي وأنت أكثر من يعلم هذا ”
صمت ليصمت أرسلان الذي كان يستضيفه في غرفة جانبية لقاعة العرش يجلس أمامه بتحفز وقد أتخذ الاثنان وضع الهجوم، مال إيفان بعض الشيء على ركبتيه يقول بجدية :
” إذن نجعلها معركة فعلية في ساحة الحرب ؟؟”
ابتسم إيفان يدرك أن أرسلان في أحلك نزاعاتهم لم يكن ليرفع إبرة في وجهه، وارسلان يعلم أن إيفان وفي أكثر حالات غضبه ما كان له أن يعلن كلمة حرب أمامه هو، لكن الإثنان فقط نظرا لبعضهما البعض واجاب أرسلان :
” جهز جيوشك يا فتى والحقني لأرض المعركة ”
نظر له إيفان ثواني قبل أن ينفجر في الضحك، ما الذي كان يتوقعه ؟! أن يرفض الحرب معه ويتراجع ؟! هذا الرجل ذو رأس صلب كالصوان .
” ما رأيك أن تكون حرب فردية ؟؟ لا عدة ولا عداد، أنا وأنت فقط ”
أطلق أرسلان صوتًا ساخرًا وهو يعتدل في جلسته :
” أنت تريد مبارزتي على الفوز بشقيقتي ؟! خسئت أنت واشباهك الاربعين، هل أخبرك أحدهم أنها ميدالية إيفان ؟؟”
نعم ها هو رجل الكهف يقفز خارج ثياب أرسلان الملكية الراقية ليتسيد الجلسة .
” أنت احمق أرسلان ”
” وأنت غبي إن ظننت أن مجيئك وتوسلك لي يكفي لامنحك جوهرتي ”
أجابه إيفان بملامح باردة :
” أنا لم اتوسلك ”
” يمكنك أن تفعل ولن امنحك إياها كذلك ”
زفر إيفان بضيق شديد :
” أنت لن تسهل الأمر علينا صحيح ؟؟”
” صحيح ”
نهض إيفان عن المقعد ثم رمقه بشر يقول :
” تبًا لعنادك الغبي أرسلان، أنا لن اتحرك من هنا سوى بموافقة شفهية وكتابية منك أنك توافق على تزويجي شقيقتك ”
ختم حديثه يتحرك خارج القاعة صوب الغرفة التي يحتلها عادة في قصر أرسلان، لكن الأخير أبى أن تكون الكلمة الختامية في هذا الحوار لإيفان فقال بهدوء :
” لقد تقدم أحد الرجال في جيشي لكهرمان، وأنا اوافق عليه يكفي أنها ستظل جواري هنا ”
ولم يكد يلفظ آخر كلماته حتى وجد جسد يندفع على مقعده مجددًا بعدما هجم عليه إيفان بشراسة يجذب ثيابه صارخًا بجنون ووجع غاضب لم يبصره منه سوى يوم تشاجرا وانفصلا قبل سنوات :
” لعنة الله على كل من سولت له نفسه النظر لكهرمان مثل هذه النظرات، شقيقتك ستصبح زوجتي أمام الله والناس أجمعين، ولن تكون لغيري، أنا لم أصبر كل هذه السنوات ليأتي أحدهم وينتزع مني امرأتي أرسلان، سأقتلك واقتله ”
وعلى عكس المعتاد منه استرخى أرسلان في المقعد رغم قبضة إيفان المشتدة حول ثيابه :
” أنت تعلم أن تهديدك الاحمق هذا لا يخيفني صحيح ؟؟ ”
” يجب أن يفعل وإلا لن يظل مجرد تهديد ”
نظر له أرسلان ثواني قبل أن يهمس بفضول :
” أنا فقط أتساءل عن اول مرة أبصرت بها شقيقتي وما الذي قادك للرغبة في الزواج منها وهي كانت مجرد عاملة لديك في القصر، لا اعتقد أن الملك يهتم بجميع العاملات ويرغب في الزواج منهن ؟!”
اطال إيفان النظر في عيونه وفي ثواني عادت له ذكرى اول لقاء مع كهرمان في جناح قصره، خصلاتها وثوبها الخفيف وعيونها الفزعة وهو يوجه سيفه على رقبتها داخل مرحاضه .
استغفر ربه يبعد المشهد عن عيونه، ورغم ذلك لم يستطع كبت البسمة التي علت وجهه وهو يستعيد ذكرى قتالهما سويًا، وتلك البسمة التي ارتسمت على وجهه لم تساعد البتة على تهدئة فضول أرسلان الذي همس بأعين ضيقة :
” ما معنى هذه البسمة التي تعلو وجهك ؟!”
ازدادت البسمة اتساعًا قبل أن تتحول لضحكة صاخبة وارسلان قد بدأ جسده يزداد تحفزًا وغضبًا بالإضافة لهمسة إيفان له التي اشعلته أكثر :
” لتشكر ربك أنك تمتلك نفس أعين شقيقتك وإلا كنت نزعتهما لك بعد هذه النظرات التي وجهتها لي ”
ختم حديثه يتركه راحلًا وجسد أرسلان ما يزال على المقعد بصدمة كبيرة يهمس :
” أعين شقيقتي ؟؟ وأين أبصرت أنت شقيقتي ”
انتفض بجنون يصرخ بصوت هز أركان القصر :
” ايفـــان أيــهـا الحقيــر ”
______________________
كانت تبحث عنه في كل مكان وبالصدفة عثرت عليه في أحد الممرات يتحدث مع بعض الرجال الذين يحرسون غرفة ما لا تدرك لكن تعود .
لكنها انتظرت حتى تحرك من أمامها لتقول بصوت هادئ:
” تسير اعزلًا دون سهامك ؟؟ ماذا إن قابلتني صدفة في الممرات ؟؟ كيف ستخرج سهامك لتهديدي دانيار ؟؟”
توقف دانيار في سيره ينظر لها بانتباه قبل أن يبتسم وهو يقول :
” تكفيكِ عيوني زمرد ”
نظرت له زمرد ثواني قبل أن تضحك بصوت مرتفع جعل أعين دانيار تشتد وهو يزجرها بنظراته لتتوقف عن الضحك وهي فقط توقفت تقول بصعوبة بسبب ضحكاتها :
” آسفة، لكنك فاشل في هذه الأمور ”
اقترب منها دانيار يقول بأعين محذرة :
” أي أمور يا ترى ؟!”
” أمور الغزل وما شابه ذلك دانيار، أنت لست بارعًا سوى في الحديث المستفز الساخر وفقط”
رفع دانيار حاجبه، يبتسم بسمة جانبية :
” ومن اين لك بهذه الثقة وأنا لم أوجه لكِ يومًا كلمة غزل واحدة زمرد ؟!”
رفعت زمرد عيونها له تقول باعتراض :
” هذا ببساطة لأنك لا تستطيع ”
” بل لأنني لم أكن امتلك وقتًا لفعل ذلك عزيزتي، أنتِ وخلال جميع مقابلاتنا لم تمنحيني فرصة واحدة للتنفس دون الدفاع عن نفسي أمام ضربات سيفك وليس لاخبرك كلمات غزل، ثم أنا لا ألقي بكلمات غزلي الثمينة في وجه أيٍ كان، هذه الكلمات احتفظ بها لزوجتي ”
اشتعلت أعين زمرد وهي تقول بتحفز :
” ما الذي تقصده بحديثك دانيار ؟؟”
” أنتِ حقًا لا تريدين سماع توضيحي ”
” بل أريد ”
” وأنا لا أستطيع التوضيح أكثر، ليس الآن على الأقل وليس في هذا المكان ”
نظرت له بفضول وعظم فهم وهو هز رأسه يقول :
” على كلٍ ما الذي كنتِ تفعلينه هنا ؟؟”
نفت زمرد ما كانت تفعله سريعًا ساخرة :
” بالطبع لم أكن اتتبعك أو ابحث عنك، أنا فقط كنت أسير بملل في القصر وابصرتك تقف أمام هذه الغرفة”
صمتت وفشلت في كبت فضولها :
” غرفة من هذه ؟؟”
وهو ابتسم يجيب بكل براءة وبنصف حقيقة :
” امرأة ”
تشنجات ملامح زمرد :
” عفوًا ؟؟”
” سألتي عن الغرفة أخبرتك أنها تعود لامرأة وكنت اطمئن انها تنال الراحة التامة، وأخبر الحراس أن يعتنوا بها بشكل مناسب ”
ازداد تشنج وجه تبارك وهي تنظر حولها صوب الغرفة مرة أخرى :
” ومن اين سقطت تلك المرأة على رؤوسنا ؟! هل اكتشفت أنك تمتلك شقيقة فجأة !!”
” لا يكفيني مهيار في الحقيقة لاتحمل شقيق آخر، لكن من يعلم ربما تربطنا علاقة أخرى بمسمى أخرى غير شقيقة ”
” ماذا والدتك ؟!”
كانت كلمات مندفعة لم تستطع كبتها وهو اشتعلت ملامحه بتحذير :
” زمرد الزمي حدودك وإلا…”
” أنت هل تحاول إثارة غضبي؟؟ لأنك نجحت بالفعل دانيار ”
ابتسم دانيار بسمة واسعة يهمس لها بتسائل :
” هل تغارين ؟!”
نظرت له ثواني بأعين مشتعلة، ثم تحركت بعيدًا عنه بهدوء شديد تهمس قبل تحركها :
” إيفان محق في إبعادك عني دانيار، أنت لئيم خبيث، وأنا لا أحب التعامل مع هذا النوع ”
اتسعت أعين دانيار بصدمة يهمس في اعقابها :
” حقّا ؟؟ حري بكِ إذن أن تتجنبي التعامل مع شقيقك فهو أكثر سكان سفيد والممالك خبثًا ولئمًا ”
توقفت زمرد أن السير تجيب بغيظ مشتغل :
” دع اخي خارج الحوار ولا تزج به في كل شجار دانيار ”
صرخ دانيار في المقابل غاضبًا :
” الحقيقة تؤلم، لكن شقيقك خبيث أكثر مني ومن الجميع، اقسم أنه أكثر انسان مستفز خبيث، هو …يشبهك تمامًا زمرد ”
نظرت له زمرد ثواني بغضب شديد قبل أن تضرب الأرض أسفلها بغضب صارخة :
” للجحيم ايها الخائن ”
ركضت بعيدًا عنه وهو وقف يتنفس بصوت مرتفع وغضب مشتعل، بينما جميع الحراس حوله متعجبون ما يحدث، ليهتف هو بغضب :
” ماذا ؟؟ ليعد كلٌ لعمله ”
زفر يتحرك بعيدًا وهو يحاول فصل عقله عما يحدث الآن والتفكير في تلك الفتاة والتي تسلمها من الجنود العائدين وأخبروه بالاحتفاظ بها تحت حراسة بأمر من القائد سالار وحتى عودة الملك إيفان وأن يرسل مرسال لإيفان يطالبه بعودة سريعة للبلاد..
” ما الذي يحدث هنا الآن ؟؟ ألن ينتهي كل هذا ؟؟”
زفر يتحرك بعيدًا ليوصل رسالة سالار بسرعة عودة الملك ..
__________________
” أنت لم تفعل سالار صحيح ؟؟”
نكس سالار رأسه ارضًا يهمس بصوت مختنق ونبرة قتلت تبارك :
” أنا…أنا حقًا لا ادري ”
ابتلعت تبارك ريقها بصدمة كبيرة تنظر حولها تبحث عن شيء عجيب قد يكون دليلها لاكتشاف أنها تحلم، وأن مظهر سالار هذا ليس سوى حلم يقظة تراه لشدة اشتياقها له، لكن يبدو أن الحلم بدأ يتحول لكابوس .
نهضت تنفض ثيابها وهي تتحرك صوب سالار تجذبه لينهض وهو متعجب ردة فعله :
” انهض هيا، انهض تعالى معي نحن لن نتحدث هنا، أنت تبدو مرهقًا، هيا تعال ”
كانت تتحدث وهي تنفض له ثيابه ثم تحركت تجذبه معها، وهو فقط لم يفعل سوى أن مد يده يعدل لها من وضعية حجابها ومن ثم يخفض الغطاء على وجهها، لتبتسم هي من أسفل الغطاء .
تحركت معه بين الطرقات تمسك يده بإصرار وكأنها تخشى أن يتلاشى من بين أصابعها إن تركته، تحركت معه حتى وصلت لغرفته بعدما فكرت أن غرفتها ربما لن تكون مناسبة في حالة أن إحدى الفتيات قد تأتي لها على حين غرة .
وقفت أمام غرفته واستدارت له تنظر له باهتمام :
” افتح الباب رجاءً”
أخرج سالار مفاتيح غرفته من جيب ثوبه وفتح الباب، ثم دفعه ودفعها هي برفق ودخل ليغلق الباب خلفه .
وبمجرد أن دخل وقبل التحدث بكلمة واحدة قاطعته هي تجذب يده بإصرار تجلسه على المقعد، ثم استقرت أمامها تضم قبضتيه بين يديها وقد انقلبت الأدوار فجأة تهمس له برجاء تلمسه هو في صوتها :
” أخبرني ما يحدث معك سالار ؟؟ هل كل شيء بخير ؟؟ ما الذي كنت تقصده في الاسطبل ؟؟ خانك التعبير صحيح ؟!”
شرد سالار في يدها التي تضم يده وقال دون شعور :
” أنا… أنا لا اعلم شيئًا تبارك، كان …كان يمكنني القسم أنني ما كان لي أن المس امرأة سواكِ لولا …”
توقف عن الحديث وهو ما يزال يمسك يدها بين قبضته بقوة رافضًا أن يدعها تسحبها بعدما أرادت ذلك منذ ثواني .
ولولا أنه ثبت عيونه على يدها لكان أبصر شحوب وجهها واتساع عيونها ودموعها التي ملئت مقلتيها:
” لولا …لولا ماذا سالار ؟؟ هل …هل فعلتها ولمست امرأة أخرى ؟؟”
رفض أن يرفع عيونه بعدما سمع نبرة البكاء في صوتها، ليس الآن، لن يستطيع مواجهتها الآن.
” لا، اقسم أنني لم أفعل، ليس بإرادتي على الأقل لقد …لقد ظننتها ..أنا حتى لا اعلم إن حدث شيء أو لا أنا فقط لا اتذكر شيئًا تبارك ”
حاولت تبارك جذب يديها من بين كفيه ليشدد هو الضغط عليها يهمس بصوت مختنق وقد شعر بقلبه يرتجف بخوف من ابتعادها مما ستسمع، لكنه لا يستطيع أن يخفي عليها شيء قد تعلمه بطريقة اسوء :
” أنا…اقسم أنني يومًا لم أفكر في امرأة، او المس امرأة لا تحل لي عن قصد، وأنتِ تعلمين ذلك، والآن حين وجدت امرأتي ومسكني، هل تظنين أنني قد افعلها بإرادتي ؟؟”
سقطت دموع تبارك بقوة تهمس له :
” أنا لا افهم شيئًا مما تقول سالار، ارجوك تحدث بطريقة واضحة، هل …هل خنتني مع امرأة ؟؟ تحدث سالار ولا توجعني أكثر ارجوك ليس بهذا الشكل، وليس بك أتوسل إليك ”
كانت تتحدث باكية وهي تميل على يديهما المتعانقة تبكي اكثر وهو نظر لها بوجع يهمس وقد آلمه قلبه مما يرى :
” لقد رأيتك، ظننتها أنتِ وهذا …هذا ما يخيفني، هل فعلت لها شيئًا ظنًا مني أنها أنتِ ؟؟ ”
رفعت تبارك عيونها بصدمة كبيرة له تهمس دون فهم لتلك الكلمات التي خرجت من فمه :
” ظننتها أنا ؟؟ وما الذي قد أفعله على الحدود، بل ما الذي قد تفعله أي امرأة في هذا المكان ؟؟”
واخيرًا قرر أن يرفع عيونه لها بعدما شعر أنها محت نظرة الخذلان من عيونها وقد ظهر هذا واضحًا في نبرتها المتعجبة، ابتلع ريقه يجيب بصوت خافت وهاجس مرعب يراوده أنها قد تنبذه :
” سأخبرك كل ما حدث، لكن حري بكِ العلم أن هذه المرأة سـ … أنها تريد أن نقف أمام الملك وأُحاكم ”
ودون شعور من تبارك خرجت سبة من بين أسنانها بغضب مرعب جعل أعين سالار تتسع بصدمة من سبتها وهي انتفضت تصرخ بجنون :
” تطلب محاكمة مين ؟؟ هي مين دي اساسا ؟؟ هي فين ؟؟”
نهض سالار يقف أمامها يحاول التحدث بينما تبارك كان جنونها قد ازداد، لا تنكر رعبها من احتمالية لمس سالار لامرأة أخرى، وفي المقابل لا تصدق أن الشخص الذي كان يتعامل معها بخنجره وسيفه مخافة أن يلمسها لمسة خاطئة قد يمس امرأة أخرى ..
وكيف رآها هي ؟؟ كيف يقول إنه ظنها هي ؟!
” هي مين دي ؟؟ وايه اللي وصلها للحدود وايه اللي حصل بالضبط ؟! احكيلي كل حاجة لأن اقسم بالله لو اللي في بالي صح ما هسيب فيها حتة سليمة، وهخليها عبرة لكل واحدة تفكر بس ترفع عيونها عليك …..”
____________________
خرج من الغرفة بعدما انتهى من استحمامه يبتسم بسعادة وقد تمكن واخيرًا من الهدوء والتفكير بشكل جيد، بحث بعيونه عنها بين الطرقات ..
واخيرًا عثر عليها يراقبها من نافذة تقبع في جانب أحد الممرات تتحرك بين الحدائق تساعد بعض النساء في تشذيب الزهور .
ابتسم دون وعي وقد شعر برغبة عارمة في المبارزة معها، تعجب إيفان شعوره هذا، وارتباط اشتياقه لها بالمبارزة.
تنفس بصوت مرتفع وهو يتحرك بعيدًا عن النافذة، ثم هبط الدرج يتحرك صوب تلك المنطقة بتردد شديد، يخشى الاقتراب والتعدي على حرمة منطقة النساء، قمع شيطانه في اللحظة الأخيرة، يتراجع للخلف وقد لغى هذه الفكرة المجنونة من عقله .
ابتعد يتوسط ظلال إحدى الأشجار ينتظر أن تطل عليه بهيئتها التي تساهم في إسراع وتيرة ضربات قلبه وتنفسه بشكل خطير .
وبالفعل ما هي إلا دقائق انتظرها حتى أبصرت تخرج ضاحكة الثغر من تلك المنطقة تحمل بين يديها سلة زهور تنافسهم رقة .
” مرحبًا ..”
فزعت كهرمان للحظات تنظر صوب الصوت لتتفاجئ بإيفان فاشتعلت خجلًا وهي تنظر ارضًا متحدثة برقة غير معهودة منها أمام إيفان، فهي في السابق كانت تتحدث معه إما بتحدي كونها المبارزة الغامضة، أو بكبرياء كونها العاملة الثائرة .
والآن يبصر إيفان منها الأميرة الرقيقة :
” مرحبًا ملك إيفان ”
رفع إيفان حاجبه يردد كلمتها :
” ملك إيفان ؟؟ هذا مثير للاهتمام، كانت هذه الكلمات لتسعدني لو سمعتها منكِ يوم كنتِ تقفين أمامي دون أي خوف وكأنكِ تمتلكين نصف سفيد وحدكِ ”
اتسعت أعين كهرمان وشعرت بالخجل مما كانت تفعل سابقًا، ورغم ذلك قالت بعدما ابتلعت ريقها بهدوء :
” كيف اساعدك ؟!”
” نعم رجاءً يمكنك مساعدتي وأخبار شقيقك أن يتنازل عن عناده الغبي ويزوجني اياكِ ”
مجددًا صدمها بحديثه، فقد كان يتحدث بكل هدوء وبراءة، ليس وكأنه يعرض عليها الزواج مباشرة الآن، نظرت له بتوتر تقول:
” ملك إيفان..”
” ليس الآن رجاءً، تستمرين في مناداتي مولاي مولاي نكاية بي وبكل عناد، وحين يأتي الوقت الذي انتظر به سماع القاب أخرى غير مولاي، تعاندين رغبتي مجددًا وتطلقين عليّ ملك إيفان ”
رفعت كهرمان حاجبها تقول محاولة إخفاء بسمتها :
” أولست ملكًا ”
” لكنني الآن لست في سفيد ولا ارتدي ثياب الملك”
نظر لثيابه البسيطة المريحة يقول باسترخاء شديد :
” هذه ثياب شاب مسكين وقع بين براثن رجل متجبر فقط لأنه يطالبه بالزواج من شقيقته”
لم تستطع كهرمان أن تكبت بسمتها وهي تتساءل مدعية الجهل :
” وما الذي يجعل هذا الشاب المسكين يتقدم للزواج بكل هذه الثقة وهو لم ينل حتى موافقة العروس ”
ضحك إيفان بصوت صاخب يقول :
” يا ويلي هذه الخطوة هي حلم من احلامي، صدقيني أنا مازلت لا استطيع تخطي الخطوة الأولى بالمرور من الوحش كي اصل للأميرة ”
أجابته كهرمان بهدوء شديد ونبرة راقية كعادتها التي سبق وكانت لها الفضل في كشفها أمامه:
” ألا ترى أن احلامك تستحق كل هذه المعاناة ملك إيفان ؟؟”
” بلى، تستحق وأكثر مما تتخيلين أميرة كهرمان ”
رفعت رأسها بكبرياء تقول :
” إذن، عليك بإكمال معاركك حتى النهاية، فالطريق شائك أمامك ”
” أنا اسير به رغم كل الأشواك سمو الاميرة، ولا يضيرني كل ما تتحدثين عنه إن أدركت يقينًا أن حلمي ينتظرني في نهاية الطريق ”
نظرت لعيونه ثواني قبل أن تبتسم ببساطة تجيب :
” عليك إذن بإكمال الطريق للنهاية والتأكد بنفسك إن كان ينتظرك أو لا، بالاذن منك مولاي ”
ختمت حديثها ترفع طرف ثوبها وتميل ميلة صغيرة، ثم رفعت رأسها له تمنحه بسمة أخيرة متحركة بعيدًا عنه لولا أنه أوقفها يقول ببسمة :
” كنت أود دعوتك لقتال، لكني أدرك أن الأمر شبه مستحيل الآن خاصة بعدما اتخذت عهدًا ألا أفعل قبل أن أصل لحلمي ويصبح ملكي أمام الجميع، لذا ما أن أصل لنهاية الطريق فأنتِ تدينين لي بقتالٍ كأيام الخوالي ”
استدارت له كهرمان نصف استدار تحييه بهدوء :
” الجميع يقابل أحلامه بالبسمات، أتعجب أن تقابله أنت بالقتال مولاي؟! ”
” هذا أمر بيني وبين حلمي، لا يفهمه سوانا، فالقتال بيننا يحمل ذكريات أكثر مما تحمل البسمات لنا ”
” لا عجب إذن أن حلمك يماثلك غرابة ”
ابتسم بجيبها بغموض :
” بل ينافس الزهور رقةً سمو الأميرة ”
ابتسمت تنظر لسلة الزهور بيديها، ثم هزت رأسها تتحرك بهدوء شديد وهي تردد :
” حظًا موفقًا مع حلمك إذن، اتمنى لك رحلة سعيدة مولاي ”
همس إيفان يجيبها في ظهرها :
” ستكون …ستكون كهرمان ”
ختم حديثه يتنفس بصوت مرتفع، ثم تحرك صوب القاعة الخاصة بارسلان ليكمل المعركة العالقة بينهما، لكنه لم يكد يصل للقصر حتى أبصر صقر يتحرك في السماء فوقه مصدرًا صوتًا قويًا، رفع رأسه صوبه يضيق عيونه قبل أن يتعرف عليه هامسًا :
” صقر من سفيد ؟؟”
أطلق إيفان صفيرًا عاليًا انتبه له الصقر ليتحرك بسرعة صوبه، وإيفان رفع له ذراعه يستقبله عليه، ثم تحسس ريشه مبتسمًا :
” مرحبًا بالمرسول العزيز، من أرسلك ؟؟”
حمل منه الرسالة يفتحها وهو ما يزال يحمله على ذراعه ليتعجب أنها لا تحتوي سوى على كلمات مقتضبة تطالب بعودته على وجه السرعة وفي النهاية هناك توقيع باسم سالار .
نظر إيفان للصقر بتعجب وكأنه سيجيبه :
” ما الذي حدث ؟؟؟؟”
_______________
وما هي إلا ساعات استغرقها إيفان في طريقه من مشكى وحتى سفيد، دخل القصر بخطوات قوية وهو يجد بعض الحراس ينتفضون لرؤيته، هز رأسه لهم يقول بجدية كبيرة :
” أين القائد سالار ؟!”
أجابه أحد الرجال بجدية كبيرة وهدوء اكبر :
” في غرفته مولاي ”
أشار له إيفان بيده يشمر أكمام ثيابه، وهو يتحرك بعيونه قبل أقدامه صوب غرفة سالار وقد اضطرب قلبه من السبب المحتمل لاستدعاء سالار له بهذه الطريقة والتي لم يفعلها سوى في الكوارث التي لا تحتمل التأخير أو القرارات التي لا يمكن اتخاذها دونه، وهذا اسوء بكثير فمع صلاحيات سالار في غيابه، لا يوجد قرار لا يستطيع أخذه إلا شيئين أن تكون حرب على وشك النشوب، أو قرار يتعلق بسالار نفسه، وإن سألتموه، سيخبركم أنه يفضل الخيار الاول .
توقف أمام غرفة سالار يتنفس بصوت مرتفع قبل أن يطرق الباب يتحدث بصوت عالي مسموع :
” سالار …”
وفي الداخل وعلى فراش سالار كانت تتسطح تبارك نائمة بعمق شديد لا تشعر بشيء فقط اصوات هامسة حولها، اصوات شجية تعلم مصدرها جيدًا، ولا تود فتح عيونها مخافة أن تتلاشى تلك الأصوات .
وتلك الاصوات لم تكن سوى صوت سالار الذي كان يستند برأسه على الوسادة رغم أنه يجلس على مقعد جوار الفراش يتلو عليها بعض آيات القرآن، قبل أن ينتفض على صوت طرق الباب وصوت إيفان يناديه ….
نظر لتبارك نظرة صغيرة يطمئن أنها لم تستيقظ وتحرك سريعًا صوب الباب يفتحه فتحة صغيرة متحدثًا بصوت هامس:
” مرحبًا إيفان”
” أي مرحبًا هذه ؟؟ ما الذي حدث سالار ؟! لقد ارسلت في عودتي على وجه السرعة ”
تنهد سالار بصوت مرتفع يقول ببسمة صغيرة لا تمت للمزاح بصلة :
” اعتقد أنك على وشك عقد جلسة محاكمة أخرى اكون فيها المدان إيفان”
نظر له إيفان ثواني بتشنج قبل أن يهمس له :
” عفوًا ؟؟ ما الذي تقصده أنت ؟؟ أي جلسة حكم تلك ولماذا سأحاكمك سالار، وبأي تهمة ؟؟”
نظر له سالار ثواني قبل أن يلقي في وجهه كلماته دون أي مقدمات أو تحذير فقط نطق جملته بهدوء استمده من تبارك للتو :
” تهمة انتهاك شرف إحدى النساء ”
ختم حديثه بهدوء شديد وهو ينظر لإيفان الذي كان يحدق فيه بنفس الملامح المترقبة وكأنه لم يقل شيئًا، ينظر لسالار بملامح بلهاء لأول مرة يبصرها، ووالله لو أن سالار في موقف آخر غير موقفه هذا لكان ضحك بصوت مرتفع بين الطرقات الآن.
وإيفان نظر حوله في الممر، ثم عاد بنظراته لسالار يقول :
” ماذا ؟؟ هل حدثت جريمة شرف خلال غيابي ؟؟ امسكتم بالفاعل ؟؟”
ابتسم له سالار بسمة مقهورة يدرك صدمته :
” لا لم نمسك به، ما يزال حرًا حتى وقت محاكمته وها أنت تتحدث معه في هذه اللحظة ”
ومجددًا نظر إيفان حوله يبحث عن ذلك الشخص الذي يتحدث عنه سالار :
” حسنًا يبدو أنني أصبحت بطئ الفهم، اعذرني سالار فأنت تعلم أن الحديث مع أرسلان يستلزم الكثير من التفكير، ما الذي كنت تخبرني به للتو ؟؟”
تنهد سالار بصوت مرتفع :
” هناك فتاة تتهمني في جريمة تعدي وتطالب بمحاكمتي ”
اتسعت عيون إيفان بصدمة كبيرة وهو يهمس بعدم تصديق :
” تتهم من ؟؟”
” أنا ”
” أنا …أنا لا افهم ما تريد قوله سالار، وضح لي ما حدث ببطء رجاءً، فأنا أشعر بالغباء الشديد الآن ”
هنا ولم يتمكن سالار من كبت ضحكاته التي خرجت منه بقلة حيلة وهو يقول :
” صدق او لا تصدق، هذه جريمة وأنا الجاني ”
اشتعلت أعين إيفان يهمس بعدم فهم :
” كيف ومتى ولماذا و…أخبرني كل ما حدث ببطء سالار كي اعلم ما الذي سيحدث الآن…”
__________________
كانت تجلس على الفراش في الغرفة التي من المفترض أنها سجنها حتى تخرج للمحاكمة، ابتسمت بسمة واسعة تهمس بسخرية لاذعة :
” حتى سجونهم افضل من افخم الغرف لدينا، هل هذا العدل ؟؟”
تحركت صوب المرآة تراقب نفسها فيها مبتسمة تعدل من وضعية خصلاتها وثيابها وهي تنظر متفاخرة بملامحها وفتنتها :
” ليس عدلًا أن يكون مصيري لذلك المشوه بافل، جمالي وفتنتي تستحق ذلك الوسيم ”
فجأة غامت عيونها بالعديد من المشاعر تتذكر الساعات التي قضتها في دفء أحضان سالار تهمس باستمتاع شديد :
” رجل فريد من نوعه، قوي وسيم، شخص يليق بي وبجمالي و….”
فجأة قطع حوارها مع نفسها صوت طرقات يتبعها صوت أحد الحراس يطالبها بالخروج لأجل المحاكمة، رفعت حاجبها بتعجب شديد تهمس :
” كان هذا اسرع مما تخيلت، يبدو أن الحقوق هنا تؤخذ ساخنة ”
أطلقت ضحكة خفية عقب كلماتها تضع قطعة قماشية بالكاد تخفي خصلاتها، ثم تحركت بملامح واجمة مترددة صوب الباب لتجد أحد الحراس يقف منتظرًا إياها ..
” هل ….هل ستتم محاكمة ذلك المجرم حقًا ؟؟”
نظر لها الحارس ثواني بجمود قبل أن يقول بكل بساطة :
” اتبعيني ”
تحركت خلفه بغيظ شديد وهي تراه يتجاهلها، بل ويرميها بنظرات متقززة، لكن لا بأس طالما أنها ستحقق ما تريد وتنتهي، الأن ستحطم الصورة النمطية للقائد أمام الجميع وتتسبب في إحراز هدفها الأول .
وصل صوب بوابة ضخمة لتتنفس بصوت مرتفع تتجهز لمقابلة الأشخاص بالداخل، لكن بمجرد فتح الباب لم يقابلها سوى أشخاص معدودين فقط، نظرت حولها بتعجب تبحث عن الشعب الذين جاءوا لحضور المحاكمة .
ولم تكد تكمل بحث حتى سمعت صوت جهوري يقول :
” تقدمي .”
رفعت عيونها بسرعة صوب ذلك الصوت لتبصر رجل يتوسط أحد المقاعد بكل كبرياء وهيبة، رفعت حاجبها ببطء تتقدم وهي تقول :
” جلالة الملك ؟!”
” نعم، تفضلي …”
تقدمت موري تقف في منتصف الساحة وهي تنظر حولها تبحث عن المحاكمة التي طالبت بها، ولم تجد سوى الملك والقائد ورجاله الذين شهدوا الواقعة على الحدود فقط ..
رفعت عيونها للملك تقول بتسائل واعين مشتعلة :
” لقد طالبت بمحاكمة يعود حقي فيها جلالة الملك، ولا أرى أن هذه محاكمة، هل تحاول أن تغطي على أفعال قائد جيوشك ؟؟”
رفع إيفان حاجبه يبصر ذلك التبجح منها، يبتسم بسمة جانبية مرددًا :
” معاذ الله أن أصفق للباطل سيدتي، لكن جرائم الشرف تتم بهذا الشكل لا يحضرها إلا من شهد الواقعة، وهذا ليس لتغطية أفعال قائد جيوشي، بل لستر عرض المرأة التي من المفترض أنها…مظلومة سيدتي ”
بهتت تعابيرها من كلماته وقد شعرت أن خطتها في طريقها للفشل، لتعترض بقوة فهي لا تبتغي من كل ذلك معاقبة سالار، بل فقط تطمح لهز صورته ليس إلا .
فهي وقومها إن لم يستطيعوا هزيمتهم في ارض المعركة وجهًا لوجه، فما لهم سوى هزيمتهم في أعراضهم وأفكارهم، إن فشلوا في حرب الأجساد عليهم خوض حروب أخرى تضمن لهم تشتيت صفوفهم ولو لثواني بالافكار المسمومة..
” لكنني طالبت بمحاكمة ليعلم الجميع أي الرجال هو قائدك مولاي ”
ابتسم لها إيفان بسمة واسعة يحييها بكل بساطة يحاول ألا يظهر اتخاذه لصف سالار :
” لكِ ما تردين، نثبت فقط إدانته وحينها نعرض جرائمه الشنيعة على الملئ ”
بللت موري شفتيها وهي ترى الجميع حولها ينظر لها وكأنها هي المذنبة هنا، رفعت عيونها للملك تحاول التماسك تسمعه يردد :
” آنسة ….”
صمت إيفان ثواني يردد بعدها :
” ما اسمك سيدتي ؟؟”
رفعت موري عيونها له تقول بصوت متردد خافت ليس وكأنها هي من كانت تصرخ منذ ثواني :
” موراديما مولاي ”
تعجب إيفان الاسم لثواني، لكنه تجاوز الأمر يقول :
” آنسة موراديما لقد القيتي تهمة على قائد الجنود أمام رجاله في المخيم أنه انتهك عرضك، صحيح ؟؟”
هزت موري رأسها بنعم وهي تقول بصوت خافت :
” نعم مولاي ”
اعتدل إيفان في جلسته وقد أبصر بطرف عيونه انقباض ملامح سالار وتشدد قبضته وتصلب جسده الذي يوحي بمقدار الإرادة التي يبذلها للتحكم بذاته .
هز إيفان رأسه يجيب بهدوء :
” إذن أخبريني من البداية، ما الذي ذهب بكِ للحدود حيث الرجال، وخاصة لخيمة قائد الجنود ؟؟”
رفعت موري عيونها ولم تكد تتحدث بكلمة حتى تفاجئ الجميع بالباب يُفتح وتبارك تقتحم المكان على الجميع دون مقدمات تنظر لهم بأعين مشتعلة، وقد تحفز جسد سالار يكره تواجدها هنا بين الجميع .
وتبارك لم تصمت، بل تحركت صوب موري بحركات عدائية تقول بصوت غاضب ساخر :
” من بين جميع الرجال بهذه المملكة لم تجدي غير زوجي لتلقي قذارتك في وجهه يا امرأة ؟؟”
اتسعت أعين موري بصدمة وهي ترى امرأة تقف أمامها بتحدي وكأنها ستناطحها وتقتلها، وتبارك بالفعل كانت تفكر في كل ذلك وهي تهمس :
” اقسم أن حسابك سيكون على يديّ هاتين ”
نظر إيفان صوب سالار الذي تحفز جسده بغضب وهو ينظر صوب تبارك يرفض وجودها في هذا المكان، ليصدح صوت إيفان يقول بجدية :
” سمو الأميرة، رجاءً لا يمكنك توجيه أي كلمات مسيئة لأي أحد هنا، فحتى هذه اللحظة سالار متهم في هذه الجريمة ما لم تثبت براءته، كما لا يمكنك توجيه إساءة لاحد ما لم تثبت عليه الجريمة أو سوء النية. ”
اشتعلت القاعة حولها وعم الهرج والمرج بين الجميع، وهي لا تهتم بكل ذلك، بل كانت تتوسط القاعة بكل شموخ ترفع رأسها بقوة وشراسة لم تعتقد أنها قد تمتلكها يومًا، تنطق بصوت مرتفع صاخب دون أن تعبأ بأحد حولها، فقط لا ترى أبعد من نظراته ولا تبصر سوى النيران التي تشتعل بقلبها في هذه اللحظة مشيرة صوب نقطة في القاعة :
” أنا لن افترض حسن النية في أي شخص قد يفترض سوء النية في زوجي، وإن كان ملكًا بجناحين ابيضين وحلقة ذهبية تعلو رأسه، فيكفيني كلمة سوء واحدة في حق زوجي لاراه شيطانًا اسودًا بقرون حمراء، وانتهينا …”
تنفس سالار بصوت مرتفع وهو يقول بصوت حاد يتحرك صوب تبارك محذرًا :
” تبارك توقفي …”
لكن تبارك لم تكن ترى أمامها سوى نظرات سالار التائهة الضائعة والمتوجعة، تلك النظرات التي قتلتها :
” من بين جميع رجال المملكة اختارت الرجل الوحيد الذي يُقبل أن تُبتر يداه ولا يمس امرأة لا تحل له”
نظرت لها موري تقول بصوت خرج بصعوبة بسبب غضبها المكبوت من تلك المرأة :
” ليس ذنبي أنكِ لا تبصرين قذارة زوجك سيدتي ”
ابتسمت تبارك تنزع يدها من يد سالار مرددة بصوت حاد كالفحيح :
” من يرى بسالار قذارة، فما هي إلا انعاكس لقذارته ..سيدتي، لا شأن لزوجي بقذارتك الداخلية”
ختمت حديثها ليعم صمت قاتل في المكان، وإيفان ورغم أنه لا يحب أن يتجاوزه أحدهم في قاعة الحكم، إلا أن كلمات تبارك ارضته نوعًا ما، فهذه امرأة لا يمكنه التعدي عليها ولو كان متأكدًا أنها تكذب، لكن تبارك في النهاية امرأة مثلها .
جابهت موري تبارك التي كانت تقف في وجهها دون خوف تبتسم لها بسمة كما لو كانت على وشك ابتلاعها، وسالار اكتفى من كل ذلك يجذب تبارك بعيدًا عن موري يهمس لها :
” تبارك يكفي، هي ستحاسب على ما فعلت، لا يمكنك أن تتعاملي بهذا الشكل معها، ما فعلته لن يسوءني، لكن تحدثك بهذا الشكل بين الجميع وصوتك المرتفع بين الرجال هو ما يسوءني ”
نظرت له تبارك تقول ببسمة غاضبة :
” هذا وأنا لم افعل كل ما افكر به يا قائد، أنا ما زلت امتلك الكثير من الأمور التي لم اعبر عنها بصوت مرتفع ”
نظر لها سالار ثواني قبل أن يبتسم لها بسمة صغيرة هامسًا بصوت منخفض وهو يميل قليلًا تحت أعين الجميع :
” فقط اصبري عزيزتي إن تأكدت مما يدور في عقلي، لكِ مني كلمة أن أترك لكِ حرية فعل كل ما تفكرين به ..”
ابتسمت له تبارك تهمس بصوت منخفض :
” كل ما افكر به !!”
تعجب سالار نبرتها وهي ابتسمت بسمة واسعة، وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة سمعوا صوت إيفان يقول بتنبيه :
” إذن نكمل المحاكمة ؟؟”
وقبل أن يتفوه أحدهم بكلمة قاطعهم صوت أنثوي يقول :
” ليس بدوني، أخبرتك أن تنتظري تبارك …”
وعلى هذا الصوت وهذه النبرة اهتز جسد موري بعنف وهي ترتجف هامسة برعب شديد لأول مرة تشعر به عند سماع هذا الصوت وهي من اعتادت الغضب لسماعه، تهمس بصدمة وقد شحبت ملامحها تبصر عدوتها اللدودة تخطو للمكان بثياب تبدو ثمينة ومظهر مرتب غريب :
” زمرد ؟؟؟؟”
_______________________
لا الاسرار تظل الاسرار…ولا الماضي يظل ماضيًا .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مملكة سفيد)