رواية أشرقت بقلبه الفصل الرابع 4 بقلم دفنا عمر
رواية أشرقت بقلبه الجزء الرابع
رواية أشرقت بقلبه البارت الرابع
رواية أشرقت بقلبه الحلقة الرابعة
نبأ حمل زوجته وقدوم طفل لهما، قلب الموازين داخله، كيف يستقبل خبر گ هذا وهو على حافة قراره بالانفصال عن قمر، هذا ما قاده إليه تفكيره العميق بعد أن قيم زواجهما القصير ولمس بشخصيتها عيوب كثيرة لا يقدر علي حصرها، ظن دلالها الزائد سلوك مؤقت وأنها بمرور الوقت ستغدوا أعقل وأكثر نضجا وتقدير لمسؤوليات لزواجهما، لكنها تتفنن كيف تأخذ منه دون أن تعطي، هو لا يقصر بشيء بينما هي لا تهتم، كيف له أن يستمر ؟!
“بكرة لما تخلف هتتعلم تشيل المسؤولية”
هكذا حدثته والدته الجالسة جواره بقدحان من الشاي الساخن الذي يحبه، هي تشعر بالفجوة التي بدأت تتسع سريعا بينهما، وكم تخاف أن “يسقطا” بها وتبتلعهم العتمة، حين علمت بقدوم حفيد لها غمرتها سيول من الفرحة، “رفعت” أبنها الأقرب لها سوف يُصبح أبًا، يالا سعادتها بتلك البشرى، لكن فرحتها تظل ناقصة، النفور الممزوج بالحيرة بعين أبنها يؤرقها، ولن تتركه لسيطرة شيطانه عليه، فمازال الطريق بأوله.
_ عمرك ما كنت متسرع يا رفعت، الصبر دايما أخره خير.
رمقها بمزيد من التشتت هامسا: حاسس اني مش مرتاح يا أمي، قمر مش عارفة تكون زوجة، ازاي هتكون أم؟!
الفترة القصيرة. دي اكتشفت فيها عيوب كتير، في حاجة ناقصة في علاقتي بيها.
ربتت علي كتفه بقوة: اللي جاي هيكمل الناقص بينكم ويغير حياتكم، هيغيرك ويغيرها، خلافتكم دي طبيعية في البداية، لكن مع العشرة هتفهموا بعض.
غمغم ولا يزال يحتكره شتاته: خايف اكمل واندم.
_ بالعكس لازم تكمل عشان تبقي عملت اللي عليك وحاولت تنجح حياتك يا ابني، و لو لاقدر الله مراتك فضلت علي حالها و ماحاولتش تصلح من نفسها، وقتها خد قرارك ومش هقدر ألومك.
صوت العقل داخله دفعه لينصت لوالدته، لعل تقديرها هو الأصوب وتتبدل الأحوال حين تغدوا قمر “أما”، هدأت نفسه قليلا وصار مؤهلًا للمواصلة، لعله ينقذ حياته الزوجية من أولى عثراتها.
_________
“طمنيني، جوزك عامل ايه معاكي يا بنتي؟”
ابتسمت وهي تربت فوق بطنها المسطح:
بقا أهدي شوية معايا ومراعي تعبي الفترة. دي، وحماتي من وقت ما عرفت بحملي بتساعدني قبل ما رفعت يجي من شغله و قايمة بكل حاجة، اكل و وتنضيف بيت ومواعين، المشاكل بقيت أكل.
ضحكت والدتها بانتصار وفخر صائحة: مش قولتلك يا بت قمر حملك جه في وقته، علي حسه هتتدلعي عليهم براحتك، وجوزك مش هيقدر يكلمك كلمة لحد ما تولدي.
أحنت رأسها وغمغمت بما تعجبته والدتها:
تعرفي يا أمي رغم إن تقريبا الدنيا مستقرة بنا، بس بشوف حاجة في عيون رفعت مش فاهماها، حاجة مخوفاني معرفش ليه، هو فرحان انه هيكون أب بس في نفس الوقت…
قاطعتها سريعا: ايه الكلام الماسخ ده اللي مالوش طعم ولا معنى؟ هتخافي من ايه يا روحي ده انتي هتخلفي عيل علي حسه هتتحكمي وتسيطري علي الكل.
تنهدت قمر بحيرة: أنا مش عارفة أشرحلك اللي جوايا، بس أنا قلبي مش مرتاح وخايفة.
رفعت إحدى حاجباها وتحدثت بتهكم: خايفة؟ من امتى يا اختي؟! أتعدلي يا بت وخليكي جامدة بلاش هبل، أسمعي كلامي أنا عايزة مصلحتك، محدش هيخاف عليكي قدي.
حدجتها مليا بشرود قبل أن تستسلم لمنهجها وتستقوي بدعمها، “عصبت” قمر عيناها “غلالة” طاعتها العمياء جعلتها لا ترى حقيقة الأمور، رضخت لفكرها السام.
وقررت أن تسير علي درب والدتها.
لا تدري أنها تدفعها دفعًا لحافة خُسران مبين.
__________
“أحلف كده يا عزت إننا هنطلع مصيف؟!”
تكاد أشرقت تقفز من فرحتها، ليعيد عليها ما قاله:
_ يا بت والله هنطلع نصيف زي ما كان نفسك، شقة كبيرة في اسكندرية.
شهقت بفرحة: اسكندرية؟ إلهي يفرح قلبك يا عزت، طب امتي طالعين، وكام يوم؟ أنا مش فارق معايا أنا راضية بيومين، المهم أروح للبحر، أي بحر.
لكز جانب رأسها ساخرا والله، انتي فقرية صحيح، هنطلع اسبوع بحالوا يا ستي.
شخصت قليلا قبل ان تقول: أسبوع؟ طب وحماتي هتوافق؟ عرفتها يعني؟
_ حماتك أصلا طالعة معانا، وكمان قمر وجوزها، يعني كلنا هنتشارك فيها، أصل الشقة أربع أوض وحمامين كمان، يعني هتكفينا كلنا.
أسود وجهها بغتة بعد أن اتضح الأمر، الرحلة التي تترجاها سوف يصاحبها فيها رجل غريب و “عقربتان”، خصوصيتها هنا معدومة، صاحت لزوجها بضيق: بالذمة ده كلام يرضي ربنا يا عزت؟ أنا كنت عايزة اروح معاك لوحدي، أنا وأنت وبس، تلعب نضحك ننام نقوم براحتنا، لكن حضرتك هتخليني مع راجل غريب مش هعرف ألبس حتي بجامة أتحرك بيها.
_ هو يعني لازم تلبسي بجامة في الشقة كلها، عندك أوضتنا اعملي فيها اللي يعجبك، شقة كبيرة هتقضينا، وأهو نبقي لمة حلوة ونتبسط، وكمان كلنا هنتقاسم في إيجارها، ولا أنتي عايزة تخسريني وخلاص.
حدجته بخذلان شديد،
لا يروقها أبدا وضع گ هذا، كيف تأخذ راحتها مع وجود زوج قمر؟ كما ومض خاطر أخر جعلها تهتف بضيق:
بقولك ايه يا عزت أنا عايزة اطلع اتبسط، وأمك مش هتخليني اتهني علي قاعدة ولا نومة، الفلوس اللي هتدفعها طلعني بيهم يومين لوحدي او حتي يوم أنا راضية في أي شقة صغيرة، بس اتبسط و محدش يعكنن عليا الله يخليك.
زفر بضجر: أسمعي يا أشرقت، أنتي قولتي نفسك تطلعي مصيف و أهو هنطلع أسبوع، لو مش عاجبك النظام ده بلاش، خليكي، بس اعملي حسابك أنا هطلع معاهم و انسي أوديكي في حتة أنا مش فاضي لدلعك، وسيبيني بقا اتخمد عشان انتي قلبتيها غم.
تركته يغط بنومه و وقفت بشرفتها الصغيرة تطالع السماء، شيء داخلها يشعر بعدم الراحة لتلك الرحلة، تخاف التضحية بفرصتها الوحيدة لتشم هواء البحر الذي تتمنى زيارته، كما تهاب الذهاب لما سوف تلقاه من منغصات والدته والعقربة الصغيرة.. أي قرار تأخذ؟
بعد تفكير كثير رجحت كِفتها الأولى، سوف تتغاضى عن أي شيء وتنال تلك النزهة المنتظرة وتستمتع بها مهما حدث، هي في كل الأحوال مُستغلة من الجميع.
____________
ظنها لم يخيب ابدا، حماتها أحضرتها تلك الرحلة وتحملت هي وعزت التكاليف مناصفة مع زوج ابنتها لغرض ليس غريبًا عليها، تستغلها حتي هنا لخدمة قمر بحجة أن العقربة حامل ولا تقوى علي بذل مجهود إضافي، هي تحضر الإفطار وتجلي صحونه،. تغسل ملابسها هي وعزت ووالدته، وأحيانا تدس لها الأخيرة ملابس العقربة الصغيرة في الخفاء كي لا يلاحظ زوجها.
تتعجب كثيرا، كيف لرجل بأخلاقه وتهذيبه يتزوج مثل قمر، حين وصلوا في يومهم الأول أبتاع الكثير من الفاكهة و”اللب” وأعطي لعزت نصيبها هي وقمر ليظل بغرفتهما، حقا رجل كما يقول الكتاب بتلك اللفتة.
لكن رغم هذا قررت اشرقت أن تستمتع، يكفي أنها تقف الأن وقدميها ترتوي بمياة البحر الباردة ولا يزال الشروق يبذخ والأجواء هادئة، الموج حاني و يداعبها كأنه يطبطب عليها لما تلقاه، كلما توغلت غمرتها المياة أكثر لتبتسم بسعادة گ طفلة تلهو، جلست وهي تجدف بذراعيها في المياة حولها لتغمرها أكثر، لكنها حذرة كثير، هي تجهل “العوم”، كيف لها أن تتقنه وهي تزوره للمرة الأولى في عمرها كله؟
“حاسبي يا أشرقت”
انتفضت بفزع علي صوت زوج قمر الذي أتي خلفها محذرا، لتعتدل سريعا بارتباك بينما يقترب جوارها مواصلا: صباح الخير، معلش خضيتك بس خوفت المية تسحبك من غير ما تحسي.
واسترسل بنبرة حيرتها وعيناه تشرد في الأفق: ما يغركيش هدوءه، ده ممكن في لحظة يغدر بيكي.
نظرت لجانب وجهه بتمعن ومازال الشرود محفور علي وجهه، هل يقصد شيء بعينه بحديثه المبهم هذا؟ حدسها يخبرها أن هذا الرجل ليس سعيدا، تهكمت في ضميرها، ما العجب في ذلك بل أنه الأقرب للمنطق مع زوجة عقربة مثل قمر وأمها التي لن تهدأ قبل أن تدمرها بنصائحها الغالية، وهج من التشفي شاع داخلها، ليته يدري مبكرا حقيقة تلك البغيضة هي وأمها، وحدسها من جديد يخبرها أنه سوف يكشف وجهها الأبشع.
_ ليه صاحية من بدري كده؟
انتزعها من شرودها القصير بسؤاله، فغمغمت: لأن الدنيا بتكون هادية ومفيش ناس كتير علي الشط.
لتلتفت حولها مردفة: بس شكلهم ابتدوا يهلوا.
ألقى نظرة شاملة حوله قبل أن يدعوها للعودة: طيب يلا اسبقيني وأنا هحيب ساندويتشات جاهزة للفطار.
و واصل بنظرة ذات مغزى: و الغدا أنهاردة هيكون سمك مشوي جاهز، عشان محدش يضيع وقته في المطبخ، أحنا جايين نتبسط مش نتعب.
هم ليبتعد فأوقفته بملاحظتها: قمر قالتلي انك مش بتحب تاكل حاجة من برة.
استدار لها قليلا وعيناه لا تزال تحوي شيء لا تفهمه:
أحيانا بنضطر نتنازل و نعمل حاجات مش بنحبها عشان نكسب حاجات تانية.
غامت عيناها تلك المرة وهي تتمتم: بس اللي بيتنازل بيخسر.
_ التجربة هي اللي بتحكم لما نخوضها للأخر، يا بنخسر فعلا يا إما بنكسب حاجات حلوة مكناش نحلم بيها.
ألقي كلمته الأخير ثم أشار لها كي تعود، واتجه هو لوجهته، فراقبته بشخوص و “طنين” كلماته الأخيرة ” تدوي ” برأسها.
( التجربة هي اللي بتحكم لما نخوضها للأخر، يا بنخسر فعلا يا إما بنكسب حاجات حلوة مكناش نحلم بيها ).
هل يمكن أن تتبدل حياتها هي وعزت وتمنحها الدنيا سعادتها المفقودة؟!
ربما.
انتهت الرحلة وعادت تشعر بقدر يسير من السعادة، لقد أرتوت رغبتها الظمأنة وقضت بضعة أيام بين الأمواج الساحرة، خاصتا والعبء تضائل عليها بعد ان حرص رفعت أن تكون كل وجباتهم جاهزة، كأنه أراد أن يرحمها من عناء الطهو والجلي، كم هو لطيف و راقي هذا الرجل، وذكي أيضًا.
وربما ذكائه هذا سيكون وبالًا على العقربة المدللة.
__________
مرت الأشهر المتبقية وحانت لحظة ولادة قمر، أنجبت طفلا جميلا بحق، حين بصرته أشرقت هاجت عواصف أمومتها وتوهجت وتمردت مطالبة بحقها، لما لا تصبح “أمًا”؟
لعلها حين تُرزق بهذا الكيان الصغير تتغير حياتها وتتلون.
ستخطط لتحقيق هذه الأمنية، حتى لو لم يتحمس زوجها سوف تسعى لتنال بغيتها بأي طريقة، هي تملك “لجامه” وتعرف كيف تقوده أحيانًا.
ولج غرفته ليجدها جالسه بشرود فوق فراشها، وترتدي قميص أخضر أثاره من فرط فتنته عليها، فاقترب إليها متمتما بعبث: أحنا ليلتنا عنب ولا ايه يا عسل؟
انتبهت لوجوده ورأت تأثير هيئتها عليه وعلمت انها حققت اول بند بخطتها، ستجعل مزاجه رائق بطريقتها قبل ان تبدي رغبتها له، انتهي من نيلها واضجع علي ظهره ليُشعل عود ثقاب بأحد سجائره، وراح ينفثه باستمتاع، فاقتربت منه ومالت علي صدره وهي تقول برقة: مبسوط ياعزت؟
رمقها بعين لا تشبع منها قبل ان يقول : مبسوط علي الأخر.
زادت من وتيرة دلالها عليه وهي تغمغم: تعرف نفسي في ايه؟
_ نفسك في أيه؟
_ نفسي في طفل زي قمر، طفل يغير إياتنا ويديها طعم، ولا انت مش نفسك تكون أب؟
انت عارف اني حملت من فترة وسقط عشان ماكتتش اعرف اني حامل، ومن وقتها محصلش حمل، ممكن نروح انا وانت للدكتور نكشف ونطمن علي نفسنا؟
عبس وجهه برفض واضح: لا طبعا مش هروح لدكاترة انا صاغ سليم،.وانتي كمان حملتي يعني سليمة، هنوجع دماغنا ونصرف فلوس قد كده على الدكاترة ليه؟
_ يا عزت منا عارفة اننا صاغ سليم، بس انا نفسي في حتة عيل يونسني ويفرحني، نفسي احس ان حد في الدنيا دي حنين عليا، نفسي اكون أم حتي لو نعمل “التلقيح” اللي بيقولوا عليه، عشان خاطري حققلي طلبي ده، ولو علي المصاريف أنا معايا حتتين دهب اشتريتهم من الجمعيات، نبيعهم ونروح للدكتور وهو بقولنا نعمل ايه، يمكن ربنا يكرمنا الفترة الجاية.
برقت عيناه لهذا العرض السخي، لما لا يقبل؟.
ضم كتفيها إليه ثم أمسك ذراعها وتفقد أسوارتيها وغمغم: هما دول كل دهبك؟
قالت بحماس: لا معايا كام خاتم شايلاهم علي جنب، نبيعهم هما كمان ونمشي في موضوع الدكتور، وانت اما ربنا يكرمك اشتريلي مكانهم.
هرش بمؤخرة رأسه مردفعا: مكانهم؟ أه أن شاء الله اجيبلك غيرهم، الصبح هاخدهم منك ابيعهم وبعدها نشوف هنعمل ايه في قصة الدكتور ده.
فرحت لموافقته وراحت تقبله، أخيرا سيتحقق حلمها وتنال طفلا، هي واثقة ان الله سيرزقها به، سيكون لها من يخاف عليها ويحبها هذا الحب الغريزي المطلق دون غرض، ممهما لاقت من عذاب ومهانة، يكفي ان تنظر بوجه صغيرها ليهون عليها كل شيء، وربما حين تنجب تتغير معها والدة زوجها وتحبها ولو قليلا، حتما إن أصبحت أم لأحفادها سيرفع هذا قيمتها وتكف عن ظلمها وتعاملها كما يرضى الله ورسوله. تنهدت واعتدلت لتستسلم للنوم والأحلام الوردية تزورها وهي تتخيل طفلا جميلا بين ذراعيها، تلاعبه وتطعمه، وتشدو له.
صوت شدوها في الحلم عبر لواقعها وزوجها عزت يصله همسها وهي تغني، فضحك باستخفاف وهو يقول:
البت أشرقت اتهبلت، بتغني وهي نايمة.
_________
القلق بدأ يساورها، وقد مر شهر بعد ان منحته ذهبها ليبيعه، أملا أن يتابعون مع الطبيب بثمنه وتحظى أشرقت بالطفل التي تتمناه، لكن لا جديد وكلما سألته يخبرها انه باعه بالفعل و وضع النقود في أخد البنوك إلي ان يبحث عن طبيب ذو سمعة طيبة، لا يقنعها حجته، حالتهما ليست مستعصية وقد حدث حمل من قبل، هي تتوقع مشاكل عادية ربما تنتهي بكورس علاجي أشهر قليلة او حتي وسيلة مساعدة حديثة مثل ” التلقيح المجهري” ويتحقق حلمها وتحمل جنين في حشاها، الليلة سوف تضع حدا لهذا الهراء، حقها ان تعرف ماذا يدبر، فإن كان يراوغها و ويخدعها لأخذ مصوغاتها هباءً، لن تصمت له هذه المرة، وبتلك العزيمة انتظرته حتى اتاها يترنح مما يتعاطاه ورائحته تكاد تجعلها تتقيأ.
_ عزت، فوق شوية عايزة اكلمك.
لم يبدو عليه انه يراها فضلا عن انه سمعها، فأعادت قولها بقوة أكبر: بقولك عايزة اكلمك ياعزت، ادخل الحمام ارمي علي نفسك شوية مية وفوق وركز معايا شوية.
غمغم بعبث و وعيه مازال شبه غائب: منا مركز اهو ياجميل.
لم تجد مفرا مما ستفعله بعد ان أجبرها علي ذلك، ذهبت لتحضر قنينة مياة باردة لطمت بها وجهه، ليشهق بقوة وتقطعت أنفاسه قبل ان يصرخ عليها بغضب: انتي اتجننتي يا بت انتي؟ بترمي عليا مية ساقعة ومتلجة؟
رمقته بثبات غير مكترثة بثورته وهي تقول: اعملك ايه وانت بقالك شهر كل يوم تيجي وش الفجر سكران وريحتك تقرف، وانا خلاص مش طايقة الوضع ده.
حدجها بحنق ثم التقط منشفة وراح يجفف وجهه ورأسه، لتبادر بقولها: عزت، فين فلوس دهبي اللي بعته؟
غمغم بضجر: يادي سيرة ابو زيد بتاعة كل ليلة، مش قلنا في البنك”
_ وهو انا كنت خلعت كل دهبي وقولتلك خده وبيعه، عشان حضرتك تروح تحط فلوسهم في البنك؟ انا ضحيت باللي حيلتي كله عشان نسعي في نوضوع العلاج وربنا يكرمنا بعيل، مش ده كان اتفاقي معاك يا عزت؟
أجابها ببرود: الحق عليا بشوفلك دكتور شاطر عشان تخلفي بسرعة.
جادلته بقوة: احنا مش محتاجين غير مجرد دكتور عادي يشوف ايه اللي مانع الحمل، انا وانت حصل بنا حمل قبل كده، يعني المشاكل الكبيرة دي مش موجودة في حالتنا، أي دكتور هيقضي الغرض ياعزت، وبعدين هو انت مش عايز تبقا أب زي بقيت الناس؟
_ عايز طبعا.
_ خلاص يبقا ليه مش عايز تساعدني وتتحرك معايا في المشوار ده زي ما وعدتني؟
ثم دنت منه تحدثه بهدوا عله يستجيب: مش يمكن اما نجيب ولاد حياتنا تتغير؟ وحماتي تحبني بدال ما هي مبهدلاني كده في كل حاجة، يمكن ابقا غالية عندها شوية، صح يا عزت ولا لأ؟
فرك مؤخرة رأسه گ عادته بحيرة: صح بس.
ضاقت حدقتاها وهي تتسائل: بس ايه يا عزت؟
_ بصراحة كده انا عايز اخلف طبيعي من غير وجع دماغ ودكاترة وتحاليل ومصاريف مالهاش لازمة، ايه يجبرني اعمل ده كله واحنا ممكن نستني اما تحملي بشكل طبيعي زي اختي قمر؟ أنا مابكرهش في حياتي زي الدكاترة.
اتسعت عين أشرقت بصدمة وهي تراه يتراجع عن كل وعوده لها ببساطة، هذا يعني اته ” هاودها” منذ البداية لينال ذهبها التي كانت تستند عليه من ميل الزمن، يراوغها الأن ويغير اتفاقه الذي أبرمه معها، الذهول جعلها تلتزم الصمت عاجزة عن قول شيء، لتتحول بغتة لكتلة غضب وهي تثور عليه بصياح هادر: نعم نعم؟ انت بتخرف تقول ايه يا عزت؟ ده مكانش كلامك لما أخدت كل دهبي وبعته، مكانش كلامك وانت بتطاوعني في كل كلمة، يعني كنت بتضحك عليا طول الوقت وتنيمني في العسل لحد ما تاخده؟ انت فاكرني عيلة صغيرة معاك؟ رجعلي دهبي وإلا مش هيحصل طيب، رجعلي دهبي يا راجل يا حرامي يا كداب.
عاجلها بصفعة أخرستها لتنظر إليه باحتقار وغضب وقهر مواصلة بثورة وقد فقدت صوابها وصوتها بدأ يزداد علو وصخب: مادام مش عايز تروح لدكاترة ومش فارق معاك تخلف وتكون أب، رجعلي فلوس دهبي تاني ياعزت، دول كانو كل اللي حيلتي حرام عليك يا مفتري، هات دهبي ياعزت هات دهبي.
كانت تصرخ وهي تلكز صدره بقوة، لتباغت بمن تجذب شعرها بعنف هادرة: انتي اتجننتي يابت؟ بتمدي ايدك اللي تتقطع دي علي ابني؟ ليلتك سودة ومش فايتة معايا.
حاولت أشرقت التخلص من قبضة حماتها دون جدوى، بدأت تبرحها ضربا شديد القسوة لتخور قوى أشرقت الهزيلة بطبيعة الحال، وزوجها لا يحرك ساكنًا أو يدافع عنها، أخر ما سمعته قبل فقد وعيها: حسك عينك صوتك يعلي تاني في البيت ولا تفتحي عينك في ابني، وان كنتي مش عارفة تجيبي عيال زي الستات ده مش ذنبنا ياعنيا، انا ابني صاغ سليم ولو جوزته الصبح مراته هتحمل من أول ليلة، انتي اللي أرض بور و……
_ كفايا ياما، كفاية دي مش سمعاكي وشكلها أغمى عليها.
هكذا أوقف عزت تعدي والدته وحمل زوجته للفراش وحاول إفاقتها، لتمنعه والدته بحدة: أنت بتعمل ايه سيبها مخمودة لحد الصبح وهي هتقوم زي القردة، ثم دفعته بصدره بحدة: واياك تخلي مراتك تتجرأ عليك كده تاني يا واد انت فاهم ولا لأ؟
بخنوع يليق بأشباه رجال مثله: حاضر ياما.
وتركوها غائبة عن الوعي دون عناء إفاقتها.
____________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشرقت بقلبه)