روايات

رواية أشرقت بقلبه الفصل الثالث 3 بقلم دفنا عمر

موقع كتابك في سطور

رواية أشرقت بقلبه الفصل الثالث 3 بقلم دفنا عمر

رواية أشرقت بقلبه الجزء الثالث

رواية أشرقت بقلبه البارت الثالث

أشرقت بقلبه
أشرقت بقلبه

رواية أشرقت بقلبه الحلقة الثالثة

أصوات الجارات القريبة وهما يثرثرن بأمورهن وصلت لمسامع أشرقت، وهي تتناول تباعا قطع الملابس المبتلة وتقوم بنشرها فوق أحبال الغسيل المتراخية.

_هتروحي المصيف السنادي يا ام كريمة؟”
لتجيبها الجارة بتأكيد: طبعا يا حبيبتي، هو انا ينفع افوت سنة من غير مصيف! ده حتى ولادي يتجننوا، واهو انا وجوزي بنغير جو معاهم.
_والله نفسي اطلع بس الحالة ماتسمحش.
لتهون عليها الجارة: ما كلنا نفس الحال يا حبيبتي، بس انا بعمل جمعية للمصيف، وبنروح اسكندرية نأجر شقة على قدنا لمدة أسبوع وبندبر نفسنا في الأكل، المهم عندنا قعدة البحر وجماله ونسمة الهوا اللي ترد الروح، ماهو مش هنستخسر في نفسنا الواحد لازم يعيش ويتمتع ولو بالقليل.

أثارت تلك المحادثة العابرة بين السيدتات رغبة أشرقت الشديدة وأمنيتها السابقة بقضاء ولو يوم بهذه الأجواء، راحت تتخيل جلستها أمام البحر وأمواجه تتلاطم تحت قدميها، هل مستحيل تحقيق هذا الحلم البسيط؟ ألا يستحقه مثلها؟

“عزت، ممكن اطلب منك حاجة؟”
أومأ لها بانتباه لتواصل أشرقت بتمهيد:
أظن على يدك من يوم ما رجعت البيت ومفيش راحة، أمك مش رحماني من شغل البيت والمشاوير هنا وهناك.
تأفف بسأم: يوووه، شكلها ليلة غم وهتوجعي دماغي طول الليل، أمك عملت وامك قالت.
صاحت سريعا: لا لا والله العظيم فهمتني غلط، انا بس بعرفك اني مش مقصرة في حاجة ومتحملة وصابرة عشان المركب تمشي، بس ده مش معناه أن تبقى حياتي كلها شقى.
_ انجزي يا أشرقت وقولي عايزة ايه خليني اتخمد.
اقتربت إليه وهي تدلله بلمسات ناعمة تعلم أنها تثيره: نفسي اطلع مصيف ارفه عن روحى زي الناس ما بتعمل حتى لو يوم واحد بس، عشان خاطري يا عزت نفسي ألمس مية البحر برجلي واعوم فيها واتمشى على الشط انا وانت، طلعنى مصيف في أي حتة وأنا مش هشتكى من امك تاني ابدا مهما عملت، وهدلعك على الاخر وهتشوف.
لانت ملامحه واقترابها أشعل إثارته، فالتفت ذراعه حول خصرها وألصقها به هامسا: يعني يا بت لو طلعتك مثلا اسكندرية يومين هتتبسطى وتبسطيني.
شهقت بفرحة: يومين؟ ده انا ارقصلك كمان.
همس وعيناه تلتهم تفاصيلها بنهم: طب نشوف عينة كده؟

فرحتها بنيل موافقته لتحقيق حلمها الزهيد جعلت جسدها النحيل يدور وتتلوى بفتنة وفيرة لدى مثلها، لتنقضى ليلتهما وكلاهما راضين، هو غرق بعطاء أنوثتها السخى، وهي نامت وتكاد تسمع صوت البحر يناديها ورائحته تغزوا روحها.

“مصيف ايه ده يا واد اللي عايز تطلعه انت والمحروسة؟!”

قابل استنكارها برجاء: ياما وفيها ايه بس، البت طالع عينها في البيت وانا بصراحة عمري ما خرجتها خروجة عدلة، نفسها تروح البحر فيها ايه يعني!
نفثت دخان ارجيلتها بتروى قبل أن تقول: فيها انك هتعودها على كده وشوية شوية هتاخد على الدلع وتتفرعن علينا وماترضاش تعمل حاجة وتخرج عن طوعنا، وبدال اليوم هيبقى اسبوع واتنين، وانت تصرف شقاك على كلام فاضي.

_أشرقت غلبانة ولا هتتفرعن ولا حاجه، دي يمكن تخدمك اكتر وتنفذ طلباتك وهي راضية، تلات تيام مش قصة يعني، هاخد انا و هي حتة شقة في اسكندرية و ….

قاطعته بحدة: ده انت خلاص مرتبها بقا وانا خلاص كلامى مبقاش له قيمة عندك يا ابن بطنى.
ثم تصنعت البكاء مسترسلة: أدي اللي كنت خايفة منه حصل، بنت فتحية هتطويك تحت جناحها وتعصيك على امك اللي ياما شقيت و تعبت عليك أنت واخواتك.

انكسر ضعفا لرغبة والدته فأسرع بقوله: صلى على النبي ياما حصل ايه لكل ده، أنا عمري عصيت عليكي و لا زعلتك؟
واصلت و لا تزال ترتدي قناع الحزن الزائف: ما انت اهو عايز تنفذ كلام مراتك وتعصاني، المصيف ده مالوش لازمة ومصاريفه احنا اولى بيها، خليها من وسع اكون عملت حسابي وانا اللي هقولك نطلع المصيف نغير جو كلنا، قلت إيه يا حبيب امك؟

طوته سريعا تحت جناحيها كالعصفور الساذج، رضخ لمكرها وتراجع عن وعده لزوجته أشرقت بأن تنال أمنيتها، حزنها و بكائها بعد أن علمت بتراجعه أحرق فرحتها و أطفأ بريق عيناها، صارت تقوم بكل مهامها وكأنها ألة لا تتفاعل مع شئ، لاحظ بؤسها واهتز قليلا ليعود لثباته و هو يتذكر خوفه من غضب والدته، هي وعدته انها ستتكفل بالأمر و ترتب لها ما تريده في وقت مناسب، وهذا يكفي.
_________
“أشرقت، خلصي ترويق الشقة و بعدين ادخلى المطبخ جهزي في “الغدا” أوام قبل ما بنتى وجوزها يوصلوا، رفعت بيحب السمك نضفيه حلو عشان الزفارة فاهمة؟”
رمقتها الأولى بضيق دون أن تجيب وهي تفرغ غضبها المكبوت بتنضيف الغبار هنا وهناك، ها هى تخدم العقربة الصغيرة حتى بعد زواجها، كل يوم ترسل لها والدتها طعام مطهو بحجة انها لا تزال عروس، رغم مرور عدة أشهر على زيجتها، تنهدت وهى تقارن بحسرة حالها بحال أخت زوجها، فتتفاقم المرارة داخلها ويغزوها الحزن، ليس لها أحد يدللها ويخاف عليها، الجميع سواء يستغلها لمصلحته بطريقة ما.

أتت “قمر”بصحبة زوجها “رفعت”
الحق يقال الرجل في غاية التهذيب، اتضح هذا من الهدايا التي احضرها معه للجميع، لم تتوقع أبدا أن يتذكرها ويخصها بشيء، لن تبالغ لو قالت إن زوجها عزت لم يهاديها مرة واحدة منذ زواجهما، تلك أشياء تسقط من ذاكرته واهتماماته.
لكن المشكلة ليست هنا فقط، بل حين علمت سبب هذه الهدايا السخية، حينها فقط تأكد يقينها بالحظ العاثر الذي يحوطها، كأنها لا تستحق راحة أو فرحة في تلك الحياة، تبتلعها غيوم الحرمان والأسى و يبدو أن شمس الراحة لن تشرق عليها ابدا.

“مبسوطة مع جوزك يا بت يا قمر؟”
بنبرة اهتمام حانية تسائلت والدتها لتجيب الأخيرة:
مبسوطة خالص يا امي، وكله كوم ورحلة الاقصر وأسوان اللي طلعتهم مع رفعت،اخوه اعتبر تكاليف الرحلة هديته لينا بعد الجواز. ، كنا في فندق حلو اوي ولينا أوضة لوحدينا وكل حاجة بتتعمل لينا على الجاهز، من الفطار والغدا والعشا لحد التنقلات بالباص، كل يوم مكان جديد و يجنن.
واستطردت بحماس: رفعت قالى كل سنة هنطلع الرحلة دي مرة في الشتا، غير المصيف اللي هنطلعه لما الصيف يبدأ، أصل شغل اخوه اللي بيظبط الرحلات دي.

هللت الأم بتفاخر: صلاة النبي على النسب اللي يشرف، والله أهل جوزك طلعوا بيفهموا ومش ماسكين على القرش.
_ ابدا يا أمي، وحماتي من يوم ما رجعنا كل يوم تعاملنا أكل ومدلعانا، أصلها بتحب رفعت جوزي اوي، بصراحة أنا مبسوطة اوي معاهم.
_الحمد لله يا قلب امك، دعاية طلع من نصيبك واطمنت من ناحيتك.
_اطمنى يا امى رفعت مش مقصر معايا خالص.
ربتت على ظهرها برفق: طب يلا يا روح امك زمان الغدا جهز، نادي جوزك و عزت، وانا هشوف مرات اخوكي عشان تحط الأكل.

انتهى اليوم بعد تناول الجميع وليمة الغداء التي أعدتها أشرقت، لم يقصر رفعت بإبداء شكره ومدحه على طهوها المتقن والمميز، كما دعاها هي وعزت لزيارته يوم عطلته الأسبوعية القادمة لقضاء يوم في منزله.

سريعاً ما أتى يوم ذهابهم لبيت “قمر”
أخيرا سوف تنال أشرقت دور الضيفة المكرمة لا الخادمة، ها هي تأتى بصحبة زوجها عزت والدته بينما ابنها الأصغر غائب كعادته مع رفاقه، لا يشاركهما شيء، استقبال رفعت لهم دل على تقديره الواضح لقيمة الضيف ولأهل زوجته خاصة ، الوليمة حقا رائعة وحتما مجهدة لمن صنعها، أمعقول هذا طهو العقربة الفاشلة “قمر”؟! لتأتي الإجابة الأقرب للمنطق بعد علمها أن من صنع كل هذا الطعام والدة رفعت، العقربة لا تزال تتدلل عليهم، هل ستغدوا عروس طيلة العمر؟
بحكم طبيعة أشرقت لم تستطع أن تكون ثقيلة وغير متعاونة، صممت أن “تجلى” كل الأواني والصحون المتسخة بعد الغداء بمفردها، لأول مرة لا تستاء من هذا العمل، يكفي أن تلك العجوز الطيبة هي من صنعته وحدها، فترتاح قليلا.
_________

أربعة أشهر مرت و الوضع لم يطرأ عليه جديد، لا تزال أشرقت على نفس الحال تعاني بصمت وخنوع يغزوا روحها، أما قمر التى نهلت من دلال زوجها ووالدته باول زواجها، بدأت المشاكل تطرق بابها، وأحتدت الخلافات بينها هي و رفعت.

ذهبت ذات صباح تستحير بوالدتها وتبث شكواها لها.
ما أن فتحت والدتها الباب لها حتي اندفعت تعانقها، شعرت بالريبة وتساءلت: قمر؟ خير يا بنتى ايه اللي جابك السعادي، مش عوايدك تيجى بدري كده.
غمغمت بعد ولوجها البيت: مخنوقة شوية يا امى وجيت افضفض معاكي، ماليش غيرك اشكيله همي.

ألتاع قلبها هاتفة بجزع: مخنوقة ليه وهم ايه يا بنتى بعد الشر عنك احكيلي.
هتفت قمر بحزن: انا وجوزي بقينا نتخانق كتير اوي، رفعت زعلان منى يا امى عشان بقوله فيها ايه لو امك تفضل تطبخ لنا كل يوم لانى مش بعرف، زعقلي وقالى مش هيخليها تعمل حاجة تاني وانى لازم اتعلم، وكمان بيتهمني أني مش نضيفة في بيتى ودايما متبهدل ومش بهتم به ولا بمظهره.
و واصلت: أصل امه كانت بتعمله كل حاجة حتى كوي هدومه.
والدتها بغير إنصاف: وهو ماله المحروس جوزك حمقى كده ليه، واحدة واحدة عليكي لحد ماتتعلمى، ومفيهاش حاجة لو أمه كل يوم تعمل حسابكم في طبق طبيخ لغاية ما تتعلمي تطبخى لجوزك يا قمر.
صاحت بضجر: يا امى انا بكره وقفة المطبخ أصلا وبتخنق منه، حاولت اعمل اكل وما عجبوش، قام بسلامته سابني و راح ياكل عند أمه لما حاسة انى هموت من الغيظ.

ربتت على كتفها بحنان وقالت: طب استهدى بالله يا عين امك وادخلي اوضتك ارتاحى، وانا هخلي البت شروق تعملك لقمة فطار تاكليها بدال ما وشك دبلان كده وزي اللمونة.
اومأت لها قمر بطاعة متلذذة باستعادة شعورها بالدلال في منزل والدتها، لكنها
وقفت ببعض التردد والحيرة هاتفة: طب “ياما” في حاجة كده حصلت معايا و كنت عايزة اقولك عليها.
ثم دنت تحدثها بصوت خافت، ليضوي وجه الأم و تطلق زغرودة صاخبة وهي تقول: يا ألف نهار ابيض، ألف مبروك يا قمر، انتي حامل يابت.
همست بخجل: شكلى كده يا امى
_ و جوزك عرف بحملك؟
انقلبت ملامحها النفور: لسه معرفش، اتغاظت منه بعد ما اتخانقنا بالليل، وقولت مش هعرفه غير لما اروق ناحيته، وصحيت جيت علي هنا.
_ خير ما عملتي يا بت، ومن هنا ورايح لازم تروقي دمك وتهدي اعصابك عشان اللي في بطنك.
_ أهدى ازاي ورفعت جوزي كل يوم يقطمنى بالكلام عشان مش عارفة اطبخ ولا انضف البيت.

غامت عين والدتها بشخوص عميق مغمغمة:
خلاص يا قمر، من انهاردة رفعت مش هيقدر يزعلك تاني، العيل اللي في بطنك هيرجعك بيتك وانتى قوية و حاطة رجل على رجل، سيبي امك بقا تخطط لك مظبوط، وأنا اوعدك اخلي رفعت ده خاتم في صباعك هو وامه كمان.
تنهدت صغيرتها بقلق: ربنا يستر يا امى ويكون كلامك مظبوط.
_اطمنى و سيبي امك تخطط لك وهتشوفى هوصلك لأيه.
_______

سمعت أشرقت حوارهما وشعرت بالنفور الشديد، تلك الشمطاء حماتها تكيل كل شئ بمكيالين، ما ترضاه وتقبله عليها هي، ترفضه وتستنكره بشدة أن يحدث لابنتها، ثارت لاجلها رغم أنها گزوجة ابن تعيش نفس الوضع وتكابد معها الأمرين، أزدواجيتها مقيتة وكم تبغضها.
أما الغصة التي وقفت بحلقها، هي معرفتها بحمل قمر، حنت رأسها تنظر لأحشائها بحزن، هنا كانت تحمل صغيرا فقدته قبل حتى أن تدري عنه شئ، ربما لو اتى لتلونت حياتها بألوان الفرحة لكنه قضاء الله.
سبحان من يصبرها علي حياة كهذا التي تحياها معهم، إلى متي ستتحمل ما تلقاه من عناء؟ كم تخاف الأيام القادمة أن ينفذ صبرها وتنقطع حبال تحملها وتثور وتتمرد على كل ما تتعرض له من ظلم وجور عليها، لا تريد العودة لبيت شقيقها، فربما توصد زوجته رباب الباب في وجهها هذه المرة، ولن ترضى بإفساد حياة جلال بوضعه في أختيار صعب، ستتزود بالصبر أكثر وأكثر، لعل الفرج يأتيها من رب العالمين من حيث لا تحتسب ولا تدري.
___________

اجتمع بزوج شقيقته في إحدي المقاهي، ليحدثه فيما حدث مبادرا بقوله: مزعل اختي ليه يا رفعت؟”
الأخيز مدافعا: أنا مزعلتش حد ياعزت، أختك هي اللي مش عايزة تعيش زي ما الناس عايشة وتقوم بدورها زي اي ست مسؤولة عن راجل وبيت.

_ معلش قمر متدلعة شوية يا رفعت، امى عودتها ما تشلش أي مسؤولية.
_والله ده مش ذنبي، انا من حقي اكون مرتاح في بيتى واحس أن مراتي بتتعب عشان ترضيني، لكن اختك قمر بتحب تاخد ومتديش يا عزت، وده مايرضيش ربنا، وأنا بصراحة مش عاجبني العيشة بالشكل ده وكأنى مش متجوز.

حدجه عزت مليا قبل ان يرمي قنبلته:
والله براحتك يا رفعت، بس قبل ما تاخد اي قرار تندم عليه، احب اعرفك حاجة مهمة لسه متعرفهاش.

وصمت يراقب فضوله باستمتاع قبل ان يقول:
مراتك قمر حامل يا رفعت.
______________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشرقت بقلبه)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى