روايات

رواية اليمامة والطاووس الفصل الرابع 4 بقلم منى الفولي

رواية اليمامة والطاووس الفصل الرابع 4 بقلم منى الفولي

رواية اليمامة والطاووس الجزء الرابع

رواية اليمامة والطاووس البارت الرابغ

اليمامة والطاووس
اليمامة والطاووس

رواية اليمامة والطاووس الحلقة الرابعة

الحلقة الرابعة
انتبه من شروده ليجد أن الجميع قد سبقه لشقة أخيه، وقد أعد الغداء، ولكن دعاء تقف بين الشقتين تنظر له باستياء لخذلانه لها وتهربه من مساندتها، ثم اقتربت منه لتقف بمواجهته تعلنه بشكل حاسم: أنا مش هاعيش مع حد.
ارتبك للهجتها الحاسمة، وهو الذي حمد الله على حرجها وموافقة والدتها السريعة لتخطي هذا الأمر، فلم يجد أمامه إلا المراوغة: ومين قال أننا هنعيش مع حد، امال أنا جهزت الشقة دي لمين.
زفرت بضيق لمراوغته رغم تأكدها من معرفته لمقصدها: باتكلم على المعيشة يا ياسر، وأن أكلنا يبقى عندهم.
تمسك ياسر بالمرواغة للنهاية مردفا: ومرفضتيش جوا ليه.
عاتبته دعاء: ما حبيتش تيجي مني، عشان مبقاش داخلة من الأول اتشرط أو أفرق بينكم، وبصيتلك تلحقني دورت وشك عني.
صاح ياسر مستنكرا: أنا مدورتش وشي، أنا لاقيت مامتك وافقت سكت عشان خاطرك أنت.
رفعت حاجبيها وهي تشير لنفسها بتعجب: عشان خاطري.
أمأ إيجابا مفسرا: فلوس الإيجار هتكفينا، لكن مش هتقضي أننا نجيب حد يساعدك، وزي ما سلوى قالت، المهم الجواز ميعطلكيش عن دراستك، ففكرت أننا حتى لو نبقى في عيشة واحدة سنة بس مش لازم سنتين، أكون اتخرجت واشتغلت وكمان استلمت ورثي.
أسرعت تبطل تحججه بها: لا مفيش مشكلة، أنا هاحاول أنظم وقتي، وأدبر أموري.
لم يجد أمامه إلا الضغط عليها بلين دون أن يفضح خبايا نفسه وتواكله على شقيقه: مش تقدري يا دودو، هنا بعيد قوي عن الجامعة مش زي بيتكم دقايق وتكوني هناك، وبعدين دي هتكون أول سنة جواز يعني لازم تكوني متفرغة لي قبل ما تنشغلي بولادنا، مش كفاية هنكون منشغلين بالدراسة.
أردفت بسرعة: خلاص نأجل الجواز السنة دي.
غامت عينيه بغضب، يزجرها بتسرعه المعهود: يعني أنا عملت المستحيل عشان أقرب جوازنا على قد ما أقدر، وأنتي ببساطة كده عايزة تأجليه سنة، براحتك بس حتى وقتها مش هتكوني اتخرجتي، فخليها بقى بعد سنتين لما تبقى تفضيلي.
القى حمم غضبه عليها وانسحب لشقة أخيه، ليتركها تلوم نفسها لا تعرف أن كانت على حق أم أن الشيطان هو من يتلاعب بها، خاصة وأن أسرة شقيقه تعاملها بود شديد، وأن توجسها منهم مجرد هواجس شخصية لا تستند لوقائع، تحركت تلحق به عندما استمعت لأصواتهم يتفقدون غيابها، وهي تنوي إسترضاءه فلم يكن عليها التشبث بأمور بسيطة مع كل ما يبذله لإسعادها.
❈-❈-❈
بعد عدة أيام، بشقة ياسين
يزفر ياسر بضيق متحدثا بالهاتف: طيب شوف أنت ديه ولو مفيش، يبقى مقدميش غير اللي جابها محمود…. ربنا ما يحرمني منكم، تعبتكم معايا…. تسلم يا غالي، أشوفك بليل….سلام.
أغلق الهاتف، فأسرعت سلوى تتسائل بفضول: لاقيت ميعاد.
هز كتفيه مستسلما: عمر لاقى قاعتين كمان بيقولوا تحفة، بس لسه ماسألش، ولو ملاقش فالقاعة اللي جابها محمود مش بطالة بس أنا كنت عايز ميعاد أقرب و حاجة أحسن، [زفر بضيق] أنا اللي غلطان من يوم ماتفقنا كان المفروض أحجز، معروف أن موسم التزواج والمغتربين بيبقى في الصيف، مش جاي قبلها بأسبوعين وافتكر.
ابتسمت مواسية: ولا تزعل ما أنت كنت بتجري عشان تلحق تخلص وتتجوز قبل الكلية بوقت معقول.
أجابها حانقا: وأديني لو ملقتش غير القاعة اللي جابها محمود، هاتجوز قبل الكلية بأسبوعين بس.
اندفعت سلوى مستنكرة: لا طبعا، كده مش تلحقوا تفرحوا ببعض.
أردف حانقا: طيب يعني بإيدي أيه.
أردفا سلوى بلهجة غامضة: محدش عارف الخير فين، والموضوع ده في مصلحتك على فكرة.
نظر لها بحيرة وهو يتمتم مستنكرا: مصلحتي!
تنحنحت سلوى وهي تقول بحرج: بصراحة ومن غير زعل، أديك شوفت جيرانهم اللي هجموا على الشقة في الخطوبة مع أننا قايلين أنها عائلية، ده غير مستوى العيلة نفسها.
ضغط حروف اسمها مستاءا من تقليلها لشأن محبوبته: سلوى.
هادنته سلوى بلهجة ودودة: هو أنا باقولك كده قدام حد، وبعدين أنا عاملة عليها هي، الفرق في المستوى بين معازيمك ومعازيمها هيبقى باين للجميع، وهيبقى موقفها محرج، ووقت البوفيه هيبقى كارثة، [ارتسم تعبيرات التقزز على وجهها] أنت شوفت الولاد كانوا بيفعصفوا الجاتوه بإيديهم إزاي.
أطرق ببصره أرضا، فقد صدم فعلا بالتدني الشديد لمدعوي حفل خطبته وتصرفاتهم البعيدة عن اللياقة بل والتندر على خاتمه الذي لا يرقى من وجهة نظرهم لإقامة حفل خطبة، فهو بالنسبة لهم مجرد خاتم صغير لا يعرفون قيمته.
تنحنح بحرج: عادي يا سلوى دول ولاد صغيرين، وبعدين دول جيرانها و أهلها، هتعمل فيهم أيه يعني.
ابتسمت وهي تردف بغموض: أعمل أنت.
تسائل بلهفة: أعمل أيه.
ارتشفت بعض الماء ببطء ثم قالت بهدوء: هي عارفة أنك دورت كتير على قاعة وملاقيتش، اثبت بقى على كده، وقولها ملاقيتش وخلاص.
صاح ياسر مستنكرا: طيب والفرح، وجوازنا اللي المفروض يكون في أقرب فرصة.
لوحت بيدها ببساطة: هتتجوزوا طبعا، ومن بكره لو عايز، [أشارت بيدها تمنعه من مقاطعتها] بس بدل الفرح هنكتفي بكتب كتاب، في مكان شيك جدا، ممكن دار الافتا، أو مسجد الشرطة اللي جنبها.
مط شفتيه معترضا: من غير فرح.
شرعت اصابعها تعد عليهم شيء ما: أولا المكان شيك ومحترم وممكن حجز لو بكرة لأن في حجز اليوم كله ولو لاقيت بالليل محجوز هتلاقي الصبح [أمسكت باصبعها التالي] ثانيا الفرح ساعة واحدة أو اتنين يعني حاجة على السريع بدل الفضايح [أمسكت الذي يليه] وثالثا وأهم حاجة ممنوع حد يتحرك من مكانه والكراسي عاملة زي المسرح يعني مفيش مجال للهيصة والرقص الغريب أبو سكينة، اللي عملوه ده، ده غير أننا هنكتفي بتوزيع علب شكولا وكانز، بدل المهزلة اللي ممكن تحصل لو عملنا بوفيه مفتوح.
نظر لها بشرود، لا ينكر أن كلامها قد صادف هاجس بنفسه، ولكن يتصارع مع ذلك الهاجس رغبته في إقامة عرس الأحلام، لتبقى ذكرى لأسعد أيام عمره له ولمحبوبته.
❈-❈-❈
بعد عدة أيام، أمام شقة ياسر
وقف جميع أفراد أسرتي ياسر ودعاء يودعنهما ، تحت وابل من الزغاريد أطلقتها والدتها، لترتفع صيحات البقية عندما حملها هو فجأة، بفستانها الأبيض الرائع، ليدلفا سويا لحياة جديدة.
❈-❈-❈
بظهر اليوم التالي بشقة ياسر
استيقظت دعاء على ملمس ناعم يداعب بشرتها،
لتجد ياسر يداعبها بقماش مئزرها الحريري، ليهلل بفرحة بمجرد أن فتحت عينيها: صباح الحرير لام خدود حرير، ملاقيتش ورد فقلت اتصرف، [ضحكت بخجل متمسكة بشرشفها، وهي تشيح بوجهها بعيدا ليكمل مشاكسا] سلوى امبارح صممت تطلعهم برا الشقة، بتقول خايفة يخنقنا، بس كتر خيرها كان ممكن اتلخبط بينهم وبين خدودك امبارح.
خبأت وجهها بكفيها وهي تضحك بخجل: بطل بقى.
ليزداد ضحكه وسعادته وهو يقترب منها: بطلي أنت كسل بقى وقومي، أنا صاحي من بدري مستنيكي.
زاد تشبثها بالشرشف الذي يحاول هو رفعه عنها، ليقطع ضحكاتهما صوت جرس الباب، ليقول بحنق: مين اللي جاي على الصبح كده.
ابتسمت بسعادة وهي تهتف بمشاكسة: روح افتح.
غمغم ببعض كلمات مبهمة متبرما، وهو في طريقه للباب الذي فتحه ليجد سلوى تحمل صينية كبيرة مغطاة تصدر عنها روائح شهية: صباح الخير يا عريسنا، معلش لو صحيتكم، بس قولت أجيب الفطار لتكونوا جعانين، أصل أكدت على مامت دعاء امبارح ماتتعبش نفسها وتيجي، وأني هاقوم أنا بالواجب عشان ظروفهم و….
انطلقت دعاء من غرفة نومها مرتدية ذلك المئزر الذي أيقظها به، تصيح بغضب: مالها ظروفهم اللي علطول ماسكهالي دي.
تمتمت سلوى بحرج من صراخها عليها: يعني عشان ساكنين بعيد، وكمان والدتك ست كبيرة وتعبت امبارح وأكيد تعب عليها تحضر فطار عرسان وتيجي بيه المسافة دي كلها.
بهتت دعاء وندمت على تسرعها على هذا النحو، لتغمغم بحرج وهي تنسحب لغرفتها: متشكرة، عن أذنك.
فرك ياسر يده مرتبكا وهو يعتذر بحرج: معلش يا ساسو هي لسه صاحية من النوم، وشكلها لسه مفاقتش، حقك عليا.
ابتسمت وهي تقول بتسامح: يا سيدي ولا يهمك، هي لسه مش واخدة علينا، ده غير أنها عروسة وأكيد هرموناتها متلغبطة ومتوترة.
ابتسم ممتنا لتفهمها ورقيها: ربنا ما يحرمنا منك يا قمر، تعبتي نفسك.
ابتسمت بود: تعبك راحة يا عريسنا، أم سليمان هي اللي هتجيب لك الأكل التلات أيام دول، ولما ترجعوا من مطروح بالسلامة، تبقوا تاكلوا معنا، أسيبك لعروستك بقى.
تبعها للباب يمطرها بثناءه واعتذاره، ليغلق الباب خلفها متجها لتلك المشتعلة، التي لا يعلم سر ثورتها تلك، ليجدها تخرج من الحمام وقد اغتسلت وارتدت ملابس منزلية مغرية، فتوتر وشردت عينيه بمفاتنها وهو يتمتم بلا انتباه: ليه كده بس يا دودو مش كتر خيرها.
زاغت عينيها وظهر الضيق بصوتها: بصراحة خنقتني بكلمتها دي، وكل مرة حجة وسبب شكل، بس أنا بحس أنا بتبقى قاصدة حاجة تانية.
حزن لانكسارها والضيق بصوتها، وقرر التغاضي عن الأمر هذه المرة، مراعاة لحساسيتها تجاه ظروفها، وخاصة أن صاحبة الحق نفسها تسامحت وقدرت تخبطها، فلما يحاسبها هو ويفسد فرحتهما، خاصة وهي بكل هذه الفتنة، ليقترب متجاهلا ذلك الموقف ممسدا على خديها برقة وهو يهمس بمشاكسة: صباح الحرير.
❈-❈-❈
بعد ما يقرب من شهرين، بشقة ياسين
اجتمعت الأسرة أخيرا على مائدة الغداء، فالعروسان لما يعودا سوى بالأمس من شهر عسلهم الذي كان كالحلم، حتى أنهما أجلا عودتهما من مرسى مطروح عدة مرات، ولم يعودا إلا مضطرين، بسبب بدء العام الدراسي الجديد.
علت ضحكاتهم وسط كلماتهم المرحبة بالعروسين، ومشاكسات نجوى لهما، التي قالت فجأة وببساطة شديدة وكأنه أمر بديهي: أهو ياعم ملكش حجة، شهرين عسل مش واحد، نزل جدول بقى وقسم وقتك بالعدل بيني وبين دودو، هي ليها اليوم كله في الكلية وأنا بعد ما تيجوا، لاحسن أنا قربت أضيع خلاص والسنادي تالتة يا قلبي.
صدمت دعاء من كلمتها، فتوقفت يدها الحاملة للطعام أمام فمها، وهي تسأل مستاءة: يعني أيه!
ضحكت سلوى ملء فيهها، لتخرج كلماتها متقطعة بين ضحكاتها: يا خرب بيت عقلك يا نوجا خضيتها، جدول أيه أنت فاكرهه عبد الغفور البرعي.
ضحك الجميع عدا نجوى التي تقلصت معدتها وعبث وجهها وهي تستمع لدلال نجوى المستفز: لا بقولكم أيه، كل زمايلي بدؤا دروس في الأجازة وأنتم قعدتم تقولولي استني ياسر، استني ياسر، في مستقبل بيضيع هنا ياخوانا.
نفذ صبر دعاء فسألتها بحدة: متوضحي كلامك، أيه علاقة ياسر بدروسك.
وجم الجميع فجأة وصمتت الضحكات، بعدما دبح مرحهم وانسجامهم بسكين حدتها، فأسرع ياسر يشرح لدعاء الأمر بمرح مفتعل لتخطي ذلك الموقف السخيف: أصل نوجا في درس أو اتنين دايما بيبقى ميعادهم من بعد المغرب، وأنت عارفة أن المنطقة هنا هادية ومينفعش أنها تخرج بعد ما الدنيا تضلم لوحدها، والدكتور طبعا بيبقى في الوقت ده في العيادة، فأنا اللي بوديها واجيبها.
ليزداد دلال نجوى وهي تقول بغنج: والرياضة يا يويو أوعى تنسى، دي هندسة يا حبيبي مش لعبة، أنا مش بافهمها من غيرك يا قلبي.
لم تستطع دعاء التماسك أكثر من ذلك، فنهضت بحدة: عن أذنكم.
لم تنتظر رد أحدهم، وانطلقت نحو شقتها بغضب، تتبعها تساؤلات نجوى المتغنجة، كفتيل مشتعل يقترب من متفجرات سريعة الاشتعال.
دلفت لشقتها كنيزك مشتعل تطول شرارته كل ما يقابله،
تتخبط بكل ما يقابلها بنزق، ممزقة بعض أوراق استذاكرها بعنف، محاولة أن تفرغ شحنات جنونها بأي شيء.
أفزعها صوت ياسر الغاضب الذي لم تنتبه بثورة غضبها للحاقه بها: أيه اللي بتعمليه ده.
تراقصت شياطين غضبها أمام عينيها، فصرخت بجنون: هو أنا كده لسه عملت حاجة.
كان غضبها وحدتها رغم أنها من أخطأت من وجهة نظره، حطب غذى غضبه وأجج اشتعاله، فعلت نبرة صوته وهو يلوح بيديه بعصبية: أنت اتجننتي، نكدتي على الكل، وأحرجتي البنت وكمان ليك عين تزعقي.
زاد اشتعالها لاهتمامه بأمر تلك الوقحة التي تدلله أمامها: خايف على مشاعرها قوي ياسي يويو.
صدم من غيرتها ولكنها داعبت رجولته بشدة، فضحك وهو يتمتم بدهشة: أنت غيرانة من نوجا، دي عيلة، وكمان دي أختي الصغيرة.
احتقن وجهها غاضبا، وهي تسمعه يدلل غريمتها، التي طلبت منها اقتسامه معها على هذا النحو: نوجا، أنتوا بتستعبطوا أنتوا الاتنين، دي مش أختك يا أستاذ، وبعدين العيلة دي تبقى أصغر مني بسنة ونص بس.
رغم سخافة الموقف إلا أنه لم يستطع سوى الشعور بالسعادة، فهو كان يخشى أن تكون محبوبته قد تقبلته كزوج مناسب، دون أن تبادله المشاعر، وكلما سألها عن مشاعرها تجاهه كانت تخجل من البوح بها، ولكن هاهي غيرتها قد فضحتها أمامه، فيجد نفسه يقترب ليحتويها بين ذراعيه، وهو يربت عليها بحنان: أنت غيرانة عليا بجد يا قلبي، يعني طلعتي بتحبيني أهو.
دفنت وجهها بصدره، ليسمع همسها مختلطا بنحيبها، الذي بدى له في تلك اللحظة كأعذب الالحان: طبعا بحبك، امال وافقت اتجوزك ليه، من أول ما وقفت لصاحبك، وأنا حسيتك راجل بجد، ولما لاحظت أنك بتمشي ورايا بعربيتك، من غير ماتحاول تكلمني كنت باحس بالأمان، وكبرت قوي في نظري.
شدد من احتضانها وهو يزفر بهيام: أخيرا نطقتي، ينفع بعد العذاب ده كله، تقوليهلي وأنت بتعيطي.
استمر نحيبها وهي تعاتبه: وينفع واحدة تقعد تدلعك قدامي وتقولك يا روحي، يا قلبي، يا حبيبي، لا والبجحة بتقول {نزل جدول بقى وقسم وقتك بالعدل بيني وبين دودو، هي ليها اليوم كله في الكلية وأنا بعد ما تيجوا}، هي نغة ماتروح دروسها لوحدها زي زمايلها، ولا تشوف درس بدري.
زفر بضيق، ورفع وجهها لمواجهته معاتبا: دودو، نوجا دي أختي ومحبكيش تتكلمي عليها كده، بالعكس أنا اتمنى تكونوا صحاب.
تململت متبرمة: كمان، ياسلام.
أخرجها من حضنه ممسكا يدها يسحبها خلفه، حتى وصل لكرسي جلس عليه وأجلسها بحضنه، ورفع وجهها لمواجهته بحنان وهو يحذرها بلين: بصي أنا هاحكي لك حاجة، مش مفروض أني احكيها أصلا، ولا أن حد يعرفها من أساسه، بس طبعا أنت بقيتي واحدة منا، وكمان عشان تبطلي غيرة وتعرفي ليه أنا ونوجا بنتعامل كده، بس طبعا اللي هاقوله هيفضل سر بينا.
عقدت حاجبيها بضيق، لإصراره على تدليلها، ولكن غلبها فضول الأنثى فقالت باهتمام: قول.
ابتلع ريقه وزفر بقوة، وكأنه يستعد لإفشاء سر حربي: أنا والدتي بعد ماخلفت ياسين، صحتها تعبت جدا، ومكنوش ناويين يجيبوا أطفال تاني لكن أنا بقى جيت غلاسة بعد اتناشر سنة، ولما ياسين أخد ثانوي عام وقرر يدخل طب، كان لازم ينزل مصر، ونزل قعد لوحده في شقتنا اللي كانت مقفولة.
زفرت بنفاذ صبر: وأيه علاقة ده بيك أنت ونجوى.
زاد من احتضانه لها وهو يشاكسها: أهدي يا منار، هاقولك أهو، وياسين في الكلية، بابا اضطر يبيبع شقتنا وهو بيشتري أرض العمارة دي، فنزل أجر له شقة شيك في نفس الشارع هنا، عشان يبقى قريب من أرضنا، الشقة اللي سكن فيها ياسين، كانت في عمارة الباشمهندس سامي الأسيوطي بابا سلوى، وقتها كان ياسين فاضله سنتين ويتخرج، وسلوى في أولى جامعة، ونجوى كانت تمن سنين وأنا حداشر.
تبرمت وهي تغمغم مستاءة: طبعا هاتقولي أنك ساعتها كنت بتلعب مع نجوى واتربيتوا سوا وواخدين على بعض، ويمكن تكونوا اتوعدتوا لبعض.
ضحك سعيدا بغيرتها عليه مستمتعا بإشتعالها: لا للاسف أنا كنت مسافر، المهم أن ياسين حب سلوى من أول نظرة [ناظرا لها بهيام] يظهر الموضوع ده وراثة في عيلتنا، أصل بابا وماما كمان حبوا بعض وهما زمايل في المدرسة.
اتسعت عينيها بانبهار، وهي تتمتم بدهشة: هما باباك ومامتك بيحبوا بعض من وهما صغيرين في المدرسة.
ضحك بقوة على سذاجتها: وهما مدرسين في مدرسة واحدة، قبل ما يطلعوا الإعارة يا أذكى أخواتك، [بجدية] نرجع للمهم، المهم وقتها ياسين كتم في قلبه لأن سلوى كانت مخطوبة.
فغرت دعاء فاهها بصدمة: مخطوبة لحد تاني.
توتر ياسر وتلعثمت كلماته: كانت مخطوبة لشاب اسمه محمد زميلها من ثانوي، [محذرا] بس أوعي تلمحي حتى للموضوع لأن ياسين بيتجنن لما يفتكره.
نجح في جذب اهتمامها، فغمغمت بفضول: امال هو خطبها أمتى، وأزاي.
أردف متوترا بتردد جلي: هو من الأول كان في معرفة بين عيلتها وعيلة خطيبها وكده، بس طبعا بعد الخطوبة العلاقات زادت وتوطدت، خصوصا وأن مامت سلوى ست طيبة جدا، [ارتجف صوته وخرجت حروفه متعثرة] بس للأسف القرب الزيادة ده عمل كارثة، وأكتشفوا أن والدها وخلود أخت خطيبها على علاقة ببعض.
شهقت دعاء بصدمة وهي تغطي فمها المفتوح بكفها، فخرج صوتها مكتوما: ياخبر، مش معقول.
هز رأسه ايجابا وهو يقول بأسى: الغريب أن بعد ما الموضوع اتعرف، باباها مانكرش بالعكس ده بجح والهانم اتطلقت من جوزها واتجوزوا تاني يوم بعد العدة، ومامت سلوى جالها جلطة.
ندت عنها صيحة استنكار متسائلة: هي كانت متجوزة.
أكد لها بضيق: الهانم كانت متجوزة وولادها أصغر من سلوى بكام سنة، وطبعا بعد اللي حصل الخطوبة باظت، ونجوى سابت خطيبها.
هزت دعاء كتفيها مرددة ببديهية: طبيعي.
جز ياسر على أسنانه وهو يردد حانقا: اللي مش طبيعي بقى أن الست هانم مراته الجديدة، هدت الدنيا، وقومت والدهم عليهم ورفض يدفع لهم مصاريفهم لو سلوى مرجعتش لخطيبها.
صدمت دعاء بما تسمع فلم تتخيل أن تصل وقاحة البعض لهذه الدرجة، لتهتف مستنكرة: دول مش بني ادمين، دول شياطين.
ابتسم مستهزءا: امال لو عرفتي الباقي، الباشا أبوهم منع عن أمهم حتى تمن العلاج، ومامتهم حالتها انتكست بعد ما كانت اتحسنت، واضطروا يدخلوا ناس يتوسطوا عشان يصرف على بيته ومراته، لأن مامتهم ملهاش غير أخ واحد في الأرياف وقالها لو عايزة تيجي، سيبيله بناته وتعالي بطولك، أنا مش هشيل ولاد حد.
اختنقت صوتها وهي تتمتم بحرقة: حسبي الله ونعم الوكيل.
ابتلع ريقه بمرارة مسترجعا الذكرى: والدتها رضيت بالأمر الواقع ورجعت له بشرط أنه يقفل موضوع جواز سلوى من أخو الهانم، وهو خدهم على قد عقلهم، بس هو كان مقرر أنه يستنى لما الموضوع يهدى وبعدين يمشي اللي في دماغه.
رفعت حاجبيها متعجبة: وليه الإصرار ده كله!
ابتسم ياسر متهكما: ده كان شرط الهانم، عشان ماتخسرش أخوها، وتبفى السبب في خسارته للبنت اللي بيحبها، لكن طبعا كل حساباتهم اتلغبطت، لأن ياسين ماصدق أن الخطوبة انتهت وأنه بقى عنده أمل أنها تكون ليه، وجري طلب سلوى من والدتها، وهي رغم أنه كان لسه متخرجش، إلا أنها وافقت علطول، عشان هي فاهمة دماغ جوزها كويس.
اتسعت حدقت عينيها بصدمة: وهي خايفة تخسر أخوها عشان بوظت خطوبته، وماخفتش ربنا وهي بتعمل عملتها السودة.
حرك رأسه بأسف: أن لما تستحي؛ فافعل ما شئت، وهو ده اللي حصل فعلا، أبوها رفض ياسين، وماستحاش يقولهم وش كده أنه بيعتبر خطوبتها مع أخو الهانم زي ماهي، بس سايبهم يتقبلوا جوازه ويهدوا.
تساءلت مهتمة بفضول: ودكتور ياسين عمل أيه.
حرك رأسه نافيا: مش ياسين اللي عمل، والدتها هي حلفت يمين أن لا يمكن بنتها تتجوز من العيلة دي، واتصلت بأخوها، قالتله أنها مش عايزة منه أي حاجة غير أنه يكون وكيل بنتها، واتفقت مع ياسين أنهم يكتبوا الكتاب بسرعة، وأول ما يجهز يبقوا يتجوزوا.
شهقت دعاء بصدمة: وباباها!
زفر ياسر بضيق: لا باباها ولا حتى بابا، كانوا موافقين، لكن بابا وافق لما شاف قد أيه ياسين متمسك بيها، لكن باباها بهدل الدنيا، وحلف أن مامتها تكون طالق لو الجوازة دي تمت.
رددت دعاء ببلاهة: والجوازة تمت.
أخرجته سذاجتها من تألمه لقسوة الحياة على البعض، ليضحك مرحا: امال سلوى اللي في الشقة اللي جنبنا ديه أيه فوتشوب، [لكزته بكتفه بغضب طفولي،فتصنع الألم] يا مفترية، خلاص هاقول، أيوه الجوازة تمت ويمين والدها وقع وطلق مامتها، بس والدتها المرة دي كانت عاملة حسابها، وعاملة تمكين للشقة عشان هي حاضنة نجوى، وكمان كانت رفعت نفقة.
تمتمت بفضول وقد استحوذت القصة على اهتمامها: وباباها سكت.
هز كتفه بلامبالاة: لا مسكتش بس كمان مكنش في أيده حاجة يعملها، كل اللي قدر عليه، أنه كان بيطلع عينهم عقبال ما يدفع النفقة اللي كانت ملاليم أصلا لأنه جاب محامي عقر، ده غير مضايقته لياسين على أمل أنه يزهق ويطلق، [ضاحكا] بس هو طبعا كان ماصدق، حتى لما باباها صمم أنه مش هيجهزها ولا فرق معه، واتجوزوا في شقته في أضيق الحدود، ولما ربنا كرمه، كملوا كل اللي ناقصهم.
غمغمت بحالمية: ربنا يخليهم لبعض.
همس لها بحب: أمين، ويخليكي لي يا دعايا اللي ربنا استجابه، [زفر بوله، ثم أكمل بجدية، فهو مهتم أن يوضح لها ما تعنيه له نجوى ، حتى يهدأ بالها] المهم نرجع لموضوعنا، لما اتجوزوا كنت أنا وقتها عايش هنا في الشقة مع بابا، ونجوى كانت علطول عند أختها وبنلعب سوا، وكمان احنا كنا تقريبا في عيشة واحدة،[مردفا بامتنان] لأن سلوى كانت مهتمية بينا جدا، وكانت بتصمم ناكل سوا وتدي لبابا دواه بنفسها، حتى لما تعب رفضت نجيب له مرافق وقالت أنه والدها اللي كانت بتتمناه وأني أخوها اللي اتحرمت من وجوده، وأننا مسئوليتها، وبعد سنتين لما بابا الله يرحمه اتوفى قفلنا الشقة هنا وروحت عيشت معهم، وبعدها بكام شهر نجوى مامتها كمان اتوفت، وجات نجوى عاشت معنا بشكل نهائي، حتى لما بعد كده أنا رجعت شقتي، كنت بافضل اليوم كله في شقة ياسين، وأرجع شقتي على النوم.
زفرت بضيق وقد عادت غيرتها للاشتعال: ماشي يا سيدي، ورغم أن وجودك معها أو حتى مع سلوى بنفس الشقة حرام، بس أنتوا كنتم صغيرين ومش فاهمين، طيب دلوقتي وهي شحطة كده، ومعندهاش ريحة الحيا ومقضيها يا روحي، يا قلبي، يا حبيبي، وكله كوم ويويو دي كوم تاني.
ضحك لعودة اشتعالها وتعبيراتها الغريبة، ولكنه أردف مؤنبا: لا يا قلبي، هي مش قليلة الحيا، هي اتعودت على كده، حتى صاحباتها البنات بتقولهم يا حبيبي، ويويو دي هي متعودة عليها من واحنا صغيرين.
أكدت دعاء بيقين: رغم أن الكلام ده حرام، وربنا أمرنا أننا مندلعش كده عشان محدش يطمع فينا، بس هي حسابها على ربنا مش عليا، لكن أيه الدلع بتاعكم ده، وعشا أيه ومغرب أيه اللي مبتنزلش بعديهم، ومنطقة أيه اللي هادية، حسستني أننا عايشين في الصحرا.
تمتم بأسى وتعاطف: ده مش دلع يا دعاء، لكن ده عشان الغلبانة دي حظها قليل، والمصايب نازلة ترف عليها من صغرها.
عبس وجهها متعجبة: مصايب أيه، ماهي عايشة معكم معززة مكرمة، وأخر دلع.
مط شفتيه بإستياء وهو يقول بحنق: أنت شايفة كده؛ عشان أنت متعرفيش اللي حصلها من سنتين.
سألته دعاء بفضول وتوجس: ليه أيه اللي حصلها؟
امتلئ صوته بالغضب مسترجعا ذكرى أيام عصيبة: بعد وفاة ماما نجوى، احنا كلنا عيشنا زي ماقولت لك، وكام سنة، كنت أنا أولى جامعة، وهي أولى ثانوي، اتفاجأنا كلنا بأن باباها جاي ومصمم ياخدها.
ظهرت آيات التعجب على وجه دعاء متسائلة: تو ما أفتكرها.
زفر ياسر بضيق: كلنا استغربنا زيك كده، خصوصا أنه بعد وفاة مامتها بأيام جه وطلب مفتاح الشقة، وأن حكم التمكين سقط، ولو نجوى عايزة تعيش فيها يبقى معه، وأول ما سلوى رفضت، وقالت أن نجوى هتعيش معها هو ماصدق، و مسألش عليهم ولا مرة من يومها.
تساءلت دعاء بفضول: وطبعا كلكم رفضتم أنه ياخدها.
ضغط على أسنانه بحنق: طبعا، بس لأسف موقفه كان أقوى منا كلنا، أولا لأنه ولي أمرها الطبيعي، ده غير أنه وسط ناس قرايبنا وعمل قاعدة، وقال أن مينفعش بنته تعيش في بيت في اتنين رجالة أغراب، واحد منهم مراهق.
تمتمت دعاء مستهزئة: كويس أنه أفتكر.
تبرم ياسر حانقا: هو قال أنه كان سايبها عشان كانت عيلة، لكن كده كبرت وميصحش، وأنه علشان كده بعت ابن مراته البكري يعيش عند جدته، وأن نجوى هتعيش معه هو ومراته وبنتها اللي من سن نجوى، وطبعا الكل وقف في صفه، ومقدرناش نعمل حاجة، لأنه هدد أنه يمشي الموضوع بشكل رسمي.
اتسعت حدقتها بعدم تصديق وهي تهتف: ونجوى راحت معاه فعلا.
أومأ برأسه إيجابا مبتلعا غصة بحلقه: للأسف راحت، واتفاجأنا كلنا أنها بتقول أن مرات باباها بتعاملها أحسن ما بتعامل بنتها، وعلطول هدايا وفسح وبتحاول تكسبها وتنسيها اللي حصل.
صدمت دعاء وصاحت مندهشة: يعني ارتاحت معهم!
نفى بسرعة وبشدة: لا طبعا، هما صحيح كانوا بيدلعوها ومحدش بيضايقها، ورغم أن ساعة اللي حصل نجوى كانت صغيرة، لكن سلوى كانت حكيالها كل حاجة، وهما الأتنين كانوا بيعتبروهم سبب لقهرة أمهم وموتها، ده غير حركات مريبة كانوا بيعملوها كل جمعة وهي مكنتش فاهمها.
سألته باهتمام وفضول: حركات مريبة، هما كانوا بيعملوا أيه؟
أغمض عينيه وهو يزفر بحرقة: ماهو ده بقى طلع السر ورا كل اللي حصل.
تساءلت بتوجس: سر أيه.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية اليمامة والطاووس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى