رواية اليمامة والطاووس الفصل الثالث 3 بقلم منى الفولي
رواية اليمامة والطاووس الجزء الثالث
رواية اليمامة والطاووس البارت الثالث
رواية اليمامة والطاووس الحلقة الثالثة
الحلقة الثالثة
ضحكت والدة دعاء بسعادة، فرؤيتها لتلك الشقة الفارهة قد أسعدها وطمئنها بأن ابنتها ستتجنب ما عانته هي من فقر، لتؤكد براحة: عندها حق يا حبيبي، ماهو يعني حرام الأجهزة صاغ سليم، واللي يبوظ أبقوا جيبوا اللي أحسن منه، وكمان…
قطع كلامها صوت الباب وهو يغلق بعنف، مقترنا بصوت نجوى الغاضب: يا سلام، يعني أنا أزوغ من الدرس عشان أتغدى معكم، أجي الاقيكم بعتوني.
ضحكت سلوى وهي تهتف بمرح: زوغتي علشان تتغدي معنا، ولا عشان الحصة دي امتحان ومش مذاكرة.
ضحكت متصنعة الحرج بممازحة: طيب ليه الإحراج ده، أستري عليا، دي أول مرة يشوفوني، [لتصرخ بحماس ومرح، وهي تتجه لدعاء بسرعة] العروسة صح، أنا نجوى أخت سلوى رسميا، وأخت ياسر وحماتك فعليا.
ضحكت دعاء بمرح وهي تبادلها المزح: أخته وحماتي، الاتنين مع بعض طيب أزاي.
ضحكت نجوى مشاكسة: طالعة بمنظرين.
وبختها سلوى وهي تضرب جبهتها بخفة: مش تعقلي كده، وتسلمي على طنط.
ابتسمت نجوى بحرج وهي تحي والدي دعاء بأدب: أهلا يا طنط، أهلا يا عمو، أسفة بس مصدقت أشوف عروسة أخويا.
ابتسمت والدة دعاء بعفوية: ما هي كمان هتبقى أختك، ربنا يخليكوا لبعض.
سعد ياسر كثيرا بمرح نجوى وتقبلها لدعاء، وتأكد أن مخاوفه لا أصل لها بل هي نتيجة لمعرفته بظنون شقيقه الخاطئة بارتباطهما، ليشاكسها كعادته: تعالي يا أستاذة فشل هنا، أنت بجد مزوغة من الامتحان.
تبرمت وهي تلوح معترضة بسوقية: بس متقولش أستاذة.
ضحك الجميع بينما ضربتها سلوى بخفة ثانية مقرعة بحزم مصطنع وهي تكتم ضحكتها، لتستمر مشاكستها للجميع عامة، ولدعاء وياسر خاصة، حتى انتهت الزيارة بسعادة وتفهم، شاعرين أنهم صاروا أسرة واحدة.
❈-❈-❈
بصباح اليوم التالي بشقة ياسين.
اجتمع أفراد الأسرة على مائدة الإفطار، يتبادلون الأحاديث الودية، بين ضحكاتهم السعيدة.
تنحنح ياسين آمرا ياسر: أم محسن وسلوى هيجيبوا حاجتك من شقتك، بعد ما ترجع من الجامعة تعالى على هنا، أنت هتقعد في أوضتك القديمة الكام شهر الفاضليين على الجواز.
نظر له ياسر بحيرة، خاصة وهو يرى تلك الإشارات والنظرات الغامضة بينه وبين سلوى، ليستفسر بفضول: ليه يا ياسين، الفرش مش يتوضب قبل الأجازة، وحتى وقتها أوضة النوم هتفضل موجودة للأخر خالص لما أشتري الأوضة الجديدة.
ضحك كلا من ياسين وسلوى، لتزيد دهشته التي تصاعدت مع كلمات ياسين الساخرة: ده أنت مصدق بقى.
ليغمغم ياسر بحيرة: مصدق أيه!
هتف ياسين مستنكرا: أنت متخيل أني هاوافق أنك تتجوز على فرش قديم ومستعمل.
زاغت عين ياسر بين شقيقه وزوجته، ينشد دعمها متصورا أن شقيقه قد تراجع عن موافقته ومباركته لزواجه، ليتساءل متحفزا: أنت قولت أنك موافق أني اتجوز الأجازة دي.
هز ياسين كتفيه وهو يقول ببساطة: قلت أني موافق أنك تتجوز الأجازة دي، بس مقولتش أني موافق على أنك تتجوز بالشكل ده.
توتر ياسر مردفا باضطراب: يعني أيه.
ضحكت سلوى مبددة بعضا من قلقه بصوتها المرح: يعني ياسين اتفق مع مهندس الديكور يجي النهاردة ويشوف الشقة، وبإذن الله يخلصها على الميعاد، ونفرح بيك الأجازة دي.
فتح فاه مندهشا ليضحكوا جميعا على مظهره وعلى تلك الكلمات المبعثرة التي تخرج منه بسرعة وبلا ترابط: ودعاء، اصلنا اتفاقنا… والوديعة فضل سنة… والامتحانات.
ابتسم ياسين وهو يشير لأخيه يأمره بالهدوء: أهدى بس وخد نفسك، بالنسبة لاتفاقك مع والد دعاء أنت مش هتكلفه حاجة زيادة بالعكس، هاتوفر عليه تمن التجديد، وهو هيحتاجه في لبس العروسة وحاجات المطبخ والحاجات دي، وموضوع الوديعة محلولة أنا اللي هاحاسب دلوقتي ولما تستلم الوديعة ابقى أديني اللي صرفته، بدل ما تشتري أنت بعد سنة بعد ما فرحتك تروح وماتحسش بأنك بتبني حياة جديدة بكل حاجة.
شعر ياسر بتأنيب الضمير لسوء ظنه بأخيه الذي لا يفكر سوى بإسعاده، ليبتسم شاكرا بامتنان: ربنا ما يحرمني منك يا اخويا، بس بجد مش هينفع، كام شهر الاجازة يدوب على قد تظبيط الموبيليا، لكن مهندس ديكور وتصميمات وكلام من ده، ده عايز حد متفرغ، ووقت طويل.
تدخلت سلوى بالحديث لأول مرة وهي تقول بود:
بس احنا عاملين حسابنا على كل حاجة، احنا مش هنعطلك أكتر من كام ساعة مع المهندس النهاردة تشرح له طلباتك، وبعدين تتفرغ لمذكرتك واحنا اللي هنتابعه.
خجل من نفسه ومن أفكاره السابقة وهو يرى تفانيهما في إسعاده، ليتمتم بخجل: ربنا ما يحرمني منكم، بس ده كتير قوي، وهتتعبوا معايا.
أكدت سلوى عرضها بحماس: ملكش دعوة، يعني أنا ورايا أيه، ده أنا حتى هتسلى، أنت عارف أن بحب الفاشون والاستيلز قد أيه.
قاطعهما صوت نجوى ممازحة: أنتوا لاغيني خالص، وناسيين أنكم معكم أشطر مهندسة ديكور في مصر[متنحنة بحرج زائف] ده على اعتبار ما سيكون طبعا.
لتهلل سلوى بسعادة كمن اكتشف أمر جلل: أه صحيح، وأهي تدرب في شقتك وتشوف الشغل يبقى أزاي بدل العك اللي بتعكه في أوضتها كل يومين.
تدفن نجوى وجهها بكفيها متصنعة البكاء بمشاكسة: بقى كده يا ساسو، بتبوظي سمعتي، وقدام أول زبون ليا.
ضحك ياسر على مزاحهما معلقا بمرح: لا طبعا يا هندسة بس مش هينفع أنت ناسية أن أنت كمان عندك امتحانات.
ضحكت سلوى وهي تغيظها: أهو أول زبون بيتحجج، خايف على شقته.
زمت نجوى شفتيها بطفولة وهي تتصنع الضيق بدلال: بجد خايف على شقتك يا يويو، ومش هتسيبني العب مع مهندس الديكور.
ضحك وهو يهز رأسه ويحرك شفتيه بامتعاض: تلعبي، لا طبعا العبي براحتك، شوفوا المهندس هيجي النهاردة الساعة كام، وأنا هجيب لك دعاء، والعبوا سوا.
اندفعت سلوى محذرة: أوعى تجيب لها سيرة ولا تقولها أي حاجة.
لتفاجأ برد ياسين وياسر بكلمة واحدة مستنكرة اطلقاها بنفس اللحظة: ليه!
ابتلعت ريقها وهي تقول باستنكار: أنتم مش واخدين بالكم أنكم كده بتحرجوهم، هما وافقوا على تقديم ميعاد الفرح على أساس أن مش عليهم مسئوليات، وربنا وحده يعلم هيلحقوا يكملوا الرفايع ولا لا، تقوموا تفاجئوهم بأنكم رجعتم للأتفاق القديم وأنهم ملزمين بتلت أوضة في المدة القصيرة دي.
أكد ياسر بانتباه: عندك حق يا ساسو، بس أنا هاعرف اللي ممكن يعجبها أزاي عشان اقوله للمهندس.
هزت كفيها وهي تقول ببساطة: فاجأها يا ياسر، أختار على ذوقك وممكن تبقى تعرف رأيها بشكل غير مباشر عن الألوان اللي بتحبها، ولما يبقى الموضوع مفاجأة هيبقى أحلى كتير وكمان هترفع عنها الحرج.
هز رأسه استحسانا لفكرتها، ولكن احتلت الحيرة صوته: بس أنا ما بفهمش في الحاجات دي.
أسرعت سلوى تؤازره بحماسة: ما قولت لك أنا معاك يا ابني.
لتتنحنح نجوى وهي تضيف بتعالي: وأنا مش هاحرمك من خبرتي وتوجيهاتي القيمة.
ليضحك الجميع لمشاكستها، بينما ينظر لهما بامتنان وتقدير: ربنا ما يحرمني منكم أبدا.
❈-❈-❈
مرت عدة أسابيع، انهى بهما امتحاناته، كما أوشك إعداد شقته على الانتهاء، بفضل مجهودات نجوى وسلوى، وذوقهما الراقي، ورغم اعتراضه على انشغال نجوى عن دورسها ولكنه لا ينكر ذوقها الراقي واختياراتها المميزة التي أشاد مهندس الديكور نفسه بها.
خرج من غرفته سعيدا، يشعر بالحماسة الشديدة، فاليوم هم مدعون لبيت حبيبته، للاتفاق على ترتيبات حفل الخطوبة وموعد شراء الشبكة، ألقى تحية الصباح على الموجودين بمرح: صباح الفل يا قمرات، [ناظرا حوله بحيرة] امال فين الدكتور.
أجبته سلوى بامتعاض: في المستشفى طبعا، هو أخوك في حياته أهم من الشغل، بس متخافش أنا أكدت عليه يجي قبل ميعاد الغدا بوقت كافي عشان منتأخرش على الناس.
زفر بارتياح مغمغما: ربنا ما يحرمني منك، بس ياريته يعرف ياخد أجازة اليومين اللي جايين، يعني هيبقى في كذا يوم ورا بعض محتاجه فيهم، خصوصا أن المفروض النهاردة هنحدد هننزل نشتري الشبكة امتى.
زاغت عينيها، و تنحنحت بحرج وهي تحاول اختيار كلماتها حتى لا تثير غضبه: بصراحة أنا عندي فكرة كده.
ابتسم مشجعا: قولي يا أم الأفكار.
زفرت بتوتر ثم أردفت بتردد: أنا بأقول تنزل أنت تشتري الشبكة دلوقتي وناخدها معانا تفاجأهم بيها.
هتف ياسين مستنكرا: ليه، المفروض هي اللي تنقي شبكتها، وأنا كنت عامل حسابي أننا نحدد ميعاد خلال الأسبوع ده عشان نجيبها.
عضت شفتيها بقلق وهي تغمغم: هاقولك بس متزعلش،[انتبه لها وهو يومأ لها علامة الموافقة على الأستماع] يعني أنت عارف أنهم ظروفهم ووضعهم المادي والاجتماعي، مختلف عننا، وده طبعا ما يعيبهاش بس ممكن يسبب لك إحراج.
صاح مستنكرا: ويحرجني ليه، أنا اللي هادفع تمن الشبكة مش هما.
همست سلوى بخفوت: يعني زي ما بنشوف كده في المسلسلات،غالبا أهل الشارع كلهم هيجوا معها للجواهرجي، وهيقعدوا يزغردوا وينقوا هما.
أطرق يفكر وقد تذكر تلك المرات التي زار بها منزل دعاء، وكيف يقتحم جيرانها منزلهم دون أدنى احترام للخصوصية، كما أنه قد رأى فعلا تزاحم شديد لدى أحد محال الذهب ليكتشف أن كل ذلك الحشد لشراء شبكة إحدى العرائس.
تلعثم متخيلا حرج موقفه لو حدث هذا له بذلك المحل الشهير الذي ينوي شراء الشبكة منه: طيب أقول لها متجيبش حد غير مامتها.
غمغمت سلوى بحرج: ممكن تزعل وتفتكرك متكبر ومستعر من ظروفها، ومن غير تريقة والله، بس أكيد مامتها اللي كل فكرتها عن تجهيز المطبخ الالمنيوم، وكمان مسمياه المونية، ممكن تأثر عليها وتخليها تجيب غوايش عريضة تشخلل بيهم زي نعمة الله مرات عبد الغفور البرعي.
نظر لها مستنجدا، فهو لا يتخيل نفسه بموقف كهذا: طيب أعمل أيه.
صممت للحظات ثم زفرت بقوة وهي تقول بحسم: : زي ما قولت لك، تنزل تشتري الشبكة دلوقتي، وتعملها مفاجأة
هتف مستنكرا: وهي كده مش هتزعل أني نقيت الشبكة من غيرها.
تدخلت نجوى بالحوار الدائر لتجيبه ببساطة: أنت لما سألت باباها على الشبكة، قالك دي هدية منك ليها, ومحدش بياخد حد وهو رايح يجيب له هدية، وكمان أنت تجيبهلها حاجة قيمة وشيك، عشان ميتخيلوش أنك ما اخدتهاش عشان مستخسر، [تفكر للحظة] ممكن خاتم سوليتير.
صاح مستنكرا: لا طبعا، أنت عارفة ده يعمل كام، أنا مكنتش ناوي على حاجة غالية كده، خصوصا بعد ما قررت أني أفرش كله جديد، مش عايز أتقل على ياسين قوي.
لتتحمس سلوى لرأي شقيقتها: برافو عليكي يا نوجا، بطل عبط، ياسين عمره ما يستخسر فيك حاجة، وبعدين زي ما قالك، ابقى ردهم بعد ما تستلم ميراثك، ده غير أن أنا وهو ونجوى كنا ناويين نهادي العروسة في الشبكة، فبدل مانجيب كذا حاجة، خد الفلوس وجيب أنت سوليتير.
ابتسم للفكرة وهو يتخيل انبهارها بهديته، ولكنه قال بتردد: بس أنا مبفهمش في الحاجات دي.
ابتسمت سلوى بسعادة لموافقته: يا سيدي أنا أو نجوى نيجي معاك ونساعدك تنقي.
لتتفاخر نجوى بغرور مصطنع وهي تزيح تراب وهمي عن ملابسها: قلتلكم أنا الاستايلس هنا، قولي عامل كام ميزانية بس وأنا هابهرك.
ابتسم بسعادة وهو يتخيل بريق الماس بأعين حبيبته، مقتنعا برجاحة الفكرة، فهو يتمنى إسعاد حبيبته بقدر استطاعته، وها قد واتته الفرصة ليجلب لها جوهرة ثمنية تحتل إصبعها كما احتلت هي قلبه، فلم لا خاصة وهو يشعر أن حبيبته لا تستحق إلا أفضل الأشياء وأرقها.
❈-❈-❈
مساءا ببيت دعاء
جلس الجميع يحتسون الشاي بعد تلك الوجبة الدسمة، وهم يتبادلون اللأحاديث الودية.
ضحك ياسين بحماسة: تسلم أديك يا حاجة أهو ده الأكل ولا بلاش.
تمتمت والدة ياسين باستياء: بس البنات مكلوش.
ضحكت نجوى بمشاكسة: ماهو أنا كنت عايزة أعرف ده أيه علشان أكل وبعد ما عرفت بقى لا يمكن أكل، بس الفتة جميلة جدا.
نظر لها ياسر شزرا، مجاملا حماته بحماس: سيبك منها يا ماما، هي الخلة دي هتعرف قيمة السمين و الممبار والكوارع، طيب والله أكلة جامدة، والواحد بقاله سنين مكلهاش.
ابتسمت والدة دعاء بحرج: بألف هنا يا حبيبي، أنا والله بس فكرت أغير أصل الست سلوى مكنش في حاجة مش حاطها على السفرة، وقلت بقى أكلة سمين من المدبح هي اللي تجيب من الأخر.
ضحك ياسين بسعادة و بود حقيقي: والله فعلا جيبتي من الأخر يا حاجة، سيبك منهم هما الخاسرنين.
ضحكت سلوى بمجاملة: تسلم أيدك يا مدام، بس فعلا الفتة تحفة، وياسين وياسر قاموا بالواجب وزيادة.
ابتسم والد دعاء بعفوية: بألف هنا وشفا.
قاطع مجاملتهم ياسر وهو يخرج تلك العلبة المخملية الصغيرة من جيبه بحماس: أيه رأيكم بالمفاجأة دي، [يفتح العلبة ليظهر ذلك الخاتم القيم] أنا أشتريت الشبكة.
ظهرت الصدمة على أسرة دعاء بالكامل.
تمتمت دعاء بصدمة: أنت اشتريتها لوحدك.
بينما نظرت والدها للخاتم باستياء متمتمة بامتعاض: هي دي الشبكة.
أما والدها فنظر للخاتم بعدم رضا وهو يردد مجاملا: تعيش وتجيب يا ابني.
لتهتف نجوى بسعادة: أيه رأيكم في زوقي.
وأخرجت سلوى قسيمة الشراء متفاخرة: هو مرضيش يجيب دهب، وصمم على سولتير، طبعا كل واحد بيجيب مقامه.
غصت دعاء وهي تنقل بصرها بين القسيمة والخاتم بصدمة، بينما هتفت والدتها بصدمة: ده.
نظرت نجوى للوالدة بحرج وهي ترد بتأثر طفولي: أيه يا طنط مش عاجبك ذوقي ولا أيه.
لينهي الوالد الموقف بحسم وهو ينظر لزوجته محذرا: لا يا بنتي يسلم ذوقك، وأنا قلت من الأول، أن الشبكة هدية من العريس، وكل واحد يهادي بذوقه.
حاول ياسر أن يرسم الابتسامة على وجهه، بعد أن ضاعت فرحته برد فعل محبوبته ووالدتها: طيب يا عمي ناويين على الخطوبة امتى.
ابتسم والدها بسماحة: حدد أنت والعروسة الميعاد، واللي تتفقوا عليه ماشي.
لتندفع سلوى تدلي برأيها: أنا عارفة أن الشبكة عليكم والمفروض ترتبوها زي ما تحبوا، بس ياريت تبقى هنا على الضيق عشان الظروف.
استشاطت دعاء غضبا من تلك الكلمة التي ترددها بكل مناسبة بتعبيرات غامضة ثم تتبعها بتفسير يبدو مقنعا، فلم تعلق تلك المرة، وهي تنتظر تفسيرها هذه المرة فبداخلها بركان يغلي، ولن تستطع ربط عقال لسانها أن انفلت، ولم تخيب سلوى ظنها وهي تدلي بكلماتها الممنطقة كالعادة.
تنحنحت سلوى وهي تفسر رأيها لتلك النظرات المنصبة عليها ويبدو بعضها عدائيا: احنا لينا أهل ومعارف كتير في محافظات تانية، وكمان ناس كبيرة في السن، فمش هينفع يجوا دلوقتي ونرجع نعزمهم تاني بعد شهر ولا شهرين في الفرح، فبأقول نخلي العزومة في الزفاف وخلاص.
تمتم البعض يستحسن الفكرة وصمت البعض مستاءا وغير مقتنع، ليعود الوالد لحسم الجدل وإنهاء الموقف: عندك حق يا بنتي، خلاص حددوا الميعاد، وأنا هابلغ عمامها وخيلانها وبس، وتبقى اللمة والعزومة الكبيرة للحبايب والصحاب في الفرح بإذن الله.
عاد الجميع لتجاذب الحديث حول ترتيبات الخطبة، ولكن بعد أن سادت الشحنات السالبة المكتومة محل الود و التفاهم.
❈-❈-❈
بشقة ياسين مساءا
جلس ياسر مهموما متمتما بندم: دفعت أكتر من ضعف المبلغ اللي كونت محدده للشبكة وحاستها مفرحتش.
واسته سلوى بهدوء: هي ما فهمتش قيمته، بس لما طلعت لهما الفاتورة هما ما بقوش مصدقين نفسهم.
اعترض متوترا: يمكن والدتها، بس هي كان شكلها زعلان أني ما شاركتهاش، مش عارف رد فعلها لما تعرف أني كمان وضبت الشقة من نفسي، مش على ذوقها.
هزت كتفيها مستنكرة: وهي كانت هتفهم اكتر من مهندس الديكور، وبعدين كل حاجة أكتر من روعة، وتقريبا كله خلص مش ناقص إلا الفرش.
شرد قليلا ثم قال مفكرا: متهيألي الأحسن اخليها تقابل المهندس قبل ما نبدأ ننقي الموبيليا.
هتفت سلوى معترضة: لا طبعا، [لتستطرد شارحة] وتبقى عملت أيه، هي كانت هتدفع في الديكور والتجهيزات، هي المفروض تجيب تلات أوض، والاتفاق القديم عفاها من ده، لكن لما تروح تقولها غيرت كلامي وتعالي نقي موبيليا جديدة، يبقى بتطالبها بشكل غير مباشر بأنها تقوم باللي عليها.
تشتت تفكيره فقال متحيرا: طيب ماهي كده ممكن تزعل أنها منقتش الموبيليا.
صاحت بنفاذ صبر: يا سيدي ابقى راضيها وقولها أنك حبيت تفاجئها، [متنحنحة بحرج] و موبيليا أيه اللي تنقيها، دي مامتها مش عاجبها الخاتم ومستقلية بيه وبتقول عليه سوتيل.
أستاء من تعليقها ليحتد صوته لائما: حتى لو ظروفهم على قدهم، ده مش معناه أنها مش من حقها تنقي حاجتها.
تنحنحت بحرج وهي تقول بلين: أيوه يا يويو بس يعني الشبكة أهي في أيدها وسهل تتغير، ومش كتير هيشوفوها، لكن بيتك ده واجهة شخصية ليك، أكيد صحابك هيزوروك، ومينفعش تبقى أقل منهم، ده غير أنك بكرة تتوظف في البنك وزمايلك يزوروك وأكيد هيكونوا ناس مستوى، والموبيليا اللي اتفقنا مبدئيا عليها مع المهندس كده حاجة تشرف.
مط شفتيه متذمرا: بس بصراحة أنتم اخترتم حاجات غالية قوي.
ابتسمت بسعادة وهي تدلله: مفيش حاجة تغلى عليك، وبعدين ما أنا قلت لك الحاجة مش غالية هي بس مستوى، يعني مش أوضة نوم عادية كده ودولاب وكلام من ده، لا ده سرير ساوند سيستم، وهيعملك دريس رووم، [بحماس] ولا الكراسي الميكانيزم فيالليفنج، حاجة أخر روووعة.
ابتسم بسعادة وهو يتخيل شقته بهذا الرقي، وهو يفكر بأن أكيد دعاء ستسعد بها مثله، وأن ساءها عدم مشاركته الاختيار، فأكيد ستشكر له عدم إحراج أسرتها وإعفاءهم من حصتهم من التكلفة.
❈-❈-❈
بمنزل دعاء
نظر والدها لياسر باستياء وهو يقول بريبة: هو أنت حكايتك أيه يا بني بالظبط.
دهش ياسر وتسائل بحيرة: في أيه بس يا عمي.
زفر والدها بضيق ثم واجهه بصراحة: أنت كل ما أجيب لك سيرة العفش تزوغ، لا بدأنا نشوف الصنايعي اللي هيشد العفش ولا راضي تنزل أنت وخطيبتك تنقوا الوان القماش اللي هيتنجد بيه الانتريه والسفرة.
تلعثم ياسر وهو يرد مرتبكا: لا يا عمي بس لسه يعني….
قاطعه والدها مستاءا: بس يا بني لو غيرت رأيك وعايز تأجل للسنة الجاية، يبقى تجيني دوغري، ولو صرفت نظر عن الجوازة كلها وبتزهقنا عشان احنا اللي نسيب وتضمن شبكتك، فحتى لو أنت اللي سيبت هي حقك شرعا، واحنا ما بنقبلش الحرام، اقلعي الخاتم يا دع…
هلع ياسر مما وصل له الحديث واندفع مصرحا بالحقيقة: لا يا عمي، [صارخا بمحبوبته] أوعي تقلعي شبكتك يا دعاء، أنا بس كنت محضر مفاجأة ومش هانجد الفرش.
انصدم الجميع ليهتف والدها محتدا: يعني أنتوا هتدخلوا على العفش كده ولا ناوي على أيه.
نظر لدعاء يراقب رد فعلها عما يقوله: بصراحة أنا غيرت ديكور الشقة والموبيليا كلها، وكنت باحاول اكسب وقت، لحد ما مهندس الديكور يسلمهلي الأسبوع الجاي، وأخدكم أفرجكم عليها.
فغرت دعاء فمها بدهشة، بينما ارتفعت زغاريد والدتها، ليقاطعها صوت زوجها المستاء: ومقولتش ليه يا ابني أنك هتجهز، كنا اتفاهمنا وشوفنا كل واحد هيجيب أيه.
نظر ياسر لدعاء بحب: أنا مش عايز من حضرتك غير دعاء، أنا عملت كده عشان أفرحها.
صدمته دعاء حين نظرت له بحزن وقالت بصوت منكسر: بس أنا مش فرحانة يا ياسر.
غص حلقه وهو ينظر لحزنها بقهر: ليه كده يا دعاء.
اندفعت والدتها تشرع صوابع كفها بالهواء: الله أكبر الله أكبر، عين مين اللي رشقت بسرعة كده، ياريتني ما زغردت.
ليتحرك زوجها للخارج وهو يسحبها معه من يدها، ليترك ابنته تعبر عما داخلها بحرية.
اقترب ياسر منها يرمقها بمشاعر متخبطة، يشعر بالمرارة تغص حلقه، فهو يحاول إسعادها بكل قوته، ولكنها دائما غير راضية، تفسد فرحته وتضيع محاولاته هباء، بينما يتنازعه شعور أخر بلوم نفسه، متصورا بأنه يفسد الأمر ويسرق فرحتها ويتسبب بحزنها، ولكن سيطر حبه لها على كل مشاعره وهو يرى انكسارها، فلان صوته: أيه بس اللي مزعل القمر.
حاولت أن تهدئ وهي تتذكر توسل عيني والدتها لها أثناء خروجها، بألا تفسد الأمر: ياسر أنت مشبتشاركني في أي حاجة حتى شبكتي، وبتغير كل اتفاقتنا من دماغك ودايما حاططني قدام الأمر الواقع.
أسرع يدافع عن نفسه: لا طبعا أنا بس كنت باحاول افجأك وأسعدك، وكل حاجة غيرتها كانت للأحسن.
زفرت بضيق وهي تردف بانفعال: مين قال أنه الأحسن.
غمغم مندهشا من موقفها: أزاي يعني أنا جايب خاتم سولتير بتلات اضعاف تمن الشبكة، وفرشت الشقة على أعلى مستوى بدل الفرش القديم.
انسالت دمعة رغم عنها، واختنق صوتها بنحيب مكتوم: يمكن تكون الأحسن، بس أكيد مش الأنسب، يعني الخاتم ده غالي وكل حاجة، بس كل اللي حواليا شايفين أن شبكتي دبلة بأزازة، ولو كنت جيبت طقم بربع اللي دفعته، ونقيته أنا على ذوقي، كنت طيرت بيه من ، حتى الفرش القديم أنا شوفته ووافقت عليه، وكنت هاختار الوانه، مش الفرش الجديد اللي مش عارفة شكله ولا ذوقه.
انهارت كل مبرراته واستياءه وهو يرى دموعها فازداد اقترابا، دون أن يجرؤ على لمسها ليردف بحنان: حقك علي يا دودو، أنا مفكرتش كده، كل اللي فكرت فيه أني أفرحك وأجيب لك أحسن حاجة في الدنيا.
ارتبكت من اقترابه فابتعدت متنحنحة بحرج: أنا بس كان نفسي أفرح معك واحنا بنقي كل حاجة سوا.
ابتسم وهو ينظر لها برجاء: حقك علي، مش هاعمل كده تاني، وبالنسبة للموبيليا متقلقيش، أنا منقيها على ذوقي، وأنا ذوقي حلو قوي قوي، وبصي في المرايا لو مش مصدقاني.
ابتسمت بخجل، وقد قررت أن تكتفي بوعده المستقبلي، فلا تنكر بأنها سعدت بمفاجأته بتزويد شقتهما بأثاث جديد مميز كما يقول، كما أنها شاكرة له عدم إحراجهم، فبمفاجأتهم بالأمر عافاهم من حرج عرض مشاركة لن يستطيعوا تقديمها.
❈-❈-❈
بعد عدة أيام بشقة ياسر
تتجول أسرة دعاء لرؤية الشقة بعد انتهاء تأثيثها، تبدو نظرات الانبهار جلية بأعينهم، بينما أدعية التحصين والمعوذتين لا تنقطع على لسان والدتها.
انتهز هو فرصة خروج الجميع لمشاهدة غرفة أخرى، وتأخرها هي لتفحصها لإحدى قطع الأثاث بتركيز، ليقترب منها هامسا بهيام: عجبتك.
أمأت إيجابا بخجل، وقد انتبهت توا لإنفرادهما، فحاولت تجاوزه واللحاق بالجميع، فراوغها واعترض طريقها دون أن يمسها، مشاكسا: مش هاسيبك ألا لما تعترفي، أن ذوقي عجبك، وأن الشقة تحفة.
همست بكلمات لم يسمعها، فتنحنحت بخجل تحاول أن تصله كلماتها: كان عندك ح…..
قاطعت كلماتها الخجولة اندفاع نجوى وهي تصيح بحماس: كده تتفرجوا قبل ما أرجع من النادي، أنت الخسرانة هو مش عارف حاجة هنا ومش هيعرف يفرجك كويس [مدت يدها تضغط زر صغير فأضات مصابيح خفية موزعة بشكل رائع] أيه رأيك بقى في الأسبوت ده، عاملة لك حركات تجنن في كل الأوض، أيه رأيك في ذوقي.
ابتسمت ابتسامة مغتصبة وهي تهمهم باختناق: حلو قوي [ناظرة له بعتاب] ذوقك يجنن.
تهرب من مواجهة عينيها المعاتبة وهو يتنحنح بحرج: طيب يالا بينا نتفرج مع الجماعة على باقية الأوض.
اتبعوا الجمع ليلحقا بهم وهم يشاهدون المطبخ، الذي كان أكثر من رائع، ولكن كالعادة انطفأت فرحتها وهي تراقب حماس نجوى وهي تشرح كل تفصيل ومزايا كل أداة وكأنه مطبخها هي وهم ضيوفها، لتزداد صدمتها وهي تستمع لكلمات سلوى التي تلقيها ببساطة وكأنها أمر واقع: نجوى صممت أن المطبخ يبقى كامل من كله، مع أن دودو مش هتحتاجه أساسا، الأكل هيبقى عندنا على الأقل سنتين لحد ما تتخرج وتتفرغ للبيت.
غص حلقة دعاء وهي تغمغم بضيق: لا يا ساسو، مش هينفع نتعبك معنا.
ابتسمت سلوى بود: ولا تعب ولا حاجة يا قلبي، أم سليمان كده كده بتعمل لنا الغدا كلنا ومش وجبتك اللي هتتعبها، وأول ما تتخرجي عايزة تفضلي معنا هتنورينا، عايزة تستقلي براحتك، المهم نوفي بوعدنا لعمي، والجواز ميعطلكيش عن دراستك.
سعدت والدة دعاء كثيرا، فهي لا تتخيل أن ابنتها صارت من علية القوم، التي تقوم الخادمات عنهن بعبء الأعمال المنزلية، لتهتف بامتنان وحماس: ربنا ما يحرمها منكم، ولا يفرق ما بينكم أبدا.
نظرت دعاء لياسر تستجدي مساعدته لرفض هذا العرض الذي يثقل كاهلها، ولكنه تهرب من عينيها، فعرض زوجة أخيه كان بمثابة طوق نجا له من حمل ثقيل، فبالطبع لا يصح أن يستمر بتقاضي مصروفه من أخيه بعد زواجه، ونصيبه من الإيجار لن يفي بمصاريف دراستهما معا، بالإضافة لحياة كريمة لهما أيضا، خاصة وهو لم يعتاد على تحمل المسئولية، لذا فهذا حل مثالي، وأن لم يكن لعامين فعلى الأقل لعام واحد، حتى يستلم وديعته، ويتخرج ويعمل ويكون له دخل خاص.
انتبه من شروده ليجد أن الجميع قد سبقه لشقة أخيه، فقد أعد الغداء، ولكنه وجد دعاء تقف بين الشقتين تنظر له باستياء لخذلانه لها وتهربه من مساندتها، ثم اقتربت منه لتقف بمواجهته تعلنه بشكل حاسم: أنا مش هاعيش مع حد.
❈-❈-❈
لو مكان دعاء هتفرحوا بمفاجأة زي دي، ولا هتضايقوا زيها
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية اليمامة والطاووس)