روايات

رواية أنا لها شمس الفصل الثامن 8 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الفصل الثامن 8 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس الجزء الثامن

رواية أنا لها شمس البارت الثامن

أنا لها شمس
أنا لها شمس

رواية أنا لها شمس الحلقة الثامنة

دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحالي،إِسْتَنْبَطتُ أني عُدتُ لنقطة البداية لأكتشف من جديد أنَ لا مفر ولا نهاية.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي«روز أمين»
داخل منزل غانم الجوهري
تجلس منيرة فوق الأريكة الخشبية مربعة الساقين،تدقهما بكفيها منتحبة بعدما عادا نجليها وقصا عليها ما حدث من طرد نصر لهما وحرمانهما من الأموال التي بنيا عليها أحلامهما،رفعت بصرها تتطلع على نجلاها اللذان يقابلاها الجلوس منكسين رئسيهما لتقول بعويل:
-يعني الفلوس طارت خلاص يا عزيز؟
رفع رأسه ليهتف بغيظ وشر :
-فلوس إيه دي اللي طارت يا أما،ده أنا كنت أطير فيها رقبة بنتك
هزت رأسها بألم لتتحدث بدموعٍ وقهر:
-من يوم ما خلفتها وأنا عارفة إنها هتكون سبب شقايا ونكدي في الدنيا،لما ابن الحاج نصر اتقدم لها دونًا عن بنات البلد كلها، قولت لنفسي شكلك كنتي ظلماها يا منيرة وهي اللي هتبقى سبب سعدك، بس بعد كل اللي حصل عرفت إنها شؤم عليا وعلى ولادي
هب عزيز من جلسته ليقف بعينين تطلق شزرًا وهو يقول متوعدًا:
-وديني وما أعبد،لو مارجعت لجوزها الإسبوع ده بمزاجها، لاكون مرجعها في صندوق خشب ودافنها علشان ارتاح من عارها
-جرى إيه يا عزيز، ما توعى لحالك وتحـ.ـسس على الكلام اللي خارج منك… نطقها وجدي محملقًا ومنتفضاً لأجل شقيقته ليسترسل بغضبٍ حاد:
-أختك بمية راجل وعايشة بكرامتها وشرفها،وبعدين لما أخوها الكبير يتكلم عليها كدة الناس الغريبة هتقول إيه؟
لوى جانب فمه بابتسامة ساخرة ليهتف متهكمًا:
-هي الناس لسة هتقول يا سبع البرمبة،ما الكل كل وشنا بعد ما الهانم فضحتنا بقعادها لوحدها في مصر
-قطع لسان اللي يجيب سيرة بنتي بكلمة…انتبه الجميع موجهين رؤسهم نحو الباب ليتطلعوا على غانم الذي استفاق من غفوته على أصوات نحيبهم العالية ليسترسل بنبرة لائمة محملقًا بعزيز:
-الفضيحة عمرها ما كانت لبنتي، بنتي طلعت من بيت البنهاوية بكرامتها وشرفها،والكل كان شاهد على ولاد نصر التلاتة وهما رايحين جايين على بيتنا علشان يرجعوها وهي اللي رفضت واتطلقت،ولما خرجت من البلد خرجت مع أخوها اللي قعد معاها تلات سنين
ليستطرد وهو يشير بكف يده بين ثلاثتهم بصوتٍ يفيض منه خيبة الأمل:
-لحد ما اتفقتوا عليها مع نصر اللي جاب لـ أيهم تعيين هنا في كفر الشيخ علشان يزغلل عنيه بالوظيفة الحكومية والمرتب الكبير، نصر كان فاكر إنه بكده هضغط على بنتي وأرجعها علشان كلام الناس من قعادها مع نفسها
لوت منيرة فاهها لتهتف متهكمة:
-والشهادة لله إنتَ مقصرتش يا غانم،وبدل ما تعقلها وتخليها ترجع تعيش تحت جناح جوزها وفي حمايته هي وابنها، قويت قلبها ووقفت لاخواتها وهما رايحين يجبوها من شعرها
-إيه اللي جدد الكلام ده الوقت يا منيرة،مش كنا خلصنا منه…نطقها بحدة لتنطق هي بغضبٍ حاد:
-اللي جدده إن نصر طرد عيالك من الجبل بسبب عملة بنتك السودة مع ابنه،وقال لهم ملكمش عندي شغل إلا لما تحكموا على اختكم وترجعوها لجوزها
قالت كلماتها ليهتف هو بوجهٍ متهلل:
-بركة يا جامع اللي جت منه، المفروض تفرحي إن ربنا مش رايد لولادك قرش حرام يدخل في جوف عيالهم
رفع عزيز وجهه ليقول معترضًا:
–يا أبا تجارة الأثار مش حرام،كذا شيخ قالوا إنها لقية واللي يلاقيها يخرج منها خُمسها والباقي حلال عليه،وبعدين الحاج نصر راجل حاجج بيت الله وعمره ما يعمل حاجة حرام أبدًا
هتف غانم ناهرًا نجله:
-الحلال والحرام يعرفه ربنا يا اخويا، أنا اللي راعبني إن الحكومة لو شمت خبر هتيجي تشدكم على القسم وابقوا شوفوا مين ساعتها اللي هيأكل عيالكم
-فال الله ولا فالك يا أخويا…نطقتها منيرة ليقول وهو يشير لهم بلامبالاة:
-قوموا ريحوا علشان تناموا لكم شوية قبل الفجر ما يأذن
صعد عزيز وما أن ولج لباب مسكنه الخاص حتى هلع منتفضًا بجسده للخلف حينما رأى “نسرين”تقف خلف الباب بالظلام،حيث كانت تتسمع عليهم وعندما وجدته يصعد هو وشقيقه اسرعت للإختباء بمسكنها، هتف والهلع مازال يتملكه:
-إنتِ واقفة في الضلمة كدة ليه يا نسرين،قطعتي خلفي يا ولية
إرتسمت إبتسامة ساخرة علي شفتيها قبل أن تهز رأسها لتقول بتهكم:
-وإنتَ عاوز تخلف تاني ليه يا حبيبي،مش لما تبقى تعرف تأكل الثلاث عيال اللي حيلتنا تبقى تدور على غيرهم
زفر بضيق ليتخطى وقوفها وصولًا لغرفة النوم، لحقته بخطى غاضبة لتهتف بسخطٍ وهي تلوح بكفاها في الهواء:
-هي طول ما اختك في حياتنا هنرتاح ولا هنكسب…نطقتها باستشاطة تنم عن غضبها العارم، لتحتد ملامحها مع إتساعة لعينيها بحقدٍ وهي تهمس بفحيح:
-بقى تلات رجالة طُوال عُراض زيك إنتَ واخواتك،مش قادرين على حتة بت؟
خلع عنه جلبابه لتلتقطه من يده وتذهب لتعليقه ليهتف هو بحدة:
-عوزانا نعمل إيه يعني وأبويا حالف علينا اللي هيقرب لها ميخطيش البيت برجله تاني، وياخد عياله ويشوف له مكان برة
-عمي غانم راجل طيب،أخره كلمتين وخلاص
تسطح فوق الفراش لتستطرد هي بتحريض:
-طب ما تجرب تكلمها في التليفون وتجر معاها ناعم، إبلفها بكلمتين،مش يمكن دماغها تلين؟
احتدت ملامحه وامتلئت بالكراهية وهو يقول بازدراء:
-وهي دي حد يعرف يبلفها، دي بت دماغها سِم بتدور على الأذى منين ومنين، وليا أنا بالذات
هتفت بكراهية:
-بوز فقر من يومها، بقى فيه واحدة عاقلة تسيب العز اللي كانت عايشة فيه في بيت نصر البنهاوي، وتروح تشتغل حتة سكرتيرة بشوية ملاليم
واسترسلت بحقدٍ دفين ظهر بعينيها:
-دي عاشت مع عمرو أربع سنين كان بيتمنى لها فيهم الرضا،وراها فيهم دلع عمرها ما حلمت بيه، اشي ذهب واشي لبس أشكال والوان وسفريات، بس تقول إيه، فقر وعنطزة
نظرت إليه لتهتف بحقدٍ:
-لازم تتصرف وتكلمها يا عزيز، وإن مجتش بالحنية يبقى تاخد وجدي وتأجر عربية وتروحوا تجبوها بالعافية، إن شالله حتى تخطفوها
هز رأسه بضيق ليهتف مزمجرًا:
-ليكِ حق تقولي كده،أصلك مشفتيش اللي حصل، البت بقت إيدها طايلة والراجل اللي بتشتغل معاه واصل، دي حبست عمرو واترمى أربع أيام في الحجز ونصر بجلالة قدره وفلوسه المتلتلة معرفش يطلع إبنه
لوت فاهها ووضعت سبابتها فوق ذقنها لتهتف بعدما جالت بخاطرها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتة فكرة،هتخلي عمي غانم بنفسه هو اللي هيروح يجرها من شعرها ويوديها لعمرو بإيده
كان متسطحًا واضعًا ذراعيه خلف رأسه،قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-قولي يا ام العريف
إعتدلت لتتمدد بجواره مستندة بذراعها فوق الوسادة وهي تقول بابتسامة شيطانية:
-إحنا نطلع عليها إشاعة إنها على علاقة مع صاحب الشغل بتاعها علشان كده بيحميها
إبتلعت في جوفها ما تبقى من خطتها الدنيئة بعدما باغتها عزيز الذي هب من نومه ليخرج صوت صراخها الذي دوى بالمكان بعدما هوت يده على وجنتها تلطمها بقسوة لتنتفض برعب بينما قبض الأخر بقبضته الحديدية فوق عنقها ليهتف مزمجرًا بعينين تطلق شزرًا:
-هي مين دي يا بنت الكـ….. اللي على علاقة بمديرها
واستطرد بانتفاضة لأجل شرف شقيقته:
– طب إنطقي بس حرف من اللي قولتيه ده بينك وبين نفسك حتى وشوفي أنا هعمل فيكِ إيه
جحظت عينيها وباتت تقاوم بكفيها في محاولة بفكاك قبضته الفولاذية من فوق عنقها،شعرت بالإختناق وبأن روحها في طريقها للإنسحاب ليخرج صوتها مكتومًا وهي تقول بتوسُل:
-سبني يا عزيز،روحي هتطلع في إيدك
رمقها باحتقار قبل أن يدفعها للخلف بقوة لترتطم أرضًا،رفعت بصرها لتتلفت عليه بعينين جاحظتين ووجهًا شديد الإحمرار لتمسك سريعًا بعنقها تتحسسهُ وهي تسعل بشدة غير مستوعبة أنها مازالت على قيد الحياة بعدما كانت على أعتاب لفظ أنفاسها الأخيرة،
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهو ينهرها قائلاً بسخطٍ وازدراء:
-إطلعي نامي مع بناتك وبلاش تخليني أشوف خلقتك ليومين قدام، وده أحسن لك
قال الأخيرة مزمجرًا لتنهض مهرولة بفزعٍ للخارج دون أن تنبس ببنت شفة.
_____________________
تقلبت عزة بفراشها وهي تشعر لحاجتها بالذهاب إلى الحمام،نهضت لخارج غرفتها واتجهت لصوب الحمام لتتوقف متسمرة بعدما رأت تلك الجالسة فوق الأريكة بالظلام ملقية برأسها للخلف بإهمال، تحركت إليها لتتحدث مستفهمة:
-إيثار!
ظلت ساكنة لم يتحرك منها إنش سوى عينيها الحزينة وهي تنظر وكأنها تشتكي إليها مُر حالها،اقتربت عليها لتجاورها الجلوس ثم بسطت يدها تتلمـ.ـس وجنتها لتهمس بحِنوٍ ظهر بصوتها:
-مالك يا بنتي،إيه اللي مقعدك في الضلمة كده؟
وليه مانمتيش لحد الوقت؟!
همست بصوتٍ يوحي لمدى تألم روحها:
-مش عارفة أنام ويوسف بعيد عن حُضني
تنهدت بأسى وهي تقول لطمأنتها:
-هو يعني يوسف نايم في الشارع،ده عند أبوه، والشهادة لله اللي إسمه نصر والحرباية مراته بيعاملوه أحسن معاملة،والولد بنفسه بييجي من هناك يحكي ويتحاكي باللي بيعملوه معاه
-إنتِ مش فاهمة حاجة،البيت ده لعنة يا عزة،لعنة،محدش من اللي ساكنين فيه بيحب الخير للتاني،وأنا مش عاوزة إبني يدخل في وسط الناس دي …نطقتها لتنفلت منها دمعة نزلت على قلب عزة كمادة كاوية لتحرقه،جذبتها بأحضانها وبدأت تهدهدها كطفلة صغيرة مع طمأنتها ببعض الكلمات والمسح على ظهرها بحنوٍ مما هدأها لتستكين وكأنها كانت بحاجة ملحة لاحتواء احدهم ليخرجها من ظُلمة ليلها الدائم.
________
بنفس التوقيت
داخل الحديقة الخاصة بقصر المستشار علام زين الدين، يتحرك حول المسبح بطوله الفارع فاردًا جـ.ـسده وهو يتأمل سكون الليل ومظهر نجومه البديعة ،أغمض عينيه ورفع وجههُ للأعلى ليأخذ نفسًا عميقًا من الهواء النقي ويزفرهُ براحة مستمتعًا بالهدوء من حوله،قرب من فمه كوبًا من الشاي الساخن ليرتشف بعض قطراته متذوقًا إياه بتلذذ،ابتسم تلقائيًا عندما تذكر مشاكسته مع تلك الشرسة في الصباح ليضع يده على ذقنه ويحكها بتسلى وهو يتذكر وجهها الذي زاد إحمرارًا من شدة خجلها عندما كان يخبرها إكتشافه لقصة شرشبيل،أنطلقت منه ضحكة عالية ليقول بصوتٍ مسموع:
-ماشي يا أستاذة،عملالي فيها عميقة قوي بالنظارة الطبية اللي لبساها ومستخبية وراها طول الوقت، بس على مين، ده أنا فؤاد علام، وخلاص، حطيتك في دماغي ونويت أجيب أخرك،أما أشوف هتفضلي صامدة قدامي لحد امتى
انتفض بعدما استمع صوت شقيقته الذي صدح من خلفه وهي تقول متعجبة:
-إنتَ بتكلم نفسك يا فؤاد؟!
-إيه يا بنتي اللي بتعمليه ده، فيه حد يتسحب ويفاجيء الناس بالطريقة اللي تخض دي؟
رفعت حاجبها الايسر قبل أن تقول بمداعبة:
-واضح إن الباشا بتاعنا كان بيكلم نفسه وهو سرحان لدرجة إنه مسمعش بكعب الشوذ بتاعتي وهي بترن على الأرض.
هز رأسه ليقول مستسلمًا:
-أنا عارف إني مش هخلص معاكِ النهاردة ولا هعرف أسد قدامك، علشان كده بنسحب وبرفع الراية البيضا من أولها
ضحكت لتتحدث بكبرياء:
-وإيه الجديد، ما أنتَ في كل مناقشة لينا بترفع الراية البيضا وتعلن استسلامك
ابتسم ساخرًا ليرتشف من كوبه من جديد،لتسأله بمشاكسة:
-يا ترى إيه اللي شاغل بال سيادة المستشار ومسهره للوقت المتأخر ده؟
رفع كتفيه بلامبالاة لتسترسل متعجبة:
-قاعد في الجنينة لوقت متأخر وبتشرب شاي وبتكلم نفسك وعاوز تفهمني إن مفيش حاجة؟
ناظرها باستغراب ليقول بملاطفة:
– يعني أألف لسيادتك قصة علشان ارضي فضولك ولا أعمل إيه أنا؟
-خلاص ما تبقاش قفوش كده… نطقتها وهي تقترب عليه لتلقي بحالها داخل أحـ.ـضانه ليتلقاها مرحبًا بها وهو يلف ذراعه حولها محتويًا إياها ثم مال بطوله ليضع قُـ.ـبلة حنون فوق شعر رأسها، تنهدت براحة وهي تشعر بدفيء وحنان شقيقها الوحيد الذي بادر بسؤالها بنبرة عطوفة:
-إنتِ كويسة يا فيري؟
-أه يا حبيبي كويسة…نطقتها بهدوء ليعاود سؤالها باهتمام:
-ماجد عامل إيه معاكِ؟
لتجيبه بإيجاز:
-الحمدلله كويسين،ماجد إبن حلال وبيحبني
-وإنتِ ست البنات كلهم وتتحبي…قالها بافتخار، ابتسمت لتشدد من احتضانه لها قبل أن تقول بفضولاٍ ينهش بقلبها:
-مش هتقولي بقى إيه اللي شاغل دماغك؟
إنطلقت منه قهقهاتٍ عالية وهو يقول:
-مفيش فايدة فيكِ
ضحكت مع شقيقها لينسحبا للداخل كي ينال هو قسطٍ من النوم يريح به جـ.ـسده ويمده بالطاقة لاستكمال الغد.
__________________
بنفس التوقيت داخل محافظة كفر الشيخ
داخل مسكنه الخاص الذي جمعه بإيثار، حيث تركه بكل ما فيه لحين عودتها المنتظرة، فحينما تزوج من تلك السُمية جهز له والده الشقة المقابلة لمسكن إيثار وترك الاخرى لحين عودتها الأكيدة بالنسبة لهم
كان يتسطح فوق فراشه الذي جمع بينه وبين حبيبته الاولى بل والاخيرة،محتضنًا صغيره الغافي بين أحضانه،مكبلاً إياه يشتم عبيرها من خلال عبير صغيره الأغلى على الإطلاق،نظر للغرفة يتطلع بكل ركنًا بها متذكرًا ليلة زواجه السعيد بها،ابتسم وهو يتذكر أسعد ليلة مرت بسنواته أجمع،تنهد بألم وعاد بذاكرته للخلف
إنتبااااه
«عودة لما مضى»
ببهو منزل نصر البنهاوي،يجلس مجاورًا زوجته يلتف حوله أبنائه الثلاث،طلعت وحسين ومدلل العائلة عمرو الذي تحمحم وهو يقول:
-أنا عاوز اتجوز
التفت إليه الجميع وإجلال التي تهلل وجهها لتسألهُ متلهفة:
-أخيرًا ربنا هداك
تطلع إليه نصر ليسألهُ باهتمام:
-حاطط عينك على بنت مين؟
ابتسمت إجلال بغرور لتقول بيقين:
-أكيد بنت الحاج عبدالسلام صاحب مصنع العلافة، بصراحة البت زي القمر،من يوم ما شفتها أنا وعمرو عند دكتور الأسنان وأنا عارفة إنها عجبته
لتستطرد ذات مغزى وهي تضحك:
-خدت بالي يومها إنك مارفعتش عينك من عليها طول القعدة،وعلشان كدة كلمتك عنها وقولت لك فكر في الموضوع
ابتسم نصر ليقول باستحسان:
-الحاج عبدالسلام نسب يشرف،راجل كبير عيلته وأصل وجاه ومال
تحمحم ليقول على استحياء منتظرًا ثورة والديه:
-أنا اخترت واحدة قلبي مال لها، وحاسس إن هي دي اللي هتسعدني، بعيد عن حسابات العيلة والفلوس
ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب ثغر طلعت حين قال متهكمًا:
-طالما قولت البوقين الحمضانين دول يبقى أكيد اخترت بنت أفقر واحد في البلد
بينما ضحك حسين ليكمل على حديث شقيقه:
-مايبقاش عمرو لو معملش كده
ضحك الشابان لترتسم علامات الغضب على وجه الاخر لسخرية شقيقاه منه لتهتف إجلال بنبرة ساخطة بعدما رأت عبوس وجه غاليها:
-كفاية إنتَ وهو،ده مش وقت هزار
لتسترسل بنبرة جادة:
-إخترت مين يا عمرو؟
تطلع عليها وكأنها قارب النجاة ليهتف سريعًا بلمعة بعينيه:
-إيثار، بنت عمي غانم الجوهري
زفرة قوية خرجت من صدر نصر وبات يرمق ولده بخيبة أمل بينما تهدل كتفي إجلال بيأسٍ ليهتف طلعت متهكمًا بتشفي:
-شوفتوا، علشان بس تبقوا تصدقوا كلامي
-هو أنتَ يا ابني عاوز تشلني،إنتَ مش عارف إنتَ إبن مين في البلد…كلمات نطقها نصر بإحباط ليستطرد بتعالي وتجبر:
-بقى عاوزني أنا،الحاج نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب،صاحب الأطيان والمصانع، أروح اهز طولي وأدخل بيت غانم وكمان أطلب نسبه؟!
-أنا بحب البنت ومش قادر أشوف واحدة غيرها مراتي…نطق كلماته بعينين لامعتين بالعشق ليضحكا شقيقاه مستهزئين بمشاعره بينما هتف نصر بتجبر:
-حبك برص يا اخي،هو اللي زيك بيعرف يحب، ده انتَ كل يوم مع واحدة شكل
ابتلع لعابه خجلاً ليسترسل الأخر بإبانة:
-لتكون فاكرني نايم في العسل ومش دريان بمشيك العوج مع البنات والنسوان الزبالة اللي مخلص فلوسي عليهم
هتف سريعًا بنفي:
-أنا مسحت كل ارقامهم من عندي وبطلت أشوف حد
ليسترسل متوعدًا برجاء:
-أنا مبقتش عاوز ولا شايف من الستات غير إيثار، ووعد مني لو وافقت على جوازي منها هتشوف عمرو تاني عمرك ما شفته
نكست إجلال رأسها لتهمس بنحيب:
-يا خيبة أملك في إبنك يا إجلال، قال وانا اللي كنت حاطة أمل عليك
ناظرها بعينين لائمتين لتسترسل:
-هي البت حلوة مقولناش حاجة، بس الحلاوة مش كل حاجة ،إنتَ ابن الحاج نصر وستهم، يعني يوم ما تختار لازم تحط اسم عيلتك قدام عينيك
هب واقفًا ليقول بنبرة حادة:
-أنا لا يهمني عيلة ولا غيرو، كل اللي يهمني إني أكون مرتاح للست اللي هعيش معاها
-وانا مش موافق يا عمرو…نطقها نصر بجبروت لينطق الاخر بعناد:
-وانا مش هتجوز غيرها يا بابا
قال كلماته وخرج كالثور الهائج تاركًا نصر الذي هاج وبدأ بسبه بأعلى صوته لتسرع إليه إجلال في محاولة لتهدأته، مرت ثلاثة أسابيع ترك بهما عمرو منزل أبيه وأخذ من المزرعة سكنًا له تحت محاولات إجلال المستميتة لعودة مدللها للمنزل لتبوء جميعها بالفشل في محاولة منه للضغط عليها وبالاخير رضخت إجلال تحت عزيمة نجلها واجبرت نصر على الموافقة في سبيل إسعاد نجليهما،تمت الخطبة تحت سعادة عائلة غانم الهائلة واحباط كلاً من نصر وإجلال،حاولت سمية الإيقاع بين إيثار وعمرو بعدما بحثت ورائه وعلمت تاريخه المشين وعلاقاته المتعددة بالفتيات والنساء،غضبت إيثار وحاولت حل الخُطبة لتقابل سيلاً من السباب من عزيز ووالدتها فصارحت عمرو بما وصلها ليعترف لها بصحة ما وصلها عن ماضيه واخبرها بأنه تغير ووعدها بأنها ستكون ملكة على عرش قلبه فلمست الصدق من حديثه وبرغم محاولاتها بالإبتعاد عن تلك الـ سُمية لما رأته من حقدًا دفينًا لها بكل تصرفاتها مؤخرًا إلا أن الاخيرة كانت تُقحم حالها اكثر بحياتها
تم تحديد موعد الزواج سريعًا باجازة السنة الثالثة لها بالجامعة بناءًا على إصرار عمرو الذي بات يذوب بها وما عاد له التحمل أكثر على الإبتعاد
واليوم هو يوم الزفاف، صعدا العروسان بعد إنتهاء حفل الزفاف الأسطوري الذي أقامه نصر لنجله الصغير
خطت بجانبه لمسكنهما بثوب زفافها الرائع الذي أبهر الجميع وجعل منها كـ ملكة بـ ليلة تنصيبها،ناهيك عن جمالها الفاتن الذي خطف الابصار وحولها إليها،أغلق الباب لينظر إليها بنظراتٍ يملؤها الغرام والاشتياق، مد يده يتلمسُ بها بشرة وجنتها الناعمة لينتفض جسدها مع إنزالها لعينيه أرضًا من شدة الخجل، ابتسم بسعادة وأمسك ذقنها ليرفعها وتقابلت الأعين لتذوب بالغرام الناطق بداخلهم،مال على شفتها ليلثمها بحنوٍ ورقة أثارتها وجعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها، ابتعد قليلاً ليخرج صوته متحشرجًا من جراء حلاوة اللحظة:
-نورتي بيتك يا حبيبتي
اكتفت بابتسامة خجولة ليسألها بصوتٍ حنون:
-مبسوطة يا إيثار؟
هزت رأسها بإيجاب ليبتسم بسعادة ليهم بحملها لتلف هي ذراعيها حول عنقه بخجلٍ وتحرك بها داخل حجرتهما الخاصة ليعيد غلق الباب بقدمه متقدمًا نحو الفراش ليضعها بحرصٍ شديد وكأنها فراشة رقيقة يخشى تكسُر اجنحتها، مال عليها وبدأ بتقبيلها بنعومة أثارت كليهما لينهض سريعًا وبدأ بخلع حلة بدلته وفك ربطة عنقه ليطرحهما أرضًا، انتفضت لتجلس وهي تراه يتجرد من ثيابه بطريقة ارعبتها لتتحدث وهي تفرق كفيها ببعضيهما:
-إحنا محتاجين نغير هدومنا ونصلي الاول يا عمرو
اقترب عليها ليغمرها بأحضانه هامسًا بجانب أذنها للتأثير عليها:
-خلي الصلاة بعدين يا حبيبتي، أنا مشتاق لك قوي ومش هقدر أستنى
ابتعدت ونفضت يديه لتتحدث بجدية تحت إصرارها ببدأ حياتها بالصلاة للحصول على مباركة الله بحياتهم:
-مينفعش يا عمرو، لازم نصلي الأول علشان ربنا يبارك لنا في حياتنا
قطب جبينه متطلعًا عليها باستغراب،أي صلاة تتحدث عنها تلك الغائبة عن الوعي،ألم تشعر بناره الشاعلة التي أوقدتها بقربها المهلك منه،لم تكن الصلاة تشكل شيئًا مهمًا لدى عمرو الذي عاش حياته بأكملها لم يرى والده يركع لله سوى بيوم الجمعة عندما يجمع أبنائه الثلاث كـ روتينًا إسبوعيًا ويذهب بهم إلى مسجد القرية ليلتف الجميع حوله بتملق ثم يعودوا للمنزل لينتظر الجمعة التالية وهذا كل ما يربطه بالصلاة
امسك كفها وتحدث بعينين يفيضان عشقًا:
-طب ممكن علشان خاطر حبيبك عمرو نخلي الصلاة بعدين
تأثرت بعينيه ورق قلبها لنظراته المتوسلة وبرغم هذا أبت وأصرت على موقفها حيث اقتربت عليه تتلمس وجنته بجرأة لا تعلم من أين مصدرها لتتحدث أمام عينيه:
-علشان خاطري إنتَ خلينا نصلي وبعدها هكون تحت أمرك
انتفض قلبه من لمستها ونظراتها التي أخبرته بأنها أيضًا وقعت أسيرة عشقه،وافقها الرأي وبالفعل أبدلا ثيابهما وتوضأ ليصلي بها وبعد الإنتهاء التف إليها وساعدها بخلع ثيابها نظرت له بخجلٍ تحت سعادته،لمس يتحسس شعرها وهو يخبرها:
-شعرك حلو قوي يا إيثار،كل حاجة فيكي حلوة قوي
تبسمت وهي تطالعه بخجل ليوعدها وهو يطالعها بعينين مسحورتين:
-على فكرة،أنا بحبك فوق ما تتخيلي،وحبي ده هتعرفيه في تصرفاتي ومعاملتي ليكِ
ليستطرد وهو يتلمس بشرة جسدها الناعم:
-أنا هعيشك ملكة،وهخلى البلد كلها تحسدك على حب جوزك ليكِ
تنفست بهدوء لتتحدث بابتسامة سعيدة:
-أنا متأكدة من حبك ليا يا عمرو،أنا شفت حبك في عنيك
ابتسم بسعادة لتسترسل هى برجاء:
-أنا بس ليا عندك طلب واحد
-إنتِ تؤمريني يا روح قلبي وطلباتك كلها هتبقى تحت رجليكِ
-بلاش توجعني يا عمرو…نطقتها بعيون متوسلة لتسترسل بألمٍ يسكن قلبها:
-أنا عارفة إنك كنت بتعرف بنات كتير قبلي
قطع حديثها ليقول:
-مش أنا قولت لك إن كل ده كان قبل ما أعرفك ووعدتك إني عمري ما هرجع للسكة دي تاني؟
-وأنا مصدقاك وواثقة فيك،ارجوك،بلاش تكسر الثقة وتخليني اندم…كلماتٍ نطقتها بتمني قابلها باتسامة ووعدٍ وبعدها أقبل عليها حاملاً إياها لينزلها ببطيءٍ فوق فراشهما السعيد الذي شهد على لقائهما الحالم ليتحول لثورتهما الأولى حيث أذاقها ذاك الخبير بتلك الأمور ما لم يكن يخطر ببالها ليسحبها معه لعالمٍ لم تكن تتخيل بوجوده من الاساس وبدأ يُذيقها على يده جمال الغرام ليرتشفا كلاً منهما من بحر عسل الاخر بتلهف واشتياق.
باليوم التالي
فاقا العروسان من نومهما بقلوبٍ ترفرف كطيورٍ من شدة سعادتها،ارتدت إيثار عبائة مطرزة باللون الوردي وجحابًا مماثلاً مما زاد جمالها اضعافًا، وقامت بوضع بعض زينة الوجه الخفيفة لتنزل الدرج بجانب عمرو الذي تشبث بكفها بقوة واحتواء، كان يجاورها النزول رافعًا رأسهُ للأعلى بتفاخر وكأنهُ حصل على أغلى الجوائز، رفعت إجلال رأسها تتطلع على صغيرها وهو يتأمل تلك الفتاة المجاورة له بتأمل وعشقٍ ظاهرًا للأعمى،لا تعلم لما شعرت بالغيرة حينما لمحت كفه القابض برعاية على خاصتها،تنفست بضيق ليصلا العروسان إلى الجميع لتتعالى الزغاريد من عاملات المنزل وأيضًا “ياسمين”و”مروة” زوجتي طلعت وحُسين اللتان اتيتا من المطبخ،وقف الجميع وبدأوا بالترحيب بهما، أقبلت على نصر لتصافحة قائلة:
-صباح الخير يا عمي
-صباح النور، مبروك يا عروسة…قالها بملامح وجه جامدة كعادته مع الجميع اتجهت لـ إجلال لتتعجب لملامح وجهها المكفهرة،تجاوزت الأمر وبسطت يدها للمصافحة باغتتها الاخرى برفع ظهر يدها وتقريبه من فم إيثار استعدادًا لتقبيله،نظرت لها باستغراب ليتحمحم عمرو بعدما رأى علامات التعجب على وجه حبيبته ليهم مقتربٕا بجوار عروسه ليتناول هو كف إجلال ويقوم بوضع قُبلة حنون عليه واقترب محتضنًا إياها ليهمس بجانب اذنها برجاء:
-أبوس إيدك يا ماما تعدي اليوم على خير،ولا إنتِ عاوزة تنكدي على عموري حبيبك في يوم زي ده
قال كلماته التوسلية وابتعد ليراقب ردة فعلها وجدها تتنفس بضيق وهي تكظم غيظها بصعوبة لأجل نجلها لتمد إيثار يدها من جديد للمصافحة قائلة بابتسامة هادئة:
-صباح الخير يا ماما
-إسمي “ستهم”…نطقتها باستعلاء لتكمل وهي تضع كف يدها بخاصتها:
-من هنا ورايح تقولي لي يا” ستهم” زيك زي ياسمين ومروة
-حاضر… نطقتها باستحياء وخجل لتهتف الاخرى بتجبر:
-حاضر يا إيه؟!
ابتلعت ريقها وتمنت لو بإمكانها الإختفاء من أمام تلك المتجبرة لتقول برضوخ:
-حاضر يا” ستهم”
ابتسمت بتجبر لتأمرها:
-إدخلي إتفرجي على المطبخ مع سلايفك على ما عمرو يشرب الشاي مع الحاج وأخواته
نظرت تطالعه باستنجاد ليطمأنها بعيناه فانسحبت تجاور نسرين ومروة وما أن ولجوا للمطبخ حتى تنفسا بصوتٍ عالي وكأنهما كانتا تكظمان أنفاسهم،تحدثت مروة بطمأنينة:
-متزعليش من ستهم، هي تبان تخوف وترعب…نطقتها بملامح وجه مرتعبة لتنتفض مصححة حديثها خشية من أن يتسمع عليها أحد:
-بس طول ما انتِ بتسمعي كلامها وتنفذيه بالحرف مش هتشوفك أصلاً
-أما بقى…قالتها بوجهٍ لا يبشر بخيرٍ لتقطع حديثها ياسمين التي هدرت بها:
-مخلاص يا مروة، إنتِ هتخوفيها من أولها ليه؟
-أنا بوعيها علشان متقعش في اللي وقعنا فيه قبلها… قالتها مروة بصدقٍ تحت ارتعاش جسد إيثار التي تيقنت من دخولها لمنزل الاشباح ،سحبتها ياسمين من رسغها لتجلسها فوق مقعدًا وتقابلها الجلوس حول الطاولة المستديرة المتواجدة بالمنتصف وهي تقول بتوعية:
-بصي يا إيثار، أهم حاجة ماتحاوليش تقربي من أي قاعدة بتجمعها بجوزها وولادها، زي ما شوفتيها من شوية كدة وهي بتطردنا بصنعة لطافة
بتطردنا؟!…قالتها بملامح وجه مزبهلة لتهتف الاخرى ساخرة:
-لهو انتِ كنتي فاكرة إنها عاوزة تفرجك على المطبخ بجد؟!
قطبت إيثار جبينها بعدم استيعاب لتقول مروة بصوتٍ ساخر وهي تدق بيدها على الطاولة:
-دي من النهاردة هتكون قعدتك، مكانك في البيت ده هو المطبخ،هتقومي كل يوم من الساعة ثمانية الصبح، تنزلي على هنا، هنجهز فطار للرجالة وستهم وبعدها نغسل المواعين ونبتدي نجهز للغدا لحد ما الرجالة تيجي ونغرف لهم ونطلع الاكل بنفسنا، ممنوع اي خدامة تبص ولا تشوف الأكل ولا تدخل المطبخ من أصله، هي مبتحبش حد غريب يبص في أكل عيالها، الخدامات هنا للمسيح والتنضيف والخبيز وزريبة البهاييم وبس، أما المطبخ ده مكان متحرم علي أي حد خارج أهل البيت
قالتها مروة بتذكير لتكمل الوصايا السبع:
-المهم،الرجالة وستهم بياكلوا في أوضة السُفرة
كانت تستمع لكلتاهما بفاهٍ فاغر وعينين متسعتين بذهول لتسألها مستفسرة:
-طب وإحنا؟
انتقلت ببصرها سريعًا ليد مروة التي صدحت بدقها فوق الطاولة لتقول بسخطٍ مفتعل:
-إنتِ فهمك بطيء يا بت يا إيثار ولا إيه،أنا مش لسة قايلالك إن مكانك في البيت هنا
دب الرعب بأوصالها ليقطع انتباهها لكلتا العجيبتين دخول عمرو الذي انتشلها صوته الحنون حين قال:
-يلا يا إيثار علشان نطلع شقتنا
التفت إليه سريعًا لتهب واقفة وبلمح البصر كانت تتشبث بذراعه كطفلة ليطالعها قائلاً بتوجس:
-إنتِ كويسة
اكتفت بهزة سريعة من رأسها ليمط شفتيه للأمام وتحرك مصطحبًا إياها لخارج المطبخ، نظرت مروة إلى ياسمين لتقول بنبرة ساخرة:
-البت شكلها اتصدمت
تنهدت ياسمين لترجع بظهرها للخلف وهي تقول:
-دي اللي هتدوقه على إيدين ستهم هيخليها تمشي تتلفت حوالين نفسها زي المجنونة،دي خدت منها ننوس عينها،ده غير إنها مكنتش موافقة على دخولها البيت من أصله
-يلا، نصيبها كده…قالتها مروة وهي تتناول كوب الشاي الموضوع أمامها لترتشف منه.
صعدت بجانب عمرو وما أن خطت لمسكنها حتى باغتها بجذبه لخصرها ليقربها منه قائلاً وهو ينظر لشفتاها باشتهاء:
-وحشتيني يا قلبي
ابتسمت بتيهة ليسألها متعجبًا:
-مالك يا حبيبتي؟!
نظرت إليه بتعمق قبل أن تنطق بارتباك:
-مامتك شكلها صعبة قوي يا عمرو
-هي تبان صعبة بس صدقيني قلبها أبيض وطيبة…نطقها مفسرًا ليسترسل وهو يقطف قبلة سريعة من شفتيها:
-وبعدين إنتِ بالذات متخافيش، ده انتِ مرات الغالي عند ستهم، ومحدش يقدر يمسك بكلمة طول ما أنا جنبك
ابتسمت بخفوت ثم باغتته بسؤالها:
-هو أنتوا صحيح الرجالة بتاكل لوحدها والستات في المطبخ؟
هز رأسه بإيجاب ليقول سريعًا كي لا يحزنها:
-مش عاوزك تقلقي من النقطة دي،أنا خلاص مبقتش قادر أستغنى عنك، دول الخمس دقايق اللي قعدتهم تحت من غيرك كنت هتجنن فيهم
واستطرد ليطمأنها:
-انا هكلم ماما وهخليها تغير الوضع ده
لف يداه حول خصرها ليجذبها إليه أكثر وهو يقول بافتخار:
-البرنسيسة إيثار مكانها عمره ما هيبقى المطبخ، البرنسيسة إيثار مكانها جوة قلبي وتاج على راسي
زادت ابتسامتها لتجعل من وجهها مثيرًا تنهد بعشقٍ ليحملها ويتجه بها سريعًا صوب غرفتهما ليغوصا معًا من جديد داخل بحر عسليهما
«عودة للحاضر»
استفاق من خياله وبات يتطلع من حوله على تلك الغرفة ذاتها التي شهدت على أسعد وأجمل لحظاته وأيامه التي عاشها معها ليهبط ببصرهِ إلى قطعة روحها الغالية والغافي بين أحضانه،مال بشفتاه يلثم وجنته الرقيقة وهو يشتم رائحة جلده الذكية التي تذكرهُ برائحة محبوبته العطرة، تنهد بألم ينهش بقلبه ليحاول غلق عينيه لينال قسطٍ ولو بسيطًا كي يستيقظ مبكرًا لإكمال يومه من بدايته مع صغيره الغالي
__________________
صباحًا
انتهت من صلاة ركعتي الصباح ووقفت تلملم سجادة الصلاة ثم شرعت في ارتداء ثيابها العملية إستعدادًا لذهابها للشركة،صدح صوت هاتفها الجوال لتنتبه عليه، ضغطت زر الإجابة بعدما وجدت رقمًا غير مسجل لاعتقادها أنهُ أحد العملاء الخاص بالعمل، فوجئت بصوته الحاد وهو يقول بنبرة ساخطة:
-يا رب تكوني مرتاحة بخراب بيتنا يا بنت أبويا
زفرت بضيق واستغفرت ربها طالبة منه العون على تحملها لكل تلك الاحداث التي تتعرض لها حدثًا تلو الأخر، لتقول بصوتٍ يائس:
-إتفضل كمل، أنا سمعاك
لتستطرد باستسلام:
-قول لي قد إيه أنا إنسانة بشعة وخربت لكم حياتكم ودمرتها، قولي إنكم من غير وجودي كانت حياتكم هتبقى وردي، وإني شؤم عليكم ووجودي مجبش معاه غير الخراب زي ما ماما دايمًا بتقول
-إنتِ بتتريقي، طب إيه رأيك إن كلام أمك كله طلع صح، لما الحاج نصر يلغي شغل بينا أنا والمسكين وجدي بسببك، ده تسميه إيه؟
واسترسل مستنزفًا لمشاعرها:
– أنا ووجدي كان هيطلع لنا مبلغ من ورا الشغلانة دي يعيشنا مستورين إحنا وعيالنا وأبوكِ الغلبان
توقف ليكمل متهكمًا ليقحمها بدائرة الشعور بالذنب:
-لكن إزاي ده يحصل وإيثار موجودة، وكأن لعنتك على رأي أمك لازم تطول الكل
باغتته بسؤالاً متهكمًا:
-وإيثار بقى دخلها إيه في الموضوع ده يا عزيز؟
ولا يكونش أنا اللي روحت قولت لنصر يلغي الشغل اللي بينكم وأنا معرفش!
-الحاج نصر حط شرط رجوعك لجوزك قصاد شغلنا معاه يا بنت أبويا…نطقها بصوتٍ ضعيف كي يستجدي تعاطفها ورضوخها لكنها باغتته بصوتها المعترض الحاد:
-أولاً أسمه طليقي مش جوزي
واستطردت بريبة:
-نيجي بقى للسؤال الاهم يا عزيز، شغل إيه ده اللي جمعك إنتَ و وجدي بنصر، أكيد شُغل شمال ومش قانوني، مهو اللي اسمه نصر جمع ثروته دي كلها من الشغل الشمال، وان شاء الله نهايته هتكون أسود من قلبه
كان يستمع لحديثها قابضًا على كف يده بقوة من جراء غيظه، لم يدري لما دائمًا حديثها ورؤيتها يثيرا حفيظته،لكنه الأن مجبرًا على مجاراتها بالحديث اللين كما نصحته نسرين، ليقول بنبرة حاول جاهدًا بخروجها هادئة كي لا يثير غضبها ويستدعى تمردها المعتاد:
-إسمعيني يا بنت أبويا،أنا لأخر مرة بكلمك بالحسنى وعامل خاطر للدم اللي بينا
كانت تستمع له بابتسامة ساخرة مغلفة بالألم ليستطرد هو بتهديدٍ خفي:
-بعد كده متلوميش غير نفسك لأنك هتكوني السبب في أي حاجة تحصل لك إنتِ أو إبنك
ضحكت لتقول ساخرة:
-من ناحية إبني وده اللي يهمني في الموضوع كله فأنا مطمنة جداً،لاني متأكدة إنك أعقل من إنك تعادي نصر البنهاوي وتأذي حفيده
-ومين قال لك إني هأذيه ولا هتحرك خطوة واحدة من غير عِلم نصر…ضيقت عينيها لعدم استيعاب لحديثه المبهم ليسترسل بدهاء بما دب الرعب بأوصالها:
-أنا كل اللي هعمله هخلي المحامي يقدم للمحكمة طلب ضم حضانة يوسف لجدته منيرة حسب القانون ما بيقول
ابتلعت لعابها رُعبًا ليستطرد هو بخطة شيطانية قد حبكها بمخيلته بعدما لجيء إلى محامي ببلدتهم للاستعلام عن تفاصيل القضية لتهديدها:
-مش بردوا القانون بيقول إن الأم لما تبقى شغالة وطول اليوم برة البيت ومهملة في تربية إبنها اللي يدوب كمل ست سنين، الحضانة بتتنقل لجدته؟
واستطرد بابتسامة خبيثة:
-وبكده الحاج نصر مش بس هيرجع لاتفاقنا القديم معاه، ده احتمال يديني قد اللي كان هيدهوني تلات او أربع مرات، ويشكرني أني رجعت له حفيده في حضنه وفي وسط بلده وعزوته والراجل مش عاوز أكثر من كده
نطقت بصوتٍ جاهدت بظهورهُ متزنًا:
-ماتلعبش معايا اللعبة القذرة دي لأنك عارف كويس إني هقدم للمحكمة الأوراق اللي تثبت إن حالة جدته المادية لا تسمح لتربيته،ده غير إني موفرة لإبني مرافقة قاعدة معاه طول الوقت اللي بغيبه عنه في شغلي
-تفتكري إن الحاج نصر هتعدي عليه حاجة زي كده؟…نطقها ليرهبها لتسأله مستفهمة:
-تقصد إيه؟
ابتسم بخبثٍ بعدما تيقن بارتعابها من جراء نبرة صوتها المهتزة:
-أقصد إنه عنده استعداد يهد لنا البيت ويبني مكانة قصر علشان لما المحكمة تبعت مندوبها تلاقي كل حاجة تمام،وكل ده لجل عيون الحفيد إبن الغالي…نطق الاخيرة بابتسامة شامتة لتصرخ هي بكامل صوتها بعدما فقدت السيطرة على ثباتها:
-طب إسمعني كويس قوي يا عزيز علشان كلامي مش هعيده تاني، ماتحاولش تتحداني وتأذيني في ابني، علشان اللي هيقرب من ابني هنهش لحمه بسناني، حتى لو كان غانم الجوهري بنفسه، إلا ابني يا عزيز، إلا يوسف
ضحك ساخرًا لتهتف هي بقوة مصدرها مؤازرة أيمن الدائمة لها:
-وبلاش تتسند قوي على نصر لأنه جنب الناس اللي ورايا حيطة مايلة هتاخدك وتقع، واظن إنتَ شوفت بنفسك اللي حصل مع ابنه،نصر بجلالة قدره مقدرش يسد قدام الناس اللي سانديني، فبلاش إنتَ كمان تقف قصادي علشان إيثار الغلبانة بتاعة زمان مبقاش ليها وجود، واللي هيقرب من ابني همحيه من الوجود، إنتَ سامع
-ده أنتِ فجرتي ومبقاش هامك حد،إنتِ إزاي يا بت تكلمي أخوكِ الكبير بالطريقة دي… نطقها بغضبٍ عارم لتهتف ساخطة:
-وعاوزني أكلمك إزاي وإنتَ بتهددني بابني ومستقوي بالناس اللي قهروني وظلموني
لتسترسل بصوتٍ يئن ألمًا:
-الأخ الكبير يعني الحماية والسند، يعني الحضن الحنين لما الدنيا تضيق، إنتَ بقى فين من كل ده يا عزيز، إنتَ لا عمرك كنت سند ولا حماية، ولا عمري دوقت لحضنك طعم
لتستطرد بألم ينهش بداخلها:
-علشان خاطر ربنا سيبني في حالي يا عزيز،أنا مش عاوزة منكم أي حاجة غير إنكم تسيبوني أعيش مع ابني في سلام
-تبقى بتحلمي لو فكرتي اني ممكن اسيبك قاعدة لوحدك في مصر بعد النهاردة، دي الناس كلت وشنا…نطقها بحنقٍ لترد عليه بنبرة متألمة لتذكرها لماضيها الأليم وإجبارها على الهجرة للقاهرة:
-بيتهيء لي إنتَ أخر واحد يحق له الكلام في الموضوع ده، ولا نسيت أنا سيبت بيت أبويا وخدت إبني على كتفي وجيت القاهرة ليه، نسيت اللي عملته فيا إنتَ وأمك ومراتك واخواتك يا عزيز؟
واستطردت بدموعها الحارة بعدما فقدت السيطرة عليها:
-ده انا شفت ذل على إديكم أنا وابني عمري ما هنساه وهيفضل معلم في قلبي لحد ما أقابل وجه كريم،وساعتها هشتكيكم كلكم قدام ربنا،هقوله على كل اللي عملتوه فيا،هحكي له على الايام اللي كنت بباتها ودموعي على خدي وحاسة بالعجز وأنا مش لاقية أجيب لابني علبة زبادي ولا واحدة بامبرز،وكل ده علشان تضيقوا العيشة عليا وتجبروني أرجع مذلولة لعمرو بعد اللي عمله فيا
شهقت بدموعها ليخرج صوتها مستسلمًا:
-أخ كبير إيه اللي بتتكلم عنه،سيبوني في حالي بقى وانسوني،وكفاية اللي حصل لي على اديكم،إتقوا ربنا وروحوا جهزوا نفسكم وشوفوا هتقفوا قدامه وتبرروا اللي عملتوه فيا بإيه
كانت تتحدث ودموعها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وهي ترى ما عاشته بالماضي يتجسد أمام أعينها وكأنها تعيشه مجددًا حتى أنها تشعر الأن بمرارته بحلقها
وكأن ما يستمع إليه من صرخاتٍ وأنين ودموع ما هو إلا مشهد مسرحي إعتاد على رؤيته وسماعه ليهتف مهددًا متجاهلاً ما تفوهت به:
-قدامك يومين تلاتة بالكثير تظبطي فيهم امورك،تمشي الولية البومة اللي عندك دي وتسيبي الشغل،وبعدها تتصلي بيا علشان اجي اخدك،غير كده تستني أبواب جهنم اللي هتتفتح في وشك مني
قال كلماته التهديدية وأغلق بوجهها دون أن ينبس ببنت شفة ليتركها بوجعٍ جديد يضاف لأوجاعها.
_____________________
داخل قصر علام زين الدين
التف الجميع حول طاولة الطعام ليتناولون إفطارهم قبل إتجاه كلاً منهم لوجهته،وجه والده سؤالاً مستفسرًا:
-ما قولتليش يا فؤاد،عملت إيه في موضوع قضية أيمن الأباصيري وصلاح عبدالعزيز؟
تناول قطعة الجُبن المعلقة بشوكته ليمضغها بهدوء وهو يجيب أبيه برزانة:
-إتفقت معاهم الإتنين وموافقين من حيث المبدأ،وبكرة هنتقابل في فندق ونتمم الموضوع، وبعدها الإتنين هيسحبوا البلاغات اللي مقدمينها في بعض ويتم التصالح في محضر رسمي عندي في النيابة
-لو الموضوع ده تم على خير، هيبقى نقطة قوة تضاف في سجلك يا سيادة المستشار… نطقها والدهُ بتباهي ليرد الأخر وهو يهز رأسه بلامبالاة:
-مافكرتش في كده خالص يا باشا،أنا عملت الموضوع خالص لوجه الله أولاً ثم لـ أيمن وصلاح،لأن الإتنين محترمين ومايستحقوش بحور الدم اللي كانوا هيغرقوا فيها هما واولادهم
ليسترسل وهو يطالعهُ بنظرة صادقة:
-ربنا عالم إني مش مستني منه أي تقدير أو منصب
كان يستمع لنجله بافتخار لينطق باشادة واستحسان:
-إنتَ مثال محترم للموظف المسؤل يا سيادة المستشار،مثال مُشرف يحتذى به
ابتسامة خافتة خرجت من جانب ثغره ليقول مثنيًا على أبيه:
-أنا ماشي على خطى جنابك يا معالي المستشار
-ربنا يحميك يا حبيبي،أنا حقيقي فخورة بيك…جملة حنون نطقت بها عصمت ليلتفت يناظرها وقبل أن يغمرها بكلماته اللطيفة قاطعه ولوج العاملة لتقول بنبرة مرتجفة:
-حارس الأمن بيقول إن فيه ضيفة واقفة على البوابة وطالبة تقابل سعادتك يا فؤاد باشا
كان يمضغ طعامه ليتوقف سائلاً باستفسار:
-ضيفة!
ثم التف ليناظرها باستفهام:
-مين الضيفة دي يا سعاد؟
وقفت تفرق كفيها ببعضيهما ويبدوا على وجهها الإرتياب ليهتف هو بحدة بعدما استشعر من تلبكها شخص الضيفة:
-ما تنطقي؟!
ارتعبت أوصالها لينتفض جـ.ـسدها من جراء حدة صوته ثم ابتلعت لعابها وهي تقول بارتياب:
-“فايزة” هانم والدة مدام “نجلا”
ما ان نطقت باسمها حتى احتدت ملامحه وشعر بنارٍ شاعلة اقتحمت جـ.ـسده بدون رحمةليتحول بياض عينيه إلى أحمر مشتعل يوحي لمدى الغضب الذي داهم كيانه بالكامل ليحول روحه لحمم بركانية،انتفض جسد كلاً من عصمت وفريال اللتان تبادلتا نظرات الرعب الممزوجة بالألم وهما ينظران لغاليهم ليهتف علام بنبرة حازمة:
-إطلعي قولي للحرس يمشوها من هنا حالاً
تجمدت ملامحه ليزيح مقعده للخلف بحدة وينطق بنبرة صارمة:
-أنا طالع لها
هبت عصمت منتفضة من جلستها لتلحق بنجلها ممسكة برسغه بقوة وهي تقول بترجي:
-بلاش يا فؤاد،دي صفحة سودة ومصدقنا قفلناها
هبت فريال لتهتف بغضب:
-دي ست معندهاش ريحة الدم،هي لسة ليها عين تيجي لحد هنا بعد اللي بنتها عملته
واستطردت بحدة وغضبٍ عارم ظهر فوق ملامحها وهي تهم بالخروج:
-أنا اللي هخرج لها وأعرفها مقامها كويس
-فريااااال…نطقها فؤاد وغضب العالم قد تجمع بملامحه الحادة ليسترسل بنظراتٍ ساخطة:
-محدش هيخرج لها غيري، ده موضوعي وأنا كفيل إني أحله
اقترب ماجد من زوجته ليمنعها من الخروج كي لا تستدعي غضب فؤاد عليها قائلاً بعقلانية:
-إسمعي كلام سيادة المستشار وأقعدي مكانك يا فريال
أما علام فكان منكس الرأس تحولت ملامحه لمتألمه لشعوره بما أصاب نجله الوحيد بعد سماعه لاسم تلك الحقيرة، خرج صوته جادًا وهو يقول دون أن يحيل نظره عن صحن طعامه:
-كل واحدة فيكم ترجع لمكانها وزي ما فؤاد قال،الموضوع هو اللي هيخلصه
ألقى نظره امتنان لوالده قبل ان ينطلق كاسدٍ جريح بطريقه للإنقضاض على فريسته،من يرى غضبه يتيقن بأنهُ سيحرق الاخضر واليابس وكل من يقع فى طريقه فهو هالك لا محالة
خرج صوت عصمت بوهنٍ وهي تقول بقلبٍ يدمي لأجل صغيرها:
-جاية ليه بعد السنين دي كلها، مش كفاية اللي عملوه في إبني
-إهدي يا عصمت أرجوك… جملة حنون نطق بها علام وهو يربط على كف زوجته الموضوع على الطاولة لتنهمر دموعها فوق وجنتيها بغزارة
اشتعلت عيونه بشرارات الڠضب بعدما اقترب من البوابة الخارجية للقصر ليجد تلك السيدة الأنيقة وهي تقف بجانب سيارتها الحديثة لتقترب عليه وهي تقول بنبرة خجلة:
-إزيك يا فؤاد
-إسمي سيادة المستشار ده أولاً…نطقها بجدة لتقسو نبراته مع هذا الڠضب العظيم الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها مستطردًا باحتقار:
-ثانيًا وده الأهم،إنتِ جاية هنا ليه،أنا مش نبهت عليكِ قبل كدة إن الفيلا دي متخطيهاش برجلك لا أنتِ ولا أي حد من طرفكم؟
أطرقت برأسها لتقول بحزنٍ:
-معنديش حد غيرك ألجيء له،بنتي تعبانة يا سيادة المستشار
لتستطرد بتذليل:
-أرجوك إرحمها
اقترب أكثر منها ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه قائلاً بسخرية:
-أرحمها،وهي ليه مارحمتنيش وفكرت فيا قبل ما تعرضني لفضيحة كانت هتقضي على مستقبلي النيابي لولا ستر ربنا
نظرت إليه لتقول بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم به قدر الإمكان:
-كانت طايشة وغلطت وخدت جزائها بحبسها سنتين بحالهم،أرجوك كفاية لحد كدة،نجلا مش حمل مرمطة السجون أكتر من كدة، مش هتقدر تتحمل الخمس سنين التانيين
احتدت ملامحه لتمتليء بالقسوة وهو يصرخ هادرًا:
-ما تنطقيش إسمها قدامي تاني
ارجوك يا ابني تقف جنبها،المحامي قال لي إنه ممكن يقدم طعن بس لو إنتَ عدلت من شهادتك في القضية
إنتِ مجنونة يا ست إنتِ، إنتِ عاوزاني اخالف ضميري المهني واهز صورتي وانا بغير شهادتي علشان واحدة حقيرة زي بنتك… نطقها بنظرات احتقارية لتهتف بتذلل:
-وحياة أغلى ما عندك تساعدها، إفتكر لها الايام السعيدة اللي كانت بينكم
احتدت ملامحه ليجتمع بعينيه غضبًا جحيميًا وهو يرمقها بسخطٍ قائلاً:
-أنا مفيش بيني وبين بنتك غير كل غدر وخسة وخيانة،احترمتها وعملتها بني أدمة وملقتش منها غير الخيانة اللي بتجري في دمها
عاد للخلف بخطواتٍ واسعة ليقول بنبرة صارمة وهو ينظر إلى طاقم الحراسة:
-الست دي لو جت هنا تاني تطلبوا لها البوليس، مفهوم
نطق كلماته وتحرك للداخل بعدما رمقها بنظراتٍ يملؤها الحقد والاحتقار لتصرخ هي بصوتٍ متألم:
-ارجوك ترحم بنتي يا فؤاد، أرجوك ترحمها
توقف متسمرًا بمنتصف الحديقة حين عادت به الذاكرة قبل سنتين من الأن ليهز رأسه نافضًا تلك الصرخات المتوسلة لها ، بعدما تحدث القاضي داخل قاعة المحاكمة وهو يقول بحزمٍ:
-حكمت المحكمة على المتهمة “نجلا جلال السيد منير” بالسجن لمدة سبع سنوات مع الشغل والنفاذ.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى