رواية أو أشد قسوة الفصل السادس عشر 16 بقلم سارة مجدي
رواية أو أشد قسوة الجزء السادس عشر
رواية أو أشد قسوة البارت السادس عشر
رواية أو أشد قسوة الحلقة السادسة عشر
-سليمة أنا بحبك … تقبلي تتجوزيني
قال كلماته وهو ينظر لعمق عينيها عبر الشرفة وبعد ان اخرج رأسه من النافذة الصغيرة المفتوحه .. ظلت تنظر اليه بصمت وشحنات من الخجل والسعادة تحيط بهم غير مرئية ولكنها محسوسة … كان هو يخبرها بما داخل قلبه … وكانت هي تستمع بقلبهاهذا ما لم تتوقعه لكنه سعيدة به .. حائرة كيف تتصرف؟ لكن بداخلها صوت يقول أهربي .. أدهم مريض .. هناك شخصية اخرى له حتى لو كان الامر خارج عن إرادته لكن هذا واقع قائم وما لديه من مسؤليات تجاه عائلته .. ف هل ستسطيع أن تكون على قدر مسؤليه كونها زوجه أدهم الخشاب؟
قطع أدهم أفكارها وقال برجاء:
-كنت خايف ترفضي لكن بما إنك سكتي وبتفكري ده معناه أنه فيه أمل .. بس أنا عايز أقلك حاجة مهمه أوي يا سليمة
كل هذا الوقت وذلك الحديث الطويل الهواتف كانت فوق أذنهم يستمعون لبعضهم عن طريقها رغم قرب المسافة بينهم .. لكنه الان انزل الهاتف وقال وعينيه بعينها:
-أنا محتاجك في حياتي … أنتِ مصدر أمان بالنسبة ليا .. والدليل على كده أن لا أختى ولا جدتي عرفوا بموضوع عدنان وجريت عليكي أنتِ أتكلم معاكي … سليمة
كانت عيونها تلمع بها الدموع وهي تستمع لكلماته التي تطارد كل مخاوفها وتخرجها خارج قلبها بلا عودة .. تشعرها أن لها قيمة ومكان بهذا العالم .. كيف تتحمل فكرة ان يقف امامها رجل كأدهم الخشاب يخبرها بصدق أنه بحاجه لها .. يخبرها أنها هي سليمة مصدر أمانه ف ماذا عليها أن تقول الأن؟ .. أو كيف توقف دقات قلبها التي تشبه طبول الحرب داخل صدرها؟
ليكمل هو كلماته وعينيه مازالت تحتضن عينيها:
-سليمة أنتِ من يوم ما أشتغلتي معايا وأنا قلبي أتعلق بيكي .. رقتك، أدبك، أخلاقك وتدينك … حتى شخصيتي التانية أختارتك أنتِ وجت سكنت جمبك .. سليمة تقبلي تتجوزيني؟
دون إراده منها أومأت بنعم ليبتسم وهو يقول بسعادة:
-أطمن على عدنان وأول حاجة هعملها أني هاجي أخطبك
لم تعلق بشيء لكن دمعة خائنة غادرت عينيها ليبتسم وهو يقول:
-دموعك غالية .. لكن لو كانت دموع الفرح يبقا خلاص سماح المرة دي
لتومأ بنعم مرة أخرى ليأخذ نفس عميق وهو يقول بحزن:
-أدخلي بقا .. وأنا هرجع على المستشفى … بس ممكن قبل ما أمشي أطلب منك طلب … لا مش طلب هو رجاء أو توسل
لتشهق بصدمة بسبب كلماته ليكمل هو بأبتسامته التي تخطف انفاسها ودقات قلبها:
-ممكن أبقا اتصل بيكي .. اشحن طاقة أمان وأطمنك عليا
لتخفض عينيها وهي تبتسم بخجل وأومأت بنعم ثم ركضت الي داخل الغرفة .. ليقول هو بسعادة:
-سلام يا سليمة
وأغلق الهاتف وظل واقف يستنشق بعض الهواء الذي مازال يحمل بعض من رائحتها ثم غادر الشرفة ثم الشقة بأكملها
وكانت هي تقف بجوار باب الشرفة تستند الي الحائط تضم الهاتف الي صدرها وابتسامة سعادة وعدم تصديق ترتسم على ملامحها الرقيقة
وبسعادة بالغة همس لنفسها:
-ادهم بيحبني .. أدهم محتاجني .. أنا بحب أدهم
~~~~~~~~
وصلت ظلال الي القصر وقبل أن تترجل من السيارة قال لها مراد:
-أنا هنتظرهنا أدخل اطمني على جدتك وطمنيني .. ولو محتاجين حاجة عرفيني أعملها ليكم قبل ما أمشي
كانت تنظر له بأمتنان وأومأت بنعم وفتحت الباب وترجلت من السيارة وسارت بخطوات بطيئة ف هي تشعر أن قدميها كالهلام وجسدها يؤلمها وكأنها تعرضت لحادث قوي وتصادم جسدها بحائط صلب وكان هو يراقب خطواتها وبداخله إحساس كبير بالشفقة والخوف عليها … وإحساس أخر بالغيرة يكاد يفتك بقلبه دون رحمه .. رغم دهشته مما يشعر به وكيف تملك منه هذا الشعور تجاه ظلال ؟ هو لا يجد إجابة مناسبة توصف ما يشعر به .. هو مراد منير المذيع المعروف .. من كانت حياته تدور في دوائر منتظمة دون انحراف أو خروج عن المعروف .. الان أصبحت حياته بها تدور حول ظلال فقط ويالا الغرابة هو يشعر بالسعادة بكونه تعلق بها ف لا أحد يعرف ما كان يعانية في وجدته الاجبارية التي فرضها على نفسه منذ امتهانه لمهنة المذيع
اختفت داخل القصر بعد أن نظرت له نظره خاطفة .. ظل يضرب بأصابعه فوق المقود وهو ينتظر ظهورها من جديد او اتصال منها … وفي الحقيقة هي لم تتأخر وجد اسمها ينير شاشه هاتفه وحين اجاب جائه صوتها القلق وهي تقول بلهفة:
-مراد تعالى بسرعة
فتح باب السيارة وترجل منها سريعا وركض في إتجاه باب القصر ومن عن الباب وجدها تجلس أرضًا جوار جدتها تهمس بإسمها وهي تمسك يدها أقترب منهم سريعًا وهو يقول بقلق:
-فيه أيه؟ إيه اللي حصل؟
رفعت له وجهها المبلل بالدموع وهي تقول بخوف:
-مش عارفى تقريبًا سكرها مش مظبوط
ظل صامت لثوان ثم قال بإستفهام:
-فيه جهاز قياس سكر هنا ولا ناخدها المستشفى على طول
وقفت وتحركت في إتجاه غرفة شُكران وهي تقول بقتأكيد:
-لا فيه ثواني هجيبه وهجيب الدوا كمان
غادت بعد لحظات لتجده يجلس كما كانت تجلس منذ قليل على ركبتيه جوار جدتها يمسك بيده وينادي عليها برفق ويطلب منها ان تفتح عينيها
أخرجت ظلال الجهاز من علبته وبدات باخذ نقطة من دماء جدتها ليبدء الجاهز في العد لتشهق وهي تقول بخوف:
-سكرها عالي قوي القت الجهاز من يدها وبدأت في ملىء حقنه الانسلوين بالدواء وامسكت ذراعها وبدات في اعطائها الدواء
في تلك اللحظة كان مراد يتصل بطبيب معرفة يخبره بالموقف .. فقال له الطبيب أن لم تستجيب لهم خلال الربع ساعة فلابد من نقلها للمستشفى واخبره أيضا أن يضاعفوا كمية الانسولين
ظل الاثنان يجلسون جوار قدمي شُكران يترقبان أستيقظاها ويتابعون عقارب الساعة وكأن بها سر الحياة
الدقائق تمر بطيئة والقلق وصل بهم الي أشده لتصرخ ظلال بيأس وحزن وخوف شديد:
-هتفوق أمتى أنا تعبت وخايفة أوي .. عدنان بين الحياة والموت وهي كمان وأنا لوحدي هنا وأدهم لوحده هناك .. وبعدين …
لم يتحمل كلماتها ألمها .. خوفها ليضمها الي صدره وهو يقول بصدق متألم:
-أنتِ مش لوحدك يا ظلال .. أنا معاكي وجمبك أيدي في أيدك ومش هسيبك أبدًا
كانت تحاوط خصره بذراعيها ومع كلماته كانت تتشبث بقميصة بقوة .. ظلوا هكذا لعده ثوان تصل الي دقيقة كاملة هي تبكي بخوف .. وهو يربت على ظهرها ويهمس جوار أذنها ببعض الكلمات حتى يطمئنها .. وفي خضم تلك اللحظة التي اختطفها مراد للمرة الثانية في تلك الليلة وصلهم صوت أنين خافت لتبتعد ظلال عنه بسرعة وأقتربت من جدتها وهي تقول:
-ناناه .. أنتِ سمعاني .. ناناه
كانت شُكران تآن بألم وتحرك رأسها يمينًا ويسارًا بحركة بسيطة لكنه جعلت يشعرون ببعض الراحة أنها سنصبح بخير وهذا وحده كافيًا أن يرسم أبتسامه راحه فوق وجه ظلال وجعلها تقول بأمل:
-الحمدلله يارب .. بدأت تفوق .. يارب كمل سترك علينا وأشفيها وأشفي عدنان
ثم نظرت الي مراد وقالت بصدق وأمتنان:
-أنا مش عارفة من غيرك كنت هعمل ايه .. شكرًا يا مراد بجد شكرًا
لينظر لها بلوم وقال ببعض الحزن:
-ليه عايزة تحسسيني اني غريب عنك .. يا ظلال أنا قولتلك أني بحبك يمكن يكون ده إحساس من طرف واحد وأكيد مش مجبرة على إنك تبدليني نفس الاحساس والشعور .. لكن على الاقل ياريت تقدري إحساسي ومشاعري
شعرت بالخجل فأخفضت راسها قليلا تنظر أرضًا ليكمل هو كلماته:
-روحي هاتي كباية ماية لجدتك على ما تفوق
قال ذلك شفقه بها وبقلبه الذي كان يرتعش بخوف كطفل صغير في ليل يوم من أيام الشتاء الباردة وحده في الطرقات المظلمه … يشعر بالرفض .. والنبز
وقفت حتى تنفذ كلماته لكنها ظلت واقفة مكانها تنظر اليه في جلسته تلك على ركبتيه وقالت بصدق:
-مش هنكر ان في جوايا شيء ليك
رفع عينيه ينظر اليها فأصبح المشهد وكأنه يجلس على ركبتيه متوسلًا راجيًا … وهي تقف بشموخها المعهود .. لتكمل كلماتها الصادقة:
-لكن فيه من الماضي ذكرى للاسف بحاول اتمسك بيها بأمل عشت عليه عمري كله .. رغم الجرح والالم لكن مقدرتش انسى أو اتخطى .. عارفة ومتأكدة ان الحلم القديم هيفضل حلم … وحب المراهقة هيفضل حب مراهقة .. عمره ما هيتحول لحب حقيقي ويبقا واقع أعيشه زي ما كنت بتمنى
كان قلبه يصرخ طالبًا لرحمتها فهو لا يتحمل ذلك الاعتراف الذي يذبحه دون رحمه او شفقة
لكنها أكملت وكأنها تريد إخراج كل ما بداخلها غير واعية او مدركة لكن تتحدث
-انا مش هقدر أرد على كلامك .. محتاجة أحسم الموضوع مع نفسي الأول .. أولًا انا مش خائنة ومقدرش أوعدك بقلبي وهو لحد دلوقتي بيتمنى شخص تاني .. وفي نفس الوقت مش قادرة أتجاهل إحساسي بيك يا مراد
جلست أمامه من جديد وهي تقول بصدق:
-ممكن تصبر شوية عليا؟!
كانت عينيه شديدة الحمره بسبب منعه ان يظهر الدموع في عينيه .. كبريائه وكرامته لن يسمحوا له ان سظهر ضعف أمامها رغم رغبته الشديدة في التوسل لنيل قلبها … لكن في نهاية الامر أومأ بنعم وقال بصوت متحشرج:
-لآنك استثناء ولأنك مش حد بالنسبة ليا … انا هديكي الفرصة دي … لكن لازم تعرفي حاجة … مراد منير مش بديل ولا استبن .. يعني لو قررتي تبقى معايا مش هقبل بالقليل ولا هقبل بالبواقي … هنا متطلب وغيور .. متملك لأبعد الحدود .. ومعنديش أستعداد انس اتنازل عن جزء بسيط فيكي لا لماضي عدى وفات .. ولا حتى لذكرى عابرة … ولا لحنين للحظة مرت وفاتت
ظلت صامته تنظر له تستمع لكلماته … ترى انكساره رغم أنفه الشامخ وكلماته القوية .. ثم أومأت بنعم دون رد
لينتبهوا لبعض الهمهمات من شُكران … لتقف سريعًا حتى تحضر كوب الماء .. وبدء مراد في محاولة إفاقتها
بعد ان أخذ نفس عميق واخرجه ببطىء عله يهدء من ضربات قلبه وذلك الألم الذي ينخر روحه
~~~~~~~~~~~~
ينتظرها في غرفتهم .. فقد ذهبت لتطمئن على الأولاد في غرفتهم … يقف امام النافذة ينظر الي السماء ونجومها الامعة وعلى شفتيه ابتسامة صغيرة سعيدة اليوم لأول مرة منذ زمن بعيد يضحك بصوت عالي كالأطفال … يضحك من قلبة بسعادة ومرح .. لا يحمل هم .. لا يشعر بالضيق .. لا يشعر بالمسؤلية .. كان اليوم بين أولاده كطفل مسلهم .. يصرخ بصوت عالي حين يحرز هدف ويشعر بالضيق حين يحرز ابنه هدف … حتى انه اخرج لسانه لاياد حين احرز اخر هدف كحبيبة … لتضحك لبنى على تصرفاتهم بسعادة
وكم شغر بالدفىء حين جلسوا جميعًا على الأريكة وعلى أقدامهم شرشف ملون وبين يد كل منهم صحن كبير من البوشار يشاهدون فيلم كارتون
حتى غفا ابنائهم بين ذراعيهم على وجههم ترتسم السعادة بوضوح
حملهم عبدالله الي غرفتهم وترك لبني تكمل المهمه وسبقها الي غرفتهم بعد ان اعاد ترتيب الصالة ووضع الصحون بالمطبخ
حين خرجت لبنى من غرفة ابنائها توجهت للصاله لتشعر بالصدمة وهي ترى الارائك مرتبة والشرشف مطوي على ذراع الأريكة… كل شيء في مكانه
توجهت الي المطبخ لتجد الصحون الفارغة هناك والأكواب … بسعادة تشعر بعا لأول مرة منذ سنوات تحركت بحماس تضع الصحون والأكواب داخل المغسلة الإلكترونية للصحون وضغطت على ذر التشغيل .. ثم قررت أن تصنع كوبان من الشاي بالنعناع لها وله … يستحق ان يجلس معها جلسة هادئة يتحدثون .. يكفي ما يشعر به هي تعرف عبدالله جيدًا سوف يشعر بالضغط وان علية التقصير في عمله من أجلها … عليها ان تضع مع الخطوط العريضة من أجل علاقة سوية يستطيع فيها ان يهتم بمرضاه وبعملة بصفه عامة … ويستطيع ان يعطي بعض الوقت بها ولأولادهم
أخذت الأكواب وتوجهت الي غرفتهم … حين فتحت الباب التفت ينظر لها وحين لمح ما بين يدها أقترب منها يحملهم عنها لتقول هي بابتسامة حلوة تخطف نظرات عينيه وتشعره بالسعادة:
-قولت بعد دوشة الولاد أعملنا كوبيتين شاي بالنعناع علشان تهدي أعصابك
وضع الأكواب على الطاولة الصغيرة ونظر لها بحب وهو يقول:
-تسلم إيدك يا حبيبتي
وأقترب منها وأكمل كلماته وهو ينظر الي عينيها بحب وشوق مخلوطين بالاسف:
-انا اسف يا لبني .. انا فعلا كنت حارم نفسي من سعادة كبيرة دفنت نفسي وسط مشاكل الناس والأمراض النفسية اللي بتضغط على أعصابي كل يوم .. كنت محتاج الاقي المكان اللي ابقى فيه عبدالله ببساطة ومن غير تعقيد
ربتت على كتفه بدعم وتشجيع وقالت بابتسامتها الناعمة التي تمسح الحزن عن قلبة:
-ده بيتك يعني المكان اللي ترتاح فيه من كل الضغوط اللي فوق كتافك .. هنا
وأشارت على صدرها وأكملت:
-هنا مكانك الحضن اللي ترمي فيه همومك وتبقى مطمن وأنت فيه
صمتت لثواني … وأقتربت منه الخطوة الفاصلة بينهم … رفعت يدها تداعب وجنته برقة وأكملت كلماتها التي تربت على روحة:
-أنت دكتور نفسي يعني بتعالج الناس من الأمراض اللي ملهاش أعرض واضحة ولا ممكن تعرفها بأشعة ولا تحليل .. والناس اللي جواها بيغلي ومفيش ترمومتر يقدر يقولك درجه حرارتهم كام
رفعت يدها الأخرى وداعبت خصلات شعره برقة واتسعت ابتسامتها أكثر وهي تقول:
-انا مش عايزاك تسيب مسؤولياتك ولا تتخلى عن شغلك ولا مرضاك .. انا بس عايزاك تقدر تقسم وقتك بين شغلك وبين بيتك وولادك .. وشوية وقت صغير قد كده ليا
واشارت بأصبعيها السبابة والابهام لتتسع ابتسامته واهو يمسك يدها يقبلها عده قبلات وعينيه بعينيها ثم قال:
-انا بحبك اوي … واسف اوي … ووحشتيني اوي
لتضحك بخجل انثوي رقيقي لكنها استجابت للمساته على جسدها ثم أقترابه منها ليقبلها بشغف وحب واشتياق متبادل
~~~~~~~~~
لم تكن تصدق أذنيها وهي تستمع لصوته الواهن لكن ذلك الإحساس بالأمان والراحة جعلها تتأكد .. إن بيبرس بخير وهذا هو المهم … والاكثر من ذلك انه وعدها بإنهاء الآمر
اغمضت عينيها تتذكر كلماته
“انا عرفت ان الجوكر كلمك .. متخافيش انا هخلص الموضوع ده نهائي … وقبل ما تفكي السلك … طول ما فيا نفس لا هترجعي للي كنتِ فيه ولا حد هيشوف كعب رجلك …. انا اسف يا زيزي .. ذنبك في رقبتي .. وعلشان كده عايزك تطمني … أقسم بمن لا آله الا هو لرجع الامان لحياتك من جديد.”
فتحت عيونها التي امتلئت بالدموع وتحاملت على الم جسدها وتوجهت الي الحمام ولأول مرة منذ سنوات طويلة تتوضىء … وحين سمت الله وبدأت في غسل يديها بدأت الدموع تنهمر من عيونها .. كلما غمرت وجهها بالماء تشعر بالدموع تنافس مياه الوضوء في تطهيرها … حين أنتهت من الوضوء خرجت من الحمام تحاول تذكر ذلك الدعاء الذي كان يقف والدها جوار باب الحمام مع كل قرض يخبرها به بعد انتهائها من الوضوء
اغمضت عينيها وصوت والدها يأتي من بعيد من الماضي السعيد
“أشهد أن لا إله إلا الله، وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وفي الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. وفي عمل اليوم والليلة للنسائي: سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك”
لتردد ذلك الدعاء ودموعها ترفض التوقف … عادت الي غرفتها وظلت تبحث عن اسدالها بعده دقائق حتى وجدته
ارتدته بشوق ثم فرشت سجادتها ووقفت تستقبل القبلة ومازالت الدموع تغرق عينيها رفعت يدها لتكبر
ومن جديد حاولت تذكر دعاء استفتاح الصلاة ليأتيها صوت والدها من جديد وهو يحاول تحفيظها ذلك الدعاء وهي صغيرة
“سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس،، اللهم اغسلنى من خطاياي بالثلج والماء والبرد”
بدأت في قرأة القرآن دموعها ترفض التوقف … تشهق بصوت عالي وجسدها ينتفض بقوة … وعند سجودها عليّ صوت بكائها وهي تدعوا بكل كيانها
“إلهي، إنَّك تقبل التوبة عن عبادك، وتعفو عن السيئات، وتحبُّ التوابين، فاقبل توبتي، واعفُ عن سيئاتي، وأوجب لي محبتك. اللهمَّ إنِّي أتوب إليك من كلِّ ما خالف إرادتك، أو زال عن محبتك من خطرات قلبي، ولحظات عيني، وحكايات لساني، توبةً تسلم بها كلُّ جارحةٍ من جوارحي من الذُّنوب والمعاصي.”
وحين أنتهت من صلاتها ظلت جالسه مكانها تبكي وقلبها يبتهل بالدعاء .. وبتلقائية وجدت نفسها بعد أن انتهمت من قرأة آية الكرسي والتسبيح … تدعوا لبيبرس
“اللّهم إنّي أسألك التوفيق والهداية لبيبرس، والرشد والإعانة، والرضى والصيانة، والحب والإنابة، والدعاء والإجابــة، اللّهم ارزقه نوراً في قلبه، وزينة في وجهه، وقوة في عمله اللهم اهده لما تحب و ترضى، اللهم هبه علمًا ينتفع به، وعملًا يقربه إليك، وهب له صبرًا وثباتًا في الدين”
ودون إيرادها عادت تبكي بصوت عالي وهي تكتشف إن تعليم والدها لها لن يكن هباء منثورًا … وإنها كانت تلميذة نجيبه تحفظ وتفهم وتدرك … هي فقط تاهت عن الطريق الصحيح ليعض الوقت … تغلب عليها شيطانها لعده سنوات ولكنها عادت ولن تعود لضلالها القديم من جديد ولو كان الثمن روحها وعمرها
رفعت رأسها ويديها وهي تقول ” عدت اليك يارب تقبلني في عبادك الصالحين واحمني من نفسي الأمارة بالسوء”
أنتبهت على أصوات عالية تأتي من الحي
وقفت تلملم أطراف اسدالها وتوجهت الي النافذة فتحتها وهي تتطلع فيما يحدث في الحي تحاول فهم ما يحدث
الكثير من الرجال .. يتجمعون اسفل منزل حنان يتشاجرون مع والدها وخطيبها .. غاضبون مما قامت به حنان وادعائها الزور في حق زيزي وبيبرس …وإظهارهم بهيئة الرجال غرر يسيرون خلف اي شخص ولا يوجد داخل رؤسهم عقل
ووصل لها صوت أحدهم وهو يقول
-تطلع دلوقتي تعتذر من زيزي .. ولما بيبرس يخرج من المستشفى هنعمل قاعدة ونراضيه
وافق الجميع على ما قيل … لتنظر الي السماء والدموع تغرق وجهها من جديد وهي تقول
-اللهم استرني فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
أنتبهت لاقتراب الأصوات من بيتها … وصعود بعض النساء بصحبة حنان ليشهدون على الحديث
وقفت مكانها تفكر ماذا عليها ان تفعل الان
طرقات النساء على باب المنزل أخرجها من أفكارها لتسير بخطوات بطيئة بسبب جرحها وحين فتحت الباب وجدت واحدة من النساء تقول بابتسامة واسعة مبالغ فيها
-ازيك يا زيزي دلوقتي عاملة ايه وجرحك اخباره ايه؟!
ثلاث أسئلة جميع اجابتهم “الحمدلله”
لتجيبها زيزي بهدوء وصوت هادىء:
-الحمدلله … اتفضلوا
لتقول واحدة أخرى بابتسامة سمجة:
-لا يا حبيبتي احنا جايين النهاردة علشان حنان تعتذر لم عن الغلط اللي حصل هي كانت خايفة عليكي بس معرفتش تتصرف
ظلت زيزي صامته تنظر الي حنان التي تنظر لها بغل وغضب لكنها ابتسمت وهب تقول:
-حنان صديقة طفولتي وفي مقام أختي.. وعلى قد محبتها على قد زعلي لكن
صمتت لثوان تتابع نظرات النساء لها … ثم أكملت بنفس الهدوء:
-عفا الله عما سلف .. وهو برائتي بانت قدام اهل الحارة كلها لاني مش بعمل حاجة غلط
كادت واحدة من النساء ان تقول شيء لكنها صمتت حين أكملت زيزي ببعض الحزن:
-بس ياريت تتقوا الله قبل ما تقولوا اي كلمة في حق اي حد خصوصًا لو الكلام ده يمس شرف وعرض الناس … لان الكلمة اللي بتتقال ممكن تموت ناس .. وتقفل الدنيا في عنيهم
وعادت بنظرها الي حنان التي مازالت تنظر لها بغضب وقالت بإبتسامه
-ها يا حنان كنت عايزة بقا تقولي ايه؟!
لتكشر عن انيابها وكادت ان تنقض عليها تضربها وتقطعها بأسنانها لكنها قالت بصوت مختنق:
-أنا آسفة يا زيزي
وصمت لتحسها إحدى النساء قائلة:
-واية كمان يا حنان
نظرت لها حنان بغضب لعدة ثوان ثم عادت بنظرها الي زيزي وقالت:
-انا غلطت في حقك واللي عملته غلط ف لو سمحتِ سامحيني
لتبتسم زيزي بهدوء وهي تقول:
-ما انا قولتلك عفا الله عما
لتركض حنان الي الاسفل وهي تبكي بقهر لتنظر زيزي لياقي النساء وقالت بترحيب زائف:
-يا جماعة مينفعش الكلام كده من على الباب … اتفضلوا
لتربت احداهم على كتف زيزي وقالت بابتسامة:
-تسلمي يا حبيبتي مرة تانية ان شاء الله … يلا سلامو عليكو
ونزلوا جميعا خلف بعضهم … لتغلق هي الباب واستندت عليه وهي تقول لنفسها:
-من يوم يومك وانا بشوف في عنيكي كره ليا يا حنان لكن متخيلتش ابدا توصل للشرف والعرض والفضايح اللي تسبي في موت البني آدم وهو حي.
ثم أغمضت عينيها وتنهدت لعده مرات حتى تهدء من نبضات قلبها لتسيل دموعها فوق وجنتيها من جديد وهي تقول
-اللهم عفوك ورضاك
~~~~~~~~~
يقف في إحدى الأماكن المظلمة … ينتظر ظهور الهدف .. وحين ظهر على باب المكان دوى طلق ناري صم الأذان وسقط ذلك الجسد أرضًا فاقد للحياة
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أو أشد قسوة)