رواية هواها محرم الفصل الثامن عشر 18 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم البارت الثامن عشر
رواية هواها محرم الجزء الثامن عشر
رواية هواها محرم الحلقة الثامنة عشر
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل الثامن عشر من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
أحيانًا نجد إنسان يغنينا عن كل البشر ، شخصًا واحدًا فقط قادرًا على رسم الابتسامة على ثغرك دومًا .
شخصًا لا تحلو الجنة بدونه ولا يمكن للقلب أن ينبض لسواه ولا تشتهي العين إلا رؤيته ولا تهفو الروح إلا لهواه .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
أتى الصباح عليه دون نوم
عقله مستيقظًا منشغلًا بـ قرّة عينه التي رحلت إلى بيتها أمس وتركت قلبه ملتاعًا عليها يبكي اشتياقًا لها من الآن .
ترجل من فراشه بهدوء بعدما نظر إلى زوجته ليجدها نائمة ليتحرك نحو الحمام كي يؤدي روتينه وبعد عدة دقائق خرج منه ثم التقط سجادة صلاته وتحرك يغادر الغرفة .
أغلق الباب وتمهل في خطواته حتى وصل غرفة ابنته ففتح بابها ودلف يغلق خلفه ثم وقف يجول بأنظاره الغرفة وتفاصيلها كاملة كأنه مشتري يراها لأول مرة .
تنهيدة حارة خرجت من جوفه ثم خطى نحو الفراش وجلس عليه ينظر للوسادة بعينٍ لامعة ويتلمسها بيدِ أبٍ حنونٍ دومًا ملست على خصلات صغيرته بدلًا عن هذه القطنية .
رفع نظره عاليًا بعد ثوانٍ من الأفكار التي دومًا تمر على عقله ورفع يده يدعي ربه قائلًا :
– اللهم خيّب ظني فيه ، اللهم اشرح قلبه للإسلام ، اشرح قلبه لدينك ، أنت لست بحاجته فأنت الغني ولكني عبدك الفقير وبحاجتك ، أستودعك ابنتي فاحفظها أينما كانت واشرح صدرها ما إن ضاق بها يــــــــــارب .
تنهد وعاد يؤمن ثم نهض يفرد سجادته ليؤدي ركعتيه هنا في غرفتها وهو يردد بنبرة متحشرجة على وشك البكاء :
– يارب خيب ظني فيه واهديه .
❈-❈-❈
في سيارتهما يتحرك هو إلى شركته بينما هي تجاوره لتذهب إلى منزل والدتها .
ساكنًا لا يتحدث وهذا الأمر يضغط على أنفاسها وتشعر بأنها على وشك الاعتراف له بكل شيء ولكنها تخشى ردة فعله لذا فهي أيضـًا التزمت الصمت التام وظلت فقط تفكر في تلك التي تنتظرها هناك .
يقود بهدوء وتمهل لأجلها لذا التفت يطالعها بتعمن دام لثوانٍ فوجدها شاردة فتساءل بنبرة جادة :
– فيكِ حاجة ؟ ، من وقت ما صحيت وإنتِ سرحانة كدة ! .
تحمحمت واعتدلت تطالعه بملامح متوترة وضمير متناقض أتخاطر وتخبره وتترجاه ألا يخبر عاطف أم تصمت وتنتظر إلى أن تنفذ باقي مخططها على الأقل لذا رجحت كفة الاختيار الثاني وابتسمت بتكلف وهي تجيبه :
– أنا كويسة يا صقر ماتقلقش .
لم تقنعه إجابتها ولكنه أومأ ثم تساءل وهو ينظر أمامه :
– طيب لي صممتِ تروحي النهاردة لآسيا هانم ؟ ، يعني قلتِ امبارح إنك هتروحي المستشفى تاني لأميرة !
لم ينظر لعينيها بل ظل يتطلع للأمام ولكنه يسمع نبضاتها وأنفاسها التي تباطأت وصمتها الذي دام لثوانٍ قبل أن تردف بنوعٍ من التلعثم :
– صـ صقر ممكن متسألنيش ! ، بجد أنا مش قادرة أتكلم دلوقتي .
أطلق زفرةً قوية ثم أومأ وأكمل القيادة نحو فيلا آسيا وهي تتآكل داخليًا خوفًا مما سيحدث .
❈-❈-❈
تجلس أميرة تحت أنظار آسيا ومايا التي استيقظت حينما كان يلج عمر بها إلى الفيلا ورأتهما من شرفتها لذا فقد اشتعلت نيران الغيرة داخلها قبل أن تعلم هويتها .
أما تلك المسكينة شاحبة الوجه مجهدة الملامح حتى ثيابها مزرية لذا أسرعت آسيا تحضر لها ثوبًا مناسبًا من ثيابها وها هي ترتديه وتجلس بتوتر وحرج بينهما ولكن أتى سؤال آسيا واضحًا حينما قالت وهي تنظر لعينيها ببعض الضيق بعدما علمت من عمر هويتها :
– طيب وأهلك يا بنتي ؟ ، عيلة العدلي ، معقول مش هيسألوا عنك ؟
دققت أميرة النظر فيها وتحدثت بنبرة واهنة ونبضها يكاد يعمل :
– أنا لحد دلوقتي مش عارفة إيه اللي هيحصل بعد كدة ، أنا خايفة جدًا بس كل الأبواب اتقفلت قدامي وكان لازم امشي .
حن قلب آسيا لها بينما قلب مايا مازال مشتعلًا ليس غيرةً ولكن غضبًا حينما علمت أنها ابنة تلك العائلة لذا نهضت تزفر بشكلٍ واضحٍ عنيف ثم تحركت إلى الخارج نحو ذاك الذي أحضرها وعاد إلى ملحقه .
أسرعت نحوه وطرقت الباب بحدة فطال رده حيث كان يؤدي فرضه ويعلم جيدًا أنها الفاعلة .
باتت تهدر أنفاسها بغيظ ثم تعجبت من عدم رده عليها خاصة وأنها متيقنة من وجوده في الداخل لذا التفتت تنظر للنافذة المخبأة خلف الأشجار فوجدتها مفتوحة فاتجهت نحوها وأسرعت تحضر مقعدًا خشبيًا من الحديقة ثم تقدمت ووضعته عند النافذة وصعدت عليه ثم جلست على حافتها وأدارت نفسها للداخل وقفزت وهي تبحث عنه بعينيها وتتوعد له .
لم تجده هنا لذا تحركت نحو غرفته فوجدت بابها مواربًا فنظرت منه فوجدته يختم فرضه لذا التزمت الصمت حتى انتهى ففتحت الباب مسرعة ودلفت تردف بحدة أجفلته :
– إنت روحت جبت البنت دي ليه يا عمر ؟ ، إحنا مالنا أصلًا بيها ؟
استغفر ربه ونهض يطالعها بهدوء ثم تساءل متجاهلًا سؤالها :
– إنتِ نطيتي من الشباك ؟ ، متجوز حرامية ؟
طالعته بحنق ثم تكتفت وتحدثت بنبرة توبيخية :
– ماتغيرش الموضوع يا عمر ؟ ، إنت مش عيل صغير علشان تسمع كلام نارة وتروح تجيب واحدة مانعرفهاش ، أكيد زيها زي بنت عمها اللي اسمها إيمان دي ، كلهم زي بعض .
تحولت نظرته الهادئة إلى أخرى غاضبة من تهورها في الحديث معه ولكنه تحدث بنبرة رخيمة :
– نارة أختي من قبل ما تبقى أختك وأنا من يوم ما شفتها وبعتبر إني أخوها الكبير وأي طلب ليها مجاب ، ده غير إني بثق فيها وعارف إنها حكيمة مش متهورة ودبش في كلامها .
برغم ندمها على اندفاعها إلا أنها حزنت وتجلى الحزن على ملامحها الطفولية حتى أن نبرتها هدأت تمامًا حينما قالت :
– أنا متهورة ودبش يا عمر ؟ ، متهورة ودبش علشان بحبك ومش عايزاك تتعرض للأذى والمشاكل ؟ ، إنت نسيت اللي حصل معانا على الطريق بسبب عمها ؟
يعلم أنها محقة لذا لانت نبرته واقترب منها خطوتين وتحدث موضحًا بتروٍ :
– اسمعيني يا مايا ، دي منظر واحدة بتاعة مشاكل ؟ ، لو بتاعة مشاكل أول واحدة هتبعد عنها هي نارة ، الموضوع فيه إنّ والبنت اللي برا دي واضح جدًا إنها محتاجة مساعدة .
– لا يا عمر مش هتساعدها .
قالتها بشراسة أنثى تعشق وتخاف على حبيبها لذا تقبلها منها ورفع كفيه يحيط كتفيها بحنو وتابع بلين :
– تعرفي عن عمر كدة ؟
لانت ملامحها ونبرتها وباتت كقطة وديعة وهي تردف بنعومة أمام عيناه برغم قلقها :
– لاء ، علشان كدة بخاف عليك جدًا ، وزعلانة من نارة جدًا .
هز رأسه بـ لا وتابع :
– ماينفعش تزعلي من نارة ، اصبري لما تيجي ونفهم الموضوع ، وخلى عندك ثقة فيا .
– أنا بثق فيك جدًا وبحبك جدًا .
تعمق في عينيها وشعر بشيءٍ ما يتسرب إليه ونوعًا جديدًا من المشاعر التي أبطأت معدل أنفاسه وزادت من معدل نبضاته لذا قال مأخوذًا بها :
– وأنا كمان بحبك جدًا .
تضخمت مشاعرهما فباتت تتراجع وعيناها تسبح في عينيه وبات يتقدمها دون إدراك من كليهما حتى اصطدم ظهرها بالحائط الملاصق للباب فشهقت وأغمضت عيناها تقول بهمس وابتسامة هي تنتظر خطوته التالية برغم رعشتها :
– عمر إنت هتعمل إيه ؟
ثوانٍ مرت عليهما قبل أن تجفل وتفتح عيناها لتتفاجأ به يدفعها أمامه بخفة متجهًا بها نحو باب الملحق وهو يقول بتوبيخٍ مرحٍ :
– هكون بعمل إيه . هطلعك برا يا قليلة الأدب .
وبالفعل فتح الباب ودفعها بهدوء فالتفتت تطالعه بصدمة لاستطاعته قلب الأمور بهذه السرعة فأشار لها مودعًا ثم أغلق الباب والتفت مسرعًا يستند بظهره عليه ويزفر بقوة ليهدئ مشاعره وهو يقول موبخًا لنفسه :
– اجمد يا عمر فيه إيه مالك ! ، انجز بقى واعمل فرحك واتجوز ماينفعش تطوّل مع البنت دي كتير .
❈-❈-❈
هبطت الطائرة منذ بضع دقائق في مطار دبي .
خرجا سويًا حيث تنتظرهما سيارة بسائقها الخاص الذي ترجل يأخد عنهما الحقيبة .
وضع السائق الحقيبة في صندوق السيارة واتجه يستقل مكانه بينما توقفت خديجة والتفتت تطالع خالد قبل أن يركبا وتساءلت بحماس ولطف :
– خالد هتوديني أبو ظبي علشان نزور جامع الشيخ زايد زي ما اتفقنا ؟
رفع يده يحاوط خصرها ثم ابتسم بمكر وتحدث وعيونه ترتكز عند شفتيها :
– نعم خديجة سنذهب ، هيا بنا .
ابتسمت حتى أشرقت ملامحها ثم أطاعته والتفتت تستقل السيارة بسعادة فها هي تحقق أولى أمنياتها معه في هذه البلد .
أما هو فالتفت يستقل جوارها وسحبها إليه يلصقها بها ليتناول فاكهته مستمرًا في حركاته التي باتت جزءًا لا يتجزأ منه برغم تذمرها واعتراضها وخجلها .
❈-❈-❈
توقف صقر أمام فيلا آسيا والتفت يطالع نارة متفحصًا إياها بدقة فوجدها تتجنب النظر في عينيه ثم تحمحمت تترجل فناداها قائلًا بهدوء :
– بلغي سلامي لآسيا هانم ، وأنا هخلص شغلي واعدي عليكي ، ولو احتجتي حاجة كلميني .
أومأت له بتوترٍ ملحوظ وهي تعلم جيدًا أنه يلاحظه ولكنها تحركت تغادر قبل أن تفضحها عيناها أكثر من ذلك .
دلفت الفيلا وتحركت على الفور نحو المبنى فأتت آسيا تستقبلها بترحابٍ حافلٍ قائلة بحنو :
– نارو حبيبتي عاملة إيه ؟
بادلتها نارة وسكنت قليلًا في حضنها الذي كان ولا يزال نبعًا لـ ما تحتاجه من قوة ودعم ثم ابتعدت تطالعها بعيون حزينة وتساءلت :
– أميرة فين يا ماما .
أشارت آسيا للداخل فدلفت نارة لتجد أميرة جالسة في بهو المكان لا حول لها ولا قوة وعلى ملامحها التوتر والخجل يتصافحان .
تقابلها مايا تطالعها بغيظ وقد تجاهلت نارة التي بدورها أجلت النظر إليها وأسرعت تجلس مجاورةً لأميرة وتبادلها السلام ثم نظرت لها بعمق تستشف صدق ملامحها وهي تتساءل بنبرة لينة حنونة :
– قوليلي إيه اللي حصل معاكِ يا أميرة ، احكيلي كل حاجة لو سمحتِ وأوعدك إني هساعدك .
نظرت أميرة لها بتوتر ثم مالت برأسها تنظر إلى آسيا ثم مايا ثم عادت لها تردف بصوتٍ متقطعٍ ضعيف :
– هحكيلك كل حاجة .
أومأت لها وبدأت أميرة تأخذ نفسًا قويًا ثم تسرد إليها قصتها من البداية وآسيا ومايا تستمعان بانتباه شديد .
❈-❈-❈
وصلا إلى الفيلا التي استأجرها خالد بعدما تهرب أو تكاسل عن الذهاب إلى أبو ظبي كما وعدها وحينما انتبهت سألته فأجابها أنهما سيستريحان أولًا ثم سيأخذها إلى هناك بعكس ما تمنت فهي كانت تريد الذهاب إلى هناك قبل أي شيء وكانت تأمل في أخذه إلى هذا المعلم الإسلامي الرائع ولكنه مجددًا يراوغ .
توقفت السيارة أمام فيلا مطلة على البحر مريحة واسعة نسبيًا بعيدة عن الأنظار .
كانت رائعة تقع على أطراف النخلة في منطقة الچميرا .
مكانًا رائعًا يسحر عين الزائر خاصة في حالتهما كزيارة أولى لهما هنا ولكن خديجة كانت في حالة صمت ، صمت وحزن ولكنها أجلت النقاش إلى أن يصبحا بمفردهما .
دلفا الفيلا مع الوكيل المسؤول عن رحلتهما والذي بدأ يشرح لهما أركان الفيلا وكان مندمجًا في شرحه العملي لذا تركه خالد متأفأفًا ومجبرًا خاصة وهو يلاحظ تجهم وجه خديجة وحزنها منه ومن فعلته .
تحدث خالد بعنجهية ودون اكتراث حينما لم ينتهِ الآخر من شرحه :
– أستاذ فيصل دعنا نكتشف المكان بأنفسنا .
تحمحم فيصل بحرج والتفت يطالعه ثم أومأ طواعية وأردف بهدوء :
– حسنًا أستاذ خالد كما تريد ، عن إذنكما .
تحرك نحو الباب يغادر على الفور وما إن أغلق الباب حتى سُحبت خديجة بفعل يده لتستقر عند صدره وهو يطالعها بتمعن وتعمق متسائلًا بأنفاسٍ ملتهبة ومشاعر كاسحة طغت على ظاهره :
– لمَ الحزن ؟
تنفست بقوة تطالعه وتتعمق في ملامحه ثم جاهدت لتبتسم وتحدثت بهدوء وتعقل :
– لا أريد أن أصبح مملة خالد ولكن فضلًا حينما تعدني بشيء يجب أن تنفذه ، أنا أكره خلف الوعود .
طالعها بعمق قليلًا ثم أومأ وتحدث وهو يتحسسها وعينه تنظر لهدفها :
– معكِ حق ، فقط أردتُ أن نستريح اليوم هنا ونبدأ بالتنزه غدًا .
أرادت أن توضح له سبب زيارتها ولكنها قررت التحدث عن ذلك في وقتٍ لاحق ، لا تريد أن تعرض حزنها عليه الآن لذا ابتسمت بهدوء قائلة بنعومة طبيعية تصيبه في عُش مشاعره المأججة :
– تمام يا حبيبي .
ما إن انتهت شفتيها من أحرف ( حبيبي ) حتى أسرع يفترسهما وكأن هذه الشفاه لم تكن تتفوه بل كانت تتراقص أمامه بإغواء لباه على الفور وهو يلتهمها في قبلة شغوفة لن يقل شغفها أبدًا ويديه تسبح بجرأة فوق منحنياتها .
أجفلت من غزوه الذي أتى مفاجأً وهي لم تعُدّ أسلحتها بعد لا تُدرك أنها تمتلك سلاحًا نوويًا تستعمله في كل مرة يغزوها هذا الخالد فتجعل منه ذائبًا في هواها كالحديد المنصهر .
لم تستطع مواكبة حركاته ولكن جسدها دون إرادة منها يطالبه بالمزيد ومشاعرها تصفق لأفعاله لذا فقد تبخر حزنها منه مؤقتًا وارتفعت يديها تلقائيًا إلى خصلاته تغرق فيهما بأصابعها الناعمة بحركةٍ بسيطةٍ لها ساحقة لـ لُبه الذي سُلب منه فأسرع يرفعها عن الأرض وقبلاته لا تهدأ ويديه باتت تنزع ما يعيقه عن الوصول إلى كنوزه دون أي حواجز وقدميه تخطو نحو أريكة ما كان قد لمحها منذ قليل لينحني بها عليها وهو يعمل على سلب عقلها كما فعلت معه ، فالحب بالحب والمتعة بالمتعة والشغف بالشغف والبادئ يتحمل .
بعد وقتٍ يبتسم بسعادة على ما حدث ، زادت ابتسماته وضحكاته منذ أن تزوجها ، شعور الكمال الذي يتوغله في كل مرة لهما يجعله أكثر الرجال حظًا على تلك الكُرة التي لا توجد عليها إمرأةً قادرةً على إعطائه هذا الشعور كما تفعل تلك النائمة الجميلة .
تنام داخله سامحًا لها بكل ترحاب أن تتوغله ويديه تزيد من توغلها به ويده الأخرى تمسد خصلاتها بترتيب هادئ وهو يقول بنبرة غافية وابتسامته لا تفارقه :
– كم أنتِ شهية يا خديجة ، أصبحت مدمنًا عليكِ .
كانت واعية تسمع كلماته ونبضاته ولكنها بعد كل لقاء تفضل التزام الصمت لتستشعر السعادة دون خجل .
تنهد بقوة وعيناه تكاد تبصران ثم نهض بها يحملها بين ذراعيه كطفلةٍ لا تزن شيئًا واتجه يصعد الدرج المؤدي للغرف العلوية .
لم يكن من الصعب عليه اكتشاف الغرفة الأساسية لذا توجه إليها وفتحها ودلف بها نحو السرير ثم تمدد عليه ومددها يعانقها ويفرد الغطاء عليهما ثم انحنى يقبل ثغرها وعاد يردف وعينه مغلقة :
– لم أكن أعلم معنى النوم طوال سنيني ، الآن فقط ومعكِ أعيش معاني كل الأشياء الممتعة التي غابت عني .
غفى بعدها كما فعلت هي بذهنٍ صافٍ دون التفكير والتطرق لأي أمرٍ آخر .
❈-❈-❈
انتهت من سرد قصتها كاملة ، انتهت ولم تنتهِ دموع كلاً من آسيا ونارة ومايا ، ثلاثتهن بكينَ عليها تأثرًا لما حدث معها ، لم تجد نارة حروفًا تواسيها بها وأنبت مايا نفسها على تسرعها في الحكم عليها بينما اتجهت آسيا تجاورها وتعانقها مثلها كمثل ابنتيها فهي أيضًا ضحية لتلك العائلة المتوحشة .
تفاجأت أميرة من عناق آسيا وزاد نحيبها ولكنها تعلقت به ، بل كللتها بيدها خوفًا من ابتعادها الآن ، هي بأمس الحاجة لهذا العناق ، باتت تبكي ويد آسيا الحنونة تربت على ظهرها وتهدهدها كطفلة صغيرة وليتها سقطت في طريق هذه السيدة أيضـا كما سقطت نارة من قبل لكانت الآن في حياةٍ أفضل ولكن هل ياليت تجدي نفعًا ؟
تجلى غضب نارة على ملامحها وتحدثت بنبرة صارمة قوية من وسط دموعها :
– البني آدم ده لازم تنفصلي عنه في أقرب وقت .
ابتعدت عن آسيا تطالع نارة بعيون ينبت بهما بريق الأمل وهي تردف :
– هو ده اللي محتاجة أعمله بس خايفة ، لا هو ولا أهلي هيسبوني .
– متخافيش ، حتى لو هتعيشي معايا هنا .
قالتها آسيا بصدق وحنانٍ بالغ فضيقت مايا عيناها بتعجب حتى لو رأفت لحالتها ولكن كيف ستبقى هنا لذا قالت مستنكرة :
– إزاي يا مامي ماينفعش ، حضرتك ناسية إن أنا وعمر هنتجوز هنا .
باغتتها آسيا بنظرة عتاب بينما تحدثت نارة بتروٍ :
– الأول تطلق منه وبعدين نأمن لها مكان مناسب ولازم تلاقي شغل مناسب وتعتمدي على نفسك .
أومأت أميرة بدموع الأمل التي تذرف منها بينما تحدثت آسيا وهي تنظر نحو نارة :
– إيه يا نارو هنعمل إيه دلوقتي ؟
شردت قليلًا ثم تحدثت بتروٍ :
– للأسف أميرة حاليًا مافيش معاها أي أوراق ، علشان كدة يا ماما لو سمحتِ هتاخدي أميرة بعربيتك وهتروحوا تطلعوا بدل فاقد ، وأنا هكلم أستاذ ( مدحت منصور ) المحامي لو ينفع تقدم بلاغ بعدم التعرض من جوزها يبقى كويس جدًا وبعدها هنشوف إيه الإجراءات اللازمة ونعملها .
تساءلت آسيا وهي تومئ مؤيدة :
– تمام يا نارة بس مين المحامي ده ؟
تنهدت نارة وتابعت :
– ده والد ريهام صاحبتي اللي اتعرفت عليها في دار النشر ، هو محامي شاطر جدًا في قضايا الأسرة وأنا بلغت ريهام تكلمه وهو ماعندوش أي مانع يساعدنا ، بس الأول لازم أميرة تطلع بطاقة شخصية لإن أكيد مش هتعرف توصل لبطاقتها .
أومأت أميرة بقلة حيلة فهي لا تملك أي إثبات بينما تابعت نارة وهي تطالع آسيا :
– أنا كنت اتمنى اروح أنا مع أميرة بس مش هينفع لإن صقر ماعندوش علم ، فلو سمحتِ تاخدي أميرة وتروحي حالًا .
أومأت آسيا تنهض قائلة بدون تردد :
– حالًا ، هقول لعمر يجهز نفسه وييجي معانا .
– بلاش عمر يا ماما .
نطقتها نارة قبل أن تنطقها مايا التي انسحب قلبها ولكن أتى رفض نارة مطمئنًا حيث لم تنسَ ما حدث معه من قبل على يد صقر وهي لا تريد توريطه في مشكلة مع هؤلاء ، يكفيه أنه أحضرها .
تعجبت آسيا ولكنها أومأت وتحركت وهي تقول :
– تمام أنا هروح أجهز نفسي حالًا .
ذهبت بالفعل بينما نظرت نارة نحو مايا وتحدثت بنظرة تحمل عتابًا :
– مايا ممكن تجبيلي حجاب أسود ونضارة ؟
تعجبت مايا ولكنها أومأت ونهضت لتحضر ما طلبته بينما امتدت يد نارة تحيط بيد أميرة الشاردة والتي تتناقض مشاعرها بين الخوف الطاغي و فرحة الخلاص .
❈-❈-❈
بعد سويعات قليلة استيقظت خديجة تشعر بالجوع يقرص معدتها لذا حاولت التسلل من بين قيوده ونجحت ثم ترجلت تشعر بالخجل من هيئتها وشعرها المشعث لذا امتدت يدها تنتشل إحدى الأغطية الرقيقة الموضوعة على طرف الفراش ثم لفتها حول جسدها ونهضت تخطو نحو الحمام ولكن قبل أن تصل إليه لاحظت تسلل ضوءًا من خلف النافذة الزجاجية المغطاه بستائر ثقيلة تحجب الضوء .
أخذها فضولها لرؤية الواجهة لذا وقفت أمامها تهز رأسها يمينًا ويسارًا بعيون مغمضة لتعدل من ترتيب خصلاتها ثم عادت تبصر وامتدت يدها تزيح جزءًا صغيرًا من الستار وتتطلع إلى الخارج بملامح رسمت فوقها الدهشة والبسمة من جمال المكان وروعته
– خديـــــــجة .
أجفلت حينما صاح بها بحدة وهو يتكىء على الفراش فالتفتت تطالعه بصدمة ولكنه قفز مسرعًا إليها ثم مد يده يزيح جزءًا صغيرًا من الستار ويتطلع خارجه بعيون حادة ومتصيدة وعندما لم يجد سوى البحر عاد إليها يطالعها بنظرة قاتمة متسائلًا :
– كيف تقفين أمام النافذة وأنتِ هكذا ؟
صدمت من تصريحه الغير متوقع أبدًا منه ولكنها هزت منكبيها تجيب ويدها تشير إلى الخارج باستنكار :
– نحن أمام البحر خالد ولا يوجد مخلوقًا هنا ، ثم أنني لم أزح الستار بل فقط طرفه لأرى المكان ، ماذا دهاك ؟ .
وقف يطالعها وجسده كبركانٍ أوشكت فوهته على الاندلاع وعقله يهيئ له ماذا إن رآها أحدهم بهذا المنظر .
حسنًا أمره يسوء حقًا ، غيرته تتعاظم ولم يعد يدرك ما يحدث معه ، لقد جاء بها إلى هذا المكان البعيد عن الأعين ولكن برغم ذلك ما إن شعر بخواء الفراش جواره استيقظ من عمق نومه وحين التفت ووجدها عند النافذة بهذه الهيئة كاد أن يجن .
هو بحياته لم يتذوق طعم الغيرة المُر هذا ، بل طعمها كتذوق جمرةٍ ملتهبة تحرق صدره وروحه وجسده بالكامل ، لا يتخيل أن يراها أحدهم بهيئتها كما يحدث معه .
أسبل جفنيه يجاهد ليتحكم في أفكاره ويستجمع هدوءه .
كانت تتابعه بتعجب بل بصدمة وحين طال صمته قالت مستفهمة :
– خالد ممكن أفهم إنت بتتصرف كدة ليه ؟ ، أنا ابتديت أخاف من تصرفاتك دي .
تنفس بقوة ثم عاد يطالعها وابتلع ريقه وقال وهو يمسح على وجه :
– حسنًا أنتِ محقة ، أنا فقط ظننت أنّه ربما يوجد أحدٌ ما في الخارج .
تحاول تفهم غيرته الزائدة التي لم تكن تتوقعها من شخصٍ مثله ولكنها تنفست بقوة ثم قالت بهدوء :
– حتى لو فيه حد برا أنا منتبهة كويس أوي يا خالد ، أظن إنك عارفني كويس ، مستحيل اقبل بحاجة زي دي .
نعم هي صادقة وهو يعلم أنها كذلك ولكنه لا يستطيع التحكم في تصرفاته لذا رفع رأسه يلتقط نفسًا قويًا ثم عاد يطالعها قائلًا بهدوء وابتسامة حولت ملامحه تمامًا ليصبح أشد وسامة :
– حسنًا أخبريني لمَ نهضتي من جواري ؟ ، ألا يعجبكِ النوم في أحضاني ؟
قالها بخبث وغمزة جعلتها تلتفت للجهة الأخرى وتقضم شفتيها وهي تحاول أن تهدأ من ناحيته ثم عادت تطالعه بعدما قررت التفهم لتلاحظ أن جذعه عاريًا أمامها لذا نزلت بنظرها لا إراديًا إلى وشومه التي غابت عن عينيها بفعل غزواته لذا تنهدت بضيق ممزوج بالخجل وعادت تنظر لعيناه فتابع وهو يقترب بعدما لاحظ نظراتها :
– هل تعجبكِ تفاصيل زوجكِ يا شهية .
ابتسمت وتوردت وجنتيها بحُمرة الخجل ثم ابتلعت ريقها وقالت بمغزى وهي تناظره بعدما التصق بها :
– تعجبني ، عادا هذه الوشوم .
لم يعترض أو يتذمر بل قال بخبثٍ :
– حسنًا يمكنكِ نزعها بأسنانكِ ، اقضميها جميعها ولا تبقي لها أثرًا .
مد يده يسقط الغطاء الذي تحتمي به منه وانحنى إليها لتبدأ قبلاته وحركاته التي تقابلها بحبٍ واستسلام بل بدأت تظهر القليل من الترحاب لهذه المشاعر .
❈-❈-❈
عادت آسيا إلى الفيلا وتجاورها أميرة التي باتت تتنفس شاعرةً لأول مرة بالقليل من الحرية كما لو كانت عصفوراً عاش في قفصٍ مظلم وها هو يرى النور ولكن لم يُحَل وثاقه بعد .
هناك أملًا ينمو شيئًا فشيئًا داخلها وقد أنجزت بمساعدة نارة وآسيا أولى خطواتها .
وأخيرًا امتلكت أسلحة حتى ولو كانت ضعيفة ولم يعد هناك من يقف في طريقها نحو حريتها .
كانت آسيا سعيدة فقد حققت أيضًا شيئًا أراح ضميرها وطمأن قلبها الذي رأف لحال هذه المسكينة .
دلفت آسيا وتبعتها أميرة إلى الداخل حيث تنتظرهما نارة بأعصابٍ مشدودة حتى برغم طمأنتها عبر الهاتف .
نهضت تقابلهما وتساءلت بترقب :
– ها كله تمام صح ؟ ، حصل أي حاجة غريبة ؟
هزت أميرة رأسها بلا وهي تطالعها بنظرة امتنان لو تجسدت لظلت تقدم شكرها وامتنانها دومـًا لهذه النارة التي ستكون سببًا في نجاتها لذا تحدثت بعيونٍ لامعة وهي تشعر بدوار خفيف تغلبه فرحتها :
– أنا مش عارفة أقولك إيه بجد ، إنتِ كنتِ طوق النجاة اللي ربنا بعتهولي ، إنتِ وطنط آسيا هفضل مديونة ليكوا طول العمر .
ابتسمت لها نارة بود ولطافة وقالت :
– مافيش الكلام ده ، المهم طمنيني بلغتي أنه بيئذيكي ! .
تنهدت تنهيدة قوية وأومأت توضح :
– أيوة ، والضابط قال إنهم هيحققوا ويتأكدوا من كلامي .
سعدت نارة بهذا كثيرًا ثم حركتها لتجلسا سويًا ولكن توقفتا حينما استمعتا إلى صوت آسيا وهي تردف بصدمة وتوتر :
– نارة .
التفتت نارة تطالعها لتجفل حينما وجدت صقر يقف عند الباب فتجمدت تنظر إلى عينيه اللتان سلطهما عليها دونًا عن غيرها لتصيبها رصاصة الخذلان في نظرته لذا تنهدت بحزن وتحركت بتوترٍ تتقدم منه حتى تشرح له ما حدث ولكنها توقفت حينما قال بهدوء وعينه عليها :
– اتفضل يا عاطف بيه .
صدمة سمرتها مكانها وليست هي فقط بل هذه المسكينة التي لم تكد تلتقط أنفاسها وها هو يظهر مجاورًا لصقر وما إن وقعت عيناه عليها حتى اندفع دون إذنٍ يسرع خطاه إلى أن وصل إليها وسحبها على الفور يعانقها بقوة كادت تذيبها وليتها تفعل وهي متخشبة تشعر بخيبة أمل تهاجمها وتود انتزاع قلبها من مكانه .
يعانقها قائلًا بنبرة تجلى فيها الاشتياق الذي تعجبت له آسيا :
– كدة يا أميرة تمشي وتسبيني ؟ ، دا أنا كنت هموت يا أميرة ، ليه تعملي كدة ؟.
لم تتفوه ببنت شفة لذا ابتعد يطالعها ويتطلع إلى ملامحها كاملةً وداخل عيناه نظرة انتصار حطمت قلاع أحلامها وحريتها بل هدمتهما فوق رأسها وهو يسحبها ويتحرك قائلًا :
– يالا يا حبيبتي نروح ونتكلم في بيتنا .
– أميرة مش هتمشي من هنا .
هكذا نطقتها نارة التي حررت نظراتها المثبتة على زوجها والتفتت تطالعه وقبل أن يمر نطقتها بقوة وإصرار فتوقف عاطف متمسكًا بكف أميرة بينما نظرته على نارة يطالعها بغضبٍ لو تجسد لأحرقها لذا ما إن وجده صقر ينظر نحوها حتى اندفع يقف أمامها يمنعه من النظر لها ويطالعه بنظرة حذرة ثاقبة قائلًا بحدة :
– خد مدام أميرة واتفضل يا عاطف بيه .
أدركت أميرة أن رفضها للذهاب معه تعني مشكلات لا حصر لها مع هاتان اللتان أكرمتاها وساعدتاها لذا تحدثت أخيرًا بحروف متقطعة وجسدٍ هزيلٍ وهي تنظر نحو نارة :
– ماتقلقيش يا نارة أنا هكون كويسة .
هزت نارة رأسها بلا وتحدثت بقوة لا تعلم كيف امتلكتها ولكن خوفها على هذه التي تنطق بعكس ما تظهر عيناها :
– مش هتمشي يا أميرة .
تقدمت تقف أمام وجه صقر وتطالعه بنظراتٍ عميقة قائلة :
– أميرة مش هينفع تمشي .
نطقتها ليس كأمرٍ ولكن كتوسل وهي تعلم أنه الوحيد هنا القادر على منعها حيث رآى في عينيها الترجي فقابله بنظرات حادة وتحدث من بين أسنانه :
– نارة بلاش تدخلي .
كادت آسيا أن تتحدث وتخبره بأفعال عاطف مع تلك المسكينة التي ترتعش ولكن يد صقر التي رفعها عاليـًا منعتها من نطق أي شيء لذا التزمت الصمت وهي تشعر أن هناك أمرًا ما بينما عاد صقر ينظر نحو عاطف وتحدث مجددًا بصرامة واضحة :
– خد مدام أميرة واتفضل إنت يا عاطف بيه .
أومأ له عاطف بنظراتٍ متبادلة وتحرك بها ينسحب من القصر وتنسحب روحها كلما تحركت معه ونارة تطالعها بعجزٍ وقهرٍ ودموع .
خطت خارج الفيلا وغابت عن أعينهم ووقف هو يستعد لمواجهتها ولكن أتت نبرتها متألمة لتذكره وتعيده إلى لحظات يود أن ينساها ، نفس النبرة حينما اكتشفت حقيقته مسبقًا :
– ليه عملت كدة ؟
التفت لها فنحرته نظرتها وهي تهز رأسها وتتابع بصدرٍ ضيق :
– ليه يا صقر عملت كدة ؟ ، معقول أنا مبقاش ليا أي خاطر عندك .
ببراعة أخفى مشاعره وتحدثت بقسوة متعمدة :
– مالكيش حق تحاسبيني ، خبيتي عني إنها كلمتك الصبح ، وكلمتي عمر من ورايا يروح لها وخبيتي عني حقيقة جيتك هنا ، يبقى مالكيش حق تحاسبيني أبدًا .
التفت يتحرك مغادرًا على الفور فأوقفته آسيا قبل أن يخطو للخارج وتحدثت بلين :
– ثواني يا صقر ، نارة يمكن غلطت بس فيه حاجات كتير إنت ماتعرفهاش ، اتكلموا الأول لو سمحت .
نظر لها مطولـًا ثم التفت يطالع هذه التي تسلطت أنظارها عليه ودموعها تسقط بلا هوادة فأسرع يعود إلى آسيا قائلًا بهدوء واحترام :
– معلش يا آسيا هانم ، أنا عارف أنا بعمل إيه وده مش وقت الكلام .
– لو عمل في أميرة حاجة أنا مش هسامحك يا صقر .
نطقتها بضعفٍ وهي تتمنى أن يقُول أو يفعل أي شيءٍ يريحها ولكنه تجاهلها وتحرك يغادر وتركها تقف تتابعه بقلبٍ ممزق سقط بين عدة مشاعر أقصاها هو ثم هو ثم هو ثم أميرة .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ كان يغلق الباب حاملًا في يده أكياس طعامٍ جاء بها عامل التوصيل .
تركها على الطاولة واتجه إلى تلك التي مازالت مسترخية في الأعلى داخل حوض الاستحمام .
فتح دون استئذان فأجفلت وتوترت بخجل لم ينزح عنها كاملًا ثم انخفضت بجسدها قليلًا تختفي أسفل الرغاوي قائلة بالقليل من الاستجمام الذي وتره دخوله :
– خالد لو سمحت أخرج .
لم يطعها بل اقترب يجلس عند طرف الحوض ومد يده يتلمس وجنتها قائلًا بنبرة مأخوذةٍ بسحرها :
– ليه يا هبيبي ؟
مالت برأسها نحو لمساته وهي تغمض عينيها تأثرًا لذا ابتسم على قطته الناعمة بينما هي استردت وعيها ورفعت أنظارها تطالعه برجاء قائلة :
– مش هعرف أخرج من البانيو وانت هنا .
قهقه حتى ظهرت أسنانه ثم قال ويده تنسحب من على وجنتها ليرتكز على حافة الحوض قائلًا بخبث وجرأة :
– ما رأيكِ أن أنضم لكِ بدلًا عن خروجكِ .
توترت كليًا وتحدثت مترجية :
– خالد لو سمحت بجد هزعل منك ، واحدة واحدة عليا .
زفر مطولًا وتعمق فيها قليلًا لا يريد أن يعتقها ولكنه أيضـًا لا يريد الضغط عليها عليها أكثر خاصة وهي جديدة على هذه العبثيات الخاصة به لذا خرجت منه تنهيدة بائسة ونهض يغمز لها وقال :
– حسنـا سأذهب لأعد الطعام وانتظركِ خارجًا ، إن لم تأتِ خلال دقيقتين لا تلومي إلا نفسك يا شهية .
غادر مجبرًا وتركها تلتقط أنفاسها ثم أسرعت تغتسل لتخرج قبل أن ينفذ تهديده .
❈-❈-❈
تناولوا وجبة الغداء وجلسوا جميعهم يرتشفون الشاي في بهو الفيلا الخاص بهم ويتحدثون عن شؤونهم لذا قال حسن موضحًا :
– أنا وأمك يا يوسف حجزنا عمرة وقريب هنسافر نعتمر واختك في أمانتك ، مش هوصيك عليها .
نظر يوسف إلى شقيقته حنان التي تشاغبه برقصة من حاجبيها فابتسم وتحدث بنبرة ساخرة :
– يا بابا حضرتك لازم توصيها هي عليا ، تاخد بالها مني ومن أكلي ومن لبسي ومواعيد شغلي .
– نعم يا حبيبي ؟ ، ما تروح تتجوز أحسن .
نطقتها بغيظ من تصريحه لذا تابعت والدتها بلومٍ وتوبيخ مبطن :
– ينفع تكلمي أخوكي الكبير كدة ؟ ، أينعم معاكِ حق في مسألة الجواز بس بردو عيب .
نظرت لشقيقها بابتسامة بلهاء تخبره بها أنها قلبت والدته عليه لذا باغتها بحنق وتحدث بتأنٍ وغموض :
– ادعيلي وانتِ هناك يا ست الكل يمكن دعوتك تستجاب ، ادعيلي ربنا يحقق لي مرادي .
نظرت له بشك وتحدثت متسائلة ببعض الخوف :
– مرادك ده اللي هو إيه يعني يا يوسف ؟ .
– جواز يا أم يوسف ماتقلقيش .
قالها مطمئنـًا فتنهدت بارتياح ورفعت يدها عاليـا تدعو :
– يارب يا يوسف يا ابن بطني يحقق لك مرادك .
ابتسم برضا وتنهيدة حارة وهو يفكر في مراده وهل حقًا يمكن أن يتحقق .
طرقات على الباب راعت انتباههم فوقفت حنان تردف وهي تخطو لتفتح :
– يارب ما يكون حد من اعمامي .
– حنـــــــــان .
قالها حسن معنفًا فوضعت كفها على فمها ومدت يدها الأخرى تفتح الباب لتظهر أمامها زوجة عمها سمير بوجهها الحزين حيث تعجبت حنان من رؤيتها قائلة :
– أهلًا يا طنط اتفضلي ! .
تحمحمت بحرج ودلفت تنظر نحوهم ثم ثبتت أنظارها على حسن قائلة بتوترٍ ملحوظ والحزن يشع من عينيها :
– كنت عايزة أتكلم معاك في موضوع مهم يا أبو يوسف .
نهض حسن مرحبـًا يشير لها أن تجلس وكذلك رحبت بها زوجته بودٍ فهي طيبة ومسالمة على عكس سلفتها الأخرى .
اتجهت تجلس على إحدى الأرائك وبدى توترها يتعالى لذا قال حسن آمرًا :
– اطلعي يا حنان يالا علشان تذاكري .
صعدت ابنته بطاعة بينما نهضت زوجته قائلة بلطفٍ :
– وأنا هعملك عصير برتقان ، أنا عارفة إنك بتحبيه .
غادرت ونهض أيضًا يوسف قاصدًا الخارج فأوقفته زوجة عمه قبل أن يغادر قائلة بترجٍ :
– خليك يا يوسف ، إنت كمان عايزاك تسمعني يابني .
ضيق يوسف عيناه وعاد يجلس مكانه فتنهدت تطالعهما وبدأت تسرد قائلة بحزنٍ بالغ :
– ابني طه ، أنا حاسة إنه ماشي في سكة غلط .
ظهرت التساؤلات على وجهي حسن ويوسف ونطق الأول متسائلًا بشك :
– سكة غلط إزاي ؟ ، أوعي يكون بيشرب ؟
هزت رأسها بـ لا وتابعت بقهرٍ استنزف روحها :
– إلحاد .
صدمة أفقدتهما النطق وهما ينظران لبعضهما ولم يستوعبا جملتها بعد لتتابع باستفاضة :
– هقولكم على اللي حصل .
❈-❈-❈
يجلس على الطاولة ينتظر مجيئها بعدما تعاونا في وضع الوجبة في الأطباق واتجه يسبقها بينما هي تحمل العصائر وتقترب منه .
وضعت الكوبين على الطاولة ثم تحركت لتجلس بجانبه ولكنه أسرع يتمسك بمعصمها ويسقطها في حركةٍ مفاجئة على ساقيه وانحنى يلتهم شفتيها اللتان كادت أن تعترض بهما وهي تحاول النهوض ولكنه ثبتها بيديه ويقبلها بنهم ثم ابتعد يلهث أمام شفتيها بعيونٍ شبه مغلقة قائلًا :
– لا جلوس لكِ سوى على قدماي ولا طعام لكِ سوى من يدي .
برغم نبضات قلبها المتعثرة في نوبات عشقه وجنونه إلا أنها تحدثت معترضة بضعف :
– مش هينفع يا خالد ، مش هتعرف تاكل كدة .
هز رأسه رافضًا اعتراضها يردف بحزمٍ وأنفه تتلاعب بأنفها :
– سآكلكِ .
بالفعل مد يده يتناول قطعة لحمٍ يقضم طرفها ثم غمزها يشير لها في حركة تعني أن تشاركه التذوق وبالفعل استسلمت لرغبته وانحنت بحرجٍ طفيف تقضم برقة الطرف المقابل لقطعة اللحم التي أسرع يلتهم ما تبقى منها آخذا معها فمِ هذه المستجدة على كم هذا الشغف والدلال والاستمتاع من نوعٍ خاص .
ابتعدت تقضم شفتيها بحرج ثم التفتت تتناول قطعة أخرى وعادت إليه تمدها في فمه فرفض متذمرًا يقول بخبثٍ وتلاعب ليفتت ما تبقى من خجلها :
– افعلي مثلما فعلت أنا .
زفرت بيأس ولم تجد مفرًا للخلاص سوي الرضوخ لرغباته لذا وضعت طرف القطعة في فمها واقتربت منه فقبض متلهفًا على طرف القطعة المجاور وهو متحمسًا ينتظر قبلتها مثله ولكنها أسرعت تنهض من فوق قدميه بعدما أعطاها الأمان وفرت هاربة وهي تقهقه عليه خاصة بعدما تفاجأ من هروبها ولكنه وبنظرة خبيثة ماكرة ومتوعدة قال مشيرًا على ساقيه :
– خديجة عودي إلى مكانكِ وإلا لا تلومي إلا نفسك .
يبدو أنها تجرب خظها مع هذا الوحش الكاسر ووقفت مبتعدة تردف بتذمر لذيذ :
– لاء مش هرجع ، إنت مانعني آكل وأنا جعانة .
نعم من المؤكد هي جائعة مثله بل أكثر لذا تنهد باستسلام وتحدث بصدق يخفي وعيدًا :
– حسنـًا أعدكِ سألتزم الهدوء ، إلى أن نأكل فقط ، هيا ع .
أطرقت كتفيها باستسلام ثم عادت تخطو نحوه وجلست على مقعدها تجاوىه ثم تناولت بالشوكة قطعة لحمٍ أخرى ومدتها إلى فمه تطعمه بحبٍ وهو يطيعها كطفلٍ بار وعينيه تسافر على تفاصيلها بتوعد .
❈-❈-❈
استمع حسن وابنه إلى حديث زوجة شقيقه وقصة طه كاملة ، أصابه الحزن الشديد إلى ما آلت إليه الأمور في بيت شقيقه ولأي مدى وصلت تلك العائلة .
لم تكن صدمة يوسف أقل منه ولكنه تحدث متسائلًا :
– هنعمل ايه يا بابا ؟
لم يجد حسن ما يجيبه به لذا رفع رأسه يطالعه ثم عاد يطالع زوجة شقيقه وتحدث :
– أنا لازم أتكلم معاه ، لازم نساعده يا يوسف قبل فوات الأوان .
أومأ يوسف مؤيدًا ولكنه تحدث بحكمة :
– تمام يا بابا أكيد هنساعده ، بس موضوع الإلحاد ده أكبر من إننا نرجعه ، طه محتاج حد متخصص ومعاه حجة وعلم يحاول يقنعه بيه .
شعرت باليأس لذا بكت وتوسلتهما قائلة :
– حاول يا يوسف ، حاولوا معاه أبوس إيديكم ماتسبهوش يروح كدة .
أومأ حسن مطمئنـًا وتحدث بحزن :
– مش هنسيبه ، نسيبه إزاي ، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب .
❈-❈-❈
مساءً ترجلت تخطو نحو المطبخ بعدما ايقظها العطش ولم تجد ماءً جوارها .
كان نائمًا وتملل حينما لاحظ حركتها فـ قبلته وطمأنته أنها ستشرب وتعود .
خطت نحو المطبخ وتناولت كوبًا تعبئه من منقي المياه وروت عطشها ثم بحثت بعينيها عن قنينة زجاجية تملؤها ربما يحتاج هو أيضًا للماء .
لم تجد ما تبحث عنه لذا تحركت تفتح إحدى الدرف الخشبية فوجدت بها أواني معدنية فأغلقتها وانحنت تفتح أخرى تنظر بها وما إن وجدت ما تريده حتى زفرت وابتسمت ومدت يدها تلتقطها ولكنها لم تكن قنينة زجاجية أو فارغة بل كانت عبارة عن زجاجة مشروب أبيض كتب عليها بالانجليزية ( نبيذ أبيض )
شهقت ووقفت أمامها متخشبة تطالعها ببلاهة ، لأول مرة ترى وتمسك هذه اللعنة .
توقف عقلها عن التفكير لثوانٍ قبل أن تدرك أنه خبأها هنا ، زفرت بحزن وضيق وقررت سكبها دون إخباره ولترى ماذا سيفعل .
تحركت نحو الحوض وحاولت فتحها فلم تفلح لذا استخدمت سكين وفتحتها ثم سكبت محتواها في الحوض وملأتها مياة نظيفة وعادت تغلفها بطريقة عشوائية ثم اتجهت تضعها مكانها واعتدلت تزفر بقوة وتقوى نفسها ، عليها أن تقوى وتستخدم وسائلها في إصلاحه ، هذه خطتها من البداية وستسلكها ، هي تعلم من هو ومن أين أتى ولهذا يجب أن تضع قوانينها وعليه أن يتبعها بالحب ، لن تدعه يتناول هذا المنكر مرة أخرى ، هذا إن كان يحبها حقًا .
❈-❈-❈
تجلس تنتظره ليأتي ويأخذها ولكن طال انتظارها ، لم يأتِ ولم يهاتفها بل تركها هكذا تشعر بالوحدة برغم وجود من تحبهم حولها .
فـ أحيانًا نجد إنسان يغنينا عن كل البشر ، شخصًا واحدًا فقط قادرًا على رسم الابتسامة على ثغرك دومًا .
شخصًا لا تحلو الجنة بدونه ولا يمكن للقلب أن ينبض لسواه ولا تشتهي العين إلا رؤيته ولا تهفو الروح إلا لهواه .
خرجت آسيا من المطبخ تحمل صينية الشطائر وأكواب العصير وتحركت تضعهما على الطاولة ثم اعتدلت تنظر نحو نارة الشاردة وتحدثت بحنو :
– نارو ، حبيبتي روقي علشان البيبي ، صقر مش بيزعل منك .
أومأت لها ولم ترد أن تتحدث عن شيءٍ خاص بهما لذا أدارت دفة الحديث قائلة بهدوء :
– أميرة كلمتني يا ماما وبتقول إنها كويسة ، ده المهم عندي دلوقتي ، وإن شاء الله أستاذ مدحت يقدر يخلصها من المجنون ده .
تنهدت آسيا بارتياح وأومأت ثم تحركت نحو المطبخ لتنادي من نافذته على مايا وعمر حيث يجلسان في الحديقة يتحدثان عمّا حدث اليوم .
❈-❈-❈
يجلس يطالعها بغضبٍ مكبوتٍ ود لو تحرر ليعاقبها على ما فعلته ولكنه مقيدٌ خاصةً بعدما باتت الأنظار تلاحقه من قِبل ذاك المحمد وزوجته التي لو تُرك له الأمر لـحاوط رقبتها بقبضته ولا ينزعها إلا بعدما تزهق روحها فهي تشكل خطرًا عليه وعليه إيجاد حلٍ في الحال .
تجلس أمامه على الفراش والخوف حليفها ، شاردة ومتعجبة من حالته دون أن تنظر له ، تعجبت حينما ناولها الهاتف لتتحدث إلى نارة ، لم تصدق نفسها إلى الآن .
هل ينوي قتلها أم ماذا ؟ ، ألن يعاقبها على هروبها ؟ ، أم أن هذا ما يسمى بالهدوء الذي يسبق العاصفة ؟
ظل يتطلع لها لبضع دقائق ثم تحدث بنبرة جليدية حادة :
– حكيتلها إيه عني ؟
توترت كليًا واحتمت بذراعيها ثم ابتلعت لعابها وقالت وهي ترفع أنظارها عليه والخوف يملء مقلتيها :
– ماكدبتش .
كان يعلم يقينًا أنها أخبرتها لذا أومأ مرارًا وابتسم فظهرت أسنانه وهو يقول بنظرات شرٍ مركزة برغم بروده :
– يا خسارة ، كان نفسي ماتكونيش سبب في أذيتها .
نهض بعدها يخطو بهدوء ينافي ضجيجه وثوراته فأوقفته تقول بترجي وهي على حافة الانهيار :
– عاطف أوعى تأذيها ، هي ملهاش ذنب بأي حاجة ، ماتنساش إنها طلعت بنت عمي .
التفت يطالعها بتفحص وعاد لشروده يفكر كيف يمكنه ترحيلها من هذه البلد قبل أن ينكشف أمره .
تابعت حينما لم يرد تقول بترجي وحذرٍ عله يتراجع عمّا يفكر به :
– جوزها مش هيسكت ، أنا مش هكلمها تاني .
أومأ لها مرارًا دون حديث ثم خطى نحو الخارج وتركها دون أن يوصد الباب ، فهو بات متأكدًا أنها لن تفكر مجددًا في الهروب ليرى ماذا عليه أن يفعل بينما جلست هي تلملم بقايا حُطامها لتحاول تجاوز تلك المحنة قبل فوات الآن .
ظلت تردد داخلها جملةً واحدةً وهي تومئ لنفسها بعزيمة مجهدة ( هتحرر منه ، هتحرر منه ومن أهلي )
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحاً .
في طريقهما إلى أول نزهة لهما والتي وضعها خالد على رأس رحلتهما .
لم تذكر ما حدث أمس على الإطلاق وحتى هو لم يلاحظ ما فعلته لذا لم يعلق على الأمر .
كانت تجاوره خديجة متحمسة لمَ هو قادم خاصةً وأنها بجوار من أحبته والذي يغمرها بدلاله وعشقه .
أحبت غيرته عليها حتى من نظرات من حولها لذا فلتستغل هذه الصفة معه وتبدأ في وضع خطط تغييره التي أعدتها مسبقًا قبل الزواج ، ستنتشله من عالمه إلى مرساتها الآمنة ، ستكون خير زوجة يعيشان سويًا في عالمٍ هاديءٍ مسالم ومحب ويخلدا معًا بعد الموت .
توقفت السيارة فانتبهت لها والتفتت تنظر من النافذة ولم تتعرف على هوية المكان ولكنه تحدث بالقرب من أذنها هامسًا :
– هيا يا شهية وصلنا .
التفتت تطالعه بعيون متعجبة متسائلة قائلة :
– وصلنا فين ؟ ، مش اتفقنا نروح أبو ظبي ؟
زفر عليها ثم تحدث بنفاذ صبر :
– نعم خديجة سنذهب كما وعدتك ، دعيني أنفذ مسار الرحلة كما خططت له ، هيا لا تعبسي .
تنهدت بعمق ثم أومأت له مستسلمة وعادت تنظر حولها وتساءلت :
– طيب إحنا هنعمل إيه هنا يا خالد ؟ ،
غمزها بطرف عينه يردف بمغزى وشقاوة وهو يعدل من وضعية حجابها الذي تأثر بفعل أحضانه قائلًا :
– سنصعد للأعلى عبر المصعد حتى نصل للقمة ثم سنتقدم حتى نصل للحافة ثم سنقفز سويًا .
نطق الأخيرة بعيون متسعة يملؤها الشغف والحماس فشهقت وفغر فاهها تطالعه بدهشة ثم هزت رأسها تردف باستنكار وشك :
– بتهز صح ؟
ضحك عليها وأومأ لها قائلًا وهو يفتح الباب ويترجل متمسكا بيدها يسحبها بحب وحماس :
– نعم أمزح ، هيا تعالي .
ترجلا سويًا وتوجها نحو هذا المبنى العالي علوًا يحبس الأنفاس .
بدأ يتحدث مع أحدهم ثم تقدموا من المصعد الزجاجي ودلفا سويًا ومعهما هذا الغريب الذي يجاور خالد ويتحدثان بالإيطالية التي لا تميزها .
زفرت وشعرت بأمرٍ غامض ولكن انتظرت إلى أن ترى ماذا يحدث فعلى ما يبدو أنه يعد لها مفاجأة ولكن مؤكد حديثه في السيارة كان مجرد مزحة ! .
وصل بهم المصعد إلى سطح المكان والذي كان يشبه قمة جبلٍ عالية تظهر المدينة بأكملها .
كانت مأخوذة بالمكان أو مذعورة منه ولكنها فقدت النطق والإدراك وتحركت معه حتى وصلا إلى تجمع بعض الناس عند الحافة لتتيقن أنه لم يكن يمزح .
تشبثت قدميها في الأرض بعدما كانت تسير بجواره فتوقف يلتفت لها فطالعته بعيون جاحظة ويدها تتمسك في يده تمنعه من إكمال سيره قائلة بذعرٍ واضح :
– إنت مكنتش بتهزر صح ؟ ، خالد مستحيل ننط من هنا .
ابتسم وعاد خطوة إليها ثم قال بحماس وهو يحثها على التقدم :
– كلا حبيبتي سنفعل هيا لا تخافي أنا معكِ .
هزت رأسها مرارًا وظلت كما هي كأنها التصقت بالأرض وتحدثت برفضٍ قاطع :
– لالالالالا ، مستحيل يا خالد ، مش هقدر أعمل كدة ، هنموت .
قهقه عاليًا على جُبنها واحتضنها يردف مطمئنًا ليشجعها :
– متخافيش يا خديجة أنا معاكِ ، يالا هبيبتي هنستمتأ سوا .
تحرك وهو يسحبها عنوة وهي تترجاه وتنسحب معه كالشاه نحو المجهول بينما هو يردد كلماته حتى وصلا إلى المكان الذي يحتوي على المعدات والملابس الخاصة بقفز المظلات .
ظلت تتوسله وهي ترى الشغف والحماس في عينيه قائلة بأنفاسٍ بطيئة والخوف يتوغلها فيزيد من نبضها بعنف :
– خالد أنا مش هنط من هنا ، بجد لو نطيت هيحصلي حاجة ، لو إنت حابب تجرب نط إنت .
هز رأسه رافضًا وهو يخلع جاكيته ليبدأ في ارتداء ملابس القفز قائلًا بنبرة ثابتة مستمتعة :
– لا خديجة لن أترككِ هنا وحدك ، سآخذك معي .
قالها بغمزة وهو يسرع في ارتداء أحزمة الأمان ويساعده في ذلك العامل المسؤول ووقفت هي تتطلع عليه بذهول وفي قرارة نفسها أنها لن تفعل مهما حدث .
بعد دقائق انتهى من ارتداء الزي والخوذة وحمل الحقيبة التي تحتوي على المظلة ووضعها على ظهره ثم تحدث إلى الرجل قائلًا :
– هيا احضر الزي المماثل لزوجتي .
ابتلعت ريقها بصعوبة وهزت رأسها تردف بتصميم واهن أمام تصميمه :
– مش هنط ، مش هيحصل .
زفر بقوة ثم تقدم منها حتى توقف أمامها مباشرةً وسلط أنظاره عليها يردف بمغزى وهو يحاوط وجنتيها بكفيه :
– بادليني الشغف خديجة ، هيا أنا أريد أن نستمتع سويًا ، أتخافين وأنتِ معي ؟
هزت رأسها وبدأت دموعها تتلألأ في عسليتها وهي تقول بأنفاسٍ ثقيلة :
– مش هقدر صدقني ، افرض الحبال اتقطعت ؟ ، لالالالالا مش هعرف أبدًا .
حاول امتصاص خوفها قائلًا وهو يشير على أحزمته :
– انظرى إنها متينة جدًا ، مؤكد لن يخاطروا بحياة البشر لا تخافي ، هيا خديجة أريد أن أفعلها معكِ .
كانت ترتعش ، أصبح جسدها يرتعش بينما هو نظر للرجل الذي أحضر الأعراض والذي تقدمت منه امرأة تنوي مساعدة خديجة في ارتدائها فأوقفها خالد يردف بثبات وتملك :
– دعيها سأفعلها أنا .
كانت تطالعه بعيون مترجية ولم تعد تستطع الرفض أمام إصراره ولكن عيناها تصرخ مستنجدة ألا يفعل فهي تشعر بخوفٍ يسيطر عليها كليًا .
لم يبالِ بنظراتها ولا توسلاتها ، كل ما يريده هو عيش تلك التجربة معها لذا تناول الحبال ونظر لها قائلًا بنظرة مترجية رجاءً مختلطًا بالتصميم :
– هيا حبيبتي .
تركت نفسها له باستسلام تام ولكن أنفاسها كانت شبه معدومة وبدأ بالفعل يلبسها الأحزمة التي تتكبل بعد ذلك في أحزمته حتى لا يتفرقا .
انتهى بعد دقائق وألبسها الخوذة الخاصة بها ونظر لهيأتها بحب وابتسم لها ولكنها لم تبادله كأنها شُلت بالكامل .
تجنب حالتها معتقدًا أنها ستستمع وتطالب بالمزيد والتفت ينظر للسيدة متسائلًا :
– هكذا أم هناك شيئاً آخر ؟.
أومأت له وتحدثت وهي تشير على رصيف الحافة :
– تبقى فقط تكبلكما سويًا ثم ستتقدمان إلى هناك وتقفزا معًا .
ارتفع الادرينالين في جسدها بشكلٍ غير مسبوق وسحبت الدماء من وجهها أمام أنظاره فتقدم منها ورأف بحالتها يعانقها بقوة ثم تحدث مهدهدًا بحنو :
– اهدئي حبيبتي أنا معكِ ، أعدك بأننا سنكون بخير .
هل تصدق وعده وتتغلب على حال جسدها أم ترفض رفضًا قاطعًا وليحدث ما يحدث ، ولكن أتى عناقه ليزيد من الضغط عليها ويجعلها تومئ له باستسلام فابتسم وأشار للسيدة أن تكبلهما بالأحزمة سويًا ففعلت وتحرك بها إلى الحافة وباتت تتحرك معه كمن تتجه نحو منصة إعدامها .
توقفا على الحافة فتشبثت به بكل ما أوتيت من قوة وهو كذلك يعانقها لتطمئن ولكن شتان بينها وبين الطمأنينة وهما على علوٍ يقطع الأنفاس .
أشار للعامل أن يدفعه وبالفعل قام العامل بدفعه فسقطا سويًا في الهواء وسقط معهما قلب تلك المسكينة التي سمعت صوته يصرخ بحماس وشغف فأطلقت صرخة مرعبة نابعة من أعماقها حتى كادت تتقطع أحبالها الصوتية ولم تتوقف عن الصراخ بل تبعها لحظة بلحظة حتى شعرت أنهما سيصطدمان في الأرض لا محالة .
وبرغم كلماته المطمئنة التي تنتشر وتتطاير في الهواء ولم تميزها إلا أن صراخها لم يتوقف حتى انفتح الشراع الخاص بهما قبل أن يصلا إلى الأرض بلحظات .
ارتفعا مجددًا نسبةً لفتح مظلتهما وباتا يحلقان لثوانٍ وهو يردف كلمات الحب حتى تهدأ ولكنها كانت في عالمٍ آخر حتى وصلا إلى الأرض أخيرًا وتهاوت المظلة بجوارهما لتنظر له خديجة بعيون غائمة بعدما انقطع صوتها فبات يطالعها بقلق بعدما تبخر استمتاعه نسبةً لصراخها المستمر وحالتها .
رفع يده إلى وجنتها يتحسسها بحنو وتساءل بقلق من شحوب وجهها :
– خديجة أنتِ بخير ؟
لم تنطق ولم تعد تحتمل الصمود بل خارت تسقط بين يديه فاقدة للوعي تمامًا بعد تجربة لن تكررها ما حيت .
جحظت عينيه وهو يتلقفها بيديه صارخًا باسمها بذعر وندم ينتابانه :
– خديـــــــــــــــــــجة .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هواها محرم)