رواية أغصان الزيتون الفصل المائة واثنان وعشرين 122 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء المائة واثنان وعشرين
رواية أغصان الزيتون البارت المائة واثنان وعشرين
رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة واثنان وعشرون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وأثنان وعشرون :-
الجُـزء الثـانـي.
“غُرة المعارك، بين دفتيِّ الحُب الجديد.”
___________________________________
رغم الصخب الذي سببهُ صوت رنين الهاتف، إلا إنها ام تستيقظ إلا بصعوبة شديدة، فتحت عيناها الثقلتين حينما كانت أذناها تختبر ذلك الصوت المألوف، فأدركت للتو إنه هاتفها المحمول. أجبرت “سُلاف” نفسها على النهوض كي تلتقط الهاتف من أعلى سطح الكومود، ثم بزرت نواجذها وهي تجيب على مكالمة وردتها غاية في الأهمية :
– ألو.. وانت كمان يا عمي وحشتني جدًا، أنا بخير متقلقش عليا، طمني عليك وعلى نضال وعِبيد.
استندت بظهرها للخلف وهي تستطرد :
– طب الحمد لله، وعلاجك ياعمي ملتزم بيه ولا لأ؟.
تنهدت “سُلاف” وقد أرّقها وجودها بعيدًا عنهم لأول مرة في حياتها :
– ما ترجع ياعمي ونبقى كلنا في مصر.. ليه مصمم على الغربة؟.
—على جانب آخر—
ترك “حمزة” متابعة أعماله عبر الحاسوب الشخصي، ثم خرج من غرفة مكتبه متوجهًا نحو المطبخ كي يسأل بإهتمام :
– خلصت الفطار ولا لسه يا مسعد؟.
التهى “مسعد” في إعداد البيض المطهي بالجبن وهو يجيبه في سرور :
– أديني بس ٥ دقايق هتاكل أحلى فطار ياأستاذ.
ثم استدار إليه ليناوله كأس المشروب الخاص بـ “سُلاف” الذي طلبه منه :
– ده المشروب اللي طلبته مني.
تناوله “حمزة” وهو يطلب الإضافة عليه :
– حط عليه تلج.
فتح “مسعد” المبرد وسحب من مكعبات الثلج المجمدة، ثم وضعها بالكأس متابعًا :
– كده حلو ؟.
– آه.
تخللت رائحة الطعام أنف “حمزة”، فأججت من شعورهِ بالجوع :
– خلص وقولي عشان أنا مت من الجوع.. ريحة الأكل مش طبيعية.
ابتهج “مسعد” من إطرائهِ ليقول :
– على طول ياأستاذ.
التفت” حمزة” كي ينصرف قائلًا :
– إنت من الحاجات الحلوة اللي عملها زيدان معايا.. كان زماني عايش على الدليڤري دلوقتي.
صعد الدرج متأنيًا حتى بلغ الغرفة، ثم طرق على الباب حتى سمحت له بالدخول :
– خلاص الفطار بيجهز تحت، يلا عشان عندنا مشوار لازم ننزله مع بعض.
قطبت جبينها بفضولٍ وهي تسأل :
– مشوار إيه؟.
ابتسم بعبثٍ وهو يجلس بقربها، ثم ناولها الكأس وهو يجيب بمراوغة :
– أكيد مش هقولك دلوقتي.
نظرت للكأس وهي ترى أوراق النعناع الطازجة بجانب شرائح الليمون بداخله، فتلوّت شفتاها وهي تردف بـ :
– انت بتحفظ بسرعة.
– بالعكس أنا نسايّ جدًا، بس لو الموضوع يخصك أكيد هتختلف.
نظرت إلى عيناه المدققة فيها، فـ فرّت منهما بإستحياءٍ غزى تعابيرها، وأطاحت بالموضوع إلى مكانٍ آخر :
– ده مكنش رأيي فيك، أنا عاملة ليك c.v (ملف شخصي) كامل قبل ما أقابلك.
انبعجت شفتيهِ مع هذه العبارة الذي اعتبرها إطراءًا لشخصيتهِ، وبعدما اعتراه الفضول المميت حبذّ وبشدة الإطلاع على ما يخصه لديها :
– ممكن اشوف الـ c.v بتاعي ده ؟.
أرادت مضايقتهِ قليلًا، فـ عثّرت الأمر بشئ من الإستفزاز الهادئ :
– معتقدش هتحب تشوفه.
ضاعف ذلك من فضوله حول ما جمعته عنه، وبات الأمر شغفًا قويًا ورغبة جامحة لن يستطيع صدّها إلا بتحقيق ما يريد :
– لأ هحب، هتوريهوني أمتى ؟؟؟.
************************************
أرادت بنفسها وبرغبة شديدة منها أن تُطلعه على كواليس السنوات السابقة، على ما كان يختبئ خلف الستار، بينما هو يلهو مع اللواتي تزوجهن زاعمًا إنه الحلال البيّن، كانت هي تسجل كل شئ يخصه بدقة شديدة، كانت خلفه گظلهِ الذي لا يفارقه، وهو لا يشعر بها بتاتًا.. لم يشعر يومًا إنه محطّ أنظار من أحد، في حين أن حولهِ ثلاث من أمهر العيون، تحاوطه ليلًا ونهارًا، في نومه وفي صحوهِ، في عمله وفي نزواتهِ.
اقتاد “حمزة” سيارتهِ وهي إلى جانبه، متجهًا إلى مقرّ سكنها الذي عرفه مؤخرًا، كي يرى نصب عينيهِ سنوات مضت في التخطيط للدخول إلى جُحر (القُرشي). ترجلت “سُلاف” أولًا ثم سارت نحو البوابة لفتحها، بينما هو يصفّ سيارتهِ جانبًا حتى يلحق بها. رائحة المكان تذكرها بسنوات الطفولة التي قضتها هنا، وفي كل مكان تحمل في ذاكرتها ذكرى خاصة لا تنساها. لحق بها “حمزة” ليتطلع إلى المكان بنظرات مختلفة عن كل مرة، هذا هو المنزل الذي ترعرعت فيه وكبرت حاملة بداخلها كرهًا لهم، تجولت أنظارهِ يمينًا ويسارًا وهو يسألها :
– يعني كنتي عايشة طول عمرك هنا؟.
– آه.
صعدت للطابق العلوي حيث الشُقة التي كانت تخصها بالأكثر، ثم استقبلته قائلة :
– كنت بقضي هنا أكبر وقت.. لما تدخل هتفهم السبب.
وضعت صورتي والديها في إطارين كبيرين تصدروا العمود الضخم، مع النظر إليهم استطاع “حمزة” أن يعلم هويتهم دون سؤال، وبدون شعور منه كان يعبر عن رأيه دون أي مغزى سئ :
– انتي شبه مامتك خالص.
وكأن الكلمة ضربت مقتلها، ظهرت حساسيتها المفرطة حيال الشعور بالحرمان، وبزغ ذلك بوضوح في هذا اللمعان الذي برق فجأة في عيناها، فأراد “حمزة” تدارك الأمر بسرعة، ودنى منها وهو يمسح على وجهها بلطفٍ :
– أنا آسف والله مقصدتش.
أبعدت وجهها عنه والتفتت لتقول في جأشٍ زائف :
– عادي.
سارت نحو الرواق الصغير المؤدي للغرف، ثم بدأت تفتح إحداهن بمفتاحها وسبقته بالدخول. كانت الغرفة أشبه بـ (أستديو تحليلي، أو غرفة تخص أحد المحققين، وربما تشبه مكان خاص بصحفي مخضرم). قصاقيص من أوراق الصحف لعناوين جذابة معلقة على الجدارن، سبورة خشبية عليها صور عديدة ملتقطة له – خِلسة -، مذكرات مكتوبة وملحوظات مدونة على ورقات في كل مكان، أما الجزء الخاص بالملابس فقد امتلأ بالعديد من الثياب التي استخدمتها في تمويه حقيقة شخصيتها، شعر مستعار، أدوات تجميل عديدة، قطع من الملابس الغير متناسقة والتي لا تعود لشخص واحد (جلباب ممزق، ثياب شبه عارية، ثياب كلاسيكية، ثياب مفتقرة للزوء العام…. ألخ).
كان “حمزة” ينظر لكل شئ بشدوه غريب، يتحرى النظر لكافة التفاصيل التي استرعت انتباهه – وإعجابهِ – في آنٍ واحد، ثم عقّب قائلًا :
– ده إيه ده ؟؟.. أنا حاسس إني في أوضة ممثل أو مخرج مسرحي، حد بيأدي أدوار مشخصاتي!
ثم التفت يرمقها بذهولٍ متعجب :
– انتي كنتي بتتعاملي إنها حرب بجد!.
أومأت رأسها لتأكيد عبارته قائلة :
– أيوة.. هي فعلًا كانت حرب غير متكافئة.
انتبه “حمزة” لورقة صحيفة ملصقة على الجدار تنشر خبر يخص قضية كان يتولاها، فـ دنى من الجدار وهو يعقب :
– دي كانت أول قضية آخدها لوحدي.
– أيوة.. وانا كنت معاك في قاعة المحكمة وانت بتقاتل عشان تخرج الحشاش المجرم ده من القضية.
استدار إليها كي يعبر عن رأيه الذي بالكاد يتخالف مع معتقداتها ومبادئها :
– دي شغلتنا يا سُلاف.. إننا نخلق فرصة تانية لناس غلطت في حياتها مش جريمة.
بدأت تنحرف عن مسار الهدوء بعدما استعادت في ذهنها ذكريات من حياته المهنية السابقة :
– الجريمة الحقيقية انك تدافع عن مجرم وانت عارف إنه مش برئ وإنه مش غلطان بالصدفة يامتر.
احتد النقاش بينهما كلٍ منهم يدافع عما يتبناه من أفكار :
– مش من حدود وظيفتك إنك تتنبأي بمستقبل موكلك يا سُلاف.
دنت منه بعدما ضاقت عينيها، وسألته مباشرةً وفي ترقبٍ:
– انت ناوي تشتغل بنفس طريقتك القديمة ياحمزة ؟.
أراد أن ينهي الحوار بعد أن استشعر ثمة توتر بينهما على وشك البدء :
– ولا ده من حدود حد فينا.. كل واحد يدير شغله بالطريقة اللي شايفها صح.
كادت ترد بمنتهى الحزم، لولا إنه قطع عليها ذلك بقربه المقصود منها :
– ده مش وقته ولا مكانه، أنا جيت اتفرج على الشخصية اللي مكنتش اعرفها وخلاص شوفتها.
هندم “حمزة” خصلات شعرها على كتفيها وهو يتابع :
– يعني انتي الشحاتة بقى اللي قفلت في وشها الأزاز؟
ضحك بشئ من السخرية وهو يتابع :
– أنا برضو حسيت من وشك إن في حاجه مش طبيعية.
ابتعدت عنه لتنظر في المرآة خاصتها، ثم داعبت ملابسها التنكرية وهي تقول :
– أنا كنت وراك في كل مكان، وكل مرة كان في شخصية جديدة بتكون معاك.. كل قضية.. كل مجرم جديد.. كل واحدة اتجوزتها، احنا مكناش بنسيبك.
تذكر للتو إنها كانت ضمن فريق قرر الإنتقام على طريقته، تحديدًا تذكر “راغب”، إذ كان أكثر المؤثرين في حياته وأكثر من صُدم فيه، فـ بُهت وجهه، وتعقدت ملامحه وهو يقول :
– عشان كده مكنتش متخيل الغدر.. لأنكو جيتوا في كذا شكل وفي وقت واحد، مين كان يصدق ان صاحب عمري اللي كان بيعمل معايا كل حاجه غلط يبقى هو ابن عمك اللي طعني في ضهري وخد مني أختى!
تلك الذكرى المؤرقة عكرت عليها صفو اللحظة بينهما، حاولت تبرير موقف “راغب” كي لا يبقى عليه الذنب :
– راغب مكنش عارف إنه هـ…..
قاطعها لكي لا يبقى بينهم حديث عن الماضي :
– لا لا.. مش هتكلم في اللي راح، اللي راح خلاص مبقاش بتاعنا، احنا في النهاردة.
أمسك يدها وسحبها برفق من خلفه :
– يلا بينا نمشي من هنا.. عايز اوديكي مكان أحسن.
************************************
لم يرغب في أن يطالعها على المفاجأة التي أعدّها من أجلها، رغم محاولتها الفضولية المستميتة في أن تعرف ما قد يكون جهزه لها. استقرت سيارته أمام البناء الشاهق الذي يحتل فيه طابق كامل من أجل مكتب المحاماة خاصتهِ، فـ ترجلت عن السيارة وقد فهمت -إلى حدٍ ما- ما الذي يقصده بالمفاجأة؛ لكنها أثرّت الصمت لحين التوصل لحقيقة ظنونها من عدمها. صعد برفقتها للأعلى حتى وصلا، فوجدت استقبالًا حافلًا ينتظرها من أغلب المتدربين الذي علموا بهويتها فور وصولها، سوى عينين وحيدتين كانتا تنظران إليها في غيرةٍ متوارية، لكنها تجاهلت ذلك بترفّعٍ شديد.
أصرف “حمزة” الجميع ثم نظر إليها ليسأل في اهتمام :
– إيه رأيك في المكتب الجديد؟.. متهيألي ولا جيتي هنا ولا شوفتي المكان قبل كده.
– فعلًا مجيتش.
أشار إليها نحو الرواق الكبير وهو يقول:
– طيب تعالي معايا من هنا.
سار في مقدمتها وهو يشرح لها الهيكل التنظيمي :
– ده مكتب المتدربين الجدد.. واللي قدامه ده مكتب الناس القديمة اللي معايا من المكتب اللي فات، اللي ع الشمال ده الحسابات وقدامه غرفة الإجتماعات.. ودي اوضتي.
بقيت غرفة وحيدة لم يذكر عن شيئًا، فسألته بتوجسٍ :
– و الأوضة دي؟.
كان جوابه سريعًا صريحًا :
– دي أوضتك انتي.
حدقت عيناها بعدما باغتها بمفاجئته، حينما كانت عيناه تنظر إليها في تحمسٍ وهو يتابع :
– أنا جهزتها مخصوص عشانك.
ثم تقدم خطوة وفتح الباب، أفسح المجال أمامها و :
– أتفضلي.
دلفت بخطوة بطيئة، وعقلها ما زال يرفض استيعاب رغبتهِ في أن ترافقه حتى داخل حدود العمل. نظرت من حولها فوجدت كل شئ مثاليًا بدرجة عالية، مكتب فخم، مقعد جلدي وثير، قسم من الغرفة خُصص للإجتماعات الخاصة، وطاولة أنيقة حملت باقة ورود رقيقة. ضغط “حمزة” على الزر الذي يصله بقسم البوفيه، فأتى الموظف الصغير على الفور ليأمره “حمزة” :
– هات المشروب اللي قولتلك عليه للأستاذة.
– حالًا ياأستاذ.
وخرج تاركًا إياهم منفردين، في حين كانت “سُلاف” تتقدم من مقعد مكتبها الجديد، ترأستهُ، فأحست بأريحية مُرفهه، استرخت تمامًا وهي تنظر لعيناه الشغوفتين، وقد قرأت فيهما السعادة بقبولها -المبدئي- لعرضهِ الثمين، ثم سألتهُ في رتابةٍ هادئة :
– مين قالك إني هوافق أكون معاك في مكتبك؟.
بدأ بعض التردد يغزو أفكار عقلهِ، بعدما رأى تعابير الرفض المبدئية تتراقص على قسمات وجهها :
– متهيألي مش هتحبي تشتغلي مع عناني الحكيم وانا موجود، أصلًا أنا مش هقبل تكوني مع أكتر واحد بنافسه في المهنة كلها.
بسمةٍ وديعة تلاعبت بثغرها ومازالت عالقة على النظر إليه، ثم أرجفت بثقةٍ غير قابلة للنقاش :
– وانا كمان.. أنا كمان أرفض اشتغل معاك انت بالذات، ده من رابـع المـستحيـلات….
************************************
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)