رواية ليتك كنت سندي الفصل التاسع 9 بقلم أسماء عبد الهادي
رواية ليتك كنت سندي الجزء التاسع
رواية ليتك كنت سندي البارت التاسع
رواية ليتك كنت سندي الحلقة التاسعة
خرج من غرفتها ليبصر والداه يجلسلان في كمد وحرقة
فاقترب من أمه وقبّل يدها ..منخفضا بجذعه ليهمس في أذنها
_متزعليش ..مش هتحمل أشوفك إنتي وبابا بالشكل ده .. للأسف اللي حصل حصل ومفيش في ايدينا حاجة نعملها.. لكن الزعل غلط على حضرتك
تنهدت أمه في شجن ليعانقها بحرارة
_أشوف وشكم بخير .. هكون معاكم على اتصال ديما
اتجه الى والده وقبّل يده هو الآخر وطلب منه أن يعتني برهف ،فماجد يعرف أن أبيه الوحيد الذي يرفق بحالة ابنته ..فهي كانت في يوم من الأيام مدللته التي لا يوجد أغلى منها على قلبه.
_____
في اليوم التالي
علمت ملك أن ماجد قد عاد مساء أمس ،فجاءت في الصباح على عجل لتراه..لكنها تفآجئت أنه غادر في نفس الليلة، ليخيب آملاها في لقاءه ، فلعنت رهف لأنها هي السبب في ابتعاده، لذا قررت أن تُعيّرها أمام أصدقاءها وتغتابها بإعلامهم بما فعلت ..عن طريق كتابة منشور عبر جروب الجامعة الخاصة برهف ..من خلال حساب فيك مزيف حتى لا يعرف احد انها الفاعلة
لتضحك في إرتياح لقلبها المريض الذي يتغذى على أذية الغير ..وتفرح بالتعليقات التي تسب وتزم في رهف ،وتلدغها بعبارات مسيئة ومحقرة من شأنها.
____
في المساء وأثناء سير ماهر بتخبط في الشوارع بعيدا عن الحي، لا يعلم كيف يعود لفريقه وإلى متى سيتهرب من الجميع خوفا من أن يكون حسن قد أفضى بسر أخته لأعضاء النادي والذين لن يدخروا جهدا للسخرية منه او بالأحرى طرده من الفريق والنادي بأكمله
وبينما هو يسير على غير هدى، قابل أحدهم والذي على ما يبدو أنه يتبعه ،منتظرا اللحظة المناسبة كي يستطيع التحدث معه على انفراد
_كابتن ماهر ، ممكن أتكلم معاك.
التف ماهر لصاحب الصوت فهو ليس غريبا عنه، ليجده عامر الشاب الذي يسكن في الحي المجاور لحيهم
_اتفضل يا أستاذ عامر ..مفيش مشكلة.
جلس إثنتيهم على إحدى مقاعد الاستراحة على الطريق
تردد عامر قبل أن يقول
_أنا كنت عايز أفاتحك في موضوع مهم .
_سامعك يا أستاذ عامر.
هتف عامر بابتسامة
_أولا بلاش كلمة أستاذ دي ..إحنا خلاص لو وافقت ممكن نبقى نسايب.
حرّك ماهر رأسه بعدم فهم ما يقوله
_مش فاهم تقصد إيه
_أنا عايز أطلب إيد أختك رهف.
طالعه ماهر بزهول برهة ثم وقف محله استعدادا للمغادرة فهو ظن أن عامر يسخر منه
استوقفه عامر
_في إيه يا ماهر ..هو أنا قلت حاجة غلط
تحدث ماهر بحدة
_أستاذ عامر .. لو حضرتك جاي تهزر فأنا معنديش استعداد لده.. ومش هسكت على أي تصرف مهين أبدا.
وقف عامر قبالته ومسك ذراعه ليجلسه ثانية
_أنا بتكلم جد يا ماهر ..أنا فعلا بطلب منك إيد أختك رهف…ومقصدش أي اساءة من أي نوع.
أخذ ماهر نفسا عميقا ثم هتف بخزي
_حضرتك عارف أنها لسه في شهور العدة ومبقلهاش شهر متجوزة واتطلقت؟
_عارف .. أنا أعرف كل حاجة بخصوص رهف .
أحس ماهر أنه في موقف محرج فتنحنح بخزاية
ليردف عامر
_وميهمنيش أي حاجة سمعتها … ماهر زي ما أنت عارف انا اتقدمت لرهف مرتين قبل كده وللأسف هيه رفضت متحججة أنها لسه بتدرس …ودلوقتي بتقدم ليها للمرة الثالثة.. قولت ايه؟.
_أنت بتتكلم جد يا عامر .. انت عايز تتجوز رهف؟
_لو وافقتوا هنعمل الفرح بعد شهور العدة علطول
انفرجت أسارير قلب ماهر وانشرح صدره بهذا الخبر ، فمعنى أن هناك من يريد أن يتزوج اخته بهذا الوضع وهو يعلم ما حدث ومتمسك بها..يعني أن الألسن والأقاويل ستبدأ في الاختفاء ولو قليلا.. أي أنهم سيستطيعون أن يرفعوا رؤوسهم ولو قليلا في وجوه الناس ..يعني انهم لن يكونوا بحاجة للشعور بالحرج او الخزي بعد الآن
أمسك ماهر يد عامر بامتنان ولا يعرف كيف يعبر له عن مدى سعادته بالخبر
فهتف بحماس
_هبلغهم في البيت وهرد عليك ..بس متقلقش طالما أنا موافق محدش هيعارضني
ابتسم له عامر
_أهم حاجة رأي رهف لأنها رفضتني قبل كدا.
ماهر_متقلقش خير أن شاء الله
رمقه عامر ببسمة ثم انتصب في وقفته ليغادر
_منتظر رأيكم على أحر من الجمر.. أسيبك بقا علشان وريا مشوار مهم
ما أن رحل عامر حتى هب ماهر بسرعة منطلقا الى بيته ليخبر والديه بالخبر الذي أخيرا سيدخل السرور ولو قليلا على قلبيهما ويزيح غشاوة للحزن عن اعينهما
___
وصل ماهر إلى المنزل وتحديدا لغرفة والديه ليزف لهم الخبر السعيد
تهللت أسارير الأم كثيرا فأخيرا ستستطيع غلق أفواه جاراتها اللعينات اللاتي لا يبرحن عن التحدث في سيرة رهف ليل نهار
بينما بقى الأب صامتا ولم يبدي أي ردة فعل يفكر في ذلك الذي يريد ابنته رغم ما حدث.. رغم والأقاويل الكثيرة المختلفة بعضها حقيقي وبعضها ملفق و التي تغزل بحقها ..أهو يتلاعب بهم أم ماذا .. أهو يريدها لهذه الدرجة..أوصل به الحب أن يتجاوز عن ماضيها.. أم أن الله أرسله ليكون نجاة لابنته ولهم من تلك المصيبة التي حلت فوق رؤوسهم.
لاحظ ماهر صمت والده وعبوسه فهتف بتساؤل
_بابا مالك ..مش فرحان يعني؟؟
تنهدت فهمي بحيرة
_مش عارف يا ماهر..مش عارف خايف أفرح يكون بيشتغلنا ..مفيش واحد عاقل يبفكر في اللي بيطلبه ده.
نهرته زوجته وهي تضع يدها على كتفه تحركه
_يا خويا افرح إننا لقينا حد يلم بنتك ..ويقطع ألسنة الناس اللي مبطلتش كلام من ساعة اللي حصل .
ماهر _ ماما معاها حق يا بابا
فهمي _اللي فيه الخير يقدمه ربنا ..متجيبش سيرة لرهف بأي حاجة خالص دلوقتي وأطلب من عامر يتقدم تاني بعدة شهور العدة ..لأنه مينفعش التصريح بالخطبة أثناء فترة العدة… ..حرام .
وأهو منها هنعرف إذا كان صادق ولا بيلعب بأعصابنا… ومن النهاردة محدش يجرح رهف بأي شكل من الاشكال .
ثم نظر لماهر
_وخصوصا انت يا ماهر ..خف ايدك على أختك… كفاية اللي ماجد عمله فيها.. اللي حصل حصل..ربنا يسامحها بقى ..وأهو في حد لسه عايزها وهيرحمنا من اللي احنا فيه.
هتف ماجد بغضب من رهف
_منها لله مش قادر أعقلها أبدا ..حتة بتاعة ولا تسوى زي دي تخمنا كلنا وتطلع كدا..
فهمي بحسم للأمر
_خلاص بقا يا ماهر.. ممنوش فايدة أي كلام … واعتقد اللي شافته يخليها تفكر ألف مرة أنها تكرره تاني.
زم ماهر شفتيه
_ماشي يا بابا اللي تشوفه.. أنا أصلا مش طايق البيت وعايز أمشي.. بس خايف يكون حسن قال حاجة وحد شم خبر.
فهمي_ لو حد عرف حاجة مكنتش هتلاقي الهدوء ده …وأنهم كل شوية يطلبوا منك تقطع أجازتك وترجع.
حك ماهر ذقنه بتفكير
_معاك حق يا بابا… الظاهر أن حسن لسه فعلا في تأثير الصدمة ومفقش منها
ثم قليلا ثم هتف بتوعد
_هرجع أشوف الجو هناك عامل إزاي… لكن وقسما بالله لو اللي حصل ده سببلي مشاكل في مستقبلي…ما هرحمها …هيه ولا تفرق معايا بنكلة لكن مستقبلي يتدمر بسببها فده اللي مش هسمح بيه أبدا
___
سافر ماهر قابضا على قلبه من الخوف ،لكنه عكس ما توقعه قوبل بالترحاب الشديد..ولا أحد تطرق إلى موضوع حسن وأخته ..فعلم أن حسن لم يفصح عن شىء بعد
فخشي أن يسأل أين هو فينكشف أمره لذا فضّل الصمت حتى يظهر حسن من تلقاء نفسه.
____
انقضت أشهر العدة قضتهم رهف وحدها ،فلا أحد يتعامل معها مهما حاولت ،فقط تقوم بأعمال المنزل ومن ثم تعود لكوكعتها في غرفتها وجليسها الوحيد هو المصحف التي باتت لا تتخلى عنه في الأونة الأخيرة.
أعاد عامر طلبه كما أخبره ماهر واتفق مع فهمي على خطبة لمدة أسبوع واحد وبعدها يتم عقد القران..فشقته جاهزة يعيش فيها مع أمه..قام بالتعديلات البسيطة على غرفته لتناسب العروس
في حقيقة الأمر، ما كان فهمي ليطلب أكثر من هذا ،هو فقط يريد أن يستر ابنته ويمنع الكلام الذي يشاع في حقها كالبانة يمضغونها باستساغة غير مراعين لمشاعر الأهل ، لا يعرفون أنه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
(فالانسان قد ينجو من ثعبان لكنه لا ينجو من النميمة)
___
أخبر ماهر أخته بشأن زواجها بعد أسبوع، لكنها رفضت رفضا قاطعا
لذا هتفت برفض تماما للأمر
_لا يا ماهر … أنا مش عايزة أتجوز ..أنا عايزة افضل معاكم هنا في البيت.
ليهتف هو بامتعاض
_واحنا مش عايزينك هنا من أصله ..أنا أول واحد عايز ارتاح منك.
حاولت ان تبتلع بمرارة ما قاله والذي يقصد به إهانتها وتحاملت على نفسها وهتفت برجاء
_حاضر هفضل في الأوضة ومش هتشوف وشي نهائي بس أرجوك مش عايزة أتجوز ..أرجوك
أمسكها ماهر من خصلات شعرها بقوة حتى كان أن يقتلعها في يده
_مش عايزة تتجوزي ..بس عايزة تدوري على حل شعرك مش كدا؟
حاولت هي تخليص شعرها وهي تصيح بألم
_أبدا والله ما هعمل حاجة غلط.. كل اللي أنا طالباه أفضل هنا معاكم وهعمل كل اللي تطلبوه مني بالحرف.
ترك شعرها ليدفشها على فراشها وهو يقول متجها لخارج الغرفة
_أنا مش جاي آخد رأيك أنا جاي أبلغك…احمدي ربنا أن في حد وافق يلمك ويأخدك على قرفك ده.
قالها وهو يرمقها بنظرة متحقرة لشأنها وغادر.
بسطت جسدها على الفراش تبكي بقهر فلا حيلة لها بمجابهة أخيها…حاولت أن تجد حلا وفكرت أن تتحدث الى والدها فهو الوحيد الحاني عليها في هذا المنزل
لذا انتظرت الفرصة المناسبة عندما كان يتوجه للحمام ليتوضأ
اقتربت منه وأمسكت يده برجاء
_بابا أرجوك أنا مبقتش عايزة أتجوز خلاص.. عايزة أعيش الباقي من عمري هنا معاكم.
تنهد فهمي وأزاح يدها عن ذراعه ببطىء وقال ناظرا لعينيها المدمعتان
_عامر شاريكي وطلبك من قبل ما عدتك تخلص كمان ..ده غير انه اتقدملك مرتين قبل كده وانتي رفضتي …ارضي بحالك واتجوزيه لأنه ده الحل الوحيد اللي هيخلصنا من الفضيحة اللي انتي حطتينا فيها دي
طأطأت رهف رأسها لأسفل وهمت لتقول شيئا
فسبقها ماهر الذي استمع لحديثهم قائلا
_ماجد جاي قبل كتب الكتاب بيوم وهيسألك عن رأيك وحذاري إنك تقولي مش موافقة.. أظن انتي فاهماني كويس..قالها وهو ينظر لها بنظرة أخافتها جعلتها تفر من أمامه بسرعة.
أخذ فهمي نفسا عميقا وهو يتمتم
_يارب سلمتك أمري كله ..فألطف بينا يارب ومن ثم باشر هو في الوضوء لصلاة العصر.
___
في اليوم التالي جاء عامر ليجلس مع رهف ولو لمرة واحدة قبل الزواج
استعدت للقاءه بناء على رغبة أخيها الذي أجبرها على ذلك..فتحاملت على نفسها مر ما يحدث معها وجلست معه
وما أن رأته عرفته على الفور ..إنه كان طالبا في نفس كليتها ولكنه يكبرها بأعوام ..كانت تشاهده يرتاد الجامعة أحيانا لتحضير رسالة الماسجتير ..تقدم لخطبتها لكنها ما كانت تشعر بالارتياح له قط لذا رفضته متعللة بأنها تريد انهاء دراستها.
ما أن رآها حتى ابتسم ابتسامة سمجة هي تراها كذلك وهتف قائلا
_اهلا يا رهف
جلست هي على أحد المقاعد بصمت تام ودون أن تنظر اليه .
افتتح هو حديثه
_طبعا انتي مستغربة أنا ليه متمسك بيكي حتى بعد اللي حصل
كلماته التي تفوه بها جعلتها تنظر له تلقائيا ..تترقب اجابته بتوتر.
ليهتف بهمس
_أول ما شوفتك في الجامعة أعجبت بيكي جدا..ودخلتي قلبي علطول… جيت واتقدمت ليكي لكن للأسف رفضتيني مرتين
شعرت رهف بالحرج لأجله فأخفضت رأسها ثانية
لتسمعه هو يردف كلامه
_ لكن بعد اللي حصل ..جيت أتقدم لك بقلب جامد وأنا عارف أنكوا هتوافقوا علطول ما هو مفيش حد عاقل يوافق يتجوز اا…
قطع كلامه لينظر اليها ليرى تعابير وجهها بعد صمته تاركا إياها تفهم إيحاءاته.
ليرى تعابير وجهها تحتقن بشدة لتنهض من مكانها وتهتف غاضبة
_وأنت مش مغصوب على الجوازة دي ..وأنا بعفيك منها عن اذنك
وقف هو أمامها ليمنعها من المرور ويقول هامسا بفحيح أصابها بالضيق
_مش هتقدري تعملي حاجة .. أهلك ما صدقوا حد أتخبل في عقله وفكر يتجوز واحدة زيك يخلصهم من الفضيحة اللي انتي عملتيها..
ليهتف هي بصوت باكي
_إنت عايز مني إيه؟؟
ليقترب منها هامسا في أذنها
_عايز أتجوزك هكون عايز إيه
لتبتعد هي عنه كمن لدغه عقرب لتهتف محاولة استجماع شجاعتها
_وده مش هيحصل ولو أهلي وافقوا ..ماجد مش هيوافق لو عرف إني مش موافقة
ليقول بصوت رخيم
_ليه بس يا رهف ده أنا بحبك ورضيت بيكي رغم اللي عملتيه.
_مش هيحصل … إنت عايز تشمت فيا مش أكتر
ليهتف هو بعند
_هيحصل وهتشوفي ويا أنا يا إنتي يارهف .
قالها وانحنى نجزعه نحوها حتى باتت انفاسه تلفح فيها وجهها
_ لو عايز أشمت فيكي هتجوزك؟؟ إيه التفكير العقيم ده يا روحي ..سلام أسيبك ترتاحي الكم يوم دول علشان جوازنا ..باي يا روحي.
____
كانت كلمات عامر مثيرة للريبة والشك في قلب رهف لا تدري أهو حقا يحبها كما يزعم ومتمسك بها أم أنه يريد التسلية ليس أكتر ..قضت الأيام الباقية لها قبل الزفاف في توتر وتفكير هناك هاجس يخبرها أنه ثمت هناك شىء خاطىء بالأمر وأنها لابد أن تتراجع عن تلك الزيجة… لكن القرار ليس بيدها هي ..كان آخر أمل لها هو ماجد أخيها..لكن كيف تخبره عدم قبولها وأخيها ماهر يقف لها بالمرصاد
انتظرت عودة أخيها بفارغ الصبر إلى أن جاء في الموعد تماما كما أخبرها ماهر
عندما علمت بقدومه لا تدري أهي فرحه لرؤيته أم أنها خائفة منه فآخر لقاء لهما كان مخيفا بالنسبة لها لكنه على كل حال سيظل أخيها الذي تحبه كثيرا.
طرق باب غرفتها فطالعت الباب وهو ينفتح ويدلف منه ماجد وخلفه ماهر
نظرت له بترقب وشوق وكادت أن تتقدم نحوه لتحيط عنقه بذراعيها كما كانت تفعل دائما ..لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة تتذكر ما فعله بها آخر مرة فرمقته بخوف وشوق معا ..مزيج من العبرات مصحوبة بمشاعر متناقضة تترقرق بين أهدابها ..كم اشتاقت إليه وإلى تدليله لها ..كم اشتاقت لمجالسته ..إلى مشاجراته معها..إلى كل شىء بصحبته لكن أنى لها كل هذا الآن
كان هو أيضا يبادلها نظرات الاشتياق نفسها مختلطة بالحسرة والألم
ظلا على وضعيهما يمرقان بعضهما بالنظرات التي تشي بالكثير إلا أن قطعها ماجد مدعيا الصلابة والحزم
قائلا بنبرة جادة وكأنه يخاطب شخصا غريبا, مما أصابها بالحزن الشديد
أنا جيت علشان أخد رأيك موافقة على العريس ولا لا ؟
زاغت نظراتها نحو أخيها ماهر الذي يقف عاقدا ذراعيه إلى صدره و يرمقها بنظرات تحذيرية من ألا تجيب بنعم
انتبه ماجد لذلك لذا هتف به قائلا
-ماهر ممكن تسيبنا لوحدنا شوية؟
حدق ماهر لبرهة لرهف والتي تراجعت للخلف خوفا من نظراته, ثم غادر بصمت.
طفق ماجد حديثه عندما رآها تطوقه بعينيها بصمت
-مردتيش عليا ..انا طلبت من ماهر يمشي علشان أسمع قرارك من غير ما حد يغصب عليكي.
غمرت العبرات وجه رهف دون أن تجيب
كان يعلم تمام العلم انها غير موافقة البتة على تلك الزيجة وهذا جلي جدا في عينيها ,كيف لا يفهمها وهو من كان مقربا لها أكثر من نفسه , لكنه صُدم بها بعدما حدث وما اقترفته..فلم يعد يراها كما كانت بالسابق, كيف يفعل بعد زلتها تلك.
كبح غضبه مكورا قبضته قائلا بعقلانية
-عارف انك مش موافقة .. لكن لازم تفكري في أهلك ..مجرد زواجك من عامر هيقطع السنة أي حد يتكلم في حقك تاني.. هيخليهم يرفعوا عيونهم في عيون الناس من تاني .. مش هيكون في قلبهم نظرة الانسكاروالخيبة اللي مالية قلوبهم دي .. وطبعا انتي السبب في كل اللي بيحصل ده صح ولا ايه؟
أطرقت برأسها للاسفل , ليردف ماجد
-علشان كده لازم تتحملي نتيجة غلطتك للاخر..وكمان عامر باين عليه بيحبك دي رابع مرة يطلبك فيها.. لعله يكون خير ليكي …
زفر ليخرج ضجيج قلبه المتألم
-فكري في كلامي كويس.. القرار في الأول والآخر يرجعلك…….هسيبك طول اليوم تفكري.. ومنتظر ردك بالليل وصدقيني اللي انتي عايزاه هعمله .
انهى حديثه التي كانت تستمع له بصمت ثم غادر بهدوء
ليت كها هي في دوامة حيرتها تتخبط في افكارها .. هي لا تريد الزواج بهذا الشكل أو بالأحرى لم تعد تفكر في الزواج مطلقا..أخذت تطرق بقبضة يدها على كفة يدها الأخرى في هياج, وجهها محتدم للغاية قلبها يعتصر على غير سكينة..رأسها في ضجة واضطراب تخشى المجهول .. لكنها تذكرت كلماته أجل هو محق لابد وان تفكر في أهلها لابد وان تتحمل من اجلهم
حدثت نفسها
-وهو كمان أكيد بيحبني ..ده مُصر يتجوزني .. مفيش تفسير لطلبه غير كدا ..هوافق وربنا يستر ..بس علشان خاطر اهلي مش حاجة تانية
عزمت أمرها على أن تخبر أخيها بقرارها
في المساء
ذهبت الى أخيها حيث يجلس مع أسرته في الردهة , شبكت أصابعها ببعضها وفركتهم معا ثم قالت بتردد
-ماجد .
رمقها الجميع باهتمام وأولهم ماهر
لتردف هي
-انا موافقة
قالتها على عجل وكأنها في سباق وهمت على الفور للتوجه لغرفتها مرة اخرى في أحست انها تسرعت فمنذ ان نطقت بموافقتها وهي تشعر بأنها أخطات وتسرعت في الأمر ،وأن قرارها ذاك خاطئا
ابتسم ماهر برضا ثم ناداها قبل ان تلج غرفتها
-حضري لينا العشا.
عادت أدراجها الى المطبخ ثانية .. تعد لهم طعام العشاء.. وضعته على الطاولة ومن ثم همت للتوجه كعادتها الى غرفتها التي لا تبرحها سوى لأعمال المنزل .
هدل ماجد باستغراب
-رايحة فين تعالي اتعشي
جابت بأبصارها عيون والديها واخيها وقبل ان تنطق
هتف ماجد مرة اخرى
-اقعدي يا رهف … انتي بكرة هتتجوزي .. وعايزين كلنا ننسى اللي فات ..صحيح صعب لكننا هنحاول
لم تجد رهف بُد من الجلوس فاختارت تلقائيا جوار ماجد فهي مازالت ترى فيه الأمان….لم تهنأ بالطعام بقدر أنها تجلس وسط عائلتها مجتمعون من جديد .. فتنهدت بارتياح واستبشرت خيرا عسى ال أيام القادمة تمحي تلك الذكرى الاليمة في قلوبهم وتعود المياة الى مجاريها من جديد
————————-
في مساء اليوم التالي
استعدت رهف للذهاب مع عامر الي بيته فلقد أنهى المأذون اجراءات عقد القران للتو .. وحان الوقت لتوديعهم
ودعتها أمها واضعة يدها على كتفها تحدثها لأول مرة منذ الحادثة قائلة بألم
-مع السلامة.. على الله المرة دي تصيب وينصلح حالك, مش عايزين غير كده
طوقت رهف والدتها_ رغما عنها_ بذراعيها ببكاء
-يااه يا ماما اخيرا كلميني ..أنا اسفة اني كنت مصدر ألم ليكي في اليوم من الايام..واوعدك اني مش هزعلك تاني ابدا
تنهدت سوسن باستسلام وربتت على ظهر ابنتها التي ترفض ان تخرج من أحضانها
-ربنا يسعدك يا بنتي
خرجت من بين أحضان أمها بعد برهة لتقترب من أبيها تعانقه والذي بادلها العناق ببدموع هو الأخر ويقول
-ربنا يكتلبك الخير يا بنتي ويهنيكي.
لتهتف ببكاء
-هتوحشني أوي يا حبيبي .. سامحني لو كنت اذيتك او زعلتك.. انا أسفة أوي.. حقك على راسي يا حبيب قلبي
قالتها وهي تقبل رأسه بحب بالغ
ليأتي الدور على أخيها ماهر والذي كان يتابع الموقف بمشاعر باردة جدا يستند برأسه على يده جالسا علي المقعد بلا مبالاة
لتقترب منه بارتباك باسطة يدها نحوه لتودعه
أشوف وشك على خير يا ماهر.
اجابها ببرود متجاهلا يدها الممتدة نحوه لتصافحه فما زال لا يستطيع ان يغفر لها زلتها
-مع السلامة .
لكنها انحنت بجسدها نحوه تلتقط يده عنوة ولأول مرة تستجمع شجاعتها وتفعل هذا مع اخيها
أخدت يده بين كفيها ومن ثم قبلت يده
-هتوحشني اوي ..مش عايزاك تزعل مني .. مش كل حاجة بتحصل قدامنا حقيقة .. ساعات بيكون في حاجات خفية احنا مش شايفينها.. سلام يا ماهر
حملق ماهر فيها بزهول من فعلتها ومن كلماتها المبهمة وطالعها وهي تقترب من أخيها ماجد..تقف أمامه دون حراك على عكس عادتها مما أثار تعجب ماجد.. كان يتوقع ان ترتمي في أحضانه لكنها لم تفعل واكتفت بقولها
-مع السلامة يا ماجد
قالتها واستعدت لتتقدم نحو عامر ذلك الرجل الغريب عنها والذي فرض عليها بسبب الظروف .. كانت تريد ان ترى ردة فعل أخيها هل سيتقبل جفاءها في الحديث معه ام ان الامر لا يعنيه.
لتجده يسحب يدها يضمها الى صدره يقبل رأسها مغمضا عينيه يتألم من أجلها فهو قسى عليها يعلم انها ترفض تلك الزيجة لذا اضطر ان يجعلها توافق رغما عنها بقوله (فكري في اهلك ) كان يعلم انها ستضعف اذا ما تعلق الامر بوالداها.
ومن ثم همس لها بأسف
-سامحيني يارهف ..اللي عملته علشان خاطر ماما وبابا ..ارجعي لربنا واستغفريه لعله يتجاوز عن ذنبك…ويسعدك في مرحلتك الجاية.
دفنت رأسها في صدره تتشبث به بيدها
-ادعيلي يا ماجد.. ومتتخلاش عني ارجوك انا مليش غيركم.
-مش هنتخلى عنك يا رهف .. بس كلنا محتاجين وقت علشان نفوق .. الصدمة مكانتش سهلة علينا ولاعليا انا بالذات .. انا بموت بسبب اللي حصل يا رهف ومحدش حاس بيا
-مش كل اللي شايفينه حقيقة يا ماجد .. هتوحشني يا حبيبتي
(فليس كل ما هو منظور حقيقة .. فلك الظاهر لكن لا تحكم بناء عليه) أسماء عبد الهادي
انسلت هي من بين يديه حتى لا يفتضح أمرها اكثر من هذا واقتربت من عامر الذي مد يده ليستقبلها لتذهب معه وعينها على أهلها لا تبرحهم الى ان اختفوا من أمامها لانطلاق عامر بالسير متجها إلى شقته في الحي المجاور .
صدحت ملك تحدث نفسها بغيظ واستشاطة
-لسه بردو حظك نار يا غبية انتي .. ااه ياني .. انا هتفرس ..بقى تبقي لسه مطلقة بقالك كم شهر وتتجوزي تاني يا جبروتك يا شيخة
————————————–
ما أن وصلت رهف مع عامر الذي كان يسير معها طوال الطريق صامتا، حتى انتفض قلبها وانقبض فجاءة كتلك القبضة التي أصابتها عند زفافها لزوجها السابق حسن
أدخلها البيت وأوصد الباب خلفه جيدا .. كانت متوترة خائفة تنظر للمنزل بتيه واضح ومن ثم قررت الجلوس على إحدى مقاعد الركنة اللتى تتوسط الردهة، فمن فرط توترها لم تعد قدماها تحملانها.
لتجده يقف أمامها وقد تحولت تلك الابتسامة التي كانت على وجهه إلى وجوم ونظرات استحقار تشملها من رأسها حتى أخمص قدميها ويقول صادحا بها
_مين سمحلك تقعدي !!!
ارتبكت من حديثه الفظ وتغير لكنته المفاجئة فلقد كان بمنزلها لا تفارق الابتسامة شفتيه فهبت على الفور لتقف في حرج وهي لا تعرف ماذا يحدث .
فهتف باستغراب
_في حاجة يا عامر!!! بتتكلم ليه كدا؟؟
ليتحدث عامر بحدة وباستهزاء
_ممنوع تعملي حاجة أو تلمسي حاجة في البيت ده غير بإذني… البيت ده طاهر وهيفضل طول عمره طاهر … مش هتيجي واحدة زيك تندسه.
حركت رأسها بعدم استيعاب ما يقول
ليلوي ثغره ساخرا
_إوعي تكوني فاكرة إني اتجوزت حبا فيكي… صحيح حبيتك أول ما شفتك …واتقدمت لك مرتين في الحلال و رفضتيني .. بس اتضح إنك حقيرة مش بتحبي غير الحرام وبس
عقدت ساعديها بغضب شديد وهدرت به
_طيب اتجوزت الحقيرة اللي بتقول عليها ليه ..ها ؟
_اتجوزتك علشان أنتقم منك واوريكي النجوم في عز الضهر..اتجوزتك علشان أذلك .
لم تصدق رهف ما تسمع وما ترى فحملقت به يرمش جفناها عدة مرات
ليهتف هو بتهكم
_إيه كلامي مش عاجبك؟.
_لا مش عاجبني طبعا واتفضل طلقني حالا خليني أرجع لبيت أهلي
ليمسك عامر بشعر رهف وحجابها
_الكلمة دي مسمعهاش تاني… ومفيش خروج من هنا غير لما أءذن أنا بده .. وبعدين أهلك اللي انتي عايزة ترجعي ليهم دول ما صدقوا يخلصوا منك ومن فضايحك اللي بتلاحقهم يا عيني في كل مكان بسببك انتي
حاولت تخليص نفسها من قبضته قائلة بغضب
_إوعى سيبني.. انت عايز مني إيه؟؟… أنا عملتلك إيه لكل ده .. ما أنا كنت قاعدة في حالي في بيت أهلي حد اشتكالك.
أمسكها عامر ذراع رهف وقام بليه ليصطدم ظهرها بصدره متأوهة من الألم
_قولي معملتيش إيه .. إنتي كنتي بتطيري النوم من عيني .. كنت بفكر فيكي كل ليلة ..قد ايه كانت صورتك في مخيلتي البنت الوديعة الرقيقة اللي مشفتش ولا هشوف في أدبها وجمالها.. لما فكرت اتقدم ليكي و رفضتيني.. اسودت الدنيا في عينيا بس ميأستش واتقدمت تاني وبردو رفضتيني .. فحسيت إني بموت فضلت شهر مكتئب بسببك ..بس بعدها قررت أسافر اشتغل في أي شركة واسيب الماجستير لفترة يمكن إنتي كنتي رافضة تتجوزيني علشان دخلي القليل مثلا..ما أنا مكنتش عارف سبب رفضك.. سافرت وفضلت أشتغل ليل ونهار وبعافر هنا وهناك علشان أجمع مبلغ كويس ويكون ليا مكانة مرموقة تفخري بيا .. سبت أمي لوحدها بالشهور مسافر بعيد عنها ..كل ده في سبيل إنك لما ارجع توافقي عليا
لكن لما رجعت اتصدمت إنك اتخطبتي وخلاص هتتجوزي
مش عارف أوصلفك نظرة الحزن اللي كانت في عين أمي وهيه شايفة ابنها بينهار قدامها .. الخبر مقدرتش أتحمله .. البنت اللي صبرت سنين علشان اتجوزها خلاص اتخطبت وفرحها بعد كم يوم!!
رقدت في السرير مش بتحرك .. لا باكل ولا بنام من الصدمة .. وأمي كانت بتتقطع علشاني عايزة تساعدني ومش عارفة تعمل ايه؟؟
لحد ما ف يوم وصلها كلام من واحدة جارتكم في العمارة
ولما أمي قالتلي .. هبيت من مكاني فجاءة .. وقفت زي الاهبل .. اتشليت من الصدمة
البنت اللي بعافر علشانها تطلع كدا!!!
قربت أمي مني تملس على ظهري
_احمد ربنا يابني أن ربنا نجاك منها ..شوفت حكمة ربنا ..مكانش ليك نصيب فيها لأنها مكانتش تنفعك.. إنت طيب وابن حلال يا ابني.. ومتستاهلش الا بنت الحلال اللي زيك.. قوم افرح وعيش حياتك مش دي اللي تبكي عليها.
ساعدتها غامت عيني واسود قلبي وقررت إني لازم أنتقم
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية اضغط على : (رواية ليتك كنت سندي)