رواية أحلام العصرية الفصل الأول 1 بقلم بيسو وليد
رواية أحلام العصرية الجزء الأول
رواية أحلام العصرية البارت الأول
رواية أحلام العصرية الحلقة الأولى
أصوات متعا لية وأقدام تركض هُنا وهُناك وصـ ـرخات وصيـ ـحات في المطبخ الكبير لتلبية طلب هذا العميل الهام، دلف الآخر وهو يصـ ـيح بهم بنبرة عا لية
«طبق خلطبيطة بسرعة العميل بره»
أستيقظ الآخر فـ ـزعًا وهو يصـ ـيح عا ليًا وجسـ ـده يتصـ ـبب عرقًا، صدره يعـ ـلو ويهبـ ـط بقـ ـوة وكأنه كان يركض في إحدى السباقات الهامة كي يحصل على المركز الأول، نظر حوله ليرى أنه في غرفته وما هو إلا حُلم لعـ ـين مثل كل يوم يطا رده عندما أطـ ـلقوا عليه “مستر خلطبيطة”، زفـ ـر بقـ ـوة وصـ ـاح بنفـ ـاذ صبر
«أنا زهـ ـقت بقى مِن الأحلام العبيـ ـطة دي، كده كتير بقى»
«خلطبيطة أنتَ صحيت!»، كان هذا صوت والدته التي كانت في الخارج ليزفـ ـر هو بقـ ـوة ويُجيبها بنبرة عا لية غا ضبة
«محدش يناديني بالأسم المسـ ـتفز ده انا زهـ ـقت بقى»
وصلت إليه قهقهتها العا لية في الخارج لينهض هو ويخرج إليها ليراها تجلس على الأريكة وتشاهد أحد الأفلام الهندية المحببة إليها، نظرت إليه وأبتسمت إليه قائلة «كويس إنك صحيت لوحدك وفرت عليا مشوار الأوضة ده واللهِ»
نظر إليها مستنكرًا ثم تقدم مِنها وقام بإلقـ ـاء جسـ ـده على الأريكة بجوارها
«هندي تاني يا ماما هو مفيش غير القناة دي على التلفزيون!»
نطق بها بمـ ـلل شـ ـديد فهذا أصبح روتينًا معتادًا، أن ينهض كل صباح بعدما يرى نفس الحُلم فـ ـزعًا، ثم يأتيه صوت والدته العا لِ بعض الشيء، ثم يخرج ويجدها تشاهد فيلمًا مختلفًا عن الآخر، زفـ ـر بقـ ـوة ومـ ـسح على وجهه ونظر إليها قائلًا بتساؤل «أومال بابا فين؟»
«راح الشغل مِن بدري كالعادة»
شرد هو قليلًا يُفكر في أشياء حمقـ ـاء كالعادة لينهض مستقيمًا على قدميه عائدًا إلى غرفته عاز مًا على مهاتفه صديقه العزيز، وقف في منتصف الغرفة يبحث عن هاتفه بعينيه ليزفـ ـر بضـ ـيق متمتمًا بنـ ـزق
«حتى الموبايل طـ ـفش مِني»
أقترب مِن فراشه وأبعد الوسائد بعشـ ـوائية ليرى هاتفه أسفـ ـل واحدة مِنهن، ألتقـ ـطه سريعًا وجلس على طرف الفراش وهو يعـ ـبث بهِ قليلًا يبحث عن رقم صديقه، أبتسم بإنتـ ـصار حينما وجده بعد عدة دقائق وها هو الآن ينتظر إستجابة صديقه ذاك، لـ الحق لَم يستمر الإنتظار كثيرًا فقد جاء صوت صديقه وهو يصيـ ـح بغضـ ـب في أحدّ أفراد عائلته كالعادة
«أقسم بالله يا شبر ونص أنتِ لو قولتي الإسم الغـ ـبي ده تاني لـ أديكي ضـ ـربة أخليكي فـ الأرض وأنتِ شبه المـ ـسمار كده»
قهقه الآخر على حديث صديقه الذي حفظه عن ظهر قلب بسـ ـبب ترديده كل يوم على مسامع شقيقته الصغرى التي تصغره بأربعة أعوام، وها هو يسمعها قاصـ ـدةً إشعـ ـال فتـ ـيلة غضـ ـبه
«بس يا مستر وشوشني»
سَمِعَ فقط أصوات أقدام عا لية تركض وصـ ـرخات الأخرى التي خرجت تستعين بوالدتها حتى تأخذها كـ در ع حـ ـامي لها مِن هذا الوحـ ـش الكبير في نظرها، وبعد العديد مِن الشـ ـد والجـ ـذب بين الطرفين ها هو الآن الهدوء قد سيـ ـطر على المكان وأتاه صوت صديقه يقول «أيوه يا ابني، معلش على التهـ ـزيق ده»
قهقه الآخر بخفة فهو يعلم أن صديقه جـ ـاد وصـ ـارم بعض الشيء في مثل تلك الأمور، فهو يرى أنه الأخ الأكبر ويجب أعطاءه بعض الإحترام الذي يطلبه أي أخ كبير تجاه أخوته الصغار
«أنا وأنتَ بنعـ ـاني جامـ ـد أوي يا خُضير يا خويا»
زفـ ـر خُضير فـ هو وحده يعلم كم يُعـ ـاني مِن تلك الشـ ـقية الصغيرة والتي دومًا تُخرج أسـ ـوأ ما يَكمُن داخله، أجابه خُضير بعد أن هدأ تمامًا
«ولا أي معـ ـاناة يا بَكري، مجـ ـنناني أقسم بالله حاسس إني هدخل السر.ايا الصـ ـفرا على إيديها»
«خُضير لو روحت أمانة عليك يا شيخ تكون واخدني فـ إيدك»
نطق بها بَكري وهو يقهقه ليبتسم خُضير فـ هكذا هو بَكري دومًا، يمازحه حتى يُنسيه ما يُعـ ـكر صفـ ـوه
«حاضر يا بَكري أوعدك هتكون فـ السرير اللي فـ ـوقيا»
«ودا العشـ ـم برضوا يا خويا، بقولك إيه ما تيجي نفطر سوى بره عند عم غالب بدل ما واحد فينا يرتكـ ـب جـ ـناية النهاردة»
«يلا انا معاك وبالمره ندوَّر على أي أوضة فـ ـوق السـ ـطوح أتنـ ـيل فيها بدل الذُ ل اللي انا عايش فيه هنا ده»
قهقه بَكري بخفة وأجابه مازحًا إياه
«معاوزش يا ولد أنـ ـثى معاك تراعيك وتاخد بالها مِنك»
«عارف يا بَكري، أنتَ شخصيًا مش عايزك»
«تُشكر يا رجـ ـولة كُلك كَرَم واللهِ، ماشي عمومًا انا هقوم أظبط دُنيتي وكمان رُبعاية كده هكون تحـ ـت بيتك مستنيك بس أوعى تتأخر عليا يا خُضير»
«عشر دقايق وهكون أنا اللي مستنيك يا بَكري»
«ماشي يا صاحبي مع السلامة»
أنهـ ـى مكالمته مع خُضير وألقـ ـىٰ الهاتف بإهـ ـمال على فراشه وذهب إلى خزانة ملابسه حتى يأخذ ملابس نظيفة ويستعد لرؤية صديقه المقرب، وصديق طفولته
***
كانوا يجلسون على طاولة الطعام فيما عداه، وهذا ليس جديدًا عليهم فمنذ أن أطـ ـلقوا عليه هذا الإسم وهو يمقـ ـتهم، يكـ ـره هذا الإسم ويكْـ ـره تلك اللحظة التي بدأو ينادونه بهِ حتى، يجلس على فراشه يعـ ـبث في هاتفه بمـ ـلل على “الفيـ ـس بوك” وقد بدأ يشعر بالمـ ـلل فقد أصبح روتينه ممـ ـلًا لا جديد يحـ ـدث وقد بدأ يكـ ـره نفسه أيضًا
عـ ـلّت رنة هاتفه التي أعلنته عن وصول رسالة مِن خُضير في شريط رفيع في أعلى شاشة هاتفه، قرر أن يدخل ويرى ما محتوى تلك الرسالة
«سلّام أنا وبَكري هنروح نفطر عند عم غالب هتيجي تفطر معانا ولا إيه؟»
شرد سلّام قليلًا يُفكر، وللحق قد جاءت إليه على طبق مِن ذهب فهو لَم يتناول فطوره حتى الآن ولَن يتناوله معهم في الخارج ولذلك أبدى بموافقته سريعًا ونهض حتى يقوم بتبديل ملابسه والتنزه مع أصدقائه علّه ينسى هذا الضـ ـيق قليلًا
خرج سلّام بعد أن أبدل ملابسه دون أن ينظر إليهم وذهب إلى باب المنزل وأخذ حذاءه وبدأ بإرتداءه دون أن يُعيرهم أيا أهمية، نظر إليه أخيه وقال ساخرًا
«على فين العزم يا مستر جبنة نستون»
رمـ ـقه سلّام نظرة حاقـ ـده فهذا ما كان ينقـ ـصه، ولَكِنّ لـ الحق هو لَم يُعيره أيا أهمية، نظرت والدته إليه بتخا بث متعـ ـمدةً إثا رة غضـ ـبه
«مبتردّش على أخوك ليه يا نستون، وبعدين مش هتفطر معانا ليه ده أنا حتى جيبالك جبنة نستون»
أنهـ ـى سلّام أرتداء حذاءه ولذلك خرج سريعًا صافـ ـعًا الباب خلفه بعنـ ـف دليلًا على غضـ ـبه الشـ ـديد وبأقل مجهـ ـود مِنهما كانا قد أشـ ـعلان غضـ ـبه، نظرت إلى سويلم وقهقها سويًا بخفة بعد أن نجح مخـ ـططهما
***
كانا التوأم المشابه يسيران في طريقهما إلى عربة الفول الخاصة بـ “عم غالب”، الرجُل الشهير في منطقتهم بـ طعامه اللذيذ والشهي، وعندما وصلا وجدا سلّام وخُضير وبَكري ثلاثتهم يجلسون على طاولتهم ينتظرونهما
«صباح الفُل يا عم غالب»
«صباحك قشطة يا عم غالب»
نطقا بهما التوأم يُحيون “عم غالب” الذي أعتاد على تحيتهما وردّ عليهما بأخرى وهو منهمكًا في تلبية طلبات زبائنه فكما تعلمون هو أشهر رجُل في منطقتهم، جلسا التوأم معهم
«صباحكم زبدة بالقشطة يا رجـ ـالة»
نطق بها عز بمرحه المعتاد لينظر إليه بَكري ويبتسم
«صباحك لوز يا فرقـ ـع لوز»
«قلب الفرقـ ـع لوز»
نطق بها وهو يقهقه، نظر إليهم توأمه عزت نظرة ذات معنى وهو يرى الشـ ـرار يتطا ير مِن عينين سلّام ليتفهم سـ ـبب غضـ ـبه دون أن يُكلف نفسه عـ ـناء السؤال
«ها يا رجـ ـالة تحبّوا تفطروا إيه»
نطق بها هذا الصبي الذي يعمل مع العم غالب والذي يعرفهم جميعهم عن ظهر قلب، نظر إليه خُضير نظرة ذات معنى وقال
«يا رجب هو إحنا جُداد عليك يا جدع زَّي كل يوم طبعًا»
«أنا قولت ممكن تزودوا حاجه المرة دي»
«لا يا سيدي مش هنزود حاجه بسرعة بقى عشان جعانين»
«مِن عيني»
تركهم رجب وذهب حتى يأتي بهم بطلباتهم، بينما بدأو هم يتحدثون عن العديد مِن الأمور الها مة والغير ها مة، بينما كان سلّام منعـ ـزلًا عنهم، عقله شاردًا ويُفكر في الكثير مِن الأشياء، نظر إليه خُضير الذي كان يجلس بجواره قليلًا ليقول «في إيه يا سلّام ساكت كده ليه مبتتكلمش، حصل حاجه ولا إيه»
نظر إليه سلّام قليلًا ماسـ ـحًا على ذراعه عدة مرات وهو لا يعلم ماذا سيقول إليه، أيجب قول هذا حقًا، أم سيراه شيئًا مفـ ـروغًا مِنهُ ويُبالـ ـغ بعض الشيء، أبتـ ـلع غصته بهدوء شـ ـديد زافـ ـرًا بعـ ـمق
«مفيش أنا مضـ ـايق بس شويه مفيش حاجه»
«قول أنا سامعك، إيه اللي حصل مضـ ـايقك أوي كده»
«مبقتش طايـ ـق قاعدة البيت يا خُضير، حقيقي مبقتش طايـ ـق قاعدة البيت ولا اللي قاعدين فيه، مِن ساعة ما طلّعوا عليا الإسم المسـ ـتفز ده وأنا كل يوم بيتنـ ـكد عليا والكا رثة إنهم واخدينها تسلـ ـية، وقت ما يحبّوا يضا يقوا فيا ينادوني بيه، انا حقيقي مبقتش طا يق أي حاجه وعايز أهـ ـرب وأبقى لوحدي لا حدّ يضا يقني ولا أضا يق حدّ»
«أنتَ مش أبـ ـأس مِن واحد أخته بتناديه مستر وشوشني»
«على الأقل وشوشني أرحم مِن الجبنة النستون»
نطق بها سلّام ساخرًا ثم أبعد ناظريه عن أعين أصدقائه يتفادى النظر إليهم جميعًا فهكذا هو سلّام يمـ ـتلك طـ ـباع مختلفة بعض الشيء عنهم، يُحبّ أن تكون لهُ هـ ـيبته بين الجميع، وأن يحترموه جميعًا ويكون ذو وقـ ـار وشخصية جا دة وصا رمة بعض الشيء، هكذا يكون سلّام ودعوني أُخبركم شيئًا ها مًا أعزائي، جميع هذه الصفات تليق بصاحبنا لا مبا لغة
«حاسس بيك تدري ليش لأن والله يا أخي في الرايحة والجايه بينادوني سردينة»
نطق بها عز وقهقه فهو حقًا لا يهتم حتى وإن كان أسمه شراب لن يهتم فهذا هو عز لا يهتم دومًا ويمرح معهم ويسخر مِن أسمه ليس كـ سلّام الذي يتخذ الجـ ـدية منهجًا في حياته
«ورنجة معاك على الخط طب تصدق وتؤمن بالله انا وعز قررنا نعاقـ ـبهم وأول واحد أتعاقـ ـب كان بابا عشان هو أكتر واحد بيتر يق علينا فـ طلعنا عليه المعلم فسيخ صاحب البيت»
قهقهوا جميعهم فيما بينهم سلّام فهو يعلم هذا التوأم جيدًا، مشاغـ ـبان، يُحبّان المغا مرة والجـ ـنون، يعشـ ـقان السفر والحياة، ويذ يقان صاحبهم مِن نفس الكأس الذي يذ يقهما إياه حتى لا يتنـ ـمر عليهما مرة أخرى ولـ المصداقية إنهما ليس مِن السهل أن يتلا عب أحدًَ معهما فهما ليسَا بتلك السذا جة والغـ ـباء، إنهما ذكيان حقًا ويُكملان بعضهما البعض
«الفطار يا رجـ ـالة»
نطق بها رجب وهو يضع الصحون أمامهم، نظر خُضير إلى سلّام وربت على فخذه برفق مواسيًا إياه
«يلا يا رجـ ـالة فُـ ـكوا كدا وبسم الله يلا»
***
«يا بنتي انا مش عارفه هتفضلي ساكتة كدا لحد أمتى بجد ما تقولي لـ خُضير أخوكي يتصرف في الموضوع دا أنتِ ساكتة ليه» نطقت بها صديقتها بنبرة غا ضبة غير راضية عن ما تفعله صديقتها
«يا بنتي فُـ ـكك دا واحد تـ ـعبان فـ د ماغه صدقيني ههتم بيه ليه يعني، وبعدين خُضير قا لب عليا» نطقت بالأخيرة بإحتـ ـجاج ليأتيها صوت الأخرى متسائلة «ليه إيه اللي حصل؟»
أخذت الأخرى نفسًا عمـ ـيقًا ثم زفـ ـرته لتُحاول إظهار براءتها قدر المستطاع، لتقول «أبدًا يا ستي كل دا قال إيه عشان ناديته مستر وشوشني»، ثوانِ مِن الصمت دامت بينهن، قطـ ـعته صديقتها تصـ ـرخ بوجهها تو بخها قائلة «وأنتِ أزاي تضا يقيه أصلًا وتناديه بـ الإسم دا ها»
«أنتِ بتتحـ ـمقيله؟» نطقت بها لمى بصـ ـدمة وشهـ ـقت واضعةً يدها على صدرها قائلة بد رامية «أخس يا صاحبتي، بقى كده، دا انا صاحبتك وعِشرة عُمرك أزاي تبيـ ـعيني فـ لحظة كده، آه يا ليلة بختك فـ صاحبتك يا لمى»
«خلصتي!» نطقت بها لميس بمـ ـلل فهي تعلم أن رو ح الدرا مية موهبتها في بعض الأحيان ولذلك لا تتأ ثر بما تقوله أو تشعر بالذ نب ولو قليلًا، تـ ـرقبت لمى ردّ لميس قائلة «أنتِ متأ ثرتيش»
«لا» نطقت بها لميس بسهولة لتبدأ الأخرى تنو ح وتصر خ بها تُعنـ ـفها عن قول تلك الكلمة التي لَم تروق إليها بالطبع دون توقف، قائلة «يعني إيه متأ ثرتيش يا هانم ها، وبعدين انا مش قولتلك بعد كده تتأ ثري وتسا يريني»
«طول ما أنتِ مـ ـزعلة جوزي ومنـ ـكدة عليه هزعـ ـلك يا لمى» نطقت بها لميس بجـ ـدية وضـ ـيق لتشـ ـهق لمى بصـ ـدمة مرة أخرى وكأنها تسمعها لأول مرة، لتقول مستنكرة «جوزك؟!، يعني إيه جوزك دي، إيش تقصدي بكلامك دا، إيش تقصدي، وبعدين انا مش هوافق إنك تكوني صاحبتي ومرات أخويا كده كتير عليا أوي بصراحة وقلبي الصغير لن يتحمـ ـل»
«معلش يا حبيبتي، قدرك» نطقت بها لميس تُحاول أستفـ ـزاز لمى التي أغمضت عينيها قليلًا وكأنها تستكشف شيئًا ما مثـ ـير لـ الشـ ـك، لتقول «بت يا لميس، أنتِ بتحبّي أخويا خُضير بجد»
شعرت لميس حينها بالتو تر فهي تعلم أن لمى تأخذ هذا كـ مزاح وقهقه لا أكثر، ولَكِنّ هو بالنسبة إلى لميس ليس كذلك فهي حقًا تُحبّه منذ أن كانا صغيران، ولَكِنّ لمى لا تعلم ذلك فقد ظّنت أنه مزحة أو حُبّ أخوي نظرًا لأنهما كانا مع بعضهما البعض منذ الصغر وهذا جعل لميس تتعـ ـلق بهِ دون أن تشعر وكان هو يعلم هذا، ولَكِنّ عندما كَبرا أبتعدا عن بعضهما وأصبحت لا تراه إلا مرات ضـ ـئيلة جدًا
«بت يا لميس أنتِ معايا؟» نطقت بها لمى بتساؤل عندما دام الصمت بينهما فجأة دون سا بق إنذ ار، تداركت لميس نفسها سريعًا، لتقول بنبرة متو ترة «أيوه يا لمى سمعاكي، معلش كُنْت بعمل حاجه وسيبتك» تَكـ ـذُب، هي كانت شاردة في ماضيها مع خُضير الذي سَـ ـلَبَ عقـ ـلها وقلبها منذ أن تلاقت عينيه بـ عينيها أول مرة
ليست تلك المرة التي كانا بها صغيران بلا، عندما أصبح خُضير في سن السابع عشر وهي في سن الثالث عشر، كانت تلك أول مرة ينظر إليها خُضير نظرة مختلفة، ليست نظرة كـ شقيق أكبر ينظر إلى شقيقته الصغرى مثلما كانا والديهما يخبراهما دومًا، ولَكِنّ نظرة شاب مـ ـراهق لا يعلم حتى إن كان هذا هو الحُبّ الحقيقي أم مشاعر مـ ـراهقة وستـ ـزول بعد مرور الوقت، أمّا بالنسبة إليها كانت ليست كذلك، كانت مشاعرها صادقة ولَم تُفكر مثلما فكر هو حينها ولذلك سَلّـ ـمت قلبها إليه وهي تعلم أنه سيُحافظ عليه ولَن يؤ لمها في يوم مِن الأيام
وحتى هذا اليوم رغم أنها تتأ لم بسبب أنها لَم تَعُد تراه مرة أخرى ولأنهما أصبحا كِبـ ـار الآن فـ تغير كل شيء ولَم يَعُد الأمر مثلما كانا صغارًا، شعرت لميس أنه سيتم كـ ـشف أمرها ولذلك أنهـ ـت حديثها مع لمى، قائلة بنبرة متـ ـعبة «بقولك إيه يا لمى معلش هتضـ ـطر أقفـ ـل معاكي دلوقتي هقيس الضـ ـغط عشان حاسه إني تعـ ـبت فجأة ومش قادرة أتكلم»
«أنتِ كويسه أجيلك؟» نطقت بها لمى بنبرة قلـ ـقة متسائلة بعد أن شعرت بذلك مِن نبرة صوتها، ولَكِنّ أجابتها لميس قائلة «لا لا مفيش داعي، أول ما أروق شويه هكلمك، باي»
أنهـ ـت لمى المكالمة معها وهي تشعر بالتعجب وبعض التشـ ـتت فهي تعلم لميس جيدًا، وما جعلها تتعجب أكثر ويبدأ الشـ ـك في التسـ ـلل إلى قلبها، ولذلك قررت أن تتحدث في هذا الموضوع عندما يحين وقته وقررت تجا هل الأمر
****
ألقـ ـت جـ ـسدها بإهـ ـمال على فراشها تاركةً هاتفها ونظرت إلى سقف غرفتها تتأمله بشـ ـرود وهي تُحاول السيـ ـطرة على مشاعرها التي بدأت تستيقظ مرة أخرى، فقد كانت ومازالت تُحبّه، لا تعلم أهو كذلك أيضًا أم لا ولَكِنّها شعرت أنها تُريد أن تبكي فهي تُريد أن يعترف إليها ويتخـ ـلّى عن غروره ذاك ويعترف إليها أنهُ يُحبّها كذلك ولَم ينسىٰ أي شيء بينهما منذ أن كانا صغار
سمحت لدموعها أن تتسا قط مثلما تشاء فقد طفـ ـح بها الكيـ ـل حقًا، كانت تتمنى أن تُخبرها كل شيء والإفصـ ـاح عن ما يَكمُن داخلها إليه، ولَكِنّ ما مـ ـنعها لمى، فهي تعلم جيدًا أن لمى لن تصمت وستركض إليه وتُخبره بكل شيء، لا تُنكـ ـر أنها شعرت بالضـ ـيق عندما أخبرتها لمى أنها قامت بمضا يقته وأغضـ ـبته، فهي تكـ ـره أن يضا يقه أحدّ بشيءٍ يمقـ ـته، ولذلك هي لَم تستطع التحـ ـكم في نفسها وغضـ ـبت أيضًا دون أن تشعر
«هتفضلي غـ ـبية لحد أمتى يا لميس؟» نطقت بها وهي تتأمل سقف الغرفة بشرود ثم بعدها ألتزمت الصمت إجابة على سؤالها
****
عادوا أربعتهم إلى حارتهم مرة أخرى وهم يتحدثون ويمزحون فيما عدى سلّام الذي رأى حبيبته تقف في رد هة البِنْاية خاصتها تنظر إليه مِن بعيد، توقف سلّام مكانه ونظر إليها بينما ألتفت خُضير يبحث عنه ليراه يقف وينظر إلى رد هة بِنْاية حبيبته لذلك أبتسم وتركه معها وذهب يلحق بأصدقائه
تقدم سلّام مِن بِنْايتها بخطى هادئة، بينما خرجت هي إليه ولَم تستطع منـ ـع أبتسامتها مِن الظهور، فعندما تراه أمامها تبتسم تلقائيًا ويتراقـ ـص قلبها فرحةً برؤيتهِ أمامها، وقف أمام البوابة الحـ ـديدية التي كانت مغـ ـلقة بإحـ ـكام ينظر إليها لتقف هي قبالته تنظر إليه كذلك دون أن تتحدث
«موحشتكش ولا إيه؟» نطقت بها وهي تنظر إليه تلك النظرة التي تأتي بهِ صـ ـريعًا في الحال دون شعور مِنهُ، أرتسمت أبتسامة جميلة على ثغره، ليقول «مين الأهـ ـبل اللي يقول لا، أكيد طبعًا بقالي أسبوعين مبشوفكيش، وانا مش متعود على كده بصراحة»
أبتسمت بأستحـ ـياء ووضعت شالها الأسـ ـود على وجهها تخـ ـتبئ بهِ في حركة لطيفة ومُحبّبة إلى قلبه، أتسعت أبتسامته ليقول «وليه الكسوف ما انا باصـ ـم»، ضحكت ذات الطبع الحسن بخفة، لتقول مصححةً حديثه «بالعشرة»
«بالمية كمان، دا انا أبصـ ـملك العُمر كله يا حنان»، أبتسمت حنان لتقول بتساؤل «كُنْت فين؟»، ليُجيبها «بنسأل مِن دلوقتي ها»
«بسأل عادي، مش بتطمن على جوزي» نطقت بها وهي تقهقه بخفة، أبتسم إليها سلّام، ليقول «الله على كلمة جوزي اللي كان نفسي أسمعها مِن زمان، يا ملكة دا أنتِ تعملي اللي أنتِ عايزاه»
أتسعت أبتسامه حنان، لتقول «مضـ ـطرة أسيبك وأطلع بقى عشان ماما لوحدها فوق وزمانها جعانة يا دوبك أطلع أعملها لقمة»
«سلميلي عليها كتير وقوليلها سلّام هيجيلك قريب» نطق بها مبتسمًا فهو يُحبّ والدة حنان كثيرًا فهي دومًا كانت تُعامله معاملة حسنة ولا تُحبّ أن يقوم أحدّ بمضا يقته مهما كانت صلة قرابته بهِ، أبتسمت إليه حنان، لتقول «حاضر»
«لا فين مِن عيوني يا سلّام؟» أردف بعبـ ـوس وهو ينظر إليها، ضحكت هي بخفة، لتقول بنبرة هادئة «مِن عيوني يا سلّامي»
«أمـ ـوت فـ ياء المـ ـلكية أقسم بالله» نطق بها بمرح لتضحك هي وتتركه وتصعد إلى شقتها تاركةً إياه يقف أمام الباب المغـ ـلق ينظر إليها مبتسمًا، ليقول «طول عُمرك محظوظ يا سلّام»
****
كانت الأيام تمضي، والشهور، روتينهم على مدار تلك الأشهر الما ضية لَم يتغير، ألا وقد أقام أخيرًا سلّام زفافه ليجعلهم أفضل حالًا ولو قليلًا، ها هو أول واحدٍّ مِنهم يقـ ـع أسـ ـيرًا في شبا ئك ذات العينان الليلية، كانوا أصدقائه سعداء كثيرًا إليه فهم يعملون جيدًا أن سلّام لَم يجد نفسه إلا مع حنان، تلك الفتاة التي وهي كما نقول باللغة العامية خاصتنا “إسم على مسمى”، فهي حقًا حنونة وتُحبّ سلّام كثيرًا وتخشى عليه المهـ ـالك، وهذا حقها
أستيقظ بَكري هذه المرة دون أن يستمع إلى صوت التلفاز الذي تشاهده والدته كل صباح، لإنه أمرٌ غريبٌ حقًا، نهض بتكا سل وجلس نصف جلسه وهو يفـ ـرك عينيه حتى يطـ ـرد النوم مِنهما ثم بدأ يتثائب، فتح عينيه ونظر حوله كي تلجـ ـمه الصـ ـدمة الكبرى عندما رأى أنه ليس على فراشه ولا في غرفته
نظر حوله بفمٍ مفتوح فقد جعلته الصـ ـدمة عاجـ ـزًا عن غـ ـلق فَمِهِ الذي كاد يُلاصـ ـق الأرض، حرك بؤبؤ عينيه فقط ينظر حوله بعد أن جحـ ـظت عينيه على وسعهما، رأى عالمًا غـ ـريبًا على ناظريه، ليس بعالمهم، عالم آخر كان يعلم أنه في الخيال والأفلام الكرتونية فقط، ولَكِنّ لَم يكُن يعلم أن الأمر سينقـ ـلب رأسًا على عـ ـقب ويصبح الخيال حقيقة؟
«يا نهار أسـ ـود ومـ ـنيل» نطق بها بصـ ـدمة تا مة وهو يشعر وكأن فـ ـجوة زمـ ـنية حقًا قد أبتلـ ـعته وألـ ـقت بهِ إلى هُنا، هو حتى لا يتذكر كيف جاء إلى هُنا وماذا حدث قبل أن يغـ ـرق في بحـ ـور نومه، نهض بَكري ينظر حوله بتـ ـرقب شـ ـديد وهو يُحاول إقـ ـناع نفسه أن هذا ما هو إلا حُلم وسيستيقظ مثل كل يوم
ولَكِنّ ما جعله يُدرك أن هذا ليس وهـ ـمًا أو حُلما يعيش بهِ وسيستيقظ ويتمتم بحـ ـنق هذا الصغير الذي جـ ـذب بنطاله برفق، ويقول «يا إلهي إنه كا ئن مِن الفـ ـضاء، إنه وحـ ـش يا رفاق»
نظر إليه بَكري سريعًا لتجـ ـحظ عينيه أكثر ويصـ ـرخ بهـ ـلع، يقول «ويني الدبدوب؟»
***
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحلام العصرية)