رواية وما ادراك بالعشق الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم مريم محمد غريب
رواية وما ادراك بالعشق الجزء الخامس والعشرون
رواية وما ادراك بالعشق البارت الخامس والعشرون
رواية وما ادراك بالعشق الحلقة الخامسة والعشرون
الفصل الخامس و العشرون _ أعزّ من روحي _ :
قبل أربعة عشر عامًا ..
-مش هاتحكيلي بردو إيه إللي بتشوفه في الكابوس ده ؟
كان يتصبب عرقًا حارًا بين ذراعيها.. بالكاد ناولته كأسًا من الماء البارد أنهاه كله و أعاده فارغًا إليها و هو يجاوبها بصوتٍ أجش مضطرب :
-بشوفه كل ما بغمض عيني.. بحلم إني سايق على طريق سفر.. و جنبي حد أعرفه.. و فجأة العربية بتعمل حادثة كبيرة.. و.. و بس!
أخذته في عناقٍ حنونٍ.. ضمته “رحمة” إلى صدرها و راحت تربت عليه ليهدأ و هو تردد على مسامعه بصوتها الرقيق :
-ششش.. خلاص.. ده مجرد كابوس.. إهدى.. إهدى يا حبيبي !
هذه الكلمة فقط التي ساهمت بتهدئة أعصابه المشدودة.. عانق خصرها بشدة و أراح رأسه على صدرها.. أغمض عيناه مطمئنًا و هانئًا بوجودها إلى جواره.. صوتها يلف حواسه كأنه مرهمًا لآلامه ..
حتى غفى مجددًا …
**
ذات الكابوس الذي راوده لمراتٍ لا يُحصيها العدد.. تكرر اليوم أيضًا.. و استيقظ “يحيى البحيري” على كارثة من شأنها أن تخرّب عمله لسنوات ..
شقيقه الأكبر كالعادة يتوق لتدمير حياته !!!
ترك “يحيى” زوجته و أم ولديّه تجهز له حقيبة سفره.. لينفرد بنفسه بضع دقائق بغرفة مكتبه بالأسفل.. أغلق الباب عليه جيدًا.. أخرج الهاتف الخلوي الخاص بالعمل.. ثم باشر بالاتصال بها.. ثوانٍ و أتاه صوتها :
-يحيى !
تنفس الصعداء ما إن سمعها.. و كأن حجرًا كان يجثم فوق صدره :
-رحمة.. صباح الخير ..
-صباح النور.. مش عادتك تكلمني الصبح بدري.. في حاجة و لا إيه ؟
تخلل بعض التوتر صوته و هو يرد عليها عابثًا بمجموعة من الأوراق فوق مكتبه :
-مافيش.. أنا كنت بكلمك بس عشان أقولك إني جاي إنهاردة ..
-جاي ؟ .. طيب ليه ماقولتليش إمبارح لما كلمتني ؟
تأفف بضيقٍ قائلًا :
-أنا ماكنتش أعرف بسفري غير من ساعتين بس ..
أحست بخطبٍ ما به.. فسألته باهتمامٍ :
-مالك يا يحيى ؟ صوتك مش عاجبني انت كويس !؟
كان يشعر بالسوء حقًا.. و كأن هناك مكروهًا أكبر يتربّص به و يتحيّن اللحظة المواتية لإيقاعه …
-أنا كويس يا رحمة ! .. كذب عليها
و أضاف باقتضابٍ : في مشكلة كبيرة بس في الشغل.. لازم أجي أحلها بنفسي و إلا هاتبقى خسارة كبيرة ..
-طيب.. طيب خلاص هدي نفسك.. كله هايتحل.. هاتوصل امتى ؟
-طيارتي بعد ساعة و نص.. يدوب ..
-أوكي.. تعالى بالسلامة.. أنا مستنياك.. تحب أجي أنا و شمس نستناك في المطار ؟
-لأ مافيش داعي.. في عربية هاتنسناني أول ما أنزل.. خليكوا.. انتي فين صحيح في البيت و لا في الريسترانت ؟
كان يعلم سلفًا أين هي من الحارس الشخصي المتخفّي الذي أرسل له منذ قليل تقريرًا مرفق ببضعة صور لها …
-أنا في الريسترانت ! .. منحته الجواب الذي يعرفه فعلًا :
-و شمس في المدرسة.. بس طالما انت جاي إنهاردة هارجع على البيت دلوقتي عشان أطبخ لك بإيدي ..
ابتسم ابتسامة لم تصل لعينيه و قال بحنينٍ غريب :
-ياريت.. وحشني آكل من إيدك !
سمع ابتسامة في صوتها و هي تقول :
-خلاص.. أوعدك هاتاكل إنهاردة أكل ماحصلش.. هاعمل كل الأصناف إللي بتحبها ..
صمت “يحيى” في المقابل للحظاتٍ.. ثم قال فجأةً بمنتهى الهدوء و الثقة :
-بحبك يا رحمة !
بدا إنها ارتبكت قليلًا.. لكنها ردت عليه بالمثل :
-و أنا كمان يا يحيى.. بحبك !
**
لضيق الوقت.. لم ينتظر “يحيى” حضور السائق و انطلق في طريقه متوجهًا إلى مطار “برج العرب” ليلحق برحلته الوشيكة ..
كان متوترًا كفايةً قبل أن يرده اتصالًا من أخيه.. تجاهله مرة و إثنان.. لكنه كان مصممًا..
زفر “يحيى” بقوة و هو يصطف سيارته على جانب الطريق ليرد على المكالمة …
-أفندم يا رفعت ! .. رد “يحيى” محتدًا بشدة
تريث الأخير بالإجابة عليه للحظاتٍ.. ثم قال بصوتٍ هادئ :
-وصلت المطار و لا لسا يا يحيى ؟
يحيى بصلابةٍ : إشمعنا ؟ بتسأل ليه سيادتك ؟
طال صمت “رفعت” هذه المرة.. فانفعل “يحيى” بغتةً :
-بقولك إيه يا رفعت ماتخلّنيش أعمل معاك تصرفات أندم عليها. انت بتكلمني عشان تسمعني سكاتك ؟ عايز تعطّلني أكتر من كده ؟ أنا مش فاهم إيه كميّة الكره و الحقد إللي جواك ليا دي كلها ؟ عايز تخسّرني إيه تاني ؟ تحب أموت عشان ترتاح خالص ؟؟؟
سمع تنهيدته عبر الخط.. ثم صوته يقول بنفس الهدوء :
-بص يا يحيى.. انت عندك حق.. أنا فعلًا بحقد عليك.. لكن مش بكرهك.. انت أخويا ..
يحيى بسخرية : أخوك آه.. أصلك عملت حساب للأخوّة أوي ..
رفعت بجدية : اسمعني يا يحيى.. ماتسافرش.. ماتسافرش و تعالى ننهي الخلاف إللي بينّا ده إنهاردة ..
-فعلًا يا رفعت ؟ عدم سفري هو إللي هاينهي الخلاف ؟ لما تشوفني بخسر كل حاجة قدامك هاترتاح و تنتهي العداوة ؟ ده إللي هايريحك صح ؟؟
-يحيى.. اسمعني و افهمني.. و اسأل نفسك سؤال واحد.. أنا من إمتى بالظبط اتغيّرت عليك ؟ من إمتى بالظبط علاقتي بيك اتهزّت و لسا مارجعتش زي الأول ؟ .. فكر يا يحيى !
قطب “يحيى” جبينه متفكرًا بكلمات أخيه ذات المعنى المبهم.. و قال بجمودٍ :
-مش فاهم.. تقصد إيه !؟
انبعث صوت “رفعت” قويًا و هو يصارحه بجرأة الآن :
-يمكن كنت أعمى للدرجة دي.. يمكن كنت واثق فيا.. أو حتى يمكن مكانتش تخطر على بالك حاجة زي دي.. بس يا يحيى جه الوقت إنك تسمعها مني.. مش معقول هانفضل طول عمرنا عايشين بالشكل ده.. انت لازم تعرف حقيقة مشاعري ناحية فريال.. فريال هي نقطة الخلاف بيني و بينك.. انا بحب فريال يا يحيى !!!
لم يستوعب “يحيى” الكلمات التي مرّت على أذنيه.. و ظن بأنه لم يفهم جيدًا.. فردد ببلاهةٍ :
-إيـه !؟
كرر “رفعت” مفصحًا عن أسرار ستحرق و تهدم العائلة بأكملها :
-أيوة زي ما سمعت.. فريال مراتك.. مرات أخويا بس أنا عمري ما شوفتها غير الست إللي بحبها و انت خطفتها مني.. أنا إللي شوفتها الأول.. و حبيتها الأول.. و كنت لسا هاخد الخطوة سبقتني حضرتك.. حاولت أنساها.. حاولت أشيلها من قلبي و من عقلي و أصدق خلاص إنها بقت مرات أخويا.. بس مقدرتش.. و لا يوم.. اتجوزت و خلفت و فضلت فريال الحسرة الوحيدة في قلبي و الحاجز إللي بيني و بينك.. لحد ما عرفت إنك اتجوزت عليها.. كانت دي فرصتي معاها.. انت ماحبتهاش.. بس أنا ماحبتش غيرها ..
الصدمة.. بل بضعة من الصدمات عقدت لسان “يحيى” على الأخير.. ما أتاح الفرصة لـ”رفعت” حتى يكمل ما بدأه بصوتٍ أجش مزوّرًا حقيقة ما حدث ليضمن النتائج في صالحه :
-أنا و هي حبينا بعض.. لو سألتها يمكن تنكر.. بس أنا عندي الأدلة.. أنا و فريال بينّا علاقة و من زمان يا يحيى.. من بعد جوازك من التانية علطول.. و مش علاقة سطحية.. أنا وصلتلها.. و دخلت أوضة نومك.. نمت معاها.. على سريرك.. و مش مرة واحدة ..
-هـاقــــــــــتلك ! .. صاح “يحيى” بضراوةٍ مخيفة مقاطعًا كلمات أخيه التي نفت عقله و دمرت أيّ ذرة تفاهمٍ و تحضّر فيه
ارتفعت دماؤه كلها إلى وجهه و هو يصرخ بعنفٍ عبر الهاتف المسكين :
-هاقـــتلك و هاقــتلها يا رفـعت.. مش هايطلع عليكوا صبح جديد !!!!
داهمه “رفعت” ببرود قائلًا :
-طلّقها.. طلّقها و سيبهالي يا يحيى.. و روح انت لمراتك و بنتك.. هاتهم هنا و أعلنهم بدل ما انت مخبيهم و عايزهم يفضلوا مستخبيين طول العمر.. طلّق فريال و سيبها تعيش مع إللي يستاهلها و بيقدّرها ..
لم تفعل كلمات “رفعت” شيئًا سوى أن أججت بصدر “يحيى” نيران لا ينطفئ لهيبها إلا بالانتقام.. الانتقام لرجولته المطعونة …
-أنا جـاي !! .. نطق “يحيى” بغلظةٍ تنم عن وحشية سيؤذن لها بالانطلاق قريبًا :
-أنا جايلك يا رفعت.. لو راجل بجد.. لو ابن أبوك.. لو صالح البحيري خلّف راجل حقيقي ماتهربش.. عشان أقسم بالله ما هاسيبك إلا ميت إنهاردة.. يا أنا انت يا رفعت.. يا أنا يا انت !!!
رفعت بثقة : مستنيك.. تعالى يا يحيى !!
أغلق “يحيى” الخط على الفور.. ألقى بالهاتف على الكرسي المجاور.. تفقّد ذلك المسدس الاحتياطي بدرج جانبي في سيارته و الذي يحمله معه دائمًا ..
ثم شغّل المحرك و همّ بالانطلاق عائدًا إلى المنزل.. و تحرّك بالسيارة فعلًا ..
لكنه توقف بشكلٍ عرضي ما إن دق الهاتف من جديد.. و لمح اسم “فريال”.. أوقف السيارة ثانيةً و التقط الهاتف ليرد ..
لم يكاد يفعل ..
صوت بوق مصمّ ..
يقترب بسرعة ..
يرفع رأسه و يحملق بقوة ..
مادة حديدية عملاقة.. تصطدم به بلحظة ..
ثم ساد الظلام فجأة ..
تحقق الكابوس …
**
كانت تطهو الآن.. مبتدئة بتقطيع الخضروات و تحضير أنواع السمك المفضلة لدى زوجها.. لتصنع له حسائه المخصوص إلى جانب مجموعة أخرى شهيّة من الأطباق ..
بعد قليل ستعود ابنتها.. و تتوقّع وصوله هو بعد ساعتان أو ساعتان و نصف من الآن.. لذا الوقت بالكاد يكفي لتصعد بعد أن تنتهي من إعداد الطعام و تهيئ نفسها للقائه ..
يدق هاتفها في هذه اللحظة مقاطعًا إيّاها عن عملها.. فتترك كل شيء و تجفف يديها بمريولها.. ثم تتجه نحو الطاولة حيث تركت الهاتف ..
يشرق وجهها ما أن ترى اسمه يتوّسط الشاشة المضاءة.. إلا إن عبوسًا مستغربًا يتسيّد قسماتها فجأةً عندما تدرك بأنه من المفترض أن يكون على متن الطائرة الآن.. كيف إذن يتصل بها !؟؟
فتحت “رحمة” الخط في الحال :
-يحيى !
اضطربت كثيرًا.. و هي تستمع إلى تردد أنفاسه يبدو و كأنه ضحلًا.. تعرف أنفاسه.. تشعر به.. و ينقبض قلبها …
-رحمة ! .. يرد عليها بصعوبةٍ
لتزداد هلعًا و هي تهتف :
-يحيى.. انت بتتكلم منين ؟ و مال صوتك ؟ يحيى في إيه !!؟
جاء صوته ضعيفًا للغاية :
-رحمة.. أنا.. أنا بموت !
صرخت في نفس اللحظة تلقائيًا.. صرخت و بكت و هي تسأله :
-في إيه ؟ انت فيـن ؟ قولّي انت فين ؟ رد عليا يا يحيى ؟ إيه إللي حصل !؟؟؟
-مافيش وقت.. اسمعيني.. هاتاخدي شمس.. و ترجعي مصر.. خلّيها تروح لعثمان.. خلّيها تروح لأخوها.. ماتثقيش في حد غيره.. سمعاني ؟ عثمان و بس يا رحمة.. عثمان و بس ..
ما يقوله يجعلها تنهار أكثر.. و يسيل الدمع من عينيها مدرارًا بينما يعلو نشيجها بحرارةٍ :
-يحيى أبوس إيدك ماتعملش فيا كده.. قول إنك بتهزر.. قول إنك كويس.. انت جاي.. أنا مستنياك.. يحيى أنا ماليش غيرك.. أنا و شمس مالناش في الدنيا غيرك.. عشان خاطري كفاية كده.. قول إنك كويس الله يخليك.. الله يخليك ..
واصلت بكائها المرير متوقعة أن تكون مزحة منه.. لكن صمته يطول قليلًا.. قبل أن يخبرها بشقّ الأنفس.. و يودّعها في آنٍ :
-سامحيني.. سامحيني على.. على كل حاجة.. أنا حبيتك بجد.. قولي لشمس تسامحني ..
و صمت ..
للأبد ..
أدركت “رحمة” ذلك.. فانهارت فوق ركبتاها و انفجرت في عويلٍ شديد و هي تستصرخه عبر الهاتف و لا حياة لمن تنادي ..
حتى ظهرت ابنتها و جثت أمامها مرعوبة ممّا ترى أمها عليه.. تمسك “شمس” البالغة من العمر خمسة عشر عامًا بكتفيّ أمها.. و تسألها مذعورة :
-مامـي.. مامـي مالك في إيـه ؟ مامـي ردي عليـا فـي إيـه ؟؟؟؟
رفعت “رحمة” نظراتها المتخمة بالدموع متطلّعة إلى ابنتها.. إلى قطعةً منها و منه.. و بلّغتها بعميق أسفها و صدمتها و استنكارها :
-يحيى..أبوكي.. أبوكي مـات يا شمس.. يحيـى مـااات !!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)