رواية فطنة القلب الفصل الخامس عشر 15 بقلم سلمى خالد
رواية فطنة القلب الجزء الخامس عشر
رواية فطنة القلب البارت الخامس عشر
رواية فطنة القلب الحلقة الخامسة عشر
(صَبْرُ أَيُّوبْ)
أخذ نفسًا عميقًا يخفي خلفه توتره، وضع الإبرة الخاصة بالأنسولين داخل الخزانة يغلقها بهدوءٍ، ثم استدار نحو قطوف التي تتطلع له بنعاسٍ تنتظر اجابة، حرك رأسه بإيجابية يجيبها بهدوءٍ:
_ لسه جاي من شوية.
حركت رأسها مجددًا ثم عادت تغفو بهدوءٍ، نظر لها مازن بزفرٍ يحمل الراحة، تأكد من غفوها وانطلق مجددًا للدولاب يأخذ الابرة كي ينتهي من هذا الامر المربك، انطلق نحو الحمام وما أن انتهى حتى خرج يرتدي ملابس مريحة للنوم، تقدم نحو الفراش يسحب الوسادة منه ولكنه تفاجأ بيد قطوف تتشبث به، تردد بصوتٍ نعاس للغاية:
_ نام على السرير يا مازن… جسمك مش هيستحمل اللي هتعمل في الأرض بكرة.
تعجب من طلبها، ولكن لم ينتظر دقيقة واحدة ونام على الفراش من شدة التعب الذي داهمه.
*******
صباحًا..
استيقظت قطوف بتعبٍ جالي، تنظر حولها لتجد رأسها تتوسط صدر مازن، اتسعت عينيها فجأة ونهضت من مكانها تكاد تصرخ به، ولكن علقت الكلمات بحلقها ما أن نظرت له يغفو بعمقٍ، أغلقت فمها وتذكرت ما حدث بالأمس وأنها هي من اخبرته أن ينام على الفراش، استدارت كي تنهض ولكنها تفاجأت بحقيبة دواء على السراحة، قطبت جبينها بتعجبٍ فهي ام تكن موجودة بالأمس، مدت يدها لترى ما بها لتجد مرهم للكدمات ومرهم اخر مرطبًا، رمشت بعينيها عدة مرات فهذه أدوية لوجهها، نهضت سريعًا تتطلع لوجهها بالمرآة لتجد أثار هذا المرهم على وجهها، وأن العلامة الموجودة بوجهها قد اختفت.
استدارت تنظر نحو مازن بمشاعرٍ متضاربة، تتأمل ملامحه الساكنة، ثم زحفت بسمة صغيرة على شفتيها، يشعر قلبه بألفة معه، تقدمت نحو الخزانة تحضر ملابسها التي احضرتها لها زينة بالأمس.
استيقظ مازن يشعر بألمٍ يداهم رأسه، نهض يغمض عينيه بدوارٍ، في حين خرجت قطوف وهي تهندم ملابسها، ولكنها وجدت مازن يجلس على طرف الفراش مغمضًا عينيه، تقدمت بتوترٍ نحوه، ثم سألت بتردد:
_ أنت كويس؟!
:_ حاسس بدوخة وصداع.
قالها بتعبٍ شديد، تقدمت نحو بقلقٍ، تردد وهي تمسك بوجهه ترفعه بهدوءٍ:
_ استنى اشوف الجرح اللي في دماغك.
بدأت بفك الضمادة لتجد بعض الدماء حول الجرح، ذهبت سريعًا تحضر علبة الاسعافات وبدأت بتطهير جرحه، ثم اعدت الحمام وملابسه التي سيرتديها، وتقدمت منه تردد بحنو:
_ أنا جهزت الحمام.. ادخل خد حمامك يمكن الدوخة تروح.
حرك رأسه بإيجابية، ونهض من مكانه، ولكنه بدأ يترنح لتسرع قطوف تمسك بيده تساعده على الوقوف باعتدال، تمتمت وهي تلف ذراعها على ظهره قائلة بجدية:
_ خلاص هساعدك استنى.
ساعدته على دلوف الحمام ثم أغلقت الباب تاركة إياه كي ينتهي وبعد مرور وقت خرج مازن من الحمام يشعر بقليلٍ من الراحة، تقدمت نحو بقلقٍ تنظر لعينيه متمتمة:
_ ها حاسس بأيه؟!
لم يعتاد طرقتها، ولكنه تمتم بهدوءٍ ممزوج بتعجبٍ:
_ الحمدلله دوخة راحت شوية.
حركت رأسها براحةٍ، ثم تقدم مازن نحو الباب يردف بهدوءٍ:
_ يلا.
نظرت له بحزنٍ تمنت لو يمسك بكفاها مجددًا كي يهبطا سويًا تمنت ان يعاملها كابنته وينسى ذنبها.
*********
:_ لديكم ثلاثة أشهر فقط أرى بها محصول الطماطم الذي ستزرعونه.
قالها مهران وهو يقف أمام زين ومازن وياسين، في حين أومأ زين بإيجابية يردف بطاعة:
_ حاضر يا والدي.
تركهم يغادر الأرض بور، تحتاج لوقتٍ كثيف كي ينتهوا من اصلاحها واعدتها صالحة لزراعة، استدار زين مجددًا لهم ثم قال بهدوءٍ:
_ ركزوا معايا أبوس راسكم الأرض دي بور ومحتاجة تتجهز عشان نقدر نزرع.
نظر الأثنان حوالهما ليجدا الأرض بالفعل حالتها مزرية، هتف مازن بحيرةٍ:
_ يعني هنعمل إيه؟ وإيه اللي خلى الأرض يحصلها كده!
تنهد زين ثم اجابه بحيرةٍ:
_ مش عارف بظبط.. والدي اداني الأرض كده.. واحنا المفروض نعرف هي فيها ايه.. وانسب حاجة هناخد عينة منها ونحللها… بس دلوقتي هنجهزها بحيث نقدر نشتغل علطول.
حرك مازن رأسه في إيجابية، يتطلع للأغصان الموجودة على الأرض وجزوع الشجر الضخمة، بدأ بحمل الأغصان ليهتف مازن بتعجب:
_ صح يا زين أنت بتتكلم زينا عادي كده إزاي؟!
تدخل ياسين يجيبه وهو يحتسي الشاي جالسًا على أحد الجزوع:
_ لا ما زين درس في جامعة عين شمس.. وعاش في القاهرة اربع سنين هو خريج آداب علم نفس وشغال دكتور نفسي.. بس اعتزل المهنة حاليًا وشغال ما والدي.
استدار مازن ينظر له بغيظٍ يردف بحدةٍ:
_ أنت قاعد بتهبب ايه ما تقوم معانا!
وضع ياسين قدم فوق الأخر يردد بغرورٍ:
_ في واحد زي يشتغل في أرض.. أنا بس قاعد عشان أسليكم.
:_ لماذا لا تعمل!
قالها مهران عائد لهم، في حين انتفض ياسين من مكانه ليقع الشاي الساخن على قدمه فصرخ بقوةٍ من شدة الألم، ضحك مازن عليه يردف بتشفي:
_ تستاهل.
كاد ياسين أن ينهض كي يكيله بالضرب، ولكن جرحت إحدى الأغصان قدمه بقوةٍ، ليعود يصرخ بقوةٍ قائلًا بأعين مدمعة مما يراه:
_ مين دعا عليا يا ولاد الـ..
قاطعه زين واضعًا يده على فم ياسين قبل أن يكمل حديثه، في حين حرك مهران رأسه بيأسٍ منه، ليخبر مازن لهدوءٍ:
_ اذهب إلى قطوف واخبرها بأن تعطيك السماد الذي اعدته مع ملك.
*********
:_ معلش يا ماما ممكن اروح لقطوف وحشتني أوي ونفسي أشوفها!
قالتها مريم برجاء، في حين نظرت نهاد لها بحيرةٍ ثم قالت بصوتٍ حنون:
_ طب روحي استأذني جدك أو عمك وبعدها روحي.
صفقت مريم بيدها تقبل وجنتي والدتها ثم انطلقت نحو جدها الذي يجلس بالردهة تتمتم بأدب وهي تتقدم بخطواتٍ هادئة:
_ جدو ممكن أروح عند واحدة صحبتي!
نظر لها قليلًا، ثم سأل بهدوء:
_ ساكنة فين؟!
اجابته بتوترٍ:
_ تبقى من عيلة العطار.
تهلل سريره ما أن استمع للاسم، ثم قال بإيجابية:
_ روحي الحج مهران معروف عزان بالسمعة الطيبة بس متعوجيش أهناك.
تقدمت منه تقبل بيده بحبٍ قائلة بسعادة:
_ ربنا يحفظك ليا يا جدو.
انطلقت مريم تعد نفسها كي تذهب إلى قطوف..
**********
توجه مازن بالقرب من الحظيرة التي بها قطوف، ولكن ما أن اشتم الرائحة حتى أردف باشمئزاز يكتم انفاسه:
_ ايه الريحة دي.. دا زمان قطوف ماتت جوا.
تقدم للداخل يفتح الباب الذي به الجاموس، ليجد قطوف تقوم بحلب الجاموسة، تعالى صوت ضحكته بشدة، يمسك ببطنه من شدة الضحك، في حين نهضت قطوف من على الكرسي تنظر له بغيظٍ مرددة:
_ ايه اللي جابك!
_ جاية اشوفك يا فنانة وأنتِ قاعدة بتحلبي.. أول مرة تمسكي حاجة غير المفتاح.
قالها وهو لا يزال يضحك بشدة، رمقته بنظرة غاضبة، ثم رأت جالوس طين بجوارها لتمسك به بقوة تلقيه عليه مرددة بعصبيةٍ:
_ بقولك إيه اطلع برة بالا هي مش نقصاك.
تفادى ما ألقته ثم ابتسم في استفزاز، ثم قال بصوتٍ ممزاحٍ:
_ ألا قوليلي يا قطوف هو أنتِ بتحلبي جاموسة زي ما بتحلبي العربية قصدي بتلصحي العربية.
حدجته بنظرة نارية، ثم قالت بحنقٍ:
_ هاهاها دمك سم على فكرة.
أتت ملك على شجارهما، تتسأل بدهشة:
_ مازن بتعمل إيه هنا؟!
:_ خالي مهران قالي تجبيلي السماد الأرض من هنا.
اجابها مازن بهدوءٍ، في حين حركت ملك رأسها تردف بهدوءٍ:
_ الشوال اللي فيه السماد اهوه خدوا.
تقدم مازن من الشوال وحمله بصعوبةٍ، يردف بصعوبة:
_ الشوال دا حطين فيه إيه.. دا تقيل أوي.
اتسعت ابتسمت ملك تردد بفخرٍ:
_ سماد عضوي ومفيد للأرض.
قطب مازن جبينه بدهشةٍ، يردف بتعجب:
_ هو إيه السماد العضوي؟!
تقدمت ملك من شوال أخر، ثم اخرجت منه القليل تجيبه بسعادة لم يفهمها:
_ يبقى دا يا مازن.. اللي الجاموس بيعملوه.
اتسعت عينيه بصدمةٍ، ينظر إلى قطوف التي تضحك بشدة، ليهتف بذات الصدمة:
_ اوعي يكون اللي في بالي!
حركت قطوف رأسها بايجابية، تتمتم بتشفي:
_ هو بذات نفسه..
قم قالت بضحكٍ:
_ بلغتنا كده اسمه بِيبي الجاموسة.
صرخ مازن باشمئزاز يلقي ما بيده على الأرض، في حين انتفض الجاموس كله يصدرون صوتٍ عالي، تقدمت ملك تهدئ الجاموس، تنظر لمازن بغضب قائلة:
_ عجبك كده الجاموس كله اتخض.
:_ قال خضيت رئيس الورزا وأنا مش حاسس.. دا جاموسة حضرتك خايفة تقطع الخلف.
قالها بتهكم لها، لتشيح له ملك قائلة:
_ شيل يلا الشوال وامشي.
***********
وصلت مريم إلى منزل العطار.. فهو قريب منهما بشدة، سارت نحو الداخل لتجد زينة تحمل الملابس الجافة، تقدمت منها زينة ببسمة، تردف بدهشة:
_ عايزة حد اهنيه؟!
حركت رأسها بإيجابية تتمتم بتهذب:
_ عايزة قطوف العطار.
:_ الغالية.. مش في البيت دلوقت.. هي بالزريبة يا حبيبتي.. امشي اخر شارعنا دا هتلاقيها اخره موجودة.
قالتها زينة ببسمة ترحيب جميلة، في حين شكرتها مريم وتوجهت نحو المكان الذي اخبرته به زينة وهي تفكر ما الذي ذهب بقطوف هناك؟!
************
نظر مازن باشمئزاز له، ثم حمله على ظهره وهو يكاد يبكي مما هو فيه، سار خارج الحظيرة وتقدم من الأرض ليردف زين وهو يكمل حمل الأغصان:
_ يابني أرحمني شوية مكنش جرح في رجلك… قوم ساعد مازن.
نفخ ياسين بحنقٍ، ينهض من مكانه ليساعد مازن بحمل الشوال، وبالفعل حمله معه ليردف ياسين بدهشة من ثقل هذا الشوال:
_ هو في ايه الشوال دا يا مازن.
:_ بيبي الجاموسة.
قالها مازن بصوتٍ لاهث، في حين صرخ ياسين فجأة بصوتٍ لم يتخيل انسان أنه يمكن لرجل أن يصدره.. فقط النساء من تصرخ هكذا، ترك ياسين الشوال فجأة ليزداد حمله على مازن الذي اختل توازنه فوقع الشوال فوق ياسين الذي سقط أرضًا ثم فوقه الشوال وفوقه مازن الذي صرخ من ألم ظهره..
*********
وصلت مريم للحظيرة لتفتح الباب الخلفي للحظيرة؛ فلها بابان احدهم يطل على الارض والاخر يطل على الشارع، دلفت بهدوءٍ نحو الداخل تشمئز من الرائحة، ولكن اتسعت عينيها وهي ترى قطوف تحلب الجاموس، هتفت مريم بصدمة يتبعها ضحك:
_ قطوف أنتِ بتحلبي الجاموسة!
تعالى صوت ضحكتها بشدة، في حين استدارت قطوف تنظر لمريم بسعادة لوجودها، كادت أن تتقدم منها ولكن اوقفتها مريم قائلة:
_ بت روحي اغسلي ايدك وبعدها نقعد نتكلم.
:_ بكرة تحلبي الجاموسة وساعتها ههزقك
قالتها قطوف بغيظٍ تاركة الحليب الذي اعدته، مغادرة المكان في حين وقفت مريم تنتظرها بمللٍ، بقيت تطلع إلى الجاموس تتأمل شكله حتى توقف عينيها على شكل ثور يشبه ما هو موجود في كرتون توم و جيري وقفت أمامه بانبهارٍ، ثم طرقت برأسها فكرة، نظرت بداخل حقيبتها لتجد مبتغاها(منديل أحمر) رفعته بسعادةٍ تردد بصوتٍ متحمس:
_ هنشوف بقى إذا كان بيجري ورا المنديل الأحمر ولا لاء.
بدأت بأن تلوح بالمنديل أمامها، وسرعان ما تلونت عين الثور بالأحمر يتحرك بعنفٍ ليفك الحبل، تراجعت مريم بخوفٍ، في حين ازداد هيجان الثور.
دلفت قطوف لها ولكنها تفاجأت بهذا الثور يفلت الحبل، ثم ركض مريم سريعًا تصرخ بذعرٍ:
_ اجري يا قطوف.
لم تنتظر لحظة وركضت مع مريم نحو الأرض التي بها ياسين ومازن وزين ومن خلفهم الثور الهائج.
*******
:_ قوم يلا هفطس من ريحة الشوال!
قالها ياسين بصعوبة وأنفاسٍ لاهثة، كاد مازن أن يرد ولكن شعر بصوت أقدام عنيفة وصراخ، رفع بصره ليرى قطوف ومريم تركضان برعبٍ ويتعالى صوت صراخهم، وخلفهم هذا الثور الهائج الذي يركض خلفهم بجنونٍ.
اتسعت عين مازن في رعب ثم نهض من أعلى ياسين يصرخ برعبٍ، يركض بعيدًا عنه، في حين تعجب ياسين من صراخ مازن وركضه، ليزيح هذا الشوال ونظر خلفه ليجد قطوف تركض حتى تخطته ومن خلفها مريم التي لا تزال تمسك بالمنديل وتصرخ هي الأخرى، لم يمض وقت على فضوله ليرى هذا الثور فأسرع يركض هو الأخر متمتمًا بذعر:
_ صحتي يا رب.
اختفي زين من أمامهم، في حين ظلت قطوف تركض خلف مازن، بينما مريم وياسين يركضان معًا، صرخ مازن بخوفٍ ممزوج بعصبية:
_ حد يوقفه.. أنا رجلي مش شيلاني.
لتصرخ قطوف هي الأخرى تسرع من ركضها ما أن رأت الثور يقترب:
_ اجري بدل ما نشيلك على نقالة.
دُهش مازن من سرعة قطوف ونظر خلفه ليجد ياسين الذي يتأوه من قدمه يسبقه وخلفه مريم، وهذا الثور يكاد يصل إليه، اتسعت عينيه برعبٍ، ثم عاد يركض بسرعةٍ من جديد قبل أن يطوله الثور.
ظل يركضون أكثر من نص ساعة لا أحد يريد أن يقترب منهم ومن هذا الثور الهائج، حتى وقع المنديل من يد مريم ليتوقف الثور عن الركض، نظر مازن خلفه ليجده يمسك بالمنديل يدثره بالأرض، وقف ينحني يستند على ركبتيه، يردف بتعبٍ:
_ ايه اللي خلى التور يهيج كده؟
توترت مريم من سؤاله، في حين نظرت لها قطوف تضيق عينيها تسألها بأنفاسٍ لاهثة:
_ أنا سبتك عنده وكان هادي.. عملتي إيه؟!
ازدردت لعابها، تجيبهم بصوتٍ لاهثة من الركض:
_ أصل.. قولت اجرب أشوفه هيهيج لما يشوف المنديل الاحمر ولا لاء!
اشتعلت عين ياسين بغيظٍ، يردف بحدة وهو يتقدم منها ولكن وقف مازن حاجزًا بينهما:
_ أنتِ بتستعبطي يا بت.. دا أكاديمية الشرطة طول سنين عمري مخلتنيش اجري ربع الجري دا.. وأنتِ في لحظة دهاء منك تجريني ساعة ولا وبعيط من الرعب.
ترجعت مريم بخوفٍ، تردف بصوتٍ متوتر:
_ أنا كنت بجرب.
:_ شيلوا البت دي من وشي هتجلط من كلامها.
قالها ياسين بغيظٍ منها، في حين ظهر زين مجددًا يتقدم منهم قائلًا:
_ يلا بينا نروح وقفتنا دي ملهاش لزمة.
نظر له مازن بدهشة، ثم سأل:
_ كنت فين يا زين؟!
:_ شوفت التور واستخبيت ورا الشجر لحد ما وقف وجيت.
قالها ببساطة شديدة، في حين نظر له مازن بصدمةٍ ثم قال بصوتٍ محتقن:
_ ايه العيلة دي الوطينة بتجري في دمكم.
نظر مازن نحو قطوف التي تتطلع بالقرب من الحظيرة، ليردف بتعجب:
_ ايه اللي موقفك كده يا قطوف؟!
نظر لها الجميع، لتستدير ببكاءٍ عالي وصل لمسمع الجميع، تردد بحسرة ممزوج ببكاء:
_ اللبن اللي بحلبه من خمسة الصبح وقع بسبب التور.
انهت كلماتها بارتفاع شهقاتها، ليتقدم منها مازن يربت على ظهرها مواسيًا حزنها، يردف بألمٍ ينتشر في جسده:
_ طب يلا قبل ما كلنا نعيط قدام الناس وتبقى فضحتنا بجلاجل.
**********
اغتسل الجميع جيدًا وجلسوا على طاولة، ولكن جميعهم يغفلون امام طبقهم، ليضرب مهران بالعصا يردد بتعجبٍ:
_ ما بكم؟!
:_ التور جري ورانا وهما تعبوا من الجري.
قالها زين ببسطة، في حين نظر له مازن بأعين ناعسة غاضبة، يردد بحنقٍ:
_ ما أنت سبتنا وخلعت.
ضرب مهران بالعصا مرة أخرى قبل ان ينشب شجار بينهما، ثم قال بيأسٍ:
_ انهوا طعامكم وهيا إلى الاجتماع.. كي تذهبوا إلى النوم سريعًا.
**********
جلس مهران ينتظر الشاي وما أن أتت زوجته به، حتى أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال ببسمةٍ هادئة، صوتٍ رخيم محبب للأذن:
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اليوم يا أولادي يجب أن نتعلم الصبر.. فنحن بأغلب الوقت نردد عندما نشعر باختناق (يا صبر أيوب).. وهو خير ما سنقوله اليوم عن الصبر.. سيدنا أيوب عليه السلام كان لديه من الخير الكثير.. يملك أربعة عشر ولد وبنت.. يحمد الله بكل كبيرة وصغيرة..
حتى وإن رأى اثنان يتخاصمان ويقسم أحدهم بالله يفض بينهما ثم يذهب سريعًا يخرج كفارة هذا اليمين.. فاسم الله عز وجل عظيم ولا يجب الاستهانة به.. ظل بهذا النعيم كما روى إلينا سبعين عامًا
ولكن بيومٍ أصيب سيدنا أيوب بابتلاء كبير.. اتعلمون ما هو البلاء.. ليس المرض فقط.. بل فقد الاربعة عشر أبن له وخسر كل ما يملك وأصيب بأمراضٍ بجميع أجزاء جسمه.. ببداية الأمر كان الناس يذهبون إليه، ولكن عندما طال المرض معه تركه الجميع إلا اثنان.. كانا يظنا أن هذا البلاء عقاب..
ولكن البلاء يا أحبائي يمكن أن يكون كفارة عن ذنوب.. حتى تذهب إلى الله طاهر وتدخل الجنة..
ويمكن أيضًا أن يصبح إعلاء درجات بالجنة.. فليس البلاء عقاب فقط..
وإذا أحب الله عبدًا ابتلاه.. تذكروا هذا دائمًا..
نكمل قصتنا كانت زوجة سيدنا أيوب تعمل كي تحضر لهما الطعام يكفيهما… ثم قالت له بإحدى المرات ألست نبي لِمَ لا تدعو الله أن يرفع هذا البلاء…
اجابها سيدنا أيوب بسؤالٍ كم بقينا بالنعيم؟.. فاجأبته سبعين عامًا.. فقال لها لم نبق بالبلاء ما يسوى عدد سنوات النعيم…
صمتت زوجته وذهبت كي تعمل لتحضر الطعام، ولكن اشترطت احدهن أن تعطيها ضفيرتها.. لم تجد زوجة سيدنا أيوب حلًا ووافقت وقامت بقص شعرها واحضرت الطعام تعجب سيدنا أيوب من احضارها الطعام فسألها من أين؟!
حاولت اطعامه، ولكنه اصر على الاجابة لتريه شعرها..
غضب سيدنا أيوب وأقسم أن يضربها مائة جلدة، هل تعلمون ماذا فعلت زوجة سيدنا أيوب..
لم تتركه ولم تغضب لقسمه.. بل بدأت تناوله الطعام.. ولم تترك زوجها وهو بأشد اوقاته..
حزن سيدنا أيوب لقسمه ودعا الله والآن سأتلو عليكم الآية التي يدعو بها سيدنا أيوب ربه
بسم الله الرحمن الرحيم (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)..
استجاب له ربه بعدما مر سنوات على هذا البلاء يقال أنه ظل بهذا البلاء 18 عام والله أعلم.. ثم اوحى الله إلى سيدنا أيوب أن يضرب بقدمه الأرض وبالفعل ضرب سيدنا ايوب الأرض ليجد مياه تتدفق منها ثم اغتسل بها كما بقوله
(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)
فعاد كما لو كان شابًا جسده خالي من الأمراض، حتى دخلت زوجته تدهش من شكل سيدنا أيوب..
ولكن على الرغم من عودته إلا أن تملك الحزن قلبه لأنه أقسم على زوجته ويجب أن ينفذ القسم.. فأوحي إليه ربه أن يحضر مائة عود ثم يلقيها دفعة واحدة عليها لينفذ القسم.. وهذا من رحمة الله كما قال في كتابه الكريم
( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً)..
علينا يا أولادي أن نتعلم الصبر والوفاء مهما تجمعت الظروف ضدكم.. فالزواج علاقة سامية.. يجب التحمل بوقت الشدائد وأن يحتسب أجره عند الله..
يمكنكم النهوض.
نهض الجميع بأفكارٍ كثيرة، وعادوا إلى غرفتهم يحاولون استيعاب ما رواه مهران اليوم.
*********
:_ فين الشاحن يا مازن عايز احط التلفون.
قالتها قطوف وهي تحسه على النهوض ولكن لم يستيقظ مازن، زفرت بحنقٍ فهي الأخرى تريد النوم، ذهبت تبحث بخزانة ولكن أثناء سحبها للملابس وقع شيئًا ما على الأرض، هبطت لتحضره فما كان سوى حقنة الأنسولين!!
مسة
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)