رواية هواها محرم الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم البارت الحادي عشر
رواية هواها محرم الجزء الحادي عشر
رواية هواها محرم الحلقة الحادية عشر
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
ادع لغزة كأنّك الوحيد الذي تذكُرها وتتعاهدها بالدعاء..
ادعُ لغزة بيقين أن دعوتك ستقلبُ الموازين
وتدفع عنها ضرًّا لا تدركه..
كثفوا دعوات لاهل غزة
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل الحادي عشر من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
أغلقت باب المكتب بعدما خرجت منه تزامناً مع لحظة دخوله فتطلعا سوياً على بعضهما .
شملها بنظرات متفحصة ترقبية وشملته بنظرات لا تعبر عن شيء ، صفحة وجهها خالية من أي تعبيرات يمكنه تفسيرها وهذا أكثر شيء يكرهه .
تحرك نحوها وفعلت مثله حتى التقيا في منتصف بهو الفيلا فزفرت وتحدثت بهدوء وثبات جاهدت لتظهره :
– لازم نتكلم .
ضيق عيناه باستفهام وتحدث مستفسراً :
– عن إيه بالضبط ؟
تكتفت وتحدثت بنبرة قوية نوت ارتدائها دوماً :
– عن حياتي معاك ، لازم نحدد وضع لحياتنا دي .
أومأ مؤيداً وقال وهو يقترب منها أكثر بتعمد :
– معنديش مانع ، بس كل الأوضاع المتاحة قدامك لازم تكون في حدود حقوقي ، فهماني ؟
اتخدت خطوة للخلف لتبتعد عنه وتسترد ثباتها وقالت بنظرات مبعثرة وتوتر ليس منه ولكن خوفاً من عودة ضعفها قائلة :
– طول ما أنت بتدور على حقوقك لوحدك عمرنا ما هنرتاح .
زفر يضع كفيه في جيبيه وتحدث بتعالي :
– واضح كدة إن كلامك يضايق ، خليني أطلع أخد شاور ونشوف ست الحسن عايزة تتكلم في إيه .
أومأت له وافسحت المجال ليمر فخطى خطوةً ثم توقف أمامها وطالعها كلياً من أسفل لأعلى ثم قال بهمس متحشرج :
– ولا إيه رأيك لو نخلي الكلام بعدين وتيجي دلوقتي معايا ناخد شاور سوا .
شعرت بالنفور اجتاح جسدها لذا تلقائياً ابتعدت تردف بنبرة ونظرة قوية :
– عــــــــاطف لو سمحت بلاش كل مرة تهدم أي تواصل بينا ، لو سمحت لمرة واحدة بس احترم مشاعري .
كور فمه يزفر بضيق ويطالعها بنظرات حانقة ، يتقلب بين شيطانه وبقايا ضميره .
يمكنه أخذها عنوةً وبكل سهولة فهي تزعجه وكلماتها لا تزيده سوى ناراً تشتعل في صدره .
مهما حاول وسعى لمحو لمعة الحب من عينيها لا يستطيع ، لمعة الحب التي لم تكن موجهة له بل لرجلٍ آخرٍ غيره .
ودّ لو فقأ عيناها ولتكمل حياتها معه عمياء ، ودّ لو دس يده بين ضلوع صدرها وانتزع قلبها ولتعيش معه بجسدٍ لا حياة فيه ، لذا فقد خطط لينفذ أمنياته بخطة معنوية لا فعلية وها هي نتيجة تخطيطه .
حطام إمرأة كلما حطموها لملمت شتاتها وجمعت حطام نفسها ونهضت وهذا ما يزيد غضبه ويشعل نيرانه .
كانت تقف تطالعه بقلبٍ منكمش ، خائفة منه وتخفي خوفها خلف ستار قوة سيسقط عند أول هجمة منه .
تشعر كأنها وحيدة على متن قارب في بحرٍ ليس له نهاية ، تائهة ولم تعد تثق في أي شخصٍ حولها .
قطع الصمت أخيراً بقوله الجاف :
– تمام ، هحترم مشاعرك يا أميرة هانم وأشوف أخرتها إيه .
تحرك بعدها يصعد لغرفته وتركها تتنفس الصعداء ، أنفاساً تجمعت حولها تهلل انتصاراً بأول إنجازٍ حققته وتشجعها على المزيد .
❈-❈-❈
في فيلا آسيا
يتجمعون معاً بعد تناول وجبة العشاء يتحدثون عن أمورٍ عدة .
يجلس صقر مستريحاً على مقعده وتجاوره نارة بينما تحمحم عمر و تحدث بتريث وهو يوزع نظراته بينهما قائلاً :
– طيب يا جماعة عايزين نحدد معاد للخطوبة ولا إيه رأيكوا نخليه كتب كتاب ؟.
أشرقت ابتسامة على وجه مايا فأضاء وتحمست بعدما أصابها الملل من حديثهم المعتاد بينما نظرت آسيا نحو عمر وتساءلت باندهاش :
– كتب كتاب مرة واحدة ؟ ، طب والجامعة ؟
تذمرت تلك المدللة بملامح معترضة ولكنها لم تتحدث بينما تحمحم عمر وتحدث بتريث :
– مافيش أي حاجة هتتغير يا آسيا هانم ، كتب الكتاب هيكون أفضل بالنسبالي إلا لو حضرتك ومايا مش موافقين ، وعامة الفرح مش هيتم غير بعد ما مايا تتخرج .
تحدثت مايا بلهفة لم تستطع تخبأتها :
– لا أنا موافقة يا عمر .
التفت يطالعها مبتسماً بحب ثم عاد ينظر نحو آسيا التي تحدثت بحنان :
– وأنا كمان موافقة .
التفتت إلى نارة وصقر تستشيرهما وتضيف قائلة بسعادة :
– إيه رأيكوا يكون الأسبوع الجاي بإذن الله ؟
تحدثت نارة بلطفٍ هاديء قائلة بأسف :
– معلش يا عمر مش لطيف إننا نفرح وخديجة مخطوفة ، خلينا نستنى لما ترجع .
تحدث صقر مطمئناً وهو يتناول كفها :
– متقلقيش يا حبيبتي هعرف مكانه قريب جداً ، وخديجة هترجع في أقرب وقت ، يعني الأسبوع الجاي معاد مناسب يا عمر .
زفر عمر براحة بينما تحدثت مايا إلى صقر بامتنان قائلة :
– ميرسي يا صقر .
ابتسم لها يومىء بصمت فتحدثت آسيا بحنو :
– طيب يا عمر ابقى بلغ لبنى هانم بقى وأنا كمان هكلمها ، ومايا تعزم صحباتها ، ولا إيه يا مايا ؟
عاد الحزن يشوب ملامحها الفرحة حينما تذكرت أمر صديقاتها وما حدث معها في الجامعة لذا زمت شفتيها تردف بملامح شاردة :
– معنديش أصحاب يا مامي .
تحدث عمر داعماً بنبرة تبث فيها القوة والثقة :
– هما الخسرانين طبعاً .
تطلعت إليه بعيون لامعة تصدر قلوباً وسهام العشق وعادت تبتسم له قائلة بحب دون اكتراث لأعين الجميع :
– هو عمر بس حبيبي وصاحبي وكل حاجة ليا .
تحمحم عمر حرجاً وابتسم صقر بخفة بينما شهقت نارة بفزع كاذب قائلة بعتاب أخوي لذيذ :
– طب وأنا ؟
التفتت تطالعها بنظرات متوترة وتردف مصححة بعدما انقشعت حالة الهيام التي تلبستها :
– إنتِ روحي طبعاً .
نظرت لهما آسيا تزفر براحة أخيرا تستطيع التنعم بها وتتمنى دوامها على ابنتيها الغاليتين .
بينما نهض صقر وتحدث بهدوء وهو يغلق زر حلّته :
– طيب نستأذن إحنا بقى .
نهضت نارة تجاوره واتجها يودعان البقية حتى وصلا إلى باب الفيلا ووقفت نارة تتحدث مع مايا وآسيا فنظر صقر نحو عمر قائلاً :
– عمر تعالى معايا ثواني .
تحركا معاً نحو الخارج حتى وصلا بالقرب من السيارة فتحدث صقر مستفسراً بهدوء وترقب :
– إيه اللي حصل مع مايا في الجامعة ، ومين البنت اللي ضربتها .
زفر عمر وتكتف يطالعه بملامح جادة قائلاً :
– متقلقش يا صقر الموضوع عندي ، أنا هعرف أرجع حقها .
رفع صقر يده يربت على كتف عمر داعماً وقال بنبرة جادة :
– عارف إنك قدها بس احكيلي اللي حصل .
زم عمر شفتيه وتنفس ثم بدأ يقص على صقر ما حدث كاملاً حتى انتهى تزامناً مع وصول نارة إلى صقر تطالعه فوجدت ملامحه ثابتة حينما تساءل مستفهماً :
– اسمها إيه البنت دي يا عمر ؟
مسح عمر على وجهه ثم تحدث باستفاضة :
– اسمها إيمان ، إيمان سمير العدلي .
شهقت نارة واتسعت حدقتيها بينما صدرت عن صقر ابتسامة تهكمية ولف وجهه لليمين قائلاً :
– هه ، أهلاً بعيلة العدلي .
تحدثت نارة مستفهمة :
– يعني البنت اللي ضربت مايا تبقى بنت سمير العدلي ؟ ، إنت متأكد يا عمر ؟ .
أومأ متعجباً وتساءل :
– أيوة ؟ إنتوا تعرفوها .
زفر صقر وتحدث موضحاً :
– عيلة العدلي تبقى عيلة نارة الحقيقية ، وسمير العدلي يبقى عمها .
هذه المرة كانت الصدمة من نصيب عمر الذي تحدث باستنكار :
– بتقولوا إيه ؟ ، البني آدم ده يبقى عمك ؟ ، إزاي ده يحصل وعرفوا منين ؟
عاد صقر يرفع ذراعه ويربت على كتف عمر داعماً ثم قال بثبات :
– الموضوع طويل يا عمر ، أهم حاجة ابعد عن الناس دي وأنا هتصرف في الموضوع ده وهحله وبلاش تدخل معاهم في مشاكل لإن واضح إن العيلة دي كلها مشاكل .
وقف شارداً لثوانٍ حاله كحال نارة الصامتة بحزن فكل ما علمته عن عائلتها مخزي وسيء ولهذا فهي لا تجد أحرف تعبر بها عن شعورها أما عمر فتحدث معترضاً بملامح متجهمة تشوبها الصدمة :
– مينفعش أسكت يا صقر ، مايا أمرها يهمني ولازم أنا أرجعلها حقها .
تقبل صقر موقفه الثابت وتحدث بتعقل :
– تمام أنا معاك بس على الأقل خلينا نتصرف سوا.
أومأ عمر بقبول قائلاً :
– تمام ربنا يسهل .
تحرك بعدها صقر ونارة يغادران ووقف عمر متعجباً مما سمعه ، عثرت نارة على عائلتها الحقيقية فهل يمكنه العثور على من تركوه صغيراً ؟ .
هل يمكن أن يجدهم وهل هو بحاجتهم ؟ .
أسئلة لا تراوده كثيراً ويتعمد تجاهلها ولكن عثور نارة على عائلتها أجبره على الغوص في يم تلك الأفكار المجهولة
❈-❈-❈
كان يواليها ظهره بجسدٍ متجمدٍ فتعالت وتيرة أنفاسها وارتفع الأدرينالين في جسدها بشكلٍ كاد يوقف قلبها الذي يسمع نبضاته من مكانه .
نعم خائفة منه في تلك اللحظة ، خاصة وهو يلتفت بهدوءٍ مميت يصيبها في مقتل ، وما زاد الأمر سوءاً هي نظراته القاتمة وابتسامته المتوعدة وهو يتقدم ببطء قائلاً :
– أخطأتِ خديجة .
رفعت أصبعها بأعجوبة وادعت القوة برغم اهتزاز جسدها المرتعش قائلة بحروفٍ متقطعة :
– إيااااك ت تقرب ، ابعد عني .
لم يُعِر خوفها أي اهتمام بل ظل يقترب بخطواته المتعمدة ليرى ماذا في استطاعتها من تهديد يعلم جيداً أنه واهي لا يسمن ولا يغني من جوع ، أولم تصفعه لتوها لتريه قوتها إذاً .
جالت أنظارها حول الغرفة تبحث عن أي وسيلة دفاعية تجابهه بها فلم تجد أولم تسعفها عيناها لإيجاده لذا خارت قوتها واتكأت تجلس القرفصاء أرضاً وتحتمي بذراعيها اللتان احتضنتا جسدها ورأسها بمشهدٍ يفطر القلوب ولكن هذا الذي يتقدم كانت مشاعره تطفو فوق قلبه ، كل ما يريده هو إعطاء مشاعره ما تسعى إليه حينما يكن معها فهو له الأحقية بها لذا توقف أمامها وشعرت به بعدما أخفت رأسها أما هو فوقف وامتلأت عيناه بوميض مشتعل وامتدت يداه تنتشل فجأة حجابها الملفوف بفوضوية فتناثرت خصلاتها حولها كأنها كانت تنتظر تحررها لتحمي تلك المرتعشة من هذا الذئب الذي ما إن رآى خصلاتها حولها حتى ابتلع ريقه بصعوبة وتهيأت أمامه كل ملذاته وتخيلاته بها لذا انحنى قاصداً حملها ولكن ما إن لمستها يده حتى انتفضت صارخة به تردف بغضبٍ حاد لا تتقبل فكرة لمسها وهي تحاول الابتعاد :
– ابعد عني ، ابعد عـــــــني .
لم يبتعد بل على العكس زادت رغبته واختفت كل ذرات تحمله واقترب منها حتى بات ملتصقاً بها ثم قيد يديها بقبضته وبالأخرى انحنى قليلاً يحملها وهي تصرخ وتتلوى بين يديه .
كانت لا تزن شيئاً بالنسبة له لذا فحركاتها كانت أقل تأثيراً من تمارينه الرياضية التي يمارسها أحياناً كانت كورقةٍ متقلبةٍ في مهب رياح عاتية .
اتجه بها نحو السرير وسقط عليه بها وهي تتلوى مستنجدة تطالبه أن يبتعد ولكن كأن أذنه صُمت لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم كل ما يريده في تلك اللحظة هو إطفاء نيران مشاعره المتوحشة .
قيدها عنوةً وانحنى يود تقبيلها فباتت تحرك وجهها هنا وهناك بسرعةٍ عالية كادت تصيب رقبتها بتيبس وهي تصرخ ودموعها تتناثر :
– هكــــــــــــرهك ، لو عملتها هكرهك طول عمري ومش هتلاقي في عيوني غير الكره .
اخترقت تلك الجملة سمعه بصعوبة بالغة كأنها هفيف رياحٍ خفيفة ، صوتها وكلماتها التي ترددت صداها على عقله فشوشت أفكاره ليستفيق شيئاً فشيئاً ويتوقف عن التقدم ولكنه ما زال يقبض عليها .
ظلت تتلوى وهو ثابتاً مغمض العينين يستعيد ثباته ويسيطر على وحشيته لذا وأخيراً فتح عيناه يطالعها فوجدها تبكي وتهز رأسها له بأن لا يفعل .
تحدث بأنفاسٍ ساخنة تلفح وجهها القريب جداً من وجهه قائلاً بنبرة تحمل ضيقاً واضحاً :
– لنتزوج خديجة ، لنتزوج في أقرب وقت ، أنا لا أريدك أن تكرهيني .
اعتصرت عينيها بقوة وهي توميء له مراراً وتكراراً بالموافقة وما أن حصل على موافقتها حتى عاد لوعيه وابتعد عنها تاركاً إياها تلملم شتات نفسها .
نهض من فوق الفراش واتجه على الفور يقف عند الجدار الزجاجي ويواليها ظهره وهو ينظر للبحر من أمامه ويفكر فيمَ كان سيفعله وكيف سيطرت عليه رغبته وماذا إن فعلها ، بحياته لم يفعلها حتى مع أي ممن كنّ يحببنه حتى أنه في بعد الأحيان كان بارد المشاعر معهن ولكن ما الذي حدث له وكيف جعلته تلك الخديجة يفعل أمراً لا يفضله على الإطلاق .
أفاق من أفكاره على إغلاق باب الحمام فالتفت ينظر بطرف عينيه فوجدها قد تحركت نحو الحمام فزفر وعاد يتطلع أمامه بضيق سابحاً بأفكاره في يوم غد ، ليتزوجا في أقرب وقت .
❈-❈-❈
جلسا سوياً في غرفة الصالون التي أصرت أميرة على التحدث فيها .
كانت قد رتبت كلماتها ولكن مع نظراته تبعثرت محتويات أحرفها كأن عيناه عاصفة هبت على أوراق شجرة أفكارها المتساقطة .
تحدث بنفاذ صبرٍ وضيق وهو ينظر في ساعته :
– هتتكلمي ولا أقوم أشوف مواعيدي ؟
زفرت ونظرت إليه قائلة بتروٍ ونظرة تجاهد لتجعلها ثابتة :
– عاطف إحنا لازم نوصل لنقطة تفاهم في علاقتنا ، أنا وأنت لو حياتنا استمرت بالشكل ده هنكره بعض وهنعذب بعض جداً ، لازم تسمعني كويس وتحاول تفهمني .
رفع كفه يسند ذقنه بأصابعه وتحدث بغير اكتراث :
– بمعنى ؟
تنفست بعمق ثم تحدثت بمغزى وهي تستند بيدها على المقعد وتطالعه بثبات :
– بمعنى إنك تحررني ، تسيبني أعمل اللي أنا عايزاه ، تبطل تجبرني وتلزمني بحاجات أنا مش قبلاها ، تبطل تحطني قدام الأمر الواقع ، صدقني وقتها بس ممكن أشوفك بنظرة تانية ، إنت تقدر تعمل كدة يا عاطف وملكش دعوة بكلام أي حد حوالينا .
لم يستوعب من كلماتها سوى أول جملة لذا تساءل مستفسراً بهدوء مخيف :
– احررك ؟
أومأت بقلبٍ منقبض واستمرت في ادعاء القوة وهي توضح :
– تحررني من تحكماتك ، لما تجبرني أروح أماكن أنا مش حباها تبقى بتتحكم فيا ، لما تجبرني على معاشرتك وأنا رافضة يبقى بتتحكم في مشاعري ، لما تجبرني إني أحبك وإنت بتأذيني وبتضربني يبقى بتتحكم في قلبي وكل ده بيخليني أكرهك .
تلك المرة ردد كلمتها الأخيرة بنفس الهدوء المخيف قائلاً :
– تكرهيني ؟
زفرت بضيق من ردود أفعاله المختصرة ولفت وجهها الجهة الأخرى فانتفض من مقعده ينحني عليها ويتمسك بفكها بين أصابعه ضاغطاً بقوةٍ قائلاً بغضب مستعر :
– ويوسف ؟ ، مكانه فين في القرارات دي ؟ ، ماجبتيش سيرته يعني ؟ ، مانتِ أكيد مخططة من كله بقى ؟
رفعت يدها تزيح يده من عليها بقوة ثم دفعته عنها بنفس القوة ونهضت تطالعه بعيون مشتعلة كأن وحشاً تلبسها ورفعت سبابتها في وجهه بعدما ارتد على مقعده يطالعها بصدمة وهي تقول :
– إنت اللي ممكن تخون عقد الجواز اللي بينا وإنت اللي تعرف أشكال قذرة عليا وإنت اللي سهل عليك تبقى مع غيري وتيجي تعاشرني بكل بجاحة إنما أنا مش زيك ولا عمري هبقى زيك ولا هقلل من نفسي بأي شكل ، متحاولش تكمل النقص اللي عندك مني لأنك مش هتعرف ، أنا لما يئست وتعبت من ضغطكوا عليا ووافقت على جوازي منك كنت عارفة كويس جداً إنك ليك حقوق عليا وإني داخلة معاك عهد مستحيل أخلفه احتراماً لنفسي أولاً وأخيراً ، وإنت عارف كويس إني كدة بس بتتعمد تكسرني وتذلني علشان تشبّع نقصك وشكك .
أنفاسها تعلو وتهبط أمامه وهو يطالعها بذهول على تعريتها لأفكاره بسهولة بينما هي أضافت موبخة بقوة وجرأة غير مسبوقة تقول :
– لآخر مرة هحاول معاك ، حررني من قيودك دي وسيب ليا حرية الاختيار يا إما ردود أفعالي الجاية كلها مش هتعجبك وهيبقى زي ما بيقولوا عليا وعلى أعدائي .
تركته وأسرعت تغادر الغرفة وصعدت للأعلى تحتمي داخل غرفة أخرى وتوصد بابها عليها .
تراجعت بداخلها عدة خطوات وعيناها منكبة على بابها يخبرها شيطانها أنه سيلحقها ويدفع الباب ويقتلها في أي لحظة ولكنها تعزز القوة في الجزء الإيجابي من عقلها وتنميه ، لقد حققت أول انتصار لها ، وقفت أمامه وواجهته بحقيقته لذا فيجب أن تحتفل بهذا النصر حتى لو كان احتفالها عبارة عن دموع أطلقت سراحها لتسقط من عينيها متلاحقة ولكن تلك المرة تبكي فخراً بأولى إنجازاتها .
أما هو فيجلس كما تركته يعيد كلماتها عليه مراراً وتكراراً وجسده ينتفض بشكلٍ ملحوظ ، أطرافه جميعها تهتز بقوة كأنها ترغب في الاختفاء بعد تلك المواجهة ، يعترف في قرارة نفسه أنها محقة وهذا تحديداً ما يحرقه فـ لقد تعمد دوماً ألا تكن محقة أبداً واليوم رفعت الستار عن وجهه ووجهها بكل قوة .
انتفض كالملدوغ ينهض ثم تحرك يغادر ويصفع الباب بقوة كادت تسقط زجاجه لولا أنه عزز قوته مثلها وقرر عدم الانكسار .
اتجه يستقل سيارته ويغادر بشكلٍ عبثي ليذهب إلى أي مكانٍ وأي شخصٍ يمكنه امتصاص غضبه وتعزيز نقصه .
❈-❈-❈
في منزل حسن
يجلس مع شقيقه سمير الذي جاء إليه مستاءاً بعدما أخبره يوسف بتأجيل موعد لقاء نارة .
كان يجلس حسن ويجاوره يوسف حينما تحدث سمير بتجهم :
– من أولها بتخلف في معادها بنت الكافرة ! .
زفر يوسف من غلظة عمه وتحدث موضحاً ومعاتباً :
– إيه الكلام ده يا عمي ، مينفعش نكفر حد إحنا مش بإيدنا الكفر والإيمان ، وبعدين أكيد حصل ظروف ، جوزها قال أنهم في أقرب وقت هيبلغونا بمعاد جديد .
كور شفتيه نافخاً بحنق من ابن أخيه الفيلسوف بينما تحدث حسن بترقب بعدما لاحظ كدمة رأسه :
– أومال إيه اللي في راسك دي يا سمير ؟ ، إنت مضروب ولا إيه ؟
تحسس جبهته بيده متذكراً ثم تحدث بشرودٍ خبيث :
– ده موضوع كدة حصل الصبح في الكلية مع إيمان ، بس إنتوا عارفين أنا مابسبش حقي .
تساءل يوسف باهتمام قائلاً :
– خير يا عمي إيه اللي حصل ، قول ولو فيه حاجة محتاجة تدخلي أنا معاك .
رفع كفيه يشير له قائلاً بضيق يرافق ملامحه دوماً :
– لا الموضوع مش مستاهل ، ده عيل متسول ماشي ورا واحدة من اياهم اللي شبه الخواجاية اللي عمك اتجوزها كدة ، بس أنا هعرفه قيمته متقلقش .
زفر يوسف وتحدث بنبرة تحذيرية :
– بلاش مشاكل وحوارات إحنا في غنى عنها يا عمي .
باغته بنظرة هجومية وتحدث بجمود :
– وانت شايفني بلطجي ولا إيه يابن أخويا !.
زفر يوسف وتحدث بهدوء :
– العفو يا عمي ، أنا بس بفهمك الأوضاع .
نهض يقف قائلاً باندفاع :
– أنا همشي .
تحدث حسن بتأني وهو ينهض يقابله :
– اقعد اتعشى معانا يا سمير ، أم يوسف وحنان بيجهزوا العشا أهو .
تحدث برفض قائلاً وهو يلوح بيده :
– لا أنا هروح لرضا أخوك ، أما أشوف حكايته إيه هو كمان ، متخانق هو ومراته .
صفق حسن على يده هازاً رأسه مستنكراً يردف :
– لا حول ولا قوة إلا بالله ، هما مش هيعقلوا أبداً ؟
ابتسم سمير بتجهم ونطق بسخرية خبيثة :
– كله بسبب بنتهم ، كل يوم والتاني عاملة مشاكل مع جوزها ومحدش قادر عليها ، خلفة هم .
انتفض قلب يوسف ورفع وجهه فوراً يناظر عمه الذي رمقه بنظرة خبيثة متفحصة قبل أن يخفض رأسه ويجاهد ليتحكم في نبضاته وفضوله في معرفة المزيد من أخبارها ولكن أتى سؤال حسن صائباً حينما تساءل بحزن :
– ليه بس كدة ؟ ، مالها أميرة دي غلبانة ؟
هز سمير منكبيه يردف بجحود :
– إنت اللي طيب وعلى نياتك ، دي واحدة فرعونة ، دلع بنات ميعرفوش أي حاجة عن الجواز ، أنا مش فاهم دي بتتنمرد على إيه ، دي متجوزة راجل أي ست تانية تتمناه .
كور يوسف قبضتيه متحكماً في غضبه من حديث عمه اللاذع الذي تابع بنبرة ذات مغزى :
– أهو عاطف ده بيتمنالها الرضا ترضى ، جايبلها كل اللي نفسها فيه ، إنت عارف بقى لو اتطلقت منه ربنا هيوقعها في واحد يخلي عيشتها سواد .
لم يعد يحتمل يوسف هذا الحديث المسموم لذا وقف وتحدث بتهكم واندفاع :
– اللي عالم بالبيوت ربنا يا عمي ، متعرفش اللي بينهم إيه .
التفت حسن ينظر لابنه قائلاً بنظرة تحذيرية :
– ملكش دعوة إنت يا يوسف ، مش عايزين كلام مالوش لازمة .
أراد سمير الاصطياد في المياه العكرة لذا تحدث متسائلاً بخبث بعدما وتر الأجواء عن عمد :
– ليه بس يا حسن ما تسيبه يتكلم مهو ابن عمها بردو وزي أخوها ، ولا إنت لسة في دماغك حاجة يا يوسف ؟.
نطق الأخيرة بعلو وهو يناظره فأجابت والدته وهي تتقدم وتحمل بعض الأطباق بعدما استمعت لكلماتهم :
– دماغ ابني مافيهاش غير شغله ومستقبله وبس يا أبو طه ، الماضي راح لحاله خلاص .
دوماً لا يوجد وفاق بين مشيرة وعائلة زوجها لذا نفخ سمير بغيظ وتحدث وهو ينوي المغادرة أخيراً :
– أحسن بردو ، يالا اصبحوا على خير .
تحدثت باستضافة هادئة برغم ضيقها منه :
– اقعد اتعشى معانا الأكل جهز أهو .
رفع كفه يلوح به دون عناء الالتفات لها قائلاً :
– متشكرين يا مرات أخويا .
غادر وتركهم ينظرون لبعضهم بينما تحدث حسن بنبرة محذرة وهو ينظر نحو يوسف :
– يوسف مش عايزين مشاكل يابني ، أمك معاها حق ، اهتم بشغلك ومستقبلك وبس ومرة تانية ماتدخلش نفسك في كلام عن بيت عمك رضا .
اتجهت مشيرة تضع الأطباق على الطاولة ثم عادت تقف قبالته قائلة بنبرة مترجية على وشك البكاء :
– لو ليا في قلبك غلاوة تبعد خالص عن طريق عمك رضا وبنته ، الله يسهلها بعيد عننا .
انقبض قلبه الذي كان بالأساس منقبضاً وزفر شاعراً بالاختناق من كل الجهات فارتعبت من حالته وتابعت بحسرة :
– هو إنت لسة بتحبها يا يوسف ؟
لم يكن من أولئك العاقين بوالديهم ولكنه تحدث بغضب أجفلها :
– خلاص بقى يا ماما ، كفاية بقى أنا مش عيل صغير ، الموضوع ده اتقفل من يوم ماهي اتجوزت ، بطلوا بقى كل شوية تعيدوا وتزيدوا بكلام مالوش لازمة .
قالها وتحرك يغادر متجهاً إلى غرفته ليخرج بها ما يعتلي صدره بمفرده ووقفت والدته تتبع أثره بحسرة .
❈-❈-❈
تقف في كابينة الاستحمام بملابسها التي ابتلت بفعل رذاذ المياة المتساقط فوقها .
اختلطت المياة مع دموعها المتساقطة وملامحها المجهدة وعقلها المتزاحم يستعيد ما حدث ، لقد كان على شفا حفرةٍ من الاعتداء عليها .
تعلم ما مر به وما عاشه ولكن هل من يسمع كمن يرى ؟ هل سماع قصة قبل النوم تشبه العيش فيها ؟
لقد سمعت عن حياته وماضيه هل هي قوية لدرجة كافية لتتعامل معه ؟ ، هل هي مثل نارة ؟ ، لقد ودت أن تدخل تجربة ومع أول الطريق باتت مستسلمة ضعيفة وهشة ، هي ليست بتلك القوة التي تدعيها ، خارت قواها والآن باتت تخشى أنها غير قادرة على إصلاحه .
ظلت لمدة لا تعلمها تقف أسفل المياه تزيل أثره من فوقها ، كلما عاد عقلها يطرح عليها ما حدث هزت رأسها بقوة تعنفه على أفكاره وتستغفر ربها سراً .
أجفلت عندما طرق الباب واخترق صوته أذنيها وهو يقول بترقب :
– خديجة أخرجي الآن .
تجمدت مكانها تنظر نحو الباب كأنها تراه أمامها فتابع بنفاذ صبر :
– خديجة أخرجي أو أفتح الباب .
نظفت حلقها وجاهدت لتتحدث قبل أن ينفذ تهديده قائلة بنبرة باكية :
– تمام .
علم أنها تبكي لذا زفر بقوة وضيق وابتعد عن الباب واتجه يجلس على جانب الفراش يتطلع نحوها بترقب منتظراً خروجها .
فتحت الباب بعد ثوانٍ وخرجت بملابسها المبتلة تخطو ببطء .
لم تنظر نحوه بالرغم من أنها تراه بل تقدمت متكتفة بحماية ترتدي مئزراً كان في الداخل وأسفل منه ملابسها المبتلة تتساقط منها المياه على الأرضية الخشبية للمكان .
تطلع عليها بتعجب ثم تحدث وهو ينهض نحو الخزانة :
– ستمرضين .
فتح الخزانة الخاصة بها وانتشل ملابس مناسبة كما يراها ثم تقدم منها يناولها إياهم قائلاً :
– ارتدي هذه الملابس وانزعي تلك المبتلة في الحال .
ابتعدت تشيح بوجهها عنه قائلة برفضٍ وهي تنوي الجلوس على المقعد الجلدي القريب منها :
– مش عايزة .
زفر بضيق وتحدث من بين أسنانه :
– أولاً لا مجال للرفض هنا ، ثانياً تحدثي معي بنفس اللغة ، أكره تلك اللغة التي تجعلني أبدو كالمهرج بحروفها المزعجة .
رفعت نظرها تطالعه بعيون يملؤها اللوم والخذلان فتجاهل نظراتها قائلاً بترقب كي يخفي تلك النظرات منها :
– ستبدلين ثيابكِ أم أبدلها لكِ أنا ؟
أسبلت أهدابها لثوانٍ ثم نهضت مجدداً تنتشل منه الملابس وتطالعه بغيظ وغضب وعادت تخطو نحو الحمام وتغلق عليها لتبدل ثيابها .
أما هو ابتسم يهز رأسه عليها مستمتعاً بجمال ملامحها حينما تشتعل بالغضب ، اتجه نحو المطبخ يردف بتجهم وهو يطالع الأطعمة المرصوصة في الثلاجة :
– اللعنة عليّ أنا لا أجيد الطهي ، اللعنة عليك يا صقر .
زفر وبدأ يحاول تجهيز أي طعامٍ لهما من خلال تحمير بعض المجمدات المصنعة إلى أن تخرج الأميرة خديجة ليبتسم بتهكم قائلاً بتباهي وهو ينتقي الأطعمة التي سيحضرها :
– أعلم أنني سأكون زوجاً مثالياً .
بعد دقائق خرجت خديجة تشتم رائحة الأطعمة فابتلعت ريقها تسكت معدتها الفارغة ثم اتجهت تقف قبالته قائلة بملامح باهتة حزينة :
– خلينا نتكلم ، لازم نلاقي حل للوضع ده .
كان يقف منحنياً قبالتها يضع الصوص على قطع الهمبورجر بدقة متناهية كأنه يحاول إيقاف مؤقت قنبلة أوشكت على الانفجار .
تحدث وهو على حالته تلك حيث عينيه منكبة على الصحن بعناية :
– أسمعكِ .
تعجبت من دقته المبالغ بها لمجرد وضع صوص المستردة على قطعة لحمٍ فقط قام بتحميرها ولكنها هزت رأسها تنفض تعجبها ولم ترد أن تعلق على أي حركةٍ له لذا زفرت وتحدثت بترقب :
– خالد لازم ترجعني لأهلي ، أنا مش قادرة أتحمل الوضع ده ، وجودي هنا معاك في مكان زي ده لوحدنا غلط وحرام ، لو سمحت خلينا نرجع وأوعدك هتكلم مع بابا وهقنعه ونتجوز بشكل طبيعي .
انتهى من وضع الصوص والخضروات واعتدل يبتسم لنجاحه في تحضير هذا العمل ثم زفر يطالعها بهدوء وتحدث بعيون ثابتة دون مراوغة :
– أعلم جيداً أنكِ تؤمنين بذلك ، لا تتقبلين فكرة تواجدنا هنا بمفردنا ، تلك الفكرة تؤرقكِ وتخدش أخلاقكِ التي تربيتي عليها منذ صغركِ ، لذا فأنا ألعب على تلك النقطة تحديداً خديجة ، لن أخدعكِ أبداً ، أعلم جيداً عواقب ما فعلت وأعلم أن الحل لكِ بعد الآن هو الزواج ، لذا فليس لديكِ خيارات أخرى ، سنتزوج هنا ثم سنعود فأنا لا أثق في والدكِ هذا بعدما فعله .
نظرت له بعجزٍ ، إذا هو تعمد خطفها كي يجبرهم على الخنوع بدلاً من اتباع طريقة أكثر صبراً وتأني ؟ ، هو لم يفكر قبل فعلته تلك ؟، ألم يهتم بمشاعرها على الأقل ، ألم يقل أنه يحبها ؟ .
التفتت تتطلع حولها وفردت يدها تشير على المكان قائلة بانزعاج وبالانجليزية :
– كيف سنتزوج هنا ؟ ، أخبرني كيف سنتزوج ؟ ، انظر حولك نحن بمفردنا أيها الغبي .
كان في يده سكيناً ينوي شق الخبز بها ولكنه رفعها يلوح بها أمام عيناها في حركة تحذيرية كاذبة قائلاً ببرود :
– صوني لسانكِ خديجة .
أنزلها وتناول الخبز يقطعه وهو يتابع بثباتٍ مستفز :
– في الصباح سنذهب سوياً في اليخت إلى أقرب مرسى وهناك سنتزوج ، لا تقلقي لقد تم تجهيز كل شيء ، حتى أنني اشتريت لكِ فستان زفافٍ رائع ، يكفي أن تكوني سعيدة .
اتسعت عيناها ذاهلة تهز رأسها لثوانٍ من أفعاله ، عن أي سعادة يتحدث هذا المجنون .
غمزها بطرف عينه وعاد ينتشل طبقاً يضع به الخبز بينما تحركت من أمامه فلم يعد الحديث معه نافعاً واتجهت تقف في زاوية معينة وتتنفس بعمق ثم بدأت تستقيم لتصلي ، هذا كل ما هي بحاجته الآن ، التواصل مع ربها ليخلصها من هذا الأسر .
بدأت في صلاتها وهناك عينان تتربصان بها وتسترقان النظرات إليها بتعجب سابحاً في أفكاره ليوم غدٍ .
يعلم أنها الآن حزينة ولكنه يدخر كماً كبيراً من السعادة التي سيغرقها بها ما إن تصبح ملكه .
❈-❈-❈
في فيلا صقر وبعد عودتهما من الخارج وبعد حوار دار طوال طريقهما عن تلك العائلة .
يتمددان على أريكةٍ واسعةٍ يتابعان فيلماً سنيمائياً ويتلحفان بغطاءٍ يغمرهما فهو يتعمد تنفيذ كل ما يبدد قلقها ، يلتزم بكل الأفعال التي تزيح غمامة الخوف من عينيها ، يسعى لسرقة الأفكار المزعجة من عقلها وينجح في ذلك بامتياز .
يعانقها ويتابع بتركيز تفاصيل الفيلم البوليسي الأكشن ، كانت تشعر بالملل من هذا الفيلم الذي لا تحبذه بل هي تحب كل ما هو هاديء وشاعري ولكنها لم ترد رده حينما طلبت منه الجلوس سوياً أمام التلفاز فتحدث قاطعاً خطتها وهو يقول أنه يرحب بالفكرة بشرط أن يتابع فيلماً عن الحركة والأكشن..
تنهيدة حارة خرجت منها وهي تدس نفسها فيه أكثر وتحدثت بترقب وقلقٍ عاد يراودها :
– صقر ، هو ممكن خالد يحاول يتعدى على خديجة ؟
كان يتابع باهتمام ولكنه انتبه لسؤالها ليفصل اهتمامه ويطالعها بشرود دام لثوانٍ كأنه يفكر في سؤالها ثم تحدث حديثاً جاء استنتاجه من خلال رفقته بخالد قائلاً :
– ماركو أو خالد مش من النوع ده ، يمكن هو كان ليه علاقات قبل كدة بس أغلب العلاقات دي كانت مبادرة منهم ، بس لو عايزة رأيي أنا قلقان من خالد الجديد ، خالد اللي أول مرة يحب ، ماركو بحكم نظام حياته اللي عاش عليه كانت كلها فوضى ومبالغة وحرية من غير حدود ، لكن حالياً خالد بدأ يتحط لحياته حدود ، خديجة بدأت تعرفه إن فيه حدود مش مسموحله يعديها وإلا هيكون فيه عواقب ، ودي أكتر حاجة مخوفة خالد ، هو مايعرفش العواقب ، هو جديد في الحب ، جديد في المشاعر وخصوصاً مع بنت زي خديجة ، حبها مش سهل يوصله علشان كدة ممكن تصرفاته تبقى جنونية زي ما شوفتي كدة ، وعامةً أنا استبعد إنه يئذيها .
كانت تتمعن في كلماته بتركيز وانكبت عيناها على شفتيه ثم تحدثت وهي تتكيء لتقابله بحنو :
– بس إنت غير خالد يا صقر ، إنت كنت حابب تتغير إنما خالد حابب حياته الفوضوية دي ، ودي حاجة تخوف ، والدليل تصرفه المجنون ده .
تمسك بكفيها بحنو يردف بنبرة مطمئنة قائلاً :
– افتكري كلامك ليا ، الحب يصنع المعجزات ، يمكن خديجة تكون بالنسبة لخالد زي نارة بالنسبة لصقر مع إن ده صعب جداً ، لإن حبيبتي مافيش منها اتنين .
ابتسمت ومالت ترتكز برأسها على صدره فعانقها وربت عليها يمسد ظهرها بيديه ثم تحدث بمكر :
– ممكن بقى اتفرج على الفيلم بتاعي .
اعتدلت تلوح له بيدها حيث انتشلت الريموت منه قائلة بدلال وابتسامة ناعمة :
– لاء ، هنطلع ننام كفاية كدة .
أومأ لها بنظرة تفهمها جيداً وتعلم ما بعدها لذا ابتسمت له ونهض معها يغلق التلفاز ثم عاد إليها يميل على شفتيها مقتطفاً ثماره الطيبة في قبلةٍ ناعمةٍ رومانسية بعثرت ثباتها وأشعلت لهيب العشق بينهما لذا انحنى يحملها بين يديه وفصل قبلته يطالعها وهو يتقدم نحو الدرج وعيناهما تسرد قصص عشقٍ لن ينتهى .
صعد الدرج حتى نهايته وتحرك نحو الغرفة ودلفها ثم اتجه يمددها على السرير بهدوء وعاد ينحني مقبلاً إياها لتسحبه معها إلى حديقة مزدهرة بمشاعر ربيعية منعشة لروحيهما ومغذية لحبهما ومعطرة لحياتهما سوياً .
❈-❈-❈
في فيلا رضا .
يجلس مستاءاً من حدة انتصار معه وهو ينظر نحو سمير قائلاً باستنكار :
– يعني عاجبك كدة يا سمير ؟ ، أنا لولا بس عامل خاطر ليك .
صاحت به بحدة وتحدثت بغلظة وجلافة :
– ولو ماعملتش خاطر هتعمل إيه يعني ؟ ، لتكون ناوي تضربني ؟
زم شفتيه بغيظ من حدتها يفكر ليت باستطاعته ضربها فأضافت بهجوم دون اكتراث له أو لشقيقه :
– بقولك إيه يا رضا لو فضلت على أسلوبك ده لم هدومك وروح اقعد عند أخوك سمير وحل عني .
هنا أسرع سمير يتحدث معنفاً شقيقه :
– ما تفهم بقى يا رضا ، أم ياسين معاها حق بردو ، بنتك هي اللي عايزة قطم رقبتها وانت اللي دلعتها بعمايلك وخليتها تتنمرد علينا ، ولا إنت ناسي عملت فينا إيه ولولا مراتك كان زمانها هربانة مع ابن أخوك وفضحيتنا كانت على كل لسان .
نكس رضا رأسه وزفر بضيق يردف باقتناع بعد حديثهما :
– أنا عارف إن بنتي نمرودة وادلعت بس بردو اللي اسمه عاطف ده مجنون .
صاحت انتصار بغضب :
– متقولش على ابن اختي مجنون تاني إنت ســامع ؟ ، مجنون علشان مستت بنتك؟ .
عادت تجلس بأريحية واضعة ساقاً فوق الأخرى وتحدثت بتعالٍ أمامهما :
– اللي بتقول عليه مجنون ده كاسح السوق بدماغه وكل الناس بتحترمه ، وبعدين لو هو مجنون كان كلمني أروحلها واتكلم معاها ؟
رفع نظره يطالعها وكالعادة تلبسه الضعف أمامها والتفت ينظر نحو سمير الذي يضعفه أكثر قائلاً بإعجاب من شخصية زوجة أخيه :
– أم ياسين معاها حق يا رضا ، بنتك لازم تعرف قيمة جوزها وإنت لازم تضغط عليها شوية ، روحلها وفهمها بالقوة إن اللي بتفكر فيه ده مش هيحصل .
زفر رضا وتحدثت برفض :
– ولا رايح ولا جاي ولا هي عايزة تشوفني أصلاً ، بجملة بقى .
نهض سمير يعدل من جلبابه قائلاً بنبرة تباهي :
– خلاص يبقى راضي أم ياسين وماتزعلهاش ، من غيرها كان زمان البيت واقع وبنتك كانت ضاعت واتحمكوا فيها ابن أخوك حسن ومراته ، وانت عارف مشيرة كويس وشايف قلبت أخوك علينا إزاي .
تنفس رضا بقوة وأومأ بينما اشتعلت عيون انتصار بغضب حينما ذُكر إسم مشيرة حتى لو كان بالسوء .
عاد سمير يضيف وهو يخطو نحو الخارج :
– يالا تصبحوا على خير ، أنا هروح أنا بقى .
ودعته انتصار بينما وقف شقيقه يخطو معه نحو الخارج ليوصله والأول يلقي على مسامعه بعض النصائح التي يجب عليه اتباعها خاصة مع ابنته .
❈-❈-❈
طرقات عبثية على باب غرفته جعلته يومئ بالسلب استنكاراً من أفعال شقيقته الهوجاء التي انتشلته من حزنه .
كانت تطرق بيدٍ واحدة وبالأخرى تحمل شطيرة له وتردف بنبرة حنونة مشاكسة مدندنة :
– افتحولي البــــــــاب ده ، طب افتحولي البــــــاب ده .
نهض يتجه نحو الباب يفتحه ويطالعها بتأفأف يخفي وراءه حنانه قائلاً :
– عايزة إيه يا حنان ؟
مدت يدها له بالشطيرة وأسبلت برموشها تقول بملامح طفولية :
– مهانش عليا تنام من غير عشا ، قلبي على أخويا انفطر وقلب أخويا عليا حجر .
ابتسم بخفوت ثم مد يده يتناول منها الشطيرة فأبعدتها عنه وتحولت نظرتها تطالعه بشراسة كاذبة تقول :
– إيدك يا حبيبي فكرك إنك هتاخدها كدة ببلاش ؟
رفع حاجبيه بتعجب منها واعتدل يتكتف قائلاً باستنكار :
– أومال إيه حكاية قلبك اللي انفطر يا آنسة استغلال !
ابتسمت ثم تحركت تزيحه بخفة لتمر داخل غرفته قائلة بنبرة دبلوماسية مقنعة وهي تتجه نحو المقعد وتجلس عليه :
– الحقيقة أنا جاية أسمعك وعارفة إنك محتاج ودن تسمعك فقررت أكون أنا الودن دي ، وانت عارف كويس وداني بتسمع من هنا وبترمي من هنا ولا من شاف ولا من دري .
تنفس بعمق يطالعها لثوانٍ فهو حقاً بحاجتها الآن لذا تحرك يغلق الباب واتجه يجلس أمامها وقال يداري شوقه للكلام :
– عايزة تسمعي إيه بالضبط ؟
سحبت نفساً عميقاً تعزز به رئتيها ثم قررت البدء دون أي مراوغة لذا بصقت الكلام أمامه قائلة :
– لما كلمتني علشان أكلم أميرة كان إيه اللي حصل ؟
تفاجأ من سؤالها ومن هجومها الكاسح على قلبه ومشاعره حينما ذكرت اسمها لذا تحدث قائلاً بتنهيدة قوية :
– أبداً شفتها هي وجوزها بس كان بيتعامل معاها بطريقة مش كويسة ، زقها قدامي ولولا أصحابي أنا كنت مسكت فيه .
شهقت واضعة كفها على فمها بحزن ثم انزلت يدها تقول بنبرة مشتتة :
– يعني قصدك ضربها ؟ ، طب وبعدين يا يوسف ، أنا كمان لما كلمتها حسيتها مش كويسة وبتخبي عني ، هنسيبها كدة ؟
سلط أنظاره عليها بينما قلبه يحترق وتساءل بترقب :
– إنتِ تعرفي حاجة عن حياة أميرة يا حنان ؟ ، يعني بتحكي معاكِ ؟
هزت رأسها تطالعه بحزن ثم تحدثت بصدق :
– أميرة من النوع الكتوم جداً ، حتى لو حاجة مضايقاها مش بتحب نتكلم فيها ولا بتحب تحكي عنه ، يمكن بتخاف مني !.
تملكه شعوراً بالعجز والضيق وتحدث وهو على وشك التآكل :
– أعمل إيه ؟ ، أساعدها إزااااي ، أنا حاسس إني متكتف وبعد اللي شوفته قدام عيني مش هقدر اسكت ، واضح أن الكلب ده بيعاملها أسوء معاملة .
كورت فمها تنفخ بقوة وشرود تفكر علها تجد حلاً تساعدها مثله ولكن كيف .
عاد يتطلع على شقيقته قائلاً بنبرة متوسلة بقلبٍ منقبض متلهف :
– حنان حاولي تكلميها ، حاولي دايماً تطمني عليها ، وأنا لازم ألاقي حل .
تساءلت بقلق تجلى على ملامحها :
– هتعمل ايه يا يوسف ؟ ، بلاش إنت يا يوسف إنت عارف أن وضعنا مع عمك رضا ومراته حساس وبينا مشاكل وممكن يئذوك .
نظر للأمام واتكأ بذراعيه على ساقيه يردف بنبرة عازمة :
– ربنا يسهل بس وأقدر ألاقي حل واللي يحصل يحصل .
❈-❈-❈
انتهى من تحضير الأطعمة بصعوبة بالغة ووقف يطالع الصحنين كأنه حقق إنجازاً عظيماً ثم حملهما والتفت يضعهما على الطاولة الرخامية ونظر لها حيث كانت جالسة في مكانها تناجي ربها وتبكي .
زفر يهز رأسه ثم ناداها قائلاً بهدوء :
– هيا خديجة يجب أن نأكل .
أجفلت حيث كانت مغمضة سابحة في دعائها ونجواها وأخرجها صوته لذا تنفست بعمق ثم نهضت وتحمحمت تتجه نحو مقعد جانبي وتجلس عليه متكورةً تردف بهدوء يغلفه الحزن :
– كُل إنت ، مش جعانة .
كور فمه ينفخ بضيق ونفاذ صبر من حالتها الكئيبة التي لا يحب أن يراها عليها ثم قال وهو يتجه نحو المقاعد المرتصة عند حافة المطبخ الرخامية قائلاً وعينه عليها :
– هيا خديجة سنأكل سوياً .
رفعت نظرها إليه تردف بضيق ضاغطة على أحرفها من تسلطه :
– قلتلك كُل إنت وملكش دعوة بيا .
حرك لسانه على أسنانه وتعمق فيها بشرود ولمحت نظرة تهديدية في عينيه فتملكها التوتر والخوف ولكنها قلبت عيناها تبعدهما عنه .
أراد لفت انتباهها بأي طريقة فـ قادهُ عبثه إلى أمرٍ ما فابتسم وعينه منكبة عليها ومد يده ينزع سكيناً مجاوراً له دون النظر إليه قاصداً تهديدها ولكن بدلاً عن أن يتمسك بمقبضها قبضت يده بقوة على سلاحها الحاد فانجرح منتفضاً ونهض يلقيها أرضاً ويتفحص يده التي اندفعت منها الدماء وهو يردف بتجهم وصدمة :
– اللعنة ما هذا هل تمسكت بسيف أم مجرد سكين لعين ؟
صدمة جمدتها لثوانٍ قبل أن تنهض راكضة نحوه قائلة بتشتت وعيناها تتفحص كفه بقلق :
– إنت مش طبيعي ، فيه حد يمسك السكينة كدة ؟ ، مجنوووون .
ابتسم لها قائلاً وهو يرفع حاجبيه ويهز مكنبيه بفخر :
– جُننت بكِ .
أسرعت تنتشل رول محارم المطبخ وتنزع منه عدة لفافاتٍ ثم اتجهت تضعها ضاغطة على جرحه بقبضةٍ مرتعشة وملامح منكمشةٍ لم تعتد منظر الدماء بينما هو شارداً فيها وفي قربها منه تلك المرة بإرادتها ليسقط قربها على قلبه كدواءٍ طيب وطهر آلام روحه وندوبه الماضية لذا أغمض عيناه يستنشقها بقوة لم تنتبه لها بل تركز على وقف دماء كفه .
انحنى لا أرادياً برأسه نحوها وقال متسائلاً بنبرة فرحة متسائلاً من بين تأثره بقربها :
– ستأكلين أم أجعل هذا السكين يخترق قلبي ؟
ابتعدت عنه بتوتر تاركة كفه حينما شعرت بقربه ثم زفرت بضيق وعجزٍ وأسبلت أهدابها تطلب العون فلم تعد تحتمل أفعاله ثم عادت تبصر قائلة بنبرة واهنة وهي تطالعه :
– تمام ، هاكل .
ابتسم ونظر للحرج التي غلفته بالمحارم بينما هي جالت أنظارها على المكان وتساءلت بضعف :
– مافيش هنا شنطة إسعافات ؟
أشار برأسه نحو المطبخ قائلاً :
– رأيتها هناك في أحد الأدراج .
أسرعت تخطو داخل المطبخ وتبحث عنها في الأدراج حتى وجدتها ففتحها وانتشلت منها المطهر والقطن واللاصق الطبي ثم عادت إليه تضعهم على الحاجز الرخامي قائلة بلغته دون النظر إليه :
– أعطني راحة يدك .
تنهد والتفت بطاعةٍ ليعود كالطفل ويقول بحب :
– خديني كُلي خديجة .
هزت رأسها بلا حيلة على حالته ثم بدأت تطهر جرحه وتغطيه وهو مستمتع بحركتها على جرحه كأنها تدلكه غير مبالياً بتمزق عروقه التي تتألم كأنها منعزلة عن جسده .
ابتعدت بعدها تطالعه وتهز رأسها من تهوره فغمز لها بعينيه فتركته وعادت تضع الأغراض مكانها ثم اختفت داخل جدار الحمام تغسل يدها ثم عادت إليه تجلس مجاورة له قائلة بنفاذ صبرٍ كأنها تأمره وهي تشير بوجهها نحو الطعام :
– كُل !
ابتسم لها ومد يده يتناول الصحن خاصته ويشير لها بذقنه أن تفعل مثله فأذعنت لرغبته وتناولت الطعام وبدأت تقضمه وهو كذلك وعينيه لا تفارقها .
❈-❈-❈
في الصباح استيقظ صقر باكراً وذهب شركته ليلتقي برجاله ويرى ما جديدهم .
يجلس أمام هذا الشاب الذي يرتدي ملابس عادية وينتظر انتهاء مكالمته كي يتحدث .
كان صقر يتحدث مع رجلاً آخراً تابعاً له والذي أخبره أنهما وجدا سائق خالد والذي قاد به ليلة اختطاف خديجة .
تحدث صقر بابتسامة ماكرة وبالإيطالية :
– أحسنتما صنعاً ، والآن سأترك لكما حرية التصرف معه لاستخراج المعلومة التي أريدها ولكن لا داعي للدماء ، يكفي فقط عدة تهديدات أولهما أنني في طريقي إليه .
أجابه الطرف الأخر بطاعة وأغلق بعدها صقر مبتسماً ثم نظر لهذا الشاب وتحدث بلهجة مصرية قائلاً بعملية متقنة :
– إيه يا محمود لاحظت أي حاجة غريبة ؟
هز محمود رأسه وتحدث موضحاً :
– لا يا محمد بيه الأوضاع في الوكالة تمام ، وزي ما قلت لحضرتك قبل كدة الحاج حسن راجل طيب ومحترم إنما الحاج سمير والحاج رضا الاتنين محدش بيطيقهم .
أومأ وتحدث بنظرة صقرية ونبرة ثابتة :
– سيبك من الكويس اللي فيهم ، ركز بس على أي حاجة مهمة تحصل ، أي حاجة وخصوصاً مع اللي اسمه سمير ده ، فاهم ؟
أومأ محمود بطاعة يردف :
– تحت أمرك يا محمد بيه ؟
أشار له صقر بالمغادرة فنهض الشاب يغادر ليذهب إلى عمله في الوكالة بينما زفر صقر ونظر أمامه بشرود يفكر متمسكاً بالخيوط جميعها في يده ولكنه يخشى انفلات خيطاً منه لذا فعليه التركيز أكثر وعليه ألا يظهر قلقه لجميلته .
❈-❈-❈
صباحاً جديداً أشرق ولكن
ليلة أمس مرت على بهجت وزوجته كألف ليلة ، شعور العجز يخنقه بل يلتهمه ولا يعرف أي سبيل يسلكه .
نسرين دموعها لا تتوقف وهي تتوسل ربها ساجدةً أن تكون ابنتها بخير وأن يحفظها ويردها سالمة .
لم يتذوقا طعم النوم بل ظلا يواسيان بعضهما بعدما أقنعا مازن بالنوم علّ غدا يأتي حاملاً أخباراً مطمئنة .
ما إن أصبحت الساعة التاسعة صباحاً حتى نهض من جلسته يردف بحزن جلي :
– أنا هروح لصقر ، يمكن عرف حاجة .
أومأت نسرين قائلة بنبرة مبطنة بالحزن ترتدي الأمل :
– إن شاء الله هيكون عنده أخبار تفرحنا ، روح وطمني .
أومأ لها وتحرك يغادر ويستقل سيارته متجهاً إلى شركة صقر بعدما تحدث معه عبر الهاتف فهذا أمله الوحيد الآن .
❈-❈-❈
حل الصباح أيضاً على ذلك البيت الصغير
ربما غفت خديجة بعدما جاهدت عيناها وكأنها تحاربها كي لا تنام خوفاً منه .
ولكنه وعدها أمس أنه لن يمسها مادام زواجهما سيتم غداً وهذا زاد من خوفها وتوترها وزحام أفكارها علها تهتدي إلى حلٍ ولكن كأنها تركض داخل متاهة .
أي زواج وكيف تتقبل فكرة زواجه منها دون وجود وموافقة أهلها ، كيف تفعلها وإن لم تفعلها كيف تنجو منه ؟
كانت متلحفة بغطائها على تلك الأريكة الجلدية تنظر له وهو نائماً على السرير بأريحية يثق تماماً أن لا مفر لها سواه .
ظلت عيناها تراقبه بتمعن وتعجب من شخصيته الغريبة التي لم تفهمها إلى الآن ، ولكنها وبكل صدقٍ خفي أحبت حبه وهذا كافي لتعذيب ضميرها .
أحبته وشتان بين إيمانها وقلبها وعقلها وليتها تراضيهم بعد كل هذا الخصام والقطيعة ، ليتها تجبرهم على الجلوس على طاولة التفاوض .
متألمة ومتيقنة أن كل ما يحدث ذنباً ربما لم يكن لها يد فيه ولكن يكفي انجذاب قلبها له ، قلبها الذي وقع في حبه ويعلم هو ذلك جيداً ، يعلم ويرى الحب في عينيها ، ذلك الحب الذي لا تستطيع إخفاؤه مهما حاولت ، ذلك الحب الذي تجلى على ملامحها بهلع حينما جُرح كفه أمس .
الحب الذي يغمرها وتشعر أنها به قادرةً على نحت تفاصيل جديدة به ، تفاصيل ستجعل حياتهما مزدهرة بالإيمان كما تتمنى .
الحب الذي ستعطيه له حتى يرتوي فيصبح بين يديها كطفلٍ صغير تعلمه ما عندها وتنقش إيمانها على حجر علمانيته .
تنهدت بعمق وأسبلت أهدابها لتعود تداهمها أفكارها في الزواج منه ، كيف سيتم ذلك لا تعلم ولكن عليها أن تتحدث مع والدها في أقرب وقت وقبل تنفيذ ما يسعى له .
رفعت الغطاء من فوقها وترجلت تخطو نحوه بحذرٍ حتى توقفت بجانبه ونادته بصوتٍ خافت قائلة بتوتر :
– خالد ؟ ، ممكن تصحى ؟
تململ في فراشه يتحرك فتجمع الغطاء في كومةٍ جانبية كاشفاً عن نصفه العلوي العاري الذي شهقت حينما رأته فأسرعت تلف جسدها وتواليه ظهرها بعيون متسعة فهو ليلة أمس كان ينام مرتدياً التيشيرت الخاص به .
التقطت أنفاسها وتحدثت بعلو وضيق منها وليس منه :
– ممكن تصحى بقى علشان عايزة أكلم بابا ؟ .
تماطأ بذراعيه ثم فتح عينه فوجدها تقف تواليه ظهرها فابتسم عليها ثم نظر جواره فوجد التيشيرت الذي نزعه ليلاً متعمداً .
التقطه ونهض ينزع غطاؤه عنه ويترجل لتبتعد حينما شعرت به وتبتلع ريقها بتوتر لا يخفى عليه لذا تقدم حتى وقف أمامها يرتدي لباسه متعمداً وهو يقول بوقاحة وعينه تطالعها :
– لا داعي للالتفات خديجة فاليوم لن أسمح لكِ بإزاحة عينيكِ عني .
أخفضت نظراتها عنه ثم تجاهلت حديثه تماماً حتى أنها أزاحته من على عقلها فيكفيها ما تشعر به قائلة وهي على وشك البكاء بعدما نهرت نفسها على ما يصيبها :
– عايزة أكلم بابا حالاً .
تحسس ضماد كفه ثم قال ببرود وتجاهل وهو ينظر نحوه :
– أعتقد أن هذا الجرح يبدو أعمق مما توقعت ، أصبح مؤلماً بعض الشيء .
نظرت ليده تتفحصها ثم تنهدت وارتفعت لتقابل عيناه قائلة بمغزى أعجبه :
– لا ليس عميق ، فقط يحتاج لحركات خفيفة هادئة أنت لا تعلم عنها شيء .
ابتسم قائلاً بمغزى وقح :
– أنا والحركات الخفيفة لا نجتمع سوى عند القبلات .
تورد وجهها باللون الأحمر فوراً وأبعدت نظرها على الفور تتمتم قائلة بضيق وغضب بدى له كتذمر طفولي :
– كف عن نطق تلك الكلمات أمامي ، أقسم لن أسامحك .
قهقه ثم رفع كفيه مستسلماً يقول :
– حسناً ، سأتوقف مؤقتاً ، هيا لنستعد كي نذهب لكتب الكتاب .
تحاول سحب أنفاسها التي تباطأت وترقبت بنبرة مستعطفة وعيون لامعة :
– خالد دعنا نتمهل ، أرجـــــــــــــــوك .
أغمض عيناه قليلاً ثم عاد يطالعها قائلاً بتأكيد وثبات :
– أعدك سأتمهل بعدما تصبحين زوجتي ، هيا خديجة .
تحرك بعدها يتجه نحو الحمام مبتسماً بخبث بعدما شوش عقلها مؤقتاً عن مكالمة والدها .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هواها محرم)