رواية وجلا الليل الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زكية محمد
رواية وجلا الليل الجزء الرابع والعشرون
رواية وجلا الليل البارت الرابع والعشرون
رواية وجلا الليل الحلقة الرابعة والعشرون
___________________
الفصل الرابع والعشرون
وجلا الليل
فجر في وجوههم الخبر، والذي أحدث دويًا عاليًا بنفوسهم، أطلقت زبيدة صرخة ملتاعة وهي تردد باسم ولدها، بينما شعر سالم بمن يقبض روحه، لم يقل هلع البقية عليهم إذ هتف عامر بلهفة وخوف على ابن شقيقه :- وينو قاعد يا نچاتي ؟
أخبره باسم المشفى ليهرع الجميع نحوها، وقلوبهم قاب قوسين أو أدنى من التوقف، وإن تصير ضمن عدادي الموتى .
بعد وقت كانوا يهرولون في طرقة المشفى، وعندما وصلوا للغرفة القابع بها فلذة كبدهم، بدأ العويل من قبل والدته التي تهذي بكلمات غير مفهومة، بينما يحاول سالم الدلوف بالقوة ولكن عامر وأبنائه منعوه، ريثما يخرج الطبيب من الغرفة ويطمئنهم عليه، مر الوقت كالقرون عليهم وقلوبهم تتقلب على صفيح ساخن، حالتهم مزرية أقرب للموتى .
خرج الطبيب أخيرًا ليضع كل منهم يده على قلبه، إما أن يحييها وإما أن يدميها، هرولوا نحوه يسألون بلهفة عن حالته، أخذ يتنفس بعمق بفعل الجهد الذي بذله بالداخل فترجموا ذلك بشكل خاطئ، إلا أنه كان بمثابة حبل النجاة الذي انتشلهم من البئر، إذ هتف بعملية :- اطمنوا يا چماعة إحنا طلعنا الرصاصتين اللي چواته، والحمد لله مصابتش مكان حيوي، هيقعد تحت الملاحظة لحد بكرة، وبعدين هنسمح بالزيارة لكن دلوك لاه حفاظًا على سلامة المريض .
سأله سالم برجاء :- بتتحدت صُح ولدي زين يا دكتور ؟
ابتسم له بخفوت قائلًا بتفهم لحالته :- أيوة صُح ولدك زين بإذن الله هيروق قوام كمان بس تسمعوا التعليمات وتنفذوها .
أردف بسرعة :- من يدك دي ليدك دي يا دكتور كل اللي تؤمر بيه مُچاب .
هز رأسه لهم وتركهم ليتتفس بعمق، ويحبس في رئتيه الهواء الذي سُلب منه مذ أن علم بتلك الفاجعة التي حلت عليهم، أخذ يردد الحمد لله كثيرًا، وكانت هذه صفعة ليعيد حساباته فولده كاد أن يصبح من عدادي الموتى، لولا عناية الله التي نجته .
صوب أنظاره لوالدته والتي طمست الدموع وجهها، وردد بوعيد :- لو الواد مقامش منها يا زبيدة يمين بالله ما هيكفيني فيها موتك، ولسة حسابك چاي على اللي عملتيه .
لم ترد عليه وإنما ازدادت في البكاء، فبسبب طمعها وحقدها دفع ابنها الثمن غاليًا، يا ليتها ما أقدمت على تلك الفعلة وما سمعت كلام أخيها، ولكن لا ينفع الندم بعد ذلة القدم . بقلم زكية محمد
يمسك بها حتى لا تهوى أرضًا، وعينيها ضائعة خائفة على فقد شقيقها، ضم كفها بكفه الكبير يبثها بعض الأمان الذي فُقد منها، وهتف بحنو :- هيبقى زين إن شاء الله، أدعيله أنتِ بس .
تمتمت برجاء وهي تتضرع إلى ربها بأن ينجيه، وهي تتمسك بيده بقوة وكأنها طفلة ضائعة ووجدت أبيها.
بعد يومين بعدما استرد وعيه، دلفت العائلة للاطمئنان عليه مع مراعاة عدم اجهاده في الحديث إلى أن يتعافى تمامًا، يعدوا بشدة لتعافيه بشكل مستمر، حتى مرت الأيام وتعافى بشكل نهائي، ليقف قبالة والده بمفردهما ليصرخ في وجهه بعنف :- أنا قولتلك إيه يا واد ؟ بتكسر كلامي !
وضع نظره بالأرض ولم يجرؤ على الحديث، بينما تابع الآخر بغضب :- قولتلك ملكش صالح بيه خالك دة تاني ولا لاه ؟ قولتلك طريق عفشة من وقت اللي حصل في الچبل، بس أنت لازمًا تسمع كلمة أمك يا واد أمك .
جعد جبينه بضيق من نعته بهذا اللقب، بينما أومأ له بتأكيد قائلًا :- أيوة واد أمك مزعلاك الكلمة قوي ! استرچل يا واد وخليك راچل مخلي حُرمة ممشياك .
هتف باعتراض :- يا أبوي دي أمي هكسر حديتها .
أجابه بغيظ :- لاه كسر حديتي أنا ما أنا مش مهم بقى، اسمع يا واد حالك دة لو ما اتعدلش أنا هعدلك وهعيد تربيتك من چديد .
صمت لبرهة ليردد بضعف وندم :- خابر لما قالولي إنك اتصبت حسيت بالدنيا كيف خرم الإبرة، وإن دة عقاب صغير عشان افوق من اللي بعمله، متخليش أنت كمان يا ولدي السكينة تسرقك والدنيا تلهيك .
سكت يسمع لكلمات أبيه والتي هو محق فيها، ما رآه فقد كان قاب قوسين من الموت، جعله يعيد حساباته من جديد في كل صغيرة وكبيرة، وضع كلمات والده نصب عينيه عازمًا على تنفيذها .
وبعد وقت حانت المواجهة الضارية، إذ هتف لها بتهديد :- بصي يا بت الناس هتقعدي بالحُسنى إهنة كان بيها هتقعدي تملي ودان العيال بحديتك السم دة بيت أخوكِ أولى بيكِ .
نظرت له بصدمة قائلة بعدم تصديق :- أنت بتقولي أنا الحديت دة ؟
صاح بغضب :- أيوة لو في مرة سمعتك بس عملتي حاچة يا زبيدة هتبقي طالق مني وأديني قولتها كلمة ومش هتنيها .
رددت بذهول :- بعد العمر دة كله يا سالم دي آخرتها ؟
أجابها بفتور :- أيوة دي آخرتها وأنتِ اللي بتكتبيها بنفسك، فاعقلي إكدة يا بت الناس وخليكِ في حالك .
أردفت بانفعال :- الحق علي رايدة يبقالك مال وچاه .
جز على أسنانه باحتداد مرددًا :- مش بالطريقة دي يا زبيدة، اطلعي كان هيحصل إيه لولدك اتعظِ يا شيخة .
وبعد الكثير من المناوشات بينهما، تركها تعيد حساباتها إما أن ترضخ وتظل تعيش تحت كنفه، وإما ترفض وحينها ستنهي حياتها معه .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
مرت الأيام عليهم بسلام، وقد ذهب طايع لطلب يد نورا التي كانت تطير فرحًا بهذا الخبر، حتى أن الجميع كان في حالة دهشة من تحولها هذا، وهم يرون لمعة الحب بعينيها اللتين تفيضا بمخزون وافر، وافق سالم على طلبه واتفقا على أن يكون الزواج بعد أربعة أشهر من الآن، ليتوافق مع زواج مؤمن وملك، أما طايع الذي يتابع الأمر بمكر شديد، وهو يرى مدى تقدمه نحو إحرازه للهدف المنشود، تلك الخطة التي لم يوشي بها لأية أحد حتى لا يمنعوه من تنفيذها، وها هي الظروف تخدمه بسخاء للوصول لهدفه .
ذات مرة اجتمع سالم بشقيقه، ووضع قبالته حقيبة صغيرة وهو يجلس إلى جواره، ينظر للأسفل بخزي وندم، بينما تساءل عامر بدهشة وهو يشير للحقيبة :- فيها إيه دي يا واد أبوي ؟
أجابه بخفوت :- افتحها وأنت تعرف يا عامر .
أذعن لطلبه وقام بفتحها، ليفاجأ بمبلغ كبير من المال مرصوص بداخلها، ضيق عينيه بتساؤل وردد :- أيوة يعني هعمل بيهم إيه دول، ومالي بيهم ؟
أردف بصعوبة وهو يحاول ترتيب كلماته :- دة حقك يا عامر في ورث أبوك، محقوقلك يا أخوي كانت السكينة سرقاني وما دريش باللي بعمله، بس ربنا نور بصيرتي الحمد لله قبل ما اقابل وجه كريم .
ابتسم له بحب فها هو شقيقه الذي يعلمه على حق قد عاد، أردف بحنو وهو يحركها لتستقر أمام الآخر :- وأنا قولتلك مسامح فيهم، مالي ومالك واحد يا سالم خليهم لما اعوزهم هطلبهم منك .
ضغط على شفتيه بندم وهو يشعر بمدى حقارته إذ أردف :- كل مرة بتثبتلي إنك أحسن مني يا أخوي .
ربت على كفه قائلًا باعتراض :- لاه محدش احسن من التاني، مش عيب نتعلم من غلطنا واصل، قوم يا راچل لمهم قوم خلينا نروح نشوف أمور العيال دي .
أومأ له بموافقة وراحة كبيرة تغمره، وها هي الحياة تبتسم له من جديد .
بعد ثلاثة أشهر تصرخ بعلو صوتها في المشفى، ولسانها يطلق وابل من السباب، تسبه بأفظع الكلمات وها قد عادت من جديد لتسترد بعضًا من سلاطة لسانها، وما زاد غضبه تلك الكلمات المخجلة التي رددتها، بأنه السبب فيما هي فيه الآن .
بعد وقت خرجت الممرضة بوجه بشوش، وهي تحمل الرضيع لخضوعه لبعض الفحوصات للاطمئنان عليه، فركض يحيى يحمله منها وهو يردد البسملة، وهتف بقلق :- خير طمنيني على مرتي .
ابتسمت له بود قائلة :- الحمد لله كويسة بس هناخد الولد نعمله فحوصات زيادة نطمن عليه .
صوب أنظاره نحو الرضيع الذي يقبع بين يديه، ومال على أذنه يردد له الشهادة والغبطة تغمره، أتى والده ووالدته والجميع يلتفون نحوه يقدمون له التهنئة، ما إن وجد صغيرته جلس قبالتها بالصغير قائلًا بحب :- تعالي شوفي أخوكِ يا چنا .
تطلعت نحوه بانبهار قائلة بفرح :- دة أخوي ؟ حلو قوي يا أبوي هو اسمه إيه ؟
نظر لها بحنو قائلًا :- إيه رأيك تسميه أنتِ .
تهلل وجهها بسرور، ثم أومأت بنعم وراحت تفكر في اسم تطلقه على شقيقها، لتردد فجأة وبراءة :- هسميه كريم زي اسم كريم اللي بيروح وياي الكتاب .
ضيق عينيه بغيظ قائلًا :- كريم اللي بيروح وياكِ الكتاب ! ماشي نسميه كريم ونشوف حكايته ايه دي بعدين .
لملمت خصلاتها قائلة :- دة حلو قوي يا أبوي وبيحفظني السورة لما معرفش أقول .
رفع حاجبه باستنكار، فيبدو أنه فاته الكثير وعليه بالتدخل، ليردد بغضب مكبوت :- ماشي يا ست چنا، نبقى نتحدت لحالنا بعدين .
بعد وقت دلف الجميع للاطمئنان عليها، ليغطي الليل المكان بجناحيه وها هو يجلس إلى جوار زوجته ليطمئن عليها بدوره، قبل رأسها بعمق وهو يزفر براحة، فسلامتها كانت أهم شيء بالنسبة له، فدوي صراخها كان يجلده دون شفقة، ابتسمت له قائلة بوهن وهي تشير لصغيرها :- شوفت الواد يا يحيى ؟
هز رأسه بموافقة قائلًا :- أيوة يا أم كريم حمدًا لله على سلامتك .
ضحكت بضعف قائلة :- وه هتسميه كريم ؟
أردف بضحك :- دة مش أنا المفعوصة چنا قالتلي عليه . بقلم زكية محمد
أردفت بدون وعي :- أيوة على اسم كريم اللي وياها في الكتاب .
رفع حاجبه باستهجان وردد بتهكم :- وه حتى أنتِ خابرة بالموضوع دة وأنا آخر من يعلم .
تطلعت له وهي تسب نفسها بداخلها قائلة :- دة زميلها بيحفظها القرآن .
ضيق عينيه قائلًا بريبة :- ويطلع قد إيه الواد دة ها، وتعرفه من ميتا ؟ على آخر الزمن حتة شبر تاخدني على قفاي .
أردفت مسرعة :- لاه متقولش إكدة، أنا خابرة كل حاچة أمانة عليك ما تزعقلها البت لساتها صغيرة، ومتفهمش لما تكبر هبابة أنا اللي هوعيها متخافش دي بتي الأولانية وأول فرحتي .
طالعها بتأثر وقام بتقبيل يدها مرددًا بحب :- الحمد لله إنك في حياتي يا شمس، يا أم چنا وكريم ولو إني مغصوب على الاسم بس يلا .
ضحكت بخفة قائلة :- اطمن كل حاچة تحت يدي .
أردف بمشاغبة :- اه يا واد يا خطر أنت .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- أنا واد ؟ أمشي يا يحيى سديت نفسي .
تعالت ضحكاته عليها ليميل فجأة نحوها، ويرتشف بعضًا من رحيقه المسكر ليردد بعدها بخبث :- مين دة اللي واد دة أنتِ بطل .
أردفت بصدمة وخجل :- إيه اللي أنت عملته دة يا قليل الحيا، أفرض حد چه ؟
ردد بمبالاة وهو يضجع على المقعد ويضع قدم فوق أختها :- وايه يعني اللي ليه حاچة عندي ياچي ياخدها .
هزت رأسها بيأس منه ومن أفعاله التي ستزفها لحافة الجنون عما قريب، بينما ظل هو يتأملها بحب هي وطفلها القابع بين أحضانها، وهو يحمد الله على ذلك الدفء العائلي الذي منحه إياه .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد شهر آخر من الآن حان موعد الزفاف المنتظر، كل منهم في ملكوته وعلى حدة، منهم من ينتظر آخر لحظات الانتقام على أحر من الجمر، ومنهم من ينتظر ذاك الزفاف بفارغ الصبر حتى تسكن روحه إلى جوار من الفت، ومنهم من يتملكه الخوف من تلك الزيجة من الأساس، وأخيرًا من يجد أنها فرصة ليعيد تربية تلك المغرورة من جديد .
أسدل الليل ستائره وعم الظلام القرية، وفي منزل العروسين تُدق الطبول وتصدح الأغاني في الارجاء تناغمًا مع زغاريد النسوة العالية، بدأ الأهالي في التوافد لتقديم المباركة، حيث اكتظ المنزل بأكمله فرحين بتلك المناسبة.
تسير بجانبه ببطنها التي على وشك الانفجار في أية لحظة، هتف خالد بتحذير :- بقولك إيه النهاردة فرح أخوي، أوعاكِ تقولي هولد زي كل مرة ويطلع على فشوش . بقلم زكية محمد
قوست شفتيها بضيق قائلة بتذمر :- لاه متخافش مش هولد ربنا يستر المرة دي .
حاوطها بذراعيه قائلًا بغيرة خفية :- طيب يلا تقعدي چاري لحد ما يخلص الفرح، مفهوم ؟
ابتسمت له بغيظ مكبوت ورددت :- حاضر يا خلودة أي أوامر تاني .
أردف بحنق :- خلودة ليه شيفاني عيل ؟ لمي الدور يا وچد .
أردفت بغضب قليل :- أنت من وقت ما حبلت مبقيتش طايقلي كلمة، شايفلك شوفة تاني إياك ؟
نتأت عيناه بذهول وأردف :- مين اللي مش طايق للتاني كلمة، دة أنتِ شوية وهتنفخي نار في وشي.
لوت شدقيها بامتعاض قائلة :- إكدة يا خالد ! طيب أنا هروح أقعد ويا أمي وهروح معاها وشوف مين يقعدلك فيها .
وما إن همت لتغادر جذبها من ذراعها برفق وهمس بجانب أذنها :- أنتِ رايحة وين هو أنا قولت إيه من هبابة ؟ ولا حديتي ما بيتسمعش !
رددت بضيق :- ما أنت اللي بتضايقني وبتقول حديت عفش، فين كلامك هخليكِ أسعد واحدة .
رفع حاجبه باستهجان وردد :- هو أنا رابطك في العمود لا سمح الله ولا مانع عنك الزاد ؟ يا بت الناس هشرك خلقاتي منك .
أردفت بحزن :- أنت بطلت تقولي بحبك يا وچد، أنت بطلت تحبني مش إكدة ؟
قبض على كفه بقوة يحاول أن يتماسك قدر المستطاع، حتى لا يهشم رأسها الصلد ذاك، ردد باحتدام مكبوت :- ومين اللي قايل فيكِ شعر من هبابة، خالتك ولا أمك ؟ قدامي بدل ما ارتكب چناية .
سارت معه بتذمر وجلست إلى جواره وهي تحاول أن تلهي نفسها، حيث شعرت بانقباض فجأة أسفل بطنها، لم تشأ أن تقلقه وتكون مثل المرات الماضية، وأنه مجرد ألم عابر سيمر بعد لحظات، دلف العريسان برفقة العروسين اللتان كانتا في أبهى طلة لهما، وجلسوا في أماكنهم المخصصة، يتلقون التهنئة من العائلة والاقارب .
بعد أن سلمت عليهم وباركت لهم، قبضت على يده بقوة فالألم لم يبرحها البتة، بل يزيد شيئًا فشيء بدون رحمة، أردف هو بقلق وهو يتفحصها :- مالك هتعمليها ولا إيه المرة دي صُح ؟
ابتسمت بوهن وهي تكتم آهاتها بصعوبة، وكل ما أمامها الآن أن تخرج من المكان، حتى لا تفسد فرحتهما وبالفعل نجحت في ذلك، وما إن توارت عن أعينهم أردفت بضعف :- إلحقني يا خالد بولد .
أنهت جملتها لتطلق صرخة مدوية، غطت عليها اصوات الموسيقى الصاخبة، بينما أردف خالد بجزع :- أعمل إيه ؟ أعمل إيه ؟ هروح أشيع لأمي .
مسكت يده بوهن قائلة بتقطع :- بلاش يا خالد خليهم يفرحوا وديني أنت المستشفى دلوك .
وبالفعل حملها مسرعًا ليضعها بالسيارة، ومن ثم نحو المشفى على الفور ليركض بها في طرقة المشفى، وهو يصيح بأعلى صوته بأن يغيثوا زوجته، وسرعان ما لبوا النداء وها هي الآن تتوارى خلف باب العمليات تتعالى صرخاتها، التي تقطعه إربًا وهو يدعو الله بأن ينجيها، بعد وقت قضاه يتقلب على جمر فيكويه من كافة الجوانب، خرجت الممرضة بطفل صغير وأعطته له، وأخبرته بأن زوجته بخير وأنها ستسيقظ من اغمائها بسبب جهد وتعب الولادة .
وها هي تحتضن صغيرها وتوزع قبلات شغوفة على كامل وجهه، والآخر يراقبهم بحب ليردف بمكر :- يا بختك يا عم أحمد يا ريتني مُطرحك .
خجلت هي من تلميحه لتردف بتعب :- حلو قوي اسم أحمد يا أبو أحمد .
قبل رأسها بحب قائلًا :- ربنا يباركلي فيكِ أنتِ وأحمد .
ضرب رأسه بتذكر وردد بصدمة :- يا خبر أنا مقولتش لحد وقافل التلفون، زمانهم قلقانين ربنا يسامحك يا أبو حميد فرحتي بيك نستني حالي .
قال ذلك ثم اتصل بوالده، ليكتشف إنتهاء مراسم الزفاف واصطحب كل عريس عروسه لمنزله الخاص، أتوا على الفور وامطروه بوابل من عبارات العتاب، ليشرح لهم الأمر فتقبلوا الاعتذار بصدر رحب، التفوا حولها لرؤية الصغير وتقديم المباركات لها .
***★******★*******★*******★******
في شقته أغلق الباب بعنف وهو يحدجها بنظرات ماكرة تحمل في طياتها وعيد بالانتقام، بينما كادت هي أن تذوب خجلًا من تواجدها بمفردها معه لأول مرة، تقدم نحوها ليتوقف قبالتها قائلًا بنبرة جليدية تحمل السخرية في جنباتها :- واقفة إكدة ليه ؟ البيت بقى بيتك .
شهقت بصوت مسموع فور حمله إياها، توهجت وجنتيها فصارت كالجمر، لم تجرؤ على أن ترفع مقلتيها في خاصته، بينما لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه، لم تلحظها هي بسبب المطارق التي تضخ بعنف في صدرها، محدثة جلبة صاخبة تكاد تقسم أنه يسمعها، دلف للغرفة ووضعها بإهمال على الفراش، ومن ثم خلع عمامته وألقاها بإهمال، وهو يحاول أن يحارب الشياطين التي تتلاعب بمخيلته، ما سمعه عنها وعن الأمور التي افتعلتها تزداد النيران التي اضرمتها بداخله، وما جعله يقدم على إنهاء انتقامه وأنه لن يندم، تلك الحقائق كفيلة بأن تجعله يحرقها دون أن يرمش له جفن، تلك الماكرة التي لا تعرف سوى الحقد والتخطيط الشيطاني .
أردف بتهكم :- هتقعدي إكدة كتير ؟
تعالت دقات قلبها حتى كادت أن تتوقف، أصابها الشلل فما عاد بمقدورها التحرك، جلس قبالتها ورفع وجهها نحوه لتنظر أرضًا، بينما ردد هو بخبث ولم يرى سوى وجه مخادع يقبع أمامه :- مبسوطة يا نورا ؟
ابتسمت بحياء وهي تفرك يديها بقوة، ليتابع بمكر :- مش أكتر مني .
أقترب منها إلى حد أتلف أعصابها، فلم تشعر بشيء بعدها وكأنها كالمخدرة من قربه، ولم لا وقلبها دق له بصدق وأحبه هذه المرة دون وجود لأية خطط تحيكها والدتها، بل إنها عارضتها لتحصل عليه وتفوز به وها هي الآن تتنعم بين دفء ذراعيه، لم يلقي عليها عبارات الغزل التي كانت تتوق لسماعها لطالما حلمت بذلك كثيرًا، ولكنه عاملها برفق كعاشق هائم بمعشوقته، لتنسدل الليلة عليهم بهناء استعدادًا لصباح ملبد بالغيوم .
أما عند هذان المشاكسان، ما إن دلفا لشقتهم الخاصة زفرت هي بضيق ودلفت للداخل دون أن تعيره أدنى اهتمام وشرعت في تبديل ملابسها، بينما رفع حاجبه بوعيد ومن ثم لحق بها لتصرخ فجأة قائلة بحدة :- مش تخبط يا چدع أنت أومال الباب عملوه ليه، زواقة !
ضيق عينيه بغضب وتقدم نحوها، بخطوات دبت الخوف بقلبها ولكنها أدعت الشجاعة، حتى أشرف عليها بقامته الممشوقة وهتف بفحيح :- سمعيني قولتي إيه تاني ؟
تراجعت للخلف حتى اصطدمت بالجدار، ولعنت نفسها على تبخر شجاعتها أمامه، ليحل الذعر مكانها فهي على وشك البكاء ولكنها تدعي القوة، رددت بتلعثم وبلاهة :- بقول البيت بيتك هو أنت داخل عن حد غريب .
مال على أذنها وهمس بمكر :- طيب زين إنك خابرة إني مداخلش عند حد غريب .
نظرت لعينيه الحالكة قائلة بخوف :- مؤمن أنت أنت هتضربني ؟
اتسع ثغره بذهول من سؤالها الأخرق كحالها، وردد بعدم تصديق :- أنتِ بتقولي إيه ؟
دمعت عيناها قائلة :- أنا خابرة أنت اتچوزتني ليه، عشان تاخد بتارك على اللي عملته فيك آخر مرة، بس أنت تستاهل أنت اللي بدأت لما ضربتني بالقلم .
ابتسم بسخرية وردد :- ها وايه تاني يا نچيبة عصرك ؟
أدمعت مقلتيها بحزن قائلة :- أنت أتچوزتني ليه أنا كنت رايدة أكمل علامي وأبقى دكتورة، بس أنت مسكتني من يدي اللي بتوچعني وهددتني عشان أوافق، أنت هديت حلمي اللي عشت كتير عشان أحققه .
طالعها بصدمة من منظورها لفكرة الزواج منها، أردف بحنق :- ومين قالك إني أتچوزتك عشان أخد بتاري منك، ومين قالك إني مش هخليكِ تكملي علامك ؟
راقبته بأعين حمراء وسألته بريبة :- يعني أنت هتخليني أكمل علامي يا مؤمن ؟
أومأ بموافقة قائلًا :- متخافيش أنا مش عفش لدرچة إني أهد حلمك، ولا عفش للدرچة اللي أنتِ متخيلاها.
أغلق عينيه بعنف وذكريات تجربة مريرة تُعاد أمامه ثانية، ولكن هذه المرة الضربة أشد قسوة، لا يعلم متى وأين أصبح غارقًا في بحور هواها، اقتنص أقرب فرصة للفوز بها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفنه، أنها ترفض الزواج منه وهذا واضح في حديثها، شعر بمن سقط على وجهه من مكان عالي فتهشم إلى فتات، نظر لها بعمق وأردف بهدوء :- لو حاسة إن الچوازة دي مغصوبة عليها يبقى نفضها يا بت الناس، نستنوا بس شهور إكدة عشان حديت الناس واللي أنتِ رايداه هعملهولك .
قال ذلك ثم استدار ليغادر، ليتوقف عند عتبة الباب عندما سمع شهقاتها، ليتراجع وينظر لها باستغراب لتصدمه حينما ألقت بذاتها بين ذراعيه، ارتعدت أوصاله لفعلتها ومازال الذهول يسيطر عليه، رددت ببكاء :- أنا مش بكرهك أنت غيرهم واصل، بس ..بس
تابع بتشجيع وهو يحثها على الحديث :- بس إيه أنا سامعك أها .
أردفت بخفوت :- أنت متچوزني عشان تاخد بتارك مني وأنت بتكرهني وعلطول تقعد تذلني بغلطتي اللي عملتها . بقلم زكية محمد
لا يعلم أيصفعها على غبائها، ولا يضمها يبثها حبه بطريقته الخاصة، أهكذا تظنه ؟ تلك البلهاء لو أراد الانتقام لفعلها دون أن يقدم على الزواج منها من الأساس، تنهد براحة ورفع وجهها صوبه قائلًا بحنو :- يعني أنتِ مش مغصوبة ؟
هزت رأسها بنفي قائلة بغرور مصطنع :- لاه أنا محدش يقدر يغصبني على حاچة واصل .
أردف بضحك عابث :- يعني موافقة تكملي معاي ؟
هزت رأسها مجددًا قائلة بخجل :- وه أنت هتخجلني كتير يا مؤمن .
ابتسم لها بحب ومن ثم أخذ بيدها وجلسا، ليوضح لها أنه لن يمنعها من مواصلة حلمها بل سيكون داعمًا لها، وسيوفر لها كل شيء يسهل عقباتها، احتضنته بقوة وهي تصرخ بفرح، ضحك على تلك الطفلة التي وقع في شباكها لتنسج خيوطها حوله بإحكام من الصعب أن يتحرر بسهولة، لأول مرة يرى بريق السعادة يلمع بعينيها، وعاهد نفسه بأن يفعل كل شيء ليرى تلك البهجة التي تشع من مقلتيها، أقترب منها حد الخطر ليقتنص أولى رشفات عسلها المصفى، ليغرق معها في بحور العشق الخاصة بهم .
***********************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وجلا الليل)