رواية فطنة القلب الفصل الخامس 5 بقلم سلمى خالد
رواية فطنة القلب الجزء الخامس
رواية فطنة القلب البارت الخامس
رواية فطنة القلب الحلقة الخامسة
(تَشْوِيهُ اَلسُّمْعَةِ وَسِيلَةَ كُلٍّ حَاقِدٍ)
أرسطو
دموعٌ تنساب على وجنتيها بغزارة، ملامحها الباهتة بعدما أعلن المأذون بأنها أصبحت حرم مازن العطار، نظرت نحو الخاتم الذي بيدها يعلن أن حياتها الحُرة أصبحت بلحظةٍ غير موجودة وأن من واجبها راعية زوجها.
وضعت وجهها بين راحتي يدها تبكي بشدة، تتمتم بصوتٍ مختنق:
_ آآآه يارب.
**
بالردهة بعدما غادر الناس من منزل محمد العطار، جلس مازن قِبلت يحدثه بصوتٍ آسف:
_ صدقني يا خالي اللي عملته دا عشان مصلحة العيلة مش أكتر.. وياسمين أنا هوصلها بأسرع وقت… اللي عمل كده كان عارف إني هتجوزها وعشان كده قصد إنه يشوه سُمعتها وسُمعة العيلة لأن لحد اللحظة دي مرنش حتى يطلب فِدية.
نظر له محمد بصمتٍ، منذ أن علم بأن ياسمين اختفت وأعلن مازن أمام الحشد بزواجه من قطوف وقد اتخذ حاجز الصمت بينهم، أخفض مازن رأسه ببعض الحزن يتمتم بصوتٍ مختنق:
_ أول لما ألقي ياسمين وتعدي فترة على جوازي بقطوف هنطلق ونقول متفقناش و…
قاطعه محمد يتمتم بصوتٍ هادئ تعجب مازن منه ومن عدم توتره بهذه اللحظة المخيفة:
_ تصرفك يا مازن مكنش غلط من البداية انقذك لسُمعتي وسُمعة بناتي دا أكبر دليل على أني مفشلتش في تربيتك.. ياسمين عرفت دلوقتي هي عند مين وليه… بس متخيلتش أن الحقد يوصل إنها تشوه سُمعة بناتي بالشكل دا.. وتموتني بحسرتي عليهم.
نظر له مازن قليلًا، ثم اتسعت عينيه بصدمة، نعم هو يشك ولكن كان يتمنى أن تصبح كل شُكوكه كذبة، نظر لخاله برجاء يتمتم:
_ خالي أكيد مش أمي!
تنهد محمد بألم، يجيبه:
_ محدش غيرها يعرف، وقبل ما توصلوا لقيته قاعدة مبسوطة وتقولي إنها مش متوقعة أن ياسمين هتكمل في الجوازة… وأني اجبرتها وهي هتتطفش مني… ولما أنت جيت مع قطوف ولقيتك بتعلن جوازك منها اتأكدت أن ليها يد بالموضوع.
أغمض مازن عينيه بألمٍ، يحاول استيعاب هذه الكارثة، ولكن اوقفته صدمة أخرى من خاله متمتمًا:
_ من بدري وأنا شايفك أنت وقطوف الأنسب لبعض، وسبحان الله بقيتوا متجوزين.. ربنا فوق سبع سماوات غير كل حاجة بلحظة ومشيئته هي بس اللي اتحققت… سعينا مهما سعينا أننا نعمل اللي عايزينه وفي النهاية متحققش غير رغبة ربنا.
تأمل مازن حديثه وشعر بأن الله عز وجل له حكمة بزوجه من قطوف، فمن يراهم يتأكد أنهم لن يقيموا سويًا لدقيقة واحدة، استرسل محمد حديثه بصوتٍ رزين:
_ مطلقش قطوف يا مازن… حاول توصل ليها وتكمل حياتكم سوا… بلاش تنهوها وهي فيها خيط للبداية.
حدق به مازن في ذهولٍ، في حين نهض محمد يحمل متعلقاته قائلًا ببعض الغموض:
_ دلوقتي رايح اجيب بنتي، خليك هنا وخلي بالك على مراتك يا مازن.
رجفة غريبة سارت بجسده ما أن استمع لجملة ( خلي بالك على مراتك)، لأول مرة يستمع لها، نظر للباب الذي غادر منه محمد للتو، في حين بقى هو يحاول استيعاب كل تلك الأحداث الغريبة.
****
صوت صراخ عالي يصدع بالشقة، تضرب كل ما يواجهها من غيظٍ احتل قلبها، تتطلع نحو صورة ابنها الذي فتك بكل مخططاتها، امسكت بإحدى الديكورات وألقت بها على صورته تهتف بغلٍ:
_ ماشي يا مازن.. بتهدم اللي عملته كله أنا بقى هعملكم فضيحة بس مش فضيحة عادية وكمان مش هخلي ياسمين راجل يبص في وشها تاني.
امسكت هاتفها ترن على هذا الرجل، تتمتم بنبرة حاقدة ما أن اجابها:
_ البت عندك اعمل فيها ما بداك… عايزاها تفتكر ليلة من بعدها تكره حياتها.
انهت الاتصال ولكن ما أن انهت حتى تعالى صوت الجرس، ذهبت تفتح الباب وهي تتمتم بغضب جامح ظنًا منها أنه مازن:
_ ليك عين تيجي بعد ما بوظت كل مخطط…
قاطعت حديثها ما أن رأت محمد أمامها يردف بسخطٍ:
_ بوظ كل مخططاتك كملي.
تراجعت مرفت ببعض التوتر، في حين تقدم محمد منها يتمتم:
_ فين ياسمين؟!
اشاحت بوجهها بعيدًا تتمتم ببرود:
_ معرفش.
زمجر محمد بعصبيةٍ مفرطة:
_ مرفـــــــــــت انطقي بنتي فين؟!
نظرت له بغلٍ، تتمتم بصوتٍ قاسي:
_ لو اعرف مكانها مش هقولك برضو فين.. خليك كده تدوخ وراها وريقك ينشف.
تراجع محمد بذهولٍ، هل هذه شقيقته؟!، عادي يتمتم بصوتٍ متعجب.. مصدوم:
_ أنا اللي بيجري في عروق نفس اللي بيجري في عروقك.. ليه بتعملي كل دا معايا أنا مش فاهم! غل وحقد يوصل بيكي إنك كنت عايزة تسببي فضيحة لاخوكي وبناته!
ألتمعت عينيها بنوعٍ من القسوة تجيب:
_ آه يا محمد يخليني أعمل اكتر من كده… من صغري وأنا مش بطيقك كل حاجة بابا يدهالك… حياتك أفضل مني.. اتجوزت واحدة فيها كل حاجة حلوة… وأنا اتجوزت راجل مع أول مشكلة بينا سبني وسافر برة ومعرفش عنه حاجة… خلفت بنتين وكل الناس بيحبوك.. وأنا ابني الوحيد حتى لا بيقعد معايا ولا بيكلمني.. بيقعد معاك وبيحبك أكتر مني.. دا يوم ما قولتله موافقة على الجوازة مصدقنيش ولما أنت قولتله صدق.
حرك رأسه في نفي، يحاول أن يقاوم تلك الصدمة ولكن لا توجد فائدة، أردف بصوتٍ يغزوه الألم:
_أنتِ ايه؟ ايه الحقد دا؟ اللي يشوفك كده يقول إنك مش اختي ومولدين من أب وام واحدة!
اشاحت بوجهها تتمتم بنفور:
_ أنت اللي وصلتني لكده!
:_ بنتي فين!
قالها بصوتٍ جامد، في حين تتطلعت نحو تضيق عينيها بشدة، ثم قالت بصوتٍ حزين مزيف:
_ في راجل كلمني وقالي إنه طمعان فيها ومش هيرجعها ولو رجعت هترجع بعارها.
تحولت عين محمد لغضب جامح، وفي حركة سريعة كانت يده بعنقها تختنق، يهمس محمد بصوتٍ فحيح:
_ لو منطقتيش بنتي فين يا مرفت هدفنك مكانك وساعتها حتى محدش هيعرف إنك موتي ولا ادفنتي؟!
تلون وجهها بالحمرة، تشعر باختناق شديد، علمت وقتها بأنها ضغطت على وترٍ حساس، لتردف بصوتٍ متقطع:
_ في مخزن القديم بتاعنا اللي اتحرق.
تركها محمد سريعًا وامسك بهاتفه يتحدث مع مازن يخبر بالذهاب الى هناك قبل فوات الآوان، ألقى نظرة سريعة على شقيقته الملقاه على الأرض، تسعل بشدة ثم قال بأسف:
_ يا خسارة يا مرفت.. يا خسارة فعلًا.
تركها مغادر المكان كي يلحق ابنته، في حين نظرت له مرفت في حقدٍ تتمتم بنبرة متوعدة:
_ أنا اللي هندمك على كل حرف قولته دلوقتي.. وساعتها هتبقى خسارة عليك.
***
حاولت الصراخ ولكن لم تجد فائدة، تلك اللصقة الموجودة على فمها تمنعها من الصراخ فقط بعض الهمهمات، بقيت تبكي بخوفٍ شديد، تحاول المقاومة ولكن هذا الشعور بالوحدة أصبح بمثابة سكين تشوّه روحها، تطلعت نحو الباب الذي فُتح فجأة لترى هذا الرجل الغريب، تتطلعت له بتعجب ومن ملامحه الغريبة، في حين تمتم هذا الرجل ببعض الخبث:
_ أهو لما تقعد شوية وتصبر تترزق بحتة لوزة مقشرة وجاهزة… لا وإيه أهلها بيعنها كمان… عارفة اتقالي ايه يا مزة.. اتقالي اعمل اللي نفسي فيه معاكي.. والصراحة بقى أنا كنت هموت عليكي وجيتي لحد عندي.
ارتجف جسدها برعبٍ، تحاول الثبات ولكن لم تستطع من نظراته اللئيمة، حرك هذا الرجل رأسه بالنفي يقترب منها حتى وصل لمستواها قائلًا برغبة:
_ أنتِ خايفة مني؟ لا متخفيش مني.. دا أنا هعيشك احلى لحظات حياتك.. اتصدقي بقى الموضوع عايز حاجة تتشرب عشان مزجي يعلى أكتر وأكتر.
نهض من جوارها ولكنه عادي يزيل تلك اللصقة عن فمها يتمتم بمكرٍ:
_ دقايق اجيب اللي هنشربه وراجعلك يا جميل.
تركها يغلق الباب خلفه، في حين بقيت ياسمين ترتجف، كلماته تصدع بأذنها أكثر، اصبحت العراقل تقابلها من كل جانب.. يدها المربوطة وقدمها ايضًا، هذا الرجل المخيف الذي سيعود ولا تعلم كيف ستتخلص منه، حاولت أن تتنفس ولكن شعور بالاختناق أصبح يحيطها من كل جانب.
دلف هذا الرجل بعد مرور بعض الوقت، يمسك بزجاجتين من مشروب محرم، يسير نحو ياسمين التي تتطلع نحوه برعبٍ، حاولت الحديث ولكن اختفى صوتها، جلس جوارها يردف برغبة تزداد شيئًا فشيء:
_ افكك ولا هتقرفيني!
حاولت الابتعاد عنه، لينهض من مكانه يتمتم:
_ يبقى هتقرفيني.
كاد أن يزيل حجابها ولكن أصوات بالقرب منهما جعلته يتوقف لدقائق، وبلحظةٍ كان مازن قد اقتحم المكان ولكن أحمرت حدقتيه ما أن رأى هذا الرجل يقف على مسافة من ياسمين ليست ببعيدة يمسك بحجابها وهي ترتجف بخوفٍ.
خطواتٌ سريعة تقدم بها مازن ثم رفع قدمه يركل بها هذا الرجل بقوة، وقع على الأرض من عنف ركلته، ثم اقترب منه مازن يكيل له بلكماتٍ عنيفة.. شرسة كان ينزف على أثارها هذا الرجل، بقى يضرب به حتى فقد وعيه تمامًا وأصبح وجهه ملطخًا بالدماء.
في حين دلف محمد ينظر لابنته التي فقدت وعيها ما أن رأت مازن بهذا العنف والشرسة، حملها محمد سريعًا يردف بصوتٍ عالي:
_ مازن كفاية كده ويلا بسرعة نلحق ياسمين.
اسرع بها نحو السيارة، في حين ترك مازن هذا الرجل وأسرع خلف خاله كي يلحق بياسمين.
****
داخل المشفى…
بقى الجميع في حالة من التوتر، قطوف التي ما أن علمت حتى أتت راكضة، في حين مازن ومحمد يقفان ينتظران خروج الطبيبة، وما هي إلا دقائق خرجت بها الطبيبة، فأسرع الجميع إليها يتسألون عن حالتها لـ تخبرهم بحالتها قائلة بنبرة عملية:
_ هي بخير يا جماعة.. كل ما في الأمر أنها أجهدت اوي وشكلها بيقول منمش بقالها يومين وعشان كده اغمى عليها.. وتقدروا تدخلوا ليها عادي.. عن اذنكم.
تركتهم مغادرة المكان، في حين دلفت قطوف للداخل، دون أن تنتظر كلمة من أحد.. وما أن دلفت حتى ركضت جوار شقيقتها تضمها لصدرها بحب قائلة بصوتٍ حنون دافئ:
_ نور عيني أنتِ كويسة دلوقتي؟!
ضمتها ياسمين بقوة قائلة بصوتٍ تنبعث فيه الراحة:
_ الحمدلله… بس حاسه بتعب شوية.
بدأت قطوف تمسح على رأسها بحبٍ، تردف بصوتٍ حاني:
_ خلاص نامي دلوقتي وكل التعب يروح.
ابتسمت ياسمين لحنان شقيقتها، تتمتم بصوتٍ سعيد:
_ بحب حنانك عليا… بحسك أمي في أوقات.
ابتسمت قطوف بحنو، تجيبها وهي تضمها بقوة:
_ أنتِ أختي وبنتي وصحبتي يا ياسو… ومفيش حاجة في الكون تقدر تفرقني عنك مهما حصلت.
أغمضت ياسمين حدقتيها، تهمس بنعسٍ:
_ عايزة انام في حضنك!
مسحت قطوف على رأسها بحنو، تهمس هي الأخر برقةٍ:
_ نامي يا قلبي.
أغلقت ياسمين عينيها، في حين دلف محمد للغرفة ولكن تفاجأ بملامح ياسمين المبتسمة وسط غفلتها، وضم قطوف لها، تنهد ببعض التعب، ثم قرر الخروج يشير إلى قطوف بأنه سيبقى بالخارج، وبالفعل غادر للخارج ليجد مازن يقف شاردًا بالخارج.
تقدم منه يضع يده على كتفه قائلًا:
_ سرحان كده ليه؟!
تطلع له مازن، ثم تنهد يجيب:
_ بفكر في ياسمين إزاي هقدر اوجهها.
:_ أنتِ بتحب ياسمين؟!
قالها محمد بهدوء، في حين تفاجأ مازن به ولكنه اجاب وهو يتطلع بنقطةٍ من فراغ:
_ مش عارف.. بس اللي اخدت عليه من وأنا صغير بعد ما مامتها توفت مش شايف غير إن ياسمين لزمًا تضحك والباقي مش مهم.. بس لكن إني بحبها أو زي ما بيقولوا الشعور اللي بيخليك مش عايز تفارق اللي حبيته دا موصلنيش مع ياسمين خالص.
تنهد محمد بهدوءٍ، ثم قال بصوتٍ حكيم:
_ بص يا مازن أنا قولتلك تخلي جوازك من قطوف لأن شايف أنه مكمل والمثل بيقولك القط ميحبش إلا خناقه.. أم بنسبة لياسمين فكنت واثق إنك محبتهاش لحظة وإن الجواز منها هيكون تقليدي بس مقدرش اقف قدام رغبتكم طالما بالحلال والخير.. اللي يتجوز واحدة تانية في وقت زي اللي كنا فيه وتكون هادي وقادر تتصرف بيكون غير واحد عاشق لحبيبته هتكون تصرفاته مجنونة ومش هادية.
تطلع نحوه قليلًا ثم ابتسم له قائلًا:
_ أنا نفسي ابقى زيك والله واقدر احلل الأمور كده وبسهولة.
ضحك محمد بخفةٍ، ثم اجابه بأمل:
_ أنت هتبقى أحسن مني يا مازن.. محتاج تقرب من ربنا وتنفذ شرع الله وتتقي الله وساعتها بقى هتعديني كمان لأنك حنين وذكي وفيك رجولة اختفت ما بين الشباب.
حلت ابتسامة طفيفة على شفتيه، وترجى من الله أن يصل لمرتبة عالية من الرضا.
**
بشقة ياسين..
:_ خلاص يا بابا حاضر هروح لُه حاضر.. في بس محضر وتحقيق وليلة عندي هخلصها واروح عنده نتفق.
قالها ياسين ببعض الملل، في حين أكد عليه مهران والده:
_ اوعاك يا ولدي تنسى.. أنا كلمتك مخصوص عشان تتذكر.
تنهد ياسين ببعض التعب، يجيب:
_ خلاص يا بابا والله هروح.
:_ خلاص يا ولدي سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قالها مهران وهو يغلق مع ابنه في حين أجاب ياسين بهدوء:
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ترك هاتفه، يمسح على وجهه بضيقٍ فقد ظهر له مشوار جديد يجب أن ينفذه قبل أن يقيم والده الحد.
***
مر يوم خرجت به ياسمين من المشفى، وعادت الحياة لطبيعتها ولكن لم يتجرأ أحد على اخبار ياسمين بأن قد تم زواج قطوف بمازن، بينما بقت مرفت تخطط من جديد ولكن تلك المرة ليس سُم عادي بل سيظل جرحًا بالجميع.
**
بغرفة قطوف..
:_ تعبت يا مريم.. دا يوم واحد وحصلي كده واتخنقت ومش قادرة.. فكرة إن مازن يبقى جوزي مش قادرة اتخيله حتى.
قالتها قطوف بصوتٍ مختنق للغاية، في حين حركت مريم رأسها تعلو شفتيها ابتسامة صغيرة، نظرت لها قطوف بغيظٍ تلقي عليها الوسادة قائلة:
_ أنتِ كمان بتبتسمي!
ضحكت مريم عليها بشدة، تردف بجدية بعدما تركت ضحكها:
_ هقولك اصبري.. كنت بقرأ سورة الكهف إمبارح لإنك عارفة كان الجمعة.. المهم وأنا بقرأ دايما بقف عند آية معينة بتقول بسم الله الرحمن الرحيم ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) من سورة الكهف- آية (23-24) اقرأها واسمعك وأنتِ بتقولي أنا مستحيل اتجوز مازن لو آخر راجل بالدنيا مستحيل اتجوزه.. ولا قولتي ان شاء الله ولا قدمتي المشيئة.. وامبارح اتجوزتي الراجل اللي قولتي عليه مستحيل.. أنتِ قولتي وربنا حطك في مشئتة.
صمتت قطوف ولم تستطع الحديث، في حين اكملت مريم حديثها بصوتٍ هادئ:
_ ما تديله فرصة.
نظرت لها في حدة، تتمتم بصوتٍ حاد:
_ بقولك إيه اقفلي السيرة دي خلينا نخلص..
حركت مريم رأسها بنفيٍ، وقبل أن تتحدث ارتفع صوت بالأسفل بين مازن وصوت كرهته قطوف.
نظرت مريم نحو قطوف قائلة:
_ مش دا صوت عمتك؟!
عبست ملامحها قائلة:
_ آه تعالي نشوف ايه اللي جابها.
انطلقت الفتاتان نحو الأسفل ليجدوا مازن يقف بمواجهة والدته يحدثها بغيظٍ، في حين تضع ياسمين يدها على فمها تبكي بقوة، بينما يقف محمد يشعر بعجزٍ لأول مرة يشعر به.
صرخت مرفت بصوتٍ ماكر قائلة:
_ اهي عندك اسأليها.. لو أنا كدابة اختك أكيد مش هتكدب عليكي.
تقدمت قطوف نحو ياسمين، لتلقي شقيقتها بهذه الصخرة:
_ أنتِ اتجوزتي بجد مازن؟!
ازدردت قطوف لعابها، تحاول الحديث ولكن انعقد لسانها، حركت ياسمين رأسها بالنفي تتمتم بصوتٍ متألم:
_ لا قولي حاجة يا قطوف عشان خاطري.. اكدبي عليا بس بلاش تكوني عملتي كده فيا..
هبطت الدموع من عين قطوف، لأول مرة تهبط بنظرها للأسفل بخزى، في حين نطقت ياسمين بصوتٍ صارخ يستمع لها الجميع، الجميع يتعلق نظراته بها:
_ لـــــــيه تعملي فيا كده.. ليه توجعني زي ما كل بيعمل… أنا استحمل أي وجع إلا انك أنتِ توجعيني يا قطوق.. فاكرة من يومين قولتلي ايه قولتلي اني بنتك واختك.. ليه دلوقتي بتوجعي بنتك واختك.. دلوقتي موجوعة منك أوي يا قطوف.
انهت كلماتها وكان بمثابة أشارة لتعب محمد، أسرع مازن نحو محمد قائلًا:
_ خالي أنتِ كويس؟!
:_ حـ..حقنة.
قالها بتعب بات ظاهرًا عليه، في حين اسرعت قطوف تحضر هذا الحقنة الصغيرة، عادت تعطيها لمازن الذي قام باعطائها له، بينما وقفت ياسمين تحرك رأسها بنفي تردد بصوتٍ متألم:
_ لاء بابا لاء..
عادت قطوف لها، تعلم أنها بحالة يرثى لها، كادت أن تضمها ولكن ابعدتها ياسمين قائلة بصراخ:
_ ابعدي عني!
حاولت أن تتحدث ولكن هدر مازن بصوتٍ عالي:
_ جهزي العربية خالي اغمى عليه ومش بينطق.
فاقت الفتاتان على هذا الصوت وانطلقت قطوف تعد السيارة في حين حمل مازن خاله وانطلق نحو السيارة، وما أن وضعه حتى انطلقت السيارة نحو المشفى.
**
بالمشفى…
توتر.. قلق.. خوف يسيطر على الجميع، مازن.. قطوف.. ياسمين.. مريم.. فقط يقفون لا يوجد سواهم، اختفت مرفت من المنزل بعد هذا الحادث، وما فعلته من شجار بين الأختان أمام عين محمد، لا تفكر سوى بـ هاتان اللتان تعشقهما… ها هما يتقتلان الآن.
خرج الطبيب يردف بكلمة واحدة وهي:
_ البقاء لله.
اتسعت عين ياسين الذي أتى فجأة على المشفى، بعدما علم من الناس بانتقال محمد للمشفى، يردف بصوتٍ يحمل صدمة:
_ عمي مات!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)