روايات

رواية ما بين الألف والدال الفصل الأول 1 بقلم ملك منصور

رواية ما بين الألف والدال الفصل الأول 1 بقلم ملك منصور

رواية ما بين الألف والدال الجزء الأول

رواية ما بين الألف والدال البارت الأول

رواية ما بين الألف والدال الحلقة الأولى

_ إنت فين؟
بتأفف: في الشغل يا داليا ما أنا قولتلك.
_ ماشي، أنا بكلمك عشان أقولك إني نازله.
– ما إنتِ بعتيلي ماسدج على الواتساب وشوفتها، انزلي خلاص.
أغلقت معه، لا أنكر أن كلماته آلمتني، وغضبه الغير مُبرر يحزنني، نفضت تلك الأفكار من رأسي قبل أن تتسلل إليه وتسيطر عليّ مُعلله أنه يُعاني من ضغوطات في عمله وبيته لذلك تخرج كلماته مقتضبة،
ترجلت إلى الخارج أستعد لمقابلة عمل جديدة، كان يوم هادئ، مرت المقابلة بسلام وأنا واثقة أنه سيصلني بريد يُعلن عن بدئي للعمل في خلال هذا الأسبوع، لم أناقش معه تفاصيلها كعادتي اكتفيت بإخباره أنها كانت مقابلة جيدة إضافة للمعلومة التي أخبرته بها مساءًا أنه بنك جيد واحتفظت باسمه لنفسي، تغيرت كثيرًا، من حبي لمشاركته تفاصيلي إلى الإكتفاء بالمهم فقط،
كان يُعرض على رأسي مواقفنا أثناء سير الأتوبيس، بدأت أتلمس انطفائه وجهي، “نادين” تخبرني أنها روحي المُنهكة ليس وجهي من رسم عليه الإجهاد، بل قلبي مُنهك، أُكذبها كل مرة مدعيه أن حديثها هراء، وأُبعد عنك كل التهم متبنياها أنا.
….
_ بس البنك ده أحسن بكتير من القديم، كويس إننا خدنا الخطوة ومشينا من التاني.
بمزاح:
– كويس إننا اتقبلنا مع بعض يا نودي.
…..
_ خالتو حبيبتي، عامله إيه.
– كل ده تأخير.
نظرت لها بحماس هامسه وأنا اغمز بعيني: عملتي زي ما قولتلك؟
_ أهو بقاله ساعه بيجيب عيش اخلصي، شوية وهيجي.
لم يكن يومًا عاديًا، بل يوم مولده!
أحضرت له الساعة الذي يريدها منذ فترة معها خاتم دبلة جديد حتى يُبدل بينه وبين القديم، جلست انتظره أنا وخالتي، حتى استمعت لصوت خطواته تقترب من الباب، نهضت مسرعه أقف ورائه وتزامنًا مع دخوله خرجت أمامه فجأه، انتفض مكانه بخفه، ضحكت بمرح كان قد هجرني منذ فترة، اخرجت هديته مع غنائي أنا وخالتي وأخته أغاني عيد الميلاد، كانت ابتسامته الفرِحة كفيلة لإزالة أي آثار حزن داخلي، ضحكته أزهرت ثناياي مُعلنه عن وصول الربيع مودعه لفصل شتاء بارد،
“أو هذا ما ظننته”
كان يوم جميل، ملىء بالسلام كما أحب، مرّ شهر على بدايتي في البنك الجديد، أخبرته اسمه بعد عملي بأسبوعين، انتظرت سؤاله ولكنه لم يأتي، بالطبع لإنشغاله ظن أنني أخبرته وإلا لِمَ لن يسأل؟
…..
_ مالك يا داليا مش على بعضك طول اليوم ليه؟
– بعت لأدهم من الصبح والماسدج وصلت ومردش لحد دلوقتي، بيبعتلي كل يوم قبل ما ينزل يعرفني انهارده مبعتش، بكلمه دلوقتي بيديني مغلق.
_ اتلاقيه في الشغل ومفيش شبكة متقلقيش.
– يا نادين هو عارف إن ده وقت البريك بتاعي، وبعدين شغله في شبكة عادي، أنا قلقانه لحسن يكون جراله حاجه.
_ استهدي بالله بس وبطلي القلق اللي جواكِ ده، اتلاقيه في الموقع ومفيش شبكة، ما أنتِ عارفه شغل المهندسين مش سهل.
حسنًا، أعترف ربما حديث نادين صحيح، أو يمكن صحيح بالفعل، ولكن ماذا أفعل ليس بيدي! أقلق عليه كأم تخاف على ابنها، أخاف على أحبتي بدون رغبة مني وأفشل في تقليل ذلك.
انتهى اليوم ولم يرى الرسالة، سارعت بالاتصال به ولازال صوت تلك الفتاة اللعينة يتردد ليعلن أن الهاتف مغلق، استمررت في الإتصال حتى وصلت إلى البيت ولازال الهاتف مغلق!
تبًا لحديثك يا نادين بالتأكيد أصابه مكروه!
اسرعت إلى غرفتي بتوتر، لم أبدل ملابسي واستمريت ربع ساعة أخرى في الإتصال ولازال بلا رد، تركت الهاتف دقيقتين اُهدأ فيها نفسي وأنه بالتأكيد بخير، قطع وصلة أفكاري المعتادة وقت القلق، صوت رسالة تُعلن عن أن الهاتف فُتح،
التقطته مسرعه وأخذت في الإتصال، يرن، أول مرة لا شيء، ثاني مرة لا شيء، لاشيء وصولًا للرنة الثامنة حتى آتاني صوته من الجانب الآخر، تهللت اساريري وكنت على وشك الحديث، قطعني صوته من الجانب الآخر غاضبًا.
_ إيــه يا داليا إيــه، حطيتي إيدك على رقمي مشيلتهاش في إيه يبنتي كل دي إتصالات مش عارف أشوف شغلي!
فُزعت من صوت صياحه، امتلأت عيني بالدمع، ابتلعت الغصة في حلقي مجيبه بتقطع:
– أنا بس… كنت عايزه اطمن عليك.
أجاب بنفس غضبه:
_ هكون فين يعني ما إنتِ عارفه إني في الشغل، سلام يا داليا روحي شوفي بتعملي إيه وياريت متتصليش تاني عشان حقيقي مش فاضي للكبام ده.
أغلق الهاتف غير منتظرًا ردي، لم أعي بإنسياب الدموع من عيني لم أعي سوى بألم قلبي الذي شعرت بنغزته، أصابتني الخيبة وبشدة، هوَنت عليّ بأنه بخير، يكفيني أنه لم يُصبه مكروه!
تجاهلت بقدر استطاعتي تلك الأفكار التي هاجمت رأسي بضراوه وتلك النغزة التي سيطرت على قلبي، جلست على السرير واحتضنت نفسي في وضع الجنين، تنهمر دموعي بدون إرادة مني، يعلم جيدًا أني لا أحب أن يصرخ أحدهم بي، وخاصةً إن كان هو، وعلى أتم المعرفة من قلقي الذي زاد مؤخرًا لتغيره المفاجئ الذي أحدثه عنه ولا يراه، ولكن لا بأس إنه يعاني من ضغوطات في عمله، وقد أقترب موعد الزفاف أيضًا، بالطبع إنه متوتر ويحمل عبأ إن لم يستطع أن يتم التجهيزات قبل وقت الزفاف، بالتأكيد يعاني من كل ذلك وأنا أضغط عليه باتصالاتي المستمرة، نعم لقد وترته،
هكذا كنت أهون على نفسي محاولة لتقليل تلك النغزة التي لم تتوقف طوال ساعة!
يقطعني عقلي قائلًا، كان بإمكانه أن يُجب على رسالة الواتساب ويعلم أنك ستتوقفي عن الإتصال، أو حتى كان بإمكانه ألا يصرخ، فأنتِ لم تفعلي شيء سوى أنكِ قلقتِ!
لم تفعلي سوى دوركِ في حياته!
لا، اوقفت بها عقلي صائحه، لا، لقد ضغطت عليه بالتأكيد يُعاني وأنا هكذا أُزيد معاناته،
بقيت على حالتي ذاتها في غرفتي، لم أخرج سوى لتناول الغداء مع وجه البسمة المرحة الذي ارتديه أمامهم.
مرّ اليوم هكذا، يحمل معه ثقل قلبي، نهضت صباحًا وأنا أكافح بألا أرسل له رسالة أطمئن بها عليه، لم يحدثني بعدما عاد من عمله، ولم يكتفي حتى برسالة، استمعت لصوت خطواته يصعد للأعلي، جلست في شرفة غرفتي أعلم أنه سيخرج الى شرفته بعد تبديل، أردت فقط أن أستمع لصوته، أطمئن به قلبي، كان يتحدث مع أحدهم ويضحك، لم أحدد هوية المتصل ولكن يكفيني صوت ضحكاته، كانت كافيه لأحظى ببضع ساعات نوم،
توجهت الى العمل، مرّ اليوم بصمت قاتل، لم يراسلني، أو حتى يُهاتفني، لم يبالي إذا كنت ذهبت للعمل أم لا، لا لا بالطبع يبالي ولكنه فقط منشغل، عدت إلى المنزل وأنا أشعر بثقل الدنيا على قلبي، فقط مكالمة، لم أطمح بالكثير، تأثيرها كبير وضررها أكبر، أمضيت اليوم هكذا انظر للهاتف أنتظر أن يُعلن عن رسالته أو مكالمته، انتظرته في الشرفة مجددًا، كان يُحادث ذات شخص أمس ويضحك، رجحت أنه صديقه “عمر” وإلا من سيكون؟
نهضت في اليوم التالي وقد قررت أن أنهي الخصام، لقد غضب وبشدة ولا يهون عليّ حزنه، أحضرت معي الشيكولاتة المفضلة له، وصعدت مع أمي لخالتي فما أفضل عندهم من أن يجتمعا عشر مرات في الأسبوع؟
جلست بثياب عملي الرسمية انتظره، صادفت أثناء مروري أمام المرآه هالات لم ألحظها صباحًا، لقد زالت مساحيق التجميل المعتاده الذي أضعها عن ظهر قلب، أبدو مرهقه!
لم أفهم السبب، فهذه من مشاكلنا المعتاده عليّ، الجديد أنها فقط زادت مؤخرًا لسببٍ أجهله، اتخذت مكاني المعتاد وراء الباب ومع صوت تكة مفتاحة قفزت أمامه ببسمتي المرحة التي لا أعلم أين اوجدتها، قابلني وجهه المقتضب الذي أفصح عن شبح ابتسامه مجامله، لم أبالي وانتظرت برهه حتى فتح باب غرفته وترجلت خلفه.
_ اممم، يومين مبنتكلمش وكمان بتقابلني بوش خمسه في سته لا ده شكله موضوع كبير.
نظر لي بحزم وأعين غاضبه، صائحًا بهدوء:
– داليا، قولتلك مئة مرة لما أبقى في الشغل مترنيش كتير عشان ببقى مش فاضي، آخر مرة أكلمك في الموضوع ده، سامعاني؟
نظرت له بإبتسامه حانيه تُخفي حقيقة البراكين داخلي، براكين الألم التي ستنفجر في أية لحظة، ضغطت على يدي مانعة دموعي من الفرار أمامه ولكن بالتأكيد قد لمعت بها عيني، مسحتها بسرعة أثناء تقليبه لوجهه، مددت يدي نحوه:
_ شوفت جبتلك إيه؟
الشيكولاتة اللي بتحبها، يلا هيص يعم.
أفصح عن شبح ابتسامه أخيرًا بعد دقائق من نظراته التي تحرقني مكاني مسببه رجفه بقلبي،
قطعنا رنين هاتفه، نظرت له مازحه:
_ إلحق معجبينك بيتصلوا، مقدروش يسيبوك دقيقتين بعد الشغل.
ضحكت مع التقاطه لهاتفه، ظهرت ملامح اقتضاب على وجهه مع إغلاقه لصوت الرنين وإعادة الابتسام لي، لا أعلم لِمَ ولكن أصابت رهبة قلبي،
نظرت له باسمه:
_ مردتش ليه، مين اللي بيتصل.
قلب نظراته في الغرفة فشعرت بتوتره، أحفظ حركاته وأفهم همساته خير المعرفة.
– دي…ده نور صحبي عادي مش حاجه مهمه، تعالي نشوفهم بيعملوا إيه برا.
نور! صديقه من المُدعى بـنور؟
لا يملك صديقًا بهذا الاسم، أم!
أم يقصد صديقته المقربة نور؟
ماذا! بالطبع لا، لقد تحدثنا في ذلك مئات المرات وأخبرته أني لا أحب ذلك القرب في علاقتهم ولا أحب حديثه الكثير معها وخاصة في الهاتف وهذا الوقت، لِمَ تُحدثه؟ والآن!
ولِمَ لن يخبرني أنه عاد يحدثها؟
شعرت بخطبٍ ما، بوجود شيء وقلبي لا يكذب الأحاسيس،
تبًا لأحاسيس التي تجعلني أتألم بتأكيد الواقع لها…
انتهى خصامنا بالطريقة المعتاده، لم ينبث عقلي أن جلست على سريري وهجم عليّ، كم أكره التفكير المفرط، لِمَ بادرتِ بالمصالحة؟ أنتِ لم تخطئي!
لِمَ تقومين بالدور الذي لا يجب عليكِ القيام به!
تمسكين زمام إنهاء الخصام وتتبنين الخطأ حتى لو لم تكوني عليه، انتهى خصامنا ولكن لم تنتهِ النغزة في قلبي، ظلت تلازمني، لم أشعر بالفرح لإنتهائه، بل شعرت بالغصة، الدموع المنحبسه تحرق عيني، كنت أنظر له مخبره له بعيني إني حزينه، ربت على قلبي، أمسح دمع عيني، أخبرني أنك لا تقصد، أي شيء!
ولكن حديثه كان كالمطرقة ضربت رأسي مسببه لي صداع دام طوال الليل،
توجهت للشرفة، كنت أشعر بأنه داخل خاصته، لِحظنا الرائع أن غرفنا تقع فوق بعضها، أستمع لخطواته، ضحكاته، وسكونه، سمعته يضحك مُحدثًا ذات الشخص المجهول، أصابت رعشة قلبي، لا أعرف مصدرها ولكن هناك قلق خفي تسرب إلى داخلي، لم أستطع تلك المرة أن اوقفه أمام الباب مثلما أفعل مع عقلي، فإن كنت أقدر على ذلك المتحجر، لا أقوى على ذلك الناعم.
مرت الليلة بثقل أصبح جزء مني، لم أفهم سببها ونحن قد تصافينا أو ادعي عدم الفهم، ترددت في اليوم التالي بأن أراسله في بداية اليوم، بقيت طوال الطريق اتأمل صورته على تطبيق الواتساب أصارع داخلي بأن أرسل أم لا، وكالعادة هرست عقلي مستمعه لقلبي وراسلته مُخبره إياه أنني قد خرجت، أغلقت بيانات الهاتف مُسرعة، أخاف رده!
أخافه وقت غضبه، وخشيت أن أكون قد آثرته بدون قصد، فعندما ينظر لي نظرته الحارقة، تهتز أوصالي، وأهتز أكثر وأنا ادعي الثبات، ويُكمل ذلك بصياحه الذي ينفض قلبي، أخبرته مرات عدة أنني لا أحب أن يصيح أحدهم بي، أردت أن أخبره بصريح العباره لا أحب أن تصيح أنت بي، إنك تُخيفني!
ولكن احتفظت بها لنفسي مرتديه قناع الثبات الذي أصبح هوايتي المفضلة،
لم يُهاتفني، فتحت بيانات الهاتف في نهاية اليوم، وجدت رسالة منه يخبرني أنه ذهب لعمله وألا ازعجه بإتصالاتي، على قدر صغر الرسالة وقلة كلماتها إلا أنها كانت كالأحجرة فوق قلبي، لمعت عيني بالدموع وأنا اتأمل الطريق أثناء عودتي، لم أجبه، اكتفيت بالتعليق على الرسالة بقلب حتى لا ازعجه!
لم أعد اشاركه تفاصيل يومي كما اعتدت وازداد الأمر منذ بدأت بذلك البنك، أي منذ شهر حتى آخر خلاف دار بيننا، لا أعرف متى أصبحت هكذا، أو متى أصبحنا هكذا! بعدما كنت أحكي له منذ فتحي لعيني حتى غلقها إلى أنني أصبحت اكتفي برسالة في اليوم، لم يكن كثير الإهتمام، أعلم ذلك من البداية، فهو ليس بالغريب عليّ بل المعنى الحرفي لحب حياتي، ابن خالتي من أحببته منذ الأزل، تصادقنا بشدة، كانت علاقتنا دائمًا صداقة تحمل الحب بين طياتها وصولًا إلى لحظتنا تلك التي يُزين فيها خاتمه إصبعي، كنت على يقين أنني سأغيرك يا “أدهم” أنني من سأبث الحماس بداخلك، وأزهر ربيعك راسمه ابتسامه عذبة على ثغرك الجميل، لم أكن أعلم أنني من سأنطفأ في الطريق، سأهلك وأُنهك، لم أضعني في الحسبة!
رسمتك أنت في الأساس وبنيت الباقي على أساسك متجاهلة أساسي الذي سيُمدني بالقوة لبناء أساس جديد،
تمر الأيام على ذات الوتيرة، مع نغزة تلازمني، وضحكاته المتعالية في الشرفة مساءًا مع ذلك المجهول، أستمر في اهتمامي الذي لا أقدر أن أقلله، ليس بيدي، هذا شيء فطري داخلي، استيقظ فأرسل له رسالة صباحية، أخبره أنني تحركت، اشاركه ما أفعل في يومي مع محاوله مني لتقليل التفاصيل حتى لا أزعجه، أحاول ألا اغرقه بإهتمامي حتى لا يغضب ولكن لا أقدر، قليلي بالنسبة له كثير وقليله بالنسبة لي أغلى ما أحصل عليه، لم نعد نتهاتف كثيرًا، لولا مُراسلتي المستمرة لما تحدثنا، تهاتفنا هذا الأسبوع عدة مرات جمعهم ساعة، ساعة في الأسبوع أستمع فيها لصوتك وأهون على نفسي الباقي بالاستماع لقهقهاتك المتعالية من شرفتك، أشعر بإنسياب الأيام من بين أيدينا وإضاعتنا لأيامٍ لن تتكرر، نستنزف أوقاتنا معًا بعيدين كل البعد عن معًا، أشعر بالتيه يتخلل بيننا والوقت يُسلب، وقت لا يوجد من لم يتفق أنه أجمل سنين حياته، ولكن كعادتي أسير عكس الجميع، ولا أشعر سوى بألم قلبي الذي تخدر من شدته…
أسبوع وراء الآخر على ذات الوتيرة حتى أتممت في البنك الجديد ما يُقارب من شهر وثلاثة أسابيع، ثلاثة أسابيع لا نتقابل رغم قلة المسافة بين بيوتنا، من كانت تهون عليّ عزيزتي “نادين” صديقتي الرائعة، تُصلح بدون قصدها ما أفسده آخرين، واليوم عيد ميلادها، كنت أود مفاجئتها وأخذها للتسكع في الخارج كأيام ثانويتنا وجامعتنا، كأيامنا قبل أن نُخطب، ولكن تركت الساحة لخطيبها “محمد” تلك المرة، فكنت على يقين أنه لن يتركها اليوم، كم يحبها وكم هي مُتيمة به، فقررت أن اجولها قليلًا بعد العمل ولكن للمفاجأه:
_ هتاخديني فين يا داليا، هدوئك ده بيخوفني، مش واخدة على العقل ده.
بمرح:
– يبنتي ثقي فيا بس ومتقلقيش، إنتِ في إيد أمينة.
بسخرية:
_ طبعًا.
نظرت بدهشة من بعيد، شاب مُهندم يشع ضوء ابتسامته من بعيد، ابتسمت بدهشة قائله بعفوية:
– إيه ده، مش ده محمد؟!
إلتفتت لمكان إشارتي، وانطلقت مبتسمه، لو كان للفرحة مشهد خاص فهو فرحة “نادين” برؤيتها لـ “محمد” لا أنكر، كنت أعلم أنه سيفاجئها ولكن لم أعلم أنه يسيأتي مكان عملها مخصوص، بادلته السلام وأخذتها بين أحضاني مودعه إياها، كم أنت لطيف يا “محمد” وكم أن مفاجائتك لا تنقص من لطفك، كان مشهدهم يُعرض على رأسي طوال الطريق متناسيه أي ثقل يرهق قلبي، ولحظي أنا و”نادين” أن عيد ميلادنا يقع في نفس الشهر، هي في بدايته وأنا في نهايته، تفصل بيننا بعض الأيام لتضفي لصداقتنا معنى آخر، ابتسمت براحة قد إشتقت لها، عدت للمنزل ذاهبة لغرفتي كالعادة، أرسلت له راسلة أخبره بوصولي الذي لم يسأل عنه، فاجئني صوته من الشرفة، تفاجئت، هذا ليس معاد عودته، لم يخبرني بوصوله، كنت على وشك أن اعاتبه ولكن توقف إصبعي عن الإرسال في آخر لحظة، بالطبع انشغل، لا داعي أن افتعل مشكلة من اللاشيء ولم يمضي على خلافنا السابق سوى أسبوعين، تجاهلت ذلك وبدلت ملابسي، أرسلت له رسائل أحدثه فيها عن بعض التفاصيل التافهه من وجهه نظرة التي حدثت معي اليوم، كم أن سائق الحافلة كان متهور في طريقة قيادته، وماذا حدث مع العميل الءي استفز زميلي “أحمد” في العمل، تفاصيل أحب مشاركته بها ولكنه منشغل فتغاضيت عن إدخاله في تفاصيل نقاش “أحمد” مع العميل واكتفيت قول أن نشب خلاف بينهما، استغرق مدة في الإجابة رغم أنه كان متصل، نفضت الفكرة من عقلي ورجحت أنه ربما يُجري بعض أعماله، انشغلت مع إحدى الكتب التي تراكم عليه بعض حبيبات التراب معلنًا عن هجري له لما يقرب من شهر، عيني تقرأ وعقلي مع صوت إشعار الهاتف الذي لم يرن، أخرجني من شرودي صوت قهقاته التي ترافقه في الشرفة لما يقارب شهر، خرجت إليها، لا أعلم من هذا المجهول الذي يفضل محادثته كل يوم في ذات الوقت على محادثتي لبعض دقائق، كان هجوم جديد من عقلي وتلك المرة فشلت في الدفاع، فها نحن ندافع قرابة شهر بدون زاد يساعدنا لإكمال مهمتنا، قررت الإتصال به، لم يفعل هو ما الضير إن فعلت أنا هل سنعد على نفسنا الخطوات؟
هاتفته وأعطاني منشغل، عاودت الإتصال مرة أخرى متعهده أنها الأخيرة حتى لا أثيره بدون سبب، أجابني قبل إنتهاء الرنة متذمرًا:
_ إيه يا داليا، في حاجه ولا إيه؟
– لأ مفيش، قولت أسأل عليك واشوفك عامل إيه.
_ مفيش أومال نازله رن رن ليه، مش بيديكي مشغول، أنا يا ستي الحمدلله إنتِ عامله إيه؟
– الحمدلله.
_ طب أنا هقفل عشان معايا مكالمة مهمه، لما أخلص هبقى أبعتلك على الواتساب، سلام.
أغلق مسرعًا غير منتظر رد، لِمَ غضب!
لم أحدثه في العمل، لِمَ الإقتضاب!
ترجلت للشرفة أنفخ الهواء منفثه عن بعض ضيق صدري، تصلبت عند سماعي لجملته التي هزت أوصالي!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين الألف والدال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى