روايات

رواية وسام الفؤاد الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الجزء التاسع والعشرون

رواية وسام الفؤاد البارت التاسع والعشرون

رواية وسام الفؤاد الحلقة التاسعة والعشرون

“حاجه لله يا أبله… حاجه لله”
كان صوت السيده خشنًا بعض الشيء مما ضغط زر الريب بداخلهن، نظرن لبعضهن لوهلة، عادت هبه للخلف فقد أصيبت بفوبيا من المنتقبات، وبينما تبحث سديل في حقيبتها عن أموال لتعطيها إليها، جحظت عيني رحيل حين لاحظت ذلك الخنجـ.ر الذي تواريه السيدة وإن كانت سيدة من الأساس! وعلى الفور قبل أن تمد السيدة يدها ركلـ.تها رحيل بمنتصف بطنها فسقط الخنـ.جر أر
انحنت السيدة وأخذته مرة أخرى، فركلتها رحيل بمنتصف ظهرها فانكبت على وجهها، نهضت السيدة في سرعة وحاولت ضـ.رب رحيل فتفادت رحيل ضـ.رباتها ولكلمتها عدة مرات بوجهها، وفي أخر مرة لوت ذراع السيدة خلف ظهرها وركلتها مرة أخرى بباطن رجلها فجثت السيدة على ركبتيها، كانتا سديل وهبه يشاهدان ما يحدث وتنطلق منهما شهقات وصرخات أثر ما يجري.
ووصل محمود إلى المكان ليشاهد أخر لقطة لرحيل وركض نحوهن بلهفة، انحنت رحيل مع هبه وسديل يمسكن بها وهي تحاول التملص من قبضتهن، وسحبت هبه الغطاء عن وجهها، فظهر وجه رجل ذا لحية وشارب، اتسعت حدقتي هبه وخرجت الكلمات مرتعشة من حلقها الجاف وهي تشير نحوه قائلة:
“هو ده… هو إلي اتهـ.جم عليا قبل كده يا محمود”
انحنى محمود وجذب الرجل بعـ.ف لينهض واقفًا، في هذه اللحظة تكبكب الناس وأمسكوا به وهاتف محمود الشرطة.
ظل محمود يُطالعه بنظراتٍ حادة يتذكر ما فعله في السابق وما كاد أن يفعله اليوم، دنا منه وأمسكه من تلابيبه ناظرًا لبؤبؤ عينيه وهدر به:
-بتتهـ.جم على ستات وعاملي فيها دكر!
ابتعد محمود واستدار للإتجاه الأخر لبرهة ثم عاد ينظر إليه صائحًا:
– وديني وما أعبد لأوريك وأعرفك ازاي تعمل كده!
وقفت رحيل جوار هبه تربت على ظهرها وتطمئنها، كان الرجل أشبه بثور هائج يصرخ ويتلوى ليتملص من قبضة الناس صارخًا:
-دي قتـ.لت إبني واحنا صعايده مبنسيبش طارنا…
دنا منه محمود مجددًا وقال بنبرة حادة:
-فيه حاجه اسمها قانون احنا مش في غابه يا بني أدم!
أطرق الرجل رأسه أرضًا وقال بنبرة حزينة:
-ابني الي مكنش حيلتي غيره مـ.ات بسببها… هي إلي كتبتله حقنه غلط ومـ.ات منها
قال جملته الأخيرة وهو يرمقها بنظرات حادة وما أن التقت عيناه بعين محمود الغاضبة عاود طأطأة رأسه مجددًا.
دقائق مرت في شد وجذب بينهما حتى وصلت الشرطة واعتقلوا الرجل، دنا محمود من أخته ليطمئن عليها وأمرها أن تركب سيارته مع سديل، نظر لرحيل مبتسمًا ومال ناحية أذنها قائلًا:
-عاش يا بطل تستحقي تكوني زوجة ظابط
تحاشت رحيل النظر إليه وحاولت اخفاء ابتسامتها لكنها خانتها ولاحت على شفتيها، تلعثمت فلم تعرف بمَ تُعقب! قالت:
-مـ… ماشي… الله يعزك
ضحك بخفوت وظل أثر الضحكة على شفتيه المنفرجة وهو يقبض على يدها ثم يسحبها نحو سيارته قائلًا بمرح:
-معلش بقا مكتوبلك تروحي القسم في ليلة العيد يا حياتي… هنخلص شويه حاجات وبعدين هوصلكم للبيت
أومأت رأسها ونظرت ليده التي تضم كفها الصغير وكأنه يخبرها أنه أمانها بل كأنه يحتويها بكل همومها،كانت تسير جواره كطفلةٍ مطيعة، أخذت ترمقه بنظرة جانبية مع ابتسامة زاهية، ثم رفعت رأسها في خُيلاء كأنها تتباهى به أمام الجميع، تريد أن تصيح بأعلى صوتها:” إنه خاصتي، هو زوجي ولي أنا وحدي”
استغفر الله وأتوب إليه 🌹
______________________________
كان الجد قد سافر لأداء مناسك الحج ومعه أبنائه زيد وهشام، تم الانتهاء من تنظيف البيت للعيد ولم يتبقى غير غرفة وهيبة تلك التي تعتبر مسكن للفئران، وتولى مهمة التنظيف فؤاد مع والدته…
“يا ليلة العيد أنستينا وجددتي الأمل…”
قالها فؤاد وهو يبحث عن مزيد من الفئران في فراغ أسفل السرير، فقاطعته والدته:
“يلا يا فؤاد أصل لو ستك شافتنا هتقلبها مناحه”
قالتها والدته بتوجس وهي تُطالع الباب بين حين وأخر بقلق وفؤاد يضع الفئران المـ.يته في حقيبة سوداء، فقد وضعت لهم شاهيناز سمًا ومن الواضح أنهم تناولوه وانتهى الأمر، أردفت والدته بضجر:
“دي بتنسى كل حاجه إلا زيكو… مهما تاهت متنساش زيكو أبدًا”
قهقه فؤاد ضاحكًا وقال:
“وأدينا خلصنا على زيكو وعيلته الله يرحمهم مش هيقضوا معانا العيد ده”
قالت والدته من خلف ضحكاتها:
“والله يا بني هدومها كلها متاكله وهي كده في غاية السعادة والرضا… أنا أول مره أشوف حد كده”
نهض فؤاد واقفًا وقال:
“ما إنتِ عارفه يا ماما تيته وهيبه بتتعالج نفسيًا بقالها فتره طويله… دا كويس أوي إنها بتيجي في الفئران ومعدتش بتشوف التهيؤات التانيه”
أرسلت والدته تنهيدة طويلة وقالت:
” ربنا يشفي كل مريض دا العقل نعمه والله”
نظر فؤاد بالحقيبة وقالت بتقزز:
“كدا معانا حوالي ١٠ فئران تفتكري لسه فيه تاني!”
“والله ما أنا عارفه بص كده تحت السرير كويس”
انحنى فؤاد يُطالع الفراغ أسفل السرير بتركيز شديد، ثم نهض قائلًا:
“الظاهر إن معدش حاجه يا ماما”
والدته:
“طيب يلا بسرعه نرجع كل حاجه زي ما هي قبل ما تطب علينا”
فؤاد:
“متقلقيش يا ماما وسام قاعده معاها”
**************
من ناحية أخرى حاولت وسام تسلية وهيبة بأي شيء كي لا تدخل غرفتها، مرة تحكي لها قصص عن الفئران ومرة عن الدببه وأخرى عن الأسماك وانتهت بقصة البطريق، ثم أخذت تغني لها.
” قومي بقا وريني البطريق بيرقص ازاي وإلا هقوم أنام”
قالتها وهيبة بحمـ.اس وهي تبتسم بشغف، تنحنحت وسام وقالت:
-ما احنا كنا بنغني أغنية العيد أسهل يا تيته
طالعتها وهيبة بازدراء وقالت:
-صوتك وحش صدعتيني
ضحكت وسام بصخب وقالت:
-ورقصي بقا أوحش من صوتي
نفخت وهيبه بحنق وقالت:
-هتقومي ترقصي ولا أدخل أنام!!
التفتت وسام حولها تتمنى أن يخرج فؤاد وخالتها الآن فقد سئمت من الحديث مع تلك العجوز، قالت وسام:
“حـ… حاضر اصبري أفتكر الرقصه”
نهضت وسام والتفتت حولها مجددًا ثم أخذت تُلحن:
“تيرارت تيرارات تيراراتت تاره تات ترات ترارات تات تا”
قالتها وهي تحرك قدمها اليمين تليها اليسار على الجانبين مرتين بالتبادل ثم قفزت للخلف مرة وللأمام ثلاثة وأخذت تكرر وكلما توقفت قالت وهيبة بابتسامة:
” كملي ما إنتِ بترقصي حلو أهوه”
ابتسمت وسام وأخذت تكرر الرقصة عدة مرات حتى ازدادت خفقات قلبها وبدأت تلهث، نهضت وهيبة وقالت بأمر لا يقبل النقاش:
“يلا خديني للأوضه رقص… هنعملوها مع بعض لحد سريري”
نظرت وسام لباب البيت وقالت بارتباك:
“لـ. ليه يا تيته خلينا قاعدين مع بعض شويه كمان”
وهيبه بنزق:
“لأ… يلا…”
أخذت وهيبه تلحن وهي تقفز ببطئ ووسام تُحاول تنبيه من في الداخل بقدومها ملحنةً بصوت مرتفع وهي تقفز السلم جوار وهيبة كالآرانب وليس البطاريق.
سمع فؤاد صوتهما فخرج من الغرفة مسرعًا بيده الحقيبة السوداء وتبعته والدته دون أن تراهما تلك العجوز، وحين رآى وسام تقفز هكذا انفـ.جر ضاحكًا وهو يردد:
“لا حول ولا قوة إلا بالله هما بيعملوا ايه ده!”
قالت والدته من خلف ضحكاتها:
“مش مهم دلوقتي المهم روح ارمي زيكو وعيلته وخلصنا منهم وأنا هروح أشوفهم بيتنططوا كده ليه”
سبحان الله وبحمده 🌹
_______________________
“متأكده إن جوزك مش هيجي ولا زي المره إلي فاتت”
“والله متأكده متقلقش يا حبيبي”
نظر أسامه لباب الغرفة المفتوح وسألها بهمس:
“ابنك هنا ولا ايه؟!”
جلست جواره قائلة ببرود:
“لأ اطمن خليته يروح يزور أهله وهيبات هناك”
ابتسم أسامه وطوق كتفيها يده قائلًا:
“فل الفل تمام يا سيمو”
***********
بعدما أنهت حبيبه المكالمة انتظرت دقيقة كانت تُحدق بنقطة وهمية في الفراغ بتركيز ثم أخرجت مفتاح من حاويتها وطالعته لبرهة، ذاك مفتاح المنزل الذي أعطته لها «حنان» حينما كانت على قيد الحياة، جال في بالها خطة شيطانية ضيقت جفونها وابتسمت وهي تهز رأسها بخبث.
طرقت الكثير من المنازل تطلب من الرجال المساعدة قائلة:
“فيه حرامي في بيت عمي سليمان… ساعدوني”
ثم طلبت المساعدة من أخو سليمان وأخر الأمر من يوسف الذي هرول خلفها وتبعته فرح التي شعرت أنه أسامه! وقف بعض الرجال بالخارج للقبض عليه إن حاول الهرب.
فتحت حبيبة باب البيت بهدوء متسللة على أطراف أصابعها وهي تتبع أثر يوسف وأخو سليمان وثلاث رجال أخرين ووقفت فرح جوار صفاء خارج الشقة.
يوسف بهمس: هي مرات عمي مش هنا ولا إيه؟!
أخو سليمان:
-مش عارف
وبينما الرجال يتفقدون البيت ابتسمت حبيبة بخبث وهي تقترب من غرفة النوم الشبه مفتوحة، ودفعت بابها ثم صرخت بصدمة زائفة فقد كانت على أتم استعداد لترى مشهدًا كهذا، وركض الرجال أثر صرختها، قالت حبيبة متظاهرة بالصدمة:
-مش معقول! بتخوني جوزك؟! ومع مين؟! مع ده…
قالت جملتها وهي تشير نحو أسامة بازدراء.
من ناحية أخرى لم يكن المشهد فاضحًا ولكن ساميه كانت ترتدي ثيابًا، عفوًا لا يُقال عنها ثياب بل رقعة قماش خفيفة تُظهر معظم جسدها، بادرت سامية بستر جسدها وهب أسامه واقفًا يزدرد لعابه بخزي وفزع وهو يُعدل ملابسه، باغته يوسف بجذبه من ملابسه لخارج الغرفة بعـ.نف ثم أغلق الباب على ساميه التي جلست أرضًا تتدثر بغطاء الفراش وتلطم خدها بهلعٍ وحسرة.
أمطره يوسف بوابل من اللكمات وانهال يضـ.ربه بغيظ وأسامه لا يقوى على رفع عينيه! بل أخذ يبكي كطفلٍ صغير وهو يردد:
“معملتش حاجه… أنا معملتش حاجه والله… والله ما عملت حاجه”
تركه يوسف وابتعد عنه لاهثًا، قال:
-حقير… دي من سن أمك ياد!
أخذ أسامه يبرر كاذبًا:
-هي السبب والله… هي السبب
كانت حبيبه تقف جوار فرح وصفاء أمام باب الشقة تحدج أسامه بنظرات خبيثة، وتتمنى أن يكتمل المشهد بحضور سليمان في الحال، انفرجت شفتيها بوميض ابتسامة حين دلف سليمان للمنزل بوجهٍ مكفهر ومحتقن من شدة الغضب، طالع الرجال بنظرات جامدة، ثم اقترب من أسامه وقال بصوت مبحوح:
-هو ده إلي كان معاها؟!
أومأ أخوه برأسه مؤكدًا، فلكمه سليمان بقبضة يده ثم هرول يعفر لغرفة زوجته وتبعه يوسف.
حاول سليمان فتح باب الغرفة لكنها سبق وأوصدته من الداخل، قال بنبرة حادة:
-افتحي يا ساميه افتحي يا فـ.اجرة
كانت تبكي وتلطم وجهها بقـ.وة ولا تشعر بأوصالها فكأنها شُلت عن الحركة، نهضت وهي تتكئ على الفراش جوارها كانت تلهث بقـ.وة، وقفت أمام باب الشرفة لوهلة وفي سرعة أخذت ذهبها وأموال لسليمان بحقيبة ضمتها إلى صدرها وفجأة انقطع الضوء عن القرية مما سهل عملها في تسلل سور الشرفة بالدور الأرضي والهرب، لا تدري إلى أين لكنها فرت إلي المجهول.
ظل سليمان يضـ.رب الباب بعنـ.ف حتى كُسر، تجول بالغرفة على ضوء مصباح صغير يبحث عنها حتى اكتشف هروبها فصرخ وأخذ يتفقد أمواله فلم يجدها، أطلق صرخة مدوية وقال:
“ماشي يا ساميه… هتروحي مني فين!!
نظر سليمان ل أسامه وقال بسخرية:
-خلوه يغور في داهيه من قدامي كفايه عليه الفضيحة.
وبعد فترة انفض المكان ودخل كلٌ إلى بيته وجلس سليمان ينعي حظه السيء في هذه الحياة.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌷
________________________
دلفت هبه لشقتها وأغلقت الباب خلفها كان وجهها متجهم، ويتجلى أثر الإرهاق على خلجاته وحين رآها آصف نهض واقفًا وأقبل نحوها، نظر لعمق عينيها وقال بلهفة:
-إيه التأخير ده كله!! ومبترديش على تلفونك ليه؟
أردف بقلق:
-دا لو محمود مردش عليا وطمني إنك معاه كنت هنزل أدور عليكِ في الشوارع
عقبت بجمود:
-معلش كنت… كنت بخلص القضية
تركته واقفًا واتجهت تجلس على الأريكة بتعب، فتبعها وقطب جبينه مستفهمًا:
-قضية إيه يا هبه؟!
تنحنحت بخفوت وقالت:
-الراجل إلي كان بيطاردني ده…
أشارت جوارها وأردفت:
-أقعد هحكيلك
جلس جوارها يرمقها بتسائل وعلامة استفهام كبيرة قد رُسمت على صفحة وجهه، أخذت تقص عليه ما حدث تفصيلًا…
«رجوع لما قبل ساعة»
وقفت هبه قبالة الرجل الذي أخذ يرميها باتهامات لا صحة لها ولا أدلة، أخرج ورقة من جيبه وصوبها لها قائلًا:
“خدي اقري الروشته بتاعتك… الحقنه دي إلي ابني مـ.ات بسببها!”
قرأت هبه الورقة ثم نظرت له قائلة بحدة:
“ومين بقا إلي قالك كده! يعني فيه دكتور عرضت عليه ابنك وقالك كده ولا دي أوهام في دماغك”
تلعثم الرجل قائلًا:
“الـ.. الدكتور الصيدلي أكدلي ووداني لدكتور تاني برده قال نفس الكلام”
تنهدت هبه بقـ.وة وقالت بهدوء:
“الحقنه دي ممكن تمٕ.وت في حالة واحده… لو الي أخدها عنده حساسيه منها… وكده الغلط مش عندي الغلط عند إلي اداهاله”
عقد الرجل بين حاجبيه وقال:
“الدكتور الصيدلي الي اداهاله… بس..”
قاطعته هبه حين هدرت به:
“يا أستاذ ابنك مـ.ات عشان اديتله الحقنه من غير اختبار الحساسيه أنا مليش ذنب…”
الرجل بحدة:
“ازاي منتيش عارفه إن إبني عنده حساسيه من الحقنه! هو إنتِ مش دكتوره؟!”
هبه بتوضيح:
“يا أستاذ افهم… حقنة المضاد الحيوي دي لازم قبل ما ناخدها كل مره نعمل اختبار حساسيه حتى لو نفس الحقنه عشان لا قدر الله لو فيه حساسيه ممكن تُسبب الوفاة… أعراض الحساسيه أقلها حكه بالجسم وأخطرها المـ.وت لكن أنا والله ما ليا ذنب… الذنب على إلي اداهاله”
أطرق الرجل رأسه لأسفل وأخذ يبكي على ابنه فلا فائدة مما يجري ومهما حدث لن يعود ولده للحياة، كان محمود يستمع إليهما دون تدخل، وحين انتهيا قال للرجل:
“إنت هتنور عندنا.. أصل الي عملته مش بسيط”
أشار محمود العسكري مردفًا:
“لو سمحت نزله الحبس”
«عودة»
“وليه مكلمتنيش يا هبه كنت جيتلك”
قالها آصف بعتاب عاقدًا جبهته، فبررت هبه:
“كنت هتسيب چوري ازاي! أنا مردتش أقلقك… و… وكمان كان معايا محمود”
ران بينهما الصمت للحظات وهو يتفرس ملامحها يشعر أنه مازال هناك سر أخر تخفيه، ضيق جفونه وسألها:
“مفيش حاجه تانيه محتاجه تقوليها!؟”
تحاشت النظر لعينيه وقالت بتلعثم:
“لـ.. لأ ده كل إلي حصل”
اومأ رأسه ولم يعقب، فنهضت واقفة وأردفت:
-عن إذنك أنا هدخل أنام عشان مرهقه أوي
أقبلت نحو الغرفة الأخرى، فنهض واقفًا وسألها:
“هتنامي لوحدك برده؟!”
استدارت إليه وقالت:
“معلش يا أحمر أنا مش قادره أجادل دلوقتي سيبني براحتي”
تنهد بعمق وقال بقلة حيلة:
“براحتك يا هبه”
ولجت لغرفتها وقالت قبل أن تغلق بابها:
“تصبح على خير”
ابتسم بانكسار وقال متحاشيًا النظر إليها:
“وإنتِ من أهله”
سمعها وهي توصد باب غرفتها بالمفتاح كعادتها منذ فترة فجلس مجددًا على الأريكة وزم شفتيه محدثًا حاله بلوعة أن إلى متى سيظل يركض خلفها! فقد حاول معها كثيرًا وذهبت محاولاته أدراج الرياح، بات جمودها غير طبيعي! حدق بالفراغ وأخذت الأفكار تدور برأسه….
**********
جلست هبه على حافة سريرها كان وجهها ممتعضًا تنهدت قالت بحزن:
-والله بحبك بس غصب عني
مسحت وجهها بيدها، وانهمرت الدموع من مقلتيها واخذت تردد:
-مش عارفه اخرتها إيه! بس رغم حبي ليك إلا إني لسه خايفه!
لم تبدل ملابسها واستلقت على الفراش بتعب وذهبت في سباتٍ عميق.
استغفروا🌹
________________________
“عاش يا بطل الأبطال”
قالتها وسام لرحيل بابتسامة بعد أن قصت عليها رحيل ما حدث، فحمحمت رحيل وقالت بزهو:
-عشان تعرفي بس إن أنا مش أي حد يا ويسو
غمزت لها وسام وقالت:
-يا واد يا جامد
قهقهت رحيل ضاحكة وفجاة تلاشت ابتسامتها وأطلقت تنهيدة طويلة قائلة:
-المهم دلوقتي إن أحمد عاوز يكتب كتابه على سديل وأنا قلقانه جامد من الخطوة دي
وسام:
-قلقانه من ايه هو بيحبها وهي بتحبه… وأحمد محترم والله يا بنتي… توكلوا على الله متقلقيش
رحيل:
-سديل أصلًا موافقه… هي مقالتش كده بس باين في عينيها
وسام بابتسامة:
-ربنا يسعدكم يارب انتوا الاتنين
أردفت وسام بحنين:
-هتوحشني أيام تجمعنا أوي يا رحرح
رحيل:
-وأنا كمان والله… مش مصدقه إننا خلاص هنتجوز
زفرت رحيل بقلق وأردفت:
-كل ما تمر الأيام كل ما أترعب أكتر ربنا يستر
غيرت رحيل الموضوع وأخرجت الملابس من الحقيبة قائلة بابتسامة:
-المهم بقا شوفي اشتريت ايه..
أخذت وسام تُقلب بين الملابس بإعجاب فطلبت منها رحيل أن تُجرب فستان ما، خرجت رحيل وأغلقت الباب خلفها، دون الإنتباه أن مقبض الباب منزوع من الخارج، ابتسمت وسام وهي ترتدي الفستان ثم وقفت تُطالع حالها بإعجاب أمام المرآة.
***********
من ناحية أخرى كانت سديل تتحدث مع رضوى، تحكي لها عن حيرتها أتوافق على كتب الكتاب أم لأ! أرسلت رضوى:
“صلي استخارة يا سديل ووافقي… واضح إنه عايز يبدأ حياته في الحلال، بيحبك وعايز يحبك براحته وإنت كمان بتحبيه وافقي… بس هو كتب الكتاب هيكون امته؟”
أرسلت سديل:
” لسه هخلص امتحانات بعد العيد وبعدين هنكتب الكتاب”
رضوى:
“على خير ان شاء الله”
وقبل أن تكتب سديل أرسلت رضوى:
“الفيديو بتاع أحمد طالع ترند ومستمر بقاله أسبوع.. اتشهرتوا يا دودو”
أرسلت بعدها رموز غمزة بعينها، ثم أرسلت:
“أنا بحبك جدًا وبتمنالك السعاده دايما ربنا يتمملك بخير يارب”
قرأت سديل رسالة رضوى أكثر من مرة وعلى شفتيها ابتسامة واسعة وقبل أن ترد أرسلت لها رضوى رقم هاتفها الجوال لتتواصلا عبر الهاتف بعد الآن، وأرسلت سديل رقمها هي الأخرى وفجأة انقطع الضوء، وتبعه انقطاع النت.
***********
عندما انقطع الضوء، اتسعت حدقتي وسام بصدمة وصاحت تُنادي رحيل وهي تتحسس الظلام حتى وصلت للباب وحين مسكت مقبضه لتفتحه انتزع المقبض بيدها، وأخذت تطرق الباب وهي تُنادي رحيل التي هرولت إليها على ضوء هاتفها وجوارها سديل، قالت سديل:
-افتحي من عندك يا وسام الأوكره بايظه من بره!
وسام بصوت مرتجف:
-الأوكره اتخلعت يا سديل
وكأن تلك هي ساعة الحظ السيء لوسام وضعت رحيل ضوء هاتفها على حافة الباب ليتسلل وميضًا خفيفًا لداخل الغرفة وقالت:
“طيب اهدي متخافيش”
وسام بصوت مبحوح بفزع:
“يا جماعه افتحولي… أنا بخاف من الضلمه”
رحيل بارتباك:
“هروح أنادي فؤاد وسديل واقفه معاكِ”
وسام بنبرة مرتعشة:
“بسرعه بالله عليكِ”
ركضت رحيل للخارج وتسارعت خفقات قلب وسام وارتفع معدل تنفسها، أخذ صدرها يعلو ويهبط من شدة الخوف الذي أطاح بكل ذرة بها.
“متخافيش يا وسام أنا هنا أهوه”
قالتها سديل بقلق في محاولة لطمئنتها.
فقالت وسام بفزع:
-أنا خايفه أوي افتحولي بقا
سديل:
-اهدي وخدي نفس عميق يا حبيبتي مفيش حاجه تخوف احنا في بيتنا
حاولت وسام التماسك لكن ذلك الظلام يُذكرها بآلام تجاهد لتتعافى منها، أخذ عقلها يستعرض أطلال أوجعتها، وها قد بدأ صوت سالم يدور بمخيلتها مجددًا، لكنها فعلت مثلما علمها فؤاد أخذت تستغفر الله بصوت مرتفع وتتخيل أشياء أخرى كمظهر الفستان الذي ترتديه، ثم زفافها الذي سينعقد بعد أيام، أكلة مفضله ومواقف مضحكة مرت بها، ثم تسبح الله بصوت مرتفع، دقائق مرت عليها بمفردها وهي تجاهد ذاكرتها واستطاعت، وصل فؤاد للشقة ركضًا، سمع صوت استغفارها فقال لاهثًا:
“متخافيش يا بابا أنا هنا…”
اطمئنت أثر صوته وابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة مرتجفة:
“أنا قويه… أنا قويه يا فؤاد ومش خايفه”
حاول فؤاد فتح الباب وهو يقول:
“ومفيش حاجه تخوف يا بابا أنا هفتح الباب حالًا… استغفري بصوت عالي يلا عايز أسمعك”
أخذت تردد بنبرة مرتفعة:
“استغفر الله وأتوب إليه…. استغفر الله وأتوب إليه”
دقيقة أخرى وفُتح الباب، وظهرت وسام تضع يده على صدرها، تنفس فؤاد بارتياح وخرجت وسام مبتسمة بزهو فقد استطاعت التحكم بمشاعرها، واستطاعت تجاوز تلك المرحلة للمرة الثانية، نظرت له وأومأت رأسها قائلة:
“أنا كده خفيت يا فؤاد صح؟ الدكتور قال لو اتحطيتِ في موقف وخرجتِ منه هتخفي!”
ضمها مبتسمًا وقال بحنو:
“الحمد لله يا بابا”
تنهدت وسام بارتياح وشددت على ضمه، ونظرتا رحيل وسديل لبعضهما بابتسامة ثم انسحبتا من المكان بحرج.
استغفروا🌷
________________________
جلست نغم على فراشها تُتابع سالم وهو يُبدل ملابسه، كانت رافعةً إحدى حاجبيها ترمقه بخبث، وأخيرًا قالت بضيق:
“هي أمك هتقعد معانا ولا إيه؟!”
رمقها سالم في سرعة ثم أشاح بصره عنه وقال:
“أيوه أومال عايزاني أسيبها تقعد لوحدها!”
نفخت نغم بحنق وقالت:
“ما إنت عارف إن أنا وأمك ملناش تقل على بعض ناوي تحط النـ.ار جنب البنزين!”
دنا منها سالم وقال بحنق:
“نغم!! أنا مش فاضي الفتره دي عندي شغل مهم سيبيني أخلصه وبعدين نتكلم في الموضوع ده”
نغم بسخرية:
“شغل!! آه… شحنه جديدة ولا ايه! ما أنا عارفه بتجهزوا كل عيد العيديه للشباب”
أردفت بضجر:
“أنا مليش دعوه أمك لازم تروح شقتها يا إما همشي أنا وهزعل وإنت بقا عارف زعلي”
قالتها وهي ترمقه بنظرة جانبية متخابثة، نفخ سالم بحنق وامتعضت ملامحه فهو يعرف مقصدها، فهي تهدده بأدلة وبراهين إن ظهرت ذات يوم سيكون أخر عهد له خارج أسوار السجن، قال بتلعثم:
“طيب..أ… اديني يومين وهتصرف”
رفعت أصبعيها السبابه والوسطى في وجهه وحركتهما بالتبادل قائلة بصرامة:
“يومين اتنين مفيش غيرهم”
اومأ سالم رأسه بقلة حيلة وخرج من الغرفة صافعًا الباب خلف ظهره، وجد والدته تجلس على الأريكة تشاهد التلفاز وتضحك على إحدى المشاهد فجلس جوارها، أغلقت التلفاز ونظرت له قائلة:
-“مالك؟”
-“مفيش حاجه”
-“أنا عايزه أفهم بقا لما البت مراتك دي مبتخلفش مبتتجوزش ليه عشان تجيب لك حتة عيل”
رمقها سالم بخبث وقال:
“ما أنا قولتلك جوزيني بنت المرحوم جوزك وإنتِ إلي مسلكتيش كان زماني جبت منها حتة عيل”
قهقهت والدته بسخرية وقالت:
“يكش تكون فاكرني هبله إنت كنت عايز تتجوز وسام عشان تكمل عليها وتطلع فيها عقدك يا معقد… ”
حدجها بحدة وقال:
“العقده دي إنتِ إلي عملتيها زمان لما طلعتيني بره البيت ووديتيني عند خالي لما المحروسه جت عندكم”
والدته باستهزاء:
“إنت ليه محسسني إني رميتك في الشارع ولا كنت طفل صغير بترضع وحرمتك من حضني… دا إنت كنت زي الشحط”
أشاح بيده بلامبالاه فأردفت:
“وكمان عملتلنا مصيبه لما حرقتها”
أطلق سالم شهقة مدوية وقال بتهكم:
“متعمليش فيها بريئة دا إنت إلي دخلتيني الشقه اليوم ده ورتبتيلي الجو”
زمت شفتيها وقالت بحسرة:
“اديتك الفرصه تاخد مزاجك منها وخليتك تخلى بيها لوحدك في الشقه عشان تلين دماغها وتاخد إلي عاوزه براحه بس مقولتلكش روح ولـ.ع فيها يا روح أمك”
سالم بضجر:
“بقولك إيه يا أمه.. اسكتي واقفلي على الموضوع ده أصل لو نغم سمعت هتعملي حوارات وأنا مش ناقص”
مصمصت والدته بشفتيها وقالت:
“يحـ.رق نغم وسنينها”
قال بتلعثم:
“و… وكمان اعملي حسابك يومين وهترجعي شقتك مش ناقص مشاكل ووجع دماغ”
أطلقت ضحكة ساخرة وربتت على ظهرة ببعض العنـ ف وقالت:
“متقلقش يخويا كنت ماشيه بكره وسيباهالك من غير ما تقول”
نهض واقف ودخل غرفته وتركها تنظر لأثره قائلة:
“جاك نيله في خيبتك”
لا حول ولا قوة الا بالله 🌹
_________________________
مر عيد الأضحى وكانت مظاهر الإحتفال به مضاعفة بقدوم الجد من الحج.
انتهت امتحانات سديل وأخيرًا تم كتب كتابها على أحمد بنفس طريقة رحيل ومحمود، لم يتغير سوى أن والدة محمود أصرت على الحضور.
وفي المحكمة وبمجرد أن انتهت الإجراءات قال محمود:
“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير” ضم والد محمود رحيل وسديل وقبل رؤسهما قائلًا:
“من النهارده أنا بابا والست دي ماما”
قالها بابتسامة وهو يشير نحو زوجته، ضمتهما الأم هي الأخرى وهي ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها تدل على عدم رضاها الكامل، خرجوا من المحكمة، ووقف أحمد أمام السيارة قائلًا:
“عن إذنكم بقا يا جماعه أنا عايز مراتي في مشوار… اتفضلوا انتوا”
“هتروحوا فين؟!”
قالتها كل من رحيل ووالدة أحمد بنفس الوقت، فرد أحمد بابتسامة:
-هنتمشى شويه ومش هنتأخر
غادروا جميعًا، فسألته سديل:
-“هنروح فين؟!”
-“محتاج أتكلم معاكِ”
تردد كثيرًا أن يُخبرها لكنه يريد اخبارها ليخف ذاك الحمل عن قلبه يريد اخبارها بشان «رضوى»، لم يبارك لها ولم يظهر على وجهه أي تعبير سوى الجمود والوجوم، سار جوارها واضعًا كلتا يديه بجيبي بنطاله صامتًا وشاردًا، استجمع كلماته وقال:
“سديل أنا عايز أعترفلك بحاجه”
“حـ… حاجة ايه؟”
تلجم لسانه وصمت لن يستطع قول ذلك، ظل يسير جوارها ببطئ يرمقها بحيرة، فرضًا أنها لم تسامحه وتركته الآن! فذلك ليس بالوقت المناسب ولا بالمكان الملائم، أمن المناسب أن يُعكر صفو يومهما بتلك الكلمات! قرر أن ينتظر حتى تكون زوجته رسميًا وببيته حينها ستسامحه بكل تأكيد، ازدرد ريقه بارتباك، وطالعها بشرود فسألته مستفهمة:
-عايز تقول إيه؟!
وقف قبالتها وابتسم قائلًا بعاطفة تجلت بعينيه وبصوت رخيم:
“عاوز أقولك إن أنا بحبك من أول نظرة”
أطرقت رأسها أرضًا بحياء، فساد الصمت بينهما للحظة قطع الصمت مردفًا:
-اعمل إيه بقا قلبي دا أصله بيعرف يختار… مبارك يا حبيبتي
عقبت بنبرة خافتة:
-الله يبارك فيك
سار جوارها مجددًا وقال:
-فرح محمود ورحيل كمان يومين…
تنهدت وعقبت بنبرة هادئة:
-تعرف إن أنا مشاعري متناقضه أوي يعني فرحانه عشان رحيل هتتجوز لكن زعلانه عشان عمرنا ما بعدنا عن بعض
أحمد:
-إن شاء الله إحنا كمان نتجوز بعدهم علطول… محمود بقا إلي مستعجل قولتله يستناني شويه موافقش أبدًا وقالي براحتك إنت
ازدردت ريقها وقالت بتلعثم:
-أنا مش مستعده للخطوه دي حاليًا خلينا نستنا سنه ولا حاجه.
اومأ رأيه قائلًا:
-إلي ربنا مقدره هيكون
وقف أمامها مرة أخرى وأخرج يديه من جيبي بنطاله، ثم مد يده ليُسلم عليها وقال بابتسامة مرحة:
-هاي ممكن نتعرف؟
ابتسمت من أسفل نقابها وتخطته قائلة بمراوغة:
-عفوًا مبسلمش على رجاله والا بتعرف
ضحك بصخب وسار جوارها لبرهة ثم مد يده وضم يدها قائلًا:
-متقلقيش دا حلال يا زوجتي العزيزة
أزاح الجوانتي الأسود عن يدها وضم يدها بين كفه قائلًا:
-مش لازم الجوانتي للإيد دي أنا هعرف أداريها عن عيون الناس…
نظرت له فغمز لها وأردف:
-وكمان أضمن إنك متسيبيش إيدي طول الطريق
رمقته بنظرة جانبية وقالت بهمس استطاع سماعه:
-مش هسيبها أبدًا
ابتسم وابتسمت هي الأخرى مرددين في نفس الوقت:
-الحمد لله…
قالا كل منهم بهمس لم يسمعه الثاني:
-اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك
____________________
وفي المساء تحت المظلة بالحديقة
جلست سديل في المنتصف على يمينها رحيل وعن يسارها وسام يأكلن حبات الفشار ويتبادلن أطراف الحديث، قالت سديل بنزق:
“يعني كل ده أبيه محمود مش عارف يقبض عليهم!!”
رحيل وهي تمضغ ما بفمها:
“الموضوع مش سهل دول طلعوا عصابه مش مجرد واحد ولا اتنين”
وسام:
“أكيد في يوم من الأيام هيقعوا في شر أعمالهم”
رحيل:
“محمود بيقول لسه فيه حلقه مفقوده في الحكايه”
“حلقة إيه إلي مفقوده… شاركوني في الكلام بدل ما أنا مش لاقي حد يسايرني”
ابتسمن حين جلس الجد جوارهن قائلًا تلك الجملة، قالت رحيل:
“هحكيلك يا جدو بس الموضوع ده سري يعني متقولش لحد”
سردت عليه رحيل الموضوع برمته من بداية رؤيتهم لسليمان وهو يقابل ابن عمها لنهاية رؤية سديل لسليمان ومعرفته أنه عم يوسف، أومأ الجد رأسه وقال بتبرم:
“مش معقول! هو فيه ناس بالبشاعه دي!”
نهض الجد واقفًا وأردف:
“يلا هروح أصلي العشاء في الجامع ونكمل كلامنا بعدين”
انصرف الجد ونظرت رحيل لوسام قائلة:
“جدك ده طيب أوي… عمري ما شوفت انسان بالتقوى والصلاح ده… وجوده يطمنك إن لسه فيه خير في الدنيا”
سديل بإعجاب:
“رغم كبر سنه إلا إنه مبيسبش فرض في الجامع وعلطول المصحف على رجله والسبحه في ايده فعلًا «خيركم من طال عمره وحسن عمله» ربنا يطول عمره يارب”
وسام ورحيل:
“يارب ”
_______________________
وبعد يومين كان جميع من في البيت يستعدون لحفلة الزفاف بالمركب فقد أصر محمود أن يكرر حفلة كتب الكتاب خصوصًا أنهم رفضوا حفل زفاف أو أي مظاهر أخرى نظرًا لوفاة والد وسام!
وفي الغرفة
“لأ أنا مش عايزه أتجوز أنا لما فكرت لقيت إن أنا استعجلت”
قالتها رحيل ثم انخرطت في بكاء عميق، فقالت فرح بسخرية:
“نعم ياختي؟؟ استعجلتِ إزاي… إنتِ عارفه الساعه كام يا رحيل؟”
قالت فرح أخر جملة وهي تنظر في ساعة يدها التي اقتربت من الثامنة مساءًا.
“يا رحيل بطلي عياط بقا خلي الميكب أرتست تشوف شغلها”
قالتها وسام وهي تُطالع نفسها عبر المرآة بخُيلاء وترى إنعكاس صورة رحيل التي ترتدي فستان زفافها وتبكي بلوعة، كانت وسام ترتدي فستان زفاف أبيض سادة ورقيق، وقد زُينت ملامحها بمساحيق التجميل الهادئة.
قالت رحيل بصوت متحشرج باكٍ:
“كان لازم أستنى لما سديل نتيجتها تظهر”
فرح بضجر:
“إذا كان سديل نفسها مستنتش وكتبت كتابها!”
رحيل بصوت متحشرج:
“ما هو ده كمان كان غلط إحنا غلطنا ولازم نصلح الغلط ده”
دنت منها وسام وقالت:
“أيوه يعني ناويه تصلحيه ازاي والعريس تقريبًا بره”
دخلت والدة فؤاد للغرفة وقالت بحمـ.اس:
“يلا يا حبايبي العربيات وصلت”
أشارت فرح نحوها وقالت بضجر:
“البت دي باين اتهبلت”
شهقت والدة فؤاد ودنت من رحيل قائلة:
“إنتِ بتعيطي ليه يا حبيبتي؟!”
“أنا خايفه أوي يا طنط… مش عايزه أتجوز”
والدة فؤاد:
“خايفه من إيه دا محمود ابني عسل ما أنا أمه برده ومرضعاه يعني أنا حماتك يا بت”
أردفت والدة فؤاد:
“وبعدين متقلقيش هو محدش فهمك ولا ايه! مفهمتهاش يا فرح”
أشارت فرح لنفسها وقالت بتلعثم:
“أنا! أفهمها ايه هو أنا فاهمه حاجه أصلًا!”
وسام:
“متقلقيش يا خالتو أنا فهمتها”
غمزت فرح بعينيها وقالت بخبث:
“هو فؤش فهمك ولا ايه؟!”
وسام بجهل:
“فهمني ايه!؟”
شهقت وسام وقد فهمت مقصدها، قالت متلعثمة:
“لا أنا مش قصدي كده… أنا قصدي فهمتها إن…”
قاطعها صوت نحيب رحيل فقالت وسام:
“يا رحيل بقا كفايه عياط… يا بنتي سديل هتقعد مع خالتو وكلها سنه ولا حاجه هتبقى معاكِ في البيت”
بدلت وسام نظرها بين الجميع وأردفت موضحة بمكر:
“دا إلي أنا فهمتهولها”
ضحكن وشاركتهن الميكب أرتست، وهزت رحيل عنقها قائلة:
“لأ أنا مش موافقه مش هتجوز قولوله إن أنا غيرت رأيي”
فرح بتبرم:
“روحي بقا يا عمتو نادياها محمود عشان كده مش نافع”
ازداد نحيبها وظلت تردد:
“مش عايزه أتجوز… مش عايزه أتجوز”
شهقت رحيل باكية وأرظفت بحسرة:
“كان نفسي ماما وبابا يكونوا معايا”
نظرتا فرح ووسام لبعضهما وقالت فرح:
“هي تقريبًا بتدور على حاجه تنكد بيها على نفسها في الليلة دي”
دلف محمود للغرفة وعندما رأته رحيل ولت ظهرها وأكملت بكاء، وخرجن الفتيات من الغرفة.
“إيه يا حبيبتي مالك!”
قالت بصوت متحشرج:
“أنا مش عايزه أتجوز مش هينفع أسيب سديل لوحدها”
وقف قبالتها قائلًا بابتسامة:
“ومين قال بقا إن إحنا هنسيبها لوحدها! سديل هتعيش معانا”
ملس على شعرها قائلًا:
“وكمان يا ستي فؤاد كان عاملنا مفاجأة بس هقولهالك… هنخلص الحفلة ونطلع على الڤيلا بتاعت جدي ماجد في بلطيم أنا وإنت وفؤاد ومراته وهبه وآصف وسديل… روقي بقا”
نظرت لعينيه تلتمس بهما الصدق متسائلة:
“بجد!”
جفف دموعها بأنامله قائلًا:
“وأنا هضحك عليكِ ليه يعني! يلا بقا يا حياتي كملي لبسك عشان منتأخرش على الحفلة!”
أومأت رأسها بقلة حيلة، فابتسم وخرج من الغرفة لتدخل الميكب أرتست وتُجهزها…
**************
كانت سديل تبكي بالغرفة الأخرى، فستتزوج أختها وتتركها بمفردها، تجمعت المشاعر السلبية بقلبها وأمطرت عينيها بوابل من الدموع، صدع هاتفها بالرنين برقم رضوى، أجابت بصوت باكٍ:
-ازيك يا رضوى
-ايه ده إنتِ بتعيطي؟ دا أنا عملتلك مفاجأه النهارده!… ها حذري فزري؟
نهضت سديل واقفة وقالت بابتسامة متهللة:
-إنتِ هتيجي صح؟!
-أكيد يعني جايه يعني ينفع تعزميني ومجيش وكمان نفسي أشوفك أوي
-إنتِ مش متخيله فرحتي والله… مستنياكِ يا حبيبتي.
وقفت سديل تنظر لفستانها الأنيف بلون السماء الصافية والفضفاض، نظرت بالمرآة لتعدل من نقابها وتحاول إخفاء عينها بقطعة صغيرة من القماش الشفاف ثم خرجت من الغرفة.
____________________
لاحظ آصف مدى تغير هبه دائمًا شاردة وتتهرب منه، حتى وإن تحدثت معه تحاول ألا تلتقي أعينهما وكأنها تدفـ.ن شيئًا بداخل بئر مقلتيها العميق، تنهد بعمق وأخذ يحمل الحقائب ويضعها أمام باب الشقة، ثم قال:
“يلا يا هبه إنتوا هتقعدوا تلبسوا طول الليل”
أتاه صوتها النازق:
“اصبر يا أحمر دا الصبر طيب”
ابتسم وحمل هاتفه يعبث به فإذا برسالة من رقم غريب محتواها:
“أنا عرفت ليه أيمن كان باعتني ليك! لأنه بيحب مراتك وعاوزها تسيبك بأي شكل عشان يرجعلها”
قطب آصف جبينه متعجبًا وأرسل:
“مين!”
أرسلت له صورتها مرة أخرى، فقرأ رسالتها مرة أخرى ثم أرسل:
“تقصدي إيه بإن أيمن إلي كان بعتك ليا!!!!”
أرسلت:
“أيوه ما أنا بعتلك التسجيلات!”
أرسل بسرعة:
“تسجيلات ايه؟ أنا موصلنيش حاجه!”
أرسلت له التسجيلات مرة أخرى، وبرفقتها لقطة شاشة تدل على استلامه لرسائلها بل وسماع أخر ريكورد أرسلته بصوتها! جحظت عيناه بدهشة وأخذ يمسح رأسه ويلتفت حوله بارتباك مرددًا:
-هبه! أكيد سمعتهم!!
وقبل أن يبدي أي رد فعل وقفت هبه أمامه مبتسمة وبيدها چوري، هاتفة بحمـ.اس:
-يلا يا أحمر إحنا جاهزين!
____________________
وفي مكان أخر
نزل سالم مع عمه درج السلم الذي يؤدي لدهيز طويل تحت الأرض سارا مسافة ثم فتح سالم باب غرفة بها إضاءة خافتة ولا تحوي سوى طاولة مستطيلة يحاوطها أربعة مقاعد، كان سليمان يجلس على إحداها، وهناك رجل يقف موليًا ظهره لهم وأخر يجلس على مقعد موليًا ظهر ويستند بمرفقيه على الطاولة، التفت الرجل الواقف وقال باستهزاء:
-أهلًا بالمغفلين
سالم بحنق:
-احترم نفسك يا عم إيه مغفلين دي!
عقب الرجل الأخر الذي بدأ صوته مألوفًا قائلًا بتهكم:
“طبعًا مغفلين! ما إنت مش عارف إلي حصل… الشرطه كشفتكو يا معلم المعلمين”
قال عم سالم بصدمة:
“يعني إيه الشرطه كشفتنا!”
طرق الرجل الجالس على المقعد الطاولة أمامه بعنـ.ف وقال بنبرة حادة:
– هفضل أساوي وراكم لأمته؟! كم مره قولتلكوا خلصوا نفسكم وأدوا للبنتين دول حقهم… دخلتهم بيتي عشان يبقوا تحت عيني كنت متأكد إنهم هيكونوا سبب نهايتكم في يوم من الأيام! وروني بقا هتعملوا ايه يا أغبيه!
سليمان بفزع:
-طيب شور عليا نطلع من الورطه دي ازاي ما إنت كبيرنا!
قهقه الرجل ضاحكًا، وفجأة تجهم وجهه وحدج سليمان بنظرات حادة قائلًا:
-جاي دلوقتي تقول إني كبيركم وعايزني أشور عليك فاكر عملت ايه زمان يا سليمان! ولا تحب أفكرك..
أردف الرجل بحسرة:
-أختك كانت بتعشق ابني وابني بيعشقها روحت زقيت عليه ساميه عشان تفضحه وتبعدهم عن بعض..
ارتفعت حدة نبرته وأكمل:
– كل ده ليه؟ عشان شوية أوهام في دماغك… متخيل إن أنا بلعب بيك وبلوي دراعك بأختك! والنتيجه كانت إيه موت أختك بحسرتها وموت ابني بحسرته!
ابتسم بسخرية وقال:
-لأ وكمان كنت عايز تكرر إلي عملته مع حفيدتي وابن أخوك!
تلعثم سليمان وقال بقلق:
-إ.. إنت مين قالك الكلام ده يا معلم ماجد؟!
-إلي قالي قالي المهم إني عرفت… اقعدوا بقا فكروا في حل للورطه دي..
نهض الجد واقفًا وأردف:
-يلا بينا زيد عشان نلحق الفرح…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى