رواية شمس ربحها القيصر الفصل الرابع 4 بقلم بيلا
رواية شمس ربحها القيصر البارت الرابع
رواية شمس ربحها القيصر الجزء الرابع
رواية شمس ربحها القيصر الحلقة الرابعة
تطلع قيصر الى الهاتف في يده غير مستوعبا لما حدث ..
لم يسمع سوى صوت والدتها الغاضب قبل أن يُغلق الخط في وجهه ..
اعتصر هاتفه داخل كفه وهو يلعن نفسه على تصرفه المتهور ولأول مرة يشعر بإنه اخطأ التصرف ..
تخيل ردة فعل والدتها وماذا ستفعل بها لينقبض قلبه لا إراديا من مجرد تخيلها وهي تؤذيها وتضربها ..
تشدق فمه بإبتسامة ساخرة وهو يفكر إنه السبب الأساسي لكل هذا وإنه أكثر من أذاها والأن يخشى عليها من الأذى ..
اتجه مسرعا الى الغرفة وهو يشعر بإنقباض روحه يزداد أكثر فوجد ريتا تنتظره تسأله بقلق :
” ماذا حدث يا قيصر ..؟! هل أنت بخير ..؟!”
لم يجبها على سؤالها بل جذب قميصه مرتديا إياه سريعا ليسمعها تسأل هذه المرة :
” لقد جهزت لكَ الحمام ..”
ليرد بسرعة وهو يحمل سترته ويضع في جيبه الهاتف :
” يجب أن أذهب ..”
حمل مفاتيحه وخرج من الغرفة والمنزل بأكمله دون أن يسمع ردها ..
ركب سيارته ثم فتح هاتفه وأخذ ينظر الى رقمها بعجز حقيقي .. عجز لا يليق برجل إعتاد على السيطرة والتحكم بكل شيء دون إستثناء ..
عاد برأسه الى الخلف وهو يحاول أن يستوعب جميع ما يجري معه خاصة شعور الخوف الذي يسيطر على قلبه ..
خوف غريب بدا له غير منطقيا ..
ما السبب الذي يجعله يخاف عليها ..؟؟
بالطبع ليس لإنه سبب ما حدث فهو لا يهتم عادة ولا يفكر بهذه الطريقة .. لا يذكر إنه شعر بتأنيب الضمير اتجاه أحد يوما مهما بلغت أذيته له ..
لماذا إذا يخاف عليها ..؟! ولماذا ينغزه ضميره قليلا ..؟!
لماذا نظامه ومشاعره وكافه تصرفاته يتغيرون معها ..؟!
البارحة لم يستطع أن يصفعها بالرغم من كل ما قالته بحقه .. أي شخص أخر مكانها لم يكن ليرحمه أبدا ..
تخيل أخته حوراء مكانها .. بالطبع لم يكن ليتردد لحظة واحدة في صفعها .. حوراء اخته وصغيرته التي يعتبرها إبنة له ..
هو لا يعرف الرحمة .. لا يرحم من يخطأ بحقه مهما كان حجم خطأه وليكن صادقا مع نفسه فلم يجرؤ حتى الأن أحداً على تجاوز حدوده معه فهو وضع قوانين ثابته للجميع وخطوط حمراء لا يمكن أن يتجاوزها أي شخص مهما كانت قرابته ومعزته لديه ..
لكن تلك الفتاة اخترقت كافة قوانينه وتجاوزت تلك الخطوط بكلامها هذا بينما وقف هو عاجزا لم يستطع أن يلقنها درسا على حديثها هذا ..
والآن بدل من أن يشعر بالغضب عليها والتوعد لها يجد نفسه قلقا بشدة عليها راغبا في رؤيتها والإطمئنان عليها لكنه يعجز عن كل هذا فيكره من جهة شعوره القلق لفتاة لا تمثل له شيئا ويكره من جهة أخرى رغباته تلك ..
اعتدل في جلسته يهم بقيادة سيارته عندما وجد نفسه لا يعرف إلى أين يذهب ..
من المفترض أن ينفرد بنفسه الليلة يلملم شتات نفسه لكن كيف سيحدث هذا وهو لا ينفك عن التفكير بها …
فتح هاتفه وقرر الإتصال بصديقه المقرب وهو يأمل أن يجيبه في هذا الوقت المتأخر من الليل..
جاءه رد صديقه حاتم الذي هتف بعدم تصديق :
” قيصر باشا بنفسه يتصل بي .. ماذا حدث لتتنازل وتمنحني بضعا من وقتك الثمين يا باشا ..؟!”
رد قيصر بجمود :
” إذا استمريت على هذا النحو سوف أغلق الهاتف في وجهك ..”
جاءه صوت حاتم الذي يسأله بإهتمام :
” صوتك يدل على إنك لست بخير .. ماذا حدث ..؟! ”
” أين أنت ..؟!”
سأله بصوت مقتضب ليجيبه حاتم بجدية :
” في شقتي .. ”
رد قيصر بإختصار :
” جيد .. انا قادم إليك ..”
ثم اغلق الهاتف دون أن ينتظر ردا وقاد سيارته نحو شقة صديقه ..
…………………………………………………………………
في شقة حاتم ..
تقدم حاتم نحو قيصر الذي يجلس على الكنبة التي تتوسط صالة الجلوس في تلك الشقة الفخمة يتناول مشروبه بصمت ..
جلس مقابله وحمل كأسه يرتشف منه مشروبه ثم يضعه على الطاولة ملقيا نظرة على صديقه الواجم ليسأله بهدوء :
” أنت هنا منذ أكثر من نصف ساعة دون أن تتفوه بحرف واحد ..”
نظر إليه قيصر وأجاب بوجوم :
” ماذا تريد أن أقول ..؟!”
رد حاتم بجدية :
” أخبرني بما يحدث معك ويجعلك مستاءا الى هذا الحد ..”
أكمل وهو يلاحظ صمت قيصر :
” أعرفك بما يكفي لأكون متأكدا من وجود شيء ما سيء للغاية يحدث معك ..”
تنهد قيصر بصوت مسموع قبل أن يقول بصدق :
” انا مستاء كثيرا .. وغاضبا بشدة ..”
” لماذا ..؟!”
سأله حاتم بإهتمام حقيقي ليجد الصمت حليفه فيردف بنفس الجدية :
” تحدث يا قيصر .. أخبرني بما يحدث ويجعلك بهذا الوضع .. انا رفيق دربك وأكثر من يفهمك ويستوعب ما تمر به .. لست بحاجة لأخبرك بأهميتك لدي لإنك تعرف هذا جيدا ..”
نظر قيصر إليه بصمت وهو يفكر في حديثه الحقيقي فحاتم صديق طفولته وصباه.. أقرب شخص إليه .. أقرب إليه حتى من عائلته .. لطالما عرف عنه الكثير مما لا يعرفه البقية ودائما ما كان معه في كل خطواته ..
هذه لن تكون المرة الأولى التي يخبره فيها عن شيء خاص به كما إنه يحتاج للحديث مع شخص يثق به ..
شخص يخبره عما فعله وعن كمية الأذى التي تسبب بها لتلك الفتاة ..
بدأ قيصر يتحدث معه مخبرا إياه الموضوع بالكامل بدءا من معرفته بأمر تلك الفتاة وهوس أخيه الغريب بها ثم قراره بإستخدامها لصالح أخيه حتى لقاؤه بها وما حدث بينهما متغاضيا عن تلك الأشياء التي شعر بها خلال اللقائين لينهي حديثه بما حدث منذ ساعة ..
حدق به حاتم غير مصدقا ما يقوله صديقه الذي لم يتوقع منه تصرفا كهذا رغم معرفته بمدى قسوته وتسلطه ..
” هل جننت يا قيصر ..؟!”
قالها حاتم بضيق شديد ليرمقه قيصر بنظرات محذرة قابلها حاتم بأخرى لا مبالية وهو يقول :
” لا تنظر الي هكذا .. أنت تجلب فتاة وتهددها كي تتزوج أخيك بدلا من إيجاد حل لأخيك ووضعه الذي يتأزم مع مرور الوقت ..”
أشاح قيصر وجهه بعيدا عنه بضيق ليكمل حاتم بصراحة :
” أخوك يحتاج الى علاج نفسي مكثف .. تلك الحادثة دمرت نفسيته بالكامل وجعلته يتصرف على هذا النحو .. هوسه بتلك الفتاة هو مرض لا أكثر .. ربما وجد بها شيئا من لارا .. ربما شعر إنها خير بديل عنها .. ”
أكمل بعدما تنهد بقوة مراقبا قيصر الذي نهض من مكانه ووقف أمام النافذة المطلة على مياه البحر العميقة :
” ليس صحيحا أبداً أن تترك مشكلة أخيك الأساسية التي تتفاقم مع مرور الزمن وتركز على مشكلة ثانية ..”
التفت قيصر نحوه بملامح نارية قائلا بحدة :
” هذه المشكلة التي تتحدث عنها هي ليست مشكلة عادية .. إنه مرض خطير سوف يؤدي به الى الموت ..”
هتف حاتم ساخرا :
” وهل هذا يعطيك الحق بتدمير حياة فتاة لا ذنب لها بهوس أخيك .. ؟! هل فكرت بوضعها وما سيحدث معها عند زواجها من أخيك المدمن بتصرفاته المضطربة المجنونة والتي عايشت أنت بنفسك الكثير منها ..؟! هو سيؤذيها وأنت تعلم ذلك .. ماذا لو أذاها حتى الموت ..؟! ألم تفكر بهذا ..؟! ألم تضع في بالك ذلك ..؟! ما ذنبها هي لتعيش مع شخص مدمن مثل أخيك يتصرف بهمجية وبلا وعي بسبب ادمانه الشديد لكافة المغيبات .. لا تكن أنانيا يا قيصر .. تذكر إنك لديك بدل الأخت أثنتين ..”
احتقنت ملامح قيصر بشدة بينما يراقب حاتم ذلك بلا مبالاة فجميع ما قاله مهما كان صريحا للغاية صحيح ..
هو لن يبرر له أفعاله ولن يكذب عليه بشيء .. زواج تلك الفتاة من فادي سوف ينهيها تماما .. فادي مريض وعلى أخيه أن يفهم هذا ..
هوى قيصر بجسده على الكنبة بإرهاق ليهتف به حاتم بجدية :
” اسمع نصيحتي يا قيصر وأرسله الى الخارج في مستشفى خاص .. هناك تتم معالجته من جميع الأمراض سواء كانت نفسية أم عضوية .. الأمر يتم بسرية تامة في احدى الدول الأوروبية .. ستخبر الجميع إنه يريد أكمال دراسته هناك .. الأمر بسيط ..”
” إنه يرفض العلاج يا حاتم وأنت تعلم هذا ..”
قالها قيصر بخفوت ليرد حاتم بقوة :
” هناك مئة طريقة تستطيع من خلالها أن تجبره على العلاج .. أنت فقط رتب موضوع سفره وما إن يصل الى هناك سوف يتولى الأطباء والممرضين مسؤوليته كاملة .. هم يعرفون كيف يجبرونه على العلاج .. هذه وظيفتهم وهو ليس أول مريض يرفض العلاج ..”
رد قيصر بصوت باهت :
” أخاف أن تتدهور صحته أكثر .. ليت الأمر يقتصر على المرض النفسي والإدمان .. السرطان ينخر جسده بلا رحمة ..”
” لا يوجد عندك حل اخر ..”
قالها حاتم بصدق ليتأمله قيصر بصمت فيكمل حاتم :
” أنت مجبر على ذلك .. هذا سيكون أفضل مما كنت ستفعله .. لا يحق لك أن تظلم فتاة وتدمر مستقبلها لأجل أخيك مهما بلغ أشد مرضه .. ”
أغمض قيصر عينيه راجعا برأسه الى الخلف شاردا بكلمات صديقه بينما جلس حاتم مقابله بصمت وقد قرر أن يترك له حرية التفكير فهو أخبره بما يحتاجه ..
بعد عدة دقائق سمعه حاتم يقول :
” تلك الفتاة .. شمس ..”
نظر إليه حاتم بترقب ليجده يكمل بخفوت :
” هي بالفعل تعرضت للكثير من الأذى بسببي ..”
قال حاتم بسرعة :
” أمر شمس انتهى تماما يا قيصر .. إتركها وشأنها وكأنك لم ترها يوما .. هذا أفضل شيء تفعله لها ..”
رد قيصر بجدية :
” أعلم هذا ولكن ..”
صمت للحظات قبل أن يقول بصوت هادئ :
” ماذا لو أذتها والدتها ..؟! يعني من الممكن أن تضربها او ..”
قاطعه حاتم بهدوء وثبات :
” حتى لو حدث هذا .. سوف تصفح عنها فيما بعد .. ركز مع نفسك وأخيك واتركها وشأنها ..”
أكمل بعدها وهو يستوعب ما يقوله صديقه :
” ثانيا ، لماذا تهتم إذا ما تعرضت للأذى من والدتها ..؟! منذ متى وأنت تهتم بأحدهم ..؟! لم أعهدك هكذا من قبل ..”
نظر قيصر إليه بحنق ليهتف حاتم متسائلا :
” لماذا تنظر إلي هكذا ..؟! هل قلت شيئا سوى الحقيقة ..؟! ”
ثم أردف بعدم تصديق :
” هل تخاف عليها ..؟!”
انتفض قيصر من مكانه مرددا بعصبية :
” أخاف على من ..؟! أنت فعلا مجنون .. ”
نهض حاتم بدوره من مكانه وقال :
” سأكون مجنون فعلا اذا صدقتك بعد ردة فعلك هذه ..”
أردف بعدها وهو يتفحصه بنظراته :
” ماذا يحدث يا قيصر ..؟! هل هناك شيء نسيت أن تخبرني عنه ..؟!”
حمل قيصر مفاتيحه وهاتفه ووضعهما في سترته ثم اتجه خارجا الشقة وهو يقول :
” لن أتحمل سماع المزيد من هذا الجنون ..”
تأمل حاتم خروجه بعدم تصديق قبل أن يضرب كفا بكف وهو يفكر إن صديقه جن تماما وإن هناك شيء ما يحدث معه عليه أن يعرفه بسرعة ..
……………………………………………………………
عودة قليلا الى الوراء وتحديدا في منزل شمس ..
بعد أن أغلقت والدة شمس الخط في وجه قيصر أخذت تنظر الى ابنتها التي كانت تنظر نحو الأسفل بتحفز ثم اتجهت نحو الباب وأغلقته بالمفتاح بعدما تأكدت من عدم وجود احد في الخارج ..
اتجهت نحو ابنتها وقبضت على ذراعها تخبرها بصوت حاد:
” ارفعي رأسك وإنظري إلي ..”
رفعت شمس وجهها المليء بالدموع نحو والدتها وهتفت بصوت متهدج :
” أقسم لكِ إنني لم أفعل شيئا مما تفكرين به .. والله تحدثت معه لإنني مجبرة ..”
سألتها والدتها بصوت قوي :
” من هو ..؟!”
ثم أردفت وهي تتأمل عيني ابنتها المترددتين :
” إياكِ أن تكذبي بحرف واحد .. قولي الحقيقة كاملة ..”
قالت شمس بصوت متهدج :
” حسنا ..”
ثم أخذت نفسا عميقا وقررت أن تبوح بكل شيء حدث معها فضلا من تأليف قصة لن تنطلي على والدتها والأهم من ذلك إنها تعبت حقا من كثرة الكذب ولم تعد قادرة على إختلاق المزيد من الأكاذيب :
” سأخبرك بكل شيء وأتمنى أن تتفهمي ما حدث ..”
ثم بدأت تسرد على مسامع والدتها كل شيء حدث معها ..
إنتهت شمس من حديثها لتجد والدتها تنظر إليها بملامح مبهمة قبل أن تقول فجأة بتجهم :
” الحقير .. كيف يجرؤ على شيء كهذا ..؟! من يظن نفسه ..؟! هل يظن نفسه مالك الكون ..؟!”
أردفت وقد سيطر الغضب على ملامح وجهها :
” وإنتِ تذهبين الى منزله وتركبين سيارته أيضا .. كيف تفعلين شيء كهذا ..؟! من أين أتتك تلك الجرأة ..؟! ألم أحذرك مسبقا من كل هذا ..؟! كيف تفعلين شيء كهذا ..؟! ألا تفكرين بسمعتك وسمعتنا ..؟! ”
قالت شمس بصوت مضطرب :
” لقد هددني .. ماذا سأفعل ..؟! خفت عليكم .. ألم أخبركِ بتهديداته الصريحة لي ..؟!”
صاحت والدتها بإنفعال :
” كان عليكِ أن تأتي وتخبريني بكل شيء وأنا كنت سأتصرف .. لا يصح أن تتصرفي لوحدك .. هل تظنين إنكِ كبرت وأصبحتِ لا تحتاجين لي ..؟!”
إسترسلت في حديثها المنفعل :
” ماذا كنت تنوين أن تفعلي ..؟! تتزوجي بأخيه كي تحمينا منه ..؟! تضحين بنفسك لأجلنا ..؟! هل كنت ستصمدين حقا ..؟! هل كنت ستتقبلين وضعك هذا ..؟! كنت ستنهارين عاجلا أم أجلا أيتها الغبية .. هل سنكون أنا ووالدك وأخوتك سعداء بهذا ..؟! ماذا تظنين نفسك فاعلة ..؟! ”
ارتفعت شهقات شمس التي كانت تستمع الى حديث والدتها بدموع حارقة لتبدأ والدتها بالإستغفار بصوت عالي قبل أن تنظر الى ابنتها المنهارة وتسألها :
” هل هناك شيء آخر لا أعلمه ..؟! هل قمتُ بأشياء غبية أخرى غير هذه ..؟! ”
هزت شمس رأسها نفيا وأجابت بسرعة :
” لا والله .. لقد أخبرتكِ بكل شيء. ..”
أخبرتها بنبرة آمرة وهي تمد هاتفها نحوها :
” إلغي رمز حماية هاتفك ..”
أخذت الهاتف من والدتها ونفذت ما قالته لتسحب والدتها الهاتف منها وتأمرها بصوت محذر :
” هاتفك سيبقى معي وأنتِ ستنامين الآن .. أما بخصوص هذا الرجل وما قاله فأنا سأتصرف معه ..”
أومأت شمس برأسها متفهمة لتجد والدتها تشير نحو السرير تخبرها بالنوم حالا لتنفذ ما قالته على الفور فتغلق والدتها الضوء وتخرج من الغرفة تاركة شمس تبكي بصمت لمدة من الزمن قبل أن تغرق في نوم طويل ..
……………………………………………………………………
في صباح اليوم التالي ..
خرجت شمس من غرفتها بملامح مرهقة لتجد المنزل خاليا كما توقعت فالساعة تخطت العاشرة وبالطبع والديها في العمل بإستثناء أخويها اللذين يغطان في نوم عميق بعد إستيقاظهما مساء البارحة حتى منتصف الليل ..
اتجهت نحو المطبخ لتعد شيئا تتناوله فشهقت بفزع وهي تجد والدتها هناك تعد الطعام ..
نظرت والدتها إليها للحظة قبل أن تعود بأنظارها الى الوعاء الذي أمامها لتهتف شمس بتردد :
” صباح الخير .. ظننتكِ في المدرسة الآن ..”
ردت والدتها بإختصار :
” أخذت إجازة .. ”
ثم أكملت بجدية :
” هناك ضيف على وشك القدوم ..”
سألتها شمس بإستغراب :
” ضيف من ..؟!”
أجابت والدتها :
” قيصر عمران ..”
تجمدت ملامح شمس بينما صدى صوت والدتها يتردد داخل إذنها لتهمس بعدم تصديق :
” من ..؟!”
اقتربت والدتها منها وقالت بصوت صارم :
” لا تخافي .. لا تقلقي من أي شيء .. كوني قوية .. أنا بجانبك .. ولن أسمح لشخص ما أن يؤذيكِ .. سوف تستقبلينه بكل ثقة .. إياكِ أن تضعفي ولو للحظة .. تذكري دائما أن الله معك وأنا من بعده باذنه وحده .. ”
أردفت وهي تتأمل ملامح ابنتها التي إسترخت أخيرا :
” ضعي في بالك دائما إن هناك رب قادر أن يحميكِ من أي شخص مهما بلغت قوته .. عندما تستوعبين هذا لن يستطيع أي شخص أن يخيفك ..”
هزت شمس رأسها وقد شعرت بكلمات والدتها تتسرب الى قلبها رويدا تمنحه السكون والأمان لتسأل أخيرا :
” ماذا عن ربى وأسامة .. ؟! ”
أجابتها والدتها بسرعة :
” أرسلتهما الى منزل خالك .. زوجة خالك سوف تذاكر لهما مع إبن خالك ..”
أومأت برأسها متفهمة لتسمع صوت جرس الباب يرن لتضطرب ملامحها قليلا فتقول والدتها :
” ماذا قلنا ..؟! لا اريد لوجوده أن يهزك لدقيقة واحدة ..”
أخذت نفسا عميقا ثم سارت بخطواتها الهادئة نحو الباب وفتحته لتتجمد في مكانها وهي تراه يقف أمامها بشموخه المعتاد مرتديا ملابسه شديدة الفخامة وملامحه الجامدة تتأملانها بشكل غامض خاصة بوجود تلك النظارة التي تخفي عينيه ..
كان قيصر ينظر الى شمس بتمهل متأملا وجهها الناعم بشعرها المرفوع على شكل ذيل حصان طويل وتلك البيجامة الحمراء بجزئها العلوي ذو الأكمام القصيرة المطبوع عليه رسمة ميكي ماوس والبنطال البرمودا الذي يصل أسفل ركبتها بقليل ونعلها الخفيف في قدميها ..
كان منظرا غريبا لم يعتد عليه في وسطه الذي تتفنن به النساء بإرتداء كل ما هو غالي وثمين حتى في المنزل ..
” صباح الخير ..”
قالها أخيرا بصوته الرزين بعدما خلع نظارته لتجيب بهدوء :
” صباح النور .. تفضل ..”
تبعها سائرا خلفها نحو الباب الداخليه للمنزل مارا بجانب الحديقة الصغيرة المليئة بمختلف أنواع الزهور ..
دلف الى الداخل ليتأمل المنزل الذي يشبه أغلب المنازل في هذه البلاد ..
منزل حديث البناء حجمه جيد وأثاثه أنيق يوشي بإن أصحاب المنزل مرتاحين ماديا ..
” تفضل .. سوف أنادي ماما حالا ..”
قالتها بأدب تعجب هو منه ليجلس على الكنبة منتظرا قدوم والدتها التي اتصلت به صباحا تطلب منه رؤيته ليخبرها إنه سيأتي في الساعة العاشرة وقد شعر بإن رغبته برؤيتها والإطمئنان عليها تحققت ..
وجد والدة شمس تتقدم خلفها شمس ليتأمل السيدة الجميلة والتي تبدو في أواخر الثلاثينات من عمرها بدهشة ..
وبالرغم من ملابسها المحتشمة وحجابها الذي يغطي شعرها بالكامل لكنها كانت تمتلك ملامح جميلة جدا فهي ذات عينين خضراوين وبشرة شديدة الحمار ..
ألقت التحية عليها ليجيبها بعدما نهض من مكانه رادا تحيته فيجدها تخبر شمس :
” اذهبي وإجلبي شيئا يتناوله السيد ..”
هم بالرفض لكنه وجدها تقول بجدية :
” نحن لا نستقبل ضيوفنا دون أن نقدم لهم ضيافتنا المعتادة ..”
خرجت شمس من المكان بعدها بينما جلست هي على الكنبة المقابلة للكنبة التي يجلس عليها ليقرر هو بدأ الحديث :
” مبدئيا أنا كنت أنوي التحدث معك حتى لو لم تتصلِ أنتِ بي .. سوف أخبرك بكل شيء بصراحة تامة فشمس لا ذنب لها بأي شيء ..”
قاطعته والدة شمس بجدية :
” أنا أعرف جيدا إن ابنتي لا ذنب لها بأي شيء .. لا تقلق من هذه الناحية فأنا أثق بشمس ثقة عمياء .. ”
أكملت وهي تتمعن النظر في ملامحه الواجمة :
” كما إنني عرفت بكل ما حدث .. لا داعي لإن تشرح لي اي شيء .. انا لم اطلب رؤيتك كي أفهم منك ما حدث .. أنا طلبت رؤيتك لأتحدث معك وأخبرك بشيء هام ..”
” تفضلي ..”
قالها بأدب هو إستغربه ليجدها تهتف بهدوء :
” اسمعني جيدا يا سيد قيصر .. انا لا اعرف ماذا ينادوك بالعادة لكنني بالطبع سأناديك كما إعتدت أن أنادي جميع الرجال الغرباء ..”
” ناديني كما تحبين يا هانم ..”
ردت بجدية :
” لا تناديني بهانم .. نحن لا نستخدم ألقاب كهذه هنا .. بإمكانك أن تناديني سيدة ففرق السن بيننا ليس كبيرا كي تناديني بخالة ..”
نظر إليها متعجبا من كل هذه الرزانه والثقة في الحديث من هذه السيدة التي لم تهتم بإسمه ولا مركزه ..
كانت اول شخص يعامله وكأنه شخص عادي للغاية ..
وجدها تكمل :
” ما فعلته مع ابنتي غير مقبول ابدا ..”
هم بالحديث لتقاطعه بصرامة :
” دعني أقول ما لدي وبإمكانك أن ترد علي حديثي بعدها .. لا يجوز من رجل كبير معروف في البلد بنجاحاته وأعماله وسمعته الطيبة أن يستغل فتاة صغيرة لم تكمل عامها العشرين بهذه الطريقة المشينة .. فتاة تصغرك بأعوام طويلة تهددها بعائلتها مستغلا مالك ونفوذك في ترهيبها وإجبارها على زيجة لا تريدها فقط كي تنقذ أخيك المريض من الموت .. انا بالطبع أتعاطف مع أخيك واتمنى لو بإمكانني أنا او شمس مساعدته لكن ليس بهذه الطريقة .. هل ترى الزواج شيئا عاديا ،.؟! الزواج حياة كاملة ومستقبل ابنتي بأكمله سوف يتحدد من خلاله .. هل ترى حقا إن طلبك طلبا طبيعيا ..؟! كيف فعلت هذا ..؟! كيف سمحت لنفسك بإستغلال فتاة صغيرة وإجبارها على زيارتك في منزلك لمرتين بل وزيارة أخيك ..؟! هل تعلم إن ابنتي طوال سنوات عمرها لم تدخل بيوت الغرباء ..؟! هل تعلم إنها لم تركب يوما سيارة رجل غريب ..؟! هل تعلم إنها لم تكذب علي يوما ولم تفعل اي تصرفا خاطئا قد يضر بها او بسمعتها ..؟! ابنتي لم تتحدث يوما مع احد من زملاؤها الا في امور الدراسة .. ابنتي عندما تتواصل مع زميل معها بشأن أمور الجامعة تخبرني إنها تتواصل مع فلان .. ”
اخذت نفسا عميقا واكملت :
” انا لا أخبرك بهذا لأجل مدحها وتعديد صفاتها الجيدة .. انا اخبرك بهذا كي تعلم ما أدت إليه تهديداتك .. ابنتي كذبت علي وفعلت أشياء لم تفعلها طوال عمرها بسببك .. وهذا كله في كفة وحقيقة إنك خطفتها وجلبتها قسرا الى منزلك في كفة اخرى .. اسمح لي أن أخبرك بشيء يا سيد .. أنت رجل أنعم الله عليك بمال وجاه وسلطة .. عليك أن تشكر الله اولا على نعمه .. وعليك أن تستغل أموالك وسلطتك بشكل يرضي الله .. بدلا من أن تجبر فتاة على الزواج بأخيك لعلاجه عليك أن تتبرع بصدقات للمحتاجين .. صدقاتك ومساعدتك للمحتاجين سوف تكون خير علاج له .. صدقني أنت تظن إنك بهذه الطريقة تنقذه لكنك في الحقيقة تؤذيه وربما تتسبب في تدهور صحته فالله لن يرضى عنك بتصرفك هذا وربما سيرد لك سوء تصرفك ويعاقبك بأخيه .. حاشا لله أن يسكت عن حق مظلوم .. وابنتي ظلمت وكانت ستظلم أكثر لو تزوجت مجبرة بأخيك ..”
استمع الى حديثها بإنتباه شديد وكلامها يشعر به يخترقه بقوة ..لا يعلم اذا ما سيتأثر به او لا لكن كلامها هذا حفظه بالكامل ولن ينساه مهما حدث ..
وجد شمس تدخل وتضع اقداحا من العصير امامه قبل ان تقف بجانب والدتها متأهبة ..
قال أخيرا بصوت هادئ واثق وقد قرر أن ينحي كلامها هذا جانبا الآن واستخدام إسلوبه الذي إعتاد على استخدامه دوما :
” اسمحي لي يا سيدتي فأنت تنظرين للأمور بشكل مختلف عني .. انا لم أرَ بزواج الأنسة شمس من أخي أي شيء سيء مطلقا .. ربما لو كان أخي شخص عادي لكان الأمر مختلفا .. فادي عمران ليش شابا عاديا .. هو ابن اكبر وأعرق العوائل في البلاد .. شاب تتمناه جميع الفتيات .. زواج شمس منه سيكون مكسب لها ولولا وضعه الصحي الحرج كان سيكون مكسب لها هي وحدها لكن بسبب وضعه وما ستقدمه له اصبحت المنفعة متبادلة .. هي سوف تساعده في علاجه وهو سيقدم لها المركز والمال والكثير .. انا فكرت بهذه الطريقة .. لهذا لم أر أي ظلم سيحدث لها ..”
نظرت إليه شمس غير مصدقة لما قاله .. رغم كل ما قالته والدتها ما زال مصرا على عنجهيته وغروره ..
تجاهل حديث والدتها ونصيحتها واستمر بنفس اسلوبه المعتاد .. بدلا من الإعتذار أصبح يذكر ميزات أخيه التي بالطبع يعتبرها هو كثيرة عليها ..
كانت والدة شمس تفكر بنفس الطريقة .. هذا المغرور يخبرها بكل صراحة إن أخيه حلم بالنسبة لإبنتها ..
تحدثت والدة شمس أخيرا بصوت قوي وقد أدركت أن حديث كالسابق لا ينفع مع رجل مثله ابدا :
” اخرج ..”
تجمدت ملامح وجهه وهو يستمع الى ما قالته مقررة انهاء الحوار لوحدها ..
طوال سنوات عمره الثلاثة والثلاثون لم يتجرأ أحدهم على الحديث معه بهذه اللهجة بل وطرده أيضا ..
تطلع الى المرأة الواقفة محاولا تذكير نفسه بأن لا يتهور في ردة فعله رغم إهانتها الواضحة له ..
صحيح والدة شمس لا تبدو كبيرة فالسن لكن عليه إحترام فرق السن بينهما حتى لو لم يكن كبيرا .. في النهاية هي تكبره بعدة أعوام ومن المفترض إنها ستصبح والدة زوجة أخيه ..
حدق بشمس التي تتطلع اليه بتحفز وقوة صريحين وكأنها قد وجدت بوالدتها درعا حاميا لها ..
نهض من مكانه قائلا بنبرة وقورة رزينة :
” يا هانم ..”
لكنها قاطعته وهي تهتف بصوت حازم لا يقبل اي جدال :
” لا تناديني بهانم ولا تستخدم أيا من هذه الألقاب المتعارفة لديكم .. اسمعني جيدا يا سيد وإستوعب حديثي .. ابنتي خط احمر .. هل فهمت ..؟! لن أضحي بها لأجل أيا كان .. تهديداتك تلك لا تهمني .. فأنا لن أضحي بإبنتي وحياتها بالكامل خوفا من مركزك وسلطتك .. ابنتي لن تتزوج بشخص لا تريده .. ابنتي لن تتدمر حياتها بسبب أمثالك ممن يستخدمون سلطتهم وأموالهم لإخضاع الأخرين .. وإن كنت تظن إن تهديداتك الصريحة لها سوف تجعلها توافق فأنت مخطأ .. لا أنت ولا عشرة من أمثالك يهزون شعرة واحدة مني ومن ابنتي .. جرب أن تقترب منها فقط ولن أتردد لحظة واحدة في قتلك .. ”
أكملت وقد بدأت أنفاسها الثائرة تهدأ تدريجيا :
” اذهب وإبحث عن عروس أخرى .. عروس تناسبكم بكل تجبركم وقوتكم .. اما ابنتي فهي ستبقى هنا .. ولن أضحي بها مهما حدث .. وإن صور لك عقلك إنني سأجعلها فداءا كي أحافظ على هذه العائلة ومصير أخويها فأنت مخطأ .. أنا لن أضحي بأحد ابنائي في سبيل حماية الآخرين .. لإنهم جميعهم سواسية عندي لا فرق بينهم على الاطلاق ..”
أظلمت عيناه بقوة ليلقي نظرة أخيرة على شمس التي تطالعه وعلى شفتيها إبتسامة مليئة بالثقة ليعاود النظر الى والدتها بملامحه الواجمة فيقول :
” كما تشائين يا سيدة .. ”
ثم تحرك خارج المكان تاركا شمس ترتجف من نظرته الأخيرة التي ألقاها عليها قبل خروجه والتي كانت تحمل الكثير مما تخشاه ..
…………………..:……………………………………………
بعد مرور عدة أيام ..
كان يقف أمام بوابة الجامعة الرئيسية منتظرا قدوما وهو يشعر السعادة كونه استطاع أن يصل إليها ..
لقد بذل مجهودا كبيرا حتى استطيع الهرب من سجن أخيه والوصول الى جامعتها ورؤيتها ..
كان يدخن سيجارته وهو ينتظرها بشغف شديد مفكرا إن شمس بقدومها اليه في المنزل جعلته يطمح لأشياء لم يفكر بها مسبقا ..
تلك الفتاة التي جذبت انتباهه من اول يوم أصبحت ملاذه الوحيد .. كالهاجس تلاحقه لسبب لا يدركه ..
ويبدو إن أخيه قرر استغلالها لصالحه لكنه لا يعرف شيئا عنه ولا عن طريقته هو بالحصول على ما يريد …
نعم سينال شمس لكن لوحده ودون مساعدة اخيه .. سوف تصبح ملكه دون أن يضطر الى الخضوع لقيصر ..
رمى سيجارته على الأرض ودعس عليها بقدمه قبل أن يتأملها وهي تخرج من الجامعة تودع صديقتيها وتتجه نحو الشارع الجانبي كي تركب المواصلات العامة كما اعتادت ان تفعل في اليومين السابقين ..
سار وراءها بخطوات متعجلة حتى أصبح قريبا منها للغاية لتستدير نحوه بذعر وقد شعرت به خلفها فتصيح برعب وهي تتأمل وجهه الملثم بالكامل :
” من أنت ..؟!”
وقبل أن تعي شيئا كان يرش المخدر على وجهها فتسقط أرضا قبل أن يسحبها الى داخل سيارة صديقه التي كانت تنتظره في نفس الشارع ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شمس ربحها القيصر)