رواية الحب أولا الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء الثالث والثلاثون
رواية الحب أولا البارت الثالث والثلاثون
رواية الحب أولا الحلقة الثالثة والثلاثون
سحبت نفسًا طويلًا وعيناها الفيروزية تبصران المنظر الخلاب من خلال شرفة الجناح المقمين
به والذي يطل بروعة على البحر مباشرة….
ممتد البحر بجمالا بأمواج عاتية متقاذفة بعنفوان
تشاركها صخب من نوع آخر…..
يماثل الصخب الذي يدور الان في راسها منذ ان عادت من الحفل الغنائي وبعد مقابلتها بالمدعوة روما…
تعلم ان نواياها سيئة وان الحفل ماهو الى عرضٍ
ساخر…..
ومع ذلك تريد ان تحضر الحفل باي طريقة وتبرع
في إثارة غيظ الجميع هناك….
فهي كيان عثمان الدسوقي علمها والدها من القسوة
درسٍ هام ان الجبان هو المذنب !!….
وهي لم ترتكب ذنبًا في تلك العلاقة كي تتوراى خلف الستائر بجبن… خائفة من المواجهة…..
زفرت نفسًا قد احتبس داخل صدرها لثوانِ كانت
كالدهر بنسبة لها وقد نست ان تحرره كما نست
من يقف خلفها عند باب الشرفة مستند الى
اطارها عاقد ساعديه امام صدره وعيناه
تراقبها بصمتٍ مبهمًا….
عالم بانها تتصارع مع أفكارها بجنون تأخذ قرارا وتلقي اخر بمنتهى الضياع…..
تافف سليم بصوتٍ عالٍ لفت انتبها له…
فاستدارت كيان إليه بتحفظ
قائلة…
“سليم…. غيرت هدومك ؟…”
اقترب منها قائلا بهدوء….
“من بدري…ووقوف هنا مستني….”
انعقد حاجباها بحيرة…. “مستني إيه….”
رد بجدية وعيناه تأسرها بقوة…
“العصفورة تحن عليا وتقولي اي اللي واخدها
مني كل ده….”
زمت شفتيها وهي تشيح بوجهها عنه ثم
القت السؤال بغيرة…..
“تعرف روما دي منين ؟!….”
بسيطه تلك العلاقة سلسلة رغم صعوبة تكوينها في السابق….إلى انها بعد الارتباط امتدت جذورها في قلوبهما لتكن منفردة عن غيرها…
رد بصراحة وهدوء…
“صاحبة ايتن….وعمها صديق المستشار….”
التوى ثغرها والغيرة تندلع كحريق في
صدرها…
“عم مين فيهم بظبط….”
“روما…”قالها سليم وهو يتافف بملل قال بلكنةٍ جافة…
“انتي شاغله بالك بيهم ليه ياكيان… احنا مش اتفقنا
نبدأ من جديد وننسى اللي فات…”
ضربت كيان بيدها على سور الشرفة الخشبي بغضب
مكتوم….
“اتفقنا بس هي اللي بتحاول تضايقنا… عشان كده
بعته صاحبتها….”
اردف سليم بلا تعبير…
“وليه سوء الظن ده…مش يمكن متعرفش اي
حاجة عننا…”
اندفع راسها اليه كثور الهائج
بجنون….
“انت بتدافع عنها كمان ؟!!…”
أردف سليم بتوضيح…
“انا مش قصدي ادافع انا شايف انها صدفة… ”
اثار حفيظتها فوضعت يدها في خصرها واهتزت أمامه شاهقة بتبرم…
“وانها تعزمنا على عيد ميلادها صدفة كمان…”
نظر الى خصرها المتمايل كـلحن شارد يريد
عازفه…بينما جسدها المكتنز الملتف بنعومة
يختفي أسفل مئزر حريري باللون الوردي
الشاحب..
تنحنح سليم بخشونة عائد لعيناها
الحانقة بتركيز…..
“صدفة أو مدبرة… كده كدا مش هنروح…”
ضاقت عيناها بشك لعين…. “ليه بقا خايف….”
على وجهه التعجب….. “هخاف من إيه ؟!!…”
قالت كيان باهتياج….
“امال ليه مش عايز تروح مع انها عزمتك…”
رد سليم بلكنة صادقة…
“أولًا لاني مليش في جو الحفلات ده… كلها استعراضات عن مين اغنى واحسن واحد فيهم… ثانيا روما مجرد صديقة للي كُنت خطبها الأول فهروح بصفتي إيه….”
قالت كيان بجنون… “بصفة انها عزمتك……”
رفع سليم اصبعه وهو يحذرها بسطوة…
“اسمعي ياكيان عشان ننهي الموضوع ده…مش هنروح حفلات حد…احنا جايين نقضي شهر عسل
ومش عايزين مشاكل ووجع دماغ…”
انتفخت شدقتاها غضبًا صائحة…
“هنروح ياسليم… ولازم الكل يعرف انك اتجوزتني..”
ضرب كف على الاخر متعجبًا….
“انتي متخلفة..ماحنا متجوزين فعلا والكل عارف..”
ضربت الارض بالخف الناعم متذمرة….
“وصحابها لازم يعرفه وهي بنفسها والكل بعد
كده لازم يلزم حدوده معايا….”
تشدق سليم بابتسامة هازئة….
“لولا اني عرفك كويس كنت قولت انك عايزة تغيظيها بيا…..”
اومات كيان براسها..
“ودا اللي انا هعمله فعلا….”
زجرها سليم بنظرة مستهجنة….
“يسلام على الرد المحترم…. وانتي شيفاني بقا شخشيخه في إيدك ياهانم….”
تراجعت كيان بتخوف مبررة….
“مش قصدي والله… انا بس عايزة اردلها القلم
اللي ادتهولي…..”
جفل سليم سائلا
بصدمة…
“اي ده هي ضربتك ؟!!….”
صاحت كيان كـنمرة شرسة….
“متقدرش…. دا انا كنت جبت أجلها… انا قصدي
على شادي اللي كانت بعتاه يقنع عثمان بجوازي
منه….ولا نسيت.. ”
أوغر صدر سليم فجاه بمشاعر سوداوية راغبًا
الان في قتل احداهم وغالبًا ستكون هي !..
“الموضوع انتهى ياكيان ودلوقتي انتي بقيتي
على ذمتي….”
رمقته باستجداء…
“بس انا مخدتش حقي منها ياسليم…”
صمت قليلا ازاء جملتها ثم اردف بعدها
بصلابة…
“ممكن تنسي…. مش هنروح حفلات ولا هنقرب
انا وانتي من اي حاجة ممكن تضايقنا وتوتر علاقتنا…وبطلي رغي بقا ويلا عشان ننام….”
دفعته في صدره بغيظًا…..
“روح انت نام… انا مش عايزة اتخمد….”
جز على اسنانه وهو يميل عليها فجأة دون اهتمام بتمنعها وفي لحظة كانت معلقة بين ذراعيه يدلف
بها الى الغرفة…
صاحت كيان بحنق بالغ…..
“نزلني ياسليم….قولتلك مش هنام..أبعد عني..”
اوقعها على الفراش بقوة المتها بينما انضم اليها
وهو ينزع ملابسه عنه ليظهر صدره العضلي
العريض المصبوغ بسمار الشمس….
“انا لحقت اقرب عشان أبعد…. وبعدين انا لسه
مطلعتش عليكي اللي عملتي فيا قبل الجواز..”
في لحظة انقض على شفتيها الشهية ضامم خصرها إليه واصابعه العابثة تخلصها من مئزرها الحريري
ملامسًا بشرتها القشدية الناعمة…
خدرها للحظات جعل اعصابها بأكملها في حالة
إنهيار شديد….تنهار بين ذراعيه كوردة مائلة
بضعف تزدهر بعد الروي…بينما مشاعرها
الحميمية تصحو مع قبلته الناهمه…..
حرر شفتيها ومعه حرر همسها المختنق باسمه…..
“سليييم….”
مسح على وجهها بحنان وكانه يرسمها باصبعه
يرسم أجمل أمرأه راتها عيناه ووقع في حبها
دون حسبان…
همس سليم امام وجهها الجميل المتورد…
“انسيها ياكيان… وانسي اي حاجة تخصها.. والله بحبك انتي… انتي اللي واخده قلبي وعقلي..
وعيني مش شايفه غيرك….انتي العصفورة الحلوة… اللي ساعات بتبقى مُزة…. مُزة عايزة تتاكل أكل….”
ضحكت كيان برقة وقد تناست كل شيءٍ
وهي تعقب بعدم استحسان…
“اموت وافهم….اي المصطلح ده…سليم الجندي
المحامي المخضرم… بيقول لمراته مُزة !!…”
اندمج معها في الحديث قائلا بمزاح..
“اه بتحصل.. الدلع بين المتجوزين ملهوش
علاقة بشهادة والشغل…دا بيعتمد على مدى
احتراف الشخص في صياغة الدلع…”
مطت الكلمات بعدم اقتناع….
“ممم… وحضرتك على كده محترف…”
أكد بغمزة شقية…
“أمال دا انا جايبها من تحت أوي يامُزتي…”
فلته منها ضحكة رنانة صاخبة….فشاركها
سليم الضحك وهو يجلسها على ساقيه في
احضانه…..
قالت كيان بقنوط مرح…..
“كده كتير والله…عصفورة ارحم اينعم ساعات
كنت بحسها شتيمه….لان انا فكرتي عن العصافير
البنادمين…تختلف عن رؤيتك ليا….بس كانت ارحم والله….”
عقب سليم بحيرة….
“انا مش فاهم اي المشكلة عصفورة ترمز للرقة
والجمال…”
سالته بظفرة مغوية…..
“طب ومُزة ؟!!.. ”
اجابها سليم وهو يدفن وجهه في جيدها
مداعب بشرتها باسنانه…..
“ا…Sexy woman….”(أمرأه مثيرة..)
تاوهت كيان ضاحكة وهي تقول
بذهول..
“انا Sexy woman انت شايف كده… ”
همس سليم….
“عندك اعتراض عليها كمان….”
طبع القبل على طول جيدها هبوطًا الى كتفها
فانزل الحمالة الرفيعة وكشف عن مفاتنها….
فتأوهت كيان وهي تقول بضعف
معترضة بتغنج….”سلـيييم ا…”
اختفى صوتها وما كانت تنوي قوله بين ذراعيه
فقد اكتسح كيانها مجددًا بضغطت زر واحدة
جذبها الى عالمه الذي معه تنسى إسمها ولا
تنساه !!….
………………………………………………………
كانت تقف عند جسر ممتد بقلب اليخت الكبير
تنظر اليه بابتسامة جميلة تشمل وجهها المتوهج
وعيناها الفيروزية تبرق بجمالًا وهي تراه أعلى
سطح الماء يحلق على بعد امتار بزلاجة مائية
طائرة بتقنية نفخ المياه للأعلى تسمى
(فلاي بورد)…
كان يحلق فوق الماء برشاقة واحيانا يقفز
بداخل الماء ويصعد مجددًا من خلال مضخة
الماء…..
كان عاري الصدر يرتدي سروال السباحة… أشار لها
سليم بان تقترب قليلا…. فهزت راسها بتردد…
فوصل اليها بزلاجة الطائرة بمهارة…
“تعالي ياعصفورة جربي الفلاي بورد هيعجبك
أوي…..”
قالت بعد ان طالت نظراتها اليه ثم الى
هذه الزلاجة…
“خايفه ياسليم…..”
“تخافي وانتي معايا… ينفع…..”قالها وهو يقترب
منها أكثر….
ثم احتجز خصرها بين ذراعيه وارتفعت الزلاجة
الطائرة للأعلى اكثر بمضخة المياة العالية…
اغمضت كيان عيناها بقوة وهو تتعلق في عنقه
بزعر ولم تلمس قدمها الزلاجة لفرق الطول بينهما
ولخوفها وتعلقها به….
ضحك سليم وهو يدفن وجهه في جيدها محافظ
على توازنه بذكاء وبدا يتحرك بالزلاجة الطائرة برشاقة وهي متشبثه به بكلتا ذراعيها كطفلة
صغيرة مرتعبة…
حتى بدأت تعتاد الوضع بعض دقائق بسيطه مجرد
وجودها في احضانه على هذه الزلاجة أضفى شعور
جميلا يشوبه الطمأنينة والاستمتاع….
رفعت وجهها اليه وهي ترمش باستحياء…
قائلة بحرج…”خايفه أقع…..”
سالها بحاجب مرفوع….
“بقالك نص ساعة متعلقة في رقبتي…وقعتي؟!…”
هزت رأسها بنفي وهي تلعق شفتيها فقال سليم
بزهو…
“انتي مش مع اي حد….انتي مع سليم الجندي..”
ابتسمت كيان بحب فطبع قبلة على شفتيها
فشهقت بخجلا وهي تنظر عند اليخت….
“سليم حد يشوفنا….”
اجابها وهو يقطف قبلة أخرى من شفتيها
حلوة المذاق……
“محدش شايف حاجة من هنا….تعالي في حضني. ”
تعلقت في عنقه برقة دون خوف وهما أعلى الزلاجة
الطائرة يحلقا بجنون يوازي خفقات قلوبهما المنتشية
بالسعادة…..
بدأ يدور بها وهي في احضانه ويتحرك بزلاجة
بشكلا مموج وهي متعلقه به بقوة تضحك
بشدة وتصرخ بصخب عالٍ مستمتعة….
حتى بدأت تخرج من احضانه قليلًا وتتحرك معه
بدلال متجاوبة مع العبة فكانا يشكلا ثنائيًا رائع
مندمج يرقصا على معزوفة حُرة حسية الإيقاع
أوتارها خرير البحر وحفيف الهواء ، اما سطح
البحر الأزرق الامع اسفلهما مسرح الأداء….
كانا يخطفا الأنظار من حولهما كعصفوران الحب….
…………………………………………………………..
ضحكت كيان وهي تعلق ذراعها في خصره بينما
هو يحيط منكبها بذراعه وهم يسيرا على رمال الشاطئ بعد قضاء ساعات طويلة رائعة على
اليخت ولعب بزلاجة الطائرة….
“اي رايك نقضي بكرة اليوم على اليخت ونبات
هناك….”
نظرت اليه وانعكاس الغروب ينعكس على وجهها
فيعطي لمعة ذهبية جميلة…..
“مش محتاجة سؤال المكان يجنن خلينا نقضي
اليوم بكرة عليه….”
اوما سليم براسه وهو يجذب يدها برفق حتى
جلسا على رمال الشاطئ الذهيبة وامامهما زُرقة البحر الصافية تنعكس عليها شمس الغروب، المتخضبة بالحمرة ، على امتداد البحر تغرب
وكانها تختفي داخله……
وضعت كيان راسها على كتف سليم قائلة
بتوله…
“حلو اوي منظر الغروب….يجنن ياسليم مش
كده…..”
عانق خصرها بذراعه وضمها اليه وهو يضع خده
على راسها ورائحة الياسمين منها تداعب أنفه بتغنج
بدأت عيناه تسبح في جمال المشهد الساحر الذي
يكتمل بوجودها في احضانه منصهرة بدلال الحب…
“هو يجنن لأنك معايا ياعصفورة وفي حضني..”
تنهدت بدلال وهي تضع يدها على مضخة
قلبه القوية…..
“انا بحبك اوي سليم….انت عوض ربنا الكبير
ليا…”
قبل راسها ثم رفع يدها وقبلها قائلا بعاطفة
جياشة….
“وانتي حياتي ودنيتي ياكيان…..انتي الست اللي
اتمناها قلبي… واتمرد عليا عشان يوصلها..”
مطت شفتيها…. “شكلك ندمان ؟!….”
أومأ براسه وعيناه تسبح في المشهد الخرافي
بجماله الساحر…..
“ندمان فعلا بس عشان ضيعت الوقت دا كله من غيرك…..ياريتني قبلتك من زمان يا كيان….”
ابتسمت كيان وهي تذكر سبب عملها في مكتب محماة معروف كمكتبه….
“شوف الصدف بتعمل اكتر من كده…المفروض
أشكر شهد بقا هي اللي خلتني أشتغل في المكتب عندك واقبلك….بعد ما توسطت لها زبونة معرفة
عندك عشان تشغلني معاك….”
أكد سليم مبتسمًا….
“لازم اشكر أختك ومدام هانيا على النصيب الحلو
اللي رموه في حضني..”
عضت على شفتها وهي تخرج من احضانه ناظرة
اليه بمشاكسة.. “انت شايف كده….”
“انا شايف ان احنا لازم نطلع الاوضة نكمل كلمنا..”
قالها سليم وهو ينهض من مكانه بخفة وهي معه قابض على كفها بين يده بامتلاك….
ضحكت كيان وهي تلحق
خطواته….
“سليييم….حاسب هقع….”
توقف سليم مكانه بعد ان عرقل سيره وجود
روما التي ظهرت من باطن الأرض تلوح لهما
بسماجة….
“أوه سليم هاي….” ثم رمقت كيان التي تقف
خلفه على بعد خطوتين بثوب ربيعي أنيق…
“هاي كيان….”
ابتسمت كيان لها بصعوبة كمن يمضع الليمون
الاذع….بينما قالت روما الى سليم….
“انا بعتلك العنوان زي ماتفقنا…. مستنياكم
النهاردة….”
تنحنح سليم قائلا باعتذار…
“مش هينفع ياروما مش هنقدر نحضر….”
انكمشت ملامح روما بدهشة بينما صاحت
كيان بتصميم…
“لا جايين…احنا اتفقنا ان احنا هنروح… ”
نظر اليها سليم بغضب….. “كيااان….”
ابتسمت روما بخبثٍ…..
“بجد سو هابي….هشرفونا بجد هستناكم أكيد..
باي…”
انسحبت روما من بينهما بسرعة وذكاء مستمتعة بنظرات سليم النارية نحو كيان التي يبدو انها
تهورت في قبول الدعوة….
صاح سليم عليها بغضب وقد انقلبت ملامحه
مئة وثمانون درجة…..
“اي اللي عملتيه ده….”
قالت كيان بهدوء مستفز….
“إيه اللي عملته يعني واحده عزمتنا على عيد
ميلادها وانا وافقت….”
“بمزاجك كده احنا مش متفقين…”مسك ذراعها بغضب وقربها منه فقالت بتحدٍ يشوبه الشك…
“انت خايف من إيه….”
زمجر سليم بعنف…..
“برضو هتقولي خايف….انتي اي اللي في دماغك
بظبط… تعرفيها عشان تروحي عيد ميلادها…”
اجابت كيان بتبرم ساخر… “كفاية انت تعرفها….”
أردف سليم بنفاذ صبر….
“معرفه قديمة وانتهت خلاص….”
نزعت كيان ذراعها منه قائلة بحدة….
“والله مش انا اللي عرضت عليها تعزمنا للمرة
التانية وتصمم هي اللي عملت ده…وانا كل اللي
عملته اني وافقت….”
تافف سليم وهو يشيح وجهه عنها وقد عيل
صبره منها..
“انتي عايزاني إرجع معاكي تاني لنقطة الصفر..
مفيش فايدة فيكي….”ثم عاد الى عيناها بنظرة
قاسية قال…..
“انا هريحك ياكيان وهروح معاكي….بس لو اي
حاجة حصلت ضايقتك هناك….مترجعيش تقولي
انت السبب….”
قالت كيان بانف مرفوع بإباء….
“متقلقش انا أعرف ادافع عن نفسي كويس…وبذات
مع الأشكال دي… ”
رمقها سليم بغضب ثم ابتعد عنها تاركها تقف مكانها
تحترق بالغضب والغيرة واخيرًا……الشك…
لماذا تبحث عن الجراح بهذا الشكل هل يدفعها
خوفها وشكها في بني آدم ان تصنع لزوجها
مكيدة كـتلك…..
لماذا لا تستكين مخاوفها وتعانق السعادة والحب
دون تردد……
…………………………………………………………..
خطت خطواتها بحرصٍ وهي تتأبط مرفق زوجها
بيدها…دخلت الى القاعة الفخمة المقام بها الحفل
الصاخب…
كانت تتأنق بثوب أسود يلتف على جسدها بجمالا
يفتن الأعين معه تركت شعرها البندقي حرًا فوق
كتفها ووضعت زينة رقيقة مشرقة على وجهها والكحل على حدود عيناها الفيروزية مقصد للغزل والافتتن بها…..
حتى سليم بجوارها قد تأنق بحلة رسمية فخمة
تليق به وبمنصبة الرفيع بينهم..
رغم ان الحفلة شبه شبابية إلا انها كانت تحتوي على
بعض رجال الأعمال المعروفين والحاضرين الحفل بسبب الصداقة التي تجمعهما بوالدي المدعوة(روما)..
عند دخولها حدثت بلبلة في المكان لم يتوقف أحد
عن ما يفعل لكن الأعين كانت عليها من كل إتجاه
كسهام تلاقيها غدرًا….
لكنها لم تبالي دخلت مرفوعة الرأس بابتسامة باردة
زائفة المعاني….كالابتسامات التي تلقتها من بعض الحاقدين والذين ادعوا الانبهار فور ان وقعت
عيناها عليهم….
رفعت كيان عيناها الى سليم تاخذ أول انطبع له
لكنه منذ خروجهما وهو يلتزم الصمت بملامح جامدة
كصخر وكانه يعاقبها على قبولها للدعوة….عقاب الخصام الأول ، بعد زواج دام لأربعة أيام فقط ؟!…
زفرت نفسًا مرتجف بعد رؤيتها لروما تستدير اليهما
بعد ان أبلغها أحد الأصدقاء بحضورهم…
مع استدارت(روما) تبعتها استدارة لامرأة اخرى ظهرها عاري حتى اخره ترتدي ثوبٍ لامع قصير
جدًا يكشف عن الكثير… بقصة شعرٍ عصرية
شبيهة للرجال…تضع زينة تعبر عن مدى حبها
للحرية من منظوم آخر…تضع الاقراط الفضية
في انفها وفمها وقد رسمة وشم أسود على
شكل عقرب على طول ظهرها العاري….
ايتن ؟!!…
وهل ستنساها لم تتفاجئ بوجودها فهي تعلم انها
ستحضر على اية حال..وسليم يعلم لذلك رفض
ان يأتي منذ البداية…..
تقدمت منهما روما بخطوات مائعة ونظراتٍ خبيثة
وايتن خلفها تقف مائلة بميوعة ترتشف من كأس النبيذ وعيناها من أعلى حرف الكأس معلقة على سليم تشع لها نظرات شوق وعتاب…
تلقاها سليم بنظرة جافة وهو يشيح بوجهه عنها
موجه الغضب كله نحو كيان التي ازدردت ريقها
ببوادر ندم بدأت تضفى على وجهها….
رؤية (ايتن) بعد كل ما حدث تضرب رجولته
بمطرقة حادة فكلما صادفها ونظر إليها اكتشف
كم كان مغفل في تلك العلاقة لسنواتٍ….
نسى انه رجلا وقبل بأشياء لا يقبلها الرجال فقط
كي يحافظ على علاقة حكم عليها بالفشل منذ
القاء الأول….
علاقة تختلف عن سجيته وحياته…علاقة انتهت
باعجوبة في آخر لحظة…..
قالت روما بابتسامة زائفة….
“مبسوطه اوي انكم جيتم نورتوا الحفلة…”
قدم لها سليم علبة هدايا صغيرة
وانيقة….
“كل سنة وانتي طيبة ياروما….”
“وانت طيب….مرسي…..”قالتها روما ثم لوحت
الى صديقتها بلؤم….
“ايتن تعالي…”
اقتربت منهم ايتن بخطوات متغنجة وفي يدها
كأس الخمر وكأنها تتحداه أو تحاول استفزازه
بما كان يمقته في السابق….
“هاي ياسليم…..”
اغتصب البسمة ويده مزالت معلقه في يد
زوجته….. “اهلا يا ايتن…..”
لم تلقي التحية الى كيان وكأنها غير مرئيه
رغم انهما يتبادلا النظرات الغير ودودة
الان….
قالت روما بنبرة قميئة…
“اي رأيك في اللوك بتاعها ياسليم يجنن…بقت
احلى من الأول…”
رفعت كيان حاجبها بغضب…بينما قالت
ايتن بزهوٍ…..
“روما….انا طول عمري حلوة….انا حتى عمري ما
عملت تجميل…. ”
تدخلت كيان بالحديث بازدارء ساخر…..
“مش قصدي أقطع كلامك عن جمالك الرباني
بس اللي عملك الفيلر نفخ الشفة اللي فوق اكتر
من اللي تحت…..دا غير البوتوكس مش مظبوط
خالص…انا اعرف دكتورة تجميل شاطرة جدًا
ممكن اديكي عنوانها وهخليها تعملك خصم
تلاتين في المية اي رأيك…..”
احمرّ وجه ايتن بالغضب وجحظت عيناها بالصدمة
وهي ترمق كيان بدهشة..وعقلها يصرخ بكبرياء
كيف تجرؤ……كيف تجرؤ…..
حافظت ايتن على الابتسامة المبتذلة…
“مم بجد…ودي بقا الدكتوره اللي بتبعي معاها..”
شهقة كيان بأسلوب شعبي أصيل جعل ايتن
و روما يبرمن افوههن بقرف…بينما كبح سليم
ضحكته وهو يحك في انفه متنحنح بخشونة
فقالت كيان باسلوب كياد….
“فشر…بعد الشر عني.. انا مش محتاجة انفخ
ولا اشد ولا ابوظ شكلي….. عن نفسي شايفه ان الناس اللي بتغير في خلقت ربنا فاضية اوي من جوا….”
احتقن وجه ايتن بشدة بينما تابعت كيان
بلؤم….
“انا شايفه ان الواحد لو صفى قلبه وضميره…هيبقا
عمل تجميل رباني لروحه وشكله….وهيبقا حلو اوي
في عيون الناس اللي بتحبه…..زي انا وسليم كده..”
وضعت كيان راسها على كتف زوجها بدلال….
مضيفة بأسلوب قميء يليق بغريمتها….
“بس انتي برضو معذورة يا ايتن…حكم السن
بقا يخليكي تتجهي للفيلر والبوتوكس وغيرهم..”
توسعت عينا ايتن بصدمة معقبة بنفسٍ
كارهه…
“حكم السن ؟!… على فكرة انا مش أكبر منك
بكتير ياكيان….”
رفعت كيان راسها قائلة ببراءة..
“ايوا عارفه طبعا….خمستاشر سنة مش كتير أوي..”
جزت ايتن على اسنانها بغضب يضرب كل عصب
داخلها بعذاب…فقالت بعد لحظتين من الصمت
وهي تنظر إليه…
“ممكن نتكلم شوية ياسليم… عيزاك….”
قبل ان يفتح سليم فمه قالت كيان بسطوة…
“هو اي اللي عيزاه ياحبيبتي…انتي شيفاه
واقف مع بنت أخته ؟!!…”
تبرمت ايتن ببرود…
“احنا صحاب قبل اي حاجة….”
هزت كيان راسها قائلة بجمود…
“لا انا مليش في الجو ده…عايزة تقوليه حاجة
قوليها واحنا مع بعض…جوزي حبيبي مش بيخبي
عني حاجة….ومش بيصاحب ستات….”
نظرت اليها ايتن
بقرف….
“اي التخلف ده ؟!!..”
اوقفها سليم بخشونة وهو غير راضي ابدًا عن
ما يحدث هنا…
“قولي اللي عندك يا ايتن….مفيش أسرار بينا..”
لطم كبرياؤها العظيم بالرد الاذع….فالقت عليه نظرة
غاضبة معاتبة ثم ابتعدت دون تعقيب…
فشعرت كيان حينها بفوران في راسها ورغبة
شديدة في الخروج من هذا المكان….
فهي أخطأت حينما اتت الى هنا بدافع المواجهة
لقتل الشكوك والظنون داخلها….
تشنج فك سليم المًا وامتلئ صدره بمشاعر
سوداوية تخصها وحدها…اتكأ على كفها بقوة وهو يقول الى روما بجفاء…
“احنا لازم نمشي ياروما كل سنة وانتي طيبة…”
وقفت روما مكانها بدهشة وهي تراهم ينويا
المغادرة وقبل ان تمنع هذا باي ثمن وجدت
صوتٍ رجولي عرقل طريقهما صوت رجل
أعمال معروف ترافع سليم عن أحد قضاياه
سابقًا….
“سليم الجندي بنفسه هنا….اهلا اهلا….”
استدار له سليم وعندما راه ابتسم
بود….
“اهلا ياعزام بيه….فرصة سعيدة.. ”
تبادل معه السلام بحفاوة…
“انا اسعد برؤيتك… معقول انت معانا في الحفلة…”
اوما سليم براسه مشير على روما
بعيناه بفتور….
“اه اصل روما معرفة قديمة…..”ثم أشار على كيان
بفخر واعتزاز وكأنه يعرف عن قبيلة ينتمي لها
بكل جوارحه…..وهذا أثار في نفسها بشدة فجعلها
ترتجف رجفة خاصة…..
“المحامية كيان… مراتي.. ”
اوما الرجل براسه مرحبًا
بها…..
“اهلا تشرفنا ياهانم…..”
اكتفت كيان بايماءة ترد التحية….بينما قال
سليم….
“وانت اي اخبارك ياعزام بيه…..شغلك تمام بعد
القضية اللي كسبناها.. ”
زفر الرجل بارتياح قائلا باستجداء….
“طبعًا كله تمام بس في حاجة بسيطة كده كنت عايز اتناقش معاك فيها… مسألة قانونية.. وكنت ناوي اعملك زيارة للمكتب بس انت سبقتني…..”
عقد سليم حاجباه معقبًا….
“مينفهش نأجلها…..انت شايف المكان اللي
وقفين فيه….”
أجاب الرجل بنبرة شبه متوسلة….
” مش هاخد من وقتك كتير… هما عشر دقايق…..”
ثم نظر الى كيان معتذرًا…..
“دا بعد اذن المدام….”
اجابت كيان على الفور…
“لا طبعا خده راحتكم….انا معنديش مانع…”
مالى سليم عليها وكانه يقبل خدها مع انه في الحقيقة يهمس لها بتعليمات صارمة….
“خليكي مكانك شوية وراجع…. اوعي تشربي
حاجة ياكيان انا بحذرك….”
زمت كيان شفتيها وقلبها يهفو اليه بعذاب وهي
تراه يغادر امام ابصارها لتكن وحيدة بصحبة
روما وأشخاص من حولها لا ترتاح لهم قط…
تستحق كل هذا بعد ان صممت على الحضور..
قالت روما بتصنع….
“تحبي تيجي معايا اعرفك على الشلة….”
رفضت كيان بهدوء…
“لا شكرًا انا هستنا سليم هنا…”
ابتعدت عنها روما بعد إبتسامة فاترة ثم اقتربت
من احد شباب الحفل وأشارت على كيان سرًا
هامسة الى الشاب في اذنه…..
“بقت لوحدها اهي…. وريني شطارتك….”
التفت الشاب ورمقها بنظرة دنيئة مقيم جمالها الامع كنجمة سينمائيّة تضوي بين الحضور دون مجهود يذكر…
عقب الشاب وقد سال لعابه
عليها….
“حلوة اوي تتكل أكل….”
خبطت روما على كتفه بقوة قائلة
بتحذير….
“أعمل اللي اتفقنا عليه لا أكتر ولا أقل…”
ثم اتجهت الى صديقتها التي استقبلتها بملامح
نارية كشيطان يحتضر….
“عملتي اي ياروما…مع ال********دي.. ”
قالت روما وهي تاخذ رشفة من
الكأس…
“بعت واحد من الشلة…..زي ما تفقنا….”ثم ضحكت
بتشفي مضيفة بلؤم….
“اتفرجي على العرض الجبار وانبسطي….”
“لازم انبسط تستحق اكتر من كده… الزبالة”قالتها
ايتن بغل وهي تتابع ما يحدث من بعيد…
كانت مزالت مكانها نفس الوقفة متسمرة كتمثال تتابع ما يحدث من حولها بعينين نافرتين من هذا
العالم المباح به كل حرام….
كل فتاة هنا تتعلق في عنق شاب بعهر يثير
الاشمئزاز…
الجميع هنا يستعرض ثروة والديه المهولة من ملابس وحلي سواء رجال او نساء.. الخمر كالمياة الغازية في أيديهم….والعري موضة العصر…..
ليتها ما اتت، سليم على حق…..غبية….غبية…
اقترب منها شاب يماثل هذا المجتمع ووقف
امامها قائلا بنظرة وقحة….
“هاي ياحلوة….شكلك وجه جديد معانا….أسمك
إيه….”
انكمش وجه كيان بامتعاض…
“وانت مالك ؟!!…”
رفع الشاب حاجبه بغرور قاصد اخافتها…
“تؤتؤ….كده أزعل بجد…انتي شكلك مش عرفاني..”
عقدت كيان ساعديها امام صدرها محاولة ان تتمالك نفسها ولا تفتعل مشاكل…. “ولا عايزة أعرفك….”
مالى الشاب عليها بعبث وقح…
“بس انا بقا عايز أتعرف….تحبي تاخدي مفتاح اوضتي ولا تديني مفتاحك….”
نظرت اليه كيان بصدمة وقد ارتجف جسدها
برهبة وغضب جراء حديثة….فلوحت بيداها
في وجهه بانفعال….
“احترم نفسك انت اتجننت….انت ازي تقولي كده اصلا…..انت فاكرني إيه….”
تجرأ الشاب وفعل مالم تتوقعه مسك ذراعها
وسحبها معه الى الخارج…..
“ماتهدي كده على نفسك انتي هتعمليلي الطاهرة الشريفة..تعالي معايا وهننبسط سوا.. وهراضيكي
في الآخر… ”
زجرته كيان وهي تحاول سحب ذراعها
منه….
“ابعد عني ياحيوان….وخدني على فين…”
وجدت نفسها تجر بين قبضة حديدية وقوة جسمانية تفوقها قدره تجذبها الى المجهول وعندما وجدت
محاولة الفرار منه تفشل مرة بعد مرة اطلقت
صرخة عالية باسمه تستنجد به ملفته الانظار
كذلك لها…
“سـلــيـم…….سـلـيـم…..الحقنيي….”
في أقل من دقيقة تلقى الشاب لكمة قوية أسفل عيناه واخرى اطاحت فكه فنزع يده عنها فورًا وانبطح ارضًا متاوهًا…
وضعها سليم خلف ظهره وبدأت هي ترتجف بخوف والدموع تجري على وجنتاها بغزارة ملطخه بالكحل الأسود متشبثه في سترة سليم بيدين ترتعشان….
تبادلت ايتن وصديقتها النظرات بضغينة فقد فشلت
الخطة قبل ان تبدأ ؟!!..
انحنى سليم على الشاب ومسك ياقة قميصة
صارخًا بوحشية…..
“مالك ومالها يا*****…..ماسكها كدا ليه…”
أجابه الشاب بنبرة مستفزة وهو يمسح الدماء
التي سالت من فمه…
“ابدًا طلبت مني ابسطها…..وانا مقدرش أقول
للحلوين لا….”
شهق بعض الحاضرين بصدمة… منهم من صدق والاخر استنكر بسبب خوفها الواضح وصرخة الاستغاثة التي اطلقتها منذ دقيقتين….
جاشت مراجل سليم وغلت الدماء في راسه فاندفع
اليه بملامح خطرة مظلمة مهيبة ينوي البطش به حتى الموت…
اتسعت عينا كيان بصدمة وهي تراه كالوحش الثائر
يفتك في الشاب دون ان يلفظ كلمة واحده يضرب بعنف و بوحشية….مغيبًا في تلك اللحظة تحديدًا وكل ما يريده الان سفك دماؤه ثم يحدث ما يحدث
بعدها…..
…………………………………………………………….
ازعجها صوت ضجيج بالخارج فزمت شفتيها وهي تفتح عيناها بصعوبة…
لتضح الرؤية امام ابصارها في نفس الغرفة الانيقة المرتبه بمفردها وكومة من الحزن تحيط بها بقسوة…..
نامت بملابس الخروج التي ارتدتها على عجله
في حمام غرفة الفندق اثناء وقوفه على راسها
عند باب الغرفة بملامح جافية متوعدة لها
بالكثير….
وعند عودتها الى هذه الشقة مجددًا ركضت بسرعة
الصاروخ الى الغرفة واغلقتها عليها بخوف وانتظرت
خلف الباب بانفاس متسارعة ترتجف كأرنب مذعور..
لكنه صدمها بالصمت يليه سماعها أغلق باب غرفةٍ
أخرى بقوة تعبر عن مدى غضبه واستياءه منها…
وقتها شعرت بمخالب حادة تنبش في قلبها وكبرياؤها….فانحنت ارضًا تدفن وجهها بين
ركبتيها بتعب وسالت الدموع على وجنتها
بغيظٍ والم…حينها غفت بعد وصلت بكاء لا
بأس بها…
نهضت عن الفراش بتكاسل وهي تحاول نفض هذا التعب والحزن من على جسدها فقررت ان تاخذ
حمام بارد وترتدي شيءٍ مريح….
جذبت المنشفة والملابس واتجهت الى الباب وضعت
يدها على مقبض الباب وانتظرت قليلا بتوتر حتى حسمت أمرها وهي تاخذ نفسًا مرتجف…
اطالت راسها للخارج أولا كزرافة لطيفة تنظر يمينًا ويسار بتوجس….
وعندما وجدت المكان فارغ ولا يوجد صوتٍ خرجت
بخطوات واسعه بطيئة حريصة وبين يداها كومة ملابسها النظيفة والمنشفة…..
وصلت الى الحمام وهي تلتفت حولها كل ثانية
كالصٍ….ثم دفعت الباب ودخلت واغلقت الباب
خلفها بسرعة…..
وضعت يدها على صدرها بارتياح ثم بدأت تعلق ملابسها وهي تتبرم بغضب مكتوم….
“زمانه لسه مخموض…..ليه عين ينام بعد عمايله السودة….”
شاطت غضبًا مزمجرة….
“المجرم…..هموت واعرف عرف مكاني إزاي…”
“تعالي ليفيني وانا أقولك….”
دوى هذا الصوت كالرعد فوق اذنيها قاتل الصمت
والسلام داخلها..
ارتعدت للخلف برهبة متسعة العينين بهلع وهي تراه عاري مغطى جسده برغاوي الصابون يقف خلف زجاج كبينة الاستحمام…ويمد يده لها بليفة الاستحمام قائلا بغمزة وقحة…
“تعالي ادعكيلي ضهري ياقمراية….”
جحظت عيناها بصدمة ولمعة الدموع بهما وهي تطلق صرخة عالية هاربة من أمامه بسرعة
وهي تصرخ باستحياء ووجهها أحمر كالدماء …
“مش تقول انك هنا…انت مش طبيعي…مش
طبيعي…”
صاح حمزة بوقاحة من خلفها بعد ان خرجت من الحمام ركضًا دون الاستدارة مرة أخرى….
“ماهو الطبيعي اننا بنخبط الاول..مش ندخل شبه
التيران…اديكي شوفتي كل حاجة اهوه….”
اردف حمزة ببراءة….
“كنت عايز اعملهالك مفاجأة….انا مُحرج أوي ياقمراية…. ”
وقفت بجوار الباب المغلق تاخذ انفاسها الهادرة
بصعوبة ثم صاحت عليه بسخط…
“مُحرج ؟!!..هو اللي زيك يعرف يعني اي احراج..
يا قليل الأدب..”
قال حمزة باختصار فطري….
“انتي مكبراها ليه دا انا جوزك يعني…ستر وغطى.. ”
انفعلت وهي تصيح بتهكم….
“يعني إيه جوزي تدخل عليا وانا بستحمى…”
أكد حمزة مكملا….
“و وانتي بتعملي بيبي….”
لوت شفتيها بتقزز معقبة…
“ممكن تبطل قرف وتخلص….عايزة اخذ شاور.. ”
قال حمزة بحفاوة مرحبًا بها….
“طب ما تيجي يابنتي واقفه ليه… الكبينة واسعة
وتساع من الحبايب إتنين….تعالي ونليفو بعض..”
زجرته قمر بضيق….. “بطل اسفاف بقا….”
استنكر حمزة قائلا….
“والله انتي اللي عايز يتسف عليكي…تعالي والماية
شغاله كده….”
صاحت بصوتٍ عالي….
“خلص ياحمزة لو سمحت…”
تافف حمزة بعناد….
“لا عشان نبقى على نور حاجتين مينفعش تستعجليني فيهم الحمى …”
توقف عن الحديث فجأة فرفعت قمر حاجبيها برهبة….
“والحاجة التانية ؟!!….”
بعد لحظة صمت قال
بسماجة…
“نسيت لما ابقى افتكر…..”
“رخم….”قالتها بحنق بالغ وهي تبتعد عن الباب
ودخلت الى غرفتها مجددًا حينها سمعت صوت
رسالة وارده من رقم مجهول….فتحتها بملل
ترمقها بنظرة باردة…..
(مش بيحبك ابعدي عنه واشتري نفسك…)
وقفت للحظات تنظر الى الرسالة بعدم فهم حتى
لوت شفتيها بعد تفكير وهي تقول بتوعد….
“اي الرسالة السخيفة دي….تكونش كيان بتعمل فيا
مقلب…..مين غيرها يعني ؟!!…ماشي لما أشوفك ياعقربة….وحشتني والله…..”
اطلقت تنهيدة حزينة وهي تبتسم باشتياق….
الان فقط بدأت تشتاق للحياة السابقة التي جمعتها
بثلاثتهم سابقًا رغم المشاكل وصراعات إلا انها كانت أفضل من وحدتها الان بدونهم….
حتى حمزة القديم تفتقده بشده….
كل شيءٍ انقلب فجأه امام عيناها وبصورة
مفجعة….موجعه لقلبها…..
………………………………………………….
دلفت الى المطبخ بعد ان اغتسلت وارتدت ثوب
بيتي رقيق من اللون الكحلي مطبع بالورد الأبيض
الصغير….يصل طول الثوب لبعض ركبتاها بقليل
كاشف عن رشاقة قدها المميز بارز مفاتنها المغويه بحياء…..
تطلق شعرها الغجري المندي حرًا طليق خلف
ظهرها يتراقص كالعادة بموجاتٍ جنونية مع كل حركة بسيطه تصدر منها…
وجهها ناصع ومشرق خالي من اي زينة حتى
الكحل الأسود الذي لا يفارق أطار عيناها
تخلت عنه اليوم..
وقفت مكانها تراقب عن قرب ما يفعل فكان يقف
في المطبخ بجاذبية خاصة يرتدي طاقم رياضي
رائع فوقه يضع المريول….
يقطع الخضروات باهتمام وتدقيق شديد وكانه يقوم
بعملية جراحية حساسة….
خصلاتُ الناعمة تسقط على جبهته مهما ابعدها او مشطها للخلف تلقيه خلسة وبعناد صانعة فوضى
جذابة مع عيناه العسلية ذات الامعة الاخذة
بضراوة لا يستهان بها….
ضراوةٍ جذبتها الى القاع في لحظة تغافل منها
فـبقت أسيرة هناك بارادتها !!…
“مش ناويه تساعديني….ولا هتفضلي واقفه كتير..”
شهقت دون صوتٍ وهي تنظر الى ظهره الذي مزال
يوليها إياه….وقد تخضبة وجنتاها مجددًا بحرج
متذكرة هذا الموقف المحرج الذي تعرضت له معه…
“انت بتعمل إيه بظبط….”
سالته بتحفظ دون ان تتحرك خطوة واحده للأمام
اجابها دون النظر إليها….
“بسخن اكل العشا اللي بقاله يومين في التلاجة
بيستغيث مننا…”
رفعت حاجبها مستفسرة….
“امال إيه اللي انت بتقطعه ده….”
التفت إليها يرمقها بنظرة طويلة متفحصه مقيم جمالها المتمرد ذي المحة الشعبية الأصيلة…..
ازدرد حمزة ريقه وهو يشعر بالهزيمة امام اسلحتها الفتاكة والتي تشهرها أمامه دون ان تدرك….
بل ومطلوب منه التعامل بجمود وسخرية مع كل
هذا ؟!!!..
اجاب بلا مبالاة….
“سلطه…. تعالي دوقي وقوليلي رأيك…”
هتفت باستهانه….. “في السلطة ؟!!….”
اوما حمزة براسه بزهوٍ…..
“اه ومالها السلطه…هو اي حد يعرف يعمل سلطه
حلوة ولا إيه….”
عقبت ببرود…. “اه انا بعرف اعمل سلطة….”
لوح بيده مع تعليق لاذع….
“اتنيلي مش لما تعرفي تعملي القهوة الأول…”
للحظة فغرت قمر شفتيها بغضب متسعة
العين ثم قالت بسخط…
“وبتطلبها مني ليه بقا عمال على بطال..”
برم حمزة شفتيه بقنوط….
“مضطر…المضطر بيركب الصعب….”
مطت شفتيها بقرف….. “مضطر ؟!!!…”
اكتفى بايماءة وضحكة مستفزة وهو يفتح الميكرويف مخرج منه طواجن الارز الصغيرة
ومن الفرن صنية الحمام وطاجن الحم بالبصل
ومعها طبق السلطة الطازج الذي اعده…
داهم انفها رائحة الطعام الشهي فشعرت الان بانها
تتضور جوع وانها لم تاكل منذ يومين كاملين
وضع حمزة الطعام على الطاولة الرخامية المستطيلة
بقلب المطبخ في ركن عصري لتناول الطعام…..
ثم جلس على المقعد ومسك المعلقة وبدأ يأكل
دون ان يوجه لها كلمة واحده….
جاشت مراجلها بغيظ وهي تراه يأكل بنهم دون ان يعرها نظرة إهتمام….
تنحنحت قمر بغضب حتى ينتبه لوجودها…لكنه كان
كالاسد الجائع يفترس الحمامة المحشوة المحمرة وياكل بعدها ارز محشو بقطع الدجاج….
جزت على اسنانها ومعدتها تصدر اصوات إغاثة
ليس لها علاقة بكبرياؤها العظيم المنتظر دعوة
على وجبة شهية كتلك….
اشاحت قمر بعيناها بعيدًا عن صورته هو يأكل
فهذا يزيد شعورها بالجوع….ثم قالت
بكبرياء….
“على فكرة انا مش جعانه خالص….”
نظرت اليه بطرف عيناها لتجده يدخل على الحمامة
الثانية بعد ان جعل الأول عبارة عن عظام
متشفيه !!…
عضت على شفتها السفلى بغيظٍ متخيلة نفسها هي
من تأكلها وتملئ معدتها الفارغة بها…
سعل حمزة فجأة بقوة واحمر وجهه ثم مسك سريعًا
كوب الماء وارتجف منه بعد ان اخذ انفاسه…
رمقها اخيرًا بنظرة طويلة متهمة
قائلا…
“انتي بصه ليا في اللقمة ولا إيه ؟!!…”
لوحت بيداها بغيظٍ متبرمة…
“لقمة ؟!!…كل ده ولقمة…..”ارتفع حاجب حمزة
جافلا…فقالت هي بامتناع عظيم….
“انا مش جعانه اصلا….انا مبكلش أكل بايت…”
عقب حمزة بنبرة هازئة…
“من ذوى الأملاك يعني…طب اتشطري يلا
واعمللنا أكل صابح زيه….”
قالت بضيق بالغ يشوبه الحسد…
“واعملك ليه هو لسه في مكان….بعد الحمامتين
اللي ضربتهم….وطاجن الرز.. ”
اتسعت عينا حمزة متمتمًا بخوف….
“الله أكبر في عينك…. مش بقولك بصه ليا في اللقمة….”
برمت قمر شفتيها هامسة بعدة كلمات لم يسمعها جيدًا الى انه اثار غيظها بتسلية قائلا وهو ينظر الى الحصة المتبقية من الطعام…
“عمتًا انا عيني في طاجن الرز بتاعك والحمامتين
التانيين….. تسبيهم وتاخدي حقهم….”
عقبت ببرود ساخر…
“واي هو حقهم ياظريف….”
غمز لها بوقاحة…. “بوستين….اي رأيك….”
كتفت ذراعيها امام صدرها تخفي ضعفها
وخفقات قلبها مزمجرة بتداعٍ..
“حد قالك اني عايزة اتباس….”
قال بعبثٍ جذاب….. “قلبي دليلي…..”
قالت بقنوط….
“وانا مش عايزه حقهم يا أنور وجدي….”
ثم اتجهت الى الطاولة الرخامية وقالت بتمنع..
“مع اني مش جعانه خالص… بس انا هاكلهم
عشان اضايقك بس مش أكتر…..”
التوى ثغر حمزة بضحكة خبيثة….
“عشان تضايقيني ؟!!…طب كُلي يلا عشان اضايق..”
جلست مكانها وبدأت تنظر للطعام بتردد وكانها
لأول مرة تأكل معه وتشعر بالحرج من صحبته…
نظرت اليه وسألته ببراءة
الأطفال…
“هو انت هتفضل قاعد كده…”
هز راسه وهو يرمقها بابتسامة
سفاح… “عندك مانع ؟!!….”
مما جعلها تزم شفتيها بضيق من هذا المتسلط المخيف..
ثم مسكت المعلقة وأول شيءٍ وضعت يدها به
كان طبق السلطة الطازج الذي لم يمسسه بعد…
بدأت تمضغه وهي تشعر بانه افضل طبق سلطة
تذوقته في حياتها ربما هي تبالغ او انه الحب
الذي يدفعها للشعور بهذا….
“انا هقوم اغسل ايدي واجيب علبة السجاير
من الأوضة…”
قالها حمزة وهو ينهض من مكانه بهدوء تارك لها مساحة خاصة….
وعندما اختفى عن مرمى عيناها نظرت للطعام
بجوع ومسكت الحمامة المحشوة وبدأت تفترسها مثله متنهدة بتلذذ بعدها وهي تملئ معدتها الفارغة اخيرًا بوجبة دسمة وشهية….
وقف حمزة على عتبت الباب يراقبها بابتسامة
شقية….ثم بعد دقيقتين من المراقبة صاح
يفجعها قائلا….
“واضح انك مش جعانه فعلا وبتاكلي عشان تضايقيني….لا ومش بتاكلي أكل بايت.. ”
توقفت قمر مكانها متسعة العينين بصدمة وحرج وبين يداها الحمامة المحشوة وخدها من الجهتين ممتلئ بكرتين من الطعام وشفتاها تلمع من آثار
الأكل…..
“زي ما انتي هاخد صورة للذكرى…”
قالها وهو يخرج هاتفه والتقط صورة لها على هذا
الوضع….
اربد وجه قمر بالغيظ وهي تراه ينسحب بعيدًا عنها
ضاحكًا باستفزاز….
يبدو ان الأيام القادمة بصحبة هذا المستفز المتسلط ستكون الاسوء على الإطلاق….
…………………………………………………….
وضعت صنية عليها قدح من القهوة وكوب ماء
امامه بوجهًا مكفهر قائلة بحنق…..
“القهوة…”
“تسلم الايادي ياقمراية…. تعالي قعدي…”
جلست بجواره على الاريكة تشاهد التلفاز مثله
وقد انتبهت للتو الى المشهد الساخن الذي يحضره
من فيلم اجنبي رمقته بطرف عيناها قائلة بقرف…
“ممكن تقلب حاجة عدله وتبطل قلة آدب…. انت مالك النهاردة بظبط….في إيه….”
برم شفتيه يلمح بحسرة….
“ابدًا عريس جديد ولسه مدخلتش دنيا لحد دلوقتي….”
قالت بترفع…..
“ولا هتدخل ياحبيبي….أنسى….”
نظر لها حمزة بوعيد خطر….
“بلاش تحزقي اوي كده… عشان انا لو عايز مش هتمنعيني…. انا سايبك بمزاجي ها… فبلاش جو
الاستفزاز ده عشان ميجيش على دماغك….”
لوت قمر شفتيها مكتفة ساعديها بتذمر….
فبدأ يقلب حمزة القنوات من خلال جهاز التحكم فوقف عند فيلم مذاع….وعقب عليه بمراوغة
وقحة…
“الله أموت في هيفا وهبي… تعرفي انها فتاة
احلامي من وانا صغير…تعرفي اي اكتر حاجة
بتشدني ليها..”
أوغر صدرها بنيران الغيرة ولم تعطي حديثه إهتمام
يذكر……
تابع حمزة وعيناه معلقه على شاشة
التلفاز….
“ضحكتها…..بذات لما تبقا بزاوية….”
“استغفر الله العظيم…. ممكن تتلم…”قالتها قمر
وهي تضغط على شفتيها بغيظٍ…..
استأنف حمزة ببراءة….
“انتي دماغك بتحدف شمال ليه قصدي على
زاوية الصورة….”
رمقته بطرف عيناها مستنكرة….فقال حمزة
بغمزة لعوبة….
“ماتقومي كده تاخدي زاوية خليني اتأكد من
أحلام الطفولة البريئة !!..”
لمعة عينا قمر بالغضب السائد واشارت على كوب
الماء القابع بجوار القهوة….
“عارف كوباية الماية دي هحميك بيها… لو ملمتش
لسانك وبطلت قلة آدب…انت اي اللي حصلك
بظبط مكنتش كده… كنت محترم عن كده…”
اكتفى حمزة بابتسامة شقية وهو يرفع فنجان
القهوة الى فمه ويرتشف القليل بتلذذ….
بينما التزمت قمر الصمت وهي تشعر بثقل شديد
فوق صدرها ووجع حاد في قلبها….
احلامها تحققت الان أصبحت زوجته يتشاركا
الطعام والجلسة والحديث لكن هناك شيءٍ
مات داخلها اطفأ فرحة قلبها..والحب به
تعكر صفوه…..
حتى هي أصبحت معه أمرأه بائسة حزينة تشعر
بالاهانة لكونها زوجة لها ؟!!..
عن اي أحلام وردية سعيدة تمنت ؟!!…
ليس هناك شيءٍ سهلا في الحياة حتى الأمنيات
التي تتحقق بسرعة البرق تهبط بنفس السرعة
مسببه دمار غير قابل للأصلاح !!…
قطع حمزة ضجيج افكارها بسؤال هادئ
صلب….
“اي اللي خلاكي تسيبي البيت وتمشي…”
دون النظر اليه اجابت بجمود….
“الغريبة انك عارف السبب… ولسه بتسأل…”
أردف حمزة بنبرة قاتمة…
“مهم كان السبب ميدكيش الحق انك تطلعيني
*******….. قدم نفسي والناس….”
اغتاظت من اللفظ البذيء الذي استعمل
إياه في الحوار لأنها لم تقصد هذا ابدًا….
ومع ذلك قالت بثبات انفعالي….
“انا لسه مصممة على الطلاق ياحمزة… ومفيش
قوى في الدنيا هتخليني اغير رايي….”
فتح حمزة فمه يحدق بها ببلاهه ثم عقب
بتجهم….
“ماشاءالله لسه الجنان ركبك يعني…طب وليه
قعده معايا لحد دلوقتي….”
قالت قمر بتمرد….
“انت اللي اجبرتني….ورجعتني هنا تاني بعد ما
كنت سيبالك الجمل بما حمل…. ”
هز راسه عدة مرات بعصبية سائلا
بنفاذ صبر…
“وده ملفتش نظرك لحاجة….”
فطنة بالامر فقالت….
“لفت نظري طبعًا انك عملت دا كله عشان تاخد امضتي على التنازل….”
“بجد….دماغك ابوسها…”مالى على راسها يقبلها
بعصبية فنزعت راسها عنه بضيق…
بينما قال هو بملامح قاربت على الانفجار
منها..
” اي النباهه والذكاء دا كله….انتي وقعتي عليها وانتي صغيرة ؟!! يخربيت دماغك رهيبة في التفكير… انا قربت اقطع شرايين منك….”
صاحت قمر بغيظٍ…..”انا مبهزرش….”
هدر هو في وجهها بصوتٍ جهوري بعد ان زال
قشرة السخرية والمزاح عنه…
“ولا انا بهزر…. اسمعي يابت…طلاق منك مانا
مطلق في حاجة تانية….”
رقصت قمر حاجبيها بتحدي….
“لا يابابا شغل العواء ده ميكلش معايا… وبعدين
انت عرفت مكاني منين عرفته منين…”
قال حمزة بغرور يليق به….
“مفيش حاجه تعدي عليا… انتي مستقليه بيا
ولا إيه….”
ثم انتبه الى السلسال الفضي المعلق في عنقها
يتدلى بين الترقوتان البارزتين بجمالًا يرتاح
القمر الأبيض المنير عند ثغرة النحر….
مد يده فجأة فخفق قلب قمر وهي ترى يده متجهة الى نهديها بلعت ريقها بذعر….فمسك هو القمر
الامع معقب بازدراء….
“وبعدين اللي بايع ده مش بيرمي كل حاجة ورا
ضهره….محتفظة بالسلسلة بتاعتي ليه…”
ظهر الارتباك على صوتها وهي تقول….
“انت مالك… وبعدين مبقتش بتاعتك انت جبتهالي
هدية وانا خدتها….يعني ملكش أصلا تعلق عليها..”
ترك حمزة القمر يرتاح في موطنة عند ثغر نحرها
ثم شردت أصابعه ملامس الترقوتان المنحوتان بتفاصيل مبهرة افتتن بها..
بدا يلمسهما باعجاب…ليست فقط جميلة بلمحة شعبية تروقه وجسدٍ يافع الأنوثة والطول…
بل ان شعرها الغجري ايضًا يثير اعجابه
معجب هو باصابعها لأنثوية الطويلة الشبيهة
بالجنية الساحرة…معجب بترقوة البارزة بدلال
تدعوه للقبل….
يعشق بُنيتاها الامعة كقهوة صباحية تهون عناء
الحياة فيكن المرء متصالح مع نفسه بقربها…
رموشها الكثية حول بُنيتاها سهام حادة تلقيها
عليه دون ان تدرك….ام شفتيها فهذا نهر العسل
سيرتوي يومًا منها ويعرف معنى رحيق الحياة
من خلالها……
عقب حمزة بعينين شغوفتين معجبتين بتفاصيلًا
أنثوية لم يجد لها منافسة….
“جسمك في تفاصيل مجنناني….وكانك أميرة هربانه من عالم ديزني… ”
ارتجف قلبها بين اضلعها بتأثر…فنزعت
يده عنها مدعيه الازعاج….
“أبعد إيدك عني….انت تعرف عالم ديزني ؟!!. ”
اجاب بفتور مبتسمًا…..
“اي واحد عنده أخوات بنات زي حالاتي يعرفهم..”
رفعت شفتها العلوية بتبرم ساخر…فمالى حمزة
عليها براسه قائلا….
“اسمعي انا عجباني اوي العبه اللي انتي بتلعبيها…
ومعنديش مشكلة خالص نلعب لعبة القطة والفار انتي عارفه اني بحب اللعبة دي معاكي انتي بذات..
فخليني معاكي للآخر….”
دفعته في صدره فاعتدل في جلسته بينما
قالت هي بصوتٍ محتدم….
“انا مش بلعب ياحمزة… ولا الموضوع يقبل هزار
واستخفاف بمشاعري… انا مصممة على الطلاق
لو سمحت طلقني وانا والله هتنازل عن كل
حاجة في سبيل حريتي…”
قال حمزة بصلابة….
“وانا ممكن اتنازل عن كل حاجه برضو في سبيل
انك تفضلي معايا….”
ابتسمت بمرارة…. “كدبة جديدة مش كده…”
مسك حمزة ذراعها بغضب وادارها
إليه…
“انتي متأكده انها الحقيقة….حتى اسألي قلبك
لو بيحبني بجد هيعرف اني صادق في كل حاجة
قولتهالك….”
تبادلا النظرات لبرهة بعذاب الحب حتى قال
حمزة مبررًا امام وجهها الجميل الحزين….
“انا استغليت الفرصة ووافقت اتجوزك… بس
عشان احميكي منهم واعرف اخد حقي وحق
أخواتي البنات…”
سالت دمعتين على وجنتيها وهي تساله
بوهن مرير….
“هو ده بس السبب ؟!!….”
قال بخشونة محتده…
“السبب الاول والاهم انتي عرفاه كويس….”
“حبي ليك مش كده ؟!!…”قالتها بنبرة ميته
مضيفة بعذاب….
“قولت تحن عليا وتتجوزني اهو تكسب فيا ثواب….تجوز واحده هتموت عليك…وفي نفس الوقت تأخد ورثك من أبوك قصاد امضى بسيطه منها… ماهي عمرها ما هتعترض ماهي هبلة بقا
وحبها ليك عميها….مش كده… ”
قست ملامحه ونظراته فاجابها….
“والله مش عارف لو انتي شايفه كده يبقا تمام..”
صاحت بحرقة…
“مش دا الرد اللي مستنياه منك…”
زم حمزة شفتيه قائلا بجمود….
“وانا مش هرد على الهبل ده…عشان انتي عارفه كويس اني مش بفكر كده….بس حلوة هتموت
عليك دي…عجبتني… ”
قالت قمر بشراسة…
“بس وجعتني…. واكدتلي اني غبية…”
سالها بعتاب…. “دا عشان حبتيني ؟!!…”
اكدت بقسوة قاصدة ايلامه…
“عشان حبيتك ووثقت فيك…انت متستهلش مشاعري ياحمزة….”
نهضت من مكانها تنوي الاختباء بغرفتها فلحق حمزة
بها بسرعة ومسك ذراعها يديرها إليه وهو يسألها بحدة والغيرة متقدة في عيناه الضارية….
“امال مين اللي يستاهلها ؟!!…”
قالت بقسوة تعنفه….
“اي حد غيرك…..اللي زيك ميهموش حاجة غير
الفلوس….الفلوس وبس….”
نظرت اليه بغضب بعد جملتها المهينة فرأت في عيناه شيءٍ يصرخ بوجع يأبى الافصاح عنه..
قال حمزة بغصة الوجع….
“دي حقيقيه الفلوس بتفرق مع اللي زيي…اللي اتحرمه منها…انتي متعرفيش انا عشت إزاي
زمان ورغم حبك ليا عمرك ما هتحسي بوجعي..”
رمشت قمر بعيناها عدة مرات بصدمة وكانها تلقت
الإهانة أضعاف بجملة مهذبة….
فاسترسل حمزة بصوتٍ أجوف….
“انا فعلا مستهلش حبك ولا مشاعرك…وانتي حد
كتير او عليا…بس انا برضو مش هطلقك…سميها
بقا انانية تناحه او افترى..سميها زي ما تسميها
الحاجة الوحيدة اللي هتبعدني عنك الموت..
الموت يا بنت عمتي….”
نزع يده عنها ودلف الى الغرفة وتركها واقفه
مكانها تنظر للفراغ بعينين مليئتين بالدموع
ووجهًا ممتقع حزنًا ، والالم ينخر في رحم
الفؤاد بعذاب…
ولم تلبث الدقائق إلا وخرج من الغرفة مرتدي
طاقم خروح وبين يده الهاتف وسلسلة المفاتيح
قال دون النظر اليها…
“انا خارج شوية….ساعة وراجع…”
وامام عيناها الغائرتين أغلق باب الشقة عليها بالمفتاح خوفًا من ان تهرب مرة أخرى…
اخرجت شهقة بكاء مكتومة تليها وصلة بكاء
حادة لساعات طويلة…
…………………………………………………………….
نزلت الدموع من مقلتاه بعجز محاول التفكير
في طريقة لكسب المال…
فالنقود الذي يحصل عليها في نهاية اليوم أقل
مما يحتاج….وهو يحتاج للاكثر ولا يعرف ماذا
سيفعل عندما يعود الى شقيقتيه وامه
المريضة….
مسح وجهه وهو يخرج زفرة متعبة…
فالبيت خالٍ من الطعام وامه تحتاج الى علاج وهو
غير قادر على الرجوع اليهم بهذا المبلغ الزهيد الذي
لن يكفي ثمن الخبز الحاف ؟!…..
(مالك ياميزو….شايل طاجن ستك كدا ليه…هو
المعلم شفيق مقبضكش ولا إيه…)
قالها صديقة المقرب وهو ينظر اليه وكان حمزة
حينذاك في عمر السادسة عشر….اجابه متافف بعجز…
(اداني خمسة جني أروح بيها…وقالي هقبضك اليوميات كلها على اخر الأسبوع …وانا كنت
محتاج اليومية دي أوي النهاردة…..)
ساله صديقة…..(وليه يعني….)
ضاق صدر حمزة بالهموم…
(نوع من الدوا اللي امي بتاخده خلص…دا غير ان
البيت مفهوش أكل…..)
هتف صديقة بذهول….
(وفين ابوك وسط كل ده…دا انا اسمع انه راجل
متريش….ازاي سيبكم كده…)
اظلمت عينا حمزة وهو يقول بنبرة تقطر
كرهٍ…..
(مانا حكيلك ياحودة كل حاجة اي اللي هيخليني
اشتغل صبي مع نجار مسلح إلا لو كنت بكح تراب
ومفيش غيرها قدامي….)
ساله صديقة بشك…
(وابوك ميعرفش انكم محتاجين فلوس…)
بلع حمزة غصة الغضب كشفرةٍ حادة
تجرح الحلق….
(انا مشفتوش بقالي شهرين… شهرين بحالهم معرفش
عنه حاجة ولا بيبعت لنا حاجة دا غير اني مقدرش
استلف فلوس تاني من الجيران….انا مسددتش
القديم…..)
هرش صديقة في شعره بحرج….
(انا كان نفسي اساعدك وقولك خد… بس انت عارف
الكيف بيزل صاحبه… وانا اللي معايا اشتريت بيه
مزاجي….)
استجدى حمزة به بنظرة متوسلة…
(مفيش اي طريقة اجيب بيها فلوس النهاردة.. المهم
متكونش شمال….)
نظر حودة اليه قليلًا ثم قال بعد تفكير…
(واضح ان ربنا بيحبك… النهاردة عندنا ملاكمة
في شارع اسمه****….)
انعقد حاجب حمزة بعدم فهم…
(مش فاهم وده اي دخله بالفلوس اللي انا عايزها…)
أوضح صديقة الأمر بدهاء…..
(أفهم لعبة الملاكمة دي بيدخلوها اتنين بيلعبوا قصاد بعض وبنلم رهان على اللعبة واللي بيكسب بياخد
جزء من الفلوس مبلغ حلو مش بطال أكيد هيفك
زنقتك…. اي رايك ؟!!..)
زجرة حمزة بتجهم….
(رايي في إيه….انت عايزني أروح أضرب
واضحك الناس عليا…)
لكزه صديقه في كتفه قائلًا…
(وليه التشاؤم ده ياغشيم… ماممكن انت اللي
تكسب وتاخد الفلوس كمان….)
ابتسم حمزة بعصبية هازئًا…
(يسلام طب افرض اللي هلعب قصادة جته عني.. هعمل اي ساعتها….)
وقف صديقه ينوي المغادرة لكن قبل ان يرحل
أخبره بخشونة…..
(بقولك إيه خدها حكمة مني الحياة عبارة عن لعبه
حلوة يا غالب يامغلوب….يتبقا جوا العبة يابراها
محدش غاصب عليك….)
ابتعد عنه صديقة متجه الى الدراجة النارية
الحديثة الذي يمتلكها فلحق حمزة به دون تفكير
يتمسك بأخر قشة أمامه…..
(بالعكس انا مغصوب ومضطر كمان…. انا هاجي
معاك ويا صابت ياخابت….العمر واحد والرب
واحد….يلا بينا…)
اتجهت شهد ذات الرابعة عشر الى اخيها بفرحة تستقبل عودته ليلًا عند باب الشقة….
(حمزة انت رجعت….اي دا كله انت قبضت…)
أخذت منه الاكياس الكثيرة الذي احضرها معه ووضعتها على الطاولة التي بجوار الباب ثم رفعت عيناها عليه فلم تلبث الا وشهقة سائلة بصدمة
تمتزج مع الخوف عليه….
فكان وجهه مليئ بالكدمات من كل إتجاه بالوان مريعة غريبة ارجوانية و زرقاء والتورم واضح على صدغه واسفل عيناه اليسرى…..
سالته شهد وهي تحاول
لمسه….
(ايه اللي في وشك ده….)
ابتعد عن مرمى يدها وهو يخطو الى الداخل
بصعوبة….
(حاجة بسيطة…خدي العلاج اللي ماما كانت
عيزاه…..)
اشار على كيس العلاج الذي وضعته شهد جانبًا
مع اكياس الطعام… لحقت به شهد بتساؤل
وهي تضع يدها على كتفه بتلقائية حتى
يتوقف…
(استنى…. فهمني اي اللي في وشك ده….)
تأوه حمزة فجأة من كتفه من مجرد
لمسة بسيطه منها….
(اه جسمي ياشهد متلمسنيش….)
رجعت للخلف بخوف بتحفظ….(مالك طيب…)
اخبرها بسخرية….(دخلت في تريلا…..)
ضربت على صدرها بذعر….(ياساتر يا رب….)
ابتسم حمزة بظفر قائلًا….
(متتخضيش اوي كده….مانا كسبت في الآخر رغم
ان ايده كانت شبه المرزبة….)
قالت شهد بحيرة…..(انا بجد مش فاهمة حاجة….)
أبتعد عنها حمزة قائلا بصعوبة وهو يكتم
اهات الوجع…..
(هدخل اخد دش افوق كده… وهحكيلك انا
عملت اي النهاردة…..)
……………………………………
دلف الى تلك الساحة الكبيرة شبه مستنقع
معزول عن العالم يقام به ملاكمة قتالية لأجل
متعة المشاهدين فالجميع هنا يشجع اللعبه العنيفة التي ربما تصل للموت داخلها بلا حول لك ولا قوة..
تذكر أول يوم دخل الى هذا المكان في عمر السادسة عشر كان يحتاج فقط لبعض النقود وحصل عليها وبعدها أحب الملاكمة والعنف ليس فقط لأجل المال
بل لانه وجد منفذ الى غضبه…
فبعد قسوة والده عليه وضغط الحياة أصبح
هذا المستنقع ملجأ مؤقت له…..
تذكر ايضًا انه شرب الممنوعات هنا جرب الكثير
منها تعرف على أشخاص سيئة وأصبح صديقهم المفضل…كان ايضًا إمبرطور مستنقع القتال
لسنوات عديدة بعد الفوز امام اللاعبين
الاقوى منه والاكبر….
“الامبراطور بنفسه هنا…اي ياباشا وحشتك
ايام الشقاوة….”
قالها صديقة القديم والذي كان سبب في معرفته
لهذا المكان….
سلم عليه حمزة بحرارة فقد قطع التواصل
معه لسنوات عديدة هو وجميع من تعرف
عليهم في هذا المستنقع….
“انت اللي وحشني عامل اي ياحودة…اي
اخبار الدنيا هنا….”
نظر حودة حوله والى الجمع القليل هنا…
“زي مانت شايف الحال مريح…مبقتش في
حاجة زي الأول….انت محتاج فلوس ولا إيه.. ”
ضحك حمزة قائلا بنفي….
“لا أطمن الحمدلله مستورة….انا جاي العب
وبس والفلوس حلال عليك لو كسبت… ”
اوما صديقة براسه مبتسمًا وهو يصافحه بخشونة…
بعد قليل…
وقف في ساحة المستنقع القتالي ومن حوله البشر
يصيح وامامه ملاكم ذي بنية قوية يفوق جسده
الضعف…
كانا كلاهما يرتديا ملابس الملاكمة و قفازات خاصة غليظة في يداهم…..
بدا يتلاكمُ الملاكمان امام بعضهما محافظين على قواعد اللعبة وجولاتها…..بينما الصياحات الرجولية العنيفة من حولهم تكاد تصم اذنيهم……
اظلمت ملامح حمزة بعينين متجهمتين ساخرتين وحديثها يتردد في اذنيه اثناء اللعبة كصاعقة
الرعد..
(فاشل وكداب ونصاب وحرامي…ومتفرقش حاجة
عن عثمان الدسوقي نفس العينة….)
(انت متستهلش مشاعري ياحمزة….)
سدد حمزة فجأة لكمات أشد قوة من السابقة
مما جعل الملاكم المنافس يرتد للخلف بدهشة
ممزوجة بالغضب…..
فالتوى ثغر حمزة بعدائية قاتمة…..
جعلت الملاكم يجز على اسنانه بغيظ وهو يندفع نحو حمزة بهجوم أكبر ، مسدد لكمتين قويتان
في صدغه….
فمالى وجه حمزة فورًا للجهة الأخرى وسالت
الدماء من فمه ارضًا….
فبصق حمزة الدماء ومسح فمه بظهر يده وهو يرفع راسه بعينين ضاريتين الى الملاكم بعداء ، وقد فارة الدماء في عروقه وامتلئ صدره بمشاعر سوداء عنيفة….
جعلته يندفع نحو الملاكم بجنون..مهاجمًا إياه بضراوة عنيفة وبدا يلكمه بقوة وصوتها القاسٍ الحزين يتردد في اذانه بعذاب…
(دي مش دراما يابن خالي..دا وجعي..انت كسرت
قلبي وكسرت ثقتي فيك…انت خليت اسعد يوم في حياتي هو أبشع يوم في عمري….ربنا ما يسامحك على اللي عملته فيا…..)
انبطح الملاكم ارضًا بعد الضربة القاضية الذي
سددها حمزة له….فانهزم واقعًا ارضًا اسفل قدمه
بينما صاح الجميع بحرارة وتشجيع إليه….وكأن
الزمن عاد للخلف……لكن هو لم يعد كعهده…لن
يعود ابدًا !!….
………………………………………………………….
كانت تجلس امام مرآة الزينة تمشط شعرها بعينين
شاردتين في عالم آخر…..
عالم براق يمتلئ بالبلونات الطائرة ودمى الفراء الناعمة بالرائحة العطرة ، عالم جميل بطلة هذا العالم الخيالي طفلتها الصغيرة التي تزداد لهفة لرؤيتها يومًا بعد يوم…
حانت نظرة منها على جانب المرآة التي تعكس صورة
عاصم الجالس على الفراش خلفها مشغول في دفتر الرسم يرسم أحد التصاميم لأحد عميلاتُ اللواتي يثقون في ذوقه الرفيع ويفضلوا اختياراتُ المنمقة لهن في الحلي ؟!…
زمت شفتيها بغيرة وحنق فمنذ ساعتين وهو يجلس
هكذا دون ان يتفوه بكلمة واحده.. مرتدي قناع الصمت وعيناه لا تبصران شيءٍ من حوله عدا
الدفتر والقلم امامه…..
“شكلك زهقتي….”
غافلها بشدة بسؤاله الهادئ وهو يرفع عيناه بمنتهى
الهدوء الى عسليتاها مباشرةً عبر المرآة…..
قالت شهد بدهشة….
“افتكرتك مش واخد بالك مني…ومشغول في الرسمة..”
أسرها بعيناه النافذة بحب العالم….
“دي تيجي برضو…تبقي معايا في المكان
وانشغل عنك…”
ابتسمت وهي تمشط شعرها بالفرشاة…..مدعية الانشغال وقلبها يقرع بشوقًا اليه….قالت بمناغشة
جميلة…..
“على فكره انت كلمنجي أوي…..”
ضحك عاصم بعينين ذاهلتين…. “انا إيه ؟!!…”
ازدادت ابتسامتها نغش….
“كلمنجي يعني شاطر في الكلام….”
داعبها بنظرة وقحة معلق….
“والافعال كمان….ولا الذاكرة عندك بعافية…”
قالت بصوتٍ رقيق….
“انا قصدي انك بقالك ساعتين موجهتش ليا كلمة
واحده يبقا ازاي منشغلتش عني….”
تحدث عاصم وهو ينقل عيناه بينها وبين
الرسمة….
“متكلمتش عشان شغال…بس دا ميمنعش اني
كنت مركز معاكي….من أول ماخرجتي من الحمام
بالبرنص لحد ما كنتي بتكلمي نفسك وبتنادي
على بنطلون البجامة في الدريسنج..”
فغرت شفتيها مشدوهة وهي تستدير اليه
براسها…
“ياخبر….هو انا كان صوتي عالي اوي كده….”
أكد عاصم وعيناه تجوبان ملامحها الملكية
بتأني وعشق…
“هو انتي متعوده لما الحاجة تضيع منك تنادي عليها…..”
قالت شهد بحرج وهي تخطو بالقرب
منه….
“بلاش البصة دي ياعاصم اكيد انا مش مجنونة
الفكرة كلها اني مقتنعه اني لما بنادي على الحاجة
اللي ضايعه مني بتظهر…”
جلست بالقرب منه تساله
بمرح….
“قولي بقا بترسم إيه….”
اعطاها الدفتر قائلًا بهدوء…
“كوليه مرصع بالالماظ….اي رأيك.. لسه مكملش.. ”
نظرت للرسمة التي قاربت على الانتهاء تفاصيلها
رائعة مبهرة تؤكد مدى احترافه وابداعه في عمله
وبعد لحظة تأني قالت شهد مشيرة الى عدة
خطوط برسمة…..
“حلو اوي…بس عارف ممكن تخليها سنبل اكتر
من كده..وتمسح ده…. ”
سالها عاصم…..
“انتي شايفه كده….”
حركت كتفها قائلة برقة….
“مجرد اقتراح وطبعًا انت فاهم في شغلك أكتر..”
نظر عاصم للرسمة قليلا ثم عاد الى عسليتاها الامعتان بالحب….وقال بجدية….
“خليني اكمله زي مانا عايز لان ذوق الزبونه يختلف
عن ذوقك ياست الحُسن…. بس وعد مني هعملك
حاجة قريبة منه وسنبل برضو… وهتبقى هديتك
بعد ما تولدي وتقومي بالسلامة انتي وشهد الصغيرة….”
عند ذكرى الصغيرة تنهدت شهد قائلة بلهفة
الأم….
“ياه ياعاصم….انا مستنية الكام شهر دول يجروا
عشان أولد واشلها بين ايدي….”
ترك عاصم الدفتر جانبًا وبدا يستمع لها بكل جوارحه بعينين تفيضان عشقًا…..فهو نادرٍ ما يراها متوهجة الروح بهذا الشكل المبهج….
بينما قالت شهد بحرارة…..
“تعرف اني بدأت أتخيل الأيام الجاية معاها…بتخيل
صوت عياطها لهفتها عليا أول ما اشلها….لعبها
وجريها هنا..متخيله انها أول ما تنطق هتقول بابا ساعتها هضايق اوي… بس لم أشوف فرحتك انك
أول حد تنادي عليه هفرح معاك….”
سالها عاصم بمناكفة…. “هتغيري عليا منها….”
هزت شهد راسها مستنكرة الأمر….
“لا طبعًا مش لدرجادي…..بس انا واثقة انها هتقع
في حبك أول ما تشوفك….”
تأملها بعيناه ولسانه يسالها
بهدوء….
“وليه واثقه اوي كده ؟!!….”
ابتسمت شهد بحلاوة قائلة….
“فيك حاجة غريبة بتشد اي واحده ليك…يمكن كلامك الحلو حنيتك…نظرت عنيك….”
بادلها عاصم البسمة بعمق صريح….
مجيبًا….
“الحاجات دي كلها بتبقى معاكي انتي بس….”
انتفض قلبها بتوله جراء تعبيره الصريح اليها
ورغم هذا ادعت عدم التأثر معقبة بسؤال
لئيم…..
“معنى كلامك انك بتكلم زباينك باسلوب وحش..”
برزت اسنان عاصم في ضحكة قانطة بينما زمت
شهد شفتيها بغيرة منتظرة…..
فمسك عاصم كفها الصغير ثم أعترف لها وهو
يأسر عيناها…..
“السوق علمني إزاي اتكلم مع الزباين…بس قلبي هو اللي عملني إزاي أكون معاكي..في فرق كبير بين الاتنين ياشـهـد اختلاف السما والأرض….”
اسبلت اهدابها بقلبٍ يقرع بشدة بين اضلعها
وبعد لحظة صمت قالت بخفوت….
“صعب أغلبك بالكلام…..انا بحاول بس مش عارفة
أعبر زيك…..”
بللت شهد شفتيها ثم قالت وهي ترفع عينيها الى
عينيه المستقبلتين لهما بترحابٍ….
“بيقوله ان مشاعر الست فياضه عن الراجل…بس في علاقتنا الآيه مقلوبة….ودا اللي مخليني متاكده انك
هتزهق مني في يوم من الايام….”
انعقد حاجبيه قليلا ناظرًا اليها بدهشة ثم
قال بخفوت أجش….
“انتي شايفه كده ؟!! انا بقا شايف ان لمعة عينك معايا غير… ابتسامتك ليا نبرة صوتك في كلامنا
نبض قلبك وانتي في حضني.. كلامك عن بنتنا…خططك للسنين الجاية معايا كلها حاجات
بتأكد اني عمري ما هزهق او مل منك….”
ترقرقت الدموع في عسليتاها اثناء كلامه ثم سالت دمعتين على وجنتيها بانسيابية حزينة…
وقلبها بين ضلوعها ولهان ملتاع في الحب يطالب بالتحرر من سياج الكتمان التي أُحيط به من قِبل عقلها العنيد…..
احاط عاصم وجهها بيده يمسح باصابعه دمعتها
سائلا بحاجب معقود بقلق….
“ليه الدموع دي…..دي هرمونات الحمل صح…”
هزت راسها وهي تقول بصعوبة….
“انا قلبي بقا في ورطه كبيرة معاك ياعاصم….”
ازداد انعقاد حاجبيه بقلق أكبر مستفسرًا….
“ورطة؟!!… مش فاهم تقصدي إيه ياشـهـد.. ”
سحبت نفسًا مرتجف وهي تنظر الى عمق عيناه
المظلمة المنتظرة بلهفة……فقالت بخفوت….
“انا بـحـبـكـ…..”
انتفض قلبه نفضة قوية وبملامح غير
مقروءة سألها…..”متاكدة ؟!!….”
قطبة شهد جبينها بملامح عابسة…..
“بذمتك دا سؤال يتقال….دا انا حامل في
بنتك حتى….”
لوى ثغره هاكمًا….
“كويس انك واخده بالك….”
“قربي…..”اشار لها بأمر بان تقترب اكثر منه
ففعلت وهي تجلس أمامه مباشرة على الفراش
الذي كان في تلك اللحظة تحديدًا اشبه بالبساط
السحري……
“اعترفي من الأول….”
ابتسمت برقة وقالت بصوتٍ عذبٍ
حلوٍ…… “بـحـبكـ……”
هز راسه بملامح غليظة وهو يمسك ذراعيها بقوة مقربها اليه بانفعال عاطفي….
“مش سامع كويس….قربي كمان….واعترفي….”
قالت شهد وهي امام وجهه المتلهف ، لا يفصل
بينهما سوى شعره واحده…..
“والله بحبكـ أوي ياعاصم…..”
سالها وهي يتكأ على ذراعيها
بخفة….”وليه سمتيها ورطة……”
قالت بارتجاف…… “عشان لسه خايفة….”
حررها من بين يداه سائلا
بعتاب….
“خايفة مني ؟!!….”
هزت راسها بنفي وهي مأسورة العينين به….
“من الحب…..خايفة اتعلق بيك أوي فلاقي
نفسي فجأه واقعه على جدور رقبتي…..”
“تتعلقي بيا ؟!!….هاتي ايدك…..”مسك كف يدها ووضعه عند موضع قلبه قائلا وهو ينظر الى
عيناها الامعة بالدموع….
“سامعه…انتي خليتي قلب المعلم يدوب من كلمة
واحده….ويبقا ملهوف يسمعها تاني وتالت وعاشر.. وتقوليلي ورطة وخايفه اتعلق بيك… مين فين اللي متعلق ومتورط في حب التاني ياشـهـد….”
قالت بحياء….. “يمكن احنا الاتنين…..”
حرك حاجبه ببلادة….
“يمكن…..انتي كنتي بتقولي إيه مش شوية….”
عادت البسمة تشرق وجهها وهي تتجرأ قليلا
وتعلق يداها في عنقه قائلة وهي تميل عليه
بدلال…..
“بحبكـ ياحبيبي….ومعنديش مانع اقولهالك
للمرة المليون……”
مالى عليها يطبع القبل على طول جيدها الناعم
بلهفة ونهم صعودًا الى وجنتها بينما هي تتأوه بحرارة مرددة بهمسًا ناعم…
“بـحـ….. بـحـبكـ……أوي…..يـاعـاصـم… ”
رفع عاصم راسه اليها ناظرًا الى شفتيها المنفرجة
باغراء منتظرة تدليل من نوع آخر…..وقبل ان يدللها
كما يجب همس الى حبيبة قلبه……
“وانا بعشقكـ ياست الحُسن…. ”
اغرقها في قبلات ناهمة شغوفة وهمساتٍ عذبة قريبة الى قلبها.. وفي احضانه اجتاح جسدها
مشعل الرغبات وهو معها يذوب في الشـهـد
متذوق اللذات…..
بعد وقتٍ طويل…….
وقفت شهد امام المرآة تمشط شعرها وجهها يلمع باشراقة من نوع آخر….
وقف عاصم خلفها ينظر اليها عبر المرآة بعد ان اخذ
حمام بارد وارتدى حلة عملية انيقة بدون ربطة
عنق..مصفف شعره الاسود الغزير للخلف مشذب
لحيته الكثة بشكلا جذاب لاَقَ بالوسامة الامعة
التي يحظى بها كنجم سينمائيّ عالمي…..
وكالعادة تحيط به هالة من الوسامة والرجولة الموقرة مع وجهة شديدة النظافة ولمعان…وعطرٍ
قوي رائع لا غنى عنه…..
“وكانك أول مرة تشوفيني….مالك ؟!!…”
ابتسمت وهي تضع الفرشاة جانبًا…مستديرة
إليه…. “انت نازل الصاغه؟!….”
اجابها بهدوء وهو يهندم السترة….
“ساعتين بظبط مش هتاخر….على ما ارجع
تكوني جهزتي….”
“أجهز ؟!!….ليه هنخرج…..”سالته وهي تمد يداها
الى ياقة قميصه تعدل بها برقة……
اجابها بهدوء وعطرها الطيب يداهم انفه…
“ايوا هنتعشا برا انا وانتي… في نفس المطعم اللي
روحناه يوم كتب الكتاب….اي رايك؟…ولا نشوف
مكان تاني…..”
هزت راسها بنفي قائلة….
“لا طبعًا لو نفس المكان وعلى البحر انا موافقة…
بس اي المناسبة بقا ؟!… ”
قال عاصم بمداعبة غليظة….
“بمناسبة ان عقدت لسانك اتفكت…واخيرًا بليتي
ريقي بكلمة حلوة…..”
انكمشت ملامحها بحرج….
“اي ده هو انا كُنت صعبة اوي كده ؟!!…”
اكد عاصم بغرور….
“ومازالتي بس واحده واحده…. هتفكي
احنا ورانا إيه…..”
ابعدت يدها عنه وهي تقول…
“عمتًا هستناك….وياريت يكونوا ساعتين بس
مش أكتر…..”
أذعن عاصم بصوتٍ أجش….
“ساعتين بظبط اللي هغبهم عنك… وبعد كده هتلاقيني قدامك….”
قالت شهد بنظرة غيورة متسلطه…
“تمام ياريت بقا في الساعتين دول تبقا عينك في الشغل وملكش دعوة بالستات….”
قال عاصم بهدوء مستفز…
“بس انا شغلي كله مع الستات….”
جزت على اسنانها قائلة بصلابة….
“غض بصرك يامعلم ياما هتلاقيني طبه عليك
في اي وقت….”
رد ردًا عاطفي لين……
“ياريت…اعمليها انتي بس وانا افرش شارع
الصاوي كله بالورد لاجل عيونك…”
رفعت شهد حاجبها وهي تتأوه
بيأس….
“ايووه عليك !!…..”
ضحك عاصم وفتح ذراعيه إليها بترحاب..فارتمت شهد بدورها في احضانه تُلبي الدعوة معانقة خصره بذراعيها النحيلتين بينما هو يخفي جسدها الصغير بين ذراعيه هامسًا بالقرب من اذنها…..
“بحبك ياشـهـد….”
همست شهد وهي تمرغ وجهها بدلال فوق
صدره كالحمل الوديع….
“وانا كمان ياحبيبي……”
بعد ساعة تقريبًا كانت تقف في غرفة تبديل الملابس تختار ثوب سهرة يناسب سهرة اليوم….
لكن رنين هاتفها المستمر جعلها تتافف بضيق ذاهبة
اليه وعندما رأت رقم المهندسة آلاء…..عبست بشدة
وهي تفتح الخط….
“ايوا يابشمهندسة خير…..”
اتى صوت آلاء مثار بالغضب….
(حضرتك عرفتي باللي حصل…..)
استفسرت شهد بلا مبالاة….. “مش فاهمه….”
قالت آلاء بغضب مكتوم….
(عاصم بيه مشاني…اداني بقيت حسابي وجاب
مهندس تاني يكمل الشغل…..)
قالت شهد بجفاء…
“ايوا عرفت…..فين المشكلة…..”
صاحت آلاء بغيظٍ مكتوم….
(فين المشكلة انتي اللي متفقة معايا اني أأخر تشطيب الشقة على قد ما اقدر باوامر منك…من
غير ما نعرف المعلم عاصم…..)
اكدت شهد بصوتٍ بارد….
“حصل وخدتي حسابك على الخدمة دي…ومهمتك
انتهت لحد هنا….”
قالت آلاء عبر الهاتف بحرقة…
(بس انا عيشي اتقطع….وخسرت عميل مهم زي المعلم عاصم…..)
قالت شهد بقسوةٍ تختلف عن تلك التي كانت
مدلها بالحب في احضان زوجها….
“شغلك اتقطع بس كسبتي مبلغ كويس من ورا حكاية المماطلة دي….وبنسبة لخسارتك للشغل
مع عاصم فانا هبقى اكلمه اطمني….”
حل صمت من الطرف الاخر وقبل ان تنادي عليها
بملل سمعت صوت رجولي خشن تحفظه على
ظهر قلبها….اخبرها بهدوءٍ خالٍ من التعبير…..
(شـهـد….حضري نفسك…نص ساعة وهتلاقيني
عندك…..)
شعرت بدلو ماء بارد يهبط فوق راسها فشهقت بصدمة وارتجف جسدها برعب وكانها رأت ما
يشيب له الرأس…..فقالت بصوتٍ مرتجف
مختنق…..
“عـاصـم…….”
كان الرد جرس اغلاق الهاتف من الجهة الاخرى
والذي صم اذنيها فجعلها تجلس ارضًا باعصاب منهارة متسعة الاعين بخوف وعقلها يتخيل الابشع…..هامسة بشفاه مرتجفة…
“دا عاصم ؟!!!…..معقولة… ”
حاولت ان تكذب ما سمعت اذنيها لكنها لم تقدر فهو
صوته هل ستغفل عنه….
هل صنع لها مكيدة بالاشتراك مع المدعوة
آلاء….فوقعت بها بمنتهى الغباء ؟!!…
غامت عيناها وهي ترى النهاية من بعيد تغلق
بستار أسود قاتم كروحها الان…..
……………………………………………..
قاد السيارة بسرعة جنونية بملامح مظلمة وعينيه
قاتمة مشتعلة ترى من خلالهما الجحيم…..
مزالت مشاعره متضاربة ومتخبطه مع حقيقة المكالمة…. شتان بين صوتها الجهوري القاسٍ في المكالمة وبين صوتها المذعن الناعم في احضانه….
كيف اتتها الجرأة ان تخدعه بهذا الشكل وما هو السبب خلف هذه المؤامرة الخبيثة أهو المقصود
ام شخصٍ بعينه !!….
بعد كل شيءٍ فعله معها…تخدعه بهذا الشكل المزري يظهر امام امرأة اخرى كالمهرج المضحك ؟!!…
لم يصدق ادعاءات المهندسة آلاء عندما زارته
في الصاغة تحكي السبب الرئيسي خلف تعطيل
عملها والذي كان بأمر من زوجته….
حينها انتفض من مكانه باعصاب مشدودة
وبملامح قاسية يشكك في الأمر….
(واي دليلك على الكلام ده…وليه مراتي اصلا
هتطلب حاجة زي دي من غير ما ترجعلي….)
اوضحت الاء بلهجة حانقة……
(انا معرفش السبب بس هي طلبت مني ان كل
حاجة تكون بدون علمك….وخلتني اماطل معاك
في معاد تسليم الشقة المدة دي كلها….وبنسبة
للدليل على كلامي فدي بسيطة أوي مكالمة تلفون
ليها من عندي هتعرفك ان كنت صدقه او كدابة…)
تبادلا النظرات بصمتٍ محتدم حتى عاد عاصم وجلس على مقعده خلف مكتبه في الصاغة
وامرها بخشونة حاسمًا….
(اتصلي بيها….. وعلي صوت المكالمة….)
اومات آلاء براسها بمنتهى الثبات الانفعالي وهي
تجري الإتصال….
بينما هو جالسًا على مقعده مضغوط الأعصاب
ينتظر بصبرٍ قارب على النفاذ…كمن يمسك بين قبضتاه جذوتين من النار مجبور على الاحتفاظ
بهما وتحمل الالم….
وبعد عدة إتصالات متتالية اجابت على الهاتف بصوتٍ ملول…..
وعند سمع صوتها كان في تلك اللحظة تحديدًا
يستمع الى اعترافها البارد ونبرة صوتها المجردة
من اية مشاعر اختبرها معها….
لم تكن هي.. صوتها نعم لكنها ليست سيدة الحُسن
التي احبها… كانت مسخ بشع مخادع وكاذب….
ام حبيبته فهي لا تعرف شيءٍ عن الكذب والخداع
انها بريئة جميلة مشكلتها الوحيدة انها عانت من معاملة والدها القاسية لها منذ الصغر… والان هو يعوضها بكل ما يملك من مشاعر وحب وبدأت تستجيب لهذا العلاج وتفتح قلبها له….
مستحيل ان تكون هي نفس المرأة التي اعترفت
بالحب له وعينيها كانتا تترجاه ان لا يخذلها
يومًا !!…
كيف وهي الان….
أسبل جفنيه حينها بكسرة لن ترمم داخله
ابدًا….فضاق صدره واعترافها ينزل فوق اذنيه
كسياط بقسوة تصم اذنيه….
وقتها سحب الهاتف من يد آلاء بتهجم ليس من شيمته مع النساء لكنه فقد اعصابة وصبره في
تلك اللحظة….
وقتها سمع صوت انفاسها المنتظمة وصمتها الذي
كان يشبهه بالرقي الملكي….الان كان صمتٍ منحط
لأمراه مخادعة… لم يعرف حتى الان سر خططها
للمكوث معه في بيت العائلة…..
حينها القى كلمات هادئة بسيطه بصدرٍ ضاق بقسوة
على انفاسه….
(شـهـد حضري نفسك…نص ساعة وهتلاقيني
عندك…..)
كرر ان تكون تلك الكلمات العادية هي التي ينهي بها المكالمة أمام أمرأه غريبة تنتظر بشماته ردة فعل قوية مهينة منه……
ومع ذلك انتظر دقيقة واحده سمع بها صمتٍ مريع
من الجهة الأخرى تليها شهقة مصدومة هامسة
باسمه باختناق….
وقتها أغلق الهاتف بملامح صخرية قاسية… لم تكن
مسخ بل هي زوجته..ولكنها بارعة في تغيير جلدها..
عاد يصب تركيزة كله على الطريق وهو يزيد
السرعة جنون بملامح غاضبة خطرة…..
……………………………………………………………
وقفت في حديقة البيت تنتظرة مجرية اتصال به
للمرة التي تجهل رقمها ومع ذلك يرفض الرد عليها
آلاف الرسائل ارسلتها له وهو يراها دون رد….
رفعت وجهها بملامح متوترة وعينين حزينة خائفة
الى السماء القاتمة…
تدعي الله ان يحفظه لها…وان يخرجها من هذا المأذق هي أخطأت تعرف لكن كان هذا بدافع
الانتقام رغبة حمقاء تلبستها عنوة عنها قادتها الى
الجنون….والان الندم….فان فقدت عاصم ستفقد
الحياة بفقدانه….
اشتدت زوبعة الذعر بداخلها أكثر وبدأت تفرك في يداها بتوتر وتخوف من العقاب…وكانها عادت الى غرفتها المظلمة من جديد تعاني من الخوف
والانتظار الساحق لروحها….
وجدت يزن يدلف من البوابة يدندن بصوتٍ ثمل
مترنح الجسد… اتسعت عينا شهد بصدمة وهي تتابع
اقتربه من موقعها ومزال يدندن ويبدو انه لم يلاحظ
وجودها حتى الآن….
رفع يزن عيناه الثملة اليها فابتسم وهو يقترب منها
مهللا دون وعي….
“معقول زهرة سراية الملوك بحالها في انتظري..”
وقف امامها على بعد ثلاث
خطوات…
“قلقانه عليا ولا إيه….”
قالت شهد بملامح مكفهرة مشمئزة…
“انت اي اللي عمله في نفسك ده..عاصم لو عرف
هيبهدلك….”
لوح يزن بيده صائحا بغضب…
“مين عاصم دا اصلا دا ولا حاجة…دا انا احسن
منه مليون مرة…..”
انعقد حاجبي شهد بتوجس…فقال يزن وهو يضحك
بهيسترية….
“شوفتي وهو غيران عليكي مني…عشان بدلعك..”
ازدادت الضحكات جنونًا منه وهو يقول
بوقاحة….
“امال لو يعرف انا بحلم بيكي إزاي….”
فغرت شهد شفتيها بعينين متسعتين بذهول ولم تتوقع ان يتجرأ على القول البذيء أمامها…..
صرخت بغضب وقد لمعة عيناها بالدموع….
“اي الجنان ده….انت بتخرف ممكن تطلع فوق
وتسبني في حالي….”
اقترب يزن منها خطوة متهورة وهو يقول
بحزن…
“انا مش عارف انتي ليه بتعامليني كده…هو احسن
مني في إيه عاصم ده…طب والله ما هتلاقي حد
بيحبك الحب دا كله زيي….”
على صوت تنفسها بخوف وانفعال وهي تنظر
اليه بصدمة يشوبها الاحتقار….فتابع يزن بغير
وعي مقترب منها خطوة ثانية….
“إيه…مصدومة….مش مهم بكرة تنبسطي معايا لما نهرب انا وانتي ونبعد عن البيت دا كله واولهم
عاصم ده…..”
اخذ الخطوة الاخيرة وهو يمسك ذراعها
بقوة وهجوم…..
“انتي مش عارفه انا بحبك قد إيه…..”
كان رد فعلها اسرع من الصدمة التي انتابتها
بعد تهجمه عليها……
“ابعد ايدك عني ياحيوان انت اتجننت….”
رفعت يدها الحرة وصفعة صدغه بكل قوتها
وهي تنزع يدها الأخرى من بين قبضته الواهية….
لم تصدق ان يقع يزن ارضًا أسفل قدميها بعد
ان سقط جسده الضخم بصفعة واحده منها….
ابتعدت للخلف خطوتين منهارة الأعصاب فوجدت
عيناها تبصر من على بعد خطواتٍ قريبة منها عاصم…
يقف كالمارد بجسده الضخم وقامة طوله المهيبة مشعث الشعر بعينين حمراون كالدماء ترمقها بغضب متقد…. وبملامح مظلمة خطرة بدا ينقل عيناه الثاقبة بينها وبين يزن المنبطح ارضًا بالقرب من قدمها يخرف بالكلمات..
خفق قلبها مذعور وهي ترى عاصم يقترب منها
بسرعة البرق مما جعل راسها يدور برهبة وهي
تراه اصبح على بعد خطوة واحده منها فارتخت
اعصابها فجأة فاقدة الوعي من شدة الخوف
منه فوقعت بين ذراعيه قبل السقوط
ارضًا…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)