رواية غوثهم الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الفصل الثامن والثلاثون
رواية غوثهم البارت الثامن والثلاثون
رواية غوثهم الحلقة الثامنة والثلاثون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثامن والثلاثون”
“يــا صـبـر أيـوب”
___________________
إلهي ما رفعت يدي إلا
إليك فأنت أقرب من وريدي
وأنت الله علَّام الخفايا
وما في النفس من وقعٍ شديدِ
وتَعلم أنني بين الرزايا
بعيدٌ عنكَ، أشبه بالفقيدِ
إلهي ما عصيتُك مُستخفًّا
ولكن كان من جهلٍ عنيدِ
ألا فارحم ضعيفا جاء ذلًا
لبابكَ يا قريبُ من البعيدِ
فلا باب كبابك يا رجائي
تعلق فيه آمال العبيدِ
_”عمر العيسى”
_________________________________
_ كيف لمن أعتاد أن ينتصر في كل الحروب أن يهزم بنظرةٍ واحدة صادقة؟
كيف لفارسٍ مغوارٍ لا يُهاب الموت يقف أمام احداهن ويقدم قلبه لها خاضعًا بكل هيبته؛ لقد رأيت ذات مرةٍ مقولة تقول “اصنع لأجل حُلمك حربًا”
والآن من بعد هزيمتي أمام عينكِ، أعلنت كل الحروب دُفعةً واحدة فقط لأجل عينين سردت قصة الوطن وأعطتني الهوية في حين كوني غريبًا، فغدوت في حضورهما آمنًا من بعدما تشبهت في غيابهما بالفقيد، الآن من بعدما أعلنت أنني هُنا، فهيا بِنا لنقم الحرب؛ لأبدأ من جديد في وطنٍ لم يكن عني غريبًا، بل كنتُ أنا عنه ضائعًا.
<“يحمل الفأس بيده ليحفر لنفسه قبرًا”>
نظر “يوسف” إلى “رهف” التي حركت كتفيها بحيرةٍ وكأنها تخبره عن عدم معرفتها بالأمر فتحدث “يوسف” باستفسارٍ أخرج نبرته جامدة:
_مين إن شاء الله ؟؟ المفروض إن إحنا التلاتة ومعانا “رهف” مقدمة العرض ومجهزاه.
دلفت “شهد” في هذه اللحظة تقول بزهوٍ في نفسها:
_أنا !! أنا يا أستاذ “يوسف”.
حرك رأسه نحو مصدر الصوت وكذلك “رهف” بينما الأخرى وقفت بشموخٍ لا يليق بصفاتها تطالعه بتحدٍ جعله يحرك رأسه نحو عمه الذي حرك رأسه للجهةِ الأخرى وكأنه يسأله بنظراته، هل تريد المزيد ؟ بينما الأخر تهجم وجهه وحل عليه الوجوم ويبدو أن الراحة لم تعرف طريقه، أو هو الضائع من نفسه فأين درب من ضَيع ذاته؟ التحمت نظراته بنظرات “شهد” التي وقفت أمام الجميع بزهوٍ ثم اقتربت من الطاولة تقول بآسفٍ نبرته جامدة وكأنها أشبه بالإنسان الآلي في طريقتها:
_متآسفة جدًا بس الطريق كان واقف، أتمنى مكونش عطلتكم.
تحدث “عاصم” بنفس الهدوء الفاتر القاتل للأعصاب:
_ولا يهمك، اتفضلي اقعدي يلا علشان نبدأ.
سحبت المقعد المجاور لـ “سامي” وجلست عليه بشموخٍ وبدأت مهمة التعريف عن نفسها وهي تقول بابتسامةٍ عملية في وجه الجالسين على الطاولة وهي تتعمد النظر إلى “يوسف” بطرف عينها متعمدة الاتكاء على أحرفها:
_معاكم “شهد نزيه الزاهي” مديرة تنفيذية للمشروعات الجديدة هنا مكان جوزي القبطان “نادر” والحقيقة يعني خبرتي مش كبيرة أوي بس أتمنى إنها تكفي للمشروع وأقدر أساهم مع حضراتكم.
نظرت “رهف” إلى “يوسف” تستغيثه بنظراتها فقد هجم عليها الوجوم وبدت مُشتتة وضائعة أمامهم، وقد اعتدل “يوسف” في مقعده مدركًا ما يدور حوله ويجلس بأريحية أكثر بعدما أسند ظهره للخلف وحرك المقعد الجالس عليه ليدور به حركاتٍ غير مُكتملة وقد رمق “شهد” من الأعلى لأسفل يشملها بتقليلٍ منها ثم هتف بثقةٍ لا تليق بسواه:
_تمام جدًا، معانا بقى الآنسة “رهف” هي اللي هتقدم العرض اللي هي مجهزاه ودرساه كويس جدًا بعدما أستاذ “خيري” عرفها كل المعلومات عن المشروع، مش محتاجة خبرة للأسف، محتاج جهد وشغل كويس، و”رهف” عملت كل دا، ولا إيه يا أستاذ “خيري” ؟.
وجه سؤاله للعميل مُباشرةً بعدما حرك رأسه نحوه، فقال له الرجل بطريقةٍ لبقة وتقديرٍ لمجهود الأخرى قائلًا:
_الآنسة “رهف” عملت مجهود جبار بصراحة الفترة اللي فاتت علشان تقدر توازن بينا من كمشروع صغير والحقيقة إحنا جايين وكلنا أمل إننا نلاقي طريقة نوازن بيها بين الطرفين.
تنهدت “رهف” مُطولًا وعملت على تنظيم وتيرة أنفاسها قبل أن تبدأ بتقديم العرض ليأتي صوت “شهد” تقول بإصرارٍ أزال راحة الأخرى وأضاف التوتر:
_والحقيقة أنا برضه درست المشروع وعملت فكرة ممتازة بعدما كل التفاصيل وصلتني يعني برضه في مجهود بذلته، يبقى الأفضل إن العرض الأحدث يتقدم واللي أنا مجهزاه معايا.
_خَــليـهولك.
هتفها “يوسف” بتلقائيةٍ كعادته دون أن يُلقي بالًا بمن يجلسوا حولهم بل والأدهى أنه تعمد التقليل منها بهذه الطريقة المُلفتة للأنظار وما إن وجد كل الأعين مُستقرة عليه، ابتسم بتكليفٍ وأشار لها قائلًا بعد نظرة عمه له:
_أقصد خليهولك نشتغل عليه تاني، زي ما اشتغلت مع الآنسة “رهف” كدا.
ابتسمت هي بتوترٍ وخاصةً أن الطرف الأخر لاحظ المشاحنات السلبية المُحملة بنظراتٍ ناقمة، فوقفت “رهف” تمسك في يدها الملف واتجهت نحو شاشة العرض تقوم بتشغيلها وما إن ظهر عملها على شاشة العرض نظرت لـ “يوسف” بخوفٍ لكنه أغمض جفونه بحركةٍ سريعة جعلتها تبتسم بتوترٍ ثم بدأت الحديث بقولها واثقةً فيما تنطقه:
_دلوقتي أستاذ “خيري” قدم لينا طلب أنه عاوز خامات من اللي الشركة بتصنعها علشان مشروعه اللي هيكون كله بإيديه هو، الفكرة إن حضرتك طلبت خامات رديئة رغم إن شغل حضرتك يحتاج لخامات أعلى من كدا بكتير.
حرك الرجل رأسه موافقًا وأضاف موضحًا:
_الفكرة كلها أني لسه ببدأ، علشان كدا كنت عاوز خامات بتكاليف قليلة يعني أبدأ على مهلي بعدها أطور نفسي واحدة واحدة.
ابتسمت هي لإجابته وبدت كمن حصل على الكنز المفقود لذا قالت بحماسٍ ازداد بداخلها بعد جوابه وخاصةً أن كل النظرات توجهت نحو “خيري” ومساعده الجالس بجواره:
_طب اسمحولي أتكلم مع أستاذ “خيري” بلغة السوق؟ طبعًا دا إذا الأستاذ نفسه سامحلي بكدا.
حصلت على الجواب المُراد بالإيماءة الموافقة منهم جميعًا، فازداد الحماس بداخلها وقالت بنبرةٍ واثقة:
_طب أهم قاعدة في أي سوق هو إن اللي بيبدأ كبير بيفضل كبير، يعني حضرتك لو بدأت قوي بخامات جودتها عالية هترفع من معنويات حضرتك وهتساهم إنها تساعد في تطور الشغل ويتعرف عن حضرتك إن الخامات بتاعتك قوية وبيتعمل بيها حاجات زي دي، دا في حد ذاته قوة لشغلك، وهيخليك تحارب إنك تحافظ على نفس قوتك اللي بدأت بيها أحسن ما تبدأ صغير وتكبر واحدة واحدة وتضطر تقارن بين نفسك بين مستويات عملك، وفي نفس الوقت حد تاني بيبدأ قوي، علشان كدا أنا عملت دراسة مفيدة لحضرتك زادت عن التكلفة السابقة حاجة بسيطة نسبيًا واتقسمت على عدد الدُفعات وبكدا حضرتك تكون كسبت ماتريال كويسة تساعدك في إنتاج أفضل وفي نفس الوقت تدي لحضرتك مساحة تعلن فيها عن نفسك بكل ثقة، قولت إيه ؟.
كانت تتأهب لانتظار جوابه بكل حواسها على العلم بأن نظراته نطقت بالاعجاب الكامل لما تفوهت به وكذلك بقية النظرات حولها وخاصةً “يوسف” الذي شرد بفكره في ماضٍ لم يكن قريبًا أو حتى بعيدًا، حتى أنه نسىٰ مدته.
[منذ فترة زمنية لا بأس بها]
خرج “يوسف” من بيت “الراوي” في منطقة الزمالك لكي يذهب لمقابلة “شهد” بعدما أثار حنقهم بالداخل وتسبب في رفع ضغط “حكمت” حتى أن ضحكته كانت تنطق بما فعله بالداخل، خرج يُتمم على قميصه الأبيض ويعدل ياقته قبل أن يركب سيارته فوجد “حمزة” خطيب “رهف” وحبيبها _سابقًا_ يقف بجوار سيارته أمام بيتها، فابتسم واقترب منه يقول بسخريةٍ:
_ميدالية عبارة عن متر ونص مشيباك !!.
انتبه له “حمزة” الذي أغلق هاتفه ورفع رأسه نحوه ثم أقترب منه ليرحب به، وقال بقلة حيلة وغلبٍ على أمره:
_مش المثل بيقولك ضرب الحبيب زي أكل الزبيب ؟؟ خلينا ناكل ياعم ربك يسهل إن شاء الله.
ابتسم له “يوسف” ثم سأله بتعجبٍ من وقوفه بالخارج:
_صحيح أنتَ واقف هنا بتعمل إيه ؟؟.
جاوبه الأخر مُردفًا سبب وقوفه بالخارج:
_كنت بوصل “حازم” و “إيناس” وحاليًا رايحين نشوف المكان اللي “رهف” هتأجره علشان تبدأ شغلها، ادعي ربنا يكرم وتقتنع بالمكان بقى، لفينا مصر كلها ومش مقتنعة.
رفع “يوسف” حاجبيه بتعجبٍ وسأله بنبرةٍ تشبه نظراته:
_طب وعليك بإيه من دا كله؟؟.
تنهد “حمزة” حينها وقال بنبرةٍ هادئة:
_عليا إنها تكون مبسوطة، هفضل وراها لحد ما تفرح وتتبسط وتحقق كل أحلامها إن شاء الله، عارف ساعات بحس إن طريقها مش هيكمل غير بيا وساعات بحس أني طريقنا مش هيكمل سوا، بس لحد ما أتأكد أنا هفضل معاها مش هسيبها.
عقد “يوسف” مابين حاجبيه وسأله بضيقٍ اتضح عليه بسبب حديث الأخر:
_ياعم وحد الله فيه إيه ؟؟ ربنا يكرمكم إن شاء الله ونفرح بيكم على خير، خليك بس معاها علشان هي زي ما أنتَ شايف كدا عاملة زي العيلة اللى هربانة من الحضانة.
ابتسم “حمزة” له ثم قال بنبرةٍ لم ينفك عنها الخوف بل اتضح أكثر حتى أن نبرته ظهرت قلقة ومتوترة:
_أنا عاوز أطلب منك طلب، لو حصلي حاجة أي حاجة حتى لو إني أسيبها والنصيب ميكونش مخلينا لبعض، عاوزك تخلي بالك منها، هي علطول بتقول إنك أخوها من واحنا صغيرين، “رهف” لو اتسابت لوحدها هتوه يا “يوسف”، اعتبرني بوصيك على أختك.
[عودة إلى هذه اللحظة]
خرج “يوسف” من شروده على صوت “خيري” الذي تفحص الملف ودققه بعدما أعطته “رهف” له ولاحظت شرود “يوسف” لكنها انتبهت هي الأخرى على نفس الصوت وهو يقول:
_ممتاز، الفكرة والعرض المكتوب فوق الممتاز كمان، والفرق المُضاف مش كتير قصاد الخامات اللي هتتحط، أنا موافق جدًا ومستعد من دلوقتي، والملف مش محتاج مراجعة أكتر من كدا.
تنهدت مُطولًا وأدخلت الهواء أخيرًا يُحرر أنفاسها المحبوسة داخل قفصها الصدري وتحاشت النظر إلى “شهد” التي أتضح الغيظ على ملامحها من نظرة الفخر التي طفقت تعلن عن نفسها في أعين الحاضرين وأولهم “يوسف” الذي غمز لـ “رهف” بخلسةٍ رآتها “شهد” واحتقن وجهها، لكنها حاولت اغصاب شفتيها على الابتسام بتكلفٍ محسوبٍ حتى انتهى الاجتماع أخيرًا لصالح الطرفين فتحدث “عاصم” موجهًا حديثه لـ “رهف” يُثني عليها:
_عظيم يا “رهف” عظيم بجد، نفس ذكاء ومهارة والدك الله يرحمه، في النهاية كلنا طقم عمل واحد وفي نفس الدايرة وأنتِ واجهة مُشرفة للشركة وذكائك بان أوي في إنك تدمجي مصلحة الطرفين سوى.
ابتسمت له بتكليفٍ تحفظًا على مشاعر رفيقها الذي أخفض رأسه يتابع هاتفه:
_ألف شكر لحضرتك، أهم حاجة مصلحة الكُل و خصوصًا “يوسف” اللي أعتمد عليا ووثق فيا، في النهاية الحمد لله كلنا نجحنا، أصل الموضوع مش محتاج خبرة، محتاج جُهد.
ابتسم “يوسف” حينما لاحظ جُملتها الأخيرة وفهم مقصدها، بينما خرج “عاصم” وخلفه “سامي” الذي لم يتفوه بكلمةٍ واحدة فقط رمقهم بلامبالاةٍ فكل ما يهمه هو سير العمل بجودةٍ عالية، فيما وقفت “شهد” تنتظر فراغ الغُرفةِ على ثلاثتهم حتى سألت “يوسف” بنبرةٍ جامدة:
_أنتَ إزاي تحرجني كدا قدام الناس !! لو حضرتك مش واخد بالك إحنا كلنا هنا باسم الشركة وكلنا كيان واحد وروح واحدة.
رفع عينيه لها ينطق باستهتارٍ رداً على ما تفوهت به:
_بلا بروح الشركة، بلا بروح أمك، أنتِ أخر اهتماماتي أصلًا، وإذا كنت عملت حاجة فأنا عملتها علشان “رهف” مش غيظًا وعنادًا فيكِ، تفتكري ليه؟؟ علشان أنا مش شايفك أصلًا دا أولًا وثانيًا بقى متحطيش نفسك في مكانة محدش حطك فيها.
ارتفعت وتيرة أنفاسها وتأهب جسدها الذي ارتفع تشنجه ورفعت سبابتها تقول بنبرةٍ مدافعة تصد بها هجمته عليها بمشادةٍ كلامية:
_وأنا هنا بصفتي مدير تنفيذي اتولى منصب جديد، مش علشان أعاند في حد ولا أدخل نقاشات مع حد ولأخر مرة بقولـ……
بترت حديثها حينما صدح صوت هاتفه برقم “عـهد” فرفع ذراعه في إشارةٍ منه لتصمت عن الحديث وحينما توقفت هي ضغط على زر الإيجاب وهتف مجاوبًا:
_ألو، أيوة يا “عـهـد” أنا معاكِ.
توجهت “شهد” بنظراتها له فيما ردت عليه الأخرى بحيرةٍ وتوترٍ طغى عليها:
_غالبًا كدا شكلك هتتأخر علشان توديني الشغل، فأنا هنزل وأروح وهتابع معاك لحد ما أوصل واطمنك، قولت إيه ؟؟.
تنفس بعمقٍ بعدما نسى ميعاد عملها آسفًا لهذا بسبب عمله واجتماعه الغبي وثرثرة تلك الغبية المدعوة “شهد” ثم سألها بنبرةٍ أهدأ منحيًا غضبه جانبًا:
_طب أنتِ قدامك قد إيه بالكتير علشان توصلي؟.
جاوبته بآسفٍ بعدما نظرت للوقت:
_للأسف نص ساعة كحد أقصى يعني خصوصًا أني لسه هبدأ الحجز، علشان كدا بقولك خليك مش مشكلة.
هَمَّ بالرد عليها فأتتها مكالمةٌ أخرىٰ جعلتها تعتذر منه وتضعه على الانتظار حتى ترد على مكالمة الطبيبة التي تعمل هي معها وقد عادت له من جديد تقول براحةٍ تخللت صوتها وكأن نجدتها نزلت من السماء:
_”يوسف” !! الشغل النهاردة اتلغى الدكتورة عندها عمليات كتيرة جدًا ومش هتقدر تيجي العيادة، الحمد لله كدا محدش فينا مضطر يضغط علشان التاني.
ابتسم هو بسببٍ غير مُفسرٍ من جهة عقله لكن ذلك الخائن الأخر يعلمه جيدًا وهو راحتها البادية في مكالمتها له لذا قال بنبرةٍ هادئة رخيمة:
_طب الحمد لله كدا أحسن، شوفي كدا لو عاوزة تروحي أي مكان أجيلك ونروحه سوى، يعني أي مشوار خاص بيكِ.
توترت “عهد” على الجهةِ الأخرىٰ وجاوبته بتوترٍ أو لربما حيرةٍ لم يفسر هو السبب تحديدًا:
_ممكن أنزل مع “وعـد” علشان نجيب حاجة المدرسة ليها، بما أني إجازة يعني واليوم فاضي.
رفض هو مُسرعًا وتحدث بإصرارٍ يقول:
_لأ أنا اتفقت معاها ننزل سوى، ممكن ننزل مع بعض مرة تانية وأنتِ معانا كمان إيه رأيك نخليها يوم أجازتك؟؟.
رفعت “شـهد” حاجبيها بدهشةٍ من طريقة تحدثه الغريبة كُليًا عليها خاصةً في الفترة الأخيرة، بينما هو ما إن تلقى الجواب منها ودعها وانهى المكالمة تمامًا ثم انتبه لـ “رهف” متجاهلًا الأخرىٰ وهو يقول:
_أنا همشي يا “رهف” كملي أنتِ ولو مفيش حاجة مهمة تقدري تروحي دلوقتي.
انتبهت له ثم قالت بسرعةٍ كبرىٰ:
_استنى وصلني معاك، عربيتي مع ماما.
تحركت معه بينما هو خرج من الغرفةِ بأكملها على الرغم من انتصاره عليها إلا أنه لازال يشعر بالضيق من تواجدها، رأسه تعج بالكثير من الأفكار المشوشة، لا تهمه هي بل نفسه القديمة لازالت تتألم بداخله، يريد أن ينتقم ويثأر لنفسه وفي نفس الآن يريد أن يتخطى كل هذا خاصةً أن هناك من يستحق كل وقته وجهده أيضًا، بينما الأخرى وقفت تراقب الوضع بنقمٍ وكأنها مثالٌ حي لمقولة:
“انقلب السحر على الساحر”.
__________________________________
<“كان الخراب في حضرة الأحبةِ ربيعًا”>
جلس في حديقة البيت يشم رائحة الزرع والورود التي حُرمَ منها، وشعر بسكينةٍ أغدقت روحه بعدما سَكنت آلامه ومن قبلها نفسه بفعل الدواء والرعاية التي قدمها له “أيـهم”، كل الخراب القابع بداخله تحول إلى ربيعٍ بمجرد التقاء الأحبة، وأي أحبةِ هؤلاء ؟ هم كل ما يملكه في دنياه ومعهم الضلع الناقص منه الذي أنضم إلى باقي أعضاء الجسد ليكتمل ويترمم بهم.
أمسك كوب مشروبه المفضل الذي صنعه بنفسه لنفسه “ليمون بالنعناع” وحمد الله كثيرًا على هذه النعمة التي قدرها أكثر بعدما تذوق مذاق الحرمان منها، صدح صوت هاتفه برقم زوجته أو لربما “قمره” كما يزعم هو، ابتسم بسعادةٍ وسحب هاتفه يرد عليها قائلًا بنبرةٍ دافئة:
_كدا بقى كتير عليا، أنا مش حِمل كل دا يا بنت الناس.
ابتسمت على الجهةِ الأخرىٰ وقالت بتوترٍ حاربته في نفسها قبل أن تتفوه به وهي تقول:
_ليه بس، المهم عامل إيه دلوقتي؟ أنا بصراحة استنيتك ترتاح شوية علشان أعرف اتطمن عليك، طمني عليك يا “أيوب” أنتَ بخير ؟؟.
أبتسم أكثر من السابق وقرر يراوغها بقوله الخبيث مشيرًا إلى ما حدث صباحًا في فجر اليوم منها:
_بعد اللي حصل الفجر دا مش هبقى كويس ؟؟ دا أنا كدا أكون جاحد على نعمة ربنا، عيب عليك يا “قـمر”.
تضرج وجهها بحمرة الخجل من حديثه وقالت بتلعثمٍ ظنت أنه يبرأها ولم تنتبه أنها تُدين نفسها أكثر من السابق وهي تقول:
_ماهو بصراحة يعني…أنا…أنا خوفت عليك أوي وبصراحة وحشتني أوي الفترة دي، وكنت متلغبطة وخايفة أوي، معرفش ليه كل دا بس كان نفسي أكون معاك أوي على الأقل حتى لو فيه ضرر هنتطمن واحنا سوى.
تبدلت تعابيره وسكت عن الحديث فيبدو أنها بريئة لحدٍ كبيرٍ بدلًا من أن تنفي أي ظنون؛ تؤكدها وتوثقها في برامج عقله، أي مشاعر هذه تجعل الرجل يرضخ ويهدأ بكلمةٍ ممن يحب، بل يسكن ويأمن أيضًا، لذا قال بنبرةٍ هادئة بعدما سحب نفسًا عميقًا:
_وأنتِ وحشتيني بس كنتي معايا برضه، معايا بقلبك ومعايا بروحك ومعايا بدعائك اللي كان بيوصلي، دلوقتي أنا عرفت مقصد الإمَام عليّ لفاطِمَة بعدَ وَفاتِها لما قال:
“لا خَيرَ بَعدكِ في الحيَاةِ وَإنّمَا أَبكي مَخافةَ أن تطولَ حيَاتي.” الخوف في غياب اللي بنحبهم يا “قـمـر” إننا نكمل الطريق لوحدنا، الحمد لله إنه كتبلنا الطريق مع بعض.
ابتسمت هي بخجلٍ وسعادةٍ في آنٍ واحدٍ ثم ودعته وأغلقت الهاتف معه بينما هو تنفس براحةٍ وسكن محله من جديد، يبدو أن طريقه صعبًا لكن على الرغم من هذا رزقه الله بونيسٍ يؤنس الطريق.
ركض له “إياد” يرتمي عليه جالسًا على فخذيه حتى ضحك “أيوب” ثم ضمه بذراعيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما قبل وجنته:
_خليك معايا علشان وحشتني، كنت فين؟.
جاوبه “إياد” بحماسٍ بعدما ضحك له:
_كنت بقول لميس “نهال” إنك جيت علشان عي الوحيدة اللي كانت عارفة أني زعلان وفضلت تقولي ادعيلك وتقولي إنك راجع تاني، أنا كنت زعلان أوي وأنتَ مش هنا.
مسح “أيوب” على رأسه ثم سأله بنبرةٍ هادئة:
_كنت زعلان علشاني ؟؟.
حرك رأسه موافقًا ولمعت عينا الصغير بدموعٍ وهو يقول بنبرةٍ مختنقة حينما تذكر حاله في الفترة السابقة:
_علشان أنا بحبك أوي، ماما سابتني لوحدي ومشيت وأنا كنت هزعل ساعتها بس أنتَ علشان هنا معايا أنا مزعلتش، أنا بحبك اوي حتى لما بزعلك، بزعلك علشان بحبك برضه، بس خلاص مش هزعلك تاني والله.
قبل “أيوب” وجنته من جديد ثم شدد قبضة ذراعيه على الصغير وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_حتى لو زعلتني أنا مش بزعل منك عارف ليه؟؟ علشان أنتَ الهدية اللي نورت البيت دا علينا، كلنا هنا بنحبك، ربنا يبارك فيك وأشوفك عريس قد الدنيا، بس الشهادة الأول ها.
أصدر الصغير صوتًا من حنجرته يُدلي على استيائه وأضاف بضجرٍ:
_ما أنتَ كنت ماشي كويس، ليه السيرة اللي تزعل دي طيب؟.
دلف في تلك اللحظة “عبدالقادر” ومعه “أيـهم” الذي دلف يمسك في يده الأوراق الخاصة بمطالب أهل الحارة، فاعتدل “أيوب” في جلسته ورفع رأسه نحوهما ليجلسا أمامه وخلفهما “آيات” التي أمسكت قالب الكعك المفضل لأخيها وما إن جلسوا سويًا قالت هي بحماسٍ:
_عملتلك الكيكة اللي بتحبها وسقعتها علشانك، قولي عاوز إيه تاني؟؟ نفسك في إيه ؟؟.
ابتسم لها بوجهٍ بشوشٍ فيما قال “أيـهـم” بإصرارٍ أكبر من حماس شقيقته:
_لأ الأهم يقولنا هو جه إزاي، سبوك كدا لوحدهم؟؟.
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_لأ خالص، الحكاية كلها بدأت من عند “يوسف”.
استطاع بالحديث الذي تفوه به أن يستحوذ على كامل تركيزهم وكذلك تسائلت نظراتهم جميعًا، ليضيف هو مُفسرًا حديثه ومزيلًا فضولهم:
_”عادل” بيه نائب المحافظ لما جه ودخلي “يوسف” بعدها متحركش من مكانه، فضل هناك لحد ما جه واحد صاحبه برضه وباين عليه مسئول كبير في المبنى هناك، جابوا ملفي ودوروا فيه عرفوا أني مهندس ميكانيكا وعرفوا أني دارس علوم شرعية ودراسات إسلامية ولغة عربية، اتفاجئوا طبعًا، وقالولي إن دا بلاغ كيدي بس مقالوش من مين، و “عادل” دا كان معجب بشخصيتي أوي لدرجة أنه وصلني لحد هنا بنفسه ورفض أني أرجع لوحدي وخلاهم جابولي الهدوم اللي جيت بيها إمبارح، راجل عامل زي الغوث كدا، منقذ.
نظر له “عبدالقادر” بعينين دامعتين ثم وضع كفه على كف ابنه وهو يقول بنبرةٍ مُحشرجة:
_علشان أنتَ منقذ لكل الناس، الخير اللي بتعمله اتردلك ومن غير سبب ولا حتى معرفة، ربنا يكرمك يابني ويبعد عنك كل مؤذي، ويكرمك باللي يشبهوا قلبك، الحمد لله على كل حال.
ابتسم “أيوب” بينما “أيـهـم” سحب هاتفه يرسل رسالةً إلى رقمٍ مجهول الهوية لم يسجله على هاتفه حتى دلفت “تريز” التي أطلقت زُغْرُودةً عالية الصوت تزيد من فرحة البيت بخروج ابنه، ضحكوا لها جميعًا ووقفوا ترحيبًا بها وخلفها ابنها الذي ضحك رغمًا عنه، اقتربت هي من “أيوب” تمسك كتفيه بكفيها لتتأكد من وقوفه أمامها حتى بكت وهي تتذكر رفيقتها، بكت هي وبكى هو معها ليجدها تربت على رأسه وهي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
_كان ليها حق توصي الكل عليك، كانت عارفة إنهم مش هيسيبوك في حالك يا نور عيني، ربنا ينتقم منهم كلهم، ونشكر ربنا إنك بقيت وسطنا من تاني.
حرك رأسه موافقًا لها بعينين دامعتين وقلبٍ يبكي من الداخل على فُراق أحب الناس عليه، أراد أن يخبرهم عن أيام محبسه وعن الضربات التي تلقاها وعن وجعه في الفترة السابقة لكن وجود والدته واضجاع حبها في قلبه هو ما جعله يُمر سالمًا في هذه الفترة، “رِقة” تمر على قلبه بكل رقة تُطيب جراحه الغائرة، فَـتبقى الأم أُمًا ساكنة في الفؤاد حتى وإن وارى جسدها التُراب.
_________________________________
<“قلة سالكي طريق الحق جعلته فارغًا”>
وقفت “مهرائيل” أمام مرآة غُرفتها ترتدي قميصًا من خامة الجينز وأسفلة بنطالًا من اللون البيج وقد قامت بفرد خصلاتها على عكس عادتها حيث تفضلهم مجعدين أو مايطلق عليها “كيرلي” كانت تبدو هادئة ورائعة ورغم ذلك حزينة، اقتربت منها “مارينا” تقول بحيرةٍ:
_يلا ياستي اتأخرنا، احنا سايبين “آيات” لوحدها هناك.
حركت رأسها موافقةً فلاحظت الأخرىٰ نظراتها القلقة لذا سألتها باهتمامٍ:
_مالك يا “مُهرة” ؟؟ فيه حد مزعلك ؟؟.
حركت رأسها نفيًا ثم أطلقت زفيرًا قويًا وقالت بيأسٍ:
_هيكون هناك، هضطر أهرب منه، وفي نفس الوقت مش هعرف أهرب، دنيا إيه دي اللي تحطني في صراع مع نفسي علشان اللي أنا بحبه ؟؟.
ربتت الأخرى على كتفها وقالت بنبرةٍ أوضحت الحزن بها لأجل شقيقتها:
_متزعليش نفسك، إن شاء الله ميكونش هناك وحتى لو هناك أكيد إحنا مش رايحين نناقر بعض، رايحين علشان صاحبتنا وعلشان “أيوب” اللي ساعدنا كلنا كتير وبنعتبره أخونا.
تنهدت “مهرائيل” براحةٍ تحاول إجبار نفسها للشعور بها وخرجت مع شقيقتها نحو صالة الشقة فتقابلت معهما والدتهما تسأل بتعجبٍ:
_أنتم لسه هنا ؟؟ أنا قولت هتروحوا من بدري ؟؟.
في تلك اللحظة فُتِحَ باب الشقة ودلف منه “جابر” بعدما عاد من بيت “العطار” وحينما وقع بصره على ابنتيه قال بسخريةٍ يتهكم عليهما:
_طبعًا رايحين عند “العطار” تخدموا مع بنته، براحتكم روحوا مكان ما تحبوا بس عززوا نفسكم شوية، رايحين بيت واحد إرهابي ؟؟.
زفرت زوجته مُطولًا بينما “مهرائيل” اندفعت تدافع عن الأخر بقولها:
_مين دا اللي إرهابي ؟؟ “أيوب” مستحيل يكون كدا، بعدين احنا رايحين علشان العشرة اللي بينا وعلشان هما أخواتنا، مش رايحين نخدم، ياريت تفصل مشاعرك الشخصية عنهم.
ألقى مفاتيحه على الطاولة وقال بتهكمٍ:
_والله عَـال، من دلوقتي وهتديني محاضرات علشانهم ؟؟ على العموم روحي مطرح ما تحبي طالما في النهاية كلامي بيمشي وبعمل اللي أنا عاوزه برضه.
أقتربت منه تقول بشجاعةٍ زائفةٍ لا تدري مصدرها أو حتى كيف تسلحت بها:
_متراهنش كتير على الوضع دا أنه هيكمل، علشان كل وقت وليه أدان زي ما بيقولوا، وأنا بقولك أهو علاقتي بيهم خط أحمر، ومش هقبل حد يقلل منهم مهما كانت صِلته بيا إيه، زي ما أنا عمري ما هقبل إن حد يقلل بعلاقتي بيك، اتمنى تكون فهمت.
لاحظت “مارينا” تلاحم نظراتهما والتحدي السافر المنطوق من عينيهما لذا أقتربت تمسك رسغ شقيقتها تسحبها منه وهي تقول بحديثٍ مُتلعثمٍ:
_طب إحنا هنمشي بقى علشان نلحق نروح ومنتأخرش، عن اذنكم، عاوزة حاجة يا ماما واحنا جايين ؟؟.
نفت والدتها رغبتها فيما تستفسر الأخرى عنه وراقبت تحركهما ثم قالت لزوجها بيأسٍ منه:
_خليك كدا كاسر البت وطافيها، بس هقول إيه ربنا يسامحك ويقدرها ويسعدها بالعند فيك وتاخد اللي هي بتحبه، بس.
كانت تعانده بالحديث حتى قال هو بعنادٍ هو الأخر:
_خلصتي ؟؟ روحي جهزي الغدا، يلا.
زفرت في وجهه ثم تحركت من أمامه نحو الداخل ليزفر هو بقوةٍ ثم ارتمى على الأريكة يشعر أنه مثل البالون المنتفخ وأوشك على الإنفجار في الجميع، لكنه يستحق كل هذا هو من البداية من بدأ بكل هذا.
في بيت “العطار” دلفت “مارينا” أولًا نحو الحديقة مباشرةً ترحب بعودة “أيوب” الذي وقف وابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_الله يكرمك بكل خير، تسلمي يا آنسة.
ردت عليه هي بحماسٍ:
_أسأل عمو وكلهم هنا كنت بقولهم إنك مش هتتأخر علينا وانك مسيرك ترجع تاني، علشان تعرفوا كلمتي حق زي السيف.
هتفت “تريز” والدة “بيشوي” في هذه اللحظة بتهكمٍ ترد عليها:
_نشكر ربنا مطلعتش للي خلفها.
انتشرت الضحكات على حديثها من الجميع حتى “بيشوي” الذي لاحظ هروبها منه ودخولها للمطبخ عند “آيات” مباشرةً لكنه قرر أن يهرب هو الأخر كما تفعل هي حتى صدح صوت هاتفه برقم أحد الزبائن الخاصين به لذا تحرك نحو الخارج في نفس التوقيت الذي خرجت هي به من المطبخ تجاوب على اتصال والدتها ليصطدم كلاهما بالأخر كعادتهما تجبرهما السُبل على التلاقي.
رفعت رأسها تطالعه بتوترٍ وكم كانت سخية وهي تشفق عليه بنظرةٍ من عينيها وخاصةً بخصلاتها الناعمة هذه، تبدو أكثر براءة وأكثر نُضجًا، يحب هيئتها الأخرى لكنه يعشق هذه، خاصةً وهو تائهٌ في غابات عينيها الخضراء، وقبل أن تتلعثم هي وتعتذر منه وجدته ينطق بما تعلق في ذهنه:
_”رُبما غدًا أو بعد غد، ربما بعد سنين لاتُعد، ربما ذات مساءٍ نلتقي في طريق عابر من غير قصد”.
تثبتت أنظارها عليه بعد جملته التي قالها، فوجدته يضيف بثباتٍ:
_واضح إن الطُرق كلها في صفنا، بس إحنا اللي أغبيا.
سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت توافقه الرأي أو لربما تخالفه بحديثٍ متوارىٰ:
_معاك حق، أو يمكن فيه طُرق تانية مستنيانا بمفاجآت أكبر، في النهاية محدش عارف طريقه واخده لفين، بس ماشي مجازف وخلاص، محدش فينا غبي على فكرة بس الفرق إن كل واحد شايف الطريق من عنده هو.
تركته وأولته ظهرها ليصلها صوته يقول بسخريةٍ:
_طب والله عاش، بقيتي فيلسوفة أهو يا “هيري”، تستاهلي الأمانة اللي بعتهالك مع أبوكِ.
التفتت له برأسها تسأله بحيرةٍ وتعجبٍ من حديثه:
_أمانة !! أمانة إيه دي؟؟.
ابتسم باستمتاعٍ قاتلٍ لتأهبها وهو يضيف ببراءةٍ:
_معنديش مانع أسلمهالك أنتِ، بس مترجعيش تزعلي.
عقدت ما بين حاجبيها بحيرةٍ أكبر عن سالفها لتجده يرسل لها قُبلة في الهواء تبعها بغمزة وقحة جعلتها تشهق بتلقائيةٍ ثم أدارت رأسها عنه ترمش ببلاهةٍ وتفرك أنامل كفيها ببعضهما بينما هو رد على كرمها حينما نظرت له بكرمٍ أكبر حينما رحل، وتأكد لتوه أن سلطة صاحبة الأعين الخضراء أكبر على قلبهِ من ذاته هو.
في مكانٍ أخرٍ بالحارة أيضًا وقف “شكري” في شرفة شقته يتحدث مع رفيقه “سـعد” الذي تسبب في ضجره وجعله يقول بنبرةٍ جامدة تدل على حنقه:
_يا جدع أنتَ فوق !! تيجي تهبب إيه الله يخربيت أهلك، لو حد منهم شم خبر إنك ليك يد هنلبس في حيطة، ما تتهد بقى ياعم، منها لله السيجارة اللي جمعتني بيك.
تنفس “سعد” بحدةٍ ثم قال مُفسرًا سبب اتيانه إلى الحارة:
_ياض ياغبي أفهم، أنا لو مجيتش كدا هلفت نظرهم إني أنا اللي عملت كدا، هيعرفوا أني خايف منهم، ودا مش حقيقي علشان مفيش في أيدهم حاجة تثبت دا، إنما أنا واحد جاي محل أكل عيشي، حد ليه حاجة عندي؟.
زفر “شكري” مُطولًا ثم أذعن له وأغلق الهاتف والتفت ليجد شقيقته “أماني” تجلس على الأريكة تقوم بطي الملابس وتفصلها عن بعضها، وما إن اقترب منها لوت فمها وهي تقول بسخريةٍ:
_خليك ماشي وراه كدا لحد ما تلبس.
اقترب منها مُشيحًا بكلا كفيه في وجهها بحركةٍ تهكمية سوقية وهو يقول بضيقٍ منها:
_تسمحي مالكيش دعوة ؟؟ خليكِ في مالك ياختي، منشفاها على أبونا من يوم ما خدتي الفلوس، لا فتحتي الكوافير ولا حتى عملتي حاجة تنفعك، خليكِ كدا محوشاهم لحد ما تاخديهم معاكي قبرك.
رمقته بسخطٍ ثم أخذت صف الملابس ودلفت من أمامه ليقول هو بتهكمٍ:
_بت قليلة الأصل، صحيح باعت ابنها مش هتبيع أخوها؟.
توقف لبرهةٍ عابرة عن استكمال حديثه ثم استأنفه بضجرٍ محدثًا نفسه بقوله:
_إيه دا !! مانا اللي قولتلها تعمل كدا، دا أنا عيل أوطى منها بصحيح، دا إحنا عيلة زبالة.
تحرك هو الأخر يرتدي ثيابه لكي يلحق صديقه المتهور قبل أن يقلب الدنيا رأسًا على عقبٍ فوق رؤوسهما، خاصةً أن الأمر يتعلق بعائلة “العـطـار” وابنها المُفضل الذي لو تطلب الأمر أن تُحرق المدينة لأجل سلامته لن يتأخر أحبته عن هذا.
__________________________________
<“رَحلَّ مَن هَوينا مع الهَوا تاركًا خلفه قلبًا هوىٰ”>
اليوم على كليهما يختلف عن الآخر وبالرغم من هذا انتصار كلٍ منهما غدا حزينًا، فبعض الإنجازات حتى وإن كانت مُكللة بالذهب ومفحمة بالنور إلا أن الظلام لازال موجودًا، شرد “يوسف” في حضور “شهد” وتحديها له، تلك القطة التي راوضها هو قامت بتجربة مخالبها في قلبه، حزن على نفسه وعلى ذكرياته وعلى كل لحظةٍ جمعته بها ظنًا منه أنها خِله الوفي ليتفاجأ بها ألد الأعداء.
زفر بقوةٍ ووضع سيجارته بين شفتيه وهو يقود السيارة وفي المقعد المجاور له جلست “رهف” بعينين ترقرق بهما الدمعِ، انتصارها اليوم كان حزينًا، أين من اعتادت إخباره على نصرها ونجاحها، أين من كان يساندها ويدعمها، أين من أقام لأجلها كل الحروب؟ تنفست بعمقٍ بعدما اختنق حلقها بغصةٍ مريرة استوطنته كمحتلٍ لا مكان له هُنا، وقد لاحظ “يوسف” هذا من خلال صمتها فأوقف السيارة عند كورنيش النيل في منطقة الزمالك وقد تفاجئت هي بفعله فسألته بتعجبٍ ولازالت عيناها دامعتين:
_وقفت ليه يا “حمزة” ؟؟.
أشار لها بكفه عليها هي يقصد أن تنتبه لما تفوهت هي به، فتلجلجت في الحال وهتفت بتلعثمٍ تُصلح خطأها:
_أقـ…أقصد يا “يوسف”.
فتح باب سيارته وهاتفها بنبرةٍ جامدة يقول:
_انزلي يا “رهف”.
تبعته ونزلت من السيارة وجلست بجواره على الطريق أمام السيارات والاناس العابرين أمامهما ليقول هو بقوةٍ:
_لازم تتقبلي الوضع، لازم تتأكدي أنه خلاص في مكان تاني غير دا مش معانا هنا، “حمزة” ربنا يرحمه بقى عند اللي أحن مننا كلنا، المفروض تكوني فرحانة بنفسك النهاردة.
حركت رأسها نحوه وهي تقول بعدما استسلمت لبكائها:
_إزاي ؟؟ رد عليا بس أعمل كدا إزاي وأنا كل محطة في حياتي كانت عبارة عن وجوده هو، عبارة عن أنه معايا وداعم ليا في كل خطوة، إزاي أتعامل من غير الإنسان اللي علمني أتعامل، إزاي اتخطى إن من بعد بابا هو أول إنسان أحس معاه بالأمان، إزاي اتخطى أني كنت بشاركه كل حاجة ؟؟ إزاي يتنسي يا “يوسف”.
أخرج زفيرًا قويًا ثم قال بنبرةٍ حزينة:
_مبنتخطاش، بس بنعيش علشان حياتنا متقفش هي كمان، هنخسر عمرنا ونفسنا من غير أي حاجة نعملها، لو الحزن والوقوف بيرجع حاجة كنا ربطنا نفسنا في الحيطة، بس لأ الدنيا بتمشي والحياة بتمشي حتى الناس نفسها بتمشي، أنا أهو عندك، لو كنت وقفت مكاني بعدما عيلتي كلها ضاعت مني كان حالي بقى إيه ؟؟ كلب عند “عاصم” و “سامي” بس أنا حركت نفسي حتى وهما بيكتفوني، اسمعي مني تخطي وانسي وادعيله ربنا يرحمه، ربنا أحن على عباده من قلوبهم، ادعيله يا “عـهد”.
انتبهت هي له وخصوصًا للاسم الذي ذكره هو وحينها رفعت حاجبيها وهي تسأل بسخريةٍ:
_أنتَ بتردهالي ؟؟.
ضحك رغمًا عنه حينما أدرك الاسم الذي تفوه به وقال بقلة حيلة:
_والله مش قاصد، بس هي زيك كدا بائسة ووالدها متوفي ولسه مأثر فيها، الظاهر أني في حياتكم دكتور نفسي.
ضحكت “رهف” ومسحت دموعها فأشار لها تلحقه وهو يقول بنبرةٍ هادئة لطيفة بعدما ابتسم لها محاولًا التغاضي عن ذكره لاسمها هي تحديدًا:
_يلا علشان متتأخريش عن كدا.
في مكانٍ آخرٍ بقرب منطقة الزمالك وقف هذا المظلوم أمام إحدى الفيلات الحديثة في بنايتها ويبدو أنها فارغة من سكانها ينتظر خروج السمسار العقاري من الداخل في استعدادٍ منه لبيع بيت زواجه المزعوم، وعلى ذكر زواجه ابتسم “سراج” بسخريةٍ موجعة وعاد بذاكرته للخلف وهو يتذكر مرتهما الأولى في رؤية هذا البيت.
[منذ عامين أو أكثر]
خرج “سراج” من سيارته يقف أمام هذا البيت المجاور لبيت والد “نور” الجديد وقد لحقته هي الأخرىٰ وخرجت من السيارة تقف بجواره وهي تقول بتعجبٍ تكسوها الدهشة من تواجدها معه هنا بجوار بيتها:
_أنتَ قولتلي هنروح نشوف البيت اللي هنتجوز فيه، جايبني بيتي ليه يا “سراج” ؟؟.
أمسك كفها يقبض عليه ثم رفع إصبعه من كفه الأخر مُشيرًا على البيت المجاور لبيت والدها وهو يقول بنبرةٍ هادئة بوجهه المُبتسم ببشاشةٍ:
_دا يا “نور” البيت دا هيكون بيتنا.
شهقت بدهشةٍ وفرغ فاهها من هول الصدمة حتى إنها ظنته يمازحها أو لربما يشاجرها كما عادته لكنها تفاجئت به يخرج العقد من سترته ثم وضعه نصب عينيها وهو يقول بنبرةٍ هائة بعدما أمعن النظر في وجهها المُحبب إليه بكل تفاصيله:
_لما قولتيلي إنك هتكوني زعلانة علشان هتبعدي عن والدك وعاوزة نأجل الجواز شوية فكرت بصراحة في الموضوع من ناحية تانية، غير كدا “جودي” هتكون معاكِ يعني لازم برضه أكون متطمن عليكم وأنا برة، وأكيد مش هلاقي آمن هنا ليكم، بالنهار هتكون معاكِ تهتمي بيها لحد ما أرجع بليل وييجي دوري.
ضحكت بصوتٍ عالٍ على حديثه الوقح وقالت من بين ضحكاتها:
_وقح وحياة ربنا، عاوز تتربى.
أشار على نفسه مستنكرًا يسألها ببراءةٍ وأسلوبٍ ينفي أعتى التهم عنه:
_أنا !! والله العظيم ظلماني، أنا أقصد ييجي دوري لحد ما أهتم بيها لما أرجع بليل، دماغك دي ربنا يحفظنا منها.
رفعت حاجبيها بسخريةٍ ثم قالت مُجاريةً له:
_ماشي، هعمل نفسي مصدقاك.
ابتسم لها ثم تنهد بعمقٍ وأمسك كلا كفيها وهو يقول بنبرةٍ هادئة مشحونة بالعاطفة الصادقة:
_أهم حاجة إنك تكوني فرحانة، وإنك تطمني معايا علشان اللي جاي علينا حياة عاوزها معاكِ أنتِ وبس، مبسوطة ؟؟.
لمعت عيناها بدموعٍ صادقة وهي تحرك رأسها موافقةً ثم هتفت بصوتٍ مختنقٍ:
_”سراج” أنا آسفة لو كنت زعلتك في يوم وآسفة لو كنت قولت ليك أي كلام يزعلك، بس أنتَ طلعت غير كل اللي فكرت فيه ناحيتك، متزعلش مني والله أنا….
كانت تتحدث بشعورٍ قاتمٍ يعبر عن ذنبها في حقه بينما هو رفع كفيه يمسح وجهها ثم قال بنبرةٍ رخيمة:
_مش زعلان منك ومش هزعل منك، كفاية إننا هنكون مع بعض طول العمر، دي أحلى حاجة بعد المدعكة اللي فاتت علينا دي.
[عودة إلى هذه اللحظة]
خرج من رحلته المؤلمة على صوتٍ مألوف له بل يحفظه ويعلم صاحبه جيدًا وهو يقول بسخريةٍ مُقللًا منه:
_هتبيع ؟؟ طول عمرك واخد على البيع.
التفت لصاحب الصوت ولم يكن سوى “عادل” الذي وقف يراقبه خلال بوابة بيته فيما قال الأخر بتهكمٍ يعبر عن وجعه:
_والله مرة من نفسي هبيع حاجة غالية، زي ما اتباعت.
أقترب منه “عادل” المسافة المتبقية وهو يقول بنبرةٍ جامدة تعبر عن حنقه منه:
_واللي اتباع بسببك قبل كدا مكانش غالي ؟؟ الآثار اللي خرجت من البلد بسببك مكانتش غالية؟؟.
زفر “سراج” بقوةٍ وقال مستهترًا بالأمرِ:
_أنتَ ليه محسسني أني روحت سرقتها من مبنى الوزارة، فوق يا “عادل” بيه دي حاجات مرمية تحت التراب زي الجُثث ملهاش أي لازمة، بعدين أنا كنت وسيط بوصل صحاب الأرض بالتاجر وبخلع بعدها، متحسسنيش أني قتال قُتلة وسارق اللقمة من بيتك.
تفاقم شهور “عادل” بالضيق منه وهتف بنبرةٍ أعلى يقول:
_يا غبي أفهم، اللي اتباع دا تاريخك وأصلك، مش مجرد جثث تحت الأرض، اللي اتباع دا هويتك الحقيقية اللي هما معندهمش زيها، علشان كدا بيعملوا للناس غسيل مخ وياخدوا اصلهم، تقدر تقولي لما هي جثث بيدفعوا فلوس فيها ليه؟؟ بيحطوا ملايين الملايين فيها ليه؟؟ علشان مع الوقت يقتلك تاريخيًا، ينسب الحق لنفسه ويقولك دا حقي، دا بتاعي وفي أرضي، وهو أصلًا ملهوش أصل، بياخد أصلك ليه هو علشان مع الوقت يقولك أصل حضارتنا وحياتنا أهو، والطُعم هنا الفلوس للي زيك وغيرك وغيركم.
اندفع “سراج” هو الأخر ورفع صوته بغضبٍ يقول:
_تاريخ إيه وحضارة إيه ؟؟ ها !! بتتكلم في إيه أصلًا، التاريخ اللي بيتزور عيني عينك قصادنا وإحنا عايشينه هنصدقه وهو جاي من قبل ما نحيا أساسًا ؟؟ ها !! التاريخ اللي عيال أرضه مرميين في الشارع مستنيين لقمة وغطا يسترهم !! التاريخ اللي بسببه الشباب مش لاقي وعمالين يشدوا مخدرات وبلا أزرق والربع التاني منهم نط على برة علشان يشتغل ولا الربع اللي فاضل لسه ونجا بنفسه واتجوز وهوب البس في اقساط ومصاريف وحياة هو مش قدها والربع اللي طالع مكتئب وحزين عمال يقطع في كتاب أحلامه، التاريخ اللي بتتكلم عنه دا وبتتهمني بسرقته أحب أقولك إن كبار البلد هما اللي مخرجينه وواخدين أضعاف اللي زيي ما بياخد، يعني حاميها حراميها.
لم يستسلم “عادل” له بل أصر أكثر على حديثه ونطق بنبرةٍ جامدة يقول بانفعالٍ أقرب للصراخ:
_يا غبي أفهم، هما ساقوك الوهم، خلوك تقتنع بفكرهم هما علشان تمشي وراهم في كل حاجة، خلوك تصدق إنك ضعيف وإنك لا حول ليك ولا قوة، خلوك ترفض الشغل وتقتنع بحياة غيرك برة علشان تبقى معدوم الأصل زيهم، حتى لو حاميها حراميها زي ما بتقول، بس لو مفيش حد زيك بيساعد ويخرج الحاجة يبقى محدش هياخد منك أصلك وييجي اليوم اللي نحارب فيه على هويتنا، نحارب علشان نقول للعالم كله دا تاريخنا، فوق يابني هي حدود جغرافية بصحيح بس اللي يعديها بحاجة غيره ملهوش تاريخ أصلًا.
رمقه “عادل” بسخطٍ وتقليلٍ منه ثم تركه ودلف بيته من جديد بينما “سراج” وقف ضائعًا بين حاضره وماضيه، هل يبيع بيته كما سبق وباع تاريخه ؟؟ وقف مُشتتًا حتى خرج له السمسار برفقة حارس العقار يسأله بحماسٍ:
_طالب فيها قد إيه يا باشا ؟؟.
انتبه له “سراج” وتذكر “نور” أيضًا تلك التي استوطنت الفؤاد وملكته هل سيقوى على الوقوف أمامها من جديد بعدما يبيع موطنه معها ؟
_يا باشا…يا باشا !!.
كان هذا صوت السمسار الذي رفع نبرته لكي يُخرج الأخر من شروده فيما قال “سراج” بتيهٍ بعدما أخذ القرار في قرارة نفسه وأكده له عقله:
_مش هبيع، خلاص رجعت في كلامي.
ركب سيارته بعد جملته ورحل بها من المكان بأكمله حيث اختلطت عليه الأمور وزاد تشوشه بينما “عادل” أبتسم بإعجابٍ لموقفه ثم أغلق بوابة بيته وبداخله نبتة صغيرة ظهرت لتُبريء “سراج” أو لربما هي بداخله من الأساس وتحتاج إلى الاسيتقاظ لكي يزهو غُصنها.
__________________________________
<“ماهي إلا دُنيا، ليست لنا ولا نحن لها”>
قام “يوسف” بتوصيل “رهف” إلى بيتها وعاد بسيارته مبدلًا طريقه إلى منطقة “نزلة السِمان” لكي يزرو “نَـعيم” ويطمئنه على “أيوب” بعدما ألح عليه الأخر بهذا، لذا توجه إلى هناك فوجد البيت يفرغ من الشباب الثلاثة ومعهم “نَـعيم” الذي توجه إلى اسطبل الخيول يطمئن على أحبائه كما يقول، حينها قرر “يوسف” أن يستمتع بلذة الركض مع رفيقه الوَفي “لـيـل” لذا توجه إلى حيث مكانه وأخذه ثم امتطى الخَيل برشاقةٍ كعادته وبدأ في جولته المنتظرة.
الليل يُخيم عليه من كل مكانٍ وصوت حوافر الخيل وهي تضرب الأرض هو الاستثناء الوحيد وسط هذا السكون، كلاهما يشبه الأخر في قوته وعنفوانه، وكلاهما عاصر نصيبًا من اسمه يكفي لوصف قصته؛
فما الليل سوىٰ “يوسف”، وما “يوسف” سوى الليل
صورتها وهي تتحداه لتعلن نفسها ندًا بندٍ أمامه وصوت حديثها يمر على أذانه، طريقتها التي تأهبت لكي تعلن نفسها عدوًا لدودًا لديه، كل هذا جعله يشعر بالنقم عليها، دومًا تضعه في خانة الهجوم وتأخذ هي الدفاع، ويقف هو في كل مرة مع نفسه يتلقى منها التأنيب على التسليم المُفرط لهذه.
زادت قوته مع الخيل وازداد الخيل نفسه حركةً مما جعل يركض وسط الرمال التي تحركت من مكانها وخيمت عليهم وحاوطت المكان، حتى انتبه “يوسف” لهذا فأوقف الخيل فورًا ثم عاد به إلى بيت “نَـعيم” فوجدهم في انتظاره بعدما استغرقت رحلته ساعة تقريبًا.
نزل من على الخيل واقترب منهم يجلس بجوارهم بعدما رحبوا به فيما تنهد هو بعمقٍ لكي يَضُبط وتيرة أنفاسه الهائجة، رأسه ممتلئة بالكثير من الأفكار كما المدينة المتعطل طريق سيرها، انتبه له “إيهاب” فسأله بتعجبٍ:
_مالك يا عمنا ؟؟ حد مزعلك ؟؟ شاورلي.
حرك رأسه نفيًا ثم هتف بصوتٍ أجش:
_مفيش مخنوق شوية بس.
سأله تلك المرة “إسماعيل” بحماسٍ:
_قولي بس جوز أختك خرج إزاي ؟؟.
حرك كتفيه بحيرةٍ وقلب شفتيه ثم قال بتخمينٍ:
_مش عارف والله أنا مسألتش علشان مضغطش عليه، بس لقيت “عادل” أبو “نور” باعتلي رسالة يطمني أنه وصله لحد البيت ففهمت أنه السبب وجيت أكلمه موبايله مقفول، أكيد الفترة دي هتبقى لغبطة وضياع على الكُل.
تحدث “نَـعيم” مقترحًا بإصرارٍ:
_طب علشان كدا أنا محضرلكم يوم عربي أصيل تجيب فيه حبايبك وأختك وجوزها علشان يفك معانا هنا وتجيب كمان مراتك ولا ناوي تفضل مخبيها عليا كتير ؟؟.
انتبه لما تفوه به “نَـعيم” وتذكر أمر زواجه وأن هناك من يحق لها بكل ما فيه حتى تفكيره هو، لذا حرك رأسه موافقًا ثم تابع مع الشباب سير العمل في أماكنه حتى أتت “سمارة” تقول بمرحٍ كعادتها:
_وقفوا شغل ودوقوا البسبوسة بتاعتي الأول بعدها ياكش تطلعوا على المريخ ماليش دعوة.
ضحكوا عليها وعلى طريقتها بينما هي وضعت الصينية المعدنية أمامهم ومعها أكواب الشاي ثم جلست بجوار زوجها تُعطيه كما أعطت الآخرين فوجدته يقول بنبرةٍ هامسة في أذنها ما إن جاورته:
_بقولك إيه، ما تيجي ناكل البسوسة في شقتنا، علشان أعرف أكل براحتي، أخاف يبصولي.
عقدت مابين حاجبيها بحيرةٍ وسألته بنبرةٍ خافتة:
_يبصولك على إيه؟؟ دول أهلك.
وأد ضحكته وتصنع البراءة قائلًا يرد على جملتها:
_مش بيقولك ما يحسد المال إلا أصحابه، أخاف يحسدوني على البسبوسة.
نظرت له بطرف عينها فوجدته يغمز لها حينها قالت من بين أسنانها بغيظٍ منه:
_يعني احط صوابعي في الشَق منك ؟؟ بفضل اتحايل وادادي علشان كلمة حلوة وأحنا لوحدنا جاي قصادهم تتلزق فيا، أرحمني يابن الناس.
أخذ ملعقة من طبق الحلوى القابع بين يديه ثم ابتلعها بتلذذٍ ومال على أذنها يقول بنبرةٍ أقرب للهمس:
_أسكتي مش أنا جيبتلك حاجة بتحبيها؟؟.
انتبهت له وتساؤلت بنظراتها فوجدته يضيف بضحكةٍ مكتومة يحاول التخلص منها:
_جيبتلك كتاب أمنيتي أن أقتل رجلًا، علشان تبقي خلصتي على الوغد اللي عندك وخلصتي من الصنف العِرة دا.
رفعت كفها تكتم ضحكتها وهي تشعر بسعادةٍ غريبة هو يتحدث معها ويمازحها أيضًا ويتخلى عن جمود طباعه بينما هو ما إن رأى ضحكتها حينها لمعت عيناه بسعادةٍ بعدما تأكد من نجاحه في التخلص من جموده.
يبدوان مع بعضهما كأنهما طالبان في فصلٍ دراسيٍ يتحدثان خِلسةً مع بعضهما من خلف المعلمة خوفًا منها أن تأدبهما في مكتب المدير، لكن الفارق هنا أن المدير بذاته يشعر بالسعادةِ لتحدثهما معًا، وكذلك البقية حتى “يوسف” الذي تذكر أمر الوردة المتروكة بموطنها مُفكرًا هل هو غريبًا عن هذا الوطن أم أنه فقط بعيدًا عنه؟.
انتبهوا لصوت “مُـحي” الذي قال بتعجبٍ:
_طب بما أني للأسف نازل الجامعة الأسبوع الجاي اتصرفوا وشوفوا مين هيكمل مكاني في الكافيه بتاع “يوسف” وفي الكافيه اللي جنبه أنا مبعرفش أعمل حاجتين مع بعض، بس لو عليا هختار الشغل.
تحدث “إسماعيل” يستفسر منه بتهكمٍ بعدما استمع لحديثه:
_ليه هي الجامعة مفيهاش بنات ؟؟.
جاوبه بتلقائيةٍ معهودة منه بخصوص هذا الأمر:
_لأ فيها بس مؤدبين.
صدح صوت الضحكات عليه وعلى ماتفوه به ليرد “إيهاب” بسخريةٍ وطريقةٍ مصطنعة:
_ياه يا جدع !! الناس مبقاش عندها ضمير.
رد عليه “يوسف” بنفس السخرية:
_ولا حتى ذرة أخلاق، بيقولك بنات مؤدبين، إحنا فين هنا؟؟
صدح صوت الضحكات من جديد فيما رد عليهم “مُـحي” بضجرٍ يقلد طريقة تحدث الفتيات:
_والله كل ما تيجي تتكلم مع واحدة هناك تقولك عيب كدا يا دكتور، عيب كدا يا دكتور، فيه إيه يا ست منك ليها إحنا في المفاعل النووي هنا ؟؟ فاكرين نفسهم في مدرسة لسه.
رد عليه “نَـعيم” بسخريةٍ:
_قال يعني لو مدرسة برضه هيختشي.
تدخل “يوسف” يقول بحنقٍ وصوتٍ عالٍ:
_نــعم !! مين دا اللي يختشي ؟؟ إبنك شاقط نص بنات مدارس السمان، دا أنا لوحدي رايحله مرتين في نفس الأسبوع واحدة جابتله أخوها والتانية جابت خطيبها.
من جديد يصدح صوت الضحك في المكان ليقول “نَـعيم” بيأسٍ بعدما وزع نظراته في وجوههم:
_عارفين المصيبة فين ؟؟ أني هتسأل عنكم يا صيع.
شهقت “سمارة” بدهشةٍ وسألته بتعجبٍ مما تفوه به:
_يلهوي ؟؟ ليه يا حج هو أنتَ أبوهم؟.
رد عليها بقلة حيلة يجاوبها قائلًا بنزقٍ:
_للأسف أنا المسئول عنهم، كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، شوفتي بقى؟ يعني ربنا هيمتحني في دول
لوت فمها يمنةً ويسرىٰ بتهكمٍ ثم قالت:
_تبقى سقطت يا حج، سقطت والله.
نظروا لبعضهم ثم ضحكوا من جديد في لحظاتٍ سعيدة مسروقة من الدنيا خِلسةً وعنوةً عن الأيام التي تعصف بهم كورق الشجر المتساقط في الخريف بفعل الرياح القوية، حتى أن “يوسف” نسى سبب حزنه وغضبه بهذه السهرة الطبيعية المنزوحة من أية تكاليف أو حتى مصبوغة بزيفٍ، بل هي نقية وطبيعية تشبهه كثيرًا وهذا ما يحبه هو.
تركهم “يوسف” ورحل بعدما اتفق مع “نَـعيم” على موعد العزومة التي ستقام لأجل أهله بهذا المكان، ومنها قرر أن يتجه إلى بيته ينعم بالقرب من أمهِ وشقيقته لكن أمله خاب حينما وجد الشقة فارغةً منهما فتوجه لشقة خاله وقد فتح له “عُـدي” الباب وهو يقول بتعجبٍ:
_إيه اللي أخرك كدا ؟؟ هموت و أنام ياعم وخايف أسوحك.
انتبه له “يوسف” فسأله بتعجبٍ من حال شقتهم:
_هما راحوا فين ومكلمونيش ليه؟؟.
جاوبه بسخريةٍ بعدما وضع كلا كفيه على بعضهما:
_أنطك “أسماء” طلبت في دماغها تعمل زيارة معتبرة لبيت “العطار” فراحت تجيب الحاجة من السوق وخدوا “قَـمـر” الغلبانة معاهم تتسوق هي كمان، وسايبينلي “ضحى” هنا بتذلني على كوباية شاي.
ضحك له “يوسف” ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_طب أنا هشوف “عهد” كدا وأجيلك.
أوقفه “عُـدي” قبل أن ينزل لشقتها قائلًا:
_هي غالبًا فوق السطح، البنوتة الصغيرة قابلتني وسلمت عليا ومراتك كانت فوق بس ممكن تكون نزلت يعني.
حرك رأسه موافقًا ثم بدل وجهته وصعد إلى سطح البيت ليجدها جالسةً بالأرض وبجوارها صينية معدنية بها قالب حلوىٰ وبجوارها أكواب الشاي، لم يمنع نفسه من التخيل أنها هنا تنتظره حتى وإن لم يكن الأمر كذلك، لذا أقترب منها وجلس بجوارها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_غريبة إنك صاحية دلوقتي.
حركت رأسها نحوه وابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ عادية:
_عادي، السطح وبدايات الشتا دي بحبها مع صوت فيروز أوي، علشان كدا شبطانة في المكان هنا زي عيل صغير.
ضحك بخفةٍ لها فسألته بتعجبٍ هي تلك المرة:
_الغريب إنك لسه راجع دلوقتي، مش عادتك إنك تسيب أهلك وحبايبك كل دا.
تنفس براحةٍ وابتسم وهو يقول مُفسرًا:
_الشغل كان كتير ومتعب بصراحة وبعدها روحت لبيتي اللي متربي فيه واطمنت على أهله وقعدت معاهم وجيت هنا قولت أطلع أتطمن على الوردة الحمرا.
ضحكت رغمًا عنها وكذلك هو فيما تنهدت هي مُطولًا ثم عرضت عليه الحلوى وهي تقول بتوترٍ:
_دي كيكة “آيات” عملتها بمناسبة خروج أستاذ “أيوب” أعملك شاي وأشغلك “فيروز” تجرب الإحساس ؟؟.
ابتسم لها ثم قال بهدوءٍ يواري خلفه رغبته المُلحة فيما يطلبه منها:
_بس بشرط تعملي لنفسك معايا.
رفعت حاجبها وهي تقول بمعاندةٍ له:
_أنا محدش يتشرط عليا، اسمه طلب.
ضيق جفونه لها فوجدها تتركه وتتحرك من محلها وهي تقول بشموخٍ يليق بها كمهرة جامحة لم تقبل بالرضوخ لأي أحدٍ سوى خيالها:
_أنا هعمل لنفسي برضه، بس علشان أنا عاوزة أشرب شاي.
ضحك رغمًا عنه فهذه المعاندة لم تستسلم بسهولةٍ كما يظن هو بل تتمسك بقوتها وكبريائها، حتى وإن كانا مُزيفيْن، راقبها بعينيه وهي تصنع الشاي في الرُكنِ المُضيء فوق سطح البيت وتزينه بزروعٍ صناعية واضاءات زينة تكملية وفوقها جملة ساخرة طُبعت فوق اللوح المعدني:
“تـعـشـب شــاي، يبدو أنها صاحبة بالٍ راقٍ بل وتبدو أيضًا في عالمٍ موازي لسائر البشر، تبدو وكما وصفها هو صباحًا أنها وردة يرجع أصل موطنها لحقل الزهور.
تلاشت بسمته وانتبه لنفسه وقارنها بما كان عليه منذ قليل، أين ذهب غضبه وحزنه وأين “يوسف” الضائع منه، كيف هدأت رأسه من ضجيجها وكيف سكن الألم وهو هُنا، وكيف أصبح كل شيءٍ على مايُرام ؟ حرك رأسه نحو اللوح الخشبي ليقع بصره على الجملة من جديد وتذكر حاله في بيت “نَـعيم” فوقف واتجه نحو اللوح الخشبي، فانتبهت هي له وقالت من مكانها دون أن تبرحه:
_الكتابة بتساعد كتير على فكرة في التعبير، لو فيه حاجة محيراك اكتبها وأمسحها هتحس إنك بتفضي خزان طاقتك.
حرك رأسه للخلف حيث موضع وقوفها فعادت هي لما كانت تفعله، حينها زادت حيرته فكيف عرفت أنه يحب الكتابة وكيف عرفت طريقته المفضلة في التعبير عن غضبه لذا تنهد بعمقٍ وأمسك القلم يكتب به على اللوح:
_لم يَكن وَطنكَ عَنكَ غَريبًا، بل كنتُ أنتَ عنه ضائعًا.
تنهد بعمقٍ وهو يقرأ الجملة المكتوبة التي تصف ما يشعر هو به، هو حقًا ضاع لكن الوطن لازال موجودًا لربما يكون عنه تائهًا لكنه لم يكن يومًا غريبًا، ابتسم برضا وعاد لمكان جلوسه على الأرض وقد أتت له “عهد” هي الأخرى بكوبي الشاي بينما هو غرق في تفكيره كيف هدأت هو ونفسه وضجيجه هُنا؟.
__________________________________
<“أتى الخبر اليقين، فأين تذهب أنتَ”>
فرغت الحديقة تمامًا من الزائرين وجلس بها “أيـهـم” على الأرجوحة ويتوسد صدره “إيـاد” الذي غفى محله بجوار أبيه وفي يده هاتفه الذي كان يلعب عليه، ربت “أيـهـم” على خصلات صغيره النائم ثم مسح على ذراعه وهَمَّ بالتحرك من محله بصغيره خوفًا عليه من البَرد الذي أخذ يزداد في مثل هذه الأوقات لكن صوت هاتف صغيره صدح برقمٍ سجله هو بأحد الاسماء الإنجليزية لذا سحبه منه “أيـهـم” وجاوب على المكالمة بتعجبٍ ظنًا منه أنه لربما يكون أحد أصدقاء ابنه:
_السلام عليكم، مين معايا.
على الجهةِ الأخرىٰ اتسعت عينا “نهال” وتوترت بسبب موقفها الحَرِج وحينما أبعد هو الهاتف عن وجهه ونظر في شاشته ووجد المكالمة لازالت مستمرة أعاد الكرة من جديد متسائلًا بنبرةٍ جامدة:
_ألو !! مين معايا.
سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت بتوترٍ تخرج كلمتها رغمًا عنها:
_أنا…أنا “نهال” يا أستاذ “أيـهـم”.
ارتخت ملامحه المقتضبة وكذلك عضلاته المتحفظة وسرعان ما أدرك ماهية صوتها لذا قال بثباتٍ يواري خلفه تعجبه:
_أهلًا وسهلًا بحضرتك، معلش والله أنا آسف بس هو مسجل الاسم غريب أوي ماظنتش أنه ممكن يكون حضرتك.
ردت عليه هي بتوترٍ تحاول التحدث بنبرةٍ طبيعية:
_لأ عادي ولا يهم حضرتك، الفكرة أني كنت بكلمه من شوية بس جالي مكالمة مهمة علشان كدا قفلت معاه وخوفت يكون زعل أني قفلت معاه.
زاغ بصره وحرك رأسه نحو الصغير أولًا ثم نظر من جديد أمامه وقد انتفض قلبه في محله ورغمًا عن عقله وضعها في مقارنةٍ مع الأخرى، هذه تخشى على مشاعره من مجرد مكالمة هاتف عابرة والأخرى تتركه مقابل المال؟
ذكرت اسمه عدة مراتٍ فانتبه لها وسحب نفسًا عميقًا ثم قال بعدما أجبر نفسه على التبسم:
_مع حضرتك أهو، الحقيقة هو الفترة دي تمام أوي، “أيوب” رجع الحمد لله وأكيد هو فرحان.
ضحكت رغمًا عنها وقالت بنبرةٍ ضاحكة:
_أخبارك قديمة يا أستاذ “أيهم” هو قالي من الصبح أصلًا ودخل ذاكر وحل الواجب كمان وبكرة الدرس، ربنا يحفظه إن شاء الله وألف حمدًا لله على سلامة أستاذ “أيوب”، عن إذن حضرتك وبكرة إن شاء الله ميعادنا.
أغلقت الهاتف معه بينما هو أبتسم رغمًا عنه ثم أغلق الهاتف ووضعه في جيبه ثم شرع في حمل صغيره لكن هاتفه هو صدح عاليًا فجلس مرةً أخرى وأخرج هاتفه وما إن رأى الرقم فتح المكالمة سريعًا بتأهبٍ للقادم حتى وصله صوتّ متلجلجٍ يقول بنبرةٍ هامسة خوفًا أن يسمعه أحدٌ:
_أيوة يا أستاذ “أيهم” اللي بلغ عن أخوك طلع هو “سعد” فعلًا واللي عمل كدا عمه وعيلة نسايب عمه، بس بالله عليك محدش يعرف، هيقطعوا عيش أبويا.
ظهر الشر في نظراته وقال بنبرةٍ جامدة تشبه النبرة الآلية الخالية من الروح:
_متخافش، عندي أنا دي، سلام.
أغلق الهاتف ووضعه في جيبه ثم أخذ صغيره يضعه بجوار “أيوب” الذي نام بجوار “عبدالقادر” في غرفته، فوضع هو صغيره بجانبهما وتأكد من نوم الثلاثة ثم خرج من الغرفة ينظر في ساعة الحائط يراقب الوقت.
جلس “سعد” بجوار “شكري” عند أعتاب محله من الداخل يدخنان معًا السجائر المُخدرة يهربان من الواقع بغطاء الرأس المصنوع من الوهم وتغطيه اللامبالاة، وأثناء جلوسهما تحدث “شكري” مستفسرًا:
_وبعدين يا جدع هتعمل إيه؟؟ لازم تخفى يومين كدا.
انتبه له “سعد” فزفر بقوةٍ ثم أشار على موضع رأسه وهو يقول:
_ما تُفكك بقى، كلت دماغي وطيرت السيجارتين، داهية تاخد “أيوب” على أبوه على “يوسف” على عيلة “العطار” كلها، يولعوا كلهم في ساعة واحدة.
في نفس اللحظة فُتحَ باب محله بواسطة “أيـهـم” الذي قال بنبرةٍ عالية وصوتٍ متهدجٍ بفعل غضبه المشحون داخل صدره:
_الولعة دي هتمسك في اللي خلفوك ولو عيلتك جابت دكر واحد ييجي يخرجك من تحت أيدي يا حشاش.
أنهى حديثه وهجم عليه في طُرفة عينٍ يحكم حصاره عليه في نفس اللحظة قبل أن يلوذ الأخر بالفرار من المكان، بينما الأخر عماه غضب الثأر خاصةً حينما وقع بصره على جسد شقيقه الذي لم يقص معاناته بل نطقتها جروحه الغائرة وسردت معاناة عاشها أخوه مكبل الأيدي محكم الحصار عليه وهاهو أحكم حصاره على هذا الوضيع ليريه نسبة قليلة مما تعرض له شقيقه، متخذًا بمبدأ العين بالعين.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)