رواية مقامر المحبة الفصل الثامن 8 بقلم روزان مصطفى
رواية مقامر المحبة الجزء الثامن
رواية مقامر المحبة البارت الثامن
رواية مقامر المحبة الحلقة الثامنة
♠ المُقامرة الثامِنة ♠ الضِلع الثالِث ” باتريشيا ”
لقد غادرنا مقاعِد الماضي وإستعدنا رباطة جأشِنا، حتى نُعاصِر الحاضِر، لكِن جُزء مِنا ظل هُناك.. ينظُر لنا بين الحين والأخر، مُتشبِثًا بـِ حدث لا يُمكِننا تخطيه
كِلانا يُحاوِل جذب الطرف الأخر تِجاهُه، ولا نعلم من سينتصِر _ بِقلمي
المكان: المنطِقة ٩٠
التوقيت: قبل الغروب.
عاد غالي مِن مشفى المنطِقة ٩٠ بعد أن قصت عليه ڤيان مأساة فريدريك والغضـ|ب الكامِن داخِلهُ تِجاههُم، كان إياس يُنجِز بعض الأعمال المُتراكِمة عليه إثر إهمالهُ لها في الآوِنة الأخيرة.. عِندما دخل غالي المعرض وجلس أمامهُ على المِقعد وهو باهِت الوجه، تابعهُ إياس بـِ نظراتهُ حتى قال غالي: فريدريك، صديق طفولة غبريال..
أسقط إياس القلم من بين أصابِعهُ وهو ينظُر لـِ غالي ويقول: نعم؟؟
غالي بـِ ذات البرود: زي ما بقولك كِدا.
إياس بـِ غرابة: وإنت عرِفت منين؟
إعتدل غالي في جلستهُ وقال: لسه جاي مِن المُستشفى من عند ڤيان وهي حكتلي على كُل حاجة، لإن فريدريك معرف السيرك كُله عن الحوار دا.
أعاد إياس ظهرهُ للخلف وقال: عارف، كُنت بفكر أعمِل زي أول مرة وأبلغ الشُرطة عن اللي حصل كُله، بس لما قعدت مع نفسي وفكرت فيها شوفت إنُه كِدا بساعِد فريدريك يتلاعب بينا أكتر.. دا شخص جواه حِقد من ناحيتنا ومُتلاعِب ويعرف كويس يضر|بنا من كُل إتجاه من غير مايسيب أثر يدينُه..
غالي بـِ نِصف أعيُن: وتقترِح نعمِل إيه معاه؟
قال إياس وهو يُفكِر في شيئًا ما: هقولك، هو مهد فين مُختفي كِدا ليه؟
غالي بـِ هدوء: تلاقيه في أوضتُه بيجهز للشغُل بتاعُه بتاع بُكرة.
______________________________
المكان / غُرفة مهد الجرايحي
كان جالِسًا على مِقعدهُ بـِ جانِب النافِذة، واضِعًا الكمان فوق كتفهُ، مُكررًِا العزف مِرارًا وتِكرارًا، إقتحم والِدهُ الغُرفة لـِ يقطع ما يحدُث قائلًا: يعني العالم كُلها بتورث عيالها شُغلهُم حتى إياس صاحبك اللي مش بتفارقُه مِسك شُغل أبوه، وإنت سايب أكبر سلسلة مطاعم سمك وجاي تشتغل الشُغلانة الهايفة دي!
عدل مهد من خُصلة شعرهُ التي لا تنفك تقع فوق عينهُ وقال: إياس مِسك شُغل أبوه مِش جدعنة مِنُه، دا عشان هو بيحب المجال دا والشُغل دا، وبعدين ربنا يديك طولة العُمر يا بابا.
والِدهُ بـِ غضب: يابني حتى لو ربنا إداني طولة العُمر فـ الأيام بتعدي بسُرعة، إنت مخليني متحسر على شُغلي اللي قعدت أكبر فيه السنين دي كُلها، يارب تِعقل وتِفهم.
صفع والِدهُ باب الغُرفة بـِ قسو|ة، وقعت اللُعبة الموسيقية التي إلتقطها مِن غُرفة ليديا مِن السيرك، فـ أصدرت صوت موسيقى.. نظر لها مهد وهو يرسِم على الهواء بـِ إصبعهُ نغمات موسيقية، ثُم إبتسم وقال: أسوأ المواقِف بيكون فيها إفادة، نبذة من اللحن دا إدتني الإلهام
وضع الكمان فوق كتِفهُ مُجددًا وبدأ في العزف بـِ إندماج لـِ يُقاطِعهُ والِده بـِ صوت مُرتفِع قائِلًا: إلهام دي تبقى أُمك!
لم يكترِث مهد ولم يعتبِر ما قالهُ والِدهُ مسبة، فـ بِالفِعل والِدتهُ إسمها ” إلهام شريف “!
قاطع عزفهُ للمرة العاشِرة رنين هاتِفهُ، تأفف مهد ووضع الكمان جانِبًا وهو يجلِس على فِراشُه ويلتقِط الهاتِف ناظِرًا إلى المُتصل، إياس ومن غيرهُ.. رد مهد على المُكالمة قائِلًا: مُفسِد الأوقات الحلوة، خير؟
إياس بـِ غضب: خير إيه يابني إنت مش عايش معايا أنا وغالي في اللي حصل؟ سيب اللي في إيدك وتعالى المعرض في موضوع مُهم لازم نتكلم فيه إحنا الثلاثة سوا.
مهد وهو يتثائب: لو على اللي حصل خلاص يعني، رجعوله البت وأنا هرجعله اللعبة بتاعة البت الميـ|تة ونريح دماغنا من الحوارات دي.
إياس إزداد غضبهُ إشتعالًا وقال: يا بني أدم الموضوع أكبر من حجات أخدتوها، تعالى المعرض يا مهد بعد إذنك مش بعيد يكون الفون متراقب.
مهد بـِ نُعاس: هلبس ونازل أهو ملعون أبو دي صحوبية تقِل الراحة
تيت تيت تيت.
كان ذلِك صوت إنتهاء المُكالمة بـِ أمر من إياس، حذف مهد الهاتِف الخاص بِه على الفِراش مُجددًا وقام بـِ إتجاه الخِزانة وهو ينظُر لها بـِ ملل، رغبةً مِنهُ في إلتقاط ملابس مُريحة ودافِئة.
___________________________________________
المكان / منطِقة كيوبيد، السيرك
كان فريدريك يطوف حول المقا|بِر واضِعًا ورود طازِجة على الجميع، لـِ يقول حارِس المقا|بر له: ليه بس يا باشا، دي كانت عملالنا مصلحة حلوة.
فريدريك بـِ جدية رغم ضحك الحارِس: أخاف ييجي واحِد شا|ذ ويطلُب مقبر|ة صديقي غبريال.
الحارس وهو عاقِدًا حاجبيه: أيوة بس دا بقى لامؤاخذة عضم، دا مد|فون بقالُه مُدة كبيرة.
فريدريك بـِ نظرة قا|تلة: إخرس!
أخرج فريدريك مِن جانِبهُ السِلا|ح الخاص بِه لـِ ينظُر لهُ الحارِس البدين وهو مُتسع الأعيُن قائِلًا: يا واقعة سودا..
ثُم إنحنى وإختبأ خلف مقبرة تجنُبًا لـِ الكلقات الطائِشة وهو يقول بـِ رجاء: وغلاوة غبريال بيه عندك خلاص سماح أنا بس كان قلبي عليك.
هدأت نيرا|ن الغضب التي أوقدتها كلمات ذلِك الغبي الخائِف، وأعاد فريدريك السِلاح إلى جانِبهُ مُجددًا وهو يحنل باقة الورود الحمراء تِلك، ذهب بـِ خطوات مُتعرِجة إلى مقبر|ة غبريال.. وإنحنى عليها ثُم جلس بـِ رُكبتيه على الرِمال وأمامهُ الصرح الرُخامي منقوش عليه إسم صديقُه وتاريخ الوفاة، وكلمات وداعية كان يكتِبُها فريدريك من حين إلى أخر، وضع فريدريك يدهُ داخِل چيب بِنطالهُ وأخرج قِلادة بلاستيكية مُهترِئة قديمة وحتى حوافُها صفراء
جعلها تتدلى من بين أصابِعهُ وقال مُبتسِمًا بـِ هيبة مُحدِثًا قبـ|ر غبريال: فاكر دي؟ كانت دليل بداية صداقِتنا كـ ثُلاثي.. كتبت إسمك على الورقة اللي جواها وإسم أبوك، وكتبت إسم باتريشيا وإسم أبوها، وتواريخ الميلاد.. ماعدا أنا
طلبت منك تكتبلي إسمي أنا بس، فريدريك.. وتاريخ الميلاد، كُنت رافِض أي شيء يربُطني بـِ المدعو أبويا حتى لو قِلادة بلاستيكية مِن صُنع أطفال، عشان كِدا محدش بيدخُل السيرك هِنا من غير القِلادة دي، هُما فاكريني عامِلها كـ رمز تعريفي.. لكن الحقيقة أنا بحاول أحيي أي ذُكرى ربطتني بيكُم وخلتني أتنفس في يوم.
_________ قبل سنوات عِدة _______________
كان فريدريك حامِلًا حقيبتهُ المدرسية، مظهرهُ مُهندم كـعادتهُ، كتى جبينهُ مُقتضب.. يسير بموازاة البحر وينظُر لـِ طيور النورس التي تتأهب حتى ترى سمكة تعيسة تكفو فوق سطح البحر كـ حلاوة روح، قاطع أفكارهُ صوت دراجة تسير بـِ جانِبهُ كان الذي يقودها غبريال.
إبتسم لهُ فريدريك فـ قال له غبريال كـ العالِم ببواطِن الأمور: مُشكِلة مع أبوك تاني؟
الغضب حل على مدينة رأس فريدريك وقال بـِ إندفاع وهجو|م: متقولش أبويا تاني!
غبريال بـِ هدوء ورزانة: أسِف، لكِن حقيقي مش عاجِبني حالك، لازم يكون عندك قوة ومتخافش، أصل هتخاف من إيه إنت كِدا كِدا هتضِرب، فـ على الأقل عيش حلو عشان تبقى إتضربت لـِ سبب.
فريدريك بـِ رفض للفِكرة: مقدرش أعمِل كِدا، والدتي بـِ تصوت لما بخالِف قوانين والدي وبيضر|بني هي بتزعل.
غبريال بـِ سؤال بديهي: طب مبتدافعش عنك ليه وتاخُد موقِف؟ إنت ليه بتنهي أيامك بـِ تشابُه كئيب وسماع لأوامر مش مطلوب منك تعمِلها؟
فريدريك وقد بدأ الهواء يُحرِك خُصلات شعرهُ الناعِمة: قصدك إيه؟
غبريال: قصدي إنت حُر مش عبـ|د، دا حتى العبودية في الأديان فيها رحمة عن اللي أبوك بيعملُه.
فريدريك وهو يركُل حجرة صغيرة عارضتهُ في طريقهُ قال: ماما قالِت إن الإله عندهُ رحمة، لكِن إحنا كـ بشر لا، مبنغفرش أي خطيئة.
غبريال: مظبوط، مامتك عندها حق.. قربنا نوصل على مدرستك، مُتأكِد إنك عاوِز تروحها؟
وقِف فريدريك ونظر إلى غبريال وعلامات القلق تعتريه وقال: ما لو مدخلتِش بابا هيعاقبني.
رفع غبريال كتفيه كـ أمر مُسلم بِه وقال: إنت كِدا كِدا بـِ تتعاقِب، يلا قولي هتدخُل مدرستك ولا هتيجي معايا؟ عشان باتريشيا مستنياني مش عاوز أتأخر عليها؟
فريدريك نبض قلبهُ الصغير وهو يقول: هي معاك طول اليوم؟
غبريال بـِ إبتسامة: ولو جيت معايا هنبقى إحنا الثلاثة مع بعض طول اليوم، وهخليك تقضي أجمل وقت في حياتك وعُمرك ما هتنساه.
نظر فريدريك إلى المدرسة، ثُم إلى غبريال المُبتسِم ودراجتهُ المُغرية، وظهرت ملامِح باتريشيا في مُخيلتهُ، وبـِ آجابة صامِتة إتجه نحو الدراجة وركب في الخلف مُتشبِثًا في ملابِس غبريال، إبتسم الأخير وهو يقود ويقول: إبن الحاخام تمرد أخيرًا على العبو|دية.
قام فريدريك بـِ فرد ذراعيه في الهواء وبـِ جانِبهُ البحر، وخُصلات شعرهُ المُهندمة تناثرت حول وجههُ إثر الهواء، يبدو أنها بداية لـِ يوم جميل كما وعدهُ غبريال، حتى وإن إنتهى بـِ غُرفة مُظلِمة.. ويوم بدون طعام.. ولسعات مِن العصاه الطويلة.
قاد غبريال الدراجة لـِ مسافة حتى هُييء لـِ فريدريك أنهُ خرج عن البلدة، لكِنهُ توقف أخيرًا وسط حديقة، بِها شجرة ضخمة، وبيت صغير خشبي فوق الشجرة.
ترجل فريدريك مِن خلف غبريال وهو يقول بـِ إعجاب: أوووه، دا جميل أوي.
غبريال وهو يقوم بـِ ربك دراجتهُ في شجرة أخرى: وجواه مُفاجآت أجمل وأجمل، هتعرف تطلع؟
فريدريك: هو مفيش سِلم؟
ضحك غبريال وقال: في طبعًا بس مش ثابت يعني مسنوظ على الشجرة، إطلع إنت الأول وأنا هجيب حجات ناكُلها، همسكلك السلم لغاية ما تطلع.
ثبت غبريال السُلم بـِ يديه وتسلقهُ فريدريك بـِ خِفة حتى وصل وأخيرًا
غبريال بـِ صوت مُرتفِع مِن الأسفل: مش هتأخر عليكُم.
قاد الدراجة وغادر، أما فريدريك كان يتألم لإنه وقع في الداخِل.
عدل مِن وقفتهُ ومظهرهُ وحتى شعرهُ، ثُم نظر إلى أرجوحة قُماشية في مُنتصف منزِل الشحرة، مُعلق طرفيها على الجانبين الأيمن والأيسر ومُثبتة بـِ إحكام، وداخِل تِلك الأرجوحة فتاة ترتدي تنورة قصير حمراء اللون بِها نُقط بيضاء، وقميص مدرسي أبيض وحِذاء أسود لامِع، تعتلي رُكبتيها جوارِب بيضاء، وفيونكتين بـِ اللون الأحمر مُنقسمتان على شعرها.
كان فريدريك يتأملها وينظُر خلفهُ، حتى قامت هي مِن الأرجوحة وخلعت حِذاؤها، ثُم الجوارِب الطويلة البيضاء وحذفتهُم جانبًا، بقيت حافية القدمين وعارية الساقين، بـِ تنورتها القصيرة.. صنعت بالون مِن العِلكة داخِل فمِها وهي تقول: غبريال اللي جابك؟
عدل فريدريك من وضعية شعرهُ وقال: مكونتيش عوزاني أجي؟
صنعت باتريشيا بالون أخر مِن العِلك وهي تقول: جبت إيه عشان تشارِك معانا؟
نظر فريدريك حولهُ ولم يجِب، فـ قالت باتريشيا بـِ نفاذ صبر وهي تُقلِب عينيها: فهمت فهمت، إنت مُتطفِل علينا ومجبتش حاجة.
فريدريك بـِ سُرعة بديهه: حاجة زي إيه مثلًا؟
باتريشيا وهي تفتح حقيبتها وتُفرِغ ما بِها: لِعب، أكل، حاجة تنفع للمُشاركة.
أزاح فريدريك الحقيبة عن ظهرهُ وقال: معايا أكلي بتاع المدرسة، ينفع أشارِك بيه؟
سحبت باتريشيا حقيبتهُ وهي تفتحها وتتفحصها، حتى أخرجت حقيبة من الورق المقوى بِها طعامهُ، شطيرتين مِن الجُبن الفاخِر وعصير التُفاح
قضمت باتريشيا مِن الشطيرة وهي تُربِع قدميها وتتلذذ بـِ القصمة ثُم لعقت شفتيها وقالت: طول عُمري نفسي أتعزُم في بيت الحاخام عشان أدوق أفخم الأكل اللي بيروحله مِن سُكان المدينة
ربع فريدريك ساقيه هو الأخر وقال: مممم أنا بدوقها، أو بتسـ|ممها.. لإن الحاخام ممم بيعا|قبني كتير.
قضمت باتريشيا قضمة أخرى وقالت: باباك..
فريدريك بـِ إصرار: الحاخام..
صوت صفير أثار إنتباههُم فـ قالت باتريشيا: غبريال جِه، إمسكلُه السِلم مِن فوق
قام فريدريك وثبت السُلم حتى صعد غبريال وهو يُزيح الحقيبة البلاستيكية عن مِعصم يدهُ وقال: جِبت الحااجة.
إلتقطت باتريشيا الحقيبة من يدهُ وهي تُفرِغ محتوياتُها وتقول: كيك قمح؟
غبريال: وجبت برضو معكرونة، دا نصيبي من غدا إنهاردة.
باتريشيا: وصاحبك جاب ساندوتشين جبنة فاخرة وعصير.
غبريال بـِ ضيق: ليه يا باتريشيا أخدتي أكلُه! أنا عازمُه كـ ضيف.
باتريشيا وهي تلعق أصابِعها: مفيش حاجة إسمها ضيف إحنا مش بنجيب هِنا ضيوف، وبعدين هو اللي إداني شنطتُه.
فريدريك بـِ ذوق: لا أنا مش زعلان كُليه كله أنا مبحبش أكُل كتير.
أخرج غبريال صحن المعكرونة وقال وهو يمِد يدهُ بـِ شوكة لـِ فريدريك: كُل مِن هِنا كتير عشان بعد ما هناكُل هنلعِب سوا عشان بالليل في حفلة.
فريدريك بـِ نبرة تعتريها الصدمة: حفلة إيه وفين؟ ويعني إيه بالليل.
ضحكت باتريشيا وهي تأكُل بـِ نهم فـ قال غبريال: حفلة على أطراف المدينة على الطريقة المكسيكية وهيوزعوا ملابس راعي البـ|قر ببلاش علينا.
فريدريك بـِ إعتذار: إستمتعوا إنتوا، أنا مينفعش أتأخر عشان بابا..
باتريشيا بـِ سُخرية: ما كان من شوية الحاخام! دا جبان يا غبريال مينفعش يبقى صاحِبنا.
عقظ فريدريك حاجبيه وقال: أنا مش جبان! طب إيه رأيك هروح معاكُم؟
زحفت باتريشيا على رُكبتيها تجاهُه وهي تضع إصبعها حول فمهُ، تجمد مكانهُ وهو ينظُر لها تُزيل أثار صلصة المعكرونة مِن حول فمهُ، وما أن إنتهت حتى قبلت وجنتهُ وهي تقول في أُذنِه: يبقى مرحبًا بيك كـ صديق لينا.
_______________ الوقت الحالي _____________
فريدريك وهو يتلمس وجنتهُ قال بـِ إبتسامة هزلية وهو يُحادِث غبريال: كان يوم عظيم، عظيم بـِ كُل ما تحمِلهُ الكلِمة من معنى، يومها كان العقاب أشد من أي عقاب حصل، لإن الحفلة كانت هزلية واللي حصل فيها مينفعش يحصل مع أطفال زينا، لكِن يومها إنت أحييت فيا شخص بيعرف يقدر قيمة نفسُه وقيمة الحياة، وباتريشيا عرفت عيل صُغير، يعني إيه القلب ليه دقات غير دقاتُه الخفيفة اللي بتعرفنا إننا عايشين.. أنا لسه فاكر تفاصيل اليوم منستهاش، فاكِرها بـِ حذافيرها!
_________________________________
المكان / المنطِقة ٩٠، معرض إياس علي خطاب للسيارات
إقتحم مهد المعرض وهو يجلِس على المُقعد المُقابِل لـِ مِقعد غالي ويقول لـِ إياس: هي فعاليات المنطِقة ٩٠ دي مبتخلصش؟
إياس وهو يُنهي الورقة الأخيرة في عملهُ وضعها في الملف وأغلقهُ وهو ينظُر لـِ مهد ويقول بـِدون مُقدِمات: فريدريك كان الصديق العزيز لـِ غبريال.
تسمر مهد قليلًا حتى إستوعب ما سمِعتهُ أُذناه وقال: غبريال مين؟ غبريال بتاعنا!
إبتسم إياس وقال: أيووة، غبريال بتاعنا.. الله يجحـ|مه مطرح ماراح.
مهد إعتدل في جلستهُ وقال: متقولش إنُه راجِع ينتقِم مِننا وجو الأفلام الهابطة دا!
أعاد إياس ظهرهُ للخلف وقال: مش عارف الحقيقة هو راجِع ليه وعاوز إيه ولو على الأفلام فـ كفاية أوي اللي حصل في ليلة فرح إبن المنطقة، بدايةً من دخول العربية للمعرض نهاية إلى اللي إحنا فيه دا.
أعاد مهد ظهرهُ هو الأخر للوراء على المِقعد وهو يقول: لا لا أنا مش مستوعب، طب وبعدين هنعمِل إيه؟
قبل أن يُجيب إياس على تساؤل مهد، رن هاتِفهُ فـأشار بـِ إصبعهُ لـِ أصدقاؤه أن يصمتوا.
رد إياس وإنتظر ثانيتين ثُم قال: ألو؟
الصوت مِن الجانِب الأخر: تيك تاك، تيك تاك..
إياس بـِ سُخرية: شيك شاك شوك، إنت مين يا خفيف؟
صوت مهيب إخترق أُذنيه يقول: الـ 24 ساعة قربوا يخلصوا، معقول مش عارف أنا مُمكِن أعمِل إيه؟
إياس بـِ قول ساخِر: **** عليه.
مهد بـِ مُجاراة: شاي وباتيه.
فريدريك بـِ تنبيه أخير: عشان معزتك عندي أنا إتصلت أنبِهك، متزعلش مني.
إياس إستكمالًا لـِ سُخريتُه: معزتي عندك؟ حبيبي والله كُنت قالِب عليها الدُنيا، شوفلي كِدا الجا|موسة عندك هي كمان ولا لا.
تيت تيت تيت تيت
كان ذلِك صوت إنتهاء المُكالمة بـِ أمر من فريدريك.
ضحك مهد لكِن غالي قال: مينفعش نستهون بـِ كلام الراجِل دا يا إياس، إنت أصلك متعرفش غلاوة غبريال عنده من اللي أنا سمعتُه من ڤيان.
إياس وهو يحِل عُقدة زِر قميصهُ مِن ناحية العُنق قال: عليه وعلى اللي جابتُه، يبقى يوريني أخرُه إيه.
تِك تِك تِك.
فُزِع مهم وغالي من صوت الطرق على باب المعرض، نظروا ثلاثتهُم لـِ يجِدوا لاڤندر الصغيرة تقِف وتقول بـِ رقة لـِ إياس: عمو إياس مُمكِن أدخُل؟
إعتدل إياس في جلستهُ وقال بـِ لُطف: أه طبعًا تعالي.
تقدمت لاڤندر بـِ خطوات مُترددة ووقفت بين مقعدين غالي ومهد، كان مهد يتأملها عن قُرب ويستنشِق رائِحتها بـِ تلذُذ
لاڤندر موجِهه حديثها إلى إياس: أنا بعرف أعمِل أساوِر وسلاسِل من الخرز، وبعرف كمان أعمل تاتو مؤقت بيدوم لمدة يوم وبيروح بـِ المياه، وكُنت عايزة لو ينفع يعني أعمِل المشروع دا، عشان أساعِد خالتو في مصاريفنا البيت.
إبتسم إياس لـِ عزيمة تِلك الصغيرة وقال: طب ناقصكُم إيه أديكُم مُرتب كُل أول شهر وإنتِ ركزي في دراستِك.
تشبثت لاڤندر بإكمام قميصها الطويلة وقالت: لا شُكرًا يا عمو، أنا بس كُل اللي عوزاه توافِق أعمِل المشروع دا هِنا في المنطِقة والمدرسة.
إياس بـِ جدية: طيب بُصي يا بابا، هكون صريح معاكي عشان إنتِ شطورة وبتكلميني بـِ العقل، أنا هسمحلِك تعملي المشروع دا هِنا في المنطِقة ومش هخلي حد يضايقك كمان، لكِن في المدرسة لا.. المدرسة مكان للتعليم مش للزينة، متفقين كِدا!
بللت لاڤندر شفتيها وقال بـِ ذات الرِقة: أكيد، شُكرًا أنا مش عارفة أقول لـِ حضرِتك إيه.
كان مهد يتأملها وهي تتحدث حتى إلتقت أعيُنها بـِ عينيه فـ إرتبكت مِن إثر صِدق نظراتهُ العاشِقة، خرجت مِن المعرض فـ قام مهد خلفها حتى أوقفها وقال: لاڤ إستني.
توقفت لاڤندر وهي تنظُر له رافِعة رأسها إلى أعلى وقالت بـِ ذات الهدوء الرقيق: نعم يا عمو.
إزدرد مهد لُعابهُ وقال: أنا مش عمو، أنا مهد.. ليه بتنسيني؟
نظرت حولها ثُم إلى حِذاؤها وقالت: مقدرش أنسى حضرتك.
مهد بـِ حزم: لاڤ! قولي إسمي من غير ألقاب، أنا مش إياس ولا غالي.
عادت لاڤندر خطوة إلى الوراء في خوف فـ لانت ملامِح مهد وكإنهُ قام بـِ إقتطاف وردة عنوة وقال في مُحاولة مِنهُ لـِ تدارُك الموقِف: مقصُدش أخوفِك مني..
لاڤندر وهي تبتعِد: متتكلمش معايا تاني لو سمحت!
ركضت إلى بنايتها صعودًا للأعلى، تارِكة مهد يقِف مُتأمِلًا أثرها الجميل، ومكانها الفارِغ أمامُه.
التوقيت / صباح اليوم التالي
المكان / المنطِقة ٩٠
نزل إياس من بنايتهُ وهو يلوح للأشخاص الذين يُلقون عليه السلام، وجد أن معرضهُ مُغلق فـتعجب وهو يفتح الباب بـِ المُفتاح في جيبُه، جلس خلف مكتبهُ وهو ينظُر مِن زُجاج الباب للخارج، وجد لاڤندر قد بدأت بـِ الفِعل في الجلوس بـِ جانِب بنايتها وإنتظار الزبائِن مِن عُمرِها لـِ وصف طلبهُم مِنها، وبـِ جانِبها إبنة عمهِ كادي لكِنهُ لم يستطع التركيز جيدًا في ما تفعلهُ لإنه لم يفيق جيدًا.
نادى بـِ علو صوتُه وقال: وصـ..
وقبل أن يُكمِل رن هاتِفهُ، رد إياس بـِ خمول وقبل أن يُجيب وصلهُ صوت فريدريك يقول: وصييييف.
إعتدل إياس مُتسِع العينين لـِ يُكمِل فريدريك حديثهُ قائِلًا: معذرةً يا إياس بس عندي عيد ميلاد إنهاردة وهقطـ|ع تورتة، ومحتاج صبي القهوة بتاعك يوزع مشروبات على السيرك كُله.
إياس بـِ صدمة: تورتة مين!
فريدريك بـِ تِكرار: وصييييف، بتحبها شوكولاتة ولا كريمة؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مقامر المحبة)