رواية ملاك بوجه شيطاني الفصل السادس 6 بقلم آية محمد رفعت
رواية ملاك بوجه شيطاني الجزء السادس
رواية ملاك بوجه شيطاني البارت السادس
رواية ملاك بوجه شيطاني الحلقة السادسة
أحيانًا يحاربنا القدر بكل ما يمتلكه من قوةٍ، فتصبح في مقدمة صفوف معركة لطالما خشيت الدخول إليها، وما يثير دهشتك حينما تجد ذاتك قادرًا على إتخاذ أصعب قرار عجزت عن تقبله يومًا ما، حتى وإن كذبت كل تلك الاشارات التي تؤكد خضوعك له، وها هي الآن تستسلم لكل شيء، ليس لما رأته بإستخارتها مع الله فحسب، بل كل تلك التتابعات التي قادتها حلقة واحدة، اليوم هي من ستتخذ قرارها وبما ستود فعله، ربما لأن استخارتها كانت أعظم إشارة لما يجوب داخلها من أحاسيسٍ سبق وأنكرتها، وها هي اليوم ترتدي ثيابها وتعود لنفس المكان الذي تركته وهي على عهد عدم العودة إليه، لا تعلم ما الذي يدفعها لذلك ولكنها ترغب حقًا في رؤيته مجددًا، اتجهت “صبا” للمشفى، واتجهت للطابق الثاني بالتحديد، فما أن انتهى الدرج بها للطابق حتى تراجعت بارتباكٍ وتوتر يحارباها بكل قوةٍ، ومع ذلك تحدتهما واستمرت حتى وصلت للغرفة التي يقطن بها، فمالت برأسها على الباب لتراقب ماذا يفعل؟
وجدته يجلس بمفرده، فعلى ما يبدو بأن والدته لم تأتي من منزلها بعد، جمعت عزيمتها واتجهت لنفس مقعد جلستها بالأمس، حيث كان هو صافن به، فمازالت عينيه معلقة على كل شيء لمسته يدها، بداية من حافة فراشه ونهاية بمقعدها الذي إن استخدمه أحدٌ كان يود الصراخ به لينهض بالحال، حتى أنه فكر بكسر رجل المقعد حتى يضمن بالا يستخدمه أحدًا سواها، ولكنه بالنهاية بالمشفى وسيترك ذاك الفراش والمقعد، وبالرغم من أن ذلك يحزنه ولكنه يحاول التأقلم على حياة لا تحتويها ولا حتى تلامس طيفها، عاد نفس المقعد لها من جديدٍ، فظن لوهلة بأنه عاد للتوهم مجددًا، تمعن بالمقعد فوجدها ترمش بربكة تجتازها، فسألته بحرجٍ تود به تمرين لسانها على الحديث:
_عامل أيه النهاردة؟
ردد بعدم تصديق:
_صبا!
أخفضت عينيها عنه وعبثت بحبال حقيبتها، فقال بعدم تصديق:
_رجعتي تاني؟
هزت رأسها وهي تبرر له:
_مكنش ينفع مرجعش أنت عملت عشاني كتير.
تغلب على تلك الغصة المؤلمة وهو يخبرها:
_قولتلك متحمليش نفسك ذنب اللي حصل.. عيشي وكملي حياتك لانهم اخدوا الجزاء اللي يستحقوه.
رمشت بعينيها بتوترٍ وهي تجيبه:
_بحاول.
ثم قالت بعد مجاهدة بالحديث:
_على فكرة انا مش جاية هنا لاحساسي بالذنب بس لا.. أنا حبيت اطمن عليك.
اعتدل بجلسته وعينيه تبرقان في صدمةٍ، فتساءل بعدم استيعاب:
_بتقولي أيه؟
وقبل أن يستوعب احد صدماتها، باغتته بصدمة اخرى حينما قالت:
_هتيجي تكلم بابا أمته؟
انفرجت شفتيه على مصراعهما، وبعدها ابتسامة جعلت عينيه تدمعان فرحًا، وصوته بدى كالباكي من شدة رجفة أحباله:
_حالا هروحله..
منحته ابتسامة رقيقة واخبرته وهي تنهض من مقعدها:
_لما تخف أفضل.. أنا لازم أمشي.
تفهم مصطفى رغبتها بعدم الاختلاء به، وهذا ما يقدره ويقدسه بها، فإن كان الضيق يبرز على معالمه بتلك اللحظة ليس الا لحرمان عينيه من رؤيتها، ولكن سعادة قلبه ستكفيه للحظة التي ستكون بها زوجته شرعًا… ربما معركته لم تكن سهلة بالمرة ولكن نهايتها كانت مشرقة بانتصاره بعد محاولات سئم بعدها، ها هو الآن يحصل على من عشقها بإخلاص وتفاني بطيب خاطر وبسمة تزفها له بارادتها، بعدما اكتشفت سر خطير يجعلها تخشى الحكم على الناس دون رؤيتهم عن قرب، فمن ظنته شيطان مخيف كان ملاك رحيم بها في وقتٍ فقدت به أمل النجاة.. واليوم بات يمتلك قلبها قلبًا وقالبًا..
******
لم تكن بحاجة الا لبضعة أشهر قليلة حتى أحبته وحصل على قلبها بالكامل،وها هي الآن تزف إليه بفستانها الأبيض الملكي ومن فوقه خمارها الفضفاض الذي رفضت التخلي عنه في يوم هام كذلك، وكأنه جزء من تآلقها وجمالها الرقيق، يدها تستمد القوة من دفء أصابع والدها الذي يحتضن معصمها،القوة للمضي قدمًا بحياةٍ جديدة وزواج قد يكون تقليدي ولكن ليس بالدرجة، ربما عاشت قصة حب غريبة من نوعها ولكنها فريدة ولن تنسى، انتهت مهمة والدها حينما سلم يدها بيد من تلقفها بلهفةٍ وشغف وحرصًا واهتمامًا، كل الاحاسيس المتضاربة تهاجمه بتلك اللحظة دون رحمة منها، فبعد صبرًا عظيمًا هكذا ينال مكافأته، وهي أقيم مكافاة قد يحظى بها يومًا، حتى وإن كانت مجرد فتاة عادية ولكنها من تمكنت من السيطرة على قلبه، من استمدت حبه دون تراجع، فالحب ليس مرتبط بالجمال والحسناوات فحسب، بلى لكل جسد ينبض بداخله حياة، صعدوا معًا للمنصة ومازالت صبا تتهرب من نظراته، فراقبت أوجه المعازيم بتوترٍ ازداد تدريجيًا مع انتهاء الحفل السريع، حتى غلق عليهما باب واحد، فأول ما فعله كانت سجدة شكر ركعها لله ومازالت تقف وتراقبه بدهشةٍ، وما أن انتهى حتى قال:
_ده شكر طويل لربنا انه محرمنيش منك.. وإنه حققلي اعظم احلامي وانتصاراتي..
واقترب منها وهو يجاهد ذاك الشوق الغفير، ليمنحه بالا يزداد حينها ستخشاه لا محالة، فقال وهو يبعدها للغرفة:
_هنبدأ حياتنا بالصلاة.
أومأت برأسها ببسمة هادئة وعادت اليه بعد دقائق، ترتدي اسدالها الأبيض وتقف من خلفه بفرحةٍ وخشوع ازداد مع سماعها لصوته بتلاوة القرآن لاول مرة، فما ان انتهوا من الصلاة حتى قالت بإعجابٍ:
_صوتك جميل أوي ما شاء الله.
تعمق بالتطلع اليها، حتى اقترب ليقتبس من ريقها، واستند على جبهتها وهو يردد بهمسٍ حرق بشرتها الناعمة:
_هقرالك على طول.. أنا صوتي وكلي ملكك يا صبا.
أغلقت عينيها تأثرًا من قربه منها، فولد بداخلها رغبة غريبة حاولت أن تكافحها ولكنها سقطت ضحيتها، فما أعذب أن تسلم أمرها وقلبها بالحلال لمن اختارته، كل تلك الاحاسيس تنتقل اليها بشعور مميز كونها أول مرة، أول همسة، أول ضمة، أول قبلة، هي كالعذراء لم يمس قلبها أحدًا من قبل وكان هو أول من منحها الاحتواء ثم الحب، حتى باتت حياتهما شبه مكتملة باكتمال أخر طقوسها.. طقوس جمعت ليلى بمجنونها أخيرًا..
*********
المشهد الختامي!
العمر يفنى مع تلك السنوات التي تمر علينا كمرور ضيفًا عزيز لا يشبع من جلسته المحببة، وها قد حل على خريف حبهما العاشق سبع سنوات، رزقوا فيها بفتاة منحتها صبا اسم “عائشة” وولد منحوه اسم “محمد” نسبة لسيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام، والآن يجتمعنا على طاولة الطعام المستديرة بعد اداء صلاة الجمعة بالمسجد، كعادتهم يتشاطران الاحاديث فيما بينهما، عما يخص عائلتهما الصغيرة، وضعت صبا صينينة الحلوى على الطاولة وهي تشير إليهم بفخر:
_البسبوسة جاهزة.
منحتها ابنتها نظرةٍ بائسة تحمل الشك بعينيها وخاصة حينما قالت:
_انتي مش بتعمليها حلو!
اتجهت نظراتها تجاهها، وقالت ببسمة صغيرة:
_اديني بحاول يا عائشة.. المفروض تحمسيني.
انحنى مصطفى على الطاولة، ثم جذب قطعه وهو يتذوقها بتلذذ:
_روعه يا حبيبتي.. تسلم ايدك.
منحته ابتسامة عاشقة وهمسة حنونة:
_تسلم يا حبيبي.. نفسي ولادك يجبروا بخاطري زيك كده صدقني مش هيكون في بينا مشاكل.
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يعترض على أمنيتها:
_وانا كان هيرضيني انك تشوفي غيري يعني.. لا كده احسن بالنسبالي.
ورفع يدها اليه ليطبع قبلة حنونه على معصمها وهو يهمس بحب:
_مبحبش حد يحب فيكي غيري حتى لو كان الحد ده هو ابني او بنتي..
ضحكت وهي تشير له ساخرة:
_مين بس اللي قال اني هعمل اللي مش بتحبه بالعكس أنا دايمًا بدور على اللي يريحك… لان راحتك من راحتي.
ضمها مصطفى اليه وهو يردد بعاطفة:
_بأحبك وهتفضلي في قلبي لأخر العمر.
تساءلت بلهفة:
_أخره؟!
أتاه رده يوضح ليه، ما تعنيه:
_لحد ما انفاسي تفارق جسمي هتكوني أخر حاجة اشوفها في حياتي يا صبا!
استسلمت لدفء احضانه ولمساته الحنونة التي لم تبتعد عنها طوال تلك السنوات، كان رجلًا يحتمل ضغط مسؤولياتها على عاتقه، وفوق كل ذلك يحبها ويزداد تقديرلها له كل يوم عن الذي يسبقه.. ومازالت يدها تشدد على يده فحينما كادت بتركها مرة واجهتها الحياة بكل ما امتلكت من قوةٍ، وكأنها تخبره بأنها مخطئة حينما سحبت قوة أماني من بين أحضانك، فاشتقت لضمة قبضتك القوية التي تساندني حينما اتعرقل بين زقاق أوجاعي، عساك تعلم بأن تلك الفتاة البسيطة واجهت ما جعلها تتوق لوجودك لجوارها، ووجدتك مازلت تشدد من ضمة يدي مثلما كنت تفعل على الدوام.. وها أنا أختم قصتي بجملة أرغب في قولها… بأن الظنون ربما تكون ستار يخفى عنا شيءٍ هان، وجهه الشيطاني هناك ملاك مقيد ينتظر فرصة واحدة ليتحرر ويتغلب على شره وقد منحته هي تلك الفرصة ليتغلب على شيطانه ورغبات السوء بداخله… بعدما باتت زوجة، وحبيبة، ومعشوقة!
تمت بحمد الله ♥
*******________*******
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاك بوجه شيطاني)