رواية ملاك بوجه شيطاني الفصل الثالث 3 بقلم آية محمد رفعت
رواية ملاك بوجه شيطاني الجزء الثالث
رواية ملاك بوجه شيطاني البارت الثالث
رواية ملاك بوجه شيطاني الحلقة الثالثة
مازالت يدها تحتفظ بعلامات أظافره، وكأنها تتعهد بأن تذكرها بحديثه ووعده المخيف، حُرمت من أن تعيش حياتها بصورة طبيعية، كأي فتاة ترتبط حدثيًا بخطبة جمعتها بشخصٍ تود استكشاف شخصه قبل أن يصبح زوجها رسميًا، فقدت رغبتها بالحياة بأكملها، وباتت تحسب الأيام المتبقية لها بالجامعة لتحظو بنجاةٍ آمنة بعيدًا عن هذا البلطجي ذو الوجه الشيطاني، عساها لا تعلم بأنه سيكون الملاك الحارس لها من تلك اللعنات القاتلة التي ستواجهها، باتت تعد خطواتها جيدًا، وتختار أيام ذهابها للجامعة بعنايةٍ، إلى أن مضى على ذهابها للجامعة أسبوعًا كاملًا ولم تشهد فيهم أي مما يضيق صدرها، والغريب لها هو عدم رؤياه فمنحها الشعور بالسلام بأنه لربما استسلم وتقبل بالأمر، وباتت تقضي وقتًا أطول برفقة صديقاتها بالجامعة، حتى وإن كان بداخلها همسات خافتة من القلق والرعب تجاه ما قد يفعله، وخاصة بعد انتشار تلك الحادثة الشهيرة التي تخص “نيرة” الحادثة التي هزت كيان العالم العربي بأكمله ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت تربط مصيرها بها، خشيت أن تكون نهايتها على يديه ولن يتوصى هو بذلك، فلطالما كانت تعانده ولم تترك فرصة الا وأهانته بها، ولكن عدم رؤيته بالجامعة منحها نوعًا من السكينةٍ..
انتهت “صبا”من جمع كتبها، فحملتهم واتبعت صديقتها” شيماء” بالخروج بعد الانتهاء من الكورس، وقفت الفتياتين بالخارج يتبادلان الحديث، فاقترحت شيماء عليها:
_الساعة لسه ٧ تعالي نتمشى شوية يا صبا.
أجابتها بتعبٍ بدى على ملامحها المجهدة، بعد يومًا طويلًا:
_مش قادرة والله يا شيماء… أنا يدوب أرجع أغسل وأصلي وهنام على طول.. اليوم النهاردة كان صعب من الجامعة للكورس وبعدين يدوب الحق ارجع قبل ما الدنيا تليل أكتر من كده عشان حتى القى مواصلات.
لم تحبذ أن تضغط عليها والارهاق على معالمها يخبرها بما تشعر به، لذا ودعتهت بابتسامة مشرقة:
_خلاص يا قلبي… أشوفك بكره بإذن الله.
بادلتها البسمة وهي تشير إليها بمحبةٍ وامتنان لتفهمها الأمر، وافترقتا الفتياتان بوجهتهما، غادرت كلًا منهما باتجاه معاكس للأخر، بحثًا عن سيارة أجرة تقلهما لمنزلهما..
قضت “صبا” أكثر من ثلاثون دقيقة تبحث عن حافلة تنقلها للمنزل، وحينما لم توفق بحثت عن سيارة أجرة الخيار البديل لها، ظلت محلها لدقائقٍ أخرى وحينما لم تجد قررت أن تمر من الشارع الجانبي حتى تصل للشارع الرئيسي المتفرع بالناحية الشمالية، فاتخذت أحد الشوارع الجانبية وحينما أصبحت بمنتصفه شعرت بحركةٍ غريبةٍ تتبعها، انقبض قلبها وباتت ضرباته كدفوف المعارك، فاحتضنت كتبها بين ذراعيها وكأنها تستعد للفرار من تلك الهلاوس التي تطاردها كلما اشتد الصوت، وقبل أن تسرع بخطواتها لتلوذ بالركض كانت أنفاسها تسلب منها رويدًا رويدًا، حينما اندفع جسد رجالي من خلفها يشل حركتها بتحكمٍ، وقبل أن تقاوم أو حتى تصيح لأن ينجدها أحدًا، وجدت من يقترب منها ويقرب قطعة من القماش الأبيض لأنفها، كانت ملامحه مبهمة لها بذاك الضوء الخافت، فحاولت أن تحرر لسانها الثقيل من خلف مرقده ولكنه لم يكن الوحيد المنصاع لتخديرها السريع، فحتى جسدها وقع فريسة صائغة للمخدر الذي استحوذ عليه، فانهارت بين يد خاطفها فاقدة للوعي، وأخر ما التقطته عدستها صورة للسيارة الملاكي التي حملتها وانطلقت مسرعة بعيدًا عن منطقة الاسكان، وخاصة بنواحي الأراضي الزراعية الغير مؤهلة لوجود حياة سكانية على أرضها، وكأن مصيرها المجهول فرض عليه أن يكون قرار مصيري بذاك المكان الذي سيكن قالب للمواززين… يملك قدرها بين أجنحة ليله المظلم، وسواد ضي قمره المعتم، وفحيح أصوات الكلاب والضفادع المقبض، هنا مصيرها مؤجل، عله بين يد من ظنته ونعتته دائمًا بالشيطان!
******
عاد هاتفه لضجيجه مجددًا، وتلك المرة لم تكن الأخيرة، مرة تلو الأخرى وكأن المتصل يحمل له خبر نهاية العالم، وبالرغم من ذلك مازال مصر على عدم الرد، وخاصة حينما رأى إسم المتصل، وذلك لم يخلق استسلام لمن يحاول التواصل معه، فأرسل له رسالة نصية، فتحها الاخير وقرأها بفتورٍ
«في موضوع مهم لازم تعرفه… هبعتلك العنوان تعالى حالًا.. صدقني الموضوع يهمك!»
إتكأ “مصطفى” على فراشه بمللٍ، ومع ذلك لم ينال آماله بالرد على المتصل، ألقى هاتفه بإهمال على الفراش وهو يتمتم بسخطٍ:
_عايز أيه ده كمان.. ناقصك أنا!
واسند رأسه على حافة الفراش ليسترخي بجلسته وهو مغمض العينين، فعاد هاتفه ليزعجه مجددًا، فحمله وهو يجيب بتعصب كاد بكسر الهاتف بين يده:
_عايز أيه!
اتاه صوت عثمان يجيبه:
_الموضوع اللي عايزينك فيه مينفعش في التليفون… تعال حالا والا هتندم.
وأغلق الهاتف ثم قام بإرسال الموقع لهاتف “مصطفى” ، فجذب ملابسه وارتدائها على مضضٍ، وهو يقسم إن كانت مجرد مزحة أو مقلب سخيف سينال منه حتمًا، فحمل مفتاح دراجته النارية وانطلق للموقع المرسل له.
********
تملكته الحيرة والدهشة من الطريق الشبه منعزل الذي سلكه اتباعًا للموقع، لوهلةٍ ظن بأنهم يرتبون لسرقته وقتله هنا دون أن يدري به أحدًا، فابتسم ساخرًا مما يتوغل بعقله، فاصدقائه الثلاث من ذوات الطبقات المخملية، ليسوا بحاجة لدراجته المتهالكة ولا لما يحمله بمحفظته من مبلغٍ باخسٍ، لذا تابع طريقه على أملٍ أنه ولابد من أن هناك أمرًا هامًا مثلما ذكر عثمان، وأخيرًا وبعد طول الطريق تمكن من الوصول للنقطة المشار إليها الموقع، هبط “مصطفى” عن دراجته ثم اقترب مشدوهًا مما يرأه، حيث كان يتوسط أحد الأراضي الذراعية دوائر من القش الخشن وأعمدة الخشب مصفوفة فوق بعضها البعض فصنعت فجوة مغلفة كالغرفة، ومن خارجها عدد من دوائر القش تتشكل على هيئة مقاعد حيث يعتليها اصدقائه الثلاث، يحتمون بنيران الأخشاب الصغيرة التي قد شعلوا بها النار لتمنحهما الضوء في وسط هذا الليل الكحيل، تنقلت نظرات مصطفى المتفحصة على وجوههم، فالتقطت ما يحملوه من زجاجاتٍ من الخمر، ودون أن يدقق بالتفاصيل أكثر من ذلك، سألهم بوضوحٍ تام:
_خير.. عايزني في أيه؟
ضحكوا جميعًا بمكرٍ مخيف، فأزاح احدهم حبات الخمر المتناثرة على شاربه الصغير وهو يجيبه:
_انا اللي طلبت من عثمان انه يرن عليك.. لاني ميخلصنيش ان تفوتك اهم لحظات حياتك.
ضيق عينيه بعدم فهم:
_لحظات أيه… أنت شاكلك شارب ومش في وعيك وانا روحي في مناخيري ومش طايق حد.. عن اذنكم.
وكاد بالمغادرة، ولكنه توقف حينما نهض عامر ليقترب منه بخطواتٍ شبه مترنحة وهو يردد:
_قولتله بلاش نرن على مصطفى ونقوم احنا بالليلة بس عمرو مصمم انك تكون أول واحد يخش على المحروصة… لزوم جو العشق الممنوع اللي كنت عايش فيه طول السنين اللي فاتت دي..
عجز عقله عن ربط ما يخبره به هذا المخمور، وإن تسنى له بأن ما يفكر به صحيح كان قد فقد عقله بتلك اللحظة، فلم يعبئ بحديثه لانه أكثرهم تيهة وأكثر من تناول الخمر، لذا سأل عثمان بجدية:
_بيقول أيه ده أنا مش فاهم حاجة؟
دنا منه الاخير بنظرة شيطانية تلهو داخل جحيم عينيه، وغمز بعينيه تجاه الغرفة الصغيرة المقابلة لهم:
_قررنا ناخد بتارك… حبيبة القلب متربطة جوه.
جحظت عينيه بصدمة جعلته عاجز كليًا عن الحديث، وخاصة حينما نهض عمرو واقترب منه ليضع يده على كتفيه الاخر وهو يخبره:
_عشان تعرف اني صديقك الصدوق مخلتش حد فيهم يقربلها الاول غيرك.. بس وحياة ابوك تنجز عشان زي ما انت شايف في غيرك تلاتة!
واضاف عثمان بصوت كفحيح الافاعي:
_عندنا فضول نعرف ايه المستخبي تحت الخمار يا خدع!!
وكأنه أصيب بصاعقة خطفت حواس جسده للاسفلين، فقد القدرة على الحديث.. الحركة.. كل شيء فقده، انصاع مصطفى خلفهم حتى ولج للغرفة التي اختصوها للحديث، فسقطت عينيه على تلك التي تتوسط سرير صغير مصنوع من القفص الخشبي، يديها مربوطة معًا بأعمدة من الخشب وقدميها منفصلة عن بعضها البعض برباط يمنعها من ان تضمهما معًا لحماية عفتها، ناهيك عن وجهها الممتلأ بالكدمات والدم الذي يسيل من فمها المكمم، وما يؤلم القلب ميول رأسها تجاه يدها التي تحاول اخفاء خصلات شعرها المتدلي من خلف خمارها الملقي من خلفها بفوضوية، وألف آه تكلم القلب لرؤية تلك الدمعات المتدفقة كنيران تتحرر عبر خندق من جحيم مستعار، اهتز جسد مصطفى الفاقد للحس على دفعه يد عثمان وهو يشير له على الكاميرا المنصوبة باحد اركان الغرفة ولجوارها كشاف ضخم يكشف جميع جوانب الغرفة كأنها قاعة سينما تتاح لما بداخلها للمشاهدة، فأشار له بغمزة حقيرة:
_لا الكاميرا دي لزوم الدلع والذكريات.
واتجه للخارج فاتبعه عمرو وهو يشير له وعينيه تتابعها برغبة لعينة:
_احنا بره.. انجز.
وتركه وغادر ليغلق من خلفه ذاك الباب الخشبي الذي يلحق به بالكد وكأنه يعود لآلآف الاعوام، ليت جسد مصطفى خنع له مثلما خنع الباب لزقة يد عمرو، وأخيرًا عملت حواسه بشكلٍ منتظم، فانخضعت دمعة من عينيه وهو يحاول تقبل ما يحدث هنا، ركض بكل سرعته تجاه السرير، فابتعدت “صبا” برأسها للخلف وهي تحجر عينيها بدموع تمزق نياط القلب، وضع يده على خدها وهو يردد بهستريةٍ وكلمات متلاحقة تدافع عنه وعن اسطورة حبه المقدس:
_أنا وقسمًا بالله ما أعرف باللي بيعملوه الكلاب دول.. والله العظيم ما أعرف حاجة.
أجبرها على التطلع له وهو يسترسل بدموعٍ:
_انا اتفاجئت حالا قدامك.. صبا بوصيلي انا عمري ما أفكر أني أذيكي أقوم أعمل فيكي كده!!
واسترسل بدمعاته الحارقة:
_انا ما اتمنتش اشوفك من غير حجابك حتى في أحلامي! … انتي طول عمرك صورة نقية بالنسبالي ومحافظ عليها حتى بيني وبين نفسي.
إنخفض اصبعه ليزيح دمائها المنسدلة من فمها وهو يخبرها بتشدد:
_أنا مستحيل هسمح لمخلوق إنه يأذيكي حتى لو كان بطلوع روحي..
استعطفته نظراتها وكأنه القشة التي تستنجد به، رأها تتوسل بنظرة احتضنت بؤبؤ عينيه بأن ينجدها من هؤلاء الشياطين، عله الآن ملاكها الحارس المتمسد بوجهه الشيطاني، ها هو الآن يمنحها أجنحته لتطير بعيدًا عن ملجئ الشياطين، هو بذاته من أقسم لها بحمايتها من شر ظنته هو من أوقع بها انتقامًا منها.
أسرع مصطفى بحل وثاق يدها، ثم أسرع لقدميها يحل وثاقها، فنزعت صبا عنها الرباط الذي يحيل بفمها، وحينما كادت بالنهوض من الفراش وجدته ينحني ويجذب خمارها الذي سقط عنها، قدمه لها وعينيه لا تفارق الارض، ليتها كانت بحالة غير التي بها الآن كانت ستحسب كل ذلك بداخل عقلها الأحمق، التقطته منه وارتدته باهمال، ثم لحقت به فوجدته يشير لها بالوقوف خلفه، بينما فتح هو الباب وأخذ يراقب ما يحدث بالخارج، فوجد عامر يتسطح أرضًا ويبدو بأنه فاقد ادراكه تمامًا بينما كان عثمان وعمرو يجلسون بالخارج ويبدو بأنهم مازلوا يمتلكون قوتهم لمنعه من ان يساعدها، حاول مصطفى التفكير سريعًا فلم تكن تلك اول مشاغبه ولكن حرصه الشديد الآن أن تغادر صبا ذلك المكان بأمانٍ وليحتمل هو عواقب تصدره له، حانت منه نظرة متفحصة لارجاء الغرفة، فوجد فأس متوسط الحجم بأحد جوانب الغرفة، جذبه بهدوءٍ ثم عاد يقف جوارها خلف باب الغرفة بالتحديد، فأشار لها بأن تقترب لتستمع لما يود قوله لها:
_هتروحي تقفي بالجنب ده ولما اشاورلك تجري على بره.. واوعي ترجعي هنا أو توقفي… اجري على بره سمعاني..
انسدلت احدى دمعاتها على خديها، فجاهدت لخروج صوتها المبحوح:
_وانت؟
خلق قلبه قصة عتيقة من عشقها فور سماعها لكلمتها المختصرة، ولكنه اجابها بصلابة:
_مالكيش دعوة بيا يا صبا انا هعرف أتعامل وأخلص نفسي… انفدى بروحك قبل ما يأذوكي…
هزت رأسها عدة مرات بخوف ورعشة جعلتها تعيش أسوء لحظات عمرها القصير، وبالفعل إشرأب مصطفى برأسه وهو ينادي بعجلةٍ:
_عثمـان… تعالى عايزك.
ردد بذهول:
_في أيه؟!
بينما تعالت ضحكات عمرو ليشير له باستهزاءٍ:
_قوم شوف ماله؟ شكله محتاج درس محترم.. وعاملنا فيها حريف!
نهض عثمان ليتجه للداخل وهو يتساءل بحيرة:
_خير يا شبح؟
وما أن استدار حتى تلقفه الفأس فجعل سيل رأسه يغزو كالنفورة، فصاح بتأويهات جعلت عمرو يندفع تجاههم كالثور الهائج، ليدفع مصطفى بلكمة حادة اصابت أنفه الذي نزف بغزارة، وصاح به بغضب:
_ده جزاتي اني خليته يكلمك.. انت مستحيل هتتغير وتستاهل انها تعمل فيك أكتر كده.. انا بقى هوريك اللي زي دي بتتعامل معاها ازاي.
وتركه ينزف بغزارةٍ ثم أسرع تجاهها، ارتجف جسد “صبا” رعبًا لما قد تعيشه هنا، وخاصة حينما جذبها عمرو عنوة ثم انهال عليها بالصفعات وهو يحاول أن يمزق عنها فستانها، حاولت دفعه بعيدًا عنها ولكن فرق الاجساد كان واضحًا، وفجأة شعرت بجسده الثقيل يتهاوى عنها ووجدت مصطفى ينقض عليه كالذئب الجامح، يكيل له الضربات التي نجحت بأن تفقده الوعي، وما أن أغشي عليه حتى عاونها مصطفى على الوقوف ثم جذبها واتجه بها ليغادروا معًا الكوخ، وحينما كانوا يركضون معًا ويده تحتضن يدها المستسلمة لآمانه، ارتخت يده عن يدها ومن ثم سقط جسده ليجلس أرضًا، استدارت صبا للخلف ففشلت بأن تحدد ما أصابه الى أن سقط أرضًا فتمكنت من رؤية من يقف خلفه بالسكين الغارق بالدماء، تيقنت بأن السكين قد اخترق كتفيه والاخر يقف قبالتها به، تراجعت خطوتين للخلف بخوفٍ، وقبل أن يمسها عثمان عركل مصطفى طريقه وركله بقوة أسفل بطنه حتى ابتعد عنه من شدة ضرباته، زحف مصطفى للخلف وهو يحتضن جرحه النازف، فحانت منه نظرة جانبية لعامر الذي بدأ باستعادة وعيه، فصرخ بها بكل ما أوتى من فوةٍ:
_صبــا اهربـــــــــــي..
نهضت عن الأرض وهي تسأله بدموعٍ لا تتوقف عن ذرفها:
_وأنت!… جرحك بينزف.
نطقتها مرة أخرى… مرة أخرى تهبره بأنه يعنيها حتى وإن كان واجبًا لما فعله هو لأجلها، سيطر مصطفى على كتفه ليبتر ذاك الوجع القاتل وهو يجاهد لخروج صوته:
_قولتلك مالكيش دعوة بيا.. امشي عشان خاطري من هنا.. امشي واوعي ترجعي مهما حصل سامعة؟
هزت رأسها عدة مرات تؤكد له بأنها لن تفعل، وعلى الفور حملت نفسها وركضت بكل ما اوتت من قوة، كأنها تفر من وحوش قاتلة تود تمزيق لحمها وإلتهامها بين أنيابها، لا تعلم كم ساعة قضتها بالركض.. فالطرقات جميعها تنتهي بالاراضي الزراعية، فلجأت لطريقٍ كان يحمل دعسات للسيارات فعلمت بأنه طريق المارة، سلكته حتى اتضح لها معالم الطريق بعد رؤية عدد لا بأس به من المارة، فاختارت أقرب كشك صغير قابلها واستأذنته بضرورة استخدام الهاتف، لذا منحها الرجل هاتفه الجوال وسمح لها بالمكالمة بعد تردد لحالتها التي تثير الريبة والشكوك، رفعت “صبا” الهاتف لاذنيها وهي تترقب سماع صوت أبيها بفارغ الصبر… والأخير كان قد بدأ عقله بالجنون بعد أن تأخرت بعودتها وما زاد ريبته حينما اتصلت والدتها بصديقتها شيماء فأخبرتها بأنها غادرت وأصرت على العودة باكرًا للمنزل، فبالطبع اختفائها كان كارثي للجميع، إلى أن استقبل هاتف أباها مكالمة الرقم المجهول، ليستمع لصوت ابنته تردد بخفوت:
_بابا!!