رواية غوثهم الفصل السابع عشر 17 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الجزء السابع عشر
رواية غوثهم البارت السابع عشر
رواية غوثهم الحلقة السابعة عشر
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السابع عشر”
“يــا صـبـر أيـوب”
_________________
ما هو أكثر ذكر يحبه الله؟
أفضل الذكر “لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”، مع التسبيح والتحميد والتكبير، يقول ﷺ: أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويقول: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
_الدعاء حين نزول أي منزل أو أي مكان :
عن خولة بنت حكيم ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (( من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء ، حتى يرتحل من منزله ذلك )). رواه مسلم.
______________________
_ يُحكى ذات مرةٍ أن مُحاربٌ باسل القوة قرر الدفاع عن وطنه بكامل قوته، وجمَّ بسالته وظن أن عند الهزيمة على شجاعته وطنه سيكرمه، فتفاجأ به للذنب يحمله، تلك المدينة التي حارب لأجلها أول من نزلت على وجهه بصفعاتها، تألم وسطهم؛ فعاد من جديد ليحرق حدودهم.
تنهد “فضل” وقرر التحدث أخيرًا بما يعتل به صدره:
_”أيوب” قالي إنه قرب يوصل لـ “يوسف” ابن عمتك ودي هدية جوازه من “قـمر” للعيلة.
اندهش “عُـدي” وهتف باستنكارٍ غلفته الدهشة:
_مـين ؟؟ “يــوسف” ؟؟ إزاي دا ؟؟
وصلهما صوتها تقول بلوعةٍ من على مقربةٍ منهما:
_”يــوسف” ؟؟ هو فين ؟؟
نظر لها الإثنان بدهشةٍ بسبب تواجدها أمامهما في هذا الوقت الغريب خاصةً أنه يخالف مواعيدها فكيف سيقنعها كلاهما بما سمعته ؟ اقتربت منه تقف أمامه وعلى الفور نزلت دموعها وهي تقول بقلبٍ أكله الفراق:
_ابني فين يا “فضل” عرفت حاجة عنه؟؟ ريح قلبي الله يريح قلبك يا رب.
نظر لها أخاها بحيرةٍ وكذلك “عُـدي” الذي لاحظ حيرة والده فقرر أن يتولى هو زمام الأمور بقوله متسمًا بالثبات تاركًا فرصةً لوالده يلحق في عقله حيلةٍ تنطوي عليها:
_أهدي يا عمتو….كل حاجة هتبقى بخير إحنا لسه أهو بنشوف الدنيا وربك ييسر إن شاء الله.
التفتت له تقول بصراخٍ ويأسٍ تملكها ليعلن عليها سلطته ودموعها تنهمر كما هي بغير هوادة:
_لـــحد إمـــتىٰ ؟؟ بقالي عمر كامل عايشة على أمل أنه يرجعلي، أنا سمعته بيقول أنه قرب يوصله، ابني فين يا ناس ؟؟.
هتفت حديثها بوجعٍ ثم التفتت تميل على كف أخيها في محاولةٍ منها لتقبيله حتى سحب هو كفه ونهرها بنبرةٍ جامدة يردع فعلها المتهور ناطقًا:
_ أنــتِ اتجننتي ؟؟ بتعملي إيه ؟؟ فوقي يا “غالية” إبنك هيجيلك إن شاء الله.
_إمتى ؟؟ هما عرفوا ليهم طريق ؟؟ رجع مصر تاني؟
تنهد “فضل” ولمعت العبرات في عينيه تأثرًا بحالة شقيقته لذا سحب نفسًا عميقًا ثم وضع يده عليها يضمها إليه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_طالما الحج “عبدالقادر” قال كدا يبقى هانت يا “غالية” ربنا مش هيخيب رجاءك فيه ولا يرد دُعاكِ طول العمر دا، بس بالله عليكِ بلاش تعملي كدا وتعجزيني كأني مليش لازمة.
بكت من جديد وهي تقول بوجعٍ ومآساة ظهرت في حديثها:
_غصب عني….والله غصب عني يا “فضل” دا حتة مني وحبيب عيوني وعمري كله، ياريتني ما كنت سيبته الليلة دي، يارتني كنت خليته يسقط بس ميفارقنيش.
اقترب “عُـدي” يضع ذراعيه عليها من خلفها وكأنه يضمها له وهو يقول بنبرةٍ هادئة مواسيًا لها:
_والحمد لله إنك سيبتيه اليوم دا، كان ممكن بعد الشر يروح زي ما عمو “مصطفى” راح، بس ربنا تدابيره أحسن، وعايش أهو وقربنا نوصله، فين ثقتك في ربنا ؟؟
انتحبت بضعفٍ شديدٍ بينما “فضل” نظر لها بقلة حيلة وشفقةٍ حتى وجدها تبكي و “عُـدي” يمسح على خصلاتها وذراعه القوي يستقر على منكبيها وكأنه يدعمها بوجوده بقربها.
______________________
وقف “يوسف” يستمع لحديثها بدون أن يعلم مع من تتحدث، لتجاوب فضوله بقولها باكيةً:
_وحشتني أوي أوي يا بابا…. وحشتني.
نزلت دموعه للمرةِ الثانية رغمًا عنه لتتحداه وتثبت له أن قوته و قسوته ماهما إلا قناع زائف يواري خلفه ضعفه، رفع كفيه يمسح وجهه فيما وقفت “عهد” محلها تبكي حتى فُتح سطح البيت واقترب “سـعد” منها يقف خلفها مباشرةً وهو يقول بخبثٍ:
_الجميل بيعيط ولا إيه ؟؟
التفتت له على الفور بعينين دامعتين فوجدته أمامها يبتسم بسماجةٍ قبضت قلبها وقبل أن تتخذ أي رد فعل يهاجم أفعاله وجدته يُطبق على فمها بيده وبكفه الأخر قبض على عنقها وقد ظهرت همهماتها أسفل كفه تحاول رفع صوتها صارخةً ليضغط هو أكثر يكتم تلك الهمهمات ورافق حركته هذه قوله حانقًا:
_يابت اسكتي بقى….هما كلمتين تروحي تقولي للحج ييجي يحدد معايا ميعاد كتب كتابنا بدل ما أزعلك، وأنا لو زعلتك هخليكي مش نافعة تاني، لو مش خايفة على نفسك خافي على البت الصغيرة اللي ملزومة منك.
حررت يدها من قبضته واحتلاله لمساحتها وحاولت دفعه في كتفه بقوةٍ وبسالةٍ اتسمت بهما شخصيتها _على الرغم من ضعفها بينها وبين نفسها_ إلا أنها ضربته في كتفه وضغطت بأسنانها على كفه حتى صرخ و أبعده كمن لدغته حية لتقول هي بأنفاسٍ لاهثة:
_هقتلك….وديني هقتلك وأريح نفسي منك ومن قرفك، لو فكر نفسك دكر وليك قيمة، فأنتَ أكيد دكر من جوز جزم مكانهم في الرجل.
اندهش من حديثها وقوتها أمامه _على غير المعتاد_ ورفع كفه يحاول الإمساك بخصلاتها حتى نجح في ذلك لتتأوه هي بضعفٍ وقد وصلها صوته وهو يقول مُهددًا لها بصراحةٍ:
_طب وحياة عيونك الحلوين ما هتكوني لحد غيري، والليلة دي، و وريني مين بقى هينجدك مني.
قبل أن يتحرك خطوةً واحدة أخرى بعدما قرر سحبها خلفه وجد نصلًا حادًا يعانق رقبته وصوت أحدهم كما فحيح الأفعى يقول بصوتٍ بث الرعب بداخله وذراعه الأخر يكبل جسده:
_طب ما توريني أنتَ اللي عندك علشان أطلعلك اللي تستاهله.
نظرت له “عـهد” بدهشةٍ من تواجده بالمكان ومن فعله الغريب في دفاعه عنها حتى ارتخت يد “سـعد “عنها من قوة الأخر وسلطته عليه، أما هي فلا تعرف من أين أتى لها هذا التصرف وسكن خلايا عقلها ليصبح هو الحل الأوحد الوحيد؛ لذا تحركت من محلها تقف خلف “يـوسف” تترجاه بقولها باكيةً وهي تقبض على قميصه من الخلف تتشبث به:
_أبوس إيدك…. الحقني منه ومتمشيش.
التفت لها “يوسف” يركز بصره عليها لتتصل نظراته بنظراتها الخائفة وعينيها السوداوتين الباكيتين فوجدها تضغط أكثر على قبضتها وهتفت بتوسلٍ باكٍ:
_لو سمحت….متمشيش.
هتف “سـعد” بصوتٍ مختنقٍ يقطع تواصله بها:
_أنتَ بتدخل ليه يا جدع أنتَ ؟؟ واحد وخطيبته سوا، اطلع منها أنتَ.
هتفت بصراخٍ تقطع استرسال اكاذيبه:
_كــداب….أنا مش خطيبتك….ربنا ياخدك واشوفك ميت علشان أرتاح منك.
هتف يلومها بقوله المصطنع:
_كدا ؟؟ دي أخرتها يا “عـهد” بتدخلي الغريب بينا وتدعي عليا قصاده؟؟
ضغط “يوسف” على عنقه بطرف السكين وهو يقول بنبرةٍ جامدة وقد فاض به من ثرثرة هذا السمج:
_بس يالا….لو سمعت نفس لأمك هرميك من هنا زيك زي الفار مالكش دية عندي، اخرس يا حيلتها لحد ما أشوفلك صرفة.
التفت لها برأسه يقول بنبرةٍ جامدة:
_انزلي أنتِ ومتطلعيش هنا تاني غير لما نشوف صرفة في الأشكال دي، يلا.
حركت رأسها موافقةً عدة مراتٍ بلهفةٍ ثم خرجت من المحيط تاركة إياه لهما، فيما صَبَّ هو كامل تركيزه لـ “سعد” يقول بفظاظةٍ:
_اسمع كدا يا حيلتها علشان دماغي فيها فرح ومش طالبة تكون النمرة عليك، تلم نفسك وتتهد كدا وشغل الهطل دا تبطله، وافتكر إن فيه عفريت جديد ظهرلك في الخرابة، اسمه أبن الراوي.
تسلح “سـعد” بقوةٍ زائفة وهتف يَسبه بوالدته:
_دا عند ****** أمك
قال “سـعد” حديثه وباغته بضربةٍ _غبر متوقعة_ في بطنه جعلت “يوسف” يتخبط وهو يمسكه فأفلت نفسه منه وحاول تسديد لكمةٍ له تفاداها “يوسف” بحرافيةٍ حينما مال للأسفل بجسده وترنح جسد “سـعد” ليسقط أرضًا على بطنه بقوة الدفع، فيما اقترب “يوسف” بغضبٍ أخذ يتفاقم وأظلمت عيناه بشرٍ ليصبح شخصًا غير الأخر وكأن خلايا عقله وقفت عن العمل وبدا كما الإنسان الآلي بلا روح واقترب من الأخر يسحبه من ثيابه حتى أوقفه أمامه ثم رفع كفيه يصفق بهما على وجهه وقبل أن يتخذ الأخر رد فعل يرد به على فعله أمسك “يوسف” خصلاته يشدد قبضته عليها ثم ضرب رأسه في الحائط فرفع “سعد” يده يحاول امساك كف الأخر حتى جرحه في كفه، فازداد ضغط “يوسف” على رأسه ثم هتف ساخرًا:
_نتمنى لك رحلة تعيسة على دماغ اللي خلفوك إن شاء الله.
قال جملته الساخرة ثم رفع رأسه وضربها من جديد في الحائط حتى ترنح الأخر الذي تلقى ضرباتٍ كثيرة في رأسه ليتركه “يوسف” أرضًا ثم أخرج حاوية نقوده يخرج منها ورقة فئة الـمئتي جنيه وهو يقول بأنفاسٍ مُتقطعة:
_امسك دي علشان تعالج اللي عملته فيك، علشان لما أجي أضربك مرة تانية تبقى عليك أنتَ، مش هصرف على اللي خلفوك.
نظر له “سـعد” بغرابةٍ ناهيك عن الذعر البادي في عينيه بينما الأخر ألقى له الورقة المالية ثم غادر في هدوءٍ مُريب وكأنهما يتممان إحدى عمليات البيع والشراء وليس مشاجرة عنيفة أوشك أحدهما بها على لفظ أنفاسه الأخيرة !! من هذا الغريب ولماذا تدخل ومن أتى به إلى هنا ؟؟ يبدو وكأنه غلامٌ يصعب التعامل معه، فهل سيبقى هو غريبًا بدون وطن ؟؟ أم أنه عاد ليصبح بوجوده الوطن معلوم الهوية؟
____________________
نزل “يوسف” شقته بعدما استعاد هدوئه وثباته من جديد لكن هناك رغبة قوية تعتريه في تدمير كل شيءٍ حوله، لكنه كعادته قرر أن ينحي رغبته تلك جانبًا ودلف الشقة بهدوء حذر ليصله صوت عمته تقول بانفعالٍ:
_مش هرجع خلاص، أنا تعبت وفاض بيا، جاي دلوقتي تقولي ارجعي؟؟ بعدما ضربني قصادك ؟؟ مد أيده عليا زي كل مرة وأنتَ ساكت، ودلوقتي عاوزني أرجع؟؟ أنا مش هسيب “يوسف” هفضل معاه.
سألها “نادر” بنبرةٍ جامدة:
_هو أنتِ هتفضلي “يوسف” عليا؟؟ بقولك ارجعي علشاني أنا وهصلحلك كل حاجة، لكن أنتِ اللي همك البيه بتاعك وخلاص.
هتفت بنبرةٍ باكية وكأن صبرها نفذ:
_أنتَ ليه مصمم تتعبني ؟؟ زي ما أنتَ طول عمرك مفضله عليا وماشي وراه لحد ما يضيعك، حاولت اخليك تنضف بس مصمم تغرس نفسك وسط زرعتهم القذرة.
أوشك بالرد عليها من جديد ونظرًا لسكون الليل ظهر صوته من سماعة الهاتف ليصل لـ “يوسف” الذي سار لها بخطواتٍ هادئة حتى سحب الهاتف منها وهي تطالعه بريبةٍ فوجدته يفتح مُكبر الصوت يهتف بسخريةٍ تتنافى مع هيئته الجادة:
_عزيزي المُتحدث، عفوًا لقد نفذ رصيد تحملنا لكَ، بالرجاء الالتزام بالصمت فلا حاجة لدينا لسماع صوت الحمير.
ضغط على زر إنهاء المكالمة ثم ألقى الهاتف لها وهو يقول بإيجازٍ:
_ابنك رغاي زي اللي خلفه، متحرقيش معاه كتير.
نظرت له “فاتن” بأسفٍ فيما جلس هو أمامها يبحث بعينيه عن شيءٍ بدا في غاية الأهمية ليركض نحوه بلهفةٍ وماهو إلا قداحة سجائره والعلبة نفسها، أشعل سيجارته ثم جلس على المقعد يغمض جفونه حتى اقتربت منه تجلس بجواره وهي تقول بنبرةٍ باكية:
_أنا عاوزة أشكرك علشان مسبتنيش معاهم.
انتبه لصوتها ففتح عينيه رويدًا واعتدل في جلسته يطالع وجهها المتورم إثر صفعة زوجها لها، فتنهد بعمقٍ وسألها بنبرةٍ رخيمة:
_وشك بيوجعك ؟؟
نكست رأسها للأسفل وهي تهزها موافقةً في انكسارٍ لم تقو على إخفاءه ليرفع “يوسف” وجهها يطالعه بعينين دامعتين وهو يقول بصوتٍ مبحوحٍ:
_كان بيحبك أوي…كان علطول يقول إنك بنته، السبب الوحيد اللي بيخليني كل مرة أحنلك هو حبه ليكي، عارفة ؟؟ كان بيفضل يوصيني عليكي ويقولي اوعده أني اخلي بالي منك.
أبتسم ساخرًا وأضاف من جديد بنفس الألم:
_ياريته كان قالي أخلي بالي من نفسي وأنا وسطكم.
نزلت دموع “فاتن” فور تذكرها لأخيها بينما “يوسف” رفع كفه يمسح وجهه ثم سألها سؤالًا لم تتوقعه هي منه:
_أنتِ اتضربتي كام مرة بسببي ؟؟.
نزلت دموعها وهتفت باكيةً بصوتٍ مختنقٍ وقد نحت دهشتها جانبًا:
_معرفتش أعدهم.
هتف هو مُعلقًا على حديثها:
_بس أنا عارفهم، وممكن أقولك كل مرة فيهم كانت إمتى؟ وعلشان أنا مش قليل الأصل جيبتك معايا هنا علشان بعد كلامك كان زمانك جثة هامدة في البيت، البيت هنا بيتك اعملي اللي عاوزاه فيه.
وقف وترك مكانه لتسأله باكيةً بلوعةٍ من رحيله:
_هتمشي ؟؟
توقف عن الحركة والتفت له يقول مُعدلًا على الحديث:
_جعان…هشوف حاجة ناكلها…مجوعتيش؟
ردت عليه بنفس الصوت المختنق:
_جوعت…أوي.
ابتسم رغمًا عنه ثم أشار لها تقدمه وهو يقول:
_ومستنية إيه ؟؟ قدامي يلا.
تحركت معه “فاتن” بعدما ابتسمت بتوترٍ بينما هو فتح الثلاجة لها بعد وصوله عندها وقال بنبرةٍ هادئة:
_شوفي إيه اللي ينفع يتعمل عندك ولو عاوزة حاجة عرفيني.
حركت رأسها موافقةً ثم ارتمت عليه تحتضنه وهي تقول بنبرةٍ باكية من بين شهقاتها وقد باغتته بفعلها هذا:
_أنا بحبك أوي يا “يوسف” أوي والله، علشان خاطري متسبنيش….والله بحبك أوي.
تنهد “يوسف” مُطولًا ورفع ذراعه يربت عليها بقلة حيلة والتزم الصمت فقط بدون كلمةٍ واحدة، لكنه يعلم أنها مُحقة وأنها تحبه وأن كل ما بوسعها لأجل حمايته فعلته والنتائج لم تكن بصالحها، لكنها على الأقل حاولت، لذا تشبثت به هي تستمد من وجوده معها الأمان.
______________________
في صباح اليوم التالي وقفت “سمارة” بتذمرٍ أمام المرأة تحاول ضبط الحجاب فوق رأسها حتى زفرت بقوةٍ وهي تقول حانقةً على الوضع برمتهِ:
_ إيه الحِزن الأسود دا ؟؟ بيتلفوا إزاي دول ؟؟
استمع لها “إيهاب” الذي وقف على أعتاب الغرفة وفي يده كوب الشاي حتى اقترب منها يقول بتهكمٍ:
_مالك يا عمنا على الصبح ؟؟
التفتت له تقول بنفاذ صبرٍ وضيقٍ احتل صدرها:
_مش عارفة ألف الطرحة يا أخويا، موتراني كدا، ما كنت جيبت حاجة جاهزة على السريع كدا.
زفر بقوةٍ ثم هتف بسخريةٍ عليها:
_ليه محسساني إنها ساندويتش؟؟ بعدين لمي شعرك ياختي علشان تعرفي تظبطي الطرحة، بطلي دلع بقى.
قامت برمي الحجاب على المقعد وهي تقول بمعاندةٍ:
_طب مش خارجة من البيت ومش لابساه، يلا بقى؟؟
رفع حاجبه يوزع نظراته بينها وبين الحجاب حتى هتف بنبرةٍ جامدة ارعبتها محلها:
_أنتِ قد اللي عملتيه دا ؟؟
حركت رأسها نفيًا بخوفٍ منه، فأضاف هو بنفس الجمود:
_شيليه تاني…يــلا.
اقتربت تمسك الحجاب ثم وقفت أمام المرآة من جديد وقبل أن تحاول وقف “إيهاب” خلفها ثم قام بجمع خصلاتها مع بعضهم بيده وقام برفعها على شكل كعكة مستديرة ثم هتف بنبرةٍ رخيمة:
_هاتي التوكة يا “سمارة”.
مدت يدها له بتبرمٍ وهي تغمغم بحنقٍ بينما هو ثبت خصلاتها الغجرية الكثيفة ثم وقف أمامها يفتح الحقيبة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_فيه حاجات قبل الطرحة لازم تتعمل، إنك تلمي شعرك و إنك تلبسي البندانة دي علشان الطرحة تثبت، واخد الدنيا قفش ليه يا عمهم ؟؟
هتفت بحزنٍ وقد داهمها البكاء:
_علشان محدش علمني وحاسة أني جاموسة عايشة وسطكم، كل شوية أقعد افتكر أصلي و حياتي وكل اللي شوفته وإني يدوبك أعرف شوية حاجات تخليني بس أعيش وسطكم، والله لولا أني مليش حد كان زماني مشيت وخلاص.
سألها “إيهاب” بنبرةٍ هادئة لكنها مؤثرة:
_طب لما تمشي أنتِ بقى أنا هعمل إيه ؟؟ مين يحرق دمي ومين يضحكني ومين يقل أدبه ويتواقح عليا ؟؟ يابت دا أنتِ وقعتي “إيهاب الموجي” فيكِ، يعني مش سهلة أنتِ برضه.
ابتسمت له بصفاءٍ وهي تتابع ملامحه بعينيها فيما تنهد هو بعمقٍ ثم قام وضع الحجاب القطني (البندانة) فوق خصلاتها وقام بضبطه ثم رفع الحجاب يفرده بذراعيه ثم عدله على رأسها ورمى أحد طرفيه للخلف و الطرف الآخر كما هو للأمام ثم وضع مشبكًا معدنيًا يحكم به الحجاب وهي تتابعه باهتمامٍ وعينيها مغرورقتين بالدموع حتى وجدته يبتسم لها ثم أوقفها تطالع انعكاسها بالمرآة ولم تدري لماذا نزلت دموعها ليقول هو بهدوءٍ:
_شوفتي ؟؟ شكلك حلو فيه إزاي ؟؟ أنا هفضل ألفهالك لحد ما تتعلمي أنتِ، ولواتعلمتي برضه وعاوزاني أفضل الفهالك أنا موافق وفي الخدمة يا عمهم.
التفتت له تقول بحماسٍ وفرحةٍ كبرى انهتها باستفسارٍ حائرٍ:
_أنتَ اللي عمهم وعم الناس كلها، إن شاء الله يخليك ليا، ولا يفرقنا أبدًا، إزاي كنت بخاف منك وبكرهك ؟؟ إزاي في يوم فكرت إنك هتكون زي الدنيا كلها عليا؟؟
سألها هو باهتمامٍ ينتظر منها جوابها:
_ودلوقتي لسه برضه زي الدنيا عليكِ ؟؟
شهقت باستنكارٍ وهتفت بعشوائيةٍ كعادتها:
_يوه ؟؟ ياخي ينقطع لساني قبل ما أقولها، دلوقتي مش لاقية حد غير ناصفني على الدنيا كلها يا سي “إيهاب” روح ربنا ينصفك دنيا وأخرة.
أبتسم لها ثم اقترب منها يقبل رأسها وهتف بنبرةٍ هادئة:
_خلي بالك من نفسك ومتنسيش نفسك تحت، هحاول متأخرش عليكي، عاوزة حاجة مني وأنا جاي.
ضربته بكتفها في كتفه وهي تقول بدلالٍ:
_متتأخرش عليا بس.
ضحك رغمًا عنه ثم قال بجديةٍ مُصطنعة:
_لمي نفسك بقى !! مش أوي يعني لحد ما أشوف ورايا إيه
تركها وتحرك من المكان بينما هي نظرت في أثره وهتفت بوقاحةٍ تتغزل به:
_لولا الملامة كنت قفلت عليك هنا، بس ملحوقة.
______________________
خرج “إيهاب” من شقته وتوجه إلى بيت “نَـعيم” فوجده يقف مع الشابيْن فألقى عليهم التحية ووقف بجوار شقيقه وهو يسألهم متعجبًا:
_رايحين فين كدا بدري ؟؟.
هتف “نَـعيم” بنبرةٍ هادئة وهو يستند على عصاه الخشبية التي يعتليها حصانٌ فضي اللون لتزداد طلته وقارًا وهو يرتدي حلةً سوداء اللون وفوقها عباءة رمادية:
_النهاردة هاخد اليوم كله إشراف على المحلات و الكافيهات أشد على العيال شوية علشان الحال هيبدأ يميل، وروح أنتَ مكانك و “يوسف” هيروحلك على هناك، وأنا معايا “مُـحي” و “إسماعيل”، يلا عاوز حاجة يا “عمهم” ؟؟
رد عليه “إيهاب” بنبرةٍ هادئة:
_سلامتك يا غالي، في رعاية الله وابقى خلي بالك من عيون “مُـحي” حَكم دول رادار على أي حاجة مؤنثة.
نظر له “مُـحي” بسخريةٍ وهو يقول:
_بقى كدا ؟؟ خلي بالك أنتَ راجل متجوز…خليني ساكت.
هدده بحديثه ليقول “إيهاب” بثقةٍ تليق به وبشخصه:
_اقولك ؟؟ هي عارفة كل حاجة، ريح بقى.
اخذهما “نَـعيم” وتحرك بهما في سيارته وقد تحرك خلفه “إيهاب” بسيارته يتجه نحو مكانه الذي يرجع أصله إلى “يوسف” وهو شاركه فيه بنسبةٍ قليلة لكي يدعمه به.
وصل “إيهاب” إلى المكان لتتجه الأبصار نحوه و الترحيبات الحارة التي تليق به وبشخصه كونه ملقبًا بـ “عمهم” بينما هو توجه للداخل حيث غرفة الإدارة فوجد “يوسف” بها يستند على المكتب ويتابع الكاميرات بنظراتٍ ثاقبة.
سأله “إيهاب” بتعجبٍ من تواجده:
_بتعمل هنا إيـه بدري كدا ؟؟ قولت قدامك لحد العصر وتجيلي هنا.
التفت له “يوسف” يقول بنبرةٍ هادئة:
_عادي….معرفتش أنام فجيت على هنا، المهم حصل حاجة تاني من “سراج” أنا مش فايقله خالص وللهبل بتاعه.
هتف “إيهاب” بنبرةٍ عادية يقلل من المذكور أمامه:
_فُكك منه ولا هيعرف يعمل حاجة، معروف أوله إيه وأخره إيه، ركز بس مع نفسك و شوف مكانك اللي مخليه محروق.
نظر “يوسف” للاسم المُعلق على حائط المكتب باللون الفضي “Moon_Jo” باللغة الإنجليزية وأسفله قمرٌ منير ككنايةٍ عن اسم شقيقته و الاسم الأخر اختصارًا لاسمه هو، شرد في شقيقته وقد لاحظه “إيهاب” فهتف مُشفقًا عليه:
_هتلاقيها…لو ليك نصيب هتلاقيها، أنا واحد افتكرت إن فيه ١٥ سنة هيضيعوا من عمري و في الأخر النصيب حكم بخروجي ليها علشان نكون سوا.
تنهد “يوسف” بثقلٍ ثم نطق بوجعٍ لم يُخفيه عن الأخر:
_دماغي بقت مش كفاية علشان تشيل معايا… كل شوية أسأل نفسي كل دا كان ليه؟؟ أنا هنا ذنبي إيه؟؟ عملت أيه يكون دا عقابي عليه ؟؟ محدش حاسس بيا ولا أنا حتى قادر استحملني، يا أخي يارتني كنت فضلت جوة ومخرجتش، على الأقل كانوا مش زيهم.
اقترب منه “إيهاب” يضع يده على كتفه وهو يقول بثباتٍ:
_تفتكر الذنب أصلًا على مين؟؟ علينا ؟؟ يمكن…على أهالينا وارد برضه، بس على الدنيا نفسها ؟؟ أكيد، بس كدا كدا الحال مش دايم، يبقى بطل تعوم على العايم، وريح راسك علشان لو سلمت لتعبك هتموت مقهور.
رفع “يوسف” عينيه نحوه يسأله بوجعٍ:
_أنتَ استحملت إزاي ؟؟.
أبتسم له بسخريةٍ وهتف بقلة حيلة:
_اختارت…زي ماهو كأب اختار الكاس والجنيه أنا اختارت نفسي أنا وأخويا، كل ما قلبي ييجي يحنله افتكر لما كان بيدخل يضربني بالرجل كل يوم الصبح علشان انزل أقلب رزقي، ولا لما كان “إسماعيل” بيلف كل يوم من شيخ لشيخ يبدلوا عليه وهو بينزل حُفر و بيوت مهجورة، استحملت علشان أخويا اللي ملهوش غيري، وأنتَ هتتحمل علشان تاخد حق أبوك وترفع راسك.
تنهد “يوسف” مُطولًا وقد أظلمت نظراته من جديد وهتف بتوعدٍ يُعبر عن شره:
_دا لسه اللي جاي كتير….الاقيهم بس.
وصلهما طرقاتٌ على باب المكتب ليهتف “يوسف” من الداخل بنبرةٍ جامدة:
_ادخل.
دلف مساعده في العمل يقول بأسفٍ:
_للأسف يا غالي، “سراج الموافي”.
نظر كلاهما للأخر بتعجبٍ فتنهد “يوسف” ثم خرج من المكتب مفرود الجسد مرفوع الرأسِ كالخيلِ شامخًا، وخلفه “إيهاب” الذي خرج على أهبة الاستعداد للمواجهة، فابتسم الأخر بسماجةٍ ورفع صوته مُهللًا يرحب بهما بطريقةٍ مُصطنعة:
_عمامي وعم نزلة السمان كلها بنفسهم ؟؟ طب والله أنا كدا دخلت الموسوعة من أوسع أبوابها، عمهم و الغريب بنفسهم ؟؟.
وقف “يوسف” مُقابلًا له وهو يقول بنفاذ صبرٍ:
_اخلص؟؟ إيه اللي جابك هنا ؟؟
عاتبه بنظراته قبل لسانه وهتف يلومه:
_اخس عليك يا غالي مكانش العشم فيك، بقى أنا سايب محلاتي وجاي هنا أرحب بيكم وأخرتها كدا ؟؟
رد عليه “يوسف” مؤكدًا لظنونه وماتفوه به:
_آه….أخرتها كدا، علشان أشكالك متستاهلش غير كدا.
حرك “سراج” رأسه للخلف يسأل “إيهاب” بقوله لائمًا:
_بقى كدا يا “عـمهم” ؟؟ شوف صاحبك.
هتف “إيهاب” مؤكدًا بنفس طريقة الأخر:
_كويس إنك عارف إننا اعمامك، ماهو اللي يخون الأمانة يبقى عيل وقليل…وأنتَ خونت، مرتجعش تزعل وتدوشنا.
اقترب “سراج” يسأل “يوسف” بإصرارٍ في نظراته:
_”نور” فين يا “يوسف” ؟؟.
نظر “يوسف” حوله بسخريةٍ ثم هتف يستخف به ويُزيد من سخريته بالأمر:
_مخبي “نور” فين يا “رشدي” ؟؟ ياعم وعهد الله ما أعرف مكانها، لو أعرف هقولك وأريح نفسي من لكك دا.
سأله “سراج” باهتمامٍ وهو يعمق النظر في ملامحه لعله يستدل على كذبه إن كان موجودًا:
_يعني عاوز تفهمني، إنها معرفتك وظهرت في حياتي واختفت فجأة كدا ؟؟ أنا قلبت مصر كلها عليها، خد مني أي حاجة بس قولي هي فين.
أبتسم “يوسف” بتشفٍ وهو يقول:
_طب أريحك ؟؟ هي سابت مصر كلها وهاجرت، راحت تدرس في منحة برة لما عرفت بقلة أصلك وشغلك المشبوه بتاع الآثار، روح بقى ابكي على الأطلال عند بيتها.
رغم الحزن البادي على ملامح “سراج” بسبب رحيلها إلا أنه أجاد رسم التحدي لتنطق به نظراته ويهتف بثباتٍ:
_ مش هبكي يا “يوسف” أنا مبعيطش، أنا بكبر بس، وبكرة تشوفني وأنا باخد الجهة دي كلها وبحط عليك في الشغل، سواء أنتَ أو “إيهاب”.
أبتسم “إيهاب” بزاوية فمه ونطق بنبرةٍ ساخرة:
_لو مش واخد بالك يعني أنا غيبت ٤ سنين عن مكاني و “يوسف” غاب سنتين عن مكانه وفضلوا حاطين على مكانك، مابالك بقى لو حضرنا ؟؟.
انتفخت أوداجه غضبًا فرفع “يوسف” صوته لمساعده يقول بسخريةٍ يتعمد بها إهانة الأخر:
_شغلنا يابني مهرجان سور الجدعان يمكن الناس تعرف تعديه ولا حاجة.
نظر لهما “سراج” بغضبٍ يرسل بنظراته هذه شراراتٍ من عينيه ليصله صوت “يوسف” يدندن بمرحٍ خبيث:
_عيل خبيث مغرور مخبطش كتفه أصول…بيني وبينه سور اسمه سور الجدعان.
رفع “سراج” رأسه يقول بثباتٍ يُلهب من تحديه له:
_اللي بيني وبينك مش سور…دا حق وعهد عليا هاخده لو طلع حوار “نور” لعبة منك أنتَ، وأنا لو قطعت عهد بوفيه.
تحرك من المكان و “يوسف” ينظر في أثره بغضبٍ وسرعان ما مر طيفها أمامه عند ذكر اسمها وهي تبكي بالأمس و تترجاه بالبقاء وكأن صوتها أصبح كما المياه الجوفية محفورًا في سمعه، لذا انتبه لـ “إيهاب” وقال بلهفةٍ:
_بقولك إيه ؟؟ أنا هروح حارة العطار وهبقى اجيلكم بليل علشان عزومة الحج….لو حصل حاجة كلمني.
سأله “إيهاب” بتعجبٍ من عُجالته بالرحيل:
_ حصل حاجة ولا إيه ؟؟ ما تخليك معايا وأخر الليل روح.
رد عليه بلهفةٍ وهو يستعد للرحيل الأكيد:
_”فاتن” معايا في البيت هناك ولوحدها، هروح اتطمن عليها، خلي بالك بس وتابع الكاميرات علشان لو حصل حاجة، هحاول متأخرش ماشي ؟؟.
حرك “إيهاب” رأسه موافقًا ثم سار حتى وصل لنافذة المكان الزجاجية ووقف يتابع المكان حوله المطل على الأهرامات، كان المكان من الخارج تبدو عليه الهيبة حيث اتصف باللونين الأسود و الرمادي الداكن و جميع حوائطه بين اللون الأسود و الآخرى عليها صورة القمر بكافة انماطه، و حوافه المطلة على الطريق نصفها زجاج والنصف الآخر تدلى من السقف على هيئة أقمار بأحجامٍ مُختلفة.
شعر “إيهاب” بالراحة لذا أخرج هاتفه وهو يبتسم براحةٍ ليفتحه على صورتها بجوار الخيل وهي ترتدي عباءة بدوية وفوق رأسها يشمك رفعته عن جبينها والشمس تتعمد على ملامحها السمراء لتزداد جاذبية فاتسعت ابتسامته وضغط على رقمها وما إن أجابت على المكالمة هتف بمشاكسىةٍ:
_وحشتنا يا عمهم.
وصله صوت ضحكتها فضحك هو الأخر معها وبدأ مكالمته وكأنه في الدنيا غريبٌ وهي وحدها سكنه ومسكنه وسكينته.
______________________
في محل “أيوب” جلس يتابع عمله على الحاسوب وهو يقوم بعمل أنماطٍ جديدة من الفخار بحيث يستغل موهبته هذه في العديد من الأشياء فدلف له “تَـيام” يقول بنبرةٍ مرحة:
_ازيك يا عمي وخال عيالي إن شاء الله؟؟
رفع “أيوب” حاجبه له بنظرةٍ مُرعبة جعلته يعدل حديثه على الفور بقوله:
_أقصد فيما بعد يعني مالك ؟؟.
تنهد “أيوب” بعمقٍ ثم سأله بتعجبٍ من حضوره وترك عمله:
_هو الحج سابك كدا ؟؟ خير إيه اللي جابك؟
رد عليه بلهفةٍ يخبره بسبب مجيئه لهنا:
_الفكرة بس أني كنت بجيب حاجة للحج من برة وأنا معدي شوفت الواد “سـعد” متروق وكأن قطر دايسه، قولت يمكن هفك الشوق بليل ولا حاجة، أنتَ اللي روقته ؟؟
عقد “أيوب” مابين حاجبيه وردد مستنكرًا:
_”ســعد” ؟؟ لأ أنا مش فاضيله أصلًا، بس هتلاقيه عك مع حد وقال يربيه ولا حد ليه عنده مظلمة، بصراحة عمري ما عرفت أهدا من ناحيته، بفرح طول ماهو متعكنن، أكتر شخص يقدر يستفزني ويطلع مني الجانب السيء، لو فيا حتة سودا يبقى حلال عليه هو واحد تاني حبيبي برضه.
سأله “تَـيام” بريبةٍ بعدما عصفت بذهنه الظنون:
_مش أنا صح ؟؟ خليك فاكر إننا هنبقى نسايب.
أبتسم له “أيوب” وهتف بنبرةٍ ضاحكة يُطمئنه:
_لأ متقلقش، واحد تاني متعرفهوش، بس ميقلش عندي في العلاوة زي “سـعد”.
وقف “تَـيام” وهو يقول بقلة حيلة:
_طب بما إنك براءة هخلع أنا علشان أبوك، خليني اهاوده بس لحد ما أخد اللي أنا عاوزه منه.
ضحك “أيوب” وضرب كفيه ببعضهما يائسًا وهو يقول:
_يابني ربنا يهديك أنتَ بتتكلم عن أبويا.
علق ساخرًا يثير استفزازه:
_وحمايا…أنتَ مالك ؟؟ دا أنتَ غريب يا جدع.
ترك المكان ورحل ليضرب “أيوب” رأسه وهو يقول بقلة حيلة:
_يا ويلي على “آيات” من عشرتها معاك، هتضرب.
في بيت “العطار”
هتفت “مهرائيل” بحنقٍ وقد تشوش عقلها:
_أنا مش فاهمة حاجة، اخوكي برضه مزعل نفسه ليه ؟؟
زفرت “آيات” بضجرٍ وهتفت بقلة حيلة:
_أنا فاض بيا وأنا بفهمك، يابنتي هو حيران يعمل إيه، يعني يروح يقول للبنت إن أخوها عايش وهو عارف مكانه ولا يروح يقوله عاوز اتجوز أختك ولا يروح يتقدم من غير ما يفتح الموضوع ولا ياخده معاه يحضر خطوبة أخته ؟؟ “أيوب” محتار و عاوز يراضي كل الأطراف على حساب نفسه.
هتفت “مهرائيل” بحزنٍ لأجله:
_يعيني ؟؟ دا طلع وضعه صعب أوي، بصي أسلم حل أنه يروح يتقدم الأول ويعرف البنت موافقة عليه ولا لأ، لو كد وتمام يبقى يكمل في موضوع أخوها دا، لو لأ بعد الشر يعني يبقى يجمعهم سوا وخلاص يبقى عمل خير…أصل بصي هفهمك، هو وضعه صعب لأن أخوها ممكن يكون رافض، فهو لو خبا عليه أكتر من كدا ممكن أخوها ياخد الموضوع بشكل شخصي معاه.
ابتسمت “آيات” بحماسٍ وهتفت بفرحةٍ لأجل أخيها:
_صح…أنتِ صح، الحل إن “أيوب” يصارح “يوسف” علشان يأمنله وهو اللي يقرر ولو هي مكتوباله يبقى ربنا هيجمعهم سوا، ولو هي مش رزقه يبقى ربنا بيبعد طرقهم قبل ما يتعلقوا ببعض.
سألتها “مهرائيل” باهتمامٍ يمتزج بخوفها:
_يعني ممكن “أيوب” و “قمر” ميكونوش مع بعض؟
ردت عليها “آيات” بأسفٍ:
_وارد جدًا ميكونوش لبعض، بس ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.
يعني لو ربنا أراد ليهم نصيب سوا يبقى هيجمعهم ببعض، ولو هي مش نصيبه يبقى دي إرادة ربنا، وأكيد “أيوب” هيفهم حاجة زي دي ويتقبلها، المهم بس إن محدش فيهم يكون سبب في إلهاء التاني عن دينه وسحبه لمغريات الدنيا، غير كدا ربنا يجمعهم سوا إن شاء الله.
_____________________
أوقف “يوسف” السيارة أسفل البناية ونزل منها بهيبةٍ وهو ينظر لـ “سـعد” الذي طالعه بخوفٍ وازدرد لُعابه متوترًا ورغم ذلك تصنع الثبات أمام “يوسف” الذي تحرك نحو الأعلى بعدما قلل من شأنه بنظراته وكأنه يهينه بسهامه القاتلة.
وصل لشقته فوجد “عمته” تقوم بتنظيف الشقة، سألها مُتعجبًا مما تفعله:
_بتعملي إيه ؟؟ الشقة متروقة وكل حاجة هنا تمام أنا لسه جاي هنا جديد ملحقتش ابهدل حاجة يعني لكل دا.
هتفت هي بانهاكٍ من فرط تحركها:
_ماهو للأسف أنا مش لاقية حاجة أعملها علشان كدا قولت أروق المكان أحسن عرفاك بتتعصب من الكركبة وأي حاجة مش منظمة، خلصت مشوارك ؟؟
حرك رأسه موافقًا وهتف موجزًا:
_آه…خلصته، قوليلي حد كلمك أو عرف طريقك ؟؟
ردت عليه بخجلٍ خصيصًا عند ذكرها للاسم القادم:
_مفـ…مفيش غير “شاهي” بس كانت بتطمن عليا.
رد عليها بسخريةٍ وهو يضحك:
_أصيلة طول عمرها وصاحبة واجب بنت “نزيه”
ردت عليه “فاتن” بلهفةٍ:
_والله العظيم حاولت كتير أوقف جوازهم بس….
بتر حديثها حينما رفع صوته يقول بنبرةٍ جامدة:
_ أنا ماليش دعوة بكل دا ومش عاوز أعرف حاجة عن حد، ولو عاوزاني أفضل كويس معاكي متفتحيش معايا أي مواضيع قديمة، لو عليا فهي أصلًا مكانتش تستاهل وجودي لأنه كان مديها قيمة أكبر من حجمها، هي مقامها اللي زي ابنك كدا.
حركت رأسها موافقةً فصدح صوت جرس الباب ليتجه “يوسف” ويفتحه فوجدها هي أمامه تقف بخجلٍ اتضح عليها فسألها بنبرةٍ هادئة وفضوله يجبره على تثبيت نظره على ملامحها الخاجلة:
_نعم ؟؟ اتفضلي فيه حاجة؟؟
ردت عليه بنبرةٍ مهتزة وهي تحاول ضبط أنفاسها:
_أنا بس كنت عاوزة أشكرك…علشان موقفك امبارح، أنا شوفته من البلكونة وأكيد أنتَ اللي عملت كدا فيه، وأسفة لو حصلك أي حاجة ممكن تكون ضايقتك بسببي، بس هو إنسان حقير.
رد عليها بنبرةٍ عادية وبدا غير مكترثٍ لما تتفوه به لسببٍ لم يعلمه هو حتى، لكنه تحدث بلامبالاةٍ:
_ولا يهمك، هو غلط وأنا أدبته وخلاص، لو زعلك تاني أنا موجود والجار للجار زي ما بيقولوا.
ابتسمت له بتوترٍ وحركت رأسها موافقةً وقبل أن تلتفت وترحل أوقفها بقوله:
_”عــهـد” !!
التفتت له بحاجبين معقودين من ذكره لها بتلك الطريقة ليضيف هو مستفسرًا بوجهٍ مبتسمٍ ولطفٍ:
_جيبتي حاجة حلوة لـ “وعـد” ؟؟
ابتسمت له براحةٍ سكنت ملامحها وهزت رأسها نفيًا وأضافت تنطق بأسفٍ:
_للأسف لسه مروحتش الشغل، ميعادي الساعة ٤ لما أرجع هجيبلها إن شاء الله، عن إذنك.
حرك رأسه موافقًا فيما عادت له هي بتوترٍ تمد يدها بالحقيبة البلاستيكية التي تمسكها ليطالعها هو بحيرةٍ فوجدها تقول بصوتٍ مهتزٍ:
_دا رز بلبن أنا عملاه، وقولت يعني بما إنك ساكن جديد و وقفت معايا دي حاجة بسيطة، ألف هنا وشفا ليك.
سألها بتعجبٍ من عدد المعلبات:
_طب ليه اتنين ؟؟ كفاية واحدة بس.
هتفت “عـهد” بتلجلجٍ ولا تدري لماذا تشعر بالخجل من وقوفها أمامه وتحدثها معه بتلك الطريقة على الرغم من تعاملها مع الكثيرين:
_أنا شوفت حد واقف في البلكونة من شوية هنا، اعتقد أنها والدتك علشان كدا عملت حسابها.
تذكر وجود عمته فهتف بعدما أدرك هو الأخر:
_دي عمتي وقاعدة معايا كام يوم، ألف شكر يا عسولة.
أصدرت صوتًا يدل على ضجرها وهي تقول مُعدلةً على حديثه:
_برضه عسولة ؟؟ اسمي “عـهد” احفظه كويس لو سمحت.
أبتسم لها وهو يقول مُجاريًا لها:
_نحفظه حاضر….ألف شكر.
في تلك اللحظة خرجت عمته تسأله بلهفةٍ:
_أنتَ فين كل دا يا “يوسف” ؟؟
وفي نفس اللحظة خرج “عبدالقادر” من المصعد يقترب من شقة “يوسف” ليجده واقفًا وسط امرأتين فابتسم وحمحم بخشونةٍ لفتت أنظارهم فرفعت “فاتن” رأسها للأمام وما إن رأته أمامها هتفت بصدمةٍ:
_”عبدالقادر” !!!
وصل هو لهم يقول بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واقفين كدا ليـ….
بتر حديثه حينما وجدها أمامه فرفرف بأهدابه عدة مراتٍ وسأل بدهشةٍ:
_أنـــتِ ؟؟؟
وقف كل من “يوسف” و “عهد” بينهما بحيرةٍ فيما نزلت دموع “فاتن” على الفور وهي تقف أمامه وهو يطالعها بنظراتٍ جامدة وكأنها قتلت له قتيلًا ليهتف بسخريةٍ:
_منورة حارة العطار يا….يا بنت خالتي.
اتسعت عينان “يوسف” عند تلك الكلمة وفرغ فاهه فهاهي صدمة جديدة تُضاف لقاموس صدماته وكأن كتاب حياته صُممت صفحاته فقط لتدوين حروف الصدمات.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)