رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخمسون 50 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الخمسون
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الخمسون
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الخمسون
” والآن أخبريني يا غالية ، من يكون السيد ..؟؟ ”
ترددت غالية لوهلة قبل أن تنظر الى شريف الجامد فتجيب فادي :-
” إنه شريف … إبن عمي ..”
نظر فادي الى شريف يشمله بنظرة سريعة قبل أن يمد كفه نحوه وهو يقول :-
” أهلا شريف بك … البقاء لله …”
تمتم شريف وهو يرد تحيته على مضض :-
” أشكرك يا بك …”
ثم أشار الى غالية قائلا :-
” سأنتظرك في السيارة يا غالية … ”
هزت رأسها بتفهم لتراقبه بصمت وهو يتجه نحو سيارته حتى وجدته يفتح باب السيارة ويهم بركوبها لتعاود النظر الى فادي تهتف به بضيق :-
” ماذا فعلت…؟! كيف تتحدث معه بهذه الطريقة والأهم كيف تخبره عن شيء كهذا ..؟!”
رفع حاجبه يطالعها بدهشة مفتعلة قبل أن يسألها ببرود :-
” ومالذي فعلته يا غالية …؟!”
أرادت أن تضربه فوق رأسه بسبب بروده المستفز لكنها بالكاد سيطرت على نفسها وهي تخبره بإنفعال مكتوم :-
” ما قلته لتوك … ما قلته غير مناسب أبدا يا فادي …”
سألها وهو يتفحصها بنظراته :-
” لمن ..؟! غير مناسب لمن …؟! لك أم له ..؟!”
صمتت ولم تجبه ليضيف بتهكم مقصود :-
” لا تخبريني إنك تفاجئتِ …”
قاطعته بعدم إستيعاب :-
” عفوا …”
ثم أضافت :-
” ماذا تعني ..؟! بالطبع تفاجئت … انا لم أذكر إننا سبق وتحدثنا في أمر كهذا …”
” ليس من الضروري أنت نتحدث ..”
قالها بجدية قبل أن يضيف :-
” أنت تعرفين ما يحدث بيننا …”
احتقنت ملامحها كليا وهي تسأله :-
” و مالذي يحدث بيننا يا فادي …؟!”
سألها ببرود :-
” أنت تعرفين جيدا مالذي يحدث بيننا … ما يشعر به كلينا … أم ستنكرين ذلك ..”
لا تنكر إنها توترت بسبب حديثه لكنها سرعان ما كبحت توترها وهي تخبره :-
” ولم سأفعل …؟؟ حسنا لا أنكر ذلك …”
سألها وهو يميل نحوها قليلا :-
” مالذي لا تنكرينه …؟!”
ردت بتجهم :-
” ما تحدثت عنه لتوك …”
عاد يسألها بمكر :-
” ومالذي تحدثت عنه لتوي ..؟!”
بدت لعبة سخيفة بالنسبة لها قررت إنهاؤها وهي تجيبه ببساطة :-
” أنا لا أنكر إنني أميل لك … معجبة بك … ”
منحها إبتسامة هادئة … إبتسامة راقت لها كثيرا …
تحدث أخيرا يخبرها :-
” هل تعلمين مالذي جذبني لك دونا عن الجميع …؟!”
أجابته ببرود :-
” لا يمكنني التخمين فأنا أمتلك الكثير من عوامل الجذب … ”
ابتسم بخفة وهو يسترسل :-
” قوتك وجرأتك والأهم ثقتك المفرطة بنفسك والتي تجعليني أود في كثير من الأحيان تحطيم رأسك بسبب ذلك الكبرياء الفطري والثقة المفرطة التي تتحلين بها …”
عقدت حاجبيها تهتف بوجوم :-
” تحطم رأسي …!!!؟”
أكملت وهي تتقدم نحوه خطوتين تخبره بسخرية:-
” هل تعتقد إن هذا الكلام المناسب لقوله في موقف كهذا وأنت تعترف بمدى إنجذابك لي …؟!كم أنت رومانسي يا فادي …”
ضحك بخفة وقال :-
” بالتأكيد أنت تدركين جيدا إنني والرومانسية لا يمكن ان نجتمعان سويا …. الأمر لا يحتاج الى ذكاء …”
هزت رأسها تتمتم بأسف :-
” للأسف أدرك ذلك فكما قلت .. الأمر لا يحتاج الى ذكاء …”
قال وهو ينظر الى ملامح وجهها باشتياق بات يدركه جيدا ولا يتهرب منه :-
” متى يمكننا أن نلتقي ونتحدث …؟!”
عبست ملامحها وهي تخبره بصدق :-
” لا أعلم حقا فأنا لا رغبة لي بفعل أي شيء في الوقت الحالي …”
تنهد قائلا :-
” أتفهم حالتك بالطبع …”
تجاهلت رغبتها الشديدة في البكاء وهي تتذكر حقيقة ما تعيشه حاليا فهمست بصوت جاهدت ليخرج عاديا :-
” يجب أن أغادر يا فادي .. ”
هز رأسه بتفهم قبل أن يقول :-
” بالطبع يا غالية ولكن …”
نظرت له بترقب ليضيف بجدية :-
” لا تخرجي مجددا مع ابن عمك هذا أو غيره …”
أضاف بهدوء لا يخلو من الحزم :-
” لا يعجبني ذلك …”
لم يعجبها ما قاله لكنها لم تكن تمتلك الرغبة في نقاشه فإكتفت بقول :-
” مع السلامة يا فادي …”
ثم تحركت متجهة نحو شريف الذي ينتظرها في سيارته بملامح ما زالت جامدة يتابعها الآخر وهي تتجه نحو ابن عمها ثم تفتح الباب وتركب جانبه وداخله يود لو يسحبها من ذراعها ويأخذها في سيارته يمنعها من مجاورة ابن عمها ذاك في سيارته أيا كانت الأسباب ..
هبط كرم من سيارته متجها الى داخل العمارة التي تقطن بها شقيقته الكبرى تتبعه هايدي التي ركضت بسرعة خلفه وقبضت على ذراعه تتوسله :-
” أرجوك لا تتصرف بطريقة قد تؤذيها يا كرم … نانسي ما زالت في فترة نقاهة ولا تنسى إنها حامل أيضا …”
رمقها بنظرات مشتعلة وهو يخبرها بتهكم بارد :-
” سأعد للعشرة قبل أن أتحدث …”
همست له برجاء خالص في عينيها :-
” أرجوك يا كرم .. يمكنك أن تفعل ما تريده لكن ليس الآن … لتنجب طفليها على خير وبعدها إفعل ما تشاء …”
زفر أنفاسه بقوة قبل أن يأمرها بصلابة :-
” خذيني الى شقتها …”
هزت رأسها بإذعان وهي تخبره عن رقم الطابق والشقة ليتحرك أمامها متجها الى المصعد الكهربائي تتبعه هايدي بوجوم والقلق يسيطر عليها ….
وقفت بعدها هايدي بجواره وهو يضغط على جرس الباب لتفتح الخادمة لهما بعد دقيقتين فإندفع كرم الى الداخل تتبعه هايدي وهي تنادي عليه فيتوقف في منتصف صالة الجلوس الخالية من وجود أي أحد …
إستدار بسرعة نحو الخادمة يسألها بحدة :-
” أين نانسي ..؟!”
أجابت الخادمة بصوت خرج متلعثما وهي تتأمل تحفزذلك الواقف أمامها:-
” نائمة في غرفتها …”
قالت هادي بسرعة :-
” سأيقضها حالا .:.”
ثم إندفعت بسرعة الى الغرفة لتفتح الباب وتدلف الى الداخل بعدما أغلقتها بالمفتاح …
تقدمت ناحية نانسي التي تنام بعمق فوق السرير فتأملتها لثواني بشفقة على حالها وما وصلت إليه قبل أن تجلس جوارها على طرف السرير وتمد كفها نحو كتفها تهزها برفق وهي تحدثها بصوت خافت قليلا :-
” نانسي … إستيقظي حبيبتي …”
لحظات قليلة وبدأت نانسي ترمش بعينيها دلالة على بداية إستيقاظها قبل أن تفتحهما لتنظر إلى هايدي بدهشة من وجودها عندها قبل أن تحاول الإعتدال في جلستها بقليل من الصعوبة بسبب حملها وبروز بطنها الذي لا يساعدها على التحرك بحرية …
” ماذا تفعلين هنا يا هايدي في هذا الوقت ..؟!”
سألتها نانسي وهي تعتدل أخيرا في جلستها بمساعدة شقيقتها التي أجابتها بتوتر خفي:-
” كرم يا نانسي …”
رفعت نانسي ملامحها المصدومة نحوها لتنطق بخوف :-
” ما به كرم ..؟!”
أجابتها نانسي بجدية :-
” كرم هنا يا نانسي …”
” ماذا ..؟!”
صاحت بها نانسي بفزع وهي تضيف بصوت مذعور :-
” كيف هذا ..؟!”
حاولت هايدي تهدئتها وهي تخبرها بتروي :-
” كرم علم بما حدث … للأسف هناك من أخبره بوجود صلاح في البلاد … ”
إسترسلت بجدية :-
” لا تخافي يا نانسي … لقد تحدثت معه… أخبرته إنه لا ذنب لك .. هو يريد رؤيتك .. يريد التحدث معك …”
شردت نانسي كليا بينما هايدي ما زالت مستمرة في حديثها حتى لاحظت شرود شقيقتها فهمست وهي تلمس ذراعها :-
” نانسي .. هل تصغين إلي ..؟!”
نظرت نانسي لها بملامح بدا بائسة تماما فقالت هايدي بسرعة :-
” لا تفعلي هذا يا نانسي .. ”
تمتمت نانسي بوجع :-
” لم أكن أريده أن يعرف …”
هتفت هايدي بتفهم :-
” أعلم ذلك ولكنه حدث وعرف كرم بكل شيء …”
أضافت وهي تقبض على كف شقيقتها بدعم :-
” حاولي التماسك يا نانسي … ما زال مشوارك طويلا وأنت يجب أن تحافظي على قوتك وثباتك … إن لم يكن لأجلك فليكن لأجل طفليك …”
تشكلت الدموع داخل عينيها ما إن أتت هايدي على ذكر سيرة الطفلين لتشد هايدي من قبضتها على كفها وهي تهمس لها بنبرة صلبة :-
” أنت يجب أن تتماسكي يا نانسي وتحافظي على ثباتك في وجه كافة الظروف .. ”
أضافت وهي تنظر لها بعينين قويتين :-
” أنت أخطأت لكنك دفعت ثمن خطئك … لا يمكن أن تستمري في ضعفك وخنوعك بسبب هذا الخطأ .. ما تفعلينه ليس حلا .. إستسلامك ليس حلا … ليس من العدل أن تستمري في دفع ثمن أخطائك … المهم أن تتعلمي من خطئك جيدا .. دعي هذا الخطأ يكون حافزا لبداية جديدة ومختلفة .. دعيه يصنع نانسي مختلفة عن الماضي .. نانسي قوية وصلبه …”
همست نانسي بنبرة ضعيفة :-
” لا أستطيع …”
إسترسلت وهي تأخذ نفسا بطيئا :-
” أنا أضعف مما تتصورين يا هايدي …”
قاطعتها هايدي بحزم :-
” لست ضعيفة أبدا يا نانسي .. لو كنت ضعيفة لسارعت للتخلص من الطفلين والعودة الى حياتك السابقة بكل تخبطاتها … لكنك لم تفعلِ .. هل تعلمين لماذا ..؟!”
نظرت نانسي لها بتأهب وعينيها الدامعتين يظهر عليهما التردد بوضوح :-
” لإنك كنت تحتاجين وجودهما … تحتاجين حافزا يدفعك للتماسك .. لإنك أردت سببا تعيشين لأجله .. سببا تتغيرين لأجله … بالطبع فطرتك الحنون منعتك من قتل روح خلقها الله داخلك لكن لا يمكنك أن تنكري إن وجود الطفل كان حافزا مهما لك وأملا في حياة مختلفة تحمل هدفا ساميا يستحق العيش لأجله …”
تساقطت دموع نانسي فوق وجنتيها بغزارة لتخبرها هايدي بصوت هادئ لا يخلو من الشدة التي تحتاجها شقيقتها في هذا الوقت تحديدا :-
” كوني قوية يا نانسي .. تجاوزي ما حدث في الماضي …. أثبتي لنفسك قبل الجميع إنك تغيرت … الطفلان سيولدان بعد ثلاثة أشهر وربما أقل … لا بد أن يجدان أما قوية تنتظرهما .. أم تستطيع تربيتهما ومنحهما ما يحتاجان .. أم لا تمنحهما فقط عاطفة أمامية ومحبة فطرية بل تمنحهما قوة وصلابة ونشأة جيدة …”
مالت نحوها تسألها بجدية :-
” ألا يستحق طفليك منك ذلك يا نانسي ..؟!”
نطقت نانسي بعد صمت إمتد للحظات :-
” بل يستحقان … يستحقان هذا وأكثر …”
ربتت هايدي على كفيها وهي تبتسم لها وتخبرها بتشجيع :-
” هيا إذا .. كفكفي دموعك وتعالي معي لتري شقيقك وتتحدثي معه … حسنا ..؟!”
همست نانسي وهي تكفكف دموعها :-
” هل هو غاضب كثيرا ..؟!”
نهضت هايدي من جانبها وأجابتها :-
” حتى لو كان غصبا كثيرا .. عليك أن تواجهي غضبه … تحملي قليلا يا نانسي … لا بأس أن تتحملي قليلا وتصبري الفترة القادمة حتى تنتهي هذه الدوامة التي تعيشينها …”
” أتمنى أن تنتهي على خير …”
قالتها نانسي بصوت مرتجف لتقول هايدي بسرعة وتأكيد :-
” ستنتهي على خير بإذن الله …”
ثم مدت كفها لنانسي تخبرها :-
” هيا يا نانسي .. تأخرنا عليه كثيرا …”
وضعت نانسي كفها داخل كف شقيقتها وهي تنظر لها بتردد ظهر عليها كليا ..
تردد سارعت تبعده عنها وهي تنهض من فوق سريرها ببطأ وتتجه معه شقيقتها خارج الغرفة حيث ينتظرهما كرم ..!
دلفت نانسي خلف شقيقتها بخطوات مترددة الى صالة الجلوس لتشعر بنغزة شديدة في قلبها ما إن وقعت عينيها على شقيقها الذي يقف في منتصف المكان متحفزا وملامحه مكفهرة بشدة ..!
ما إن رفع عينيه لتقابل عينيها حتى شعرت بخفقاتها تضطرب بشدة وعادت الدموع تترقرق داخل عينيها …
تجهمت ملامحه أكثر وعيناه تنحدران نحو بطنها المنتفخة ليزفر أنفاسه متمتما بصوت منخفض كليا لم يسمعه أحد :-
” يا إلهي …!!”
شعرت نانسي بكف تقبض على كفها تضغط عليها بدعم لتنظر إلى شقيقتها فترى في عينيها الدعم الغير مشروط ….
عادت تنظر الى شقيقها بملامحه التي تصلبت كليا الآن لتهمس بصوت متحشرج ضعيف :-
” كرم …!!”
رأت الغضب والرفض صريحا في عينيه فأضافت بنفس النبرة الخافتة :-
” آسفة …”
ثم سارعت تخفض عينيها خجلا ودموعها أخذت طريقها فوق وجنتيها …
أشاح كرم بوجهه بعيدا عنها محاولة السيطرة على غضبه المتفاقم داخله بشكل يثير الخوف …
كان يجاهد للسيطرة على غضبه كي لا يتحرر من مكمنه ويبتلعها تماما …
كان يدرك إن غضبه مؤذي وسيؤذيها وهي في حالة لا تسمح له بذلك ..
كانت حاملا وهذا فقط ما يمنعه عن التصرف معها بالطريقة المستحقة …
مسح وجهه بكفيه بينما نانسي تراقبه من الخلف بعينين باكيتين ليستدير نحوها يرمقها بنظراته المحمرة وهو يخبرها بغلظة :-
” ابكي يا نانسي … ابكي كثيرا أيضا …”
همست بنبرتها الباكية :-
” آسفة حقا ..”
صاح بصوت قوي جعلها تنتفض من مكانها رعبا :-
“” علام تعتذرين ..؟! هل تعتقدين إن اعتذارك يكفي لغفران ذنوبك يا هانم .. ”
تقدم خطوتين نحوها قبل أن يتوقف مكانه يتأملها للحظة ثم يهدر بعدها :-
” مهما فعلت يا نانسي لن أغفر لك خطيئتك تلك ….”
تمتمت هايدي برجاء :-
” كرم من فضلك ..”
صاح بشقيقته الأصغر :-
” اخرسي أنت …”
عاد ينظر الى الأخرى يخبرها بغضب :-
” لا أصدق أي درجة من الاستهتار وصلتِ يا نانسي … لا يمكنني التصديق إنك نانسي شقيقتي الكبري الذي كنت أحبها وأحترمها كثيرا …”
أكمل ونظرته تحمل خيبة شديدة هذه المرة :-
” لقد خذلتني بل خذلتنا جميعا …”
شهقت نانسي باكية بعدما لم تستطع التحمل اكثر فسارعت هايدي تقبض على كفها تحاول تهدئتها حتى سارت بها نحو الكنبة وأجلستها عليه
لتجلس نانسي فوق الكنبة بوجه منخفض نحو الأرض والدموع تتساقط من عينيها بغزارة بينما تجاهد لكبح صوت شهقاتها المؤلمة …
تابعها كرم لثواني متجاهلا الألم الذي سيطر عليه للحظة وهو يراها ضعيفة الى هذا الحد ..
تجاهل ذلك الشعور المقيت وهو يخبرها بخشونة :-
” توقفي عن البكاء …”
ثم أضاف يسألها :-
” هاتي رقم شقيق زوجك … أريد رقمه حالا …”
توقفت عن البكاء بعدما سمعته لترفع وجهها بسرعة نحوه تسأله بصوت مضطرب :-
” لماذا ..؟؟”
هتف بها حدة :-
” هاتيه ولا تسألي عن شيء …”
قالت هايدي بجدية وهي تتقدم نحوه :-
” أنا لدي رقمه يا كرم … ”
نظر لها كرم بتجهم وقال وهو يخرج هاتفه من جيبه :-
” هاتي الرقم إذا …”
أخرجت هايدي بدورها الهاتف وبحثت عن الرقم لتعطيه الى كرم الذي سارع بدوره يتصل بشريف …
جاءه صوت شريف يحييه بتعجب وهو يسأله عن هويته ليسمع صوت كرم البارد المتصلب يخبره :-
” انا كرم شقيق نانسي يا دكتور .. أنتظرك أنت وشقيقك في الشقة التي تمكث بها شقيقتي والتي جلبتها أنت لها … هاته وتعال فورا يا دكتور إذا كنت تريد الحفاظ على حياة شقيقك الحقير …”
ثم أغلق الهاتف في وجهه دون إنتظار ردا ليلقي الهاتف على هايدي التي سارعت تتلقفه منه بحذر ..
وقف شريف متصلب الملامح لثواني بعدما أغلق كرم الهاتف في وجهه ليهتف بصوت ناقم على شقيقه :-
” لا سامحك الله يا صلاح على ما تفعله … متى سأنتهي من مشاكلك لا أعلم ..؟!”
ثم سارع يتصل به بعدما توقف عن إغلاق هاتفه ليأتيه صوته الناعس :-
” نعم شريف .. ماذا حدث ..؟!”
هدر شريف بصوت حاد عكس عادته :-
” أين أنت ..؟! أريد عنوانك ..!”
سأل صلاح بنبرة متذمرة :-
” ماذا حدث يا شريف ..؟! لماذا تريد عنواني ..؟!”
أجابه شريف بنفاذ صبر :-
” هناك مصيبة كبيرة حدثت ويجب أن تأتي …”
أضاف بجدية :-
” هات عنوانك فورا يا صلاح وإلا قسما بربي سأنسى إنه لدي أخ إسمه صلاح وسأتبرئ منك علنيا …”
سمع صوت زفير شقيقه الحاد يتبعه صوته الحانق وهو يخبره بعنوان الفندق الذي يمكث فيه ..
أغلق شريف الهاتف في وجهه وسارع يخرج من المنزل متجها الى العنوان الذي يمكث به شقيقه …
ما إن وصل إلى المكان المحدد حتى إتصل بشقيقه يخبره :-
” انا وصلت .. إنزل حالا …”
وبالفعل ما هي إلا دقائق معدودة حتى وجد صلاح يتقدم نحوه بملامح حانقة قبل أن يفتح الباب ويجلس جواره متسائلا بنزق :-
” ماذا حدث لتتصل بي فجأة وتتحدث معي بهذه الطريقة ..؟!”
أدار شريف مقود سيارته متحركا بها ثم أجابه :-
” عندما نصل الى هناك ستعلم ..”
سأله صلاح بتجهم :-
” إلى أين تذهب ..؟!”
هدر به شريف بنبرة جافة :-
” توقف عن الأسئلة .. ستصل هناك وتعرف …”
كتم صلاح غيظه قسرا وهو يتأفف بصمت طوال الطريق حتى لاحظ إن شقيقه يتحرك متجها الى مناطق بعيدة قليلا ليسأله بضجر :-
” إلى أين تأخذني معك يا شريف ..؟!”
تجاهله شريف وهو مستمر في قيادة سيارته حتى وجده صلاح يتقدم نحو احدى المناطق السكنية حديثة النشأة والبعيدة عن مركز العاصمة ليتوقف شريف بعد دقائق قرب احدى العمارات السكنية ..
أطفأ شريف سيارته وإلتفت نحوه يخبره بصرامة :-
” هيا إنزل …”
رمقه صلاح بنظرات متململة وهو يفتح الباب جانبه ويهبط من السيارة يتبع شقيقه الذي تقدم داخل العمارة …
هتف صلاح وهو ينظر الى شقيقه بعدما ضغط على زر المصعد :-
” أنت وضعت نانسي هنا إذا …”
تجاهله شريف ولم يرد عليه ليستفسر صلاح بإصرار :-
” لماذا أتيت بي الى هنا ..؟؟ ماذا حدث مجددا ..؟!”
دلف شريف الى المصعد بعدما فُتِحت بابه ليتأفف صلاح هذه المرة بصوت مسموع وهو يدخل وراءه …
تحرك المصعد مرتفعا الى الطابق المحدد قبل أن يتوقف هناك فتُفتح بابه مجددا ليخرج شريف منه أولا يتبعه صلاح ..
ضغط شريف على جرس الباب ليجد كرم يفتح له الباب بعد ثواني مرددا بإبتسامة متهكمة :-
” أهلا دكتور ….”
ثم مال برأسه نحو صلاح الذي تجهمت ملامحه أكثر مرددا بإستخفاف :-
“من الجيد انك إستطعت أن تأتي بصهرنا العزيز يا دكتور …”
هتف شريف بصوته الرزين :-
” يجب أن نتحدث يا كرم ونتفاهم …”
قال كرم مؤكدا حديثه :-
” بالطبع يا دكتور .. لهذا السبب أساسا طلبتك أنت وشقيقك .. ”
ثم فسح المجال لشريف الذي تحرك أولا الى الداخل ليشير كرم الى صلاح بعدها يخبره بسخرية لاذعة :-
” تفضل يا صهري .. لا تخجل منا .. في النهاية نحن عائلة واحدة .. هيا يا رجل تفضل ..”
طالعه صلاح بنظرات غير مرتاحة وهو يتحرك بخطواته الى الداخل ليغلق كرم الباب خلفه ثم يسير وراءه حيث صالة الجلوس ليصدم الجميع عندما قبض على قميص صلاح من الخلف وأداره نحوه بحركة سريعة يتبعها لكمة فوق وجهه أسقطته أرضا …
شهقت هايدي بعدم تصديق بينما إعتصرت نانسي قبضتيها بقوة والدموع تراكمت داخل مقلتيها مجددا ..
سارع كرم ينقض على صلاح مجددا قبل أن ينهض الأخير من مكانه ويضربه بقوة أكبر …
بدا صراعا غير متكافئا لوهلة فكرم كانت مستعدا جيدا لهذه اللحظة بل متحفزا كليا لها اما صلاح فالمفاجأة كانت من نصيبه …
صاحت هايدي على شقيقها الذي يضرب صلاح بلا رحمة :-
” كرم توقف …”
ثم نظرت الى شريف الذي وقف متصلبا يتابع الموقف بجمود لتهمس له بسرعة :-
” دكتور شريف .. تصرف من فضلك …”
تابع شريف الشجار بينهما ومحاولات شقيقه الفاشلة في تسديد ضربه لكرم …
تأمل وجه شقيقه النازف بجمود امتد للحظات حتى وجده يسقط ارضا مجددا يتأوه بألم بينما كرم يقف قباله يلهث بشدة …
تقدم شريف أخيرا نحو شقيقه حتى وقف جانبه فأشار الى كرم يسأله ببرود :-
” هل تشعر إنك أفضل الآن بعدما فرغت غضبك به ..؟؟”
صرخ كرم وملامحه بدت مرعبة في تلك اللحظة :-
” لم أشفِ غليلي منه بعد …”
استطاع صلاح أن يتغلب على ألم جسده وهو يقف أخيرا مواجها له فيسارع ويمسح الدماء فوق وجهه بكفه قبل أن يصيح به :-
” تضربني أيها الحقير .. سترى ما سأفعله بك …”
لكن فوجئ بشقيقه يقبض على ذراعه بقوة يمنعه قائلا :-
” توقف يا صلاح ..”
استدار صلاح نحوه يصيح بعدم تصديق :-
” ماذا يعني توقف ..؟؟ ألم ترَ كيف ضربني ….؟!”
رد شريف بهدوء مثير للإستفزاز :-
” حقه .. ”
” نعم …”
صاح بها صلاح بعدم تصديق عندما أخبره كرم بقساوة :-
” أنت لم تر شيئا بعد .. قسما بربي سأجعلك تندم على كل ما فعلته أيها النذل الحقير … ”
صاح صلاح بغضب :-
” حقا ..؟! ماذا ستفعل بعد ..؟! عليك أن تعلم إنني لو كنت نذلا وحقيرا كما تنعتني ما كنت لأتزوج من شقيقتك المبجلة ..”
اتجهت أنظاره نحو شقيقه التي كانت تجلس مكانها ترتجف كليا وهي تبكي بصمت بينما هايدي تقف جانبها تقبض على كتفها بقوة تمنحها دعما تحتاجه …
عاد كرم ببصره نحو صلاح يخبره :-
” شقيقتي سيأتي دورها هي الأخرى …لو لم تكن حاملا لتصرفت معها بالشكل الذي تستحقه …”
تحدث شريف محاولا تهدئة الوضع المتأزم :-
” من فضلك يا كرم .. ما تفعله ليس حلا أبدا .. أنت تزيد الأمر سوءا بتصرفاتك … ”
أكمل وهو ينظر الى نانسي بشفقة :-
” كلاهما أخطأ وكلاهما سيتحمل نتيجة خطئه …”
هتف كرم بغضب :-
” ليست جميع الأخطاء سواسية يا دكتور … خطأهما لا يغتفر …”
تنهد شريف ثم قال بعقلانية :-
” وما الحل يا كرم …؟! نعاقبهما وننبذهما تماما … نتبرئ منهما مثلا … ”
تجهمت ملامح كرم عندما أضاف شريف :-
” انا لا ألومك على غضبك ولكن المصيبة قد حدثت .. نحن نحاول أن ننهي الأمر دون فضائح والحمد لله كوننا ما زلنا قادرين على فعل ذلك …”
نظر بعدها الى صلاح وهو يسترسل :-
” صلاح يستحق ما فعلته به لكنه نادم وسيدفع ثمن ما فعله بكل تأكيد …”
تجاهل تغضن ملامح شقيقه برفض صريح لما يسمعه وهو يتقدم نحو الشاب الذي ما زال في بداية العقد الثالث من عمره يخبره بتردد :-
” شقيقتك كانت ستموت يا كرم .. هل تدرك معنى ذلك ..؟!”
أنين خافت صدر من نانسي التي كانت تبكي بصمت ليضيف شريف بثبات :-
” لولا رحمة الله بها كانت ستخسر حياتها وكنت ستخسرها أنت بدورك …”
أكمل متسائلا عن قصد :-
” هل كنت ستتحمل خسارتها يا كرم ..؟!”
لاحت نظرة جامدة منه إليها ليجد التوسل واضحا في عينيها الباكيتين ليشيح وجهه الى الجانب الآخر برفض فيكرر شريف سؤاله بإصرار :-
” هل كنت ستتحمل خسارة نانسي يا كرم ..؟! هل كان موتها سيرضيك ..؟! هل كان سيريحك ويخفف من وطأة غضبك …؟!”
لم يتحمل كرم سماع المزيد وهو يشعر بكل تلك المشاعر المختلطة تلح عليه ليلتفت نحو شريف مرددا بحدة :-
” يكفي يا دكتور … توقف عن طرح أسألة لا داعي لها …”
توقف عن حديثه وهو يجد نانسي تسير نحوه ببطنها المنتفخ وعينيها الحمراوين فأشاح وجهه برفض فوري تجاهلته وهي تتقدم نحوه أكثر حتى وقفت جواره تهمس له بصوتها الحزين :-
” كرم … إنظر إلي ..”
زفر أنفاسه ببطأ قبل أن ينظر بعينيه الغاضبتين فتهمس له وهي تقبض على ذراعه بتوسل :-
” أنا آسفة يا كرم .. والله لم أقصد ذلك … أعترف إنني أخطئت ومهما فعلت لن أستطيع محو خطيئتي التي سترافقني طوال حياتي لكنني أحاول أن أصحح خطأي بأي طريقة .. ”
أكملت بدموعها :-
” آسفة لإنني أخطأت بحق نفسي وحقكم لكنني أعدك إنني سأفعل المستحيل للتكفير عن هذه الخطيئة …”
قبضت على قميصه بقوة أكبر وكأنها تتشبث به وهي ترجوه :-
” سامحني يا كرم … بالله عليك سامحني … أنا عوقبت بسبب فعلتي وما زال هناك الكثير ينتظرني .. مهما حدث أنت شقيقي الوحيد وسندي الذي سأحتاجه دائما …”
تنهد كرم بتعب قبل أن ينظر الى صلاح متجاهلا شقيقته يخبره بصلابة :-
“اسمعني جيدا .. ستنفذ ما أقوله بالحرف الواحد .. حسنا ..؟!”
هم صلاح بالرفض لكنه وجد نظرات شقيقه الحادة تحذره من الحديث وهو يخبره :-
” أنت يجب أن تفعل ما سيقوله كرم يا صلاح .. لأجلك أنت ولأجل والدتك التي لن تتحمل صدمة كهذه …”
قاطعه كرم ببرود :-
” ولأجل طفليه يا دكتور …”
هز شريف رأسه بصمت ليضيف كرم ببرود :-
” سوف أحجز لكما أنت ونانسي تذكرتي سفر الى أمريكا معي … ستقضيان الأشهر المتبقية للحمل هناك … ما إن تصلان الى امريكا حتى سيصل خبر حمل نانسي بشهرين ونصف او حتى ثلاثة الى العائلتين … بعدما تنجب نانسي الطفلين ويمنحهما صلاح باشا إسمه وكنيته سيخبر الجميع إن هناك مشاكل بينه وبين نانسي وإنهما غالبا سينفصلان بعد ولادة نانسي ثم سيعلن الطلاق بعدها وتعود نانسي بالطفلين بعدما يكبران قليلا كي نتجنت التساؤلات والشكوك وأما عن إستقراركما المفاجئ في أمريكا فهذا سيدبره الدكتور شريف مع العائلة … ربما عليك أن تخترع أي عمل كاذب لشقيقك المبجل في الخارج …”
أنهى حديثه وهو يرمق صلاح بنظرات متحدية أن يرفض ما قاله بينما حسم شريف الحديث قائلا :-
” كلام كرم صحيح … سنفعل ما قلته يا كرم بالحرف الواحد فهذا الحل الأمثل للجميع والذي اقترحته أنا مسبقا …”
دلف راغب الى جناح شقيقه ليجد الأضواء مغلقة تماما والجناح مظلم كليا …
سارع يفتح أضواء المكان ليجد ملامح شقيقه تنغضن بإنزعاج قبل أن يقلب وجهه اتجاه المخدة ويرفع المخدة الأخرى ويضعها فوق وجهه من الجانب …
تقدم راغب نحوه وجذب المخدة ورماها بعيدا وهو يصيح بإسمه صوت عالي لم يؤثر بمهند الذي كان غارقا في نومه …
زفر راغب أنفاسه مرددا بضيق جلي :-
” عندما ينام مهند نحتاج الى فرقة موسيقية لإيقاظه …”
ثم انحنى نحوه يهزه من كتفه بقسوة جعلت مهند يتأفف وهو يميل بوجهه اتجاهه قبل أن يعاود ضمه أسفل الوسادة …
” هل فقدت وعيك يا هذا ..؟!”
هدر به راغب قبل أن يتجه نحو الثلاجة الجانبية الموضوعة في الجناح ليخرج منها قنينة مياه باردة ثم يعود بها ويفرغها فوق رأس مهند الذي إنتفض من مكانه بسرعة وهو يصيح بعدم إستيعاب :-
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
أضاف وهو يستوعب وجود شقيقه أخيرا :-
” هل جننت يا هذا ..؟!”
أشار له راغب بصرامة :-
” إنهض حالا و ارتدي ملابسك كي نتحدث بعدها ..”
سأله مهند بملامح منزعجة :-
” ألم يكن بوسعك أن تنتظرني حتى أستيقظ ثم نتحدث …؟!”
هتف راغب بجدية :-
” الساعة تخطت السادسة مساءا يا مهند … متى سوف تستيقظ إن شاءالله ..؟! بعد منتصف الليل ..؟!”
عاد مهند يتأفف بصوت مسموع ليهدر به راغب أمرًا :-
” هيا يا مهند .. لا تكن باردا …”
رفع مهند الغطاء بعيدا عنه ثم نهض من فوق السرير بجسده الشبه عاري والذي لا يستره سوى شورت قصير كعادته عند النوم فتابعه راغب وهو يتجه نحو الحمام بعدما جذب بنطال بيجامته المرمي أرضا ليعاود تأمل الفوضى في جناحه بعدم رضا قبل أن يتجه نحو الكنبة ويجلس عليها واضعا قدما فوق الأخرى منتظرا إنتهاء شقيقه من إرتداء ملابسه ليتحدث معه بخصوص جيلان …
كان مهند يتجاهل حقيقة عودة جيلان الى القصر بوضوح فهو يتجنب رؤيتها بل واقعيا هو يتجنب رؤية الجميع ….
وجده يخرج بعد دقائق من الحمام وهو يرتدي بنطال البيجامة فقط ليسير نحوه وهو يجفف شعره بالمنشفة …
راقبه راغب وهو يتقدم نحوه قبل أن يرمي بجسده فوق الكرسي المقابل له وهو يردد :-
” أعذرني على تأخيري ولكنني إحتجت لحمام بارد سريع يمنحني القليل من النشاط …”
استرخى راغب في جلسته يشاهده وهو يسحب سيجارة من علبة سجائره الموضوعة فوق الطاولة ويشعلها داخل فمه ليخبره بتهكم :-
” أنت تنام أكثر مما تستيقظ يا مهند …”
نفث مهند دخان سيارته وهو يردد بلا مبالاة :-
” للأسف ..”
تنهد راغب ثم سأله بجدية :-
” هل هذه الحياة التي تنوي أن تعيشها بعد الآن ..؟!”
رمقه مهند بصمت لا يخلو من البرود ليضيف راغب :-
” النوم حتى المساء وتجاهل كل شيء وما يشبه ذلك …”
هتف مهند بجدية:-
” تحدث بوضوح يا راغب .. قل ما لديك ..”
” سأتحدث …”
قالها راغب وهو يكرر بإصرار :-
” سأتحدث يا مهند …”
أضاف يسأله :-
” ماذا قررت بشأن القادم ..؟! بشأن مستقبلك ..؟!”
رد مهند بعدم إهتمام أثار إستفزاز الآخر:-
” لم أقرر بعد …”
بالكاد سيطر راغب على غضبه من لا مبالاة شقيقه وهو يخبره بوجوم :-
” أنت في السادسة والعشرين من عمرك يا مهند ولا تعرف ماذا ستفعل في حياتك …؟؟!! هل تعي ما تقوله أم …”
قاطعه مهند بضجر :-
” أنا ما زلت أفكر في الخطوة القادمة … لا تعتقد إنني سعيد بوضعي الحالي … على العكس تماما …”
قال راغب بجدية :-
” لديك شركات العائلة بأكملها تنتظرك … ماذا تنتظر كي تدخل مجال العمل …؟؟”
أجابه مهند بصدق :-
” أنا لا أميل الى العمل في شركات العائلة وأنت تعلم …”
أخذ راغب نفسا عميقا ثم قال بمرونة جديدة عليه :-
” مالذي تريده إذا ..؟! أنت مهندس مدني يا مهند … تخصصك يناسب أعمالنا وأنت تدرك ذلك جيدا ..”
تنهد مهند وهو يعود بجسده الى الخلف مفكرا للحظات قاطعها راغب وهو يضيف :-
” وماذا عن جيلان …؟! ”
سأله مهند بحيرة :-
” ما بها جيلان ..؟!”
سأله راغب بضيق :-
” ماذا ستفعل بشأنها ..؟! جيلان تحمل طفلك أم نسيت ..؟!”
أجاب مهند :-
” بالتأكيد لم أنسَ … عندما تنجب الطفل سأتحمل مسؤوليته كاملة كما وعدتها وسأحاول قدر المستطاع أن أكون على قدر المسؤولية …”
سأله راغب بوجوم :-
” وماذا عنها ..؟! هي والدة الطفل … ”
قال مهند بتأكيد :-
” أعلم ذلك … هي والدته وستظل كذلك ولكنني سوف أعفيها من مهامها كأم له ..”
أضاف بصدق :-
” هي ما زالت صغيرة ومن حقها أن تعيش حياتها وتفكر في مستقبلها بعيدا عن مسؤولية طفل هي مجبرة عليها …”
هتف راغب بعدم تصديق :-
” هل تعي ما تقوله يا مهند ..؟! هل تعتقد إن هذا الحل المناسب ..؟!”
قال مهند بهدوء :-
” وهل يوجد غيره أساسا …؟! كما إنني لا أرى مشكلة في هذا الحل يا راغب ..!!”
قال راغب بعصبية خفيفة :-
” أنت تجرد جيلان من مسؤولياتها اتجاه الطفل لأجلها ولأجل عدم إجبارها على خوض تجربة لا تريدها بينما تتناسى الطفل نفسه وكيف ستكون حياته بدون والدته …”
هتف مهند بتجهم :-
” سيعتاد يا راغب … سيعتبر نفسه يتيم …”
قال راغب من بين أسنانه :-
” ولكنه ليس كذلك يا مهند .. ولدك ليس يتيما … بأي حق تسلبه حق أن تكون والدته جانبه …”
حدثه مهند بعدم تصديق :-
” أنا لا أفعل ذلك .. ولا أريد أن اسلب منه هذا الحق ولكن الظروف أتت هكذا … ”
أكمل بتعقل :-
” أن يعيش بدون أم أفضل بمراحل من الحياة مع أم مجبورة عليه وداخلها ترفضه ..”
” هل جيلان أخبرتك بهذا ..؟!”
سأله راغب بعد صمت قصير ليهتف مهند متسائلا بدوره :-
” ماذا تعني …؟!”
أجابه راغب موضحا :-
” يعني هل لدى جيلان علم بمخططاتك ..؟! هل هي من أخبرتك بعدم رغبتها في الطفل …؟! هل هي من قالت إنها تريد أن تعيش حياتها القادمة دون التقيد بمسؤوليته …؟!”
هز مهند رأسه نفيا قبل أن يخبره :-
” لا داعي أن تفعل .. هي ترفض وجوده وهذا يعلمه الجميع …”
” الآن الوضع مختلف …”
قالها راغب بإقتضاب ليسأله مهند بتعجب :-
” كيف يعني ..؟!”
زفر راغب أنفاسه بملل ثم نهض من مكانه ووقف جوار شقيقه الذي نظر له بتأهب ليهتف راغب بتعقل :-
” ربما رأيها تغير … لا تنسى إنه طفلها وينمو داخلها … محبتها للطفل ستتكون بشكل فطري داخلها … ستتعلق به قبل أن يولد .. ”
أضاف بتروي :-
” ولا تنسى أيضا إنها ما زالت صغيرة ولا تعي قراراتها جيدا .. ربما ستترك الطفل لك في البداية ثم تندم بعد فترة .. قرار التخلي عن طفلها لن يكون سهلا .. وربما ستجدها ندمت عليه بعد سنوات وحينها لن تسامح نفسها أبدا لإنها تركته في سنواته الأولى لوحده دونها ولن تستطيع في نفس الوقت تعويضه عن ذلك …”
سأله مهند بتعب :-
” والحل يا راغب ..؟!”
تنهد راغب ثم قال بإقرار :-
” تحدث معها يا مهند … تحدث وإفهم منها ما تريده ولا تتعجل في أي قرار .. حاولي أن تراعي صغر سنها وتشتتها وصعوبة الموقف بأكمله على فتاة في عمرها … كن حذرًا يا مهند ولكن لا بد أن تتحدث معها وتفهم منها ما تريده مبدئيا على الأقل ..”
نظر له مهند بصمت لثواني قبل أن يهز رأسه بصمت مقررا الذهاب الى جيلان والتحدث معها ..
جلست فوق سريرها بعدما وضعت الكتاب أمامها …
لاحت منها نظرة سريعة اتجاه بطنها البارزة فسارعت تخبر نفسها إنها تستطيع أن تدرس رغم حملها …
تستطيع أن تنهي سنتها الأخيرة بتفوق رغم هذه الظروف …
هي تستطيع ذلك كما أخبرها جميع من حولها …
تستطيع أن تدرس جيدا وتجلب درجات عالية في الإمتحان …
تستطيع تجاوز هذه الظروف بسلام رغما عن كل شيء …
جذبت قلمها وفتحت الكتاب وبدأت في القراءة ….
إنتهت من الصفحة الأولى لكتاب الأدب العربي وهمت بقلب الصفحة الثانية عندما شعرت بحركة لحظية أسفل بطنها جمدتها لثواني قبل أن تمد كفها المرتجف نحو بطنها المنتفخة وتلمسها بتردد ورهبة تمكنت منها …
إبتلعت ريقها بخوف بديهي بعدما شعرت بتلك الحركة الطفيفة لترتفع أنفاسها بدورها فسارعت تضع كفها فوق صدرها تحاول تهدئة أنفاسها المضطربة …
أخبرت نفسها بصوت خافت بطيء :-
” لا بأس … هذا طبيعي … الطفل يتحرك … هكذا قالت همسة …”
لحظات أخرى مرت سارعت خلالها للسيطرة على أنفاسها المضطربة حتى شعرت بنفسها تهدأ تدريجيا …
عادت تحمل الكتاب مجددا تحاول القراءة لكنها كانت مشتتة تماما رغم هدوء أعصابها عموما …
زفرت أنفاسها بضجر وهي تضع الكتاب جانبها مجددا ثم تنهض من مكانها وتتحرك داخل الجناح حتى وقفت أمام المرآة تتأمل بطنها التي يكبر حجمها مع مرور الأيام …
عادت تضع كفها فوقها تتذكر تلك الحركة التي شعرت بها رغم إنها لم تستمر سوى لحظات لا تذكر …
شعرت بقلبها ينتفض مجددا وهي تجده يتحرك من جديد فحاولت تهدئة أنفاسها وهي تخبر نفسها إن الأمر لا يستحق وإن الموضوع بسيط ولا يستدعي كل هذا الخوف منها …
زفرت أنفاسها بتعب وهي تتحرك مجددا نحو السرير حيث جلست عليه وعادت بجسدها الى الخلف ثم أغمضت عينيها و إلتزمت الصمت تماما حتى سمعت صوت طرقات على باب الجناح جعلتها تفتح عينيها بسرعة وهي تتسائل عن هوية الطارق …
ألجمتها الصدمة للحظات عندما سمعت صوته وهو الذي لم تره ولا لثانية واحدة حتى منذ عودتها الى القصر …
سمحت له بالدخول وهي تعتدل في جلستها بصعوبة قليلة عندما رأته يدلف الى الداخل فتأملت شعره القصير وذقنه الحليق بدهشة سيطرت عليها لثواني سرعان ما ابتلعتها …
” نعم …”
تمتمت بها بعينين متسائلتين لتجده يقف على بعد مسافة منها يستأذنها الحديث :-
” هل يمكننا أن نتحدث قليلا يا جيلان …؟!”
هزت رأسها بصمت رغم ترددها من الحديث معه فتنهد وهو يتقدم نحو السرير ليجلس على طرفه بينما إنكمشت هي لا إراديا في مكانها عند الطرف الآخر …
” نحن يجب أن نتحدث بشأن الطفل القادم يا جيلان .. طفلنا أنا وأنت ..”
قالها بتروي لتنظر له بصمت فيضيف هو شارحا أكثر :-
” يجب أن نتحدث بشأنه وما سنفعله بعد ولادته …”
سألته وهي تبلل شفتيها بلسانها :-
” مالذي سنفعله بعد ولادته ..؟!”
” حسنا …”
قالها وهو ينظر لها بجدية ثم يضيف :-
” لقد تحدثنا قبل هربك إذا ما تذكرين ….”
لاحظ الحيرة ترتسم على ملامحها فأضاف يمرر ما في جبعته على مسامعها كي تقرر بعدها ما تريده بوضوح :-
” أخبرتك إن الطفل مسؤوليتي وإنني لن أجبرك على ما لا تريدينه … يعني إذا كنت لا تريدين تربية الطفل وتفضلين التركيز في مستقبلك القادم ودراستك وجميع هذا وتشعرين إن وجود الطفل سيربطك به ويحملك مسؤوليات ستؤثر على حياتك القادمة فأنا سأقولها بوضوح لك يا جيلان .. يمكنك أن تتركي الطفل لي بعد ولادته مباشرة وتكملين أنت حياتك كما كانت قبل ولادته والطفل سيكون مسؤوليتي لوحدي ولن يكون لك أي علاقة به ولن تجدي نفسك يوما مجبرة على ممارسة أمومتك معه …”
حل الصمت المطبق بينهما ما إن أنهى حديثه لتطالعه بتردد لاح في عينيها فيضيف محاولا دعمها في قرارها أيًا كان :-
” أنت ما زلت صغيرة … ستدخلين الجامعة ويكون لك حياتك الخاصة … ربما أنتِ لا تفضلين مسؤولية كهذه.. ربما أنت تريدين التركيز في حياتك المستقبلية دون وجود طفل سيشكل عائقا أمام كل خطوة تخطينها … كلانا يعرف إنك لا تريدين هذا الطفل وإنك تمنيت التخلص منه مرارا ولا أحد يمكنه لومك على هذا فأنت ما زلت صغيرة وتستحقين أن تعيشي الحياة الملائمة لسنك …”
أخذ نفسا عميقا ثم أكمل :-
” نحن لا يمكنننا التراجع عما حدث لكن يمكننا تصحيح القادم … لذا سأكررها مجددا .. أنت لست مجبرة على هذا الطفل … يمكنك أن تتركيه معي و تغادري حياته دون أن تنظرين خلفك … وأعدك إنني لن أسبب لك أي مشكلة فيما بعد .. ”
تمتمت أخيرا بخفوت :-
” ولكنه صغير …. ”
سألها بحيرة :-
” ماذا تعنين ..؟!”
مدت كفها لا إراديا نحو بطنها تلمسها برقة وهي تضيف بتشتت :-
” إنه طفل صغير جدا .. مسكين .. هل يمكنني تركه وحيدا وهل سوف يستطيع هو أن يحيا لوحده دون أم …؟!”
استوعب إنها كانت تسأله ليشعر بنفسه في مأزق وهو الذي لا يجيد التعامل في هذه المواقف عموما …
سألته مجددا :-
” لماذا لا تجيب ..؟!”
حك ذقنه بحيرة ليجد الدموع تملأ عينيها فشعر بالاضطراب يغزوه لا إراديا ليسألها بتردد :-
” ماذا حدث ..؟! لماذا تبكين الآن …؟!”
جففت دموعها بسرعة ثم همست بخفوت :-
” لإنني لا أعرف ماذا أفعل …. ”
عقد حاجبيه يخبرها ببساطة :-
” إفعلي ما تريدينه …”
ثم شعر بالغباء مما يقوله ليضيف بحرج :-
” أقصد ما ترغبين به …”
ثم ما لبث أن قال بسخط :-
” يا إلهي .. لا يوجد فرق بينهما أساسا …”
ثم قال لها بتململ :-
” حسنا يا جيلان ، عليك أن تعرفي إنني لا أجيد التعامل في هذه المواقف والأهم إنني لا أجيد التعامل مع الفتيات وخاصة الصغيرات وفوق هذا لا أكترث بدموع الفتيات …”
ثم توقف مبهوتا وهو يسمع صوت نحيبها المرتفع يصدح في أجواء الجناح كطفلة صغيرة تم سرقة لعبتها منها ..
نهض من مكانه متقدما بسرعة نحوها يخبرها :-
” حسنا لا تبكي … ماذا فعلت الآن لتبكي هكذا …؟! توقفي من فضلك …”
أضاف بضيق :-
” توقفي يا جيلان .. سيعتقدون إنني سبب بكائك …”
رفعت عينيها الباكيتين نحوه ليتأمل لونيهما الأخضر الجذاب فيردد بإستغراب :-
” تمتلكين عينين جميلتين يا فتاة ..”
مسحت دموعها بأناملها وهي تقول بخفوت :-
” شكرا ….”
جلس مجددا لكن قريبا منها هذه المرة يخبرها بسلاسة :-
” حسنا يا جيلان .. الأمر لا يستحق كل هذا البكاء …”
أضاف بتمهل :-
” أنت الآن مشتتة ولا تعرفين ما تريدينه …”
هزت رأسها وهي تردد :-
” هذا صحيح …”
قال بجدية :-
” إذا ما رأيك أن ننتظر قليلا …”
سألته بحيرة :-
” ماذا ننتظر ..؟!”
قال بتعقل :-
” يعني لا تفكري في الأمر كثيرا الآن … إنتظري … ما زالت هناك حوالي أربعة أشهر على ولادتك … خذي وقتك وراجعي نفسك مرارا حتى تاخذين قرارك النهائي…”
سألته بتردد :-
” وماذا لو لم أصل الى قرار نهائي حتى بعد ولادتي …”
تنهد وهو يقول بصدق :-
” حينها سنضطر أن يتعايش كلانا مع حقيقة وجود طفل نتحمل مسؤوليته سويا وكان الله في عوننا ..”
ثم همس لنفسه بصوت لم يصل الى مسامعها :-
” وكان الله في عوني أنا إذا ما حدث وبقيت زوجتي فحينها سأتحمل مسؤولية طفلين بدل طفل واحد …”
دلف كنان الى المقهى الذي ينتظره به نديم …
خلع نظارته وهو يتحرك ببصره في أرجاء المقهى حتى وجده يجلس في طاولة جانبية ليتجه نحوه ويجلس أمامه بعدما ألقى التحية عليه ..
رد نديم التحية عليه ليهتف كنان بهدوء :-
” البقاء لله يا نديم … ”
أضاف بتمهل :-
” أنت تعرف بالطبع إنه لم يكن بإمكاني حضور العزاء …”
قاطعه نديم بجدية :-
” بالطبع أعرف يا كنان …”
سأله كنان بحذر :-
” تأكدت من عدم مراقبة أحدهم لك وأنت تدخل المقهى …”
أومأ نديم رأسه بصمت ليشير كنان الى النادل الذي أتى على الفور فيطلب منه قهوة سادة له بينما سأل نديم عما يريده و الذي بدوره طلب قهوة سادة أيضا …
تحدث كنان بعدما تحرك النادل بعيدا :-
” أنت تعلم إن عمار يراقبك … ”
” بالطبع يفعل …”
قالها نديم بجدية قبل أن يضيف :-
” متى سنتحرك يا كنان ..؟! ”
تأمل كنان ملامحه المرهقة لوهلة قبل أن يسأله :-
” أنت متلهف للتخلص منه إذا …”
قاطعه نديم بصوت قوي :-
” بأسرع وقت … ”
قال كنان وهو يسترخي في جلسته :-
” سبق و أخبرتك بما أخطط له …”
أضاف بسلاسة :-
” ما تريده لن يحدث بسهولة فأنت لا تريد إثبات برائتك فقط بل تريد الإيقاع به وكشفه أمام الجميع لتتم معاقبته كما يستحق …”
قال نديم بسرعة :-
” بالطبع .. برائتي لن تكفيني .. نعم سوف أستعيد من خلالها شهادتي الجامعية وسمعتي ولكن .. ”
توقف لوهلة ثم قال :-
” ولكن هذا لن يكفيني .. أنا أريد حقي كاملا … حق السنوات الضائعة .. ”
أطلق تنهيدة طويلة ثم أكمل :-
” كما إنك تعرف إنه بكشف عمار سيثق الجميع في برائتي ولن يستطيع أحد أن يشكك فيها أو يعتقد إنني تصرفت بطريقة ما لإستعادة برائتي ومعها سمعتي .. الجميع سيتأكد إنني بريء فعلا وقولا لإنهم سيدركون إن ما حدث ما هي إلا وسيلة حقيرة من أخي غير الشقيق والذي يكرهني ويريد تدميري …”
” أتفهمك يا نديم … ”
قال كنان بجدية قبل أن يضيف :-
” وإذا أنت كنت تريد سجنه لأعوام كرد فعل بسيط على ما أصابه بسببك فأنا لن يكفيني إلا موته …”
إهتزت حدثتي نديم للحظات وكسا الوجوم ملامح وجهه ليسأله كنان بتهكم :-
” ماذا ..؟! هل تراجعت عندما علمت إن الأمر سيصل الى هنا ..؟! هل رق قلبك ..؟!”
قاطعه نديم بحدة :-
” ماذا تهذي أنت ..؟! أنت تتحدث عن عمار … عمار الذي دمرني كليا … أنت تعلم جيدا إنني أكثر من سيسعد بدمار حياته وآخر من يتأثر بموته …”
أكمل وعيناه تظلمان تماما :-
” لم أكن يوما أريد ذلك لكن بعدما حدث تأكدت إن حياتي لن تستقيم حتى أتخلص منه تماما ناهيك عن كونه يستحق الموت بكل تأكيد … ”
سأله كنان وهو يتقدم نحوه قليلا :-
” ألن تندم فيما بعد ..؟!”
أجابه نديم بجمود :-
” كلا ، لن أندم .. ”
ابتسم كنان بهدوء ثم قال وهو يعود مستندا بجلسته على الكرسي خلفه :-
” إذا سأخبرك بشيء هام يجب أن تعرفه …”
نظر له نديم بترقب ليضيف كنان بعدما أتى النادل ووضع القهوة أمام كليهما :-
” هل تعلم إن أخيك يمتلك شركة أدوية ضخمة للغاية يديرها شخص غيره مدعيا إنه صاحب الشركة بينما عمار هو مالكها الأصلي …”
هتف نديم غير مصدقا :-
” ماذا تقول أنت ..؟!”
هز كنان رأسه بتأكيد وهو يضيف :-
” نعم يا نديم .. شركة معروفة جدا في مجال الأدوية … فتحها منذ سبعة أعوام تقريبا وهي الآن تنافس أضخم شركات الأدوية في البلاد بل في الشرق الأوسط …”
سأله نديم بتعجب :-
” ولماذا يمتلكها سرا ..؟! لماذا أعاد ملكيتها لغيره ظاهريا …؟!”
قال كنان بتفكير :-
” أعتقد إنه لا يرغب أن يفصح عن كافة ممتلاكته للجميع … عمار ذكي جدا و مراوغ جدا … هو يدرك جيدا إن لديه أعداء حوله ينتظرون الفرصة المناسبة للتخلص منه لذا يمتنع عن كشف كافة أوراقه للناس حوله … هو يكتفي بإدارة شركة والدك وأملاكه بينما يعمل سرا في شركته الخاصة والتي جعلها في ظرف سنوات من أقوى الشركات في مجال عملها دون أن يعلم أحد حتى الآن إنها ملكه هو وبالتالي إذا ما أراد أحدهم الإيقاع به وإستطاع فعل ذلك سيكون لدي عمار بديل يستخدمه ويظهره للعلن حالما يحتاج الى ذلك …”
” كيف علمت إذا بأمر الشركة …؟!”
سأله نديم بدهشة ليبتسم كنان بمكر وهو يجيبه :-
” هناك من أخبرني عن شخص ما يعرفه عمار جيدا … قالها بالصدفة البحتة فتعجبت من المعرفة التي تربط عمار بذلك الشخص …”
سأله نديم بفضول :-
” من ذلك الشخص ..؟!”
رد كنان وهو يرتشف القليل من قهوته :-
” طبيب مشهور إسمه مصطفى غانم ….”
أضاف بجدية متذكرا كيف عرف هوية الطبيب من مريم التي رأته ذات مرة وهو يعالج عمار بعدما أصيب بطلق ناري وهو يدافع عنها لتخبره عن ذلك الطبيب الذي ذهب عمار إليه خصيصا ليعالجه وقد عرف كنان الطبيب فورا :-
” أخبرني أحدهم إن هناك علاقة قوية تجمع مصطفى بعمار فقررت البحث لأتفاجئ بأن شقيق مصطفى هو مالك تلك الشركة الضخمة والغريب إنني عندما بحثت خلف مصطفى وشقيقه أدركت إنهما ليسا بذلك الثراء الذي يجعل أحدهما يؤسس شركة ضخمة كهذه فبدأت شكوكي تزداد ومع البحث تأكدت من ذلك …”
هز نديم رأسه بتفهم ثم سأله :-
” أنت سوف تستخدم أمر الشركة ضده إذا …؟!”
أومأ كنان برأسه بإيجاب ليسأله نديم مجددا :-
” ولكن كيف ..؟! هل هناك شكوك حول عمل الشركة او ما شابه ..؟!”
هز كنان رأسه نفيا وهو يخبره بإبتسامة ملتوية :-
” إطلاقا .. أعمال الشركة نظيفة تماما ولكن نحن من سنجعلها العكس ..”
ظهرت الدهشة قليلا في عيني نديم ليكمل كنان ببرود :-
” شحنة أدوية فاسدة يتم التبليغ عنها مع كشف ملكية عمار الخولي الشركة فيتم حبسه لأعوام عديدة مع إغلاق الشركة وتدمير سمعته …”
صمت نديم تماما بينما أكمل كنان :-
” هذا الأمر اتركه لي .. أنا سوف أتدبره …”
أضاف وهو يسأل نديم :-
” المهم الآن هو موضوعك … إعتراف عمار الذي سوف يبرئك ويدينه في ذات الوقت ..”
سأله نديم بتعب :-
” وكيف سنحصل عليه ..؟!”
أخبره كنان ببرود :-
” أخبرتك مسبقا … كنان لديه أكثر من نقطة ضعف … أخته أولا وطفله القادم من زوجته شيرين … أنت لا عليك سوى أن تختار أحدا منهما ومن خلاله سوف نجبره على الاعتراف بكل شيءٍ للشرطة ….”
ظهر التردد من جديد في عيني نديم ليضيف كنان :-
” أراك ترددت مجددا .. على أساس إنك لن تكتفي ببرائتك بعد الآن …”
نظر نديم نحوه للحظات قبل أن يحسم أمره قائلا :-
” أنا معك يا كنان … سأفعل ما تقوله … ”
أضاف والظلام يكسوه عينيه وملامحه كليا كما كشت روحه :-
” فأنا لم يعد يكفيني إثبات برائتي وإستعادة حقي المسلوب … أريد تدميره كما فعل معي … أريده يعيش ما عشته ويجرب شعور الظلم عندما يجد نفسه محبوسا بين القضبان بتهمة لم يتركبها ولا يعلم عنها شيئا .. أريده أن يجرب شعوري … أن يجرب شعور الظلم … أن ُيعاقب على ذنب لم يقترفه .. هذا وحده ما سيخفف عني ما عشته وما زلت أعيشه بسببه …”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)