رواية غوثهم الفصل الخامس عشر 15 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الجزء الخامس عشر
رواية غوثهم البارت الخامس عشر
رواية غوثهم الحلقة الخامسة عشر
_ أليس من الخيبات أن يُختصر عمر الإنسان في كلمة “لـماذا” تلك الكلمة التي تتجول في العقل كل لَيلةٍ وكأنها تقف أمام راحته بالمرصاد، لماذا حدث كل هذا من البداية، هل يدك هي التي اقترفت هذا الخطأ، أم أنه حظك المتعثرالذي اوقعك ؟ أم أنك فقط مجرد جسدٍ رخو تضربه الأمواج كما تشاء؟ إذا كانت الرياح تأتي بما لا تشتهيه السُفن، فرياح طريقي دومًا تأتي كما يشاء الآخرون وفي نهاية الأمر أقف أنا المهزوم…وقلبي مكلوم.
ظهرت اللهفة في نظراته بعد حديث “أيوب” فيما ابتسم الأخر من جديد ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_اللي ليك عندي عزومة حلوة في بيت العطار و طاجن بامية من أيدي، والفخار نفسه صناعة أيدي أنا، أظن كدا لو موافقتش يعني هفهم إنك مش طايقنا.
تنهد “يوسف” مُطولًا ثم قال بنبرةٍ جامدة يحاول توصيل تهديده لهم:
_أظن أنا مش جاي هنا علشان اتعزم، أنا جاي هنا علشان أخد اللي ليا وامشي، وأنا متأكد أنهم هنا، ومتأكد أنكم عارفين طريقهم، يعني كتر خيري أني مستحمل كل دا من غير ما استخدم أي طريقة تانية ومراعي أني ضيف هنا.
اتصف “أيوب” بالقوة وهتف مؤكدًا من خلال اتكائه على أحرف كلماته:
_وعلشان تاخد اللي ليك لازم تكون تستحقه، صدقني مش من مصلحتنا نخبي عليك، بس دي حياة ممكن تتهد، ليه مقتنع اننا هنأذيك؟؟ طب بالله عليك دا شكل واحد يأذي ؟؟
سأله بمزاحٍ جعل “يوسف” يمعن نظره في وجهه حتى بدا مُتخبطًا ليستغل “أيوب” تخبطه هذا وقد نزل ببصره على الشطيرة في يده ثم رفع بصره من جديد يقول بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم ببشاشةٍ:
_تعالى معايا دوق عمايل ايدي، مش هتندم.
تنهد “يوسف” بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ رخيمة:
_اتفضل لحد ما أغير هدومي.
دلف “أيوب” براحةٍ وهو يبتسم له، ثم أغلق الباب، بينما “يوسف” طالعه بنظراتٍ مُتفرسة ثم قرر الانسحاب من أمامه للداخل، بينما “أيوب” تبدلت نظراته إلى الغموض وكأن كلٌ منهم يحاول سبر أغوار الأخر ليبدأ في صد مناوشاته إذا بدأ حرب الكر والفر.
________________________
تلك الدهشة التي احتلت نظراتهم جعلتهم ينظرون لبعضهم البعض، فيما آثر “إيهاب” الثبات والاتسام بالهيبة كما عادته ليقول بتهكمٍ:
_نورت يا عم، بس بصراحة نورك مش على هوانا.
سحب “سراج” مقعدًا يجلس عليه بوضع مُعاكس ثم قال بسخريةٍ واضحة على ملامحه:
_ليه بس يا عمهم ؟؟ دا أنا جاي أقولك كفارة و مبروك، معلش بقى معرفتش اجيبلك زيارة في السجن، أصل الحلاوة غليت، وبصراحة استخسرتها فيك.
رفع “إيهاب” رأسه بشموخٍ يقول باتكاءٍ على كلماته:
_و الحلاوة اللي تيجي منك مُرة زي شوك التين الشوكي كدا، يعني بلاها طالما هتعورك، وبعدين كفاية حلاوة اللي خلفوك علشان يجيبوا الإنتاج دا ويطل علينا كدا.
حرك رأسه موافقًا باستفزازٍ ثم قال ببرودٍ ثلجي:
_قولي صحيح، “يوسف” فين ؟؟ سمعت أنه بقى مُقيم.
مال “إيهاب” على مكتبه يقول مُحذرًا له بنبرةٍ هادئة:
_طلعه من دماغك بقى، هتفضل حاطه كدا في راسك؟؟
رد عليه الأخر مغتاظًا بنبرةٍ جامدة وكأنه أوشك على الانفجار منفعلًا:
_أنا برضه ؟؟ هو اللي جه عليا، دخل جهة الغرب ليه؟؟ ما كان كل دا هو اللي ممشيه، لازم يحشر نفسه في حقي ؟؟ استكتر عليا أني أنجح ؟؟
هتف “إيهاب” مُعدلًا على حديثه بسرعةٍ:
_عندك بس يا غالي، أنتَ اللي خونت الأمانة اللي اتوصيت عليها، وأنتَ اللي خدت “إسماعيل” على أساس أنه يروح لحبايبك ويطلعلك الآثار من تحت الأرض، و “يوسف” قال اللي شافه، الحج حلفه على مصحف ربنا وهو مكدبش، أنتَ كنت وسطنا وكنا خمس أخوات بس أنتَ بقى اللي الغدر في دمك، خونت العيش والملح، وبعت صحابك، وأظن أنتَ تربية نزلة السمان وعارف، الخيل المعووج حله ضربة تعدله، وضربتك هي أنك تفضل لوحدك.
شعر “سراج” بوضاعته وضئالة حجمه أمامه حتى بدا وضيعًا، لذا وقف وترك مقعده وهو يقول بتهديدٍ صريح:
_ماشي…ماشي يا “عمهم” بس أنا مش هسكت، وزي ما بيقولوا يا واكل أوتي يا ناوي على موتي، يعني يا قاتل يا مقتول.
حرك “إيهاب” رأسه موافقًا يثير استفزازه ثم أضاف بنفس البرود هو الأخر:
_ابقى بس قولي تِدفن صبح ولا ليل ؟؟.
أبتسم الأخر ساخرًا يستخف به ثم تحرك خطوتين وعاد من جديد يسأل باهتمامٍ:
_”نور” فين؟؟ أكيد هو اللي عارف مكانها صح؟؟
تدخل “إسماعيل” يقول بنبرةٍ جامدة:
_يابني طلاق تلاتة ماحد يعرف مكانها، ليه مصمم إن معمول عليك نظرية المؤامرة ؟؟ محدش هيخبيها عنك.
يعلم أنهم محقون لذلك قرر الإنسحاب من مكانهم وقبل أن يتحرك قيد أنملة أوقفه “إيهاب” يقول بنبرةٍ جامدة:
أنا هحدف الكلمة وخليك صياد وألقطها، اللي يخصوا “إيهاب الموجي” خط أحمر حتى لو كان “ميكي” اللي في بيت الحج، اللي يخصوني لأ، علشان مترجعش تزعل، أظن أني أول حد علمك إزاي تجيب حقك يوم ما علمتك تفتح المطواة، وأظن كدا المعلم يوم ما بيرجع يعلم بيعلم بالجامد أوي.
تحرك “سراج” من المكان بعدما رماهم بسهام عينيه وكأنه يستخف بحديث “إيهاب” الذي تابع تحركه بحسرةٍ حتى قال “مُـحي” بسخريةٍ:
_هيفضل عمره كله يبكي على الاطلال ؟؟ ماهي سابت مصر كلها ومشيت خلاص.
رد “إيهاب” بقلة حيلة يُرثي حال الأخر:
_الخيبة ملهاش وقت، والواد دا خيب نفسه، جري ورا الفلوس، بس لو فكر ييجي جنب “يوسف” آخرته عندي يترمي في أوضة الخيول ميخرجش منها غير وهو متربي.
_______________________
وصل “يوسف” بيت “عبدالقادر” مع “أيوب” بعدما قرر الاستسلام أمام سلطتهم عليه، وقبلها كان يسير بجوار “أيوب” صامتًا يضع كفيه في جيبيه، والأخر يسير هادئًا والنظرات تتعبهما وخاصةً ذلك الغريب الذي يسير بجوار شيخ منطقتهم.
فتحت “وداد” الباب لهما ورحبت بهما، فيما قال “ايوب” بوجهٍ مبتسمٍ:
_السلام عليكم يا ست “وداد” الغدا جِهز ؟؟
حركت رأسها موافقةٍ وهي تضيف بتأكيدٍ:
_ جهز من بدري يا أستاذ “أيوب” والحج مستنيك.
حرك رأسه موافقًا ثم التفت للأخر يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_حظك حلو الحج بنفسه مستنيك، يلا.
دلف معه “يوسف” فلمح “آيات” تأتي من الداخل بلهفةٍ وقد أثارت هيئتها تعجبه كما أنه ثبت أنظاره عليها وحينما وجدته اخفضت رأسها بخجلٍ وقالت بصوتٍ مهتزٍ:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…ماكنتش أعرف إنك مش لوحدك، عاوزاك ثواني يا “أيوب”.
رد عليها بنبرةٍ هادئة وخاصةً حينما لمح نظرة “يوسف” لها وفهم تفكيره:
_ولا يهمك يا “آيات” ادخلي وأنا جاي وراكي بس هدخل “يوسف” عند الحج الأول.
تحركت شقيقته نحو الداخل بينما هو لاحظ تتبع “يوسف” لها ففهم عليه لذا هتف من خلفه بثباتٍ:
_مش دي اللي في بالك، احنا مش وحشين أوي كدا.
التفت له “يوسف” يطالعه بنظراتٍ تحمل عدة مشاعر غلفتهم الدهشة فكيف فهم “أيوب” ما يفكر به هو، بينما الأخر قال بوجهٍ مبتسمٍ يخبره كيف استطاع قراءة نظراته:
_دي أختي أنا، أختك أنتَ هتلاقيها إن شاء الله قريب، خلي أملك في ربنا كبير ثم ثق فيا ماشي؟؟
هتف “يوسف” بنبرةٍ متألمة على الرغم من محاربته لجعلها ثابتة و قوية:
_صدقني أنا غريق و ظهورهم هو القشاية اللي هتنجدني، لو تقدر أو تعرف مكانهم بجد، قولي، وبلاش تقولي هندور علشان أنا واثق إنهم مش في حارة العطار بس موجودين في مكان تاني.
تنهد “أيوب” بعمقٍ ثم وقف مقابلًا له وهو يقول بنبرةٍ هادئة يحاول بهذه الطريقة التوصل لفهم تفكير الأخر:
_قولي لو لقيتهم هتعمل إيه؟؟ هتاخدهم؟؟
حرك رأسه موافقًا ثم هتف بتأكيدٍ بصوته الأجش:
_آه….هاخدهم أعوضهم عن كل حاجة وكل لحظة ولو فيه حاجة هتخليني مقتلش عيلة “الراوي” هيبقى وجودهم هما في حياتي.
سأله “أيوب” من جديد باهتمامٍ جليٍ في محاولةٍ أقوى لسبر اغواره:
_طب لو أختك طلعت متجوزة ؟؟ وجوزها رفض هتعمل إيه؟
أندفع “يوسف” بدون تعقل يسأله بنبرةٍ جامدة:
_هي ممكن تكون نسيتني لدرجة تخليها تتجوز وهي عارفة أني عايش؟؟ أمي ممكن تعمل كدا بجد ؟؟
حرك رأسه نفيًا وهتف بهدوءٍ عجيب في هذا الموقف:
_إطلاقًا، أنا بسأل بس وبحط معاك احتمالات لحد مانوصل سوا، ياعم لو لقيتها مش متجوزة هتجوزها أنا، مرضي كدا؟
أبتسم “يوسف” بعينيه وهتف بخبثٍ بعدما فهم الأخر:
_نلاقيهم بس وبعدها يحلها ربنا، بس ماظنش أني هفضل هنا لحد ما أختي تتجوز لأنها هتمشي معايا.
تهجم وجه “أيوب” وفهم أن هذا الواقف أمامه ماهو إلا حصنًا منيعًا يُصعب عليك إختراقه، لذا استمرت النظرات بينهما سويًا حتى قطعها “ييشوي” بقوله مُتعجبًا من وقوفهما مقابل بعضهما:
_انتوا واقفين كدا ليه؟؟ الحج مستني بقاله كتير.
انتبه له الإثنان فأخرج “أيوب” زفيرًا قويًا ثم هتف بهدوء:
_جايين وراك أهو، “أيهم” وصل ؟؟
حرك رأسه نفيًا ورد بتخمينٍ:
_لأ أظن كدا هيتأخر، بس قرب يعني أنا كلمته.
تقدم “أيوب” خطوة للأمام وقال بهدوء:
_عن إذنك يا “يوسف” هروح أشوف أختي وأرجعلك تاني.
تحرك بعد حديثه، فيما اقترب منه “بيشوي” يقول بنبرةٍ هادئة و وجهٍ مبتسمٍ:
_اتفضل الحج مستنيك من بدري، ماظنش إنك فاكرني.
أبتسم “يوسف” وهتف بنبرةٍ هادئة:
_”بيشوي جرجس يوحنا” عارفك وحافظك.
ربت “بيشوي” على كتفه ثم أشار له على باب المندرة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_الحج بيصلي علشان معرفش يروح الجامع، هنستناه في المندرة، ولا تحب الجنينة أحسن ؟؟
سأله “يوسف” بتعجبٍ:
_جنينة ؟؟ هو فيه هنا جنينة ؟؟
حرك رأسه موافقًا ثم شبك كفه في مرفق الأخر وهو يقول بمرحٍ:
_لأ كدا تيجي تشوفها بقى، هواها يرد الروح.
سار معه “يوسف” بخضوعٍ كمن ترك نفسه للموج يحركه كيفما شاء، لكن ما أثار تعجبه بحق هي الراحة النفسية التي يشعر بها، حالة غريبة كليًا عليه وبدا أمام نفسه مُطمئنًا، البيت نفسه مجرد أن وطئته قدماه شعر بسكينةٍ تجتاحه وكأنه هنا منذُ صِغره.
أشار له “بيشوي” بعد وصوله الحديقة على مساحتها وهو يقول بفخرٍ أو ما شابه ذلك:
_دي جنينة البيت هنا، ذوقي أنا و “أيهم” و “أيوب” أحلى جزء في البيت كله، وهنا “أيوب” بيحفظ العيال القرآن، ودا سبب مخليهم كلهم يحبوا ييجوا هنا، ومتأكد إنك هترتاح هنا.
حرك رأسه موافقًا بشرودٍ وتعلقت عيناه بالصغيرين الجالسيْن على الأرجوحة، فتذكر معاملته لهما، لذا اقترب منهما يجلس أمامهما وهو يقول بوجهٍ مبتسمٍ:
_انتوا اللي كنتوا عند البيت صح؟ أظن كدا “إياد” و “أبانوب” ؟؟ صح برضه ؟؟
حرك كلاهما رأسه موافقًا بضحكةٍ واسعة، فيما أضاف “إياد” بسخريةٍ:
_ولا نخليهم “حسن” و “مرقص” أحسن ؟؟
ضحك “يوسف” رغمًا عنه، فاقترب “بيشوي” يقول بضجرٍ منه:
_يابني بطل لماضة أبوك دي.
تحدث “يوسف” بلطفٍ للصغيرين:
_المهم يعني أنا ماكنتش اعرفكم، علشان محدش يقول عليا رخم، أنا اسمي “يوسف” وأكيد يعني عارفيني صح؟؟
تحدث “أبانوب” بلهفةٍ:
_ايوا خالو قال نسلم عليك، علشان كدا روحنالك.
عقد “يوسف” مابين حاجبيه وردد مستنكرًا:
_خالو !! مين دا ؟؟
هتف “بيشوي” مُعرفًا نفسه بقوله:
_أنا، “أبانوب” يبقى ابن أختي وليه أخت توأم اسمها كاتي.
اعتدل “يوسف” يقف بجواره وهو يقول بوجهٍ مبتسمٍ:
_ربنا يخليهملك ولأهلهم.
قبل أن يهم الأخر بالرد عليه سحبه “إياد” من كفه يجلس على الأرجوحة بجوارهما وهو يقول بحماسٍ:
_اقعد هنا معانا احسن من الكراسي.
جلس “يوسف” بجواره وهو يضحك رغمًا عنه فقال “بيشوي” براحةٍ ظهرت في صوته وهو يضحك:
_طب كدا فُل أوي أنا اطمنت على علاقتكم ببعض.
دلف “أيوب” في تلك اللحظة لهم وقد أبتسم ما إن لمح “يوسف” بجوار الصغيرين، ثم عاد للداخل من جديد.
______________________
جلس “أيهم” مع “شلبي” و معهما “نهال” تتابع عمل والدها والاتفاق الدائر بينهما، حتى نطق “أيهم” بنبرةٍ هادئة وأدبٍ:
_طب كدا إحنا بمشيئة ربنا اتفقنا على كل حاجة، ولو فيه أي مشاكل في أسعار الخامات ممكن تتكلم مع الحج هو أفضل مني بكتير، أهم حاجة أنكم تكونوا مرتاحين.
هتفت “نهال” بلباقةٍ وطريقةٍ جادة عملية:
_بالعكس أنا مش شايفة إن الأسعار فيها مشكلة، وحاسة إن معمول معانا واجب جامد اوي، يعني مقارنةً بالتجار التانيين.
انتبه لها “أيهم” فقال بنبرةٍ هادئة:
_الفكرة إن الحج كل غرضه يسهلها على التاجر ويتقي ربنا في المستهلك، غير كدا الحج يعني طول عمره صاحب واجب.
ابتسمت له بمجاملةٍ فيما وقف هو يقول بنبرةٍ ودودة عملية:
_هستأذن أنا بقى علشان متأخرش ويدوبك علشان “إياد” زمانه خرب الدنيا هناك.
انتبهت له بلهفةٍ فسألته بدون تعقل:
_مجبتهوش معاك ليه؟؟ كنت عاوزة أقوله أني آسفة علشان معرفتش اتكلم معاه المرة اللي فاتت.
ظهر الأسف على ملامحه لذا هتف بتوترٍ:
_بصراحة هو كان عاوز ييجي بس أنا عارف إنه هيفضل يحقق معاكي، خصوصًا إن نقطة ضعفه دموع حوا.
أنهى حديثه بالمزاح ليضحك كلاهما، فيما أضافت “نهال” برجاءٍ:
_ممكن تجيبوا مرة تانية معاك ؟؟ أنا حبيته أوي.
حرك رأسه موافقًا وهتف يوعدها بقوله:
_حاضر وعد مني إن شاء الله هجيبه، بس تستحمليه.
انتفضت تقول بحماسٍ غطته اللهفة:
_هستحمله، بس هاته ومتقلقش، بجد عاوزة اعتذرله أني معرفتش اتكلم معاه، قوله “نهال” بتسلم عليك.
حرك رأسه موافقًا فسأله والدها بنبرةٍ هادئة:
_أنا كنت عرفت إن فيه خلافات بسبب والدته، طمني الدنيا خلصت بينكم؟؟
أبتسم له “أيهم” ورد بقلة حيلة:
_والحمد لله إنها خلصت، المهم عندي إن ابني يكون مرتاح.
حرك رأسه موافقًا فيما تابعته “نهال” بعينيها حتى استأذن منهما ورحل في هدوء وهي تتابعه بعينيها فنطق والدها بصوتٍ رخيم:
_ربنا يكرمه الحج مربي التلاتة يخلي أي حد يتشرف بيهم، بس للأسف ابنه الكبير ملوش حظ في جوازته، وبنته طلع عريسها طماع، ربنا يعوضهم خير.
رددت خلفه بشرودٍ حزين:
_يا رب….هما وكل واحد قلبه وجعه.
_________________________
عاد “إيهاب” إلى بيته بمفرده بدون الشباب، ومر على فناء البيت الرملي الواسع وقد قابله “نَـعيم” صُدفةً فنادىٰ عليه بنبرةٍ جامدة جعلته يقترب منه يقول مُتعجبًا:
_نعم يا حج اؤمرني، خير ؟؟
سأله “نَـعيم” وهو يتفرس ملامحه بنظراتٍ ثاقبة:
_مزعل مراتك ليه ؟؟ لسه بنقول يا هادي.
تنهد “إيهاب” مُطولًا ثم هتف بنبرةٍ جامدة يدافع عن نفسه:
_يا حج مبتسمعش الكلام، وكمان أنا مزعلتهاش قولتلها هنخرج سوا نروح مشوار ورجعت متأخر، لحقت تشتكي؟
أخرج “نَـعيم” زفيرًا قويًا وقال بنبرةٍ خافتة:
_لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قبل أن يتحدث “إيهاب” من جديد أوقفه “نَـعيم” بقوله:
_بص يابني قُصر الكلام، مراتك ملهاش حد، وأظن أنتَ عارف كويس أوي ظروفها، يعني محدش فهمها وخد بإيدها، البت حباك وشايفة فيك الدنيا كلها، بلاش تقسى عليها، وياريت متروحش تقولها إنها قالتلي، لو زعلتها يمين بالله لأطردك برة البيت وتفضل هي هنا لحد ما تتربى.
ضحك “إيهاب” رغمًا عنه وهتف بنبرةٍ هادئة لازال بها أثر ضحكاته اليائسة:
_حاضر يا عمنا، لأجل عينك بس، أنا مفيش حُرمة تستعصى عليا، بس علشان دي مش أي حد، دي سمارة القلب.
ضحك “نَـعيم” له ثم ربت على كتفه مُستحسنًا، ثم سأله وكأنه تذكر لتوه حتى بدا حديثه مُتلهفًا:
_قولي صح، الواد “مُـحي” عامل إيـه؟؟ ماشي كويس؟
تحدث “إيهاب” بتهكمٍ يرد عليه ناطقًا:
_جوزه يا حج، ابنك ماشي بسجل حريم، ولا حريم السلطان.
ضحك “نـعيم” رغمًا عنه وهتف بقلة حيلة مُستسلمًا:
_ماهو العِرق دساس يا عمهم، ودا واخد عِرق عمه، ربنا يهديه لنفسه بقى أنا تعبت من هبله دا.
تحرك “إيهاب” من أمامه نحو شقته في البناية المجاورة وقد ولج شقته يتوعد لها ويمازحها لو قليلًا لكنه تفاجأ بها تبكي على الأريكة، فاقترب منها يسألها مُتعجبًا:
_بتعيطي ليه ؟؟ عمرك ما عيطتي قبل كدا من ساعة ما جيتي هنا.
مسحت دموعها ثم هتفت بنبرةٍ باكية حتى خرج صوتها مُختنقًا:
_ مخنوقة شوية، هتاكل أقوم أسخنلك ؟؟
عقد مابين حاجبيه مستنكرًا ثم سألها باهتمامٍ:
_مالك يا بت؟؟ حد هنا زعلك ؟؟ قولي وأنا أجيب رقبته تحت رجلك هنا، أنا مبحبش أشوفك زعلانة، بحس أني مليش لازمة.
ردت عليه ببكاءٍ عاد لها من جديد:
_النهاردة سنوية أمي الله يرحمها، افتكرتها وعمالة أعيط…. أنا اتبهدلت بعدها أوي….محدش عمره حن عليا غيرها، صحيح مش فاكرة منها كتير بس نفسي أوي تحضني، عامل زي حضن الأم يا “إيهاب” أنا مجربتوش.
كانت تتحدث بوجعٍ وقهرٍ جعله يتأثر بسببها لذا رفع كفه يمسح وجهها ثم قبل رأسها بعمقٍ قُبلةً مطولة ونظر في وجهها يقول بنبرةٍ هادئة تُنافي طباعه الجامدة حتى لمعت العبرات في مُقلتيه:
_كان نفسي أواسيكي وأقولك كلام يهون على قلبك بس مش بعرف والله، يمكن أنا كنت إنسان لحد ما أمي ماتت ومن بعدها اتذليت أنا وأخويا، الحال من بعضه يابنت الحلال، بس والله العظيم لو بإيدي هشيل الحزن كله من سكتك وأفرشهالك بالفرح بس.
ابتسمت له حتى ضمها له يربت على ظهرها ثم هتف بنبرةٍ هادئة وقد عاد له مرحه:
_قومي يلا استهدي بالله علشان ننزل سوا نجيبلك حاجات حلوة علشانك، يلا ولا هتروحي تشتكيني تاني للحج؟؟ يلا يا عمنا قوم.
اتسعت ضحكتها وهتفت تمازحه بقولها حتى تُبريء نفسها:
_هو اللي شافني مكشرة وسألني، قولت ألبسها فيك وخلاص، غلطت يعني يا عمهم ؟؟.
ضحك لها وحرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ مرحة:
_والله مافيه عمهم غيرك أنتِ، قومي يلا لحد ما أغير هدومي وننزل سوا علشان عيونك الحلوين.
تحركت من جواره بلهفةٍ وهي تقول بحماسٍ:
_طيارة وهجيلك اوعى تمشي من غيري، هجرسك.
ضرب كفيه ببعضهما ونطق بذهولٍ من حديثها:
_البت دي إيه؟؟ مخاوية؟؟
_______________________
في بيت “عبدالقادر” التف بالشباب حول مائدة الطعام ومعهم “يوسف” أيضًا فنطق الأخر يحثهم على تناول الطعام بقوله:
_محدش فيكم هنا غريب، كلوا واشبعوا علشان “يوسف” ياكل معاكم هو كمان، دا بيتك يا “يوسف” أنتَ مش غريب.
رد عليه بنبرةٍ هادئة وأدبٍ تقديرًا لمكانته بينهم:
_شرف ليا يا حج طبعًا، بس أنا غريب عن نفسي.
تحدث “إياد” بلهفةٍ:
_خليك معانا وصاحبنا، بدل ما تفضل غريب، إيه رأيك؟؟
أبتسم له “يوسف” وحرك رأسه موافقًا فيما نطق “عبدالقادر” بحديثٍ يعلم مدى تأثيره على الأخر:
_للأسف “يوسف” قرب يمشي خلاص، كبيره هنا كام يوم.
انتبه له “يوسف” فحرك “عبدالقادر” رأسه موافقًا يؤكد له مقصد حديثه وفي تلك اللحظة شعر “يوسف” بفؤاده يخترق قوانين الثبات والتنازع في ضرباته حتى كاد يصدق أنه سيخرج من محله، فأمعن “أيوب” النظر في وجهه وابتسم له بصفاءٍ.
بعد مرور بعض الوقت تناول “يوسف” الطعام وسطهم في جوٍ تملئه الأُلفة والأنسٍ ثم استأذن منهم وخرج يتوجه لشقته وقد تركه “عبدالقادر” حتى لا يشعر أنه كما السجين في المنطقة، بينما الأخر تتوق للحظة لقاءه بوالدته وشقيقته وقد سار لبيته على قدميه وقبل أن يلج شقته صدح صوت هاتفه برقم “نَـعيم” فأخرج هاتفه يرد عليه بقوله:
_أنا بخير يا حج متقلقش، وخلاص قربت ألاقيهم، على حسب كلامه يعني هتبقى مسألة أيام، ادعيلي.
رد عليه “نَـعيم” مُستحسنًا حديثه:
_طب الحمد لله، استحمل يا “يوسف” هانت كلها حاجات بسيطة وإن شاء الله تكونوا سوا ومع بعض، توكل على الله يابني وافتكر إن سيدنا “يوسف” رجع عزيز مصر بعد اللي حصله من أهله.
زفر “يوسف” بعمقٍ وهتف بقلة حيلة:
_بس أنا مش عاوز حاجة غير أمي وأختي، مش صعبة دي على واحد زيي طفح الدم في حياته، طول عمري مفيش حاجة واحدة نصفتني، أنا خلاص فاض بيا ويوم ما هقلب هبقى زي الطوفان يحرق الكل.
تحدث “نَـعيم” يهدئه بقوله:
_وحد الله بس وادعي ربنا يهون على قلبك وخليك فاكر إنك أنتَ اللي محتاج “عبدالقادر” مش هو، يعني اتعامل معاه بهدوء.
رد عليه “يوسف” مُستسلمًا كمن لا يملك حيلة:
_مش قدامي غير كدا، بس عاوزك تكلملي الشغل، اتصرف معاهم وقولي هيقولولك إيه، أنا بقالي سنتين عندهم مباخدش أجازة، حقي دلوقتي بقى.
وافقه “نَـعيم” وخضع لحديثه، فيما أغلق معه “يوسف” ثم قرر الاختلاء بنفسه فوق سطح البيت في الهواء الطلق، لذا تحرك بخطواتٍ هادئة للأعلى فوجد الباب مواربًا وقبل أن يدخله توقف مشدوهًا حينما اخترق أذنه صوتٌ جعله القشعريرة تسير بجسده والكلمات الآتية تحتل سمعه:
_بيعز عليِّ غني يا حبيبي…. لأول مرة ما بنكون سوا…سألوني الناس عنك يا حبيبي….كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا…بيعز عليِّ غني يا حبيبي لأول مرة ما بنكون سوا….سألوني الناس عنك سألوني….قولتلهن راجع وعاتبوني….غمضت عيوني خوفي للناس يشوفوك مخبأ بعيوني….وهب الهوا…بكاني الهوا…. لأول مرة ما بنكون سوا.
لم يقو على ردع نفسه من التحرك نحو الداخل حيث مصدر الصوت ليجد أمامه فتاةً تسقي الزرع وهي تغني بصوتها العذب، وفي نفس الآن شعرت “عهد” بظل أحدهم يقترب من مكانها فارتعدت أوصالها خوفًا من جلادها المزعوم، لذا التفتت على الفور ترفع دلو سقاية الزرع وكأنها تُحصن نفسها من غدر الأخر حتى وجدت “يوسف” يقول بسخريةٍ:
_يا بنتي أنتِ عليكي تار؟؟ ليه مصممة أنهم هيغتالوكي؟
تنهدت بعمقٍ ما إن وجدته هو أمامها وقالت بثباتٍ لم تعلم من أين أتت به:
_على فكرة مش هعمل كدا من اللاشيء يعني، بس الفكرة إن فيه واحد حيوان لازم أكون جاهزة في أي وقت علشان لو فكر يعمل حاجة، بس خير طالع هنا ليه؟؟ مش حضرتك هنا مؤقت؟؟
لاحت ابتسامة على شفتيه وأدها مُسرعًا وقرر استفزازها بقوله:
_والله أنا حُر…بيتي يا ستي هتشاركيني؟؟
سخرت منه بملامحها والتفتت توليه ظهرها تُكمل سقاية الزرع ليسألها هو بدون تمهل خاصةً بعدما علق صوتها بأذنه:
_هو أنتِ بتحبي “فيروز” ؟؟
عقدت ما بين حاجبيها والتفتت تسأله باستنكارٍ:
_نـعم ؟؟
سألها من جديد بتفسيرٍ أكثر:
_بتحبي أغاني “فيروز” ؟؟ أصل سمعت صوتك وأنتِ بتغني، وصوتك قال إنك بتحبيها.
ضحكت بخفةٍ وسألته بسخريةٍ:
_يعني هو صوتي قالك إني بحبها؟؟ ما يمكن صدفة.
حرك كتفيه وقال مُجاريًا لها:
_يمكن….بس “فيروز” دي مش أي حد يعرف يجيب إحساسها غير لو كان حد فعلًا بيحبها….متأكد إنك بتحبيها.
أمعنت نظرها في وجه ذلك الغريب الذي اخترق مكانها بطريقته الغريبة وغموضه_ الغير مفهوم_ بينما هو كاد أن يتحرك لكنه تفاجأ بطفلةٍ صغيرة تركض نحوها بلهفةٍ وهي تقول:
_يلا يا “عـهد” علشان ناكل، ماما طالعة بالأكل.
حركت رأسها موافقةً فنظرت له الصغيرة باستفسارٍ وسألتها بتعجبٍ من تواجده:
_مين دا يا “عـهد” ؟؟
ردت عليه بقلة حيلة وكأنها تخبره بضيقها من تواجده:
_للأسف دا جارنا الجديد، وشكله مطول هنا.
سألته الصغيرة بنبرةٍ ضاحكة:
_ شكلك حلو أوي أنتَ اسمك إيه؟؟
أبتسم لها وأخفض نفسه لمستواها قائلًا بلطفٍ:
_أنتِ اللي حلوة أوي، أنا اسمي “يوسف”.
مدت الصغيرة يدها وهي تقول بحماسٍ:
_اسمك كمان حلو أوي، أنا اسمي “وعـد”
عقد مابين حاجبيه وسألها مُبتسم الوجه بتعجبٍ:
_”وعـد” ؟؟ اسمك حلو أوي.
اتسعت ابتسامة الصغيرة فيما تذكر هو اسم الأخرى لذا هتف بسخريةٍ:
_”عـهد” و “وعـد” ؟؟ هو الحج كان عليه التزامات كتيرة ولا إيه ؟؟.
أصدرت “عـهد” صوتًا من فمها يدل على ضجرها منه، فيما وقف هو مرةً أخرى وقال بتهكمٍ:
_اتعلمي الذوق من العسولة الصغيرة دي، بدل ما نتعامل بالسكاكين علطول، ولا إيه يا عسولة؟؟
تنهدت بعمقٍ تصبر نفسها على هذا المتطفل فدلفت إمرأة تقريبًا في بوادر عقدها الرابع من عمرها، كما أن السن لم يظهر عليها بعد وتحمل في يدها صينية طعام وهي تقول بنفاذ صبرٍ:
_كل يوم شحططة وتعب قلب كدا علشان ناكل لقمتيـ…
بترت حديثها بعدما رأت “يوسف” يقف في مكان فتياتها فسألته بتعجبٍ:
_نعم ؟؟ مين حضرتك ؟؟
هتفت “وعد” بنبرةٍ ضاحكة وفرحة غريبة:
_دا “يوسف” يا ماما جارنا الجديد.
اقتربت “مـي” تضع الطعام على الطاولة وقالت بخجلٍ:
_أنا آسفة معرفهوش والله، نورت يا أستاذ.
حرك رأسه موافقًا فهتفت “عهد” بنفاذ صبرٍ وانهاكٍ:
_يلا يا ماما علشان ناكل أنا راجعة تعبانة من شغلي.
حركت رأسها موافقةً فيما ردد “يوسف” لنفسه بتعجبٍ:
_ماما ؟؟ ماما إزاي ؟؟
انتبه لصوت والدتها وهي تقول بلطفٍ:
_اتفضل كُل لقمة معانا، الجار للجار.
أبتسم لها ورد عليها بلطفٍ يقول:
_ألف هنا وشفا، سبقتكم والله الحمد لله.
ردت هي تعرض عليه بطريقةٍ أكثر مرحًا:
_احنا نُضاف والله وبشهادة الكل، متقلقش.
ضحك بخفةٍ وهتف بصدقٍ لها:
_مش مسألة نضافة والله بس فعلًا أنا واكل عند الحج “عبدالقادر” كنت معزوم هناك، مرة تانية إن شاء الله.
حركت رأسها موافقةً فهتفت “وعـد” بلهفة تذكر اسم والدتها:
_”مــي” ينفع لما أكل أنزل أجيب حاجة حلوة ؟؟
هتفت “عـهد” من خلفها برفضٍ:
_لأ مش هينفع، الدنيا بقت ليل خلاص، بكرة وأنا رايحة الشغل هاخدك تجيبي اللي عاوزاه، ويلا خلونا ناكل بقى.
تنحنح “يوسف” يُجلي حنجرته ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_عن اذنكم بقى مضطر أنزل.
تحرك من المكان و “عهد” تنظر في أثره بدون إكتراثٍ حتى اختفى من المكان فهتفت والدتها بندمٍ من فعل ابنتها:
_الراجل شكله محترم، اقول عليكي إيه افتكرته قليل الأدب من كلامك عنه، أنتِ ظالمة يابت.
ابتسمت “عـهد” بسخريةٍ وقالت:
_اقعدي كلي يا “مـي” خلينا نشوف أخرتها.
جلست والدتها وهي ترمقها بغيظٍ وجاورتها الصغيرة فيما أخرجته “عهد” من رأسها تمامًا وركزت في طعامها خاصةً بعد استفزازه لها بطريقته الغريبة.
_______________________
في جنينة بيت “العطار”
جلست “آيات” بجوار “مهرائيل” و “مارينا” على الأرجوحة، فقالت “مهرائيل” بخبثٍ بعدما لاحظت شرود الأخرى:
_سرحانة في إيه ؟؟ بت ؟؟ أوعي تكوني بتخبي عليا.
ردت عليها “آيات” بقلة حيلة:
_عمري عرفت أخبي عنك حاجة؟؟ بس بصراحة أنا حاسة إن فيه حاجة غريبة بتحصل، حاسة أني مرتاحة بطريقة غريبة أوي لموضوع “تَـيام” عارفة؟؟ كأن بالظبط هو دا اللي أنا مستنياه، صحيح مش شبهي بس حاسة أني معاه هكون مرتاحة.
تدخلت “مارينا” تقول بسخريةٍ:
_وهو فيه واحدة بترتاح مع راجل أصلًا؟؟
مالت عليها “مهرائيل” تضربها في مرفقها وهي تقول بغيظٍ:
_بس يا جاموسة….ما صدقنا البت ترتاح الله يهدك.
فصلت “آيات” بينهما وقالت بنفاذ صبرٍ منهما:
_ بس بقى منك ليها، اكبروا شوية.
هدأت كلتاهما فيما هتفت “آيات” من جديد بمشاعر صادقة تسكن فؤادها وتطل من عينيها:
_الفكرة أني مش عاوزة جوازة وخلاص، أنا عاوزة حد أقرب ليا من نفسي، حد مخافش وأنا معاه، يعني أقدر اتكلم قصاده واناقشه، حد أنا وهو نكون لبعض سَكن، وحاجة جوايا بتقولي إن “تَـيام” كدا، وفي نفس الوقت هو غريب وخايفة أكون بتهور.
هتفت “مهرائيل” تُطمئنها بقولها:
_بصي أهم حاجة إنك مرتاحة، أي حاجة تانية دي مش بإيدك، بعدين يعني متزعليش مني غاوية فقر ليه ؟؟ يعني قبل كدا كنتي مش مرتاحة بس مكانش فيه حاجة قوية تخليكي ترفضي، دلوقتي مرتاحة فبتدوري على حاجة تخليكي ترفضي ؟؟ أنــتِ مَــجنونة يــا بـــت ؟؟؟
ردت عليها “آيات” بضحكاتٍ يائسة:
_الله؟؟ مش لازم اعرف أنا بحس بإيه ؟؟ ولا هي كدا وخلاص يعني؟؟ دي حياة بتتأسس يا ستي.
تدخلت “مارينا” تقول بيأسٍ:
_طب أنا عاوزة اتخرج ومش مهم الحياة التانية دي.
نظرت لها كلتاهما فأضافت هي مُعدلة بلهفةٍ:
_لأ متصدقوش، أتخرج بس وهخرب الدنيا.
ضحكت الفتيات عليها، فيما أضافت “آيات” بخبثٍ:
_ألا قولولي خبار أشجار الزيتون إيه ؟؟
تدرج وجه “مهرائيل” بحمرة الخجل وتجاهلت خبث حديث الأخرى التي أضافت:
_ماتردي يا “هيري” ؟؟ أخبارهم إيه ؟؟
اندفعت “مهرائيل” تضربها بوسادة الأرجوحة وهي تقول بغيظٍ منها:
_أنا غلطانة أني باجي أحكيلك كل حاجة، هروح أشرب وخليكي جنب خيبتها دي.
ضحكت الفتيات عليها فيما تحركت هي لداخل البيت بلهفةٍ تهرب منهما بسبب خجلها وهي شاردة بغضبٍ تحاول الثأر منهما حتى اصطدمت به وهو يتحدث في الهاتف وقبل أن ترفع صوتها حذرها بقوله:
_لو رفعتي صوتك هزعلك!! أنتِ الغلطانة.
ارتفعت وتيرة أنفاسها عند رؤيته، بينما هو لاحظ ضيقها فسألها بتعجبٍ:
_مالك ؟؟ هو حد زعلك ؟؟
حركت رأسها نفيًا بعينيها الدامعتين وقالت بنبرةٍ اقرب للبكاء:
_أنا عاوزة أعيط….بجد ومش عاوزة أشوفك تاني.
اتسعت عيناه بدهشةٍ فيما تحركت هي من أمامه نحو المطبخ وما إن وصلت للمطبخ بكت بحرقةٍ بسبب الضغوط التي تعاني منها وبسبب رفض والدها الدائم له حتى باتت تظن أن الموضوع أصبح مُستحيلًا.
راقبها “بيشوي” وقد اندهش من بكائها لذا توجه للحديقةِ مرة أخرى وقال بلهفةٍ للفتيات:
_معلش يا “مارينا” أختك بتعيط وأنا مش عارف هي مالها، ممكن تيجي تشوفيها ؟؟
ركضت كلتاهما نحوها حتى وصلت “آيات” لها وهي تسألها بلهفةٍ:
_بتعيطي ليه إحنا كنا بنهزر والله، مالك بس؟؟
احتضنتها “مهرائيل” وهي تجهش في البكاء وكأنها تحتمي بها وقالت بصوتٍ متقطع من البكاء:
_أنا تعبت أوي يا “آيات” تعبت وحاسة أني بجري ورا كلام فارغ.
ربتت عليها “آيات” وهي تحاول تهدئتها وكذلك “مارينا” التي تأثرت لأجل حزن شقيقتها، فيما ضغط “بيشوي” على يده يحاول التماسك حتى لا يذهب ويُفتك بـ “جابر” ثأرًا لحقه المهدور على يده.
_______________________
جلس “يوسف” يتصفح هاتفه بمللٍ يُدخن سيجارته حتى صدح صوت هاتفه برقم “مادلين” فزفر بمللٍ ثم ضغط على زر الإيجاب ليجدها تقول بلهفةٍ:
_أنتَ روحت فين ؟؟ مش عارفة اوصلك يابني.
رد عليها بفتورٍ وكأن الأمر لا يُعنيه:
_عاوزة إيه يا ستي؟؟ أنا قاعد برة فيه حاجة؟؟
ردت عليه بلهفةٍ:
_آه فيه، عرفت إن المحامي طالب حضورك و “عاصم” ممانع، قولت أعرفك بقى علشان لو فيه حاجة تلحقها، والمحامي جاي النهاردة كمان شوية، هتيجي ؟؟
جاوبها بإذعانٍ يستسلم لها:
_هاجي أشوف أخرتها، رغم أني مليش في الحوار كله، يعني عيالها موجودين و وجودي زي عدمه، بس هاجي أشوفهم أحرق دمهم شوية.
ضحكت رغمًا عنها ثم أغلقت معه المكالمة فيما وقف هو يحمل أشياءه ثم خرج من الشقة يتوجه للأسفل مباشرةً.
رآه في الأسفل “سـعد” يخرج من البناية وهو يسحب هواء النرجيلة الفحمية وما إن تحركت السيارة هتف بتعجبٍ:
_وهو الجدع دا بكل هيلمانه اللي عامله في الأخر جاي علشان يسكن هنا ؟؟ يا اخي إيه العالم العبيطة دي؟؟
تحركت السيارة خارج حارة العطار فيما ظل “سعد” يراقبه ثم رفع رأسه يتابع البرج السكني حيث تقبع أسيرته الوهمية كما يزعم هو.
______________________
أوقف “إيهاب” سيارته أمام أحد المولات التجارية الكبيرة صاحب الماركات العالمية، فنظرت “سمارة” حولها بتعجبٍ ثم سألته بتأنيبٍ له:
_يوه ؟؟ اخس عليك يا سي “إيهاب” هو أنتَ يعني غاوي تعب قلب ؟؟ جايبنا هنا ليه؟؟
رد عليه بتلقائيةٍ:
_علشانك…جايبك هنا تتفحسي وكمان أجيبلك هدوم جديدة.
شهقت بفرحةٍ ظهرت عليها كُليًا ثم عادت تقول بنفس التأنيب له:
_ولازمته إيه يا أخويا تعب القلب دا ؟؟ ما كنا قولنا للولية أم “جنى” بتجيب حاجات حلوة بالقسط وكنت هطلع عينها لحد ما أخد اللي يعجبني وطز فيها وفي أسعارها.
رمقها من أعلاها لأسفل بازدراءٍ ثم هتف من بين أسنانه بغيظٍ:
_أقسملك بالله لو ما سكتي وبلعتي لسانك لأكون مبلعك أنا طلقتين في زورك، انزلي.
شعرت بالخوف منه لذا فتحت الباب وخرجت من السيارة ولحقها هو الأخر وهو يُغمغم بقوله حانقًا:
_دا أنا ليا الجنة على علاقتي بيكي.
اقترب منها يقف بجوارها ثم أمسك كفها يقول بنبرةٍ هادئة يرسل لها تحذيرًا:
_لو سيبتي أيدي هتبقى مصيبة وهتوهي، فاهمة ؟؟
حركت رأسها موافقةً بذعرٍ اتضح في عينيها فيما ابتسم هو ثم دلف بها المول الكبير، هيئة كليهما تتنافى مع الأخرى، كانت هي ترتدي بنطالًا باللون الأسود قماشي الخامة وفوقه سترة باللون الأخضر وخصلاتها الغجرية السوداء جمعتهم برابطة شعر حتى بات شكلهم عشوائيًا، بينما “إيهاب” كان يرتدي قميص من خامة الجينز باللون الزيتي وأسفلة البنطال باللون الأسود والحذاء رياضي باللون الأبيض، بدا شكلهما منذ الوهلة وكأنهما لا يليقان ببعضهما، وفي حقيقة الأمر أن كلاهما لا يليق سوى بالأخر.
دلف بها أولًا محل محجبات وهو يمسك كفها وهي تتابع المكان بنظرها وللحق هي أول مرة ترى مكانًا بهذا النمط، عمرها بأكمله وسط المناطق العشوائية والصحراء، لذا فرغ فاهها من المكان حتى تفاجئت به يقف أمامها ثم رفع ذراعيه يضع حجابًا فوق رأسها يرى هيئتها به ليبتسم بزاوية فمه ثم ابتعد عنها خطواتٍ للخلف وهو يقول بإعجابٍ واضحٍ في نظراته:
_مش هقولك شكلك بيه أحلى, بس كفاية إن السحر بتاعك اتدارى ورا حاجة تحميه عن عيون الناس.
نظرت له “سمارة” بدهشةٍ لتجده يقترب منها وهو يقول بنبرةٍ خافتة أقرب للهمس:
_كلك على بعضك حق “إيهاب الموجي” بكل حاجة فيكي، العين اللي تترفع فيكي نقفلها يا عمهم، كدا بقى أنا مرتاح أوي وأنا ضامن اللي يخصني محدش هيبصله.
أبتسمت له وقبل أن تتهور في فعلها أوقفها هو بقوله:
_اقفي يابنت المجانين احنا قدام الناس.
انتبهت هي لنفسها فقالت بلامبالاةٍ وهي تنظر في مرآة المحل:
_أنتَ صح، لينا بيت يلمنا أحسن.
رمش ببلاهةٍ منها وفرغ فاهه فحقًا تلك الواقفة ماهي إلا كتلة مصائب حلت على رأسه.
_________________________
أوقف “يوسف” سيارته في منطقة الزمالك وهو يتحدث في الهاتف مع “إسماعيل” الذي أخبره بما حدث في مكانه، لذا هتف بنبرةٍ جامدة:
_أنا مش ناقص “سراج” وهبله هو كمان يا “إسماعيل” اللي أنا فيه أهم منه ومن اللي خلفوه كلهم، أخلص بس مشاويري هنا، وهجيلك بكرة نشوف صِرفة.
رد عليه “إسماعيل” مؤيدًا له:
_خلاص شوف مصالحك وأنا هخلي “مُـحي” يتابع المكان.
هتف “يوسف” بلهفةٍ:
_اديني “مُـحي” أكلمه لو جنبك.
أخذ “مُـحي” الهاتف وهو يقول بودٍ:
_نعم يا عم العالم، اؤمرني.
رد عليه “يوسف” بلهفةٍ:
_اسمعني كويس، خلي بالك من المكان وحط عينك في وسط راسك وكل شوية تفتشوه كله، تمام ؟؟ وياريت تركز مع المكان مش مع حريم المكان، هـا ؟؟ أنا هثق فيك ودي حاجة صعبة.
رد عليه “مُـحي” بخضوعٍ يُطمئنه:
_عيب عليك، في بيتها و برجولة هشرفك، اتطمن.
تنهد “يوسف” ثم أغلق المكالمة ونزل من السيارة متوجهًا لداخل البيت حتى فتحه له “سامي” الذي تهجم وجهه وهتف بضيقٍ من رؤيته:
_خير ؟؟ مش كنت مشيت وخلعت من هنا؟؟
تحدث “يوسف” بوقاحةٍ كعادته:
_عقبال كدا ما تمشي من الدنيا كلها وأنزلك القبر بأيدي، قول إن شاء الله.
رمقه “سامي” بسخطٍ وهو يسأله:
_مش المفروض إن نفسك عزيزة ؟؟ ياسيدي محدش فينا طايقك، عاوز إيه ؟؟
رفع رأسه يقول بعبثٍ ونظراتٍ تنطق بالمراوغةِ:
_وأنتَ مـال أمك يا ابن الرقاصة ؟؟
قبل أن ينطق “سامي” وصل المحامي عند أعتاب البيت يُلقي عليهما التحية ليرد عليه “سامي” بلهفةٍ وهو يشير له بالدخول، فنطق “يوسف” بسخريةٍ بعد دخول المحامي للبيت:
_هي ماما مقالتش ليك بنرحب بالناس إزاي ؟؟ بنرمي عليهم تحية ونحدف النُقطة، شكلك مش أوي.
تركه “سامي” ودلف للداخل حيث ردهة البيت التي جمعتهم سويًا ولحقه “يوسف” الذي أغلق الباب ليصله صوت “نادر” يقول بغلظةٍ:
_الواد دا بيعمل هنا إيه ؟؟ ملهوش فيها.
رد عليه “يوسف” بلامبالاةٍ وهو يجلس بجوار عمته التي تعلقت نظراتها به:
_أســأل أمـــك.
هتف “عاصم” للمحامي من بين أسنانه:
_ياريت يا “ناجي” تخلص وتقول فيه إيه يخليك تكلمنا.
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ عملية:
_طبعًا المرحومة كان ليها ورث وليها ورثة اللي هما حضرتك ومدام “فاتن” وليها أسهم في الشركات ونصيب في البيت، وحضرتك يا “عاصم” بيه ليك ضعف نصيب مدام “فاتن”.
هتف “عاصم” باستعلاءٍ وكأنه محور الكون ويعلم كل المدارات الكونية:
_طب وإيه الجديد ؟؟ كل دا معروف وأنا وأختي مقسمين كل حاجة بيننا، أدخل في المفيد يا متر.
حرك رأسه موافقًا ثم فتح حقيبة أوراقه وقال بنبرةٍ عملية بعدما أمسك في يده الأوراق:
_المفيد في الموضوع هو إن مدام “حكمت” الله يرحمها كتبت كل نصيبها للحفيد الخاص بالعائلة في ورق رسمي موثق.
أبتسم “نادر” بحماسٍ و والده أيضًا بخلاف نظرات البقية، ليتبدل الوضع بأكمله عند نطق المحامي بقوله:
_للبشمهندس “يوسف مصطفى الراوي” الوريث الوحيد لعائلة “الراوي” من بعد “عاصم” الراوي، وبالتالي كل أملاك المدام هتتنقل ليه هو.
هتف “يوسف” في تلك اللحظة متشفيًا بهم ناطقًا:
_يا حبيبتي يا تيتة !!.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)