رواية مصطفى أبوحجر الفصل الحادي عشر 11 بقلم آلاء حسن
رواية مصطفى أبوحجر البارت الحادي عشر
رواية مصطفى أبوحجر الجزء الحادي عشر
رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الحادية عشر
-١١- رفرفة فراشة
أغلقت شمس باب غُرفتها برفق من ورائها قبل أن تُلملم ملابس ابنتها المُلقاة بإهمال فوق الفِراش، ومِن ثَم تناولت هاتفها حيثُ وجدت رسالة نصية من صديقتها تسأل عن حالها فطمأنتها برسالة ووضحت لها ما حدث، وعقب ذلك بعدة دقائق وردتها رسالة اُخرى لكن من مصطفى تلك المرة مؤكدًا على موعدهما، فأصابها تردُدها المُعتاد وتأرجحت ما بين مُهاتفته أو إرسال رسالة نصية إليه للاعتذار، إلا إنها في النهاية قررت الاتصال به عندما تجاوزت الساعة الثانية عشر ظُهرًا ..
هاتفته مرتين مُتتاليتين لكنه لم يُجيبها فعزمت على إرسال رسالة نصية، لكن آتاها اتصاله في نفس الدقيقة التي بدأت فيها بكتابه اعتذارها، وبالطبع أجابته على الفور قائلة :
_ شكلك كُنت مشغول !
آتاها صوته العميق الدافئ قائلًا باحتواء كعادته :
_ وحتى لو مشغول ..
ابتسمت بخجل مُجيبة بتردد وكأنها غير راضية عن إلغاء موعدها :
_ مصطفى معلش مش هقدر أقابلك النهاردة ..
تساءل هو بتفهم يشوبه بعض القلق :
_ مفيش مشكلة .. بس ممكن أعرف السبب ! إنتى تعبانة أو عندك مشكلة ؟
أجابته على الفور مُطمأنة :
_ لا لا أنا كويسة الحمد لله متقلقش .. بس حصل شوية حاجات كده .. فدماغي هتبقى مشغولة بيها ومش هقدر أبقى على طبيعتي النهاردة ..
صمت هو لبضع لحظات قبل أن يقول بنبرة مُترددة حذرة وكأنه يخشى التدخل في أمورها الخاصة رغمًا عنها :
_ ممكن أعرف إيه اللي حصل لو مش هيضايقك ..
وكأنها كانت تنتظر سؤاله فأجابت على الفور مُشركة إياه بتفاصيل حياتها :
_ أصل أبو بنتي النهاردة جه ياخدها تقضى اليوم معاه وأنا قلقانة عليها أوى ..
حملت نبرته علامات الاستغراب وهو يتساءل :
_ قلقانة من إيه ..
تنهدت بِحُزن واضح قبل أن تُجيبه :
_ الموضوع يطول شرحه ..
أجابها مًشجعًا :
_ طيب وعشان كده لازم نتقابل ..
ثُم أضاف مُوضحًا :
_ وبلاش نقعد في مكان لو ده هيضايقك .. تعالى ننزل نتمشى شوية وتحكيلي، على الأقل عشان تفكي الضغط اللي عليكى ده .. أختاري المكان اللي يريحك وقريب ليكي …
أقنعتها كلماته دون جُهد، فصمتت هي مُفكرة قبل أن تقول :
_ طيب أنا كُنت هنزل اشترى شوية حاجات ليارا قبل ماتيجى إيه رأيك تيجي معايا ونتكلم بالمرة ..
لم تكد تنتهى من كلماتها حتى أجابها على الفور :
_ موافق جدًا تحبى نتقابل فين وامتى !
أجابته بفرحة طفولية ملأت وجهها :
_ الساعة ٣ قدام ماكدونالدز …
انتهت المُكالمة وألقى مصطفى هاتفه بإهمال أعلى فراشه بعد أن تمدد بجُزأه السُفلى مُتدثرًا بالغطاء بينما جزعه العلوى استقام مُستندًا على ظهر الفراش، فظهر جزء من قسمات وجهه الجذابة بفعل أشعة الشمس الخافتة التي تخللت فتحات الستائر المُعتمة الداكنة اللون والتي زينت غرفته، وقام بإخراج سيجارة من العلبة المُجاورة لفِراشه وأشعلها بهدوء وثقة قبل أن يأخذ نفسًا عميقًا ثم ينفثه ببطيء مُفكرًا في ذلك اللقاء ..
شعر بحاله يعود مُراهق في سن الثامنة عشر مِن عُمره مرة أخرى، يقف مُتسكعًا أمام مطعم الوجبات السريعة وهو يرتشف ما تبقى من سيجارته مُستندًا بجِزعُه الطويل على إحدى الحوائط المجاورة للمطعم ..
في الواقع هو بدا كذلك بالفعل، بهيئته الشبابية تلك، حيثُ أرتدى بِنطال جينز يعلوه كِنزة بيضاء خريفية بينما ألقى بسُترته الجلدية فوق ظهره بلا اهتمام، وثنى إحدى رُكبتيه للخلف ليتكأ بها على ذلك الحائط من ورائه، فترائي للقادم من بعيد كشاب في العشرين من عُمره، خاصةً وهو يُمسك سيجارته بأطراف أصابع يُمناه وبيُسراه يتصفح هاتفه بلا اهتمام ..
وبالقُرب منه تعالت ضحكات بعض الفتيات ووصلت همهمتُهن إليه، فنظر إليهن نظرة خاطفة استبين منها أعمارهُن التي لم تتجاوز الثامنة عشر، وبعد الكثير من الدقائق لاحظ اقتراب إحداُهن منه وتعمُدها لإلقاء ما بيدها من كُتب مدرسية أمامه قبل أن تنحني لالتقاطها من جديد عله يساعدها في ذلك، لكنه أثار حنقها بتجاهله وغروره بعد أن نظر إليها بطرف عينيه قبل أن يُعاود تصفح هاتفه من جديد باستخفاف، فتلك المواقف المُعتادة هو من يصيغها ويضعها في قالب رومانسي بداخل رواياته ..
ارتفعت ضحكات صديقاتها من جديد قبل أن يتوجهن جميعهُن إلى الداخل عقب إلقائهن نظرة طويلة مُتفحصة عليه تأملن بها كُل سنتيمترًا به واستنبطوا من شُعيراته البيضاء في مقدمة وجوانب رأسه أنه يكبُرهن بأكثر من عشرين عامًا فزادهم ذلك انبهارًا به وبوسامته الغير مألوفة لمن يمتلكون عدد سنوات عُمره ..
وبعد عدة دقائق انشغل هو فيهم بالعبث بهاتفه، شعر مصطفى بذلك الجسد يقف أمامه بثبات فتطلع إلى صاحبته وهو يرتشف آخر نفس من سيجارته الثانية، أرتفع بصره إليها وضيق عينيه أثناء نظره إليها بإعجاب دون أن يتحرك من مكانه قيد اُنملة أو ينبس ببنت شفة، مما أشعرها بالخجل من حملقته بها بهذا الشكل فقالت بخفوت بينما ابتسامتها ترتعش فوق شفتيها :
_ مش هندخل ولا إيه ..
ألقى مصطفى ما تبق من سيجارته أرضًا ووضع هاتفه بداخل جيب بنطاله قائلًا بهمس وهو يتأمل عينيها التي ابتعدت عن خاصته مسافة ليست بالقصيرة :
_ أكيد ..
كانت تلك المرة الأولى التي تسير فيها بجواره أو تقترب منه هذه المسافة التي مكنتها من قياس فرق الطول بينهما، فهي بالكاد تصل إلى ما بعد مرفقيه فلم تصل رأسها إلى مستوى كتفيه حتى ..
قاطع تفكيرها ذلك توقفه أمامها بجسده الفارع الذى يُساوى ضعف حجمها تقريبًا مُتسائلًا :
_ تحبي نقعد ولا نطلب و نتمشى ..
صمتت مُفكرة بينما هو جال بأنظاره مُتأملًا مرتادي المكان حوله من صغار السن فقال مُقررًا :
_ أنا شايف إننا نطلب ونتمشى أحسن أو نقعد في مكان تانى أهدى ..
حركت شمس كتفيها بغير اكتراث مُجيبة :
_ اللي تشوفه ..
توجه مصطفى إلى إحدى الماكينات القائمة بوسط الفرع لاستقبال طلبات الفيزا كارد وأخرج خاصته قبل أن يطلب من إحدى العاملين مساعدته في اختيار وجبتين من وجبات الأطفال وآيس كريم، وعِند انتهاؤه اقترب من شمس مره أُخرى مُشيرًا لها بالجلوس حول إحدى الطاولات حتى انتهاء الطلب، فأطاعته وجلس هو بجوارها وعندما رأى يدها تمتد إلى محفظتها أوقفها ناهرًا :
_ إنتى بتعملي إيه .. دي حاجة بسيطة منى ليارا ..
ابتسمت له شاكرة واخفضت نظرها عنه حين لمحت بعض الفتيات حول الطاولة المقابلة لهما ثبتن أنظارهُن عليه وارتفعت أصوات ضحكاتهن عقب همهمتهُن ببعض الكلمات ..
رفعت نظرها إليه في الحال فوجدته هو الآخر ينظر إليهن بينما شفتيه تنفرجان بابتسامة جانبية، فعبست ملامحها دون أن تعي وخرجت كلماتها غاضبة وهى تقول :
_ أنت بتضحك ليه !
هز مصطفى كتفيه مُجيبًا :
_ عادي يعنى انا مُبتسم ..
بدأ التوتر يظهر على ساقي شمس التي اهتزت بقوة أسفل الطاولة وهى تقول باقتضاب :
_ ماشي ..
لاحظ هو امتعاضها فقال بنبرة يشوبها المرح :
_ براحة الطرابيزة هتقع ..
لم تُجبه هي بل شوحت بأنظارها بعيدًا عنه مُعلنة عن غضبها، فلم يُلِح عليها في الحديث، وماهي إلا دقائق حتى انتهى الطلب فغادرا المكان على الفور ..
ناولها مصطفى الآيس كريم خاصتها عقب خروجهما لكنها رفضت تناوله في البداية حتى نظر إليها نظرة زاجرة فالتقطته منه بتأفف قائلة :
_ شكرًا ..
سارا لبضع خطوات قبل أن يتحدث قائلًا دون أن ينظر إليها :
_ ها ياستي إيه اللي مضايقك !
أجابته باقتضاب :
_ مفيش ..
تساءل باستغراب :
_ إزاى مفيش مش قولتي إنك قلقانة على بنتك عشان هتقضي اليوم مع باباها ..
ارتفع صوتها بعد أن فهمت ما يرمي إليه فعلقت بخيبة :
_ آه أنت قصدك على اللي قولتهولك الصبح
اجابها غامزًا بمرح وقد عَلِم سبب تغيُرها :
_ أُمال قصدي على البنات اللي اِتضايقتي منهم من شوية ..
ظهر الاضطراب على وجهها لتقول مُحاولة الدفاع عن نفسها :
_ لا طبعًا بنات إيه اللي اتضايق منهم دول شوية عيال ..
أجابها مؤكدًا على كلماتها :
_ فعلًا عيال ..
تطلعت إليه بغضب واضح ورفعت إحدى حاجبيها باستنكار قائلة :
_ مادام عيال كنت بتبصلهم وتضحكلهم ليه ..
رفع مصطفى حاجبيه بدهشة نافيًا :
_ أناااا !! لا طبعًا محصلش ..
اغضبها سخريته وانكاره للأمر، بالإضافة إلى افتضاح أمرها بسذاجتها تلك مما زاد من النار المُستعرة بداخلها والتي نضحت على وجنتيها، فلم تجد شيء ببرودة ذلك الذى تحمله بين يديها فتناولته بشراهة عله يُطفئ ذلك الحريق الذى انتابها، غير مُكترثة بنظراته المُسلطة عليها طوال الطريق، وماإن انتهت من تناول الآيس كريم إلى آخره، حتى قال هو بنبرة هامسة :
_ في آيس كريم واقع على ..
انتبهت لحالها فأخرجت منديلها الورقي مُتسائلة :
_ فين ؟
أشار بعينيه الى شفتيها العُليا قائلًا :
_ هِنا ..
امتدت أصابعه إلى وجهها فارتجفت هي ارتجافة صغيرة وكأنها تُرفرف كالفراشة بكُل ما فيها من ضعف ورقة، وأحست بانجذابها إليه تمامًا كتلك الحشرة الصغيرة التي تقترب من نور اللهب بعد أن أغراها بدفئه وتوهجُه غير عابئة لإمكانية احتراقها في أي لحظة، لكنها انتبهت في النهاية وابتعدت عنه عدة خطوات مُتقدمة إلى الأمام، إلا إنه اجتازها بخطوة واحده مُسرعة من ساقيه قائلًا :
_ استني بس رايحة فين ؟
أجابته بتوتر وهى تنظر في ساعة هاتفها :
_ اتأخرت لازم امشي ..
شعر مصطفى باضطرابها فقال برجاء :
_ بس ملحقناش نتكلم ..
لم تستطع هي النظر أو الالتفات إليه فقالت دون أن تتوقف :
_ معلش بعدين لازم أروح قبل يارا ..
امتدت يد مصطفى إليها، فامسكها من ذراعها بلُطف بعدما فشل في ايقافها بكلماته قائلًا :
_ استني بس طيب .. ممكن تقفى اقولك حاجة ..
وقبل أن تعترض هي ابتسم مصطفى إليها مُطمئنًا وهو يقول :
_ ممكن تستنيني هنا عشر دقايق بس .
هزت رأسها موافقة دون أن تسأله عن السبب وراء ذلك، ورأته وهو يبتعد فتنفست الصعداء وأخذت تلهث بقوة وكأنها كانت تعدو لآلاف الأميال، حاولت تنظيم أنفاسها واستجماع قوتها قبل قدومه، بينما هو بدوره لم يتأخر وقبل مرور الوقت الذى حدده كان يقترب منها حاملًا دُمية بنصف طوله تقريبًا، والتي ما إن رأتها شمس حتى ابتسمت بسعادة وإعجاب مُقررة إعطاء الإذن إلى تلك الفراشة للاقتراب من نور اللهب كما تشاء والاستمتاع بدفيء وهجه مهما كلفها الأمر ..
ملأ غُرفتها شذى عِطره الذى التصق بالدُمية التي كان يحتضنها من قبل، والتي احتلت مكانها الآن أعلى فِراش الصغيرة، وبجوارها جلست شمس تتأملها بابتسامة واسعة وهى لازالت ترتدى ثيابها سارحة بخيالها إلى لقائها به اليوم ..
لكنها افاقت من ذكرياتها على طرقات خفيفة تعلو باب منزلها، بالكاد استطاعت سماعها فنظرت في ساعة هاتفها التي تجاوزت الخامسة وخمنت وصول ابنتها، لذا غطت الدُمية بغطاء الفراش استعدادًا لمُفاجأة الصغيرة، ثم ركضت إلى الخارج بحماس وفتحت ذلك المزلاج بسرعة والابتسامة تُزين وجهها قائلة وهى تضغط على المقبض الفضي :
_ وحشتينى ياقلب ماما ..
وجهت نظراتها إلى الأسفل بشكل تلقائي حيثُ مستوى طول ابنتها، إلا إنها لم تُلاقِ سوى ساقى رجل مُتأنق، فمررت عدستيها عليه إلى أن تلاقت أعينهما بصمت، وبدأت ابتسامتها في التلاشي رويدًا رويدًا..
لم تدرِ ما عليها قوله وكأنها فقدت النُطق أو تناست حروف الهجاء، فقال هو بابتسامة :
_ مش هتقوليلي اتفضل ..
ازاحت جسدها مُتقهقرة إلى الوراء سامحة له بالتقدم قائلة بثبات :
_ أتفضل في الصالون .. ثانية واحدة أصحيلك بابا ..
إلا إنه توقف في المُنتصف مانعًا إياها من إغلاق الباب قائلًا برقة :
_ بس أنا عاوزك انتي ..
ابتعدت عنه عدة خطوات قائلة بجمود :
_ مفيش بينا كلام عشان تعوزني في حاجة ..
إلا إنه قال برجاء :
_ ولا حتى بصفتي ابن عمتك !
لم تعلم بما تُجيبه، لكنها قالت بنفاذ صبر :
_ طيب أتفضل الأول ..
تحرك أسامة من مكانه وهمت هي بإغلاق الباب إلا انها شعرت بجسم مُضاد ضعيف يدفع الباب بقوة من الجهة المقابلة فطلت برأسها إلى الخارج لتجدها ابنتها، ففتحت الباب على مصراعيه واحتضنتها بشوق قبل أن تخطو إلى الخارج وتُلقى نظرة طويلة على درجات السلم بالأسفل باحثه عن ماجد فلم تجده ..
فسألت الصغيرة :
_ أُمال فين بابا !
أجابتها الطفلة ببراءة :
_ وصلني للباب تحت ومشى ..
ظهرت علامات الغضب على وجه شمس وهى تقول :
_ كده من غير ما يطمن إنك طلعتي ودخلتي الشقة !
ثُم أضافت بسخط :
_ لسة زي ما هو معندوش أدنى تحمل للمسؤولية ..
تجاهلتها إبنتها التي وقع بصرها على أسامة فتوجهت إليه تحتضنه فَرِحة بقدومه، بينما شمس ازداد توترها وهى ترى تعلق إبنتها به إلى تلك الدرجة فزفرت بضيق :
_ طيب اتفضلوا جوة في الصالون احضنوا بعض براحتكوا ..
توجه كلتيهما إلى غُرفة الصالون بينما شمس قامت بإيقاظ والديها قبل أن تذهب للجلوس بصُحبة الضيف إلى حين قدوم أبيها، ولاحظت حديث الصغيرة الذى لم ينقطع معه فقالت لها بهدوء آمرة :
_ أدخلي غيري هدومك يايارا ..
إلا أن الصغيرة هزت رأسها رافضة فزفرت شمس بضيق قائلة :
_ عمو أسامة لسه مش هيمشى دلوقتي روحي غيرى هدومك واتغدى وبعد كدة تعالى قوليله اللي إنتى عاوزاه ..
تحركت يارا من مكانها قائلة :
_ حاضر هغير هدومي بس مش هتغدى .. طنط أماني أكلتني كتير النهاردة ..
عبست شمس مُتسائلة باستغراب :
_ طنط أماني مين ؟ عروسة أبوكي ؟؟
هزت يارا رأسها قائلة بحماس :
_ آه دي حلوة أوى ياماما وطيبة خالص ..
ظهرت علامات الغيرة على وجه شمس والتي لاحظها أسامة على الفور إلا إنها حاولت ضبط أعصابها وإخفاء ما بها قائلة بابتسامة زائفة لابنتها :
_ طيب ياحبيبتي أدخلي إنتى دلوقتي …
تابع أسامة الطفلة حتى اختفت عن أنظاره ثم وجه كلماته إلى شمس مُتسائلًا بهمس :
_ هو ماجد أتجوز ؟
هزت رأسها دون التفوه بكلمة فتساءل من جديد قائلًا :
_ وهو كل السنين دي متجوزش بعد ماأتطلقتوا !
أجابته دون اهتمام :
_ لا أتجوز وطلق ودى التالتة ..
خرجت ضحكة صغير من بين شفتيه مُعلقًا :
_ الظاهر إن العيب فيه ..
رمقته بنظرة طويلة قبل أن تتساءل مُحذرة :
_ وأنت كان عندك شك في كدة !
أجابها على الفور قائلًا بعدما اتجه بجسده إليها :
_ لا طبعًا .. وهو لو كان بيفكر دقيقة واحدة كان طلقك .. للأسف مقدرش النعمة اللي كانت بيد إيديه ..
ثُم أضاف بكلمات مُتنهدة هامسة :
_ بتمني إن النعمة دي تكون من نصيبي في يوم من الأيام ..
فركت شمس كفيها بضيق قبل أن تقول مؤنبة :
_ أسامة إحنا مش قفلنا الموضوع ده ..
أجابها بكلمات جادة حاول إخفاء لوعته بداخلها قائلًا :
_ شمس أنا مش قادر أسيبك تضيعي من إيدى تانى كفاية أوى السنين اللي فاتت دي كلها ..
خرجت عن هدوئها قائلة بعصبية واضحة :
_ وهو مين السبب مش أنت !
أجاب بلهفة صادقة مُوضحًا :
_ طيب وأنا بعترف إني كُنت غلطان .. كفاية كده وخلينا نلحق الباقي من عُمرنا مع بعض
أجابته بترفع وكبرياء دون أن تنظر إليه وكأنها قد حسمت أمرها :
_ مبقاش ينفع خلاص ..
تجاهل أسامة صوت عقله المُذكر بكرامته التي تُبعثر، وأصر على إكمال حديثه قائلًا :
_ أنا مُستعد لأى حاجة ترضيكي ..
إلا أنها أجابته بلهجة قاطعة لاتقبل النِقاش :
_ اللي يرضيني إنك تشيل الموضوع ده من دماغك خالص ..
زفر أسامة بنفاذ صبر قبل أن يقول بحذر بعد أن داعب قلبه ذلك الهاجس :
_ إزاى إنتي قدرتي تشيليه من دماغك ! هو .. هو في حد تاني في حياتك ؟
لم تُجبه بل اكتفت بالإطراق برأسها هربًا من إجابة سؤاله الذى لم تتيقن من إجابته بعد، فهي لازالت مُتخبطة مُترددة في شعورها نحو مصطفى وفى حيرة أيضًا من نواياه نحوها .
أغاظه صمتها فأعاد عليها السؤال من جديد قائلًا بتصميم تلك المرة :
_ جاوبيني .. في حد تانى في حياتك ؟
أنقذها صوت أبيها من ورائها قائلًا بترحاب :
_ سلامو عليكو .. أزيك ياأسامة ياابنى ..
أرخى أسامة جفنيه عنها قبل أن يهب واقفًا احترامًا لخاله قائلًا بأدب :
_ الحمد لله ازيك أنت ياخالى .. بتأسف إني جيت من غير معاد ..
إلا أن محمود طمأنه قائلًا وهو يجلس بجواره :
_ متقولش كدة ياابنى البيت بيتك تيجي في أي وقت .. إحنا يعنى هنروح فين ..
في تلك اللحظة اُتيحت لها الفُرصة للفرار فقالت دون تفكير :
_ عن إذنكوا هعملكوا حاجة تشربوها ..
حاول أسامة قدر استطاعته ضبط أعصابه مُدركًا السبب وراء فرارها، إلا إنه كظم غيظه حتى لا يلفت انتباه خاله، فاندمج ففي حديث طويل معه ولهى قليلًا مع تلك الصغيرة التي انضمت إليهم بهم بعد بضع دقائق، بينما والدتها اختفت نهائيًا عن الأنظار تاركة أمر المشروبات إلى الجدة التي أعدتها ثُم جلست بصُحبتهم ..
برغم تعمدها الهروب منه ومن سؤاله ذلك والاختفاء داخل حُجرتها لحين مُغادرته إلا أن ما شغل وقتها حقًا هو مُحادثتها مع مصطفى والتي دامت لأكثر من ساعة كاملة، استطاعت هي التركيز فيها عقب انضمام إبنتها إلى الجمع بالخارج ..
في الحقيقة هي لم تتذكر فيما تحدثا أو كيف مرت الستون دقيقة بتلك السُرعة دون أن تشعر هي بالوقت، فكُل تفكيرها كان مُنصب على نبرته الجذابة الرخيمة تلك، فهو يَصّلُح كمذيع في الراديو بصوته الجهوري تارة الواضح في مداخل الكلمات ومخارجها، والدافئ تارة أُخرى حيث يصل اليها هامسًا مُشبع بالحنان فيلتقطه قلبها مباشرةً دون كُلفة بكثير من اللهفة والارتياح ..
إلا إنها رغم ذلك تتذكر حديثها لبعض الدقائق عن ظروف زواجها ومُلابسات طلاقها وعن إبنتها التي تُمثل لها الحياة بأكملها، أما ما علمته منه إنه مُطلق منذُ أكثر من تسع سنوات كاملة، وزوجته كانت من جنسية أُخرى عربية ولم يُرزق بالأطفال منها كما قال بالسابق رغم حُبه الشديد للأطفال ورغبته في الحصول عليهم ..
وانتهت المُكالمة بإرساله إليها تصميم غلاف روايتها والذى انبهرت به بشدة، فقد كان شديد الشبه بتصميمات أغلفة رواياته التي تحفظها عن ظهر قلب، وأخبرها بأنه سيتم الترويج لروايتها ببعض اقتباسات اختارها هو بنفسه وأضاف إليها بعض التعديلات التي تجذب القراء وتحمسهم لقراءتها ..
وافقته ولم تُجادله في شيء بل سلمت له زمام أمورها باقتناع تام وبكامل رغبتها تاركة له حُرية التصرف فيما يخصها دون حتى الرجوع إليها ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)