رواية أنين وابتهاج الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم هدير دودو
رواية أنين وابتهاج البارت الحادي والعشرون
رواية أنين وابتهاج الجزء الحادي والعشرون
رواية أنين وابتهاج الحلقة الحادية والعشرون
_بين مراحل الحب آنين قوي يؤلمهم بشدة
يحاولون أن يتخطوه حتى يصلوا إلى مرحلة العشق الحقيقية_
❈-❈-❈
داخل الغرفة الخاصة بتامر وفريدة
:- مليش فيه، وكل الكلام دة ميخصنيش في حاجة الطفل دة لازم ينزل، أنا مش هتحمل مسؤولية حاجة مش عاوزها.
صدمة حلت في أرجاء الغرفة باكملها، بعدما استمعت فريدة الى حديث تامر الذي وقع عليها كالصاعقة، كاد قلبها يتوقف عن النبض من قوة الصدمة التي حلت عليه.
تمنت لوهلة لو أن يكن لديها القدرة في تكذيب أذنيها التي تهيأ لها اشياء خاطئة، وأن ما استمعت اليه للتو هو شئ من ضمن الأشياء الخاطئة، لكن من المؤسف انه واقع وحقيقة ستعيشها هي، وحتى إن كانت معترضة على ما يحدث لها، تنفست بصوت مسموع في محاولة منها لإدخال أكبر قدر مستطاع من الهواء الى رئتيها وكأن انفاسها ستقف على ذلك النفس.
حاولت أن تبث في ذاتها الطاقة، نعم هي لن تتخلى عن طفلها مهما حدث؛ لذلك ردت عليه بضيق ونبرة حادة غاضبة بعض الشئ
:-نـعـم!!..هو مين دة اللي ينزل، تامر أنتَ أكيد بتهزر صح، دة ابننا يمكن أنتَ مش عاوز لكن ربنا عاوز كدة، وأنا استحالة أعمل حاجة زي كدة، لأ طبعا مش هيحصل اللي بتقوله.
وصل إلى مسامعها صوت صك اسنانه معا الذي ضغط هو عليهم بقوة حادة، وعقد زراعيه أمام صدره بغضب جامح مهما تحدث ليوصفه لن يستطع وصفه أو وصف حزء بسيط منه، شعر أن بخبر حملها سيعود مرة أخري الي الطريق المسدود الذي كان يتمنى ألا يعود إليه مرة أخري.
تحدث بنبرة غاضبة بشدة حيث شعرت هي أن كل حرف يخرج من فمه كالنيران المشتعلة التي ستحرقها
:- ربنا اللي عاوز إيه، لا دة أنتِ اللي عاوزة يا فريدة هانم، بتحطيني قدام الأمر الواقع يعني ولا إيه مش فاهم، مفكرتيش في حياة الطفل دة اما يجي هيعمل إيه ويعيش ازاي ما بينا احنا الاتنين، واحنا حياتنا بايظة كدة، اوعي تكوني فاكرة إني كنت مانعك من حوار الحمل عشان أعاقبك مثلا، لأ أنا عشان عاقل وواعي كويس فعامل حساب إننا منظلمش طفل برئ ملوش ذنب بينا، حياتنا منـ’يلة بنـ’يلة وشبه منفصلة بنعيش يوم حلو ومية لأ؛ ودة لأننا ببساطة مش لبعض وفي يوم من الأيام انا واثق اننا هننفصل، الطفل دة بقى هيعيش ازاي، أنتِ مفكرتيش في اي حاحة غير نفسك، عاوزة تبقي أم وبس على حساب حياة ابنك او بنتك اللي جايين، حقيقي أنتِ أكتر انسانة أنانية شفتها في حياتي.
ضغط بحديثه فوق جرحها أكثر وأكثر حتى تسبب في نزيفه، تشعر بـ ألم قوي يعصف بداخلها، شعرت أنه جلب خنجر وغرزه في متتصف قلبها بمنتهى البرود واللا مبالاه والقسوة، كيف له أن يصفها
بـ “الأنانية” وبأي حق يقول لها ذلك.
هل هي انانية لأنها صبرت عليه وتحملت معاملته لها رغما عنها، معاملته التي بالرغم من قسوتها وحدتها تراها أفضل من العيش مع زوجة والدها على الرغم من قسوته وبروده معها، تحملت كل شئ وهي صامتة لم تستطع أن تتحدث وتبوح لأحد عن النيران المشتعلة المتأهبة بداخلها طوال الوقت، ولكنها تمنت أت تكن مثل أي انسانة طبيعية متزوجة، تمنت أبسط حق من حقوقها أن تكن “أُمًا” حلم بسيط تحمله اي فتاة منذُ ولادتها…لماذا يريد هو أن يحرمها من ابسط احلامها، وعندما تسعى وتحقق حلمها كما تريد، يصفها بالانانية عن أي أنانية يتحدث، وهو للاسف أكبر أناني، لم يفكر سوى في سعادته هو فقط.
لم تستطع ان تظل صامتة بعد حديثه الذي جرحها، صاحت به بغضب، وقد فاض بها الأمر ونفذ صبرها بسبب حديثه، يكفي ما تحملته حتى الآن
:- أنانية في إيه، لو إني عاوزة ابقي أم تسميه انانية، فأيوة يا سيدي أنا كدة انانية وأي واحدة كدة بقت انانية، أنتَ لا تحرمني من إني ابقي أم لا ابقي انانية، لا فوق وبص كويس كدة حواليك يا تامر وأنتَ تشوف مين فينا الأناني اللي بجد، مين اللي اتجوزني كدة وخلاص وهو مش قادر أنه يخليني سعيدة وأعيش حياة طبيعية، الله اعلم تفكيرك مع مين ميهمنيش لأنك أنتَ كلك على بعضك متهمنيش، ولو عاوز ننفصل يلا وحالا دة أنا اللي هرتاح مش أنتَ، وابني او بنتي اللي جايين أنا هعرف اربيهم كويس، أنا اصلا عايشة لوحدي طول عمري من ساعة ما امي ماتت وقولت ربنا هيعوضني لما اتجوز، لكن أنتَ كنت اسوأ حاجة حصلتلي حقيقي، مقضي حياتك برة وسفر مع نفسك فبرضو لوحدي، وأنا اصلا عاوزة اتطلق ما قولت عاوزة امشي واخد ابني او بنتي، وأعيش لوحدي زي ما أنا أصلا، روح بقى شوف مين فينا الأناني اللي مش بيفكر غير في نفـ..
قطع حديثها وهو يردف باسمها صائحا بحدة، لم يستطع أن يستمع كلمة اخرى من حديثها الذي يشبه السوط يجلـ’ده بقوة من دون شفقة او رحمة، لم يصدق أنه فعل كل ذلك
:- فــريــدة اخرسي، كلمة كمان وهنسي كل حاجة ومش هضمن رد فعلي، أنتِ اللي هتزعلي في الآخر.
نهض من فوق الأريكة الذي كان يجلس عليها، ووقف أمامها بجسد متشنج غاضب، ثم تمتم بنبرة حادة قوية، وهو يرفع سبابته أمام وجهها
:- آخر كلام عندي، أنا مليش دعوة بالطفل دة طالما اتصرفتي من نفسك يبقي مليش دعوة، أنا مش هقبل إني اتحط قدام أمر واقع، الطفل دة لازم ينزل أفضل ليه ولينا برضو.
اردف جملته وخرج من الغرفة بأكملها مسرعا وكأن الشيا’طين تطارده، حرص أن يخرج مسرعا قبل أن ترد هي عليه مرة اخرى و تجلـ’ده بحديثها الذي لم يريد أن يستمع إليه، بالطبع مثل كل مرة سيختار الطريق الأسهل و الاوفر له هو الهروب كما فعل الآن.
بينما هي فقد هوت فوق الاريكة بصدمة تجتاح كل ذرة بها، تشعر أن قدميها لم تعد تتحملها، ولا تقوى على النهوض مرة أخري، لا تعلم ما الذي سيحدث لها، لا زال حديثه يرن داخل أذنيها بقوة كأنه يتحدث الان، بينما وجهها قد فرت الدماء هاربه منه وشحب بشدة كشحوب الأمو’ات.
ظلت جالسة في موضعها لم تتخطَ تلك الصدمة التي لحقت بها وحلت عليها من حيث لا تدرى، لكنها وضعت يدها فوق بطنها وأخذت تمررها بحنان، ودموتها تسيل فوق وجنتها، ثم تحدثت بخفوت وقوة لا تعلم من أين اكتسبتها
:- طبعا مش هتخلى عنك، أنت حاليا بقيت كل حاجة هبني عليها حياتي، يقول اللي هو عاوزه لكن مش هتخلى عنك مهما حصل.
❈-❈-❈
وصلت آلاء المنزل بعدما تركت عدي الذي كان يجاهد كل ذلك الوقت في اقناعها على ما يريد بشتى الطرق الممكنة، ومازالت تفكر في حديثه حتى الآن، لأول مرة تشعر بالحيرة، لم تستطع ان تتخذ قرارها أو تحدده، نعم هي اصبح لديها مشاعر نحو عدي، لكنها لا تعلم هل تلك المشاعر التي تشعر بها حقيقية نابعة من قلبها، ام مشاعر مزيفة يهرب قلبها بها من الم و حزن الواقع الاليم، وكل ذلك شظايا لوجع روحها المبعثر.
وهمت نفسها انها اصبحت لا تحب عمر و لم تعتبره جزء من حياتها كما كان في السابق، ولكن مهلا هل يحق أن تغير ما اعتادت عليه طوال سنوات عمرها في تلك المدة القصيرة، هي اعتادت منذ الصغر على وجود عمر معها وبجانبها طوال الوقت، وله دور مهم أفعال في حياتها والقرارات الهامة التي تخصها، و الان بعد تلك المدة القصيرة اصبحت تطلب منه الا يتدخل في امور حياتها!!..هل مقنع ذلك الحديث أم انه اوهام تقنع بها عقلها وقلبها؟؟
فاقت من شرودها مع ذاتها على اصطدامها بشخص ما، تطالعت أمامها بضيق وجدت نغم، تنهدت بصوت مرتفع وضيق فهي آخر شخص كانت تريد أن تراه في ذلك الوقت وتحديدا وهي في تلك الحالة.
فهي تعلم أن جميع مقابلاتهما سويا لم تمر مرور الكرام بل يجب ان يتشاجرا سويا ويحدث اصطدام اكبر بينهما، بالفعل ذلك ما حدث فتمتمت نغم بضيق و عصبية ونبرة عدائية، وهي تطالعها بنظرات مغزية من اعلاها حتى ادناها
:- إيه يا ست آلاء مش شايفة خلاص ولا إيه التفكير خدلك عقلك على الآخر؟
بادلتها الاء نظراتها بإحتقار وتقليل من شأنها، ثم قررت الا ترد عليها و تضيع وقتها معها مثل كل مرة، قررت أن تتجاهلها فهي تعلم أن التحاهل سيكون افضل رد ترده عليها؛ لذلك تحدثت ببرود ولا مبالاه
:- أنا مش هرد عليكي اصلا، عشان أنا مش عاوزة ارد على واحدة زيك بتحب تتخانق مع الكل، روحي يا حبيبتي شوفيلك حاجة مفيدة بعيد عني عشات مش فايقالك بصراحة.
انهت حديثها وتخطتها مسرعة لم تنتظر ردها، بل سارت كانها لم تراها من الاساس ودلفت غرفتها بلا مبالاه وضيق.
ظلت طوال الليل تجلس في غرفتها تفكر لعلها تحسم امرها و تنفذ ما طلبه منها عدي أو تخبره برفضها القاطع الناهي لذلك الموضوع، ولكن كان حديثه يرن داخل اذنيها تتذكر أنه سيفعل كل ذلك من اجلها كما اقنعها وقال لها، وأن عمر ايضا يستخدم نفس الأسلوب، مع كل تلك التأثيرات اضطرت أن توافق و تساعده فيما يطلبه منها مبررة لذاتها أنه يضحي بالعديد من اجلها وأجل زواجهما الذي سوف يتم.
وضعت يديها بوهن وتعب فوق صدعيها بعدما انتهت من تفكيرها وحسمت امرها ثم توجهت صوب الفراش تحاول أن تنعم في نوم عميق لعله يهدئ من الم الصداع الذي تشعر به من فرط التفكير الذي اجهد خلايا عقلها، تحاول أن تهرب من الواقع ولو بالنوم بضع ساعات..
في الصباح استيقظت الاء و هي لا تعلم كيف و متى قد غفت في مساء امس، اعدت ذاتها حتى تذهب الى العمل، لكنها قررت أن تدلف تطمئن على فريدة قبل ان تذهب خاصة انها تعلم حالتها وتعلم ما تمر به تلك الفترة.
دقت فوق الباب عدة مرات بهدوء، و عندما لم يأتيها رد دلفت وهي تخشى أن يكون قد اصابها شي ما من تعب الحمل في تلك الفترة، لكنها سرعان ما تنهدت براحة عندما رأتها نائمة فوق الاريكة اقتربت منها بهدوء وبدات توقظها بصوت جاهدت ان تجعله هادئ؛ حتى لا تتسبب في قلقها
:- فريدة يا حبيبتي قومي يلا نامي كويس على السرير عشان متتعبيش.
استيقظت بالفعل وفتحت عينيها بهدوء وتكاسل من اثر النوم، اعتدلت في جلستها وتحدثت قائلة لها بخفوت، وهي تشعر بتعب يسري في حميع انحاء جسدها
:- اصبري يا آلاء هقولك على حاجة، أنا مش قادرة ب تعبت خالص من اللي بيحصلي دة.
اومأت لها الاء وجلست قبالتها انتظرتها تتحدث، بدأت فريدة تسرد عليها ما حدث ليلة أمس بينها وبين تامر عندما اخبرته بخبر حملها، اختتمت حديثها بنبرة ضعيفة شبه باكية
: هو بيعمل كدة ليه معايا، محسسني إني أجرمت ولا عملت حاجة غلط، مش حاجة طبيعية بتحصل عند الكل.
ربتت الاء فوق كتفها برفق، وتمتمت ترد عليها بهدوء و هي تشعر بالشفقة لحال فريدة وما تمر به
:- معلش يا حبيبتي هو تلاقيه مصدوم بس من الخبر مش أكتر، أنتِ بس اهدي ومتزعليش نفسك ماشي يا قلبي عشان متتعبيش.
اومأت لها فريدة براسها الى الامام ببطء، بينما آلاء نهضت وخرجت من الغرفة بهدوء، وهي تشعر بالأسى من حال فريدة وأفعال تامر معها..
في الخارج
قبل أن تذهب استوقفتها سناء التي تحدثت قائلة لها بنبرة هادئة بعدما علمت تفسير نظرات عمر المعلقة بصمت نحو آلاء وماذا يريد منها
:- إيه يا حبيبتي هتمشي انهاردة كمان من غير فطار ولا إيه، تعالي اقعدي يلا افطري معايا.
ابتسمت باقتضاب ابتسامة مزيفة، ثم ردت عليها بهدوء لازالت تحافظ عليه في نبرتها
؛- مليش نفس يا عمتو اقعدي أنتِ افطري، وأنا هبقي افطر في الشركة لما اجوع.
تمتمت بجملتها وسارت متجهة نحو الخارج متجاهلة نظراته التي اخترقتها وأزدادت حدة وغضب مقررا الا يصمت بعد ذلك، فهي قد استنفذت كل ذرة استحمال بداخله، شعر انه بالفعل فقد السيطرة على نفسه نهائيًا بسبب افعالها التي تضعها فوق نيران غيرته تزداد من لهيبها أكثر، قبض فوق قبضة يده بغضب حتى ابيضت مفاصله، وقد برزت عروقه بغضب شديد، شعر ان بداخله قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في أي وهلة،وحينها لم يستطع ان يصمت اكثر من ذلك ولم يعطي لعقله مجال للتفكير، فبالفعل طاقته قد نفذت لم يعد لديه طاقة للاستحمال اكثر من ذلك، الجميع يضغط عليه من دون أن يفهموا ما يمر به هو..
❈-❈-❈
دلفت آلاء مكتب عدى وهي تشعر بالتوتر ينهش بداخلها، لكنها حاولت أن تتجاهل شعورها تماما، وتمتمت بخفوت شديد وقلق
:-عـ…عـدي أنا فكرت وخلاص موافقة إني اساعدك هعمل اللي أنتَ عاوزه شوف عاوزني اجيبلك الورق دة امتى.
كانت تتحدث ةهي تشعر بالتردد من حديثها وقرارها وفعلتها التي تعلم كم هي خاطئة، ابتسم عدي بمكر وفرح، ثم بدأ يشرح لها ما ستقوم بفعله، اختتم حديثه بخبث
:- شكرا يا حبيبتي، كنت عارف إنك هتساعديني عشان نعرف نتجوز طبعا، متنسيش بقي يا قلبي بليل عشان خلاص بكرة هنسلم المشاريع، المهم بس عاوزاك تتصلي بيا قبل ما تدخلي على طول.
اومأت له برأسها إلى الامام وخرجت متجهة صوب مكتبها، وهي تتذكر كل ما كدث معها وفعله عمر، كيف اهملها وخطب نهى بل وأخبرها بحبه أيضا، تشعر ببعض من الانتصار، تعلم أن عمر لم يحب ان ينهزم في حياته، وليست هزيمة عادية بل سوف يُهزم أمام عدي، على الرغم من انها تخشى رد فعله الا أنها تتمنى أن عدي يفوز عليه في ذلك الوقت..
❈-❈-❈
في المساء
كانت تجلس في غرفتها تنتظر الوقت المناسب، تنتظره عندما يكون في المكتب حتى تستطع أن تدلف وتفعل ما تريد، نزلت أخيرا بعد تردد كبير منها، ودلفت المكتب بهدوء.
عقد عمر حاحبيه باستغراب، فهي منذ زمن لم تاتي اليه، لكنه تجاهل دهشته وتمتم يسألها ببرود، وهو مازال لم يرفع بصره امام الاوراق التي امامه
:- نعم جاية ليه يا الاء هانم، دة على كدة في حاجة مهمة اوي بقي؟
فركت في يديها بتوتر جلي على جميع هيئتها، حاولت ان تخفي توترها حتى لا يلاحظه، ثم تقدمت منه بخطواتها وردت عليه بهدوء و كبرياء، على عكس ضربات قلبها التي تتسارع بداخلها
:- كنت عاوزاك تراجع معايا الحسابات اللي ياسين اخويا بيبعتهالي يعني عاوزة اتأكد على حساباتي اللي أنتَ بتستلمها.
من بعد تفكير كبير منها قد توصلت في النهاية الى ذلك الحل حتى تستطع أن تدلف المكتب وتصل إلى ما تريد.
طالعها بطرف عينيه بعدم تصديق، و دهشة حقيقية استحوذت عليه من حديثها، فهو كان في السابق يطلب منها ذلك الطلب كثيرا وهي ترفض وتخبره أنها تثق به، لكنها الآن هي التي تطلب منه، اردف يرد عليها بجدية حادة
:- ودة من امتى أن شاء الله، مانا كنت بتحايل عليكي قد كدة اشمعنى دلوقتي غيرتي رأيك؟
ردت عليه بلا مبالاه، و هي ترفع كنفيها ببرود
:- عادي عاوزة اطمن على حساباتي و حاجتي غلطت.
حرك رأسه نافيا ونهض يجلب الملف الذي كان في آخر درج خاص به يعين بداخله الاشياء الهامة، ثم بدأ يشرح لها ويجعلها تتطلع على كل شئ، لكنه قطع ما كان يفعله صوت هاتفه الذي دق معلنا وصول اتصال هام له، فنهض في الشرفة الخاصة بالمكتب يتحدث وتركها بمفردها.
وجدت هي أن تلك الفرصة المناسبة التي تريد انتهازها فبدأت تتطلع على الاوراق التي كان يعمل بها قبل ان تقطعه هي وتدلف عليه، وتنهدت براحة عندما وجدت أن ذلك الورق هو الورق التي تحتاجه لتنفيذ ما تريد، ثم بدأت تصور ما بداخله بدقة شديدة وارسلت حميع الصور لعدي في وقتها حتى يستطع ان يفعل ما يريده، ثم جلست في مكانها كما كانت تنتظر اياه وهي تشعر أن قلبها سيتوقف عن النبض من فرط القلق الذي تشعر به.
عاد عمر مرة أخرى بعدما انهي مكالمته ثم استرد حديثه مجددا وشرح لها بقية الاوراق، وأردف ببرود بعدما انتهى
:- اتفضلي بقر بما اننا خلصنا وبعد كدة ابقي راجعي انتي الورق شهر بشهره ماشي.
اومأت له براسها إلى الامام وخرجت متوحهة صوب غرفتها، وضعت يدها فوق موضع قلبها بعدما اغلقت الباب خلفها، شعرت أن قلبها يدق بداخلها بعنف وصوت مسموع، تنهدت براحة و ظلت تتنفس عدة مرات كأن انفاسها كانت محجوبة أسفل، وهي جالسة امامه، قامت بالاتصال على عدي، و جاءها صوته سريعا وهو يشعر بالسعادة لكونه انتصر على عمر في ذلك الشئ لأول مرة في حياته، حاول ان يبدي اهتمامه بها فسالها بهدوء
:- إيه يا حبيبتي خرجتي من عنده؟
همهمت تجيب اياه، وواصلت حديثها بنبرة حادة بعض الشئ
:- ايوة خرجت خلاص، شوف بقي يا عدي أنا استحالة اعمل كدة تاني انسى بجد، وتبقي اتصل بكرة عرفني عملت إيه بعد الصفقة.
رد عليها باقتصاب، وهو يلعن طريقتها الحادة معه التي تتحدث بها
: – لأ طبعا يا قلبي استحالة نكرر دة، أنا بس عملت كدة عشان لما اتقدم ليكي يبقي ليا صورة كدة قدامه، طبعا هتصل بيكي بكرة اطمنك يا قلبي.
اغلقت معه وهي تشعر بعدم راحة بداخلها، قد يطرح سؤال هام يدور بداخلها..
هل ما فعلته للتو صحيح ام لا؟!..
❈-❈-❈
في الصباح
لم تقوى آلاء على الذهاب للشركة أو الخروج من غرفتها، تشعر بالقلق ينهش في قلبها بشدة الذي على وشك أن يتوقف نهائيا، ظلت تدور في غرفتها ذهابا و إيابا بقلق..
لا تعلم لماذا عدي قد تأخر في الاتصال عليها ليطمنها، قطعت شرودها مع ذاتها على صوت رنين هاتفها الذي صدح في الغرفة، انتشلته سريعا من فوق الفراش بلهفة، و ردت على عدي مسرعة
:- إيه اللي حصل يا عدي، عملت إيه طمني؟
كان ذلك صوت آلاء التي كانت تتسأل بقلق وتوتر يعصف داخل قلبها الذي يدق بداخلها بعنف شديد.
رد عليها بثقة وسعادة تملأ صوته باكمله، حيث يشعر أن قلبه يتراقص بداخله، فلأول مرة في حياته ينتصر على عمر، وحدث ذلك بسبب مساعدة آلاء له وخطته الماكرة التي نفذتها
:- كسبتها يا آلاء كسبتها…آه لو تشوفي شكل عمر بعد ما عرف اللي حصل وإن انا اللي كسبت، تحسيه كان بيطلع نار من كل حتة يا قلبي، و هو اصلا عصبي لوحده، بس في النهاية مبروك لينا يا حبيبتي.
ضحكت بصخب وصوت مسموع، لكن على عكس ما توقعت كانت ضحكتها مزيفة، لا تعلم لماذا لم تفرح كما كانت تتوقع.
لكنها فحاة شعرت بتوقف قلبها بداخلها عندما استمعت الى صوت مكابح سيارة عمر التي تعلمها جيدا تحتك بالارض بصوت مسموع، حاولت أن تكذب أذنيها لكنها لم تستطع، فتمتمت لعدي بخوف
:- عدي دة شكله جه على هنا مراحش الشركة، أنا خايفة احسن يكون عرف أن أنا اللي عملت كدة.
رد عليها بهدوء ولا مبالاه من خوفها الواضح في نبرتها القلقة
:- لأ متخافيش ممكن ميكونش هو اصلا، هيجي هنا البيت يعمل ايه، بطلي أنتِ خوف.
أسرعت تتوجه نحو الشرفة التي بداخل غرفتها؛ حتى تتأكد إن كان هو مَن أتى ام لا؟ تود أن تكذب ما تشعر به، ولكن للاسف وجدته هو…هو يترجل من السيارة بعصبية شديدة، صفق الباب خلفه بقوة حيث شعرت انه سيقتلع من مكانه.
و لكن ما جعل خوفها يزداد أكثر هو نظراته التي تعلقت نحوها بغضب شديد، شعرت انه سيحرقها بنظراته وعينيه المشتعلة بنيران غاضبة احرقتها على رغم بُعد المسافة بينهما.
تمتمت قائلة لعدي برعب وخوف تملك من كل ذرة في قلبها، حيث ان نبرتها كانت غير منتظمة وحديثها غير مرتب
:- ع.. عدي، د… دة شكله، عرف بج.. بجد
لم يعطِ لحديثها اي اهتمام، بل ابتسم بمكر ورد عليها ببرود ولا مبالاه
:- استحالة يا آلاء يكون عرف بطلي أنتِ خوف شوية على الفاضي.
اردف جملته ثم أغلق الهاتف ينهي تلك المكالمة التي سوف تعكر صفو مزاجه السعيد لما حدث اليوم من نجاح مخططه كما يريد..
تطلعت نحو الهاتف بصدمة وعدم تصديق، تتأكد أنه أغلق المكالمة بالفعل، ثم وجهت بصرها نحو عمر مرة اخري على امل ان يكون ذهب نحو الداخل أو رحل من المنزل.
لكنها تفاجأت أنه لازال يطالعها بنفس النظرات الغاضبة الحارقة، ثم دخل الي الداخل وكأن الشياطـ’ين باكملها تطارده، بينما هي تشعر أن قلبها بالفعل توقف تماما، تمنت أن ذلك يحدث لها، تمنت ان تمو’ت في تلك اللحظة، تخشى أن يصعد اليها الغرفة و تخشى رد فعله بشدة، لا تعلم ماذا تفعل وماذا سيفعل هو بها؟!..
تلعن غباءها وموافقتها على تلك الفكرة الغبية التي فعلتها، فهي قد سقطت في مأزق كبير لا تعلم كيف ستخرج منه، ولكن من المؤسف انها فعلت ذلك بإرادتها، وهو بالطبع لن يصمت على ما حدث، فـ هي اكثر واحدة تعلم عمر وأنه لن يصمت على ما حدث، هو لن يصمت على ما يؤذيه ولو كان صغير، تلعن ذاتها في تلك الوهلة على انها فعلت ذلك الشي الأحمق، لن تنسى نظراته المرعبة لها الغاضبة بشدة التي حدقها بها منذ وهلة…
_عندما تأتي نيران الغضب على العقل
يتوقف تماما عن التفكير في الأمر
ولا يوجد به شئ سوى الغضب_
❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈-❈-❈ ❈
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنين وابتهاج)