رواية غرورها جن جنوني الفصل الرابع 4 بقلم ابتسام محمود
رواية غرورها جن جنوني البارت الرابع
رواية غرورها جن جنوني الجزء الرابع
رواية غرورها جن جنوني الحلقة الرابعة
أمسكت “سحر” هاتفها باحثة على رقم “مهيمن”، ثم قامت بالضغط على زر الاتصال منتظرة حتى أتاها صوته الجهوري:
– كابتن مهيمن، أنا سحر سكرتيرة كابتن حازم.
شعر أن هناك كارثة حدثت. نعم، كان يتوقعها لكن ليس من أول يوم، فرد بتهكم:
– أهلًا بيكي.
فأجابته بسعادة بالغة:
– أهلًا بيك يا كابتن، متصلة أبلغ حضرتك بمواعيد تمرين الآنسة توتا البرايفت؛ لأنها مشيت من غير ما تاخد المواعيد، ممكن تبلغها بيها.
– آه طبعًا.
– أربع أيام في الأسبوع الساعة (٨ : ١٠).
– تمام شكرًا أووى.
بعد أن أغلق الهاتف يحدث نفسه:
– برايفت! توتا وحازم لوحدهم ربنا يستر، فجلب رقمها على شاشة الهاتف واتصل بها قائلًا بمكر:
– إيه يا توتا مشيتي ليه من غير ما تاخدي المواعيد؟
فأردفت بترجٍ:
– بليز يا بابا أنا مش عايزة اتمرن مع الكائن دا، حضرتك ما لاقيتش غيره تبعتني عنده!
يكتم ضحكته وهو يقول:
– ودا أحسن واحد يعلمك فتنس صح، وده غير إنه الوحيد اللي بيمرن خماسي.
ردت بغرور وغيظ:
– دا حمار ولا بيفهم حاجة في أي حاجة.
رد عليها سريعًا بعصبية:
– توتا ما اسمحلكيش تغلطي فيه، أنا بعتبره زيك وزي إخواتك، ولو مش كويس ما كنتش بعتك عنده. وفي التدريب حاولي تنسي إنه حازم وخلي عقدك منه على جنب، علشان خاطري بطلي تعانديه ومواعيدك أربع أيام من الساعه (٨ : ١٠) صباحًا.
– تمانية! ليه حد قاله إني بقوم أسحر الناس، لا طبعًا.
أردفتها بصوت قوي به لهجة اعتراض وسخرية، فرد عليها بعند يفوق عندها:
– هتروحي ورجلك فوق رقبتك.
– قلت مش هروح يعني مش هروح.
– توتا خلص الكلام.. سلام.
كان رده بلهجة آمرة، ثم أغلق الهاتف دون انتظار ردها.
★★★★★
يعلن هاتف “مستقبل” صوت رنينٍ فينظر إلى شاشة هاتفه وهو جالس على الأريكة بأريحية ويمسك جهاز التحكم بالتلفاز يقلب بين محطاته، ثم يمسكه ويخبره المتحدث:
– إيه يا أسطا هي دي إجازة، ولا اشتغالة عليا؟
قالتها “كارما” بصوت رجولي متضايق، فأجابها بقوله:
– اشتغالة ليه بس يا كاري؟ ما أنا أهو قاعد من غير شغلة ولا مشغلة، وفاضي ليكي على الآخر.
حدثها بنبرة ناعمة هادئة، فردت عليه بلهجة بها ملل:
– طيب إيه؟ عندك فكرة نخرب بيها اليوم ولا نفكر؟
– من غير تفكير، إيه رأيك قبل الماتش نبيع أعلام وطواقي وزمامير.
فكان يبلغها بهذه الكارثة وهو يضحك، فردها عليه كان يتوقعه لأنها أجن منه وهي في الأساس تعشق المغامرات معه.
– وااااو أيوة بقى رجعنا لأيام الشقاوة تاني يا ريس.
– نصاية وأكون جاهز بكل حاجة، سلام.
وقبل أن يضغط على زر الإغلاق قال مسرعًا:
– صحيح بقولك؛ إياكي ثم إياكي ترني عليا كل ثانية، هخلص وأكلمك.
– طب والنبي يا عم الحنين تنجز إلا أنا عارفة قلبك المرحرح بزيادة.
أردفت جملتها بسخرية، وبداخلها غل وغيظ من معاملته الناعمة لجنس حواء، ضحك عبر حديثها وأخبرها:
– ما تقلقيش هحاول ما اتأخرش.
أغلقت الهاتف قبل أن تدمره من شدة الغضب الذي تملَّكها، فقد خشيت أن تقضي فترة الإجازة في مشاحنات كهربائية لا تنتهي بينهما، فجاهدت نفسها أن تحاول السيطرة على هذا الغضب المتملك منها بسبب تصرفاته الطائشة، الذي يراه من وجهة نظره ليس له داعٍ من الأساس، فتهمهم تدعي ربها أن يصبرها ويصلح حال خطيبها المشاغب:
– ربنا يصبرني عليك.. مهما تعمل بحبك وبموت فيك، آه لو اعمل زي ما مرات أخويا ما بتقولي، بس أعمل إيه لقلبي ما اقدرش استغنى عنك ثانية، مسيرك يجيلك يوم ويتصلح حالك.
يجلس “وجود” على مكتبه، ويفتح الحاسوب ويركز في تصميم برنامج يتمنى أن يكون نقلة له ولشركته.
فقطعت الصمت “كاميليا” بقولها:
– قليلة الذوق أووي زينة.
ينصب تركيزه بالكامل داخل الجهاز، ويرد عليها باقتضاب:
– فعلًا، سيبك منها.
تقف تصُك أسنانها بضيق، فتنحني تأخذ قلمًا من أمامه تكسره بغيظ كأنه هي، وتقول:
– ممكن بعد كده ما تعبرش التافهة دي تاني.
أخرج صوتًا من حنجرته بالموافقة، ثم رفعت يديها تقفل وتغلق قبضت يداها بقوة، وتقول بامتعاض:
– ممكن تركز معايا.
نظر إليها باستغراب عاقدًا ما بين حاجبيه، وأردف يسأل:
– أنتي بتتكلمي عن مين؟
أدمعت عينها لتأكدها بانشغال عقله مع الحاسوب، فتخبره وهي تفتح باب المكتب:
– خلاص يا وجود ركز في شغلك.
بصرها بتركيز، وقال قبل أن تغلق الباب خلفها:
– معلش أنتي عارفة الشغل دا بالنسبة ليا إيه، وفعلًا نفسي أتنقل نقلة تانية في عالم البرامج؛ لأن البرنامج دا لو نجح وبقى عليه إقبال هكتسح كل المواقع الإلكترونية، وهيبقى فيه تواصل أقوى بين الناس، وتسلية كمان.
ابتسمت بأسى، ثم أردفت وهي تضع يدها على وجنته الناعمة:
– خلاص يا حبيبي ركز، بس هيبقى ليا تصرف تاني مع البنت المستفزة زينة.
– أنتي اللي بتركزي معاها أووي، وعلى العموم ادعلها ربنا يهديها.
أجابته من بين أسنانها:
– يا رب.
★★★★★
بعد أن حضر “مستقبل” كل شيء يخص المباراة أخذ “كارما” وتناوبا الوقوف على أرصفة الشوارع هاتفين ببعض الأغاني الحماسية التي تشجع الناس على الشراء منهما، فاقترب الكثير من الناس يشترون، حتى استطاعا بيع كل البضاعة التي كانت معهما، ظلت تقفز “كارما” بفرح وهي تأخذ المال قائلة:
– هتعزمني فين بقى؟
– هعزمك جوه قلبى يا وحش.
أردفها وهو يحاوط خصرها بامتلاك، بعدت عنه مسرعة متفوة بثقة تحمل مشاكسة:
– قلبك دا ملكي وأنا فيه على طول.
– إيه الثقة دي.
– لأن قلبك ما يقدرش يدق من غير حروف اسمي يا شاطر، فلازم أثق وأثق أووي.
– أموووت فيك يا شرس وأنت واثق في نفسك، بس خلى بالك تقلب معاكي بغرور.
– ولنفرض أنت عندك مانع.
– إطلاقًا مطلقًا بالتلاتة.
جريت أمامه تستنشق رائحة البحر المميزة الذي يأخذها إلى عالم آخر، وتقول له بصوت مرتفع:
– تعرف الريحة بتاعة البحر دي بالنسبة ليا إدمان وبعشقها أكتر لما تختلط بريحتك، بينتج بينكم تركيبة فظيعة.
– طب تصدقي لو قلت إن الريحة اللي بتحبيها دي بتتكون من جزيء اسمه الكيميائي كبريتيد الديميثيل، سائل قابل للاشتعال ومش بيدوب في الماية، ومن معرفة المسار الكيميائي الحيوي هو اللي بيطلع الريحة، وعشان كده الطيور بتيجي على الريحة.
– سبحان الله.
ثم سارت بنتان بجانبه فقام بمغازلتهما:
– ويا ترى الأسود اللي هياكل منك حتة دا حزن ولا موضة.
فتوجهت إليه “كارما” تضربه على كتفه هاتفة بضيق:
– بتقولهم إيه؟ سمعني كده تاني.
– بقول ناقصهم إشارتين حُمر علشان لزوم الماتش.
قالها وهو يرمق البنتين بنظراته الثاقبة، فضحكت الفتاتان، فربعت “كارما” يدها بغل قائلة:
– هتبدأ تستعبط، وتقفلني؟
– مش بستعبط.
– يبقى هتستهبل؟
– ومش بستهبل، شكلك طالبة معاكي نكد.. أكيد هتخنقيني، يلا نروح.
– نهارك أسوح أنا بنكد وبخنقك، أنت شايف اللي عملته حالًا ما يستدعيش الزعل.
– لا.
رد عليها ببرود، فحاولت مسك دموعها وأردفت:
– روحني.
قلبه لم يتحمل زعلها منه ثانية فقال:
– هنزعل أهو، والله كنت بهزر.. إلهي اتشل في لساني.
لم يؤثر فيها قوله ولم تجب عليه، فأكمل:
– طيب وكمان رجلي…
فلم يرمش لها جفن فقلبها يحمل منه الكثير والكثير، فقال بحزن:
– إن شاء الله قلبي يقف دلوقتي واقع من…
قاطعت قوله عند هذا الحد، لا تتحمل أن يذهب من الحياة من غيرها:
– بعد الشر عليك يا رخم.
– أيوة كده، والله الدنيا بتضحك لما بتضحكي يا لمضة.
– على فكرة ذوقك بقى وحش، دول ولا فيهم ريحة الأنوثة.
– طب ما توريني أنوثتك.
– تحترق وجنتاها حرجًا، رفع حاجبًا وأنزل الآخر منتظرًا ردها، لكنها ضربته بحقبتها بصدره، وتركته.
قهقه بصوت مرتفع جعل كل المارة ينظرون إليهما.
★★★★★
تدخل “توتا” من بوابة الفيلا بعد الانتهاء من عملها بالجامعة، مصابة بصداع من الطلبة، وضيق تنفسي وعدم اتساع مدارك عقلها على ما أجبرها به والدها، أيمكن أن تظل مع “حازم” بنظراته التي تثير غضبها، تضرب الأرض بقدميها وهي تسير بدون النظر أسفلها، ولم تنتبه لهذا الحجر الصغير، الذي تدحرجت بسببه وتسبب في التواء ساقها اليمنى ووقعت أرضًا.
دلفت “نايا” لها مهرولة بعد سماع صوت صريخها:
– مالك يا توتا؟
– رجلي يا ماما مش قادرة أحركها.
– حاولي تتسندي عليا أوديكي أوضتك.
تحاول بأقصى جهدها، لكنها لم تقدر على النهوض، دخل “مهيمن” الفيلا بسيارته أوقفها عندما شاهدها تجلس على الأرض تبكي وبجوارها زوجته، فقال بقلق بعد أن اقترب منهن:
– حبيبتي قاعدة كده ليه؟
– رجلي يا بابا مش قادرة شكلها اتكسرت.
أجابته “توتا” وهي تبكي بألم حاد بساقها، مال عليها مسرعًا حاملها وأدخلها سيارته ليسارع بها إلى المشفى، دخلت إلى غرفة الإشاعات، ثم ذهبت الممرضة تبلغ الطبيب المناوب، بعد أن علمت بوجود تمزق في الأربطة، قابلت الطبيب وهو يدخل مكتبه فأبلغته:
– دكتور في بنت عندها تمزق في الأربطة.
يدخل الطبيب مسرعًا مكتبه يأخذ البالطو ويقول:
– في غرفة كام.
– اللي بعد الإشاعة.
توجَّه للغرفة وهو يغلق هاتفه.
★★★★★
أغمضت عيناها بنفاد صبر من شدة الألم، وعضت يد أبيها ثم أخذت تسب الطبيب بغضب حاد:
– رجلي هتموتني.. هو فين الحيوان اللي شغال هنا، أكيد طبعًا نايم والعيانين يموتوا عادي، هو لسه هيتأخر.. حد يستعجل الزفت على دماغه.
كان الطبيب بجانب الغرفة وسمع سبابها فضغط على أسنانه بشدة، كادت أن تتحطم وعزم أن يلقنها درسًا حتى تتعلم بأن تتفوَّه بأدب معه؛ فقال بحدة وهو يدلف إليها مقاطعًا “نايا” التي تلومها على أسلوبها الهمجي وسوء اختيار ألفاظها في مكان عام:
– فيه إيه لكل الدوشة دي؟ أكيد اللي بييجي هنا مش هيموت، فاطمني حتى لو سيبتك شهر هيفضل النفس داخل وخارج؛ إلا بقى لو ربنا أذن.
حدقته بعينين جاحظتين بهما ذهول فأجابته بغيظ:
– هو أنت! لا ولسه كمان بتسأل فيه إيه؟ هار إسوح عليك هو أنا جايه هنا علشان بسلامتك تقولي فيه إيه؟ وملاقوش غيرك أنت ياللي مش بتفهم وجيبينك ليا! والله شكلك دكتور بهايم.
ينظر لها “حازم” ويجاهد في الحفاظ على أعصابه ولا يتهور أمامها، حاول أن يتظاهر بالبرود في رده، عكس ما يشعر به من ثورة وغليان:
– فعلًا عندك حق، علشان كده جاي أشوفك يا بهيمة يا اللي لسانك كان لازم يتقطع وأنتي بتتولدي.
أصاب عقلها بالشلل المؤقت، من رده عليها بعكس طبعه الهادئ الصبور، فهي لم تستطع تحمله في جميع حالاته، فمسكت بشيء صغير بجوارها وقذفته عليه، لكنه تفاداه بمهارة، فأردفت بغيظ:
– حد يمشي الحيوان دا من قدامي.
كان “مهيمن” متابعًا لمشاجرتهما، ظل صامتًا حتى يرى نهايتها، لكنها احتدت فقرر أخيرًا إنهاءها بحزم شديد مرددًا:
– مالكم أنتوا الاتنين عاملين زي الديوك قدام بعض ليه؟
فأخبره “حازم” بنبرة مخنوقة سببها ضيق من قلبه الذي هواها وعشقها حد الجنون، وهي لا تشعر ولا تحس بهذا القلب الذي يتألم:
– دي عايزة بلطجي يتعامل معاها، بعتذر ليكم مش هقدر أكمل في الأوضة دي ثانية كمان، تبقى تشوف مين هيسعفها.
قال جملته واتجه نحو الباب، فذهبت خلفه “نايا” تترجاه:
– معلش يا حازم ما أنت عارفها دي رقيقة، لولا بس وجع رجلها لمس السلوك كلها في بعض.
ضحك على الفور بسخرية:
– رقيقة! أنتي هتقوليلي ما أنا عارفها ومش هتجيبه من بره، كربون من أخوها مستقبل.
كان يقترب منها بنظرات صقر يريد أن ينقض على فريسته، لكن وجود من يحميها يشعل ناره، فقرر أن يعاقبها على تجاوز لسانها بطريقته ولم يتجرأ أحد أن يمنعه، وقال وهو ينظر لـ”نايا”:
– ده علشان خاطرك أنتي وعمو بس يا طنط.
قبل أن تتفوه “توتا” وضع “مهيمن” يده على ثغرها حتى لا تنطق بحرف آخر، لكنها ظلت تسب وتلعن فيه بحروف غير مفهومة، مال “حازم” يمسك قدمها المصابة بحذر؛ لكنه كان بداخله يقصد أن يؤلمها بدون أن يسبب لها مشكلة في الإصابة، فصرخت صرخات مكتومة.
– الله هو أنا لسه عملت حاجة، اجمدي شوية يا بطل.
قالها بهدوء مميت، ثم التفت إلى “مهيمن” قائلًا:
بعد إذنكم تتفضلوا تقعدوا بره علشان اشوف شغلي.
نظر له ولها وقلبه لم يطمئن، فقال “حازم” حتى يطمئنه:
– الممرضات معايا هيمسكوها، ما تقلقش عليها.
أومأ رأسه وأمسك يد زوجته التي مالت على أذن “توتا” تترجاها بأن لا تتطاول عليه في الحديث بطريقة فظة، ثم تركتها وخرجا.
ينظر “حازم” لساقها ويقول بنبرة جادة يغلفها البرود:
– فيه جرح صغير محتاج أربع غرز، ومش محتاج بنج.
حدقت به بعينين جاحظتين ثم قالت بانفعالية:
– لا بقى.. لا بقى، أربع غرز ومن غير بنج دا اللي هو إزاي، ها إزاي؟ المهم أمي توصيني ما اغلطش، أنت اللي بتجر شكلي أهو!
ضحك على طريقتها وهو يمسك إبرة ليخيط جرحها، ويتصنع الهدوء والجدية في الوقت ذاته:
– يعني تاخدي أربع شكَّات ولا تاخدي أربعة وعليهم اتنين بنج.
فردت مسرعة بدون تفكير:
– أربعة بس طبعًا.
– يبقى تسكتي وسبيني اعمل شغلي.
فبدأ في خياطة الغرز، وقلبه كان يؤلمه على حالها، فقد كانت كل غرزة يشعر بأنها طعنة في قلبه الذي يعشقها، ولكن عقله يشجعه على فعلته الوحشية، كان يخشى النظر لها حتى لا يضعف وقلبه ينتصر عليه.
ما أقساه شعور بأن القلب يعشق ويحب قلبًا لا يشعر به؛ بل يتلذذ بعذابه وحيرته أمامه بكل غرور وتكبر.
وبعدما انتهى قال:
– يلا بقى علشان تستعدي للعملية.
قالها وهو يقلع القفازات من يده، عضَّت على شفتيها تكتم صراخها ثم قالت:
– العملية دي هاخد فيها بنج مش كده؟
– طبعًا كده، بس لو حابة من غير أنا مس…
وقبل أن يكمل حديثه أزاحت كل شيء من عليها ونهضت تقفز على قدم واحدة وهي تقول بصراخ وتمسك مشرط:
– وربنا لهقتلك يا دكتور البهايم، أبو شكل اللي مسكك شهادة طب بشري.
كان يركض داخل الحجرة، وهو يقول:
اعقلي يا مجنونة، كل دا علشان بنج.
– ده أنا هفرج عليك العالم يا بتاع شكتين ولا أربعة، استنى بس تقع تحت إيدي.
وقف فوق الفراش، وتمكنت الممرضات بالإمساك بها، فقفز قفزة واحدة أوصلته للباب، وبدأت الممرضات في تهدئتها وتجهيزها للعملية.
★★★★★
تدخل “كارما” فيلاتها التي تقترب من فيلا “مستقبل” وهي تهمهم ببعض الكلمات ووجهها عابس يدل علي عاصفة وشيكة جديدة بينها وبين المشاكس، توقفها زوجة أخيها التي قابلتها على هذه الحالة، اعتلت وجهها ملامح استفهام ثم استطردت قائلة بحنق:
– اوعي تقولي مستقبل اللي مزعلك تاني؟
دوت ضحكتها الساخرة لتجيب:
– هو مستقبل بيزعلني أصلًا، دا ملاك على هيئة بشر.
افتر ثغرها عن ابتسامة واهية:
– الحمد لله طمنتيني.
رفعت حاجبيها بدهشة ثم قالت بهستيرية:
– هو فيه غيره بيقدر يضايقني، يضايقني بس! دا بيولعني، أنا خلاص مش عارفة أعمل في عينه الزايغة دي إيه؟ أنا جبت جاز منه، عارفه يا “أمل” لو عود كبريت ولع حالًا أنا هنفجر.
تصمت “أمل” وتركز بحاسة شمها القوية وتقول ببكاء مصطنع:
– طمنيني وقولي أن دي ريحة شياطك.
– لا ريحة طبيخك اللي بقالك شهر بتحضري فيه.
قالتها “كارما” وهي تزفر أنفاسها بحنق، ثم تركتها وهي تتمتم بغيظ، فنعتت “أمل” حظها:
– قولتيلي ليه الصراحة، نفسي مرة أعمل أكل عدل.
اقترب “سليم” أخو “كارما” محتضنًا زوجته من ظهرها:
– حبيبتى واقفة مذهولة ليه؟
– أصل أختك بتشيط.
رفع حاجبه الأيسر باستغراب، فأردفت موضحة:
– يوووه أقصد الأكل بيشيط سيبني أنقذ ما يمكن إنقاذه.
أدارها وجعلها تقف في مقابلته:
– تنقذي إيه يا قلبى، أنا لحقت المطبخ قبل ما يتحرق هو كمان.
ثم أكمل وهو يسبل جفنيه برومانسية:
– أنا أخدت إجازة النهاردا من الشركة وهنتغدى بره، وبالنسبة لبابا وماما معاهم ربنا بقى وياكلوا أي حاجة، علشان دندن تحرم تعتمد عليكي تاني مرة.
(فهو شريك في شركة أخيه “أنيس” الذي تبدل معه وهما أطفال، وعندما تخرج “أنيس” قام بإنشاء شركة بالمال الذي كان يحتفظ به “فادي” من إيراد العمارة التي ورثها عن أبيه، وأصر أن أخاه يشاركه بمجهوده ويأخذ نصف أرباح الشركة مثله، حبًّا وتقديرًا لوالده الذي رباه، فهو مدين له ولا يقدر على رد هذا الجميل، فقد حارب الدنيا من أجل استرداد أمواله، وأيضًا والدته “دانية” التي لم تفرق في يوم بين معاملته ومعاملة أبنائها، ولم تشعره قط أنه ليس من أحشائها).
بعد ما انتشى سرورًا قلبها، فردت “أمل” بأسف:
– بس ماما من الصبح بتحضر لفرح “أنيس”، حرام ترجع ما تلاقيش أكل.
– بقولك إجازة والبيبي سيتر هتقعد مع الواد تقولي حرام، طب خليكي وما ترجعيش تقولي نفسى أغير جو في هدوء.. إن شاء لله أقعد في المستشفى يومين.
ضحكت وهي تحاوط رأسه وتقول بدلال:
– على طول كده تقول خليكي.
– ما أنتي يا روحي بتصعبي عليا، فاعمل كل دا وأأجل كل المواعيد وأنتي عارفة إن أنا اللي شايل الشركة لوحدي الأيام دي، وتيجي دلوقتي تعصبيني.
– خلاص سوري سوري سوري.
قالتها وهي تضيق عيناها بأسف يحمل معاني الدلع، تناهد وهو يمسك يدها متوجهًا لغرفتهما:
– تحبي نروح فين؟
– لا لا لا، الجملة دي مش عايزة اسمعها، أنت توديني على طول أي حتة المهم أخرج من أم البيت؛ لأن خلاص فيوز عقلي هتضرب.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)