رواية غرورها جن جنوني الفصل الثاني 2 بقلم ابتسام محمود
رواية غرورها جن جنوني البارت الثاني
رواية غرورها جن جنوني الجزء الثاني
رواية غرورها جن جنوني الحلقة الثانية
تنزل “توتا” من غرفتها، تمشي تحدث نفسها؛ تود أن تعلم كل شيء سريعًا، تصطدم في “حازم” الذي كان يرجع بظهره، فسرعان ما صرخت تتلفظ بصوت جهوري:
– أنت أعمى.
لم يصدق نفسه أنها أمامه وبالقرب منه، كم اشتاق أن يسترق النظرات إليها دون أن يظهر هيامه بها!
فكل شيء فيها اشتاق إليه، فتمنى أنها تحن على حاله ثانية حتى بابتسامة. يفوق من شروده وهي تضع يديها عليه تبعده عن طريقها، وهي تهمهم بطلاسم لا أحد يفهم تفسيرها، ثم تقترب من أبيها تنظر في سحابة عينه الصافية بتمعن؛ تتمنى أن تعرف حقيقة ما قرأته. وفي الوقت ذاته تدعو الله أن يكون كابوسًا وليس له أي أساس من الصحة، لكنها انتبهت على يد تحاوط خصرها وهو يقول بتساؤل:
– القمر واقف بعيد ليه وسرحان؟
نظرت مسرعة إلى أبيها بتوتر ولم تعرف ماذا تقول عن ما أخفاه عنها وعن حقيقة هويتها.
– حبيبة بابا مالك؟
رمشت بعينها عدة مرات، ثم بللت شفتيها مجيبة عليه بعد تفكير:
– أنا.. أصل أنا عايزة أتكلم معاك ضروري.
وقبل أن تُنهي حديثها انهمرت دموعها كالشلال.
لم يرَ ابنته في هذه الحالة من قبل، أخذها في حضنه قائلًا:
– توتا بتعيطي ليه؟ قلقتيني عليكي، تعالي يا حبيبتي اقعدي وقولي كل اللي أنتى عايزاه.
تدخل”مستقبل” في حديثهما سريعًا، قائلًا بمشاكسة:
– هيكون فيه إيه يعني، ها إيه؟ تعالي معايا يا توتا وسيبي البوب يحتفل النهاردا.
ثم قال مازحًا وهو يلوح بيده:
– أهو مش سامح لحد يعكنن عليك يومك.
– اقسم بالله ما في غيرك…
قاطعه قائلًا بمزاح:
– أنا عارف كل حرف في قلبك ليا، يا حبيبي يا باااابا.
أولى وجهه لـ”توتا” ممسكًا يدها بحب قائلًا بصوت هادر:
– حبيبتي طمنيني عليكي.
تمسح دموعها قائلة بقهر:
– أنا كويسة، بعد البارتي نتكلم.
قلبه لم يطمئن عليها، يرمق ابنه المشاكس بعد أن قبَّل رأسها وقال بجدية:
– عايزك تقلب نفسك سيرك قومي، وتضحك البونبوناية بتاعتنا على ما أشوف الناس.
ابتسمت على الفور، ثم وضع “مستقبل” يده على عينيه الاثنين، لكنها تمسك يد أبيها قبل أن يمشي وتقول:
– عقبال ميت سنة وأنتم مع بعض في رومانسية.
– قصدك مع بعض توم وجيري.
رفع “مهيمن” يده يمسك ابنه من قميصه بعد مزحته الأخيرة:
– وأنت إيه دخلك في الفيلم دا.
– لا ما أنا الكلب اللي بيعكنن على توم حياته.
حاول “مهيمن” أن يمسك أعصابه وهو يخبره:
– أنت صح، الناس بس تمشي واربطك في الشجرة وانفضك.
ثم يذهب بدون أن يسمع ردَّه، يجلس بحوار “نايا” محاوطًا كتفيها بيده:
– كل سنة وأنتي جوة قلب قلب قلبي.
لم تصدق أن معشوقها يتذكر عيد زواجهما برغم كل المسؤلية ومشاغله، فدخل عدد كبير من الندل يضعون مشروبات وكعكات عليها صورها، ثم يصدر أصوات ألعاب نارية في أعلى السماء ويتكون بها حروفها، ثم صوت موسيقى يرتفع في أنحاء الفيلا وتنزل لافتة مكتوب عليها:
“مرت سنوات علينا يا أميرتي وفاتنتي ومعشوقتي المجنونة، ستظلين دائمًا داخل فؤادي تنعمي، وحبك بداخلي يزداد كل يومٍ أكثر من ذي قبل، ولم يرهقني يومًا، اليوم أكملت تأبيدة أتمنى أن أحيا معك عمري الباقي وأنتِ داخل أحضاني تسعدي، مسحورًا أنا وسابحًا داخل عيونك اللتين أسرتني وخطفتني فوق السحاب لعالم لا يوجد بداخله غيرنا”.
ملامحها تهللت من آثار المفاجأة، عانقته بحب صادق يختلج صدرها.
توجهه نظر العاشق الميتم، فهذا اللقب ليس من أبيه فقط، فتيتُّم قلبه من حبيبته أصعب من ألم فراق أبيه، الذي يعلم مكان مدفنه جيدًا، إنما هي لم ترغبه.. فيا ترى من يسكن قلبها؟ فكرة أنه لا يعلم من داخل قلبها تجن جنونه، سقطت دمعة من عينه على حاله.
في هذه اللحظة دخلت بنت طويلة ونحيفة، وجهها مليء بمستحضرات التجميل بألوانها الصارخة، تضع عدسات زرقاء بعينيها، وترتدي فستانًا نبيتي قصيرًا يبين مفاتنها. نعم، هي تعشق المظاهر ودائمًا تحب أن تلفت الأنظار لها حتى لو كان تجمعًا بسيطًا في حفلة صغيرة.
دلفت الضيفة الحسناء صاحبة الصوت الأنوثي لـ”وجود”:
– يااااي اشتقتلك كتيييير.
– أيووووو على رخمتك وتقل دم أهلك.
قالتها “كارما” وهي تشد على يد “زينة” التي تود أن الأرض يختل توازنها وتقع الفتاة بحذائها العالي على وجهها حتى تتبدل زينتها بالوحل.
ابتسم وجود، وصافحها بابتسامة:
– حمد الله على سلامتك يا كاميليا.
– الله يسلمك يا بيبي.
– يا ترى اتأخرت على عصافير الكنارية بالعصير.
قالتها “كارما” من بين أسنانها بابتسامة صفراء.
فترد عليها بتعالٍ وغرور:
– لا ميرسي عاملة رچيم.
أجابتها بسخرية:
– رچيم!
ثم ازدادت بنظرات مسكنة ونبرة خبيثة:
– لا والنبي لأنتي شاربة، أصل حمايا بيزعل على الضيوف، أصل كلام بيني وبينك عنده أي شيء يهون إلا إكرام الضيف، يرضيكي يزعل؟
أردفت بنظرة كلها عجرفة:
– لو فيه ضيوف هنا يبقى أنتي، مش أنا.
ردت عليها بتهكم وابتسامة كلها ثقة:
– لا ما أنتي مش هتطولي.
سألتها بزعر وغيظ:
– بتقولي إيه؟
نعم، “كارما” أخرجت ما تكتمه داخلها، وتتمنى لو أن خطبتهما لا تكتمل، لكنها ترد عليها بمكر دفين وتضع يدها اليمنى على ذقنها:
– ليه هو أنتي ناوية تباتي؟ لتكون ناوية!
تتركها “كاميليا” ومشيت بضيق بعد ما أبلغتها:
– ابعدي عني يا بتاعة أنتي، أنا مش عارفة وجود سابني مع البنت الغياظة دي ليه؟
تضحك “كارما” من داخل قلبها فهي دائمًا تحب مشاكساتها وكل مرة تنجح وبامتياز، عندما وصلت “كاميليا” إلى منتصف الجميع تسلم بكل نعومة ونبرة تذيب الجليد، وتوقد اللهب بقلب “زينة” الحياة التي ارتعش جسدها بتوتر، فقد أرادت الهرب من مكانها قبل أن تراها أمام عينيها، لكنها حاولت أن تقف وتثبت حتى لا تثير انتباه أحد لشدة غيرتها من هذه البلهاء.
الجميع تبادلوا الضحك مع بعضهم حتى فرِّقوا؛ الكبار في ناحية والشباب على طاولة ثانية. وضعت “كاميليا” يدًا على صدرها والأخرى على فمها تدعى الكحة، حتى تبين لمعان دبلتها الألماظ للحاضرين، فتقول “زينة” بلهجة ضيق لـ”كارما”:
– البت بتعمل نفسها بتكح وبتغيظني بالدبلة يا كاري.
فترد عليها بثبات انفعالي:
– سبيها عليا.
ثم تضع يدها على حجابها تظبطه، وتخرج أنفاسها بقوة قبل أن تتفوه باستهزاء:
– إيه دا! أنتي بتكحي؟
ردت بلهجة تعالٍ وهي تلعب في خاتمها الذي يسير غيظهما:
– آها.
– ويا تري الرئة في أنهي عقلة؟
– نعم.
تفوهت بها “كاميليا” بعدم فهم، فتزيد الجرعة “كارما” بقولها:
– أنا ملاحظة المشكلة في الدبلة، اقلعيها وارميها فورًا قبل ما تقلب ربو وذبحة صدرية، صدقيني أنا خايفة عليكي.. هو لبس الدبل اللي بيعمل كده.
صمتت لثوانٍ تجمع ردًّا يغيظهما حتى تخفي ضيقها:
– تفتكري اشرب إيه؟
– منقوع المحن بزيادة حلو هايخففك.
نظرتها لهما زادت في احتقارهم، ولم تُجِب على “كارما” ناظرة لـ”وجود” حتى يأتي، فتقول “كارما” لـ”زينة” بخفوت:
– البت دي شمال وفرساني.
سمعتها “كاميليا” وقفت وحدقت بهما، فتعدل “كارما” ما قالته بقول:
– ده أنا بقول امشي على طول أول ما تدخلي الفيلا شمال، هتلاقي بتوجاز انقعى الدبلة واشربي مايتها كل يوم على الريق.
ثم تكمل بصوت لا يسمعه إلا من يميل حتى يجلس بجانبها:
– هاتنشف ريقك وتكحي كحة تجيب أجلك إن شاء الله.
– اسمعي منها دا أنا كنت كده الكحة هاتخلع القفص الصدري، والحمد لله البنات عالجوها صح.
أخبرهن “مستقبل” هذا الحديث بكل برود، فتولي نظرها عليه هاتفة بحدة:
– بتقول إيه؟!
لم يجبها وادَّعى الانشغال بهاتفه، تضغط على أنيابها قائلة بغيظ:
– ما تستعبطش رد عليا.
– أحط إيدي بس على السؤال وأجاوبك على طول.
– مستقباااال.
قالتها “كارما” بتحذير، فأجابها على الفور خاشيًا فيضان أنهار صبرها، فقال بمكر:
– أنا بتعب من أم النبرة دي، أقصد كارما حبيبتي بتعالج ميه ميه طبعًا.
– ما الإنسان مش بيتعب أوي غير لما عينه تكون زايغة.
تضحك “كاميليا” من قلبها على من قام بفرس “كارما”، ثم تردف “كارما” بكل هيبة وهي تتطلعها بقرف:
– دا أكيد حمض كياتين المركب اللى بنحطه للمخطوبة لما بتنهأ، بصي علشان اريحك جربي تحطي زئبق على الدبلة كدا، حتى نخلص كلنا.
– حبي اهدى عليها شوية، مهما كانت ممحونة دي خطيبة أخويا.
قالها “مستقبل” بعد أن قامت “كاميليا” تمسك حقيبة يدها متوجهه لخطيبها المشغول عنها مع “حازم” الذي حاله يصعب عليه، تقول وهي تهز جسدها بضيق ظاهر:
– هتفضل واقف هنا كتير وسايبني.
امسك يدها ومشى بعيدًا عن “حازم” قبل أن يقول:
– “كاميليا” إيه الطريقة اللي بتكلميني بيها قدام صاحبي دي؟ أنا قولتلك قبل ما تيجى مش هكون فاضي أقعد معاكي.
– يا بيبي أنا بحب أكون معاك دايمًا والأيام دي ما بقيتش مهتم بيا خالص زي الأول.
ثم ترفع يدها تحركها على وجنته وهي تكمل:
– نسيت أيام الثانوية كنت بتخاف عليا من الهوا اللي معدي، ما كنتش بتسمح لحد أيًّا كان يرفع عينه فيا.
– “كاميليا” أنا زي ما أنا، وأنتي عارفة مليش في كلام الحب والمظاهر الكدابة.
تزفر أنفاسها بضيق:
– عارفة، بس نفسي يا وجود حتى تعمل كده علشان أكون مبسوطة.
– أعمل إيه يعني.
– زي كده مثلًا.
قالتها بعد أن مالت على ثغره المثير، اتسعت عينه على الفور مزهولًا مما فعلته هذه البلهاء وأمام أعين الجميع.
– أنتي شايفة أن اللي عملتيه دا عادي.
لوحت بيدها قائلة بلامبالاة:
– خطيبي ومن حقي.
رفع يده يمسح وجهه حتى لا يفقد أعصابه عليها، خشي النظر خلفه فيقول:
– امشي حالًا من وشي.
– وجو…
قاطعها بحدة مع صعود وهبوط صدره بأنفاسه الهادرة، ثم صدح صوتًا مرعبًا بأمر:
– اممممشي.
مشيت وهي تكتم غيظها وعلى وجهها غضبًا واضحًا.
حاول أن ينظم أنفاسه ثم حك حاجبه الأيسر بإحراج من نظرات الجميع له، فخفف أخوه من حدة الموقف بقوله:
– مين هيلعب.
تردف “توتا” التي تشعر بإحراج أخيها هادئ الطبع برغم ما تحمله داخل قلبها من ألم وحزن:
– طبعًا هنلعب، بس قول لعبه عدلة.
– فيه لعبة المعالق أو البلوك اللي هي ((JENGA أو الهاتف الورقي، اختاروا.
الجميع اختاروا أهدى لعبة وهي (JENGA).
وهي لعبة المجسمات الخشبية، والتي يمكن لعبها بمشاركة عدة لاعبين، يضع كل لاعب قطعته الخشبية لبناء كتل الأخشاب الصغيرة على شكل برج كبير للأعلى. يتناوب اللاعبون في وضع الأخشاب دون إسقاط البرج. يخسر اللاعب الذي ينهار البرج بسبب وضع قطعته بطريقة خاطئة أو فقدانه توازنه.
لعبوا جميعهم وخسر الجميع ما عدا “توتا” و”حازم”، كانت ناظرة إليه بنظرات حادة تكاد أن تتحول بسببها اللعبة إلى حلبة مصارعة عنيفة؛ “فحازم” كان يستمتع بنظراتها الشرسة ويكتفي أنها بالقرب منه، فكان يحاول التركيز حتى لا يسقط البرج ويبعدوا عن بعضهما من جديد. ظلا يلعبان حتى آخر قطعة خشبية، وقامت “توتا” بضيق من عدم هزيمته.
انتهى الحفل وغادر الجميع، لكنهم يحملون الكثير داخل قلوبهم.
يدخل “مهيمن” وهو واضع يده على كتف معشوقته داخل الفيلا، تقف “توتا” والدموع تلمع بعينها متحدثة بضيق:
– معلش مش هقدر استنى لبكرة من غير ما اعرف الحقيقة.
هز رأسه بعدم فهم وقال وهو عاقد حاجبيه:
– حقيقة إيه؟
أخرجت الورقة اللعينة من جيبها، تقدمت خطوة ورفعتها بيدٍ مرتعشة، أخذها منها وقبل أن يتطلع بها كمشها داخل يده، علا صوت أنفاسه المضطربة ثم أغمض عينيه بقوة ولم يجِبها، فأكملت بغضب وحدة:
– يعني صح أنا مش بنتك، أنا مش “توتا مهيمن محمد الزناتي”، أمال أنا بنت مي…
قاطعتها “نايا” سريعًا معاتبةً بعد ما كسا وجهها الذهول والحزن، وتملك من قلبها:
– إزاي تقولي كده؟ أنتي بنتي أنا.
وضعت كلتا يديها على عينيها؛ لتجمد دموعها وتحبسها داخل محرابها مرددة بحسرة:
– بس بالتبني زي ما مكتوب في الشهادة.
ثم شردت تتذكر بعض الذكريات من الماضي، صمتت لثوانٍ واستطردت مكملة بمرارة تغزوها من الداخل:
– عشان كده لما كنت بطلع أي ورق رسمي زي البطاقة والرخصة كنت مش بتسيبني أروح غير يا دوب على الصورة.. وأنا اللي كنت بقول علشان منصبه كل حاجة بتخلص بسرعة، ومش عايز يتعبني، أتاري ما كنتش عايزني أعرف الحقيقة المرة. ما ترد.. ساكت ليه؟
أنا بنت حرام صح؟ انطقوا كلكم ساكتين ليه؟
عقب جملتها الأخيرة وقعت على الأرض وانطلقت دموعها الحبيسة وانهمرت بقوة، هزت “نايا” رأسها بنفي تنفي حديثها، وهي تقترب منها تأخدها في حضنها باضطراب قائلة بهدوء:
– لا والله أبدًا، إزاي تفكري في كده؟ عمري أنا ولا بابا قصرنا معاكي في حاجة.
– مش بالتقصير إزاي أهلي يرموني.
رمق “مستقبل” والده الصامت مخبره:
– ما تقول حاجة يا بوب، قولها إن في غلط في الشهادة.
اقترب “وجود” من أبيه بصدمة قائلًا بأدب:
– بابا أنت هتفضل ساكت.
قبض “مهيمن” يده فآلامه تفوق آلامها بكثير، حزين على تفشي السر. نعم، هما أخذاها وهي طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات، لكنهما استطاعا أن يمحوا لها الماضي، ولم تتذكر إلا هما، باتا سنين وسنين حتى نجحا في أن يجعلاها تنسى نسبها المزور، وفي لحظة كل شيء مُحي من عقلها ولا ترى غير هذا الحبر اللعين، فأبلغها بتهكم وهو يمسك يدها:
– ممكن تقومي وتسمعيني بعقل.
نهضت ممسكة يده ناظرة بعينه، ثم جلست على مقعد بالجنينة ولم تتكلم، قطع “مهيمن” الصمت قائلًا بلسان ثقيل:
– اللي مكتوب صح.. أنتي بنتي بالتبني. هفكرك بكل حاجة، مع إني كنت أتمنى كل الماضي يموت مع الزمن، لكن للأسف الماضي هيفرض نفسه وهيستمر رغم أنف الجميع.
يقاطعه “مستقبل” بجدية فكان يجلس بامتعاض:
– أيًّا كان اللي هتقوله دلوقتي مش هينفي إنها أختي وبنتك.
تفوَّه “وجود” بتوتر، بعد أن اقترب يمسح دموعها:
– ممكن تهدي، أكيد يعني مش هيكون خاطفك، ومهما يكون اللي هتسمعيه مش هيغير من وضعك معانا أنتي فاهمة.
– لما اسمع احكم.
قالتها بجمود حاد، تنحنح “مهيمن” وحاول أن يفشي سر العمر.. كانت الأحرف لأول مرة لا يمكنه تجميعها، دفن الماضي في عقلها بذكائه، وحانت الآن الساعة حتى يتم محاسبة الجميع، ويظهر كل شيء من جديد. سرد لها كل شيء من أول دقيقة عينه وقعت عليها حتى إظهار حقيقة أنها ليست ابنة من قاما بتقديم بلاغ أنها مخطوفة، وأنها ابنة رجل متزوج من زوجة ثانية وهو أنجبها من زوجته الثانية وخاف أن يفتضح أمره أمام زوجته الأولى بعد موت الثانية وهي في حجرة العمليات فأعطاها “لجهاد” التي كانت تكذب على زوجها بأنها حامل حتى يرجعها لعصمته مرة أخرى وتسرق من ماله بكل حرية.
– يعنى أبويا باعني، واللى أخدتني كانت بتلعب بيا علشان يرجعها جوزها تانى لعصمته.
أغمضت عينيها بقوة وهي تضع يدها على وجهها، الذكريات تلاحقها بقوة والحقائق تصدمها بوحشية، فالذكريات كانت تخزَّن في عقلها الباطن عندما قال كل شيء تذكرته بكل سهولة، فما تسمى أمها كانت تضربها بلا رحمة حتى لا تخبر أباها المزور كل ما تشاهده بعينها من أمها وعشيقها، تذكرت أهم شيء سبب عقدتها من الرجال؛ فمن يسمى أباها كان يضرب زوجته بافتراء أمام أعين الطفلة، وعشيقها كان يجامعها بسادية أمامها؛ فكل هذا جعلها تكره الرجال ما عدا من حن عليها من أول يوم. نعم، كانت تخاف منه في أول دقيقة، وترفض أن تأخذ منه الشوكولا، لكن عندما جلب لها العرائس ومازحها أحبته دونًا عن الرجال. أغمضت عينها بقوة حتى تحاول إبعاد الذكريات البشعة، فهو محق عندما حاول جاهدًا محو كل الماضي الأسود. بكت بحرقة فنهضت “نايا” من على الأريكة، جلست على ركبتها تحاوطها بذراعيها، ثم قالت بوجع على وجعها:
– توتا أنا حاسة إنك موجوعة، وافتكرتي حاجات تعبتك، علشان خاطري اهدي.. قلبي واجعني أووي ومش قادرة أشوفك كده، مش مستحملة أسمع صوت عياطك.
وقف “مهيمن” كالأسد لحظة استحواذه على مملكته بكل غضب وثوران:
– ممكن افهم إيه اللي مزعلك.
– بوب اهدى ربنا عالم بحالها.
نطق بها “مستقبل” بألم على توتا المنفطرة من البكاء، قامت بانكسار وضعف لتخبرهم:
– أنا عايزة امشي من هنا
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)