رواية كاليندا الفصل العاشر 10 بقلم ولاء رفعت
رواية كاليندا الجزء العاشر
رواية كاليندا البارت العاشر
رواية كاليندا الحلقة العاشرة
أخبرت والدها عن رغبتها في العمل لم يستطع الرفض خاصة إنه يعلم حالتها النفسية، فتمني أن يكون عملها يشغلها عن تلك الدائرة التي تحاوطها من بداية الحادثة وحتي هذا الوقت.
قدمت أوراقها الشخصية إلي صاحب المتجر وكان رجل في بداية الأربعون عاماً، أخبرها أن كل ما يريده هو الإخلاص في العمل والأمانة وهناك عدة كاميرات بداخل وخارج المحل تُسجل كل حركة للوافدين وللمغادرين، وأي مشكلة ما تعود إليه أولاً وتخبره.
و في يوم ما عادت من العمل، وجدت عمها في إنتظارها و برفقته فتاة يبدو من مظهرها تعمل في مجال الصحافة، بعد المصافحة وتبادل السلام، قالت الفتاة:
_ أزيك يا شمس، أنا بسمة عمار صحفية في جريدة المرأة، قريت من قريب مقال عن قضيتك وعملت بحث عنك وتقريباً وصلت لكل حاجة عنك وعن إبن النائب حماد السفوري، بصي يمكن طلبي هايكون صعب شوية بس ده الحل الوحيد عشان توصل قضيتك للناس كلها وهم أنهم يشوفوكي صوت وصورة،أنا عارفة طبعاً أنك عملتي بث مباشر علي الفيس بوك قبل كده،بس بأكدلك دعم الجريدة هيكون أقوي و هيخلي الجهات الُعليا هتهتم بالموضوع بشكل أسرع.
حدجتها شمس بعدم فهم ثم نظرت إلي عمها الذي قال:
_ أستاذة بسمة تقصد إنها ها تسجل معاكي لقاء بالصوت والصورة تحكي فيه كل حاجة وهي هتنزله علي قناة الجريدة اللي بتشتغل فيها وكمان هتشيرو علي عدة مواقع في السوشيال ميديا وبكدة ممكن صوتك يوصل لأكبر المسئولين وجمعية حقوق المرأة وبالتأكيد كل ده في صالحنا وهيدعم قضيتنا ضد حماد وإبنه.
وهنا تحدثت الصحفية بإبتسامة إليها قائلة:
_ بحيث كدة بقي نبدأ التصوير.
وأخرجت من حقيبتها كاميرا رقمية وقامت بوضعها فوق إرتفاع ثابت وبدأت بتشغيلها، أخذت تلقي عليها الأسئلة و الأخري تُجيب وتسرد كل ماحدث وفي نهاية اللقاء قالت بسمة:
_ و في نهاية اللقاء يا شمس تحبي توجهي رسالة لمين؟
نظرت نحو الكاميرا وأجابت:
_ أحب أوجه رسالتي للقاضي اللي هيحكم في قضيتي، ياريت تعتبرني زي بنتك، وتحكم بالعدل وتجيبلي حقي من اللي ظلمني و ضيعني، و رسالة لأكتر إنسان حبيته برغم صدمتي فيه، موقفك قواني ما كسرنيش وشكراً.
فرت عبرة من عينيها قامت سريعاً بمسحها، يكفيها ضعفاً وهوان.
※※※
أنتشر هذا اللقاء في خلال أيام علي جميع مواقع التواصل الإجتماعي و علي إحدي برامج التلفاز، ففي منزل السفوري، كانت هدي جالسة أمام التلفاز تشاهد إحدي المسلسلات، قاطع مشاهدتها صياح ابنتها:
_ ماما، إلحقي يا ماما.
ألتفت إليها والدتها وسألتها:
_ في إيه يا آخرة صبري؟
جلست الأخري بجوارها ثم وضعت شاشة الهاتف أمام ناظريها:
_ أتفرجي وأنتي هاتعرفي.
بدأ الفيديو بالعمل وكانت تري وتستمع ووجهها يشتد من حُمرة الغضب قائلة:
_ آه يا ولاد الـ…..، بقو عاملين تفضحونا وتفضحو ابني.
أخذت الهاتف بعنف من يد إبنتها ونهضت ذاهبة إلي زوجها النائم لتوقظه:
_ حماد، يا حماد، أنت يا للي نايم علي ودنك وشاطر تقولي أنا هددتهم ومش هيعملوا حاجة.
أستيقظ بفزع من صوتها الجهوري:
_ فيه إيه يا هدي علي الصبح، حد يصحي حد بالشكل ده؟
أعطته الهاتف وهي تصيح:
_ خد شوف المصيبة، البت البجحة بدل ما تداري علي مصيبتها رايحة تفضح نفسها وتجرسنا قدام العالم صوت وصورة.
وبعدما شاهد دقيقتين أوقف العرض وتناول هاتفه من فوق الكمود جواره، وقام بمهاتفة المحامي الخاص به:
_ أيوه يا محامي الغبرة، إيه اللي بيحصل ده؟
تفهم الآخر سبب غضب موكله فقال:
_ والله ياباشا أنا لسه متفاجئ النهاردة زيي زيك.
صاح الأخر وكأنه ثور هائج:
_ تتصرف وتوصل للجريدة اللي عملت اللقاء ده وتروح للبت الصحفية دي وتقولها تحذف الزفت ده من كل حته أتنشر فيها إلا وقسماً بالله أقفلهم الجريدة دي خالص.
أجاب الآخر:
_ أمرك يا حماد بيه، أعتبره حصل.
_ لما نشوف أخرتها.
أغلق المكالمه، وهو يزفر نيراناً فقال:
_ بدأت الحرب يا محمد أنت وبنتك، خليك راجل بقي وأستحمل، هخليك تعرف لما حماد يقول كلمة بيبقي قدها.
※※※
و لدي أحمد في عمله، كان منهمكاً جاء إليه زميله الذي يقطن معه في نفس قريته و سأله:
-أحمد ألحق، مش دي شمس جارتكم اللي كنت خاطبها؟
أمسك بهاتف الأخر، و أخذ يشاهد المقطع ويستمع إليها بقلبٍ مُدمي ومقهور، تساقطت عبراته رغماً عنه وهو يستمع لكلماتها التي ذبحته وهي تسرد ما حدث لها وتخليه عنها في أكثر الأوقات إحتياجاً له، همس من بين دموعه:
– سامحيني يا شمس، سامحيني يا حبيبتي.
※※※
أنتهت لتوها من البيع لإحدي الزبائن، نادي عليها صاحب المتجر فذهبت إليه، وجدته يحدجها بنظرات مُبهمة لكن قلبها أخبرها بماهية تلك النظرات الخبيثة.
قال لها بدهاء ثعلب ماكر:
_ مبسوطة معايا يا شمس، قصدي مبسوطة من الشغل هنا؟
أجابت بقليل من التوتر:
_ الحمدلله يافندم، هو فيه حاجه حصلت أو حد أشتكي لك مني؟
نهض من خلف المكتب ويحوم حولها كالذئب:
_ لاء، بس أنا شايف شغلانة البياعة في محل دي مش لايقه علي واحدة في جمالك وحلاوتك.
رمقته بإمتعاض من كلماته التي تفوه بها فقالت:
_ معلش حضرتك، تقصد إيه؟
وقف أمامها ومازال يرمقها بنظرات شهوة برغم مظهر ثيابها محتشم وحجابها الطويل، لكن كل هذا لن يؤثر علي مرضي القلوب أمثاله.
أقترب منها أكثر وتحدث بفحيح:
_ نتجوز عرفي و هاعيشك ملكة.
أبتعدت عنه و نظرت له بإزدراء قائلة:
_إيه اللي أنت بتقوله ده؟ ، أنت شايفني إيه؟
جلس علي كرسي أمامها وأجاب:
_ أوعي تكوني فاكراني عبيط ومعرفش حكايتك، كل الناس شافت الفيديو بتاعك اللي بتحكي فيه عن الواد ابن النائب بتاع بلدكم اللي أغتصبك ، ولا عارفة تاخدي حقك منه، فالأحسن شوفي مصلحتك.
هزت رأسها يميناً ويساراً بالرفض:
_ وأنت فاكر إن هوافق علي المسخرة دي، أنا واحدة متربية واللي حصلي ده إبتلاء من ربنا وإن شاء الله هاخد حقي.
نهض مرة أخري وأمسك بعضديها قائلاً:
_ صحصحي معايا كدة وفكري بالعقل، أنا عارف إنك مش هترضي نقضيها كدة فأنا قولت تعالي يا واد علي نفسك وأكتب ورقتين عرفي، وكل اللي أنتي عايزاه هيكون عندك.
جذبت عضديها من قبضتيه، وصاحت في وجهه:
_ أنت واحد مش محترم وماعندكش أخلاق زيك زي اللي ظلموني ما تفرقش عنهم.
قهقه وتعالت ضحكاته فقال:
_ أنا لو زيهم كنت سمعت كلامهم لما بعتولي واحد كان بيديلي فلوس نظير إن ألبسك قضية سرقة أو أؤجرلك واحد يتهجم عليكي وأخد تسجيل بالمشهد ده من تسجيلات الكاميرا وأدهولهم وهم بقي هينشروه بمعرفتهم ولا يهددوكي بيه والله أعلم.
أنهارت باكيه وأخذت تصرخ:
_ أنتم عايزين مني إيه؟، حرام عليكم سيبوني في حالي.
شعر بالذنب نحوها وأستحقر ذاته كيف له يرفض عرض الطاغية و يطلب منها ما يسميه زواجاً بل هو زنا تحت مُسمي زواج عرفي.
أقترب منها وقال بنبرة شفقه:
_ حقك عليا يا شمس، أنا….
قاطعه لكمة قوية في فمه و أتبعها صياح مخيف:
– لو فكرت تقرب منها تاني مش هخلي فيك ولا إيدين و لا رجلين.
كانت تقف متسمرة تحاول إستيعاب وجود أحمد الذي ولج للتو وكأنه ظهر من العدم و في هذا التوقيت، لم يمهلها وقتاً للتفكير بل جذبها من يدها و خرج بها من المتجر مُتجهاً نحو إحدي سيارات الأجرة، توقفت فجاءةً و صاحت به:
– أنت بتعمل إيه؟!، و بأي حق تدخل و تعمل اللي عملته!
صاح بغضبٍ عارم:
– يعني كنتي عايزاني أسيبوا يقولك الكلام القذر ده و يلمسك كمان و أفضل أتفرج!
أشاحت بصرها حتي لايري نظرة الضعف و الإنكسار في عينيها، و أكسر ما ألمها و كان بمثابة السكين الذي أنغرز في قلبها، عندما وقعت عينيها علي خاتم الزواج في بنصره الأيسر، لاحظ هذا فخبئ يده في جيب بنطاله و قال:
– شمس إسمعيني أنا مش جاي أعملك مشاكل بالعكس، أنا جايلك ندمان و بقولك مش عارف ولاقادر أعيش من غيرك.
نظرة ساخرة حدجته بها ولم تنطق، فأستطرد:
– من حقك ماتصدقيش أي كلمة، و مش هلومك، أنا عارف اللي عملته معاكي صعب تسامحني، بس أنا طالب منك فرصة أخيرة، فرصة أكفر فيها عن كل أخطائي، فرصة واحدة بس لو ليا لسه خاطر عندك، أفتكريلي لو ذكري واحدة حلوة مابينا.
ليست أذانها هي من تسمع حروفه بل فؤادها هو المنصت، لما عليها مواجهة كل شئ!، لما تُضع دائماً في خانة الأختيار، هي الجاني و المجني عليه، الظالم و المظلوم.
أطلقت تنهيدة من أعماقها ودت لو كانت همومها مثل هذا الهواء التي زفرته لتوها، يا الله ألهمني الصبر و أهدي قلبي إلي ما تحب و ترضاه.
أفترقت مواطن كلماتها لتخبره كالآتي:
– حتي لو سامحتك يا أحمد، مقدرش أخدك من مراتك و أظلمها، و أنا جربت الظلم بمراره و ما أتمناش حد يعيشو، حاول أنساني عشان تقدر تعيش، و ما تقلقش مصيري في يوم أسامحك.
تركته في ذهول و حالة تعجب، أستقلت السيارة أمام عينيه و أغلقت الباب، أخبرت السائق بعنوان المنزل.
※※※
و بعد مرور أيام….
بداخل الأستوديو الخاص بإحدي البرامج الشهيرة والتي تبث عبر أهم القنوات الفضائية التي يشاهدها معظم شعوب الوطن العربي.
بدأت المُذيعة بالحديث بعدما عرضت اللقاء المُسجل سابقاً، و التي أجرته مع شمس قبل يوم:
_ أعزائي المشاهدين اللقاء اللي أنتم شوفتوه قبل الفاصل الإعلاني مكنش حكاية عادية، دي قضية بقالها أكتر من شهور تم التعتيم عليها في صالح الجاني و ده بسبب نفوذ والده اللي فاكر بسلطته أنه فوق الكل، وإحنا في برنامجنا زي ما متعودين بنجيب حق المظلوم والظالم ياخد جزاءه، شمس مش مجرد حالة أو حكاية دي قضية كل بنت بتتعرض للأغتصاب وللتحرش وللأسف القانون ما بيحكمش علي الجاني بعقوبة رادعه بالعكس أخره سنه، أتنين، تلاته، ويمكن مايتحكمش عليه بعد ما محامي المتهم يدور له علي الثغرات اللي تخرجه من القضيه، وفيه اللي بيزور للمغتصب إنه تحت سن القانون وماينفعش يتحكم عليه زي الشاب البالغ للسن القانوني، وما تنسوش قضية الطفلة زينة الله يرحمها ولا غيرها ولا غيرها من الضحايا من إغتصاب وقتل.
أنتقلت الإضاءة من المذيعة إلي شمس، فقالت الأخري:
_ أهلاً وسهلاً بيكي يا شمس.
أجابت ببعض من التوتر:
_ أهلاً بحضرتك .
و في خلال عرض الحلقة قد أتي إتصال هاتفي لحماد الذي يشاهد الحلقة و وجهه يشتعل من الغضب، وكان يقول:
_ يا ولاد الـ…، يا ولاد الـ….
رن الهاتف، فأجاب:
_ الو، مين؟
……
أعتدل فجاءة في جلسته وقال بنبرة جادة ورسمية:
_ أهلاً بسعادة الباشا.
_ أنا مش هو يا حماد، أنا مدير مكتبه وحبيت أبلغك إنه من بكره تعتبر نفسك مستقيل من نيابتك عن دايرتك في البرلمان، وهيتم ترشيح أعضاء تانين لمنصبك.
صاح حماد غير مصدق:
_ أنت بتقول إيه؟ معناه إيه الكلام ده؟
_ أفتح التليفزيون وأنت هاتعرف، إحنا عارفين اللي إبنك عمله من زمان وكنا بنحاول نغطي و نعتم علي الموضوع نظير خدماتك اللي بتقدمها، لكن الموضوع خرج من إيدينا ووصل للنائب العام وهو بيتفرج علي البرنامج دلوقتى، فياريت تقدم طلب بإستقالتك أكرملك وأحسن لك، سلام.
أغلق الهاتف ولم يصدق، أنتابته حالة من الإختناق وضيق في التنفس، يحاول فك ربطة عنقه بصعوبة، يريد مناداة مساعده لكنه لن يستطع، حاول النهوض والسير نحو الباب مستنداً علي حافة مكتبه، لكن خانه جسده وهوي علي الأرض.
※※※
عاد أحمد من عمله ليجد الهدوء يعُم أرجاء المنزل، ولج إلي غرفة النوم، وجدها تنتظره في أبهي زينتها، ترتدي ما يخطف الأنفس و يأسر قلوب أبناء آدم، و عطرها الفواح يخترق أنفه، تبتسم إليه بنظرة يقع من أجلها أعتي الرجال.
تقول له بدلال أنثوي:
– كل سنة و أنت طيب يا حبيبي.
لاحظ وجود قالب حلوي علي المنضدة المقابلة للسرير، تذكر إنه يوم ذكري مولده، و الميلاد الحقيقي بالنسبة إليه هو يوم عودته إلي شمسه، لذا عليه بتلك الخطوة و لارجعة في هذا القرار، أقترب منها بهدوء، أغمضت مروة عينيها ظنت إنه سيقبلها.
– و أنتي طيبة و بخير و سعادة، بس مش وأنتي معايا.
فتحت عينيها بإتساع و كادت تخرج من محجريهما حينما ألقي عليها تلك الكلمة:
– أنتي طالق.
※※※
تناولت العديد من البرامج قضية شمس في حلقاتها و الكل يطالب بسرعة القبض علي المغتصب والحكم عليه بأغلظ عقاب رادع حتي يكون عبرة لكل شاب تسول له نفسه ويتعدي علي ما هو ليس ملكه أو حق له.
وبالفعل بعدما أصدر قرار النائب العام بإلقاء القبض علي حمزة السفوري، وجدوه في إحدي القري النائية لدي إحدي معارف والده الذي لم يتحمل الصدمة و دخل المشفي بعد إصابته بذبحة صدرية حادة.
و ها قد جاء اليوم المنشود، بداخل دار القضاء التابعة للمحافظة، و في قاعة محكمة الجنايات…
_ مدام شمس، دلوقتي معاكي مايثبت إن حمزة حماد السفوري هو اللي أعتدي عليكي؟، دلوقتي مفيش تقرير طب شرعي قدامي يُدين المدعو حمزة أو حتي دليل الفيديو اللي ذكرتيه في الدعوة.
تدخل المحامي قائلاً:
_ أرجو من هيئة المحكمة الإنتظار، فلدي الدليل الذي يُدين المدعو حمزة.
سأله القاضي:
– و أين هو الدليل؟
أخذ الأخر يتلفت نحو الباب و ينظر في ساعة يده، ينتظر أحدهم، بينما هي كانت تجلس في المقعد الأول، تغمض عينيها و تكبت عبراتها بصعوبة، تلفتت من حولها تنظر إلي عمها كريم ووالدها ووالدتها وثلاثتهم يرمقونها بقلة حيلة، فهي الآن في مأزق وحالة يرثي لها.
فُتح الباب ودلف شخص لم تكن تتوقع بأنه سيأتي، سار أحمد بخطي سريعة، وقف أمام منصة القضاة و قال:
– السلام عليكم، بعتذر عن التأخير، أنا أسمي أحمد كامل.
أخرج بطاقة الهوية خاصته وأعطاها للقاضي مُردفاً:
– أنا كنت خاطب شمس محمد نصار، و مكنش مجرد نسب، إحنا جيران من زمان، هي الوحيدة اللي قلبي دق لها، لاقيت فيها كل اللي أي راجل يتمناه في شريكة حياته، أدب و أخلاق و جمال، اللي زيها نادر في الزمن ده.
قال القاضي:
– أرجو يا أستاذ أحمد الإيجاز نظراً لضيق وقت هيئة المحكمة ولدينا قضايا أخري.
أخرج الأخر هاتفه وقرص تخزين (فلاشة)، قام بوضع كليهما علي المنصة قائلاً:
– ده موبايلي و عليه الفيديو اللي بعتهولي حمزة من علي تليفون شمس يوم الوقعة، و مرفق بيه رسالة تثبت إنه عمل كده، و دي فلاشة حبيت أحتفظ بالفيديو عليها، كان إحساس جوايا هاتنفع في يوم زي ده.
أستدار بزاوية و حدج محمد بإبتسامة ولم يغفل عن شمس التي تنظر له كالذي نجا من الغريق للتو.
و هذا الحمزة يقف خلف القضبان في حالة جمود علي غرار والدته المنهمرة عبراتها علي خديها، و لم يكن والده حاضراً بسبب عدم قدرته علي الحركة.
أمسك القاضي بالهاتف قام بتشغيل الفيديو و عرضه علي زملائه، فقال بصوته الرخيم المُجلجل:
– الحكم بعد المداولة.
و بعدما تأكدوا من صحة الفيديو عبر المختص المسئول عن كشف هذا المقطع صحيح أم مُركب، فكان التقرير صحيح.
و لأن القضية موصي بها من النائب العام، يجب الحكم فيها في أسرع وقت، لذا كان الحكم عادلاً و عبرة لكل من يسلك درب المغتصب.
– و بعد الإطلاع و المداولة و نظراً للمادة ٢٦٧ عقوبات، لقد حكمنا علي المتهم حمزة حماد السفوري بالسجن لمدة ١٥ عام مع الشغل و النفاذ، رُفعت الجلسة.
※※※
و قد عاد للشمس نورها الساطع ليملأ الأرض بالدفء و الوهج، تبتسم وتضحك وألقت كل ما حدث خلف ظهرها، يكفيها بأن أنتصرت و أخذت حقها، هذا كافياً لرفع رأسها بشموخ.
و هنا علي ضفاف النيل تقف برفقة والدها، سألته:
– حضرتك نزلتنا هنا ليه يا بابا؟
حدجها بإبتسامة، فأتاها صوت من خلفها:
– عشان نتقابل.
إستدارت إلي صاحب الصوت، أصابتها الدهشة، رددت بتعجب:
– أحمد!
مد يده بباقة زهور الچوري التي تعشقها:
– أيوه أحمد اللي بيحبك و جايلك النهاردة، قدام أهلي وأهلك يطلب إيدك و بيقولك نفسه تشاركيه حياته و تمليها بنورك يا شمسي.
هبط علي ركبتيه أمامها، و سألها:
– تتجوزيني؟
وقبل أن تجيب، رأت والديه و صديقتها إسراء يقفون بمسافة، نظراتهم كافية بتوسلها للموافقة و يشوبها الندم من ما أقترفونه في حقها، لكن قلبها يُذكرها بموقفه في المحكمة و تقديم الدليل، فهذا كان إتفاق سابق بينه و بين والدها.
تدخل إحدهم في تلك اللحظة، فكان عمها كريم قائلاً:
– خلاص بقي يا شمس، الراجل ندم و كفر عن ذنبه، وافقي و لما تتلموا في بيت واحد أبقي علميه الأدب.
قهقه الجميع وعقبت سحر قائلة:
– حقك عليا يابنتي، أنا آسفة عن أي كلمة جرحتك بيها.
و أخيراً تفوهت بالكلمة التي بمثابة ماء المُحياة لأحمد:
– موافقة.
ركضت إسراء و عانقت صديقتها، و أطلقت سحر الزغاريد و تبعتها زينب.
أقترب أحمد من شمسه و أخرج من جيبه خاتمها الذي ظل محتفظاً به ووضعه في بنصرها قائلاً:
– بحبك يا شمسي.
وقفت إسراء بينهما قائلة بنبرة فكاهية:
– تعرف يا أبيه يعني إيه نور الشمس بالهندي؟
– ييي مش هنخلص من الهندي اللي فلقتينا بيه ليل و نهار، قولي ياختي.
ضحكت وأجابت:
– كاليندا.
تمت بحمد الله.
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كاليندا)