رواية نبع الغرام الفصل السادس عشر 16 بقلم رحمة سيد
رواية نبع الغرام الجزء السادس عشر
رواية نبع الغرام البارت السادس عشر
رواية نبع الغرام الحلقة السادسة عشر
وصلت “ليلى” أمام بيت سالم العبادي، ظلت تنظر للبيت مطولًا وأنفاسها تخرج ثقيلة مسموعة مُحملة بأفكارها التي تسممت منذ قليل على يد ذلك اللعين!
تحسست رقبتها أسفل حجابها وكأنها تود نزع ذلك الحبل الوهمي الغليظ الذي اختلقه ليخنقها به ببطء قاتل..
كيف ستخبر ظافر، او بمعنى أصح ماذا ستخبره؟ هل ستخبره ببساطة أنه مُحتمل أن تكون قاتلة جده ؟!
حتى لو لم يكن قتل عمد، ولكنه سيبني جسرًا لا يُهدم بينها وبين ظافر، حتى أنه لن يسامحها ابدًا مهما كانت المبررات، وسيحملها المسؤولية حتى وإن لم يعلن اتهامه!
ظلت تدور حول نفسها وأفكارها تواصل النهش في عقلها للتوصل لحل؛ ولكن إن لم تخبر ظافر سيعلم حتمًا بطريقةٍ ما وحينها لن يشك فقط بل سيتأكد أنها فعلت ذلك عمدًا وإلا ما كانت أخفت عنه.
تبًا لذلك الحقير الذي ألقاها في خندق الحيرة ليحرقها حرقًا وهي حية.
زفرت بصوتٍ مسموع وقبل أن تتخذ قرارها بشكلٍ نهائي كان ظافر يقطع حبل أفكارها حين وقف أمامها وهو خارج من البيت، وسألها متعجبًا:
-ليلى؟ واجفة هنا ومادخلتيش ليه؟
ابتلعت ريقها بتوتر ثم ردت:
-كنت لسه داخلة اهوه، عايزة أتكلم معاك.
هز رأسه موافقًا وهو يشير لها بهدوء:
-طب تعالي نتكلم جوه، أكيد مش هنتكلم في الشارع كدا.
اومأت برأسها هي الاخرى ثم سارت خلفه ليدلفا للداخل وهي تحاول تنظيم كلماتها ولكنها كانت مبعثرة بدرجة غير مسبوقة.
وبالفعل وصلا للغرفة التي يعمل بها، جلس أولًا ثم أشار لها متابعًا بشيء من التوجس:
-اجعدي واحكيلي في إيه؟ وشك مخطوف جلجتيني.
بللت شفتيها والتوتر لا زال يصفع كل ما تحاول لملمته من ثباتها، ثم خرج صوتها أخيرًا متحشرج نوعًا ما من فرط التوتر:
-أنا هاحكيلك بس اوعدني إنك تسمعني وتفهمني.
رمقها بنظرات حذرة وهو يستفسر:
-ما تجولي من غير مقدمات يا ليلى أنتي كدا بتجلجيني أكتر.
راحت تقص على مسامعه كل ما حدث في غرفة ذلك الطبيب، وظل ظافر متصلبًا مكانه وكأنما أُلقيت عليه تعويذة ليصبح صوانًا صلدًا !
كسر الحاجز الحجري الذي غلفه كليًا ليسألها دون استيعاب وهو يرمش بأهدابه عدة مرات:
-چدي مات؟
هزت رأسها نافية بسرعة وردت عفويًا:
-لأ لسه.
ثم عضت على شفتيها بعنف توبخ نفسها دون صوت على بلاهتها، و فجأة انفجرت القنبلة الساكنة التي كانت تحويها ضلوع ظافر، حيث نهض مزمجرًا يدمر كل شيء أمامه بجنون:
-يعني أنا چدي هيموت؟ طب لييييه، عايز منه إيه ومين من مصلحته إن چدي يموت أصلًا، هما بيعملوا كدا ليه.
صمت برهة لاهثًا وهو يردد لنفسه بكلماتٍ تقطر ذهولًا:
-الكلب دا هيموته وأنتي….
قطع كلماته وهو يستدير نحوها بعينين محمرتين تقدحان شررًا مشتعلًا غاضبًا بجنون، ثم واصل ببطء وكأنه يُملي تلك الكلمات على عقله الذي يرفض تصديقها:
-وأنتي اللي ادتيله الحجنة وسيبتيه هناك يموته؟!
هزت رأسها نافية بهلع وهي تدافع عن نفسها:
-لأ طبعًا أنا چيت عشان أجولك جبل ما تعرف من حد تاني و…..
قاطعًا هادرًا بعنف وهو يقترب منها خطوة:
-إيه الأنانية دي، أنتي ازاي ممرضة؟ سايبة المريض اللي أنتي عارفة إنه ممكن يتجتل وچايه هنا تجوليلي جبل ما حد تاني يجولي، ومش مهم هو يموت المهم إنك تبرأي نفسك؟!
ثم تحرك مسرعًا ليغادر الغرفة وهو يتشدق من بين أسنانه بتوعد شرس:
-وديني لأجتله وأشرب من دمه الكلب ابن ال****.
هم بفتح الباب ولكن ليلى تداركت صدمة اتهامه وأسرعت نحوه لتغلق الباب مرة أخرى بعنف ثم أسندت ظهرها عليه لتمنعه من الخروج، وهزت رأسها نافية تقول بصوت أجش:
-أنا مش أنانية وماسيبتهوش يموت، أنا بلغت الدكتور المشرف على حالته إن في حد شغال في المستشفى حاول يموته واداله حجنة وهو جالي إنه ملاحظش أي تغيير ولو بسيط في حالته وإنه مع ذلك هيعمله التحاليل والفحوصات اللازمة ومش هيخلي حد من الممرضات يديله حاچة لحد ما نشوف نهاية الموضوع دا وهو هيديه بنفسه العلاچ.
إن ظنت أن سعير الغضب في عينيه سيهدأ فهي خاطئة، حيث واصل بنبرة تفيض شكًا وقلقًا:
-وأنتي إيش ضمنك إن الدكتور دا نفسه ما يكونش مع ال**** التاني، ما كلهم ولاد ستين كلب مچرمين.
إتسعت عيناها ذهولًا من المنحدر الذي اتخذته أفكاره، وسارعت تحاول تصحيح مسارها:
-لا طبعًا أنت ازاي تفكر كدا، دكتور عادل محترم وبيخاف ربنا، وماتنساش إن هو اللي جالك إن في مادة في دمه هي اللي اتسببت بكدا وإن حد بدل الدوا، لو هو فعلًا مچرم كان هيخبي عنك لحد ما تتفاجئ بچدك ميت فعلًا.
كان صوت أنفاسه عالي كدلالة على محاولته الفاشلة في خبت نيران الغضب، فجذبها من ذراعها بقوة وهو يهدر بشراسة ووعيد:
-ابعدي من جدامي، لازم أتطمن عليه وأجتل ال**** اللي عايز يموته وأعرف مين خلاه يعمل كدا.
ولكنها هزت رأسها نافية بعناد وهي تتشبث بالباب بكل قوتها لتمنعه من المغادرة:
-اتصل بالدكتور واتطمن، لكن مش هاسيبك تروحله وأنت بالمنظر دا، لازم تهدى الأول عشان ماتعملش حاچة في لحظة غضب تندم عليها باجي عمرك.
كز على أسنانه بعنف حتى سمعت صكيكها العالي، ثم حذرها بخشونة حادة:
-ابعدي يا ليلى عشان فعلًا هعمل حاچة نندم عليها.
نظرت له للحظات معدودة، ثم استدارت مسرعة لتغلق الباب بالمفتاح الذي كان فيه، وأخذت المفتاح لتضعه في ملابسها، مؤكدة بصرامة:
-جولتلك مش هتخرچ من هنا إلا لما تهدى.
صرخ فيها آمرًا بغلاظة:
-هاتي المفتاح حالًا.
هزت رأسها نافية وهي تضغط على المفتاح بين ملابسها، فكرر من جديد بصوت عالي أكثر حدة:
-جولت هاتي المفتاح حالًا وإلا هاخده بطريجتي وساعتها ماتلوميش إلا نفسك.
نفت برأسها مرة أخرى وهي تقول بنبرة فاترة صلبة:
-لأ مش هاديهولك ولو جربت مني هصوت والمرادي مش هسامحك أبدًا.
حينها صرخ فيها بعنف لدرجة أنها شعرت بصراخه كالشظايا ينغرز بوجهها:
-يعني أنتي عايزاني أجعد هنا چمبك زي الحريم وأسيب چدي عند ابن الكلب دا عشان يموته وأفضل أتفرچ لحد ما يچيلي خبره.
تنهدت بقوة قبل أن تعيد كلماتها بصبر:
-لأ، هو فيه الروح وأحنا فينا الروح يا عالم مين يموت جبل مين كل واحد له ساعة، وجولتلك أتصل بالدكتور اتطمن عليه، لكن لما تروح تجتل الكلب التاني وتودي نفسك في داهية هتفيد چدك بإيه كدا ؟ بالعكس أنت هتضره لو فاج وعرف إن حفيده الوحيد اتسجن عشانه وضيع مستجبله.
ضرب الباب بقدمه بكل قوته وهو يهدر بأعصاب انفلتت تمامًا:
-لا يصحى يجول حفيدي زيه زي الحريم ماعرفش مين عمل فيا كدا ولا چابلي حجي.
أخبرته بإصرار وهي تغوص في عمق عينيه السواودتين المحترقتين وكأنه تمده بطاقة غير ملموسة من نبع الشيكولاتة في عينيها:
-لأ هاتچيب حجه، بس بالعجل مش بالعصبية اللي مش بتضر غير صاحبها، اهدى عشان تتصرف صح وتچيبله حجه من غير ما تضر نفسك.
بدأ ظافر يتنفس بصوتٍ عالي غير قادر على قطع وصال عينيها التي يعشق خاصةً وهي تحدق فيه بتلك الطريقة وكأنه أثمن شيء على وجه الأرض وتأبى أن يُلطخ بسوادها.
فتابعت ليلى بينما تقترب منه ببطء حتى صارت أمامه مباشرة، لتحيط وجهه بيديها تداعب بحنان لحيته النامية ووجنته السمراء، هامسة بخفوت دافئ:
-ماعنديش استعداد أخسرك بعد ما لاجيتك، أنت بطل قصتي اللي كان في خيالي وظهرلي أخيرًا على أرض الواقع، وأنا طول عمري بكره النهايات الحزينة، ممكن ماتسيبش بطلتك يا بطلي؟
ضغط على يديها بيده وهو يغمغم بصوت خشن متحشرج:
-أنا هموت لو چدي چراله حاچة يا ليلى، هموت، هو ليه حرام أعيش في هدوء ؟ ليه مستكترين عليا الراحة النفسية؟
استرسلت همسها الحاني تداعب ألامه بقولها:
-يمكن عشان ربنا لو حب عبده بيبتليه؟
ولكنه همس باختناق وانهزام:
-بس أنا تعبت، تعبت من چو المؤمرات اللي لجيت نفسي فيه فچأة وچدي بين الحياة والموت.
احتضنته حينها بقوة تحيطه بذراعيها تمنحه الدفء الذي ربما يداوي قلبه الذي أثلجته الهموم، وأحاطها خصرها هو بقوة يضمها له واضعًا رأسه عند رقبتها يسحب عطرها الحلو لرئتيه، كل شيء فيها حلو ودافئ بطريقة خيالية رائعة، هي مَن تُعيد ترميم ما هُدم منه، هي فقط.
ثم ابتعدع ليلى قليلًا ولكنها ظلت بين ذراعيه، ورفعت نفسها قليلًا لتُقبل وجنته فخدشتها برقة لحيته النامية لتمتم بدلال تريد اخراجه من طور تلك الحالة:
-دجنك خشنة چدًا شكتني.
فرفع ظافر حاجبيه مبتسمًا ببطء:
-بچد؟
ثم داعب نعومة وجنتها بخشونة وجنته وذقنه وهو يستطرد بخشونة أضفت لها العاطفة رنين خاص في اذنيها:
-هي اللي خشنة ولا خدودك اللي ناعمة جوي، ناعمة وچميلة لدرجة إنها بتغريني عشان أكلها يا شيكولاتة.
ثم نفذ ما قال وراح يقضم وجنتها برفق بأسنانه لتضحك ليلى وهي تبعده عنها بتدلل وشاركها هو الضحك قبل أن يتفوه بنبرة رجولية تهيم عشقًا:
-أنتي بطلتي اللي خطفتني و ماجدرش أستغنى عنها، بس ما طلعتيش من خيالي، طلعتي من أحلامي، أحلامي اللي لشهور ماكنش فيها غيرك.
*****
بعد فترة، في منتصف الليل…
كان ذلك الطبيب الحقير “عزت” يسير بخطى مسرعة نحو منزله، يزرع الارض بتوتره وهو ينظر يمينًا ويسارًا ليتأكد من عدم تواجد أي شخص بينما يحتضن حقيبة سوداء بين ذراعيه بقوة وحرص، وصل أخيرًا أمام منزله وما أن وصل أمام منزله بالفعل وهم بإخراج مفتاحه ليدخل، حتى وجد مَن يقبضا على كتفيه من الجهتين، نظر نحوهما بفزع ليجدهما رجلان مفتولان العضلات بملامح خشنة تصرخ بالتأهب الإجرامي.
سألهما بحروف متهزة حاول أن تفضح خوفه:
-إيه في؟ أنتوا مين وعايزين مني إيه؟
قال احدهما بهدوء تام غامض:
-ظافر بيه عايز يدردش معاك شوية.
وقبل أن يبدي أي رد فعل كان الآخر يضربه على رأسه بقوة جعلته يفقد الوعي على الفور، ثم انحنى ليحمل الحقيبة على كتفه، وتعاونا معًا على حمل عزت للسيارة التي تنتظرهما.
وصلا بعد قليل للمكان المنشود البعيد عن السكن البشري، تحديدًا في مخزن يملكه ظافر العبادي، بدأ عزت يستفيق ببطء سرعان ما تحول لهلع عارم حين أدرك أين هو ورأى أمامه “ظافر العبادي” الذي انحنى بهدوء وبطء ليفتح الحقيبة التي كانت بين يدي عزت، فصرخ عزت فيه مسرعًا:
-سيب شنطتي يا حرامي أنت هتعمل إيه وعايز مني إيه؟
تأكد شك ظافر حين رأى بها الأموال، فرفع عيناه نحوه وسأله بهسيس خافت ولكنه حاد كطرف شفرة:
-دي الفلوس اللي جبضتها عشان تجتل چدي؟
فسارع الآخر بهز رأسه نفيًا وهو يردد بتلعثم:
-چدك؟ أنا ماعرفش إيه اللي أنت بتجوله دا وماعرفش حاچة عن چدك ولا ليا دعوة بيه أصلًا.
عاجلته لكمة عنيفة من الرجل الواقف جواره كتنبيه صغير جدًا لوقف الكذب، بصق الدماء من فمه وهو يغمغم بنبرة أرادها حادة مهددة:
-هتندم والله هتندم على اللي بتعمله دا، أنت مفكر نفسك مين؟ أنا دكتور كد الدنيا والدنيا هتتجلب عليك لما يعرفوا اللي أنت عملته دا.
ضحك ظافر بسخرية وبهدوء مخيف فعليًا كان يسأله:
-أنت چايب الثقة دي منين إنك هتخرج من هنا أصلًا؟
ثم اقترب منه ببطء قاصدًا اثارة الرعب في نفسه المرتعدة أصلًا، ثم قرب وجهه منه وقال من بين أسنانه بوعيد مُزلزل:
-أنا هادفنك هنا ومش هيلاجوا ليك جبر حتى يزوروك فيه يا بن الكلب يا **** يا مچرم، عشان ماتفركش تيچي چمب أسيادك تاني.
راح يدافع عن نفسه بذعر:
-صدجني أنا ماعملتهوش حاچة، والله ما عملتله حاچة.
تلقى لكمة جديدة أعنف من سابقتها، ثم جذبه ظافر من رقبته نحوه بعنف متعمد وهو يزمجر فيه:
-برضو مصمم على الكدب؟ امال إيه الحجنة اللي خدها واتچرأت وهددت مرتي بيها ؟ ودي لسه حسابها حاچة تانية.
ما أن استدرك عما يتحدث حتى قال بلهفة صادقة هذه المرة:
-كنت بخوفها بس والله عشان تسكت، لكن هو ماخدش أي حاچة مضرة بدليل إنه لسه كويس لحد دلوجتي، أنا كنت عايز أكسب وجت بس لحد ما أخد فلوسي.
كلماته التي ظن أنه يُبرئ نفسه بها أشعلت فتيل الغضب الذي كان ظافر يخمده بإرادة حديدية، فانقض عليه يضربه بعشوائية في جسده في أي مكان تقع عليه يده وهو يصيح فيه بشراسة:
-فلوسك على حساب حياة چدي يا ****، حشرة زيك عايزة تجتل چدي؟
غمغم لاهثًا بألم من بين تأوهاته المتألمة:
-أنا ماعملتش حاچة، والله ما عملت حاچة، أنا اديتها الدوا “الدواء” بس.
توقف ظافر لاهثًا يلتقط أنفاسه، ثم سأله بحروف شديدة اللهجة مخيفة لا تقبل الجدال:
-هي مين؟ مين اللي خد منك الدوا دا وبدل دوا چدي؟
ابتلعت عزت ريقه بصعوبة ثم نطق بصوت شاحب:
-راوية مرت عمك.
أجفلت ملامح ظافر وكلماته تدوي كالقنبلة بعقله دون أن يجد القدرة على استيعابها؛ انتابه الشك تجاهها كثيرًا وهو يفكر مَن مم الممكن أن يفعل ذلك، ولكنه كان في كل مرة يطرد شكه خارج جدران عقله مرددًا لنفسه أنها تكرهه هو ولا تطيق وجوده ولكن جده لا، لن يصل الأمر لقتل جده، فلماذا تقتله أصلًا وهي تعيش بمنزله وأمواله هانئة ؟
استعاد السيطرة على بقاع ملامحه سريعًا لتعود ضبابية محاطة بألسنة النيران وهو يأمر الرجلان:
-أدبوه وبعدين اطلعوا بيه على البوليس بالڤيديو اللي صورتوه له دلوجتي.
ثم غادر كالعاصفة تاركًا خلفه عزت الذي أخذ ينوح على انهيار حياته وأحلامه وكل ما كان يطمح له.
****
وصل لبيتهم كالعاصفة التي على أتم استعداد لتقتلع كل ما يقابلها، كان صوته يزلزل ارجاء البيت وهو يصرخ مناديًا وحالة من الجنون تنتابه:
-راوية يا راوية، أنتي فيييين؟
أتى على صوته عمه وخلفه زوجته “راوية” ثم راح يعنفه بحدة وصرامة:
-إيه في ؟ وطي صوتك، ومن أنتى وهي أسمها راوية بس يابن أخويا يا محترم؟
هدر بصوت غليظ دون أن يهتز له رمش:
-من النهارده، وأنا عشان ابن أخوك ومحترم مش عايز أجول أسوء من كدا.
تدخلت راوية تسأله بملامح ممتعضة ونبرة أجشة:
-إيه في؟ عامل دوشة ليه خير إن شاء الله ؟ ولا هو خلاص اللي كان حاكمك ومخلي صوتك واطي مش موچود.
اقترب منهما ببطء وهو يهز رأسه متسائلًا بابتسامة خالية من المرح ولهجة ذات مغزى:
-اه تجصدي چدي اللي أنتي كنتي عايزة تجتليه؟
بلحظة هُدمت صلابتها لتبقى فقط انقاض ملامحها التي تهاوى فوقها رعبها، وراحت تغمغم بفزع مبطن:
-أجتله؟ إيه اللي أنت بتجوله دا أنت اتچنيت ياك؟
فيما هدر فيه عمه هو الآخر بعينين متسعتين ذاهلتين:
-ظافر !!
-أنا اتچنيت صح لما ماعرفتش من اول دجيجة إن أنتي اللي بدلتي العلاچ بتاعه، أنتي الحية اللي جاعدة وسطينا عشان تلدغنا من غير ما نحس بيها.
زمجر فيها بشراسة كالليث، فانكمشت ملامحها تلقائيًا قبل أن يعلو صوتها في مواجهته:
-احترم نفسك يا جليل الرباية، أنت شكلك خلاص مابجتش مستوعب أنت بتجول عليه وعايز تلزج فيا أي مصيبة وخلاص، أنا مستحيل أعمل كدا في عمي.
قال عمه بخشونة يحذره بنبرة عصف بها الغضب:
-لو طلع في الأخر اتهامك دا في الهوا يا ظافر، صدجني هتشوف مني وش تاني مش هيعچبك والمرادي أنا هوجفلك لإن دي مرتي، يعني مرت عمك لو نسيت، يعني سُمعتها من سُمعتي.
هز ظافر رأسه بلا مبالاة ثم أردف بنبرة ذات مغزى:
-صدجني او ماتصدجنيش يا عمي، كدا كدا أنا بلغت البوليس وفي ڤيديو للدكتور وهو بيعترف إن هي اللي عملت كدا.
ضربت راوية صدرها بهلع وهي تردد بعدم تصديق وفزع:
-إيه! بلغت البوليس!؟ بلغت عن مرت عمك يا ظافر ؟
رمقها ظافر بنظرات تقطر اشمئزازًا، فيما استدار نحوها عمه الذي كان مبهوتًا أمام ملامحها التي حكت فزعها وعدم نفيها واللذان لا معنى لهما سوى شيء واحد؛ أن ظافر مُحق !
في حركة غير متوقعة كانت صفعة عنيفة تسقط على وجنتها حتى أوقعتها أرضًا، ثم جذبها من حجابها بعنف صارخًا فيها بعدم تصديق :
-عايزة تموتي أبويا يا راوية؟ أبويا أنا اللي كنتي عايشة في بيته وخيره يا بنت الكلب يا فاجرة.
ثم توالت الصفعات على وجهها وسط صراخها وبكائها وهي تحاول الدفاع عن نفسها وهي تهذي:
-عملت كدا عشانك، عشان تاخد حجك في فلوسه وخيره دا بدل ما أنت عايش مجرد ظل لابن أخوك.
ولم يكلف ظافر نفسه عناء ابعاده عنها او النطق بحرف، فربما يُشفي قليلًا من غليله بضربها كما لم يستطع هو أن يفعل، ثم غادر بكل هدوء ونفس راضية، وأخر ما سمعه كان صراخ عمه الجريح:
-أنتي طالج، طالج طالج بالتلاتة، خليكي تعفني في السچن يا ****.
****
بعد فترة…
عاد أيوب لمنزله بخطى بطيئة مُثقلة.. وبقلب جريح مُحاط بضباب غليظ كونته مشاعر شتى من الألم.. الارتياح.. والندم!
طرق باب منزله ببطء لتفتح له غرام الباب، وما أن ترآى لها وجه الشاحب حتى استعلمت بتوجس:
-إيه في يا أيوب؟ مالك؟
خرج صوته جاف خاوٍ من أي مشاعر:
-أنا بلغت عن كامل إنه سرجني وحاول يجتلني وسلمت الفيديوهات اللي في الكاميرا و…..
صمت فسقط قلب غرام أرضًا وهي تسأله:
-وإيه يا أيوب؟
طال صمته فأحست أن القادم كارثة لا محال، كارثة ستحل حتمًا فوق رأسها هي… كارثة متمثلة في كابوس تواجدها خلف القضبان متهمة بجريمة لم ترتكبها، ولكن ذلك لم يصدمها، أكثر ما أثار فزعها وصدمتها فعليًا هو أن أيوب يُعتبر مَن سلمها لهم على طبق من ذهب ليجدوا أخيرًا متهم في تلك القضية !
****
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نبع الغرام)