رواية ندوب الهوى الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندا حسن
رواية ندوب الهوى الجزء الثامن عشر
رواية ندوب الهوى البارت الثامن عشر
رواية ندوب الهوى الحلقة الثامنة عشر
“دعنا نخرج من ساعدتنا المملة لنتجه إلى
الحزن الصاخب”
أخيرًا انتهت من تحضر الطعام، اليوم لم يأتي “جاد” على الغداء مثل كل يوم بل قال إن هناك أعمال مهمة خارج الورشة عليه أن يقوم بها ولن يستطيع أن يعود على الغداء بل سيأكل مع العاملين معه، وقد ذهبت هي إلى منزل والدته ساعدتها في طهي الطعام وتناولت الغداء معها هي ووالده وأكملت الجلسة إلى صلاة المغرب ثم بعدها عادت إلى شقتها لتحضر طعام للعشاء.. رأته وهي تعود وعلمت أنه قد عاد فأخذت في الإسراع وانهت كل شيء في الوقت المناسب ثم دلفت إلى المرحاض لتستحم وتبدل ملابسها قبل صعوده إليها..
خرجت من المرحاض مرتديه رداء أبيض طويل يصل إلى قبل قدميها بقليل وتحكم إغلاقه عليها بالرباط الخاص به على خصرها، وجهها أبيض نقي للغاية مرسوم به نقوش بنية خفيفة رائعة تظهرها بشكل أروع وجمال أكثر، بينما خصلاتها انسدلت خلف ظهرها وهي مبتلة وظهرت أطول مما هي عليه وتعدت نهاية خصرها بكثير..
تمتمت بينها وبين نفسها وهي تغلق باب المرحاض:
-هلبس بسرعة وأصلي العشاء وشوية ويكون جاد طلع
كادت أن تذهب وتتقدم إلى غرفة النوم لترتدي ملابسها ولكن استمعت إلى صوت باب الشقة يُغلق بقوة وعنف مصدرًا صوتًا عاليًا، ابتعدت عن الممر وحاجبيها معقودان مستغربة عودته الآن قبل ميعاده وإغلاقه للباب بهذه الطريقة، خرجت إلى الصالة لتراه يتقدم إلى الداخل وعندما أبصرها توقف في مكانه ينظر إليها بجدية شديدة أو ربما شراسة، ملامحه عابثة ثابتة هل هو غاضب؟.
ابتسمت ببلاهة محاولة أن تخرج هذا الهراء من عقلها وهتفت قائلة بهدوء وهي تقف أمامه:
-رجعت بدري عن معادك… هلبس بسرعة واحضرلك الأكل
استدارت لتذهب إلى الداخل وفي لحظة خاطفة وجدت من يقبض على يدها بقوة ألمتها كثيرًا واستدارت إليه بعنف دون دراية منها ما الذي يحدث ولكن وقعت عينيها على عينيه الرمادية بعمق واستغراب شديد وكان هو في المقابل يحترق وبقيٰ لحظات ليحضر وعليه أن يفهم ما الذي يحدث..
تساءلت باستغراب هادئ وجهها أصبح شاحب الآن وتلك “الهدير” الشرسة التي تظهر في العلن لا تستطيع الظهور أمامه في تلك اللحظات:
-في ايه يا جاد
وقف أمامها مباشرةً دون التفوه بحرف ونظر إليها بعمق وأشبع عيناه من وجهها بالكامل ومع ذلك لم يستطع أن ينال مراده، لم يستطع أن يهدأ، كانت هي بمثابة المحطة التي يتلقى بها الراحة والهدوء والآن حاول أن يستغل هذه المحطة ولكنها لا تعمل معه ولن تعمل في مثل هذه المواقف..
رفع يده بالهاتف الخاص بـ “عبده” لينظر إليه ثم فتحه لتظهر الصور مرة أخرى أمامه فاغمض عينيه بقوة وصدره يعلو ويهبط من شدة الغضب واليد الأخرى يقبض عليها بقوة محاولًا أن يكبت غضبه..
تسائلت باستغراب وهي تنظر إلى الهاتف الذي بيده:
-بتاع مين ده
أدار الهاتف إليها ورفعه أمام عينيها العسلية الصافية والتي كانت تتسائل عن أشياء عدة لا تفهم ما هي، علامات الاستفهام داخلها كثيرة لتصرفاته هذه، وضعت عينيها على الهاتف الذي تعلم أنه ليس لزوجها وياليتها لم تفعل، اتسعت عينيها بقوة وهي ترى هذه الصورة الخاصة بها..
هذا ليس هاتفه وهذه الصورة عليه إذًا فهمت لما يتصرف هكذا، ولكن من أين! من أين أتت هذه وكيف؟. أنها في هاتفها فقط حتى أنها لا تضع صور لها بخصلات شعرها الظاهرة هذه على هاتفه لأنها تعلم أنه يعمل عليه وأي شخص يستطيع أن يراهم إن أخذ الهاتف ولكن هي لا أحد يأخذ هاتفها!..
اتسعت عينيها بقوة أكثر وهي تراه يمرر الصور وراء بعضها بإصبعه وتظهر أكثر في بعض منهم بعنقها ومقدمة صدرها.. من أين وكيف!
رفعت نظرها إليه بعيد عن الهاتف وعينيها تتسائل بقوة ظاهرة ربما للأعمى وما كادت أن تتحدث إلا أنه قطع حديثها وأردف بقوة وخشونة والغضب داخله ينتظر الدق عليه:
-صورك دي مش كده؟..
تعمقت أكثر بعينيه التي ذهب بريقها اللامع ورأت هذه الجدية والخشونة الصادرة منه، أخذت كالعادة تضغط على يدها الاثنين بقوة وهي تجيب بضعف وذهول معه:
-أيوه.. أيوه صوري بس جم على الموبايل ده إزاي واصلًا بتاع مين ده
وضع الهاتف بجيبه بعد أن استمع لهذه الإجابة المتوقعة وعاد بنظره إليها يهتف بجمود احرقه:
-ده تلفون عبده والصور دي على تلفونات الحارة كلها
صُدمت بشدة من حديثه الذي خرج بسهولة وكأنها ترتدي ملابس الحج، صرخت بعنف وهي تضرب صدرها ووجنتها بقوة:
-يالهوي.. يالهوي، ينهار أسود أنتَ بتقول ايه.. إزاي
قبض على معصم بيدها بعنف ينظر إليها بحدة وغضب يكاد يحرق الاخضر واليابس، تحدث من بين أسنانه وعروقه بارزة بقوة أمام عينيها الخائفة:
-أنا اللي أسألك إزاي مش أنتِ اللي تسأليني.. أنا اللي عايز أفهم الصور دي نزلت إزاي
تكونت الدموع خلف جفنيها بكثرة وهي تشعر بالألم بسبب قبضته على يدها بهذه الطريقة القوية، غير نظرته التي تتهمها باشياء لم تفعلها:
-معرفش… معرفش الصور دي معايا أنا وأنا محدش بياخد موبايلي
تساءل مرة أخرى وهو يضغط على يدها بقوة أكثر وينظر إلى داخل عينيها بعمق:
-الصور دي نزلت إزاي يا هدير؟… بعتيها لمين؟
خرجت دموع عينيها العسلية بغزارة وهي تشعر بالقهر لما حدث معها دون وجه حق، أجابته بصدق ثم أخذت تحدث نفسها بقوة أمامه وهي تبكي:
-واللهِ ما بعتها لحد.. يا فضحتي نزلوا إزاي أكيد الحارة كلها شافتهم
أخذ نفسًا عميقًا وهو يحاول أن يهدأ نفسه أمامها فرؤيتها بهذا المظهر لا تروقه أبدًا، مرة أخرى يسألها بجدية وجفاء ومازال مُمسكًا بيدها:
-طيب.. طيب حد خد تلفونك؟
توقفت عن البكاء بعد الإستماع إلى هذا السؤال منه! نظرت إليه بدقة وعينيها حمراء بقوة ووجهها كذلك ثم أجابته بتررد وخوف:
-لأ.. بس
ضيق ما بين حاجبيه وجذب يدها إليه أكثر لتقترب منه يترقب أجابتها:
-بس ايه؟
ستكون العواقب وخيمة إن تحدثت وقالت ما أتى بخلدها الآن، ستكون أول من أخطأ وأول من يندم لذا عليها أن تلتزم الصمت، أردفت بصوت متقطع خائف:
-مفيش.. مفيش حاجه
شعر أن هناك شيء تخفيه عنه ولا تريده أن يعلمه، طريقتها الآن تقول إنها تكذب وتعلم كيف تم ذلك وهو لن يجعل الأمر يمر مرور الكرام وإن كان سيتعاطف معها الآن لن يتعاطف، هدر بقوة وعنف وهو يضغط بيده عليها أكثر:
-وقسمًا بالله العلي العظيم إن ما اتكلمتي لتكوني شايفة مني وش عمرك ما شوفتيه… انطقي
تألمت بقوة أمامه بعد ضغط يده عليها ثم سحبت يدها بقوة وعنف وهي تبتعد عنه محاولة أن تتجه إلى ممر آخر في الحديث:
-مفيش بقولك… جاد الكل أكيد شافني بشعري، يارب بقى يارب
جلست على أقرب مقعد قابلها وهي تبكي بقهر على هذه الحالة التي وُضعت بها، مؤكد رآها الجميع رجال ونساء ستُحاسب على تعرية نفسها بهذا الشكل أمام من لا يحلوا لها ولكنها ليس لها يد في ذلك، ولم تستطيع القول من فعل ذلك إلا عندما تتأكد أنه هو وسيكون هو ليس هناك أحد غيره..
نظر إليها وربما هناك شعلة صغيرة تدعوه ليطيب خاطرها ويقف جوارها يشعرها بالأمان قليلًا قائلًا أن هذا سيمر ولكنه لا يستطيع حقًا فالأمر أحرق قلبه ومذقه إلى أشلاء وإلى هذه اللحظة يريد تفسير لما حدث وكيف حدث وإلا النتيجة ستكون غير مُرضية لأنها بالفعل تعلم كيف حدث ذلك ويظهر عليها بوضوح أنها تكذب، يعلم متى تكذب ومتى تكون صادقة..
دق باب الشقة بقوة فرفعت نظرها إلى الباب والدموع تغرق وجنتيها الاثنين والهلع داخلها يزداد من نظرة “جاد” الشرسة تجاهها وتهديده الصريح لها..
تقدم من الباب سائلًا مَن الطارق قبل أن يفتح وهي مازلت في مكانها، أجابته “مريم” من الخارج أنها هي، فتح الباب ووجهه لا يبشر بالخير أبدًا..
نظرت إليه بلهفة وتساءلت عن شقيقتها بعد أن قص عليها زوجها ما حدث وعلمت من الفاعل:
-فين هدير؟
أشار إلى الداخل فتقدمت خطوة وأغلق هو الباب من خلفها، سارت سريعًا إلى شقيقتها التي كانت تجلس وتنتحب بقوة بعد أن رأتها، أقتربت منها وجلست جوارها تحتضن إياها بحنان وكأنها هي الأكبر سنًا والذي يجب عليها احتواء الموقف..
صاحت بحنان قائلة:
-متعمليش في نفسك كده أنتِ مالكيش ذنب في حاجه وربنا عارف إنك مظلومة
ربتت على ظهرها بحنان وود وهي تحاول أن تجعلها تهدأ قليلًا وتتوقف عن البكاء ولكن ليس هناك أي نتيجة إيجابية فـ الموضوع مؤثر عليها بشكل كبير، الجميع رآها من دون حجاب بل رأوا عنقها ومقدمة صدرها، رأوا وهي في أحضان زوجها وهذا ذنب عظيم لن تستطيع أن تتجاهله… هذه المصيبة الأكبر بحياتها..
صدح صوت “مريم” بقوة وشراسة والذي استدعى انتباه “جاد” أكثر:
-واللهِ لاولع فيه الكلب الخسيس ده؟. بقى دي عمله يعملها بس أنا اللي غلطانه قولت أن مش هو اللي بيشتغل و….
تأكدت هي الأخرى من شكها في هذه اللحظات وصاحت بقوة وهي تبتعد عنها بحدة لتجعلها تصمت حتى لا يعلم هو:
-مريم
نظرت “مريم” إلى زوج شقيقتها الذي أقترب منهم في لحظة وعينيه تحمل غضب لا نهائي وحركاته هوجاء بطريقة واضحة:
-هو مين ده؟..
أغمضت “هدير” عينيها بقوة تعتصرهما وهي تود لو تبتلعها الأرض الآن في هذه اللحظة، تمتمت “مريم” بتردد وقد فهمت أنها لا تريده أن يعلم مَن الفاعل:
-أنا… أنا قصدي اللي عمل كده يعني.. لما، لما نعرفه
تكذب، يظهر ذلك عليها بوضوح أنها تكذب مثل شقيقتها، ولكنه يعلم من أين سيأتي بالحقيقة والآن!، نظر إلى زوجته التي كانت منحنية على نفسها وهتف بطريقة فظة وقحة لأول مرة:
-سيبينا لوحدنا يا مريم
-حاضر… حاضر
وقفت على قدميها وهي تنظر إلى شقيقتها بأسف وخجل شديد فهي من فعلت كل ذلك بسبب حركة غبية منها كان عليها التفكير بها أولًا، توجهت إلى باب الشقة فتحته ثم خرجت منه بهدوء وأغلقت الباب خلفها..
في تلك اللحظة التي طلب بها من “مريم” الخروج علمت ما الذي يفكر به وما الذي سيفعله، لن يجعل الأمر يمر هكذا مستحيل
جذبها من يدها بعنف يجبرها على الوقوف أمامه بقوة وصدح صوته الحاد في أذنها:
-في صور تانية على التلفون جسمك باين فيها غير دول
لم يكن يفصل بينهم شيء بسبب جذبه إليها بهذه الطريقة ولكنها لم تستطيع أن ترفع عينيها وتنظر إليه فهي تعلم ما الشعور الذي يحالفه الآن.. أجابت بخفوت:
-لأ… لأ مفيش
وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها إليه بطريقة فظة حادة لم تعتاد عليها منه وقد كان يريد ذلك حتى يرى عينيها الباكية ويعلم إن كانت تتحدث بالصدق أم لا:
-التلفون ده كان مع مين؟
أبصرته بعينيها الباكية بحزن وخوف كبير اجتاحها بسبب طريقته وتعامله الحاد معها لأول مرة وازداد خوفها من أن يعلم ما الذي حدث:
-مكنش مع حد
أخفضت وجهها مرة أخرى وعينيها تخرج الدموع دون توقف وقلبها يقرع كالطبول خوفًا وهلعًا ثم حزنًا وندمًا، أمسك كتفها الأيمن بيد والأخرى رفع بها وجهها مرة أخرى صارخًا بعنف:
-اقفي كده وكلميني عدل.. كان مع مين يا هدير لآخر مرة هسألك وبعد كده تصرفي مش هيعجبك
لم يأخذ منها ردًا بل ازداد بكائها مصاحب لنحيب ازعجه ورأه تصرف طفولي منها لابد من رده فصرخ مرة أخرى بعنف أكبر:
-انطقي بقولك
-كان…. كان عند مسعد
لم يستوعب أن الاسم الذي نطقت به صحيح وأنه من كان لديه هاتفها!.. ولما كان لدى “مسعد” هاتفها؟.. ومتى وأين وكيف؟.. لابد أنها قابلته حتى أخذه منها ولكن متى؟ تضاخم صدره أكثر وازداد غضبه منها وعليها وفي لمح البصر بعد أن رأى عينيها مازالت تبكي رفع يده في الهواء ليهبط بها على وجنتها..
رأته في حالة شديدة الخطورة عليها وعليه، علمت لما هو لا يغضب سريعًا وهذا لأنه عندما يفعلها فغضبه يحرق كل شيء أمامه.. رأته يرفع يده بقوة وعنف وكاد أن يهبط بها على وجنتها فاغمضت عينيها الاثنين تعتصرهما بقوة منتظرة صفعته إليها وقلبها يدق هلعًا ورهبةً..
قبض “جاد” على يده بقوة حتى ابيضت مفاصله وهي في منتصف الطريق إلى صفعها، نظر إليها عندما أغلقت عينيها منتظرة أن يقوم بمد يده عليها وكم احرقه هذا الشعور أكثر من شعوره بالغضب، احرقه شعور أنه كاد أن يستعمل رجولته ويظهر القوى الخاصة به عليها.. هذه ليست أخلاقه، ليس ما تربى عليه وعلمه وفهمه من دينه وقرآنه.. هذا ليس “جاد”..
أغمض عينيه الرمادية بقوة مثلها تمامًا ضاغطًا على أسنانه بعنف وحدة شديدة، وضع يده جوار جسده وفتح عينيه ينظر إليها..
انتظرت مطولًا أن يقوم بصفعها ولم يفعل!.. فتحت عينيها ببطء وخوف لأول مرة تشعر به معه، حتى عندما كانت تتعرض للضرب من شقيقها لم تكن تشعر بالخوف منه أبدًا، هل شعورها تجاه زوجها الآن سيء؟.. إنه كان الأمان كيف أصبح خوفها يأتي منه؟..
كاد أن يصفعها ويفعل ما كان يفعله شقيقها!.. كاد أن يفعل ذلك:
-أنتَ، أنتَ…
قاطعها وهي التي بدأت بالحديث سائلًا إياها بجدية وصوته أصبح منخفض:
-كان عند مسعد بيعمل ايه؟..
لم يأخذ منها ردًا مرة أخرى، زفر بعنف وهو يحاول التراجع عن كل ما يلقيه عليه شيطان عقله ولكن يبدو أنها تريد أن ترى أسوأ ما به، مسح على وجهه بكف يده بقوة وعنف وسألها ثانيةً:
-انطقي يا هدير كان بيعمل ايه عنده
جذبت الرداء على جسدها بيدها الاثنين واحتضنت نفسها وهي تنظر إلى الأرضية مُجيبة إياه بضعف وكسرة قد حلت عليها منذ دلوفه إليها بذلك الخبر:
-وقع مني ومرضيش يفتح اديته لمريم… وهي ودته لمحل من بتوع مسعد من غير ما تاخد بالها ولا تفكر وبعدين جابته.. محصلش غير كده والله
-وأنا روحت فين؟.. مُت!
خرج صوت بكائها بعد الاستماع إلى جملته التي قتلتها وقتلت قلبها الذي كان وكاد أن يشعر بالسعادة ونعيمها، انتحبت وهي تنظر إلى الأرضية والرؤية مشوشة من الأساس بسبب هذه الدموع الغبية الذي أخفت عينيها..
نظر إلى وجهها وهي ينحني برقبته لينظر إليها وهي منخفضة هكذا وصاح بعتاب ظاهر في صوته بقوة بين هذا الصوت الرجولي الجاد:
-ردي عليا يمكن أنا مُت.. كان فيه صور تانية ليكي بلبس البيت؟
أردفت بصدق ونبرة مُرهقة ضعيفة:
-أيوه.. بس كلها كده مفيش حاجه ظاهرة أكتر من وشي والله
توعد “جاد” إليه بقهر وحقد قد أصاب قلبه لأول مرة تجاه أحد، وقد كان يعلم ما الذي يقوله حقًا وسيفعل به:
-المرة دي بقى هو اللي جنى على نفسه
رفعت نظرها إليه بقوة وتوقفت عن النحيب رافعة يدها الاثنين تتمسك بذراعيه قائلة بهلع وخوف عليه من بطش “مسعد”:
-لأ… لأ يا جاد علشان خاطري أنا اللي غلطانه
حرك عينيه الجادة على وجهها وقد كان يود أن يحتضنها ويطمئن قلبها ولكن فعلتها جعلته باغض النظر إليها ويود الإبتعاد عنها، توعد بقسوة قائلًا:
-لسه دورك مجاش بس هو لو طلع المرة دي من تحت ايدي عايش يبقى ربنا بيحبه
رفعت يدها بجرأة إلى وجنته وكأنه سيتأثر بها، أردفت بخفوت وهي تبكي:
-علشان خاطري بلاش… بالله عليك لأ يا جاد
أبعد “جاد” يدها عنه ولم يكن يود النظر إليها حتى بعد ما حدث بسبب تصرفها الغبي:
-ابعدي
تحرك ليذهب إلى باب الشقة متجهًا إلى “مسعد” أمسكته من قميصه من الخلف تجذب إياه بقوة وهي تنتحب لأجل ما يريد فعله ولا تعلم ما النتيجة بعده:
-جاد.. علشان خاطري
وقف على حين غرة واستدار ينظر إليها بقوة وعينيه تشير إلى شيء ما فوجدته يقول بجدية:
-تعالي هاتي القميص الأسود اللي كنتي لبساه في الصورة
هذا القميص الذي أظهر عنقها ومقدمة صدرها، لقد كان مفتوح أكثر من ذلك بكامل هيئته ولكن الصورة أظهرت هذا فقط، نظرت إليه باستغراب وخوف مما يخطط له سائلة بجدية:
-أنتَ هتعمل ايه
استمع إلى هذا السؤال منها وهو يجذبها من يدها بقوة وعنف خلفه متوجهًا بها إلى غرفة النوم لتحضر القميص له كما طلب، أوقفها أمام الخزانة في الغرفة وأردف مُجيبًا إياها بقوة:
-مايخصكش اللي هعمله.. هاتي القميص
فتحت الخزانة أمامه ويدها ترتعش بقوة ظاهرة أمام ناظريه، جذبت القميص من بين ملابسها بيدها المرتعشة فجذبه منها بقوة ونظر إليها بعمق داخل عينيها متوعدًا إياها بقسوة:
-وأنتِ لسه دورك مجاش بس متستعجليش عليه
ذهب إلى الخارج وتركها تنظر في أثره، استمعت إلى صوت الباب يغلق بقوة جعلته يصدر صوتًا عاليًا، جلست على الأرضية بضعف وقلة حيلة وازداد بكائها وهي لا تدري ما الذي سيفعله، تفكيرها الوحيد به هو، خائفة عليه والهلع سيطر على قلبها الضعيف..
ألا يجوز أن تفرح قليلًا!.. هل ستموت البشرية إن حدث ذلك!.. وضعت يدها على وجهها وهي تبكي بصوت عالٍ وقهر حالفها حتى الآن، ولأول مرة تُضع في معصية كبيرة كهذه أمام الله ولكنه يعلم أنها ليست بيدها… لن تفعلها مرة أخرى.. لن تأخذ أي لقطات لها مرة أخرى يكفي هذه..
مسحت على وجهها بقوة محاولة تخطي حالة الضعف هذه لتنقذ الموقف، وقفت تأخذ ملابس مناسبة من الخزانة حتى تصعد إلى “سمير” ابن عمه كي يذهب خلفه إلى “مسعد” ويوقفه عما يريد فعله والذي من الأساس هي لا تعرفه، تمتمت بخوف ولهفة قائلة:
-يارب سلم.. يارب سلم
❈-❈-❈
سار في الشارع الخاص به ورأسه مرفوع عاليًا، جسده متشنج للغاية وعروقه ظاهرة بوضوح، كان سيره بهذه الطريقة يشير إلى أنه رجل مصارعه، فكانت نظرته حادة ومشيته ثابتة واثقة وما جعله يظهر هكذا هو جسده الرياضي الذي برزت عروقه بقوة، وبيده القميص الذي أخذه منها يقبض عليه بقوة، ينظر بعيني أي شخص يراه ويمر من أمامه، لن يخجل ولن يخفض عينيه للأرض بل هناك من سيترك له هذه المهمة..
كان منزل “مسعد” في الشارع الخلفي قريب منهم للغاية وأسفله أقرب محل له والمتواجد به دائمًا..
دلف “جاد” المحل بكل قوة ومظهره لا يوحي بالخير أبدًا، رأى “مسعد” جالس على مكتبه في مقابلته تمامًا فنظر إليه مُبتسمًا بتشفي من قبل أن يبدأ ما سيفعله ومع ذلك لن يتراجع أن نيران قلبه توهجت اشتعالًا عندما أبصره أمامه..
نظر إليه “مسعد” وكم كان يود أن يضحك بشماته لما فعله به وبزوجته ولكن نظرة “جاد” لم تجعله يغتنم هذه الفرصة بل ارتاب من تقدمه البطيء ونظرته الشرسة هذه ويالا حسن حظه فلا يوجد غيره هنا!..
ترك “جاد” القميص على المكتب بعد أن أقترب منه إلى الغاية ثم مال عليه بجذعه ونظر إليه ببرود شديد لا يدري من أين أتى به:
-أنت عارف دية اللي أنتَ عملته ايه؟.. أنا هقولك
لم يترك له الفرصة للرد عليه بل جذبه من مقدمة عنقه وأبتعد به عن المكتب ثم لكمه بكل قوته ويالا قوة “جاد” الجسمانية..
لن يصدق أحد لو قولت أن “مسعد” كاد أن يفعلها داخل سرواله!..
لم يتركه “جاد” بل تمسك به بقوة وباليد الأخرى سدد له ما يقارب العشر لكمات بجانب شفتيه، أسفل عينيه، وأنفه الذي ربما يكون قد كُسر.. لم يرحمه “جاد” يرى تلك الصور أمام عيناه ويتذكر نظرة الناس له في الحارة ويتذكر أن الجميع رأى زوجته بدون حجاب وزينتها ظاهرة للجميع فيزداد أكثر فيما يفعل..
وقع “مسعد” على الأرضية ووجهه سارت به الدماء بكثرة، رفعه “جاد” مرة أخرى ثم أعطاه لكمة قوية بقبضة يده في منتصف صدره جعلته يصرخ من الألم واقعًا على الأرضية بكل قوته واصطدمت رأسه بالأرضية بعنف وإلى هنا هل يكتفي؟..
لم يعد “مسعد” قادرًا على الوقوف ولا حتى النظر إليه، يشعر أن وجهه محطم وهناك أسنان وقعت من فمه، غير صدره الذي ألمه وكأنه أخذ به طلق ناري..
قوة “جاد” لا تعادل “مسعد” بالمرة فهو من الأساس لم يستطع التصدي له أو النظر إليه، بقيٰ مُلقى على الأرضية غير قادر على فعل أي شيء فضربه “جاد” بقدمه بكل غل وقسوة في جانبه الأيمن ثم جسى فوقه يسدد له لكمات أخرى وأخرى وهو يلهث بعنف وخصلات شعره الطويلة مالت على جبينه ملتصقة به بسبب العرق الذي ظهر لمجهوده في ضرب “مسعد”..
دلف “سمير” بسرعة كبيرة إلى المحل وهو يركض حتى يقوم بردع “جاد” عما يريد فعله بعد أن علم من زوجته..
وقف خلفه وانحنى بجذعه محيطًا إياه من الخلف يحاول جذبه من فوق “مسعد” الذي ربما يكون قد مات حقًا، ولكنه مُصمم على قتله هذه المرة حتى يبتعد عنه وعن حياته بشره وحقده على الجميع..
صرخ “سمير” به عدة مرات حتى يبتعد عنه وفي نفس الوقت يحاول جذبه ولكنه لا يستمع إليه من الأساس، صرخ به عاليًا هذه المرة وهو يدفعه من الأمام بكل قوته ليبتعد عنه:
-كفايه يا حمار هيموت في إيدك
وقع “جاد” على الأرضية جالسًا بسبب دفعة ابن عمه له فنظر إليه بقوة وحدة وعينيه يملؤها الشر:
-هو ده المطلوب
وقف “سمير” أمامه بعصبية وهو خائف من تهوره، قد يموت ويزج ذلك الأبلة بالسجن، وصرخ به قائلًا:
-خد حقك منه بس مش بالموت، أنتَ اتجننت ولا ايه هو يموت وأنتَ تترمي في السجن
نظر إليه “جاد” وجده يحاول التحرك ولكن لا يستطيع فقد أصبح جسده ثقيل عليه أكثر من اللازم فوقف هو على قدميه وهو يلهث بعنف وقوة ازعجته، أرجع خصلاته إلى الخلف بكف يده ثم أمسك بالقميص من على المكتب واضعًا إياه في يد “سمير” وقال بكل جدية:
-أمسك ده
نظر “سمير” باستغراب إلى القميص النسائي الذي بيده، قميص أسود قصير للغاية مفتوح من كل جاب!.. ما الذي سيفعله به؟
وجده يرفع “مسعد” عن الأرضية واسنده عليه ثم سار به إلى الخارج، لا يدري ما الذي يريد فعله به في منتصف الحارة وترى الناس جميعها أن هو من فعل به ذلك.. يا له من أحمق..
خرج خلفه ليجده وقف به في منتصف الشارع أمام محله بالضبط أي أمام منزله المكون من أربع طوابق وكل طابق به شقة يوجد بها زوجة من زوجاته الثلاثة مع أطفالها..
جذب “جاد” مقعد معه من جوار المحل ثم أجلسه عليه في المنتصف وقد بدأ المارة بالوقوف ليروا ما الذي يحدث هنا، هتف بنبرة رجولية عالية للغاية لكي يستمع إليها الجميع وبالأخص أهل منزله:
-الصور اللي نزلت ليا ولمراتي وكل أهل الحارة شافوها اللي نزلها هو مسعد الشباط… الو**
-تلفون مراتي عطل منها وأنا جتله بيه بنفسي وهو بدل ما يصلحه ويرجعه، صلحه وأخد اللي عليه ونزله لكل الحارة واللي يعمل عمله نجسه زي دي يبقى لازم يتربى ويتعلم الأدب من أول وجديد علشان ميعملهاش تاني مع أي واحدة في الحارة
نظر إليه الجميع وقد تفهموا حديثه جيدًا ونظر إليه شخصًا ما بكل جدية وتحدث بقوة أمام الجميع:
-مسعد معروف بعمايله الوسخه دي وإحنا لما شوفنا الصور يسطا جاد عرفنا أنها متطلعش منكم.. كل بيت ليه خصوصياته وهو سرق الخصوصية دي يبقى لازم يتربى والحارة تنضف من أشكاله..
استمع إليه “جاد” ولم يتحدث ليجد امرأة تدخلت في الحوار متحدثة بتشفي وكأنها لها عداوة معه:
-يستاهل البعيد… دي مش أول مرة يعملها وياريت الحارة فيها رجالة زيك يسطا جاد يعرفوا ياخدوا حقهم مش يكشوا ويخافوا
نظر “جاد” إلى الأعلى ليجد زوجاته الثلاثة يقفن وكل واحدة منهن تطلع إلى ما يحدث له في الأسفل ولم يجد أي نظرة حزن على وجه أي واحدة منهن، عاد بنظرة إلى المرآة ثانيةً وقال بتشفي وقسوة ظاهرة للجميع:
-لأ أنا لسه هاخد حقي دلوقتي قدام الكل وأولهم أهل بيته..
تقدم من “سمير” الذي كان يقف على أعتاب المحل مذهولًا مما يفعله، أخذ من يده القميص بحدة وقوة واستدار ليذهب إلى “مسعد” مرة أخرى فاستمع إلى صوت ابن عمه:
-اللي هتعمله ده غلط
لم يعيره اهتمام بل أكمل فيما يريد فعله، وقف أمام مسعد الذي كان لا يدري ما الذي يحدث من حوله فقط يستمع إلى سباب موجه إليه..
نظر الجميع إلى جاد بقوة وقد فهموا ما الذي يريد فعله فانتظروا ليشاهدوا هذا العرض الذي يحدث من الحين إلى الآخر بين “جاد” و “مسعد” لأجل فتاة في عمر أولاده ربما..
جذب القميص الذي يرتديه بكل قوته من عند عنقه بيده الاثنين لينشق نصفين، ازاحه عنه وظهر له صدره العاري فأمسك قميص زوجته بيده وقام بتلبيسه إياه..
وضع الجميع أيديهم على فمهم ذهولًا من فعلة “جاد” الذي لا يتجرأ عليها أحد، هناك من يتشفى بمسعد وهناك من يرى أن الأمر فظيع منسوبًا إلى سمعته السيئة أيضًا وكثير من الأشياء هاجمت الجميع وهم يرونه..
لم يقدر على أن يجعله يلبسه بالكامل فقد كان صغير، فوضعه في عنقه وذراعه الأيمن ومال عليه قائلًا بنبرة حادة مهددة إياه بغل:
-وقسمًا برب العباد الصور لو ماتمسحت لكون عامل فيك اللي يخليك زي الستات بجد… والبادي أظلم
وقف شامخًا ونظر إلى الجميع بارتياح بعد أن أخذ نصف حقه منه قائلًا بجدية وصوتٍ عالٍ:
-اللي عايز ياخدله لقطتين ياخد مش خسارة فيه بردو
وجد شباب الحارة يخرجون هواتفهم ليأخذوا له اللقطات وهو بهذه الهيئة والإبتسامة على وجوههم غير الشماتة التي حلت على الجميع وهم ينظرون إليه.. السيرة الطيبة والسمعة الجيدة وأفعالنا الكريمة هي ما يتبقى لنا في الدنيا وما نعيش به.. غير ذلك فلا تنتظر من أحد أن يكن لك الاحترام قبل أن تكنه إلى ذاتك..
❈-❈-❈
أخذ “جاد” دراجته النارية بعد كل ما حدث في الحارة وسار ذاهبًا إلى البعيد ليكون وحده بعيد عن الجميع وأولهم هي، ولينعم ببعض الهواء المنعش الذي ربما يشفي جروحه الكثيرة والغائرة..
سار كثيرًا وكثيرًا حتى أبتعد عن الحارة مسافة تقارب الساعة حتى لا يعود إليها مرة سريعًا، الجميع بها لا يريد رؤيتهم فقط يريد أن ينسى ما حدث وما فعلته زوجته به..
وقف هاتفها عن العمل ألم يكن من المفترض أن يأخذه هو ليقوم بتصليحه أم تعطيه لشقيقتها الغبية الذي أخذته وأعطته بيدها إلى ذلك الحقير، بائع السم والموت في أكياس…
وتقول لا أدري كيف حدث وهي تعلم كل شيء، تكذب عليه وتريده أن يكون ذلك الرجل المضلل الذي لا يعرف كيف أن يأتي بحق زوجته..
ألن تكف عن أفعالها هذه؟. لقد جرحته كثيرًا واحزنته بما يكفي أعوام ألن تكتفي بعد؟!..
نُهش قلبه من الداخل وحللت شرايينه بعد أن تخيل نظرة الرجال للصور، زوجته ومن حقه هو وحده وهناك من رآها غيره وهنا كانت المشكلة الكبرى داخله، غضبه مما حدث وانزعاجه منها وحزنه عليها..
لا يستطيع أن يحدد موقفه تجاهها أيضًا نعم منزعج بشدة ويود أن يلقنها درسًا لا تنساه ومع ذلك لا يهون عليه حزن قلبها الضعيف، لا يتحمل نظرة الألم بعينيها فهو أمانها وسندها، هو والدها وشقيقها ولكن لقد جُرح!..
رفع نظرة إلى السماء وهو جالس على الدراجة النارية ثم أغمض عينيه بضعف كبير في محاولة منه أن يهدأ نفسه ويبعد ذلك الغضب عنه حتى يستطيع العودة إلى المنزل..
استمع إلى صوت سيدة تصرخ على الجانب الآخر من الطريق والذي كان مقطوعًا بعد أن تخطت الساعة الثانية صباحًا، وقف على قدميه وسار يتقدم إلى هناك ليرى إن كانت تحتاج مساعدة فاستمع إلى صوتها تهتف بقوة وصوت حاد صارخ:
-سيبني يا حيوان وأبعد عني.. أنا هوديك في ستين داهية يا زبالة
سار مقتربًا أكثر ليرى رجل ومعه امرأة يبدوا عليها الثراء غير محجبة بل ملابسها مكشوفة، يحاول أن يأخذها بالقوة معه في سيارته فصرخت به أكثر فابتعد عنها وهو يقول بقسوة:
-اللي بتعمليه ده هيوديكي أنتِ في داهية
صرخت أكثر وهي تتلوى بين يده بهستيرية وخوف قائلة:
-أبعد عني.. أبعد
كاد أن يتقدم منهم “جاد” ليساعدها ولكنه وجده يصعد في سيارته ثم انطلق بها وتركها وحدها بجوار سيارتها…
ما كاد إلا أن يستدير ويذهب ولكن شعر أنها تترنح وليست على ما يرام، تقدم منها سريعًا لينظر إليها بقوة قائلًا:
-أنتِ كويسه؟
نظرت إليه باستغراب لا تدري من أين خرج هذا الوسيم ذو الهيئة الجميلة والتي خطفت نظرها إليه، أغمضت عينيها بضعف لم تستطيع مقاومته وترنحت للأمام فقدم ذراعيه إليها قبل أن تقع على الأرضية..
زفر بضيق وانزعاج شديد وهو يرى إن كانت تتنفس أم لا وهتف قائلًا:
-هو يوم باين من أوله
نظر “جاد” إلى سيارتها بجدية، رفعها بين يديها ثم اتجه بها ناحية السيارة فتح بابها ووضعها في المقعد الخلفي ثم ذهب إلى الطرف الآخر ليضع الدراجة النارية الخاصة به في مكان آمن حتى يعود ويجدها، ثم مرة أخرى توجه إلى الطرف الآخر عائدًا إليها وصعد إلى السيارة في مقعد السائق ثم انطلق بها..
❈-❈-❈
وقفت في شرفة شقتها، تنظر عليه وتود أن يطمئن الله قلبها بنظرة منه، منذ أن قام بضرب “مسعد” وهو مختفي، ولقد قاربنا على اليوم التالي..
لقد قال لها “سمير” كل ما حدث وكل ما فعله “جاد” وشعرت بالحرقة لأجله.. تعلم ما الذي يشعر به حقًا ولكن لم يكن بيدها شيء لتفعله..
لم تكن هي الجاني الذي فعل هذا بل كانت الضحية وأكثر من تعرض للحزن بسبب فعلة “مسعد” القذرة
شعورها لا يوصف ناحيته، تارة تشفق عليه وتارة أخرى تشعر بالقهر منه، لقد قابلها بقسوة كبيرة لم تعتادها منه يومًا حتى أنه قارب على ضربها!..
لقد جرحها بشدة عندما رفع يده وكاد أن يصفعها، لم يفعلها نعم وعاد عما نوى عليه وشعر بأن ذلك ليس أسلوبه وهي لا تستحقه أيضا ولكن الفعلة نفسها تحرق قلبها وتجعلها تشعر بالعجز..
إلى أين ستذهب إن حدث بينهم سوء مثل هذا فهو لها الأب والشقيق ثم الحبيب وآخرهم الزوج!..
دلفت إلى الداخل وأخذت الهاتف من على الطاولة تحاول أن تهاتفه مرة أخرى ولكن كما كل المرات هاتفه مغلق..
زفرت بضيق وقررت داخلها أنه بعد مرور نصف ساعة أخرى إن لم يأتي فستصعد إلى “سمير” مؤكد يعلم أين هو…
الأمر لا يستدعي أن يذهب ويفعل هكذا، نعم حزين ويشعر بالخذلان منها وهي أيضًا مشاعرها تجاهه مُشتتة والموقف الذي وقعت به ليس سهلًا كان لابد من المواجهة ليس الهروب..
دقائق أخرى مرت وهي تفكر به وبما حدث ثم استمعت إلى صوت دق غريب على الباب، ابتلعت العلقم الذي وقف بحلقها ليشعرها بمرارة ما حدث وتقدمت من باب الشقة بخوف وهي تنظر إليه بقوة
ومرة أخرى نفس الدق على الباب فصاحت بصوتٍ خافت يرتجف خوفا لأن جاد معه مفتاحه الخاص ويدلف في أي وقت:
-مين؟..
أتاها صوته الخشن الرجولي من خلف الباب:
-أنا جاد افتحي
فتحت الباب سريعًا بلهفة وقد اطمئن قلبها حقًا بعد أن علمت أنه بخير ويقف هنا داخل منزله، فور أن فتحت الباب وجدته يقف أمامها بشموخ ينظر إليها بحدة ويحمل على يده امرأة يبدو أنها فاقدة للوعي!
نظر إليها بقوة وجدية شديدة ولم يتحدث بل أراد أن تفسح له الطريق بينما هي قابلته بسؤالها الذي خرج من بين شفتيها باستنكار وذهول:
-مين دي يا جاد؟..
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)