روايات

رواية ندوب الهوى الفصل السادس 6 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الفصل السادس 6 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الجزء السادس

رواية ندوب الهوى البارت السادس

رواية ندوب الهوى الحلقة السادسة

“وفي لحظة قاسية ظن أن الحياة قد انتهت
هنا، انتهت عندما وقعت عينيه على ضعفها
أمام ذئب بشري أراد انتهاك حقه بها”
لقد مر بألم شديد في قلبه كثيرًا من المرات بسببها، كلماتها وأفعالها وكأنها تتعمد فعل ذلك، ولكن الآن فقط يعترف أنه يتألم عن حق، قلبه يتلوى على جمر الخوف والرهبة عليها، يحترق في قلب النيران والقلق ينهشه ضاغطًا عليه أكثر وكأنه يريد الإنفجار..
عقله أيضًا لم يُشفق عليه بل ازداد مساعدًا قلبه مصورًا له كثير من السيناريوهات البشعة الخاصة بها والتي ستجعلها شخص آخر غير الذي يعرفه..
بينما لسانه الوحيد الذي وقف معه وبجواره وهو يتمتم بالدعاء لها أن يحفظها الله من كل سوء إلى أن يصل إليها أينما كانت..
لسانه الوحيد الذي بقيٰ بجواره يحاول أن يساعده ويطمئن قلبه المشتعل بالنيران عليها، حزنًا وخوفًا وقهرًا!..
ماذا لو كانت هربت من المنزل بعد ما فعله شقيقها بها؟!، نعم تفعلها فهي كانت رافضة الزواج من “مسعد” رفض تام وحتى آخر لحظة دلف بها منزلهم وشاهدها بين يدي شقيقها، ولكن إلى أين ستذهب!.. لا يوجد أحد تعرفه سوى صديقتها “رحمة”..
ربما ساعدتها “رحمة” وذهبت إلى صديقتها الأخرى التي تحدثت عنها معه من قبل!.. ولكن إن كانت فعلتها فلن يمررها لها بهذه السهولة حتى ولو كان ليس له دخل بما يعنيها فيكفي وجودها مع ذلك الشاب البارد شقيق صديقتها..
أسرع في خطاه وكل هذا وعقله لا يرحمه متخيلًا أكثر من ذلك بكثير بينما قلبه يخفق بعنف وقوة شديدة خائفًا من فقدانها!..
أقسم داخله أنه بعد أن يجدها لن يجعلها تكون لغيره ولو مهما كلفه الأمر، أقسم ثلاث مرات متتالية أنه سيفعل المستحيل لتكن من نصيبه هو وإذا استصعب الأمر أكثر من ذلك سيعلم أن الله ليس مقدرها له، فيرضا بما كتبه الله له ويشكره على نعمته..
تخطى “جاد” “الخرابة” وسار راكضًا ليطمئن عليها ومازالت شفتيه تتمتم بالدعاء..
ولكن في وسط سكون الليل وعدم تواجد أحد في الشوارع والهدوء يطغي على المكان استمع إلى صرخة مدوية انشقت لها الأرض وصعدت إلى السماء مُزيلة سكونها..
صرخة كانت تُعبر عن خروج الروح من الجسد بطريقة بشعة وتركت خلفها جروح غائرة ستدوم إلى الأبد بالندوب الموجعة، ندوب لا تُمحى، ندوب بين الهوى والروح..
وقف “جاد” مكانه ولم يتحرك خطوة ولم يدري بعد من أين أتت هذه الصرخة الأنثوية، استدار ببطء وعينيه لا تريد منه أن ينظر إلى أي شيء قد يشير إليها ولكنه مع ذلك تحمل على نفسه ونظر إلى البيوت على جانبيه ثم وقعت عينيه على “الخرابة” وبابها الكبير المغلق..
صور له عقله مشهد سريع بشع للغاية كانت طرف منه فاغمض عينيه بقوة يعتصرهما حتى يُمحى من رأسه وتراجع سريعًا مرة أخرى راكضًا إلى “الخرابة” ليستمع إلى صوت بكاء حاد كلما أقترب منها، ولم يكن إلا صوتها!.. استمع إلى صوتها مطالبة بالنجدة بصوتٍ خافت يكاد أن يختفي!.. لم يفكر كثيرًا وقف دافعًا الباب عدة مرات بكل قوته إلى أن فُتح على مصراعيه..
دلف راكضًا ثم وقعت عينيه عليها وهي تصارع حيوان لا يقوده إليها إلى غرائزه الحيوانية، انقض عليه ساحبًا إياه من فوقها بحدة شديدة من قميصه وعنقه، جعله يقابله بوجهه ثم لكمة بكل ما أوتي من قوة أسفل عينيه وقهرة قلبه لا توصف ولا تُحكى على ما شاهدة..
هذا أبشع مظهر قد يراه في حياته، هناك من انتزع قلبه بكل قسوة من داخل قفصه الصدري، هناك من ضربه بنصل حاد ولكنه لم يقتله، تركه يتألم وحده..
لو كانت تزوجت غيره لم يكن سيحزن كما الآن، الآن فقط تمنى لو كانت تزوجت غيره ولا يحدث لها مثل هذه الحادثة البشعة..
ترنح الآخر إلى الخلف واصطدم بالحائط خلفه، فتقدم منه “جاد” مرة أخرى قابضًا على عنقه بيد والأخرى قام بضربه ببطنه بكل قوته عدة مرات متتالية إلى أن قذف الدماء من فمه..
انخفض “مسعد” على الأرضية ولم يستطيع الدفاع عن نفسه أمام “جاد” حيث أنه لم يكن بوعيه وكان يترنح وحده من الأساس..
جذبه “جاد” مرة أخرى وهو يلهث بسبب عنف ضرباته له وقام بضربه عدة لكمات في وجهه الذي أُغرق بالدماء ولم يعد يرى ملامحه ثم أحكم قبضته على رأسه ودفعه عدة مرات في الحائط إلى أن فُتحت رأسه وانسالت الدماء منها بغزارة ليقع على الأرضية فاقدًا للوعي..
جلس فوقه “جاد” واضعًا يده الاثنين حول عنقه مقررًا أن ينقذ البشرية جميعها من شره وأخذت يده تشتد عليه بقوة شديدة
صرخت “هدير” بإسمه لأول مرة دون ألقاب ووقفت سريعًا من ذلك الجانب الذي كانت تجلس به بعيد عنهم تبكي بهلع وخوف، توجهت إليه سريعًا تجذب يده من حول عنقه خائفه أن يموت حقًا ويكُن هو القاتل!:
-سيبه أبوس ايدك سيبيه هيموت
انتحبت كثيرًا وهي لا تستطيع جذب يده من عليه فقد كان وكأنه لا يرى أمامه ولا يستمع صوتها من الأساس، صرخت به بحدة وخوف شديد تدفع يده بقوتها الهشة ولكن لا جدوى لما تفعل!..
ألقت نفسها عليه تحتضن عنقه بيدها المرتعشة والبكاء مزق احبالها الصوتية:
-كفاية علشان خاطري متضيعش نفسك علشانه، بالله عليك كفاية يا جاد
فك يده من حول عنقه ووضع إصبعه أمام أنفه ليتأكد إن كان على قيد الحياة ووجده مازال حيًا، وقف على قدميه واوقفها معه وقلبه يقرع كالطبول وصوت بكائها يمزقه إلى أشلاء..
نظر إليها وجد حجابها ليس أعلى رأسها بل خصلاتها مندسلة على ظهرها بالكامل وهيئته غير مهندمه، عباءتها أزرارها ليست مغلقه وملابسها البيتية تظهر خلفها بوضوح، رفع عينيه سريعًا عنها ونظر إلى داخل عينيها متحدثًا بنبرة خافتة وهو يلهث بعنف:
-أنتِ كويسة؟
أومأت إليه برأسها عدة مرات متتالية ثم غيرت اتجاهها مشيرة إلى أنها ليست بخير بالمرة وازاد بكائها وتصاعد صوت نحيبها ليجدها ترمي بنفسها في أحضانه دون سابق إنذار..
لم يكن في حالة تجعله يفكر بأبعادها عنه بل لف يده حول خصرها محتضن إياها بشدة مبادلًا إياه العناق عندما شعر برجفة جسدها الغير طبيعية محاولًا بث الأمان بها، ولم يفكر بأي شيء آخر مثل أنه لا يجوز احتضانها هو فقط يريد أن يجعلها تشعر أن الأمور جميعها بخير وليس هناك شيء يستدعي خوفها ورجفتها بهذه الطريقة..
توعد إلى “مسعد” بالكثير داخله عازمًا أمره على أن يجعله يندم لأنه فكر بها فقط، هي التي انقذته من بين يديه، نظر إلى مكانه بغل متوقعًا أن يكون ملقى على الأرضية ولكنه فتح عينيه عندما انشغل “جاد” بـ “هدير” وذهب زاحفًا إلى الخارج لينفد بحياته..
أبتعد عنها وهو لا يستطيع أن يفعل لها أكثر من ذلك وقد ود الفعل داخله حقًا ولكنه لا يستطيع، تحدث بصوتٍ مُنهك ونبرة متوترة:
-اقفلي عبايتك
استدار ليبحث عن حجابها وقد وجده ثم جذبه إليها ووضعه أعلى رأسها بهدوء وحنان ربما يخفي بعض من خصلاتها.. وقع نظرة على يدها وهي تغلق عباءتها، كانت ترتجف بشدة ولا تستطيع أن تغلق الزر مرة واحدة بسبب ما يحدث معها من ارتجاف في كامل جسدها..
قبض “جاد” على يده بقوة وعنف شديد وداخله يشتعل لرؤيتها هكذا وازداد توعده إلى ذلك الشيطان “مسعد”..
دلف “سمير” إليهم سريعًا بعد أن قابل “مسعد” يركض بالخارج وهو لا يرى أمامه حتى.. وعلم أنهم هنا متوقعًا ذلك من مظهره أكمل عليه بعد ضربات “جاد”، ولم يسمح له بالذهاب إلى عندما دفعه وركض..
نظر “سمير” إلى “جاد” بعد أن دلف مشيرًا إليه بعينيه باستغراب، فاستدارت سريعًا تنظر خلفها عندما شعرت أن هناك أحد غيره معها، رأته يقف خلفها فتوجهت سريعًا لتقف خلف “جاد” بحركة لا إرادية منها بعد ما مرت به هذه الليلة..
لم يتحدث “جاد” معها ولم ينظر إليها قد، فقط أشار لـ “سمير” بالذهاب قائلًا بجدية:
-امشي يا سمير طمن أم جمال وأنا جاي وراك معاها
أومأ إليه ابن عمه دون التفوه بحرف ومن مظهر “هدير” فهم ما حدث فاخفض وجهه بالأرض وخرج ذاهبًا ليفعل مثلما قال له “جاد”..
استدار لها “جاد” أخذًا نفسٍ عميق وحاول أن يتحدث بهدوء ونبرته الرجولية سيطرت على حديثه:
-اهدي خلاص، اعتبري إن محصلش حاجه.. بطلي عياط علشان خاطري
رفعت بحر العسل الصافي الخاص بها لتنظر إلى عينيه الرمادية والحزن يتربع على قلبها وكل خلية داخلها، عينيها تخرج منها الدموع بغزارة دون توقف، أخفضت عينيها مرة أخرى وهي شاعره أنها لا تستطيع أن تنظر إليه بعد ما حدث وبعد رؤيته لذلك الوضع الذي كانت به…
-طيب بلاش علشان خاطري، الست والدتك لو شافتك كده ممكن يحصلها حاجه وأختك الصغيرة تروح فيها… أرجوكي أهدي
وضعت وجهها بين يدها الاثنين ثم أخذت تبكي بشدة منحنية على نفسها والألم ينهش قلبها مما حدث وما مرت به، عقلها يلقي عليها مشاهد بشعة كانت ستحدث لها لو لم يأتي إليها “جاد” في الوقت الذي كان ينفذ منها بسرعة كبيرة، انتحبت بشدة وصوت شهقاتها يعلو فتركها تفرغ ما داخلها لعلها تستريح فما حدث لها لم يكن هين بالمرة عليه هو فما شعورها هي!..
❈-❈-❈
كان قلب والدتها يحترق وهي لا تدري ما الذي حدث لابنتها وأين هي، عندما عادت للمنزل حاولت الإتصال بولدها “جمال” حتى يأتي ويبحث عن شقيقته ولكن هاتفه كان مغلق، وهو هكذا دائمًا لا تجده في مثل هذه المواقف، بينما حاولت “مريم” الإتصال بـ “رحمة” على أمل أن تكون فتحت هاتفها ولكن دون جدوى..
جلست هي وابنتها على جمر أسفلهم خائفين على “هدير” والقلق ينهش قلوبهم..
عاد “سمير” إليهم بعد وقت ليس طويل وأخبرهم أنها مع “جاد” في الطريق إلى هنا، اطمئنت والدتها وحمدت الله كثيرًا وجوارها ابنتها التي هدأت وأغمضت عينيها براحة لينظر إليها “سمير” بهدوء واستأذن منهم ليقف في الخارج لأنه لا يجوز بقائه معهم في المنزل في مثل هذا الوقت، وقف أمام الباب الخارجي ينتظر عودة “جاد”..
رآهم قادمون من أول الشارع يسير “جاد” و “هدير” بجواره منكمشه على نفسها وكلما أقتربت رأى الذعر والخوف يرتسم على ملامحها..
دلفت إلى داخل البيت معه وأتى ابن عمه خلفهم، فتحت لها الباب شقيقتها بعد أن دقه “جاد” وكانت والابتسامة على وجهها ولكن عندما رأت شقيقتها زالت الابتسامة وذُهلت وهي تنظر إليها قائلة اسمها بصدمة:
-هدير!
وقفت والدتها سريعًا عندما استمعت إلى ابنتها “مريم” تهتف باسم شقيقتها وتقدمت من باب الشقة لتراها، فتحت الباب إلى آخره لتتفاجئ بهذه الهيئة أمامها!..
حجابها ليس كما خرجت بل مغطي رأسها عنوة عنه لأنه ممزق!، وجهها شاحب منتفخ وعينيها حمراء وانفها وتبكي!..
عباءتها عليها غبار كثيرًا ويبدو وكأنها نايمة على الأرضية ولكن بعنف شديد، نظرت إلى “جاد” و “سمير” خلفه وتحدثت متسائلة بخفوت وصدمة احتلت ملامحها:
-في ايه!. هدير حصلها ايه
أجابها “جاد” بجدية وحزم وصوته جاد قائلًا وهو يشير إلى الداخل:
-طيب ندخل وهقولك على كل حاجه
أبتعدت عن الطريق ليحث “هدير” على الولوج إلى الداخل ففعلت وهو من خلفها وابن عمه أيضًا الذي أغلق الباب من خلفه..
جلسوا على الأريكة في صالة المنزل ناظرًا إلى “هدير” التي دلفت غرفتها وأغلقت الباب من خلفها، فنظر إلى “مريم” قائلًا بحزن عميق ظهر بعينيه:
-خليكي معاها يا آنسة مريم
فعلت كما أخبرها وذهبت خلفها إلى الداخل فوجه نظره إلى والدتها التي تحدثت بحدة قائلة وهي تشير بيدها:
-في ايه يسطا جاد بنتي حصلها ايه
وضع وجهه بالأرضية لا يدري ما الذي عليه قوله لها في مثل هذا الموقف، ولكن يجب أن تدري بكل ما حدث، رفع وجهه إليها وتحدث بجدية ونبرة حادة قليلًا:
-الحمد لله يا أم جمال محصلش حاجه هو بس مسعد حاول يتعرضلها
وقفت على قدميها تصرخ بهلع وحدة قائلة وهي تضرب يدها على صدرها:
-اتعرضلها إزاي يعني! عمل فيها ايه.. عمل فيها ايه قولي… عمل ايه في البت
وقف “سمير” على قدميه أمامها وتحدث قائلًا بعقلانية حتى تهدأ:
-يا خالتي أم جمال أهدي جاد قالك محصلش حاجه هو لحقها
جلست أمامهم تندب حظ ابنتها العثر مع ذلك الدنيء “مسعد” وهي تضرب بيدها على فخذيها قائلة بحدة وغضب:
-هو الجواز بالعافية يا ناس، لا إحنا موافقين ولا هي موافقة يا عالم
نظر إليها “جاد” باستغراب مستنكرًا حديثها فـ “هدير” وافقت اليوم أمام عينيه ما الذي تغير!.. ولما قد يفعل “مسعد” ذلك بعد موافقتها؟، تسائل قائلًا مضيقًا عينيه:
-بس هي وافقت
أجابته بحزن وعينيها منكسرة بسبب ما يفعله ابنها بهم:
-موافقتش والنبي يا ابني، لامؤاخذة يعني قالت كده قدامك علشان محدش يدخل بينها هي وأخوها بس بعد ما مشيت أنتَ قالتله أنها مش موافقة ولو هتموت حتى تموت ولا أنها تتجوزه
هل أرتاح قلبه أم ماذا حدث!. يبدو أنه أرتاح حقًا لم توافق عليه ولن توافق أبدًا أنه كان يشعر بذلك ولكن حديثها هو من جعله يتوقع منها الموافقة والزواج، لقد نهشت قلبه الغيرة وحطمه الألم عندما أظهرت موافقتها يا لها من غبية!..
وجد والدتها تهتف بحرقة عاليًا أنها لن تتركه هذه المرة ودلفت سريعًا إلى المطبخ عائدة بسكين في يدها، صاح “سمير” عاليًا هو “جاد” حتى لا تفعل ذلك.. وقف أمامها “جاد” وهو يراها تتقدم من باب الشقة وهتفت بغضب وهستيرية والسكين بيدها:
-هموته.. مش هسيبه لما يموت البت أنا اللي هعملها قبله واجيب حق بنتي
أمسك “جاد” بيدها سريعًا أخذًا منها السكين وهو يهتف بحدة:
-حق بنتك هيجيلك لغاية عندك بس أنتِ أهدي يا أم جمال وهديها هي كمان.. هي محتاجاكي
نظرت إلى “سمير” الذي أومأ إليها برأسه موافقًا على حديث ابن عمه فأكمل هو حديثه قائلًا:
-ادخلي اطمني عليها يا أم جمال وناديلي الآنسة مريم دقيقة
ذهبت إلى غرفة ابنتها واختفت خلف الباب ليرى “مريم” تتقدم منه والحزن يرتسم على ملامحها فتحدث قائلًا بجدية بعد أن أخرج هاتفه من جيبه:
-اديني رقمك يا آنسة مريم
نظرت إليه باستغراب ولم تتحدث فابتسم بهدوء ابتسامة مصطنعة قائلًا:
-علشان لو حصل أي حاجه وجمال مش موجود تكلميني أنا بردو زي اخوكي
اعطته الرقم فهاتفه لتستمع إلى رنة هاتفها، أغلق هو ثم قال بجدية:
-مش هوصيكي لو حصل حاجه أنا موجود، وخدي بالك من والدتك ياريت متخليهاش تعمل أي حاجه
أومأت إليه برأسها ثم استأذن هو وذهب من الشقة هو وابن عمه بعد أن شكرتهم “مريم” لما فعلوه لأجلهم وصعد كل منهم إلى شقته..
لكن “جاد” بقي قلبه وعقله في الأسفل مع الغبية التي حرقت قلبه بحديثها وموافقتها أمامه، وما رآه اليوم لم يكن هينًا أبدًا فقد تمزق داخله وتلوى على جمر مشتعل وهو يتخيل لو كان تأخر قليلًا وهي لا حول لها ولا قوة لم تستطيع أن تجابه “مسعد” وتبعده عنها..
في هذه اللحظة كان سيموت قهرًا عليها وعلى ما حدث لهم هم الاثنين، يعود مرة أخرى ليحمي هذه التراهات من عقله وهو يحمد الله أن كل شيء على ما يرام وهي بخير ولم يمسها سوء ولكن حساب “مسعد” لم يصله بعد
تمدد على الفراش في غرفته بعد أن وجد الساعة تخطت الثانية صباحًا بكثير فانتظر ليصلي الفجر ويقوم بالدعاء ككل يوم ليتحقق ما يريد وهو يعلم أن الله سيحقق له كل ما في خاطرة ويسبب الأسباب لذلك..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
في الصباح سارت “مريم” في الشارع وعلى يدها بعض الكُتب، كانت شاردة وهي تسير ولا تنظر إلى أحد، تفكر فيما حدث بالأمس لشقيقتها والحالة التي أصبحت عليها الآن، وحتى إن شقيقهم لم يعود منذ الأمس، هو دائمًا هكذا يسبب لهم الحزن جميعًا ويأتي عليهم وكأنهم أعداء له، تتمنى أن يتغير قبل أن يفقدهم من جواره..
منذ أن توفى والدهم وشقيقتها هي المسؤول الأول عن الجميع حتى “جمال” المعاش الذي يخص كل منهم لا يكفي أبدًا في ظروف الحياة الصعبة هذه وهي لا توافق أن يساعدهم أحد حتى والد “جاد” الذي يعتبرونه في مكان والدهم، يعطي والدتها ما يخرج من ضميره من خلفها..
تشعر بالحزن الشديد عليها وعلى ما مرت به، وتخاف أن يحدث لها شيء أو يتربص لها “مسعد” بعد ما فعله به “جاد”، لقد قالت لها شقيقتها أنه كسر عظامه..
-آنسة مريم… يا آنسة مريم
انتبهت إلى الصوت الذي يناديها فاستدارت لتنظر خلفها ووجدت أنه “سمير” ابتلعت ما بحلقها ووقفت تنظر إليه بهدوء وهو يقترب منها إلى أن وقف أمامها وتحدث قائلًا بمرح:
-سرحانه في ايه كده بقالي ساعة بنادي
ابتسمت بهدوء وأجابته قائلة وهي تنظر الأرضية:
-ولا حاجه بس مسمعتش
ابتسم إليها متحدثًا بنبرة هادئة وهو يتسائل عن أحوال شقيقتها:
-البشمهندسة هدير عامله ايه دلوقتي
ظهر الحزن على وجهها وأجابته بهدوء هي الأخرى قائلة:
-الحمد لله بخير .. عن اذنك
ثم أولته ظهرها وذهبت في طريقها مبتعدة عنه وهي تلهث بعنف ودقات قلبها تقرع كالطبول داخل قفصها الصدري، أنه “سمير أبو الدهب” العشق الأول والأخير والذي لا يشعر بوجودها من الأساس، هل هو جبل صلب يلا يراها؟..
بينما هو نظر إليها وهي تبتعد عنه ورأى حجابها يتطاير خلفها وقد أشعره ذلك براحة غريبة سارت داخله وازدادت عندما لاحظ ملابسها الواسعة الفضفاضة، لما ذلك الشعور بالراحة لرؤيتها من الأساس؟..
❈-❈-❈
دق باب الشقة، فتحت “نعمة” والدة “هدير” بعد لحظات، نظرت إلى الطارق وجدته “جاد” يقف أمامها بوجه هادئ فتحدثت قائلة وهي تفسح له المجال للدخول:
-اتفضل يا جاد يابني
دلف معها إلى الداخل وجلس في صالة الشقة الصغيرة وجلست أمامه منتظرة منه أن يفسر لما أتى الآن..
حمحم جاد بخشونة وتحدث قائلًا بنبرة رجولية جادة:
-بعد اذنك يا أم جمال أنا كنت عايز أشوف الآنسة هدير خمس دقايق بس
نظرت إليه ولم تجيبه تنتظر أن يكمل حديثه ويبرر لها لماذا يريد رؤيتها، فأكمل قائلًا:
-هتكلم معاها بخصوص اللي حصل امبارح
وقفت على قدميها بعد أن أومأت إليه برأسها بهدوء وتقدمت إلى غرفة “هدير” التي غابت بها لحظات وخرجت متوجهة إلى المطبخ بعد أن قالت له أنها آتية إليه..
حاول أن ينهي عقله عن التفكير بأي شيء إلى أن يتحدث معها على الأقل، رأسه بدأ يؤلمه بسبب كثرة التفكير وهذه عادة سيئة للغاية..
خرجت من الغرفة تتقدم ناحيته مرتدية إسدال الصلاة وحجابها يصل إلى منتصف خصرها من الأمام والخلف، عينيها تنظر إلى الأرضية غير قادرة على النظر إليه..
جلست على الأريكة أمامه فنظر إليها بدقة يحاول أن يفهم ما الذي يعبر عنه وجهها ولكنها كانت تضعه بالأرضية لتصعب عليه كل شيء..
زفر “جاد” بهدوء ثم تحدث قائلًا بهدوء وهو يتساءل:
-عامله ايه دلوقتي؟
أجابته بصوتٍ خافت وهي تضغط على يدها الاثنين ومازالت تنظر إلى الأرضية:
-الحمد لله بخير
أومأ برأسه ثم أردف بجدية وهدوء ونبرته الرجولية تعبر عنه:
-أنا جاي علشان أشوف أنتِ عايزة ايه يتعمل مع مسعد وهنفذه، عايزة تبلغي عنه؟..
رفعت رأسها بحركة مباغتة بعد الاستماع إلى ما قاله وتحدثت بجدية شديدة وارهبها هذا الحديث مما قد يفعله “مسعد”:
-لأ مش عايزة أبلغ، أنا عايزاه يبعد عني بس.. يسيبني في حالي
ضيق ما بين حاجبيه متحدثًا بنبرة حادة:
-بس أنتِ ليكي حق عنده وكده ولا كده أنا هجيبه بأيدي بس…
لم تجعله يكمل ما بدأ الحديث به حيث أنها تحدثت بحدة ولهفة بعد أن علمت ما ينوي فعله:
-جاد أنتَ مش زيه بلاش تعمله حاجه دا راجل سو ولبط.. بلاش تحطه في دماغك ممكن يرتبلك هو ورجالته ويعملوا فيك حاجه
عينيها!. نظر إلى عينيها الساحرة وأبحر داخلها بعد الاستماع إلى اسمه للمرة الثانية منها مجرد من الألقاب، بادلته النظرة إلى رماديته الخلابة وداخلها يشتعل لكونه لا يدري ماذا تريد بعد..
أخفضت بصرها وفعل المثل مستعيذًا من فتنة الشيطان، أتت والدتها عليهم تحمل على يدها صينية صغيرة فوقها كوب من الشاي، قدمته إليه وذهبت مرة أخرى إلى الداخل.
وضعت عينيها على الأرضية مرة أخرى وأخذت نفسٍ عميق متحدثة بما وجدته صحيح:
-أنا مش عايزة أبلغ عنه ومش عايزه أخلي حد يعرف عني حاجه، أنتَ عارف الناس هنا عامله إزاي وياريت تشيل ايدك من الموضوع ده أنا مش عايزاك تتأذى بسببي
مال إلى الأمام قليلًا بجسده في جلسته الغير مريحة على هذه الأريكة، وأردف قائلًا بجدية مُجيبًا إياها بصوت رجولي خشن قاسي:
-هخليه لو شافك في شارع يمشي من شارع تاني، أنا مش عيل هتخافي عليه أنا راجل تخافي منه وكنت عايز اجبلك حقك بالقانون بس هحترم رغبتك وانفذ اللي أنتِ عايزاه
إنه حقًا مجنون، أن يتصدى لـ “مسعد” فهذا جنون رسمي، تعلم أنه يستطيع أن يمحيه من هنا ولكن خوفها ليس إلا من مكر “مسعد” وخبثه..
أجابته بصوتٍ حازم وجدية شديدة تشوبه قائلة:
-لو سمحت أفهم مسعد مش زيك ده راجل زبالة وكل طرقه ازبل منه أنا واثقة فيك وعارفه أنك تقدر تعمل كتير بس مش واثقة فيه هو
ابتسم وهو يعود بظهره إلى الخلف مرة أخرى وتفكيره يدعوه لتصديق ما أمامه، أما أنها تخاف عليه أو أنها تخاف عليه الاثنين إلى طريق واحد داخل عقله ونظرة الخوف واللهفة هذه تقوده إلى تصديق قلبه المشير إلى خوفها الصادق عليه..
بينما في الخارج اجتمع الجميع أمام ورشة “جاد” ومنزله القابعة به “هدير” وعائلتها، يستمعون إلى خبيث يروي حدث ألفه عقله بعد ما حدث منه ومعه بالأمس أسفل عيني “جاد” وابن عمه..
وقف “مسعد” في المنتصف يهتف بحدة وصوتٍ عالٍ ليستمع إليه الجميع وقد كان وجهه لا يظهر منه شيء بسبب العلامات التي تركها “جاد” عليه:
-جاد الله ابن المعلم رشوان هو اللي عمل فيا كده يا حارة اشهدو كلكم
نظر إلى الوجوه الذي تجتمع أمامه بسبب صوته العالي وأكمل قائلًا:
-اشهدو يا حارة على اللي بيعمله الشاب الصالح اللي بتقولوا عليه مدورها مع البت وعلى عينيك يا تاجر
خرج “عبده” ومن معه بالورشة بعد استماعه إلى ما يهتف به وأردف مُجيبًا إياه بحدة بعد أن وقف أمامه:
-هو أنتَ عايزه يعلم عليك بجد ما تحترم نفسك يا راجل أنتَ وتغور من هنا
صرخ به “مسعد” بعصبية قائلًا:
-اخفى ياض من وشي السعادي
استمع والده إلى ما هتف به “مسعد” بعد أن نظر من الشرفة ولم يرى “جاد” أو يستمع صوته فهبط من المنزل سريعًا ليرى ما الذي يريده هذه المرة..
بينما في الداخل في شقة “هدير” استمعوا إلى صوت “مسعد” العالي يصرخ ولكن لم يتبين ما الذي يهتف به، وقفت هدير بسرعة تدلف إلى الغرفة لترى ما الذي يحدث في الخارج وقلبها يدق بعنف شاعرة أن القادم أسوأ بكثير..
وقف من خلفها “جاد” ونظر إلى الخارج بعد أن فتحت النافذة ليرى جمع من الناس ومن بينهم والده الذي وقف أمام “مسعد” متسائلًا عما يريد من ابنه فأجابه قائلًا:
-عايز افضحه هو وبرنسس الحارة وأعلم عليه قدام أهل الحارة كلهم زي ما عمل معايا
وجده ينظر إلى النافذة التي طل منها “جاد” و “هدير” وضحك بصوتٍ عالٍ أمام الجميع وهو يشير إليهم ليجعل الجميع يصدقون حديثه:
-أهو الباشا اللي مقضيها مع بت الهابط اللي عملت عليا شريفة وأنا اللي كنت رايد الحلال اتاريها من بتوع السكة شمال يابا
نظر والده إليه ولم يستوعب ما الذي يفعله ابنه في منزلهم الآن وقد كان هذا سؤال الجميع بينما هو لم ينظر إلى أحد وكل ما أتى بخلده أن يجعل ذلك الحيوان يخرس عن التحدث عنها بهذه الطريقة..
استدار سريعًا ليذهب إلى الخارج وهو يلعن داخله ومتوعدًا له بما لا يروقه أبدًا، ذهبت خلفه “هدير” سريعًا محاولة أن تجعله يهدأ قبل أن يخرج له فهي تعلم ما الذي يفكر به الآن وما الذي ينوي فعله ولكنها لا تعلم النتيجة كيف ستكون..
خرج من باب الشقة ووجدها تركض خلفه فاستدار لها قائلًا بحدة وصرامة:
-اوعي تخرجي بره
أكمل طريقة إلى “مسعد” وداخله يدعوه لقتله هذه المرة..
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى