رواية أغصان الزيتون الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الحادي والسبعون
رواية أغصان الزيتون البارت الحادي والسبعون
رواية أغصان الزيتون الحلقة الحادية والسبعون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الحادي والسـبعون :-
الجُـزء الثـاني.
“سينال الحريق من الجميع، حتى ذلك البرئ الذي ظن أن برائته ستشفع.”
_____________________________________
كان مُصغيًا له، وهو يقصّ عليه تفاصيل الليلة التي لم تنقضِ بعد، ومازالت نتائجها مترقبة، ما بين من المتسبب في اختطاف “يُسرا”؟ وماذا فعل بها؟ وأين تركها؟. رفع “مصطفى” كوب الشاي المُخمر نحو فمه يرتشف منه رشفة، ثم عقّب على ما حدث قائلًا :
– صلاح أعدائه أكتر من الناس اللي بيحبوه، تلاقيه واحد منهم طالما استبعدنا جوزها.
كانت عينا “نضال” تبحث بتدقيقٍ في عينيه، عساه يجد فيهما تأكيدًا للشكوك التي راحت تنهش في رأسه منذ الأمس، فلاحظ “مصطفى” نظراته المريبة تلك، ليسأله بوضوح :
– بتبص لي كده ليه يا نضال! عايز تقول حاجه ولا إيه؟.
أجفل الأخير جفونه في حرج، واضطر مجبرًا على توجيه سؤال مباشر له كي يرتاح باله على الأقل :
– قولي ياعمي، انت ليك أي صلة بالموضوع من قريب أو من بعيد؟
استنكر “مصطفى” سؤاله استنكارًا واضحًا، وعلى الفور كان ينفي أدنى علاقة له بالأمر :
– لأ طبعًا يا نضال، أنا لا يمكن أذي ولية بريئة أبدًا، حتى لو عشان مصلحتي.. دي مش أخلاقنا يابني.
استشعر “نضال” تلك الحساسية في صوته، والناجمة عن سؤاله المُتهِم له، فـ تراجع على الفور مُبديًا ندمه :
– أنا مقصدتش كده ياعمي حقك عليا، أنا بس بسأل عشان كنت عايز تبعد بينهم بأي شكل.
– إلا الأذية يا نضال، أنا آجي على ابني آه، إنما بنت الناس مليش عليها سُلطان ولا من حقي أمس شعره من راسها.
امتد “صلاح” ببدنهِ للأمام قليلًا، وترك كوب الشاي على الطاولة المستطيلة قبل أن يردف :
– تابع الحكاية وأعرفلنا لقوها ولا لسه، وبالمرة تطمن على راغب وهو جمب التِعبان اللي اسمه حمزة.
تأهب “نضال” لكي يغادر وهو يطمئنه :
– متقلقش، هكلمك على طول لو في حاجه.
كان يمضي نحو الباب، حينما انتقلت عينا “مصطفى” نحو الإطار المُعلق، والذي يحمل صورة شقيقهِ الراحل مع زوجتهِ، أطلق تنهيدة غير مرتاحة قبل أن يُخفض عيناه، وهمس قائلًا :
– هانت يا إسماعيل، كلها شويه وترتاح يا أخويا.. أخرة الظالم قربت.
*************************************
انتظر “حمزة” أمام مبنى مديرية الأمن كما أوصاه والده، منتظرًا خروجه من هناك، ويكاد قلبه ينخلع من مكانه من فرط التوتر المصحوب بالندم. كل ما يدور أمام عينيه هو المشهد الأخير بينهما، عندما طردها من منزله وهددها علنًا بقتلها، كيف لم ينهزم أمام بكائها؟ كيف لم تنتفض مشاعر الأخوة بداخله كي تصد قسوته عنها؟!. أطبق “حمزة” جفونهِ ونكّس رأسهِ هنيهه، ثم رفع بصره ليلمح “زيدان” يقترب من سيارته وعيناه تتحول في المحيط بترددٍ ملحوظ للغاية، فـ ترجل “حمزة” عن سيارته واستقبله وهو ينهره بحِدة :
– انت بتتلفت حواليك كده ليه ولا اللي عامل عمله! ما تظبط شويه!.
تأفف “زيدان” منزعجًا وهو يردف :
– أنا بتشائم من الأماكن ديه يا ابو البشوات، إيه الفال الوحش ده!
لم يتحمل “حمزة” كلماته أكثر من ذلك، فـ أسكته بشئ من الصياح :
– بس شويه، أسمع بدل ما تكلم.
أثناء تجول عيناه يمينًا ويسارًا رأى “صلاح” يأتى في اتجاههم، فـ عقبّ ساخرًا :
– أنا وانت هنسمع سوا ياباشا، البيه الكبير جاي نواحينا.
التفت “حمزة” وساقيه تُسابق بعضها البعض حتى وصل إليه، وبتلهفٍ بيّن كان يسأله :
– وصلت لأيه؟؟ عرفت حاجه عنها.
تجاوزه “صلاح” مُضيًا نحو سيارة ولدهِ، واستقر بجانب مقعد القيادة، فـ أسرع “حمزة” يلحق به، وأشار لـ “زيدان” كي ينصرف عنه الآن :
– خلينا على تليفون.
– ماشي ياابو البشوات.
وسعى مسرعًا للإختفاء من محيط مديرية الأمن، بينما كان “حمزة” بداخل سيارته ويسأل بجدية حازمة، دون أن يطيق انتظارًا أكثر من هذا :
– ما تـرد عـليـا وصـلت لإيـه يا بابا ؟؟؟
فرك “صلاح” عنقه فركًا غاشمًا، ثم هتف بنبرة صاحبها رعشة متوترة :
– أطلع بينا على مشرحة ***** بسرعة يا حمزة.
ارتعد بدنه كله، وسرت رعشة مفاجئة كأنه ماس كهربي وصعقه، وبدون أن يشعر بهياجهِ المفاجئ كان يصرخ بـ :
– بتــقـول إيــه! مشـرحة إيـه وهـروح ليـه مكان زي ده!.
فهدر “صلاح” في وجهه وقد أغرق عرق الخوف وجهه :
– بــعـديـن.. أمــشـي وانت سـاكـت.
لم ينتظر “حمزة” دقيقة واحدة، وكانت سيارته تطير طيرًا على الأرض، غير منتبهًا بوجود تلك السيارة التي ترصد حركته منذ أن خرج من منزله وحتى الآن، حيث تعقبه “راغب” بعدما أيقن إنه لن يفيده بمعلومة واحدة، حتى وإن عَلِم عنها شيئًا.
****************************************
هبّت واقفة بإندفاع من مكانها، وقد تشنجت عضلات بدنها ووجهها تحديدًا، كأنها رفضت تصديق ذلك التخمين الشرس، مثلها مثل البقية الذي ساروا في طريقهم رغم إنهم رافضين التصديق. وضعت “سُلاف” يدها على قلبها وضغطت قليلًا، ثم أردفت بصوت وهِن :
– ليه يا راغب؟؟ راحوا المشرحة ليه؟!
كان في حالة لا يرثى لها، فـ حاولت بدورها أن تهدئ من روعهِ قليلًا :
– أهدا، مفيش أي حاجه من اللي بتقولها دي.. يسرا هتظهر أنا متأكدة.. بس أوعى صلاح يلمحك وانت بالحالة دي، طيب.. طمني على طول، سلام.
ازدردت “سُلاف” ريقها، وأحست كأن صدرها قد ضاق عليها، متخيلة وقوع أمرٍ گهذا، تُرى ما هي العواقب التي ستحلّ على الجميع، ما هي النتائج التي ستلحق بالأمر، وما الذي سيفعله “راغب” أولًا، باتت تخشاه وتخشى ردّ فعله بعدما استمعت لصوته منذ قليل، كأنه يود لو يشقّ الجبال فيجدها. عادت “سُلاف” تجلس على مهلٍ، وعيناها على الهاتف بتوجسٍ وقلق، كأنها تنتظر الخبر الذي سـ يُهدئ من ذُعرها المكتوم.
***************************************
لم يفيده أي أحد بمعلومة تطفئ نيران صدرهِ المحمومة، بل ظل واقفًا بالخارج في انتظار أن يدله أحد على الطريق الصحيح للثلاجات التي وُضعت فيها الضحية المتوفاة، واستغرق ذلك بعض الوقت، حتى آتاه المسؤول عن أحد غرف المشرحة، فـ انفجر فيه “حمزة” صائحًا :
– بقالي ساعة واقف هنا ومحـدش بيرد عليا.
– يافندم كنا مستنين ظابط المباحث اللي متولي القضية.
كان “محمود تُهامي” يأتي من خلفه في تلك اللحظة، وقد استمع لصوتهِ المرتفع بوضوح:
– صباح الخير يا حمزة، آسف على التأخير بس آ…
قاطعه “حمزة” كي لا يكون هناك مجال للإطالة في الحديث، حيث إنهم متعارفين من قبل، بحكم ما تتطلبه المهن من احتكاك قوي بين الشقّين :
– ياريت بس نخلص بسرعة، أنا عارف إنها مش هي بس زيادة تأكيد زي ما قال سيادة اللوا.
– فاهم طبعًا، كده كده تحليل DNA هيتعمل بس ده مجرد إجراء لحين الفصل بالتحليل.
وأشار للطبيب كي يصطحبهم :
– خلينا ندخل.
صعدوا خلف الطبيب بخطوات متعجلة، يكاد “صلاح” يفقد وعيه خلالها، رغم إنه محافظًا على صمته وتماسكه إلا أن كل ذلك مُزيف وغير حقيقي، فـ داخله گقطع الشطرنج المتفرقة، كل قطعة في مكانٍ مختلف، مُشتت.. تائه.. مصدوم. دخل كلاهما لذلك المكان الذي عبروا منه عشرات المرات، وقد اعتادوا هيبته ورهبته؛ لكن هذه المرة مختلفة تمامًا، أحس “حمزة” وكأن ذلك المكان الذي يحفظه -المشرحة- موحشًا مخيفًا، وهو الذي كان يعبر منه گالطير الذي يمر على مكان ثم يهجره. أجبر نفسه على تقبل الوضع الذي دخل فيه، متيقنًا إنها ليست هنا، لم يشم ريحها، ولم يشعر بأنفاسها تطير قبلها، وبات قلبهِ گالحجر البارد الذي وضع في عمق ماء مثلج فـ اندمل بالكامل وشُل عن أي نشاط حسي. دلف أولًا ومن خلفه “صلاح”، حينما كان الطبيب يسحب الدرج الذي يحتفظ بالجثمان مغلف بملاءة بيضاء ناصعة. نظر إليهم الطبيب بطرفه، فـ أزاحه “حمزة” بعنف ولم يتردد في كشف جزء من الملاءة دون كشفها بالكامل حفاظًا على حُرمتها وعورتها، ليُصدم برأسها المقطوع عن الجسد بالفعل، وما ظهر كان نحرًا بددت خلاياه وأنسجته سكين حاد. تصلب “حمزة” في مكانه، لا يدري ماذا يفعل، كيف يكشف حقيقة إن كانت الجثة لها أم لا، وبين كل شتاتهِ وغرقهِ في صدمته تقدم “صلاح” ليكشف عن ذراعها الأيمن، أمسك رسغها بين يديهِ كأنه يُفتش عن الشئ الذي سينفي حقيقة ما يعيشون، وفجأة هتف متيقنًا وكأنه رفض رفضًا قاطعًا أن تكون تلك الجثة لإبنته المفقودة :
– مش هي.. مش بنتي.
وابتعد قليلًا حتى خرج من الغرفة، بينما ظل “حمزة” واقفًا گالجلمود الصلب القاسي، وعيناه تتطلع ليدها وذراعها في صمتٍ شديد، حتى سأله “محمود” بصوت خافت إلى حدٍ ما :
– إيه يا حمزة؟ عايز تقول حاجه ولا انت كمان آ…..
كان جوابه مقاطعًا له وهو يهتف بـ :
– هـي.. هي أختي.
اندفع “صلاح” ليدخل من جديد، ودحر “حمزة” عن مكانه وهو يصرخ فيه هادرًا :
– انت اتــجـننـت مش فـي وعـيك، دي مش بنتـي ، مـش هــي.
فلم يتحمل “حمزة” ضغطًا أكثر من ذلك، وبرر يقينه بـ :
– هـــي، دي إيـد يــسرا.. دي ضــوافــرها ، ده كــتفها.
خرج “صلاح” ركضًا گالمجنون، فـ لحق به “محمود” على الفور خشية أن يصيب نفسه بأذى أو أن يقوم بأي فعل متهور في لحظة قاسية گهذه، بينما غطى “حمزة” جثمانها ونظر للطبيب وهو يردف بصوت مبحوح :
– ممكن تسيبني معاها دقيقتين؟.
انسحب الطبيب تاركًا له مساحة من الخصوصية، فـ دنى “حمزة” منها قائلًا بهمسٍ :
– أنا السبب، لو كنتي فضلتي عندي كان زمانك عايشة دلوقتي.
أمسك بكفها، كأن متيبسًا متخشبًا بفعل -التيبس الرمّي- الذي يصيب بعض الأموات، تحسس ملمسهِ لآخر مرة، فـ دبت رعشة مخيفة سرت في كل أوصاله، وارتجفت أطرافه حتى كاد يفقد السيطرة على ساقيه، بشرتها الشاحبة وملمسها المتجمد أصاب – بقايا – عقله بالجنون، ارتعشت شفاهه واصطكت أسنانه شاعرًا ببرودة شديدة، فـ نزع عن نفسه معطفه ودثرها به وهو يهمس بنبرة مرتجفة متقطعة :
– متخافيش أنا هاخدك من هنا، عارف الجو برد عليكي بس انا مش هسيبك هنا كتير.
دثرها جيدًا ثم رفع جثمانها قليلًا وضمّهُ لصدره، ليرى بوضوحٍ مرعب وأكثر قسوة وبشاعة ذلك العنق الذي لم يعد يحمل رأسًا، فـ انسابت أعصابه ولم يعد قادرًا حتى على حملها. تركها وكل ذرة به ترتعش، إلا عيناه.. عــيناه التي حفظت كل لحظة وكل مشهد، مدخرًا كل ما رآه لئلا ينسى.
***************************************
دخل شُقته بصعوبة شديدة، حتى إنه كاد يزحف أرضًا من شدة ثقل ساقيه، بعدما تلقّى الخبر الأسوأ في حياته. صفق “راغب” الباب وهو يتنفس بصعوبة نجمت عن سخونة صدره، وأخيرًا ترك فيض من الدموع المُنسابة تسيل بغزارةٍ على صدغيهِ، حتى وصل غرفته ودخلها، فتهيأ له إنه يشُم رائحتها، ليرتعد جسده كله غير مصدقًا إنها رحلت، رحلت بذلك الشكل القاسي المخيف، والذي لم تكن تستحقه أبدًا. مسح على وجههِ وبدأت عيناه تدور هنا وهناك، هنا كانت تجلس، وهناك كانت تنام مستأنسة بذراعه، وهناك كانت تبتسم في وجهه متفائلة بغدٍ مشرق معه، تبددت كل آمالها في لمح البصر، وما بقى منها جثمان لم يُعثر حتى على رأسهِ. شيئًا مريبًا لمحه أثناء ذلك، فـ دقق تركيزه المبعثر ليرى ذلك الصندوق الموضوع على فراشهِ، مسح على وجهه وهو يدنو من الفراش، واستخدم المقص الموضوع على الكومود من أجل فتح الصندوق دون أن يلمسه أو يترك عليه بصماته، فـ تعثر بذلك. ركض بإتجاه خزانة الملابس، استعان بالقفازات الجلدية خاصته وارتداها من أجل التمكن من فتح الصندوق الذي اكتشف إنه مُحكم الغلق عن طريق مسمارين رفيعين، فـ خرج من غرفته للحظات ثم عاد ومعه -كماشة معدنية- استعان بها حتى فتحه، وجد كيس أسود بداخلها، فـ اضطر للإستعانة بالمقص من جديد لفتحه، ليراها هي، بلـى.. إنــهـا رأس “يُــسـرا” وعيناها الجــاحـظتين مفتوحتين بداخل صندوق من الخشب وقد وضع الصندوق على فــراشــهِ…
****************************************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)