رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الثاني والعشرون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الثاني والعشرون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الثانية والعشرون
(أكيد عارفين أن معرض الكتاب قرب خلاص، ولازم اراجع الرواية الأنا مشاركة بيها لان الدار بعتتلي الملف، وطبعا هي شغاله كل وقتي طول الاسبوع دا، بعتذر عن التأخير لكن لازم اديها حقها عشان تطلع بشكل مناسب، ادعولي بقا اخلصها علي خير)
” سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ”
؛*****
مر يومين وحل هدوء ما بعد العاصفة علي الجميع…. لم يتركوا الفتيات فرصة لوالدهن بالخروج بتاتاً، ليحاوطهم بالسكينة مهدئ من روعهم، واقتصر خروجه الي منزل جابر للاطمئنان علي مي بعد أن أصرت علي الخروج من المشفى، وكذلك موسي الذي تحسنت حالته الي حد ما، ولكن كسر ساقه منعه من السفر كما كان يخطط الي العودة لمنزلهم، لإبعاد عليا بقدر المستطاع عن عمر الذي بدأ في البحث عن عمل ليستقر مع بداية صفحة جديدة من حياته غير مكترث بغياب والدته،
أما عن منصور الذي استقبل أخبار أبنائه بحالة ثائرة حتي جُرحت حنجرته من شدة صراخه بغيظ… تعسر الحصار عليه وبدأت كل خططته بالفشل، كلما رأي واقعه لمح علي مرمي بصره المشنقة التي ستكون آخر أبواب نهايته… لم يتخلف وضع عز عنه شئ، لم تكن الحراسة المشددة التي تلتف حوله في كل مكان غافلة عن أنفاسه حتي، وحينها علم أنه أخطأ في حسبان النتائج تلك المرة …
عادت ليلي إلي شقتها مع الأطفال مرة ثانية بعد أن منعتها السلطات من السفر لحين انتهاء التحقيقات، في نفس الوقت بدأ منتصر في البحث عن طريقة ما لتسافر إليه … كان طلب عز الوحيد منه بعدم ترك ليلي مهما حدث في مصر، وبقدر استطاعته يحاول مراراً ليأخذها مع عائلته في ايطاليا لتكون في أمان فهو صديقه الوحيد الذي يستقر بالخارج…
؛***
جلس علي الأريكة الخشبية أمامه يرمقه بعدم تصديق أن من يجلس أمامه هو أخيه، الذي لطالما كانت العنجهية كنيته … نقص وزنه بشكل واضح خاصة في ذلك الزي الموحد إليهم، بدي الإرهاق علي ملامحه الجامدة، كأن شخص آخر اختفي تحت ذلك البائس …
: عامل ايه ؟!
لوي جانب فمه مردد بتهكم:
زي ما أنت شايف
لم يجد معتصم كلمات توسيه في محنته، فقال باستياء:
شايف أنك تستغل اللي بيحصل وتتغير
رمقه أحمد بجمود قائلاً بشراسة:
أنت جاي ليه
واستطرد بحنق:
جاي تشمت
رفع معتصم حاجبيها بدهشة ثم أردف باستنكار:
هشمت في اخويا !!
ابتسم بسخرية بالغة مغمغما باقتضاب:
أخوك المرمي في السجن وأنت عايش ولا همك
انكمش بين حاجبيي الآخر وهو يهدر بحده :
والمفروض أني أعمل ايه عشان يعجبك بعد ما بيتي كانت هيتقفل بسببك وابوك طرد أمك اللي لحد دلوقتي قاعده عند خالك
: عايز ايه ؟؟ ايه جابك من الاخر ؟!
حرك معتصم رأسه بيأس وهتف بكَدَر :
مش هتتغير لو فضلت طول عمرك هنا
واسترسل بهدوء :
كنت جاي أشوفك محتاج ايه غير الفلوس لأنك لو ناسي جلسة النطق بالحكم قربت
نظر إليه بقتامة وهو يردف بوجوم:
المحامي قالكم اخري كام سنه
رسم شبه بسمة ساخرة وهو يقول بتهكم:
حيازة سلاح غير مرخص ومحاولة قتل بدل المرة اتنين ولسا خارج من قضية تهريب تفتكر كام سنه
ابتسم أحمد وهو يهتف بشره :
صدقني المرة دي مصبتش المرة الجايه هتصيب
حدجه معتصم بذهول ثم قال بانفعال يعنفه علي ما تلفظ :
يا أخي اتعظ باللي وصلته وشوف وصلت لفين
تجاهل أحمد حديثه وسأله بضيق:
هو الحاج صبري نسي أن ليه ابن تاني مهنش عليه يجي مره يعبره ؟!
وقف معتصم مردد بأسي:
للأسف يا أحمد غلطك كلنا بندفع تمنه وأولهم الحاج صبري
واستكمل بفتور قبل أن يرحل :
المحامي بيقول ممكن ترسي علي 5 سنين وغرامة ولو جات علي كدا احمد ربنا
ظل أحمد ينظر إلي أثره حتي اختفي من أمامه، فاق علي حركة العسكري وهو يدفعه لينهض يمشي معه الي الزنزانة… لا يعلم هل المحامي صادق في اعتقاده أم يقول هكذا حتي لا يأتوا بغيره، فقد قرر صبري أن يتركه يتعلم درساً قاس ليدرك ما وصل إليه بسبب أفعاله الطائشة،
؛******
كانت تحمل حقيبة بلاستيكية صغيرة وهي تتمخطر بميوعة في الطريق المؤدي الي المشفى المركزي التابعة لها القرية … أثناء سيرها رأته يجلس علي حافة الطريق مقابل المشفى، قطبت جبينها باستغراب ثم خطت إليه وهي تفكر في سبب خروجه …
: أنت ايه اللي مقعدك هنا ؟!!
لوكت العلكة مغمغه بشراسة :
هما طردوك ؟! قولي بس وأنا أروح أفرج عليهم المنطقة
رفع سيف رأسه وهو يهتف بخفوت :
أنا اللي خرجت
انكمشت ملامح ساره وهي تحدق في الشاش الطبي الملفوف علي عينه المصابة، متسائلة بعدم فهم:
وأنت خرجت ليه ؟؟ مش كنت تستني لما عينك تخف بدل التانيه ما تتعور
احتقن وجهه وهو يصيح بغضب شديد:
وأنتِ مالك بيا ما تخليكي في حالك
مصمصت شفتيها بحركة سوقية وهي تلقي الحقيبة في وجهه :
الحق عليا اني جيبالك طفح بدل أنت زي قرد قطع
رمقها بجمود والتفت الي الجهة الأخرى دون أن يرد عليها، لوت ساره شفتيها مردده بسخرية:
وأنت شايفني كاملة ونص نص
رأته يضغط علي كفه بقوة فجلست بجانبه، ثم أخرجت الطعام المغلف من الحقيبة تقدمه إليه، وهي تردف بحنق :
كُلك لقمة لأنك مش هتلاقيها بعد كدا
دار سيف برأسه يرمقها بغيظ، فرفعت ساره كتفيها ببراءة متمتمه بلا اكتراث:
واحد أهله كلهم اتمسكوا، وفلوسهم كلها ضاعت والبيت اللي حليتهم الحكومة قفلته لحد ما تقفل التحقيقات والانقح من كدا عينه طارت
اقتضبت ملامح سيف مردد بغضب :
شكراً ليكي ولكرمك اللي مش عايز منه حاجه بعد كدا
نهضت من جانبه وهو تهتف بسخرية :
يا خويا هي القوالب نامت والانصاص قامت ولا ايه
نفضت عباءتها مستكملة ممتعضة :
متتزرزرش اوي كدا غلط علي عينك
رمقته باشمئزاز وتحركت مغادرة بهدوء، تتمايل في خطاها بتغنج وهي تلوك العلكة باستفزاز… بينما أمسك سيف الطعام وشرع في أكله بنَهَم، وأخذ الباقية يحتفظ بهم بحرص شديد، من يعلم متي سيحظى بوجبة كهذه في ظروفه ؟! وكل ما يشغله الآن هو البحث عن مأوى بدلاً من جلسته في الطريق دون فائدة…
؛*****
” بَلِّغُوْهَا إِذَا أَتَيْتُم حِمَاهَا
أَنَّنِي مِتُ فِي الْغَرَام فِدَاهَا
وَأُذَكُرُوْنِي لَهَا بِكُل جَمِيْل
فَعَسَاهَا تَحِن عَسَاهَا ”
رأت أولاد اعمامها يساعدوه في الخروج من غرفته للجلوس في بهو المنزل قليلاً، لقد حذر الطبيب من ملامسة قدمه الأرض لمدة أسبوع علي الأقل … ولشعوره بالضجر طلب المعلم سالم من اولاد إخوته بنقله الي البهو،
ارتدت عباءة فضفاضة مع حجاب يتناسب مع لونها، وهبطت الي البهو بتوتر من اتخاذ تلك الخطوة … رأته مندمج في هاتفه بعد أن رحل الآخرين، فاقتربت منه وهي تفرك في يدها بتوتر، وبصوت منخفض قالت بتعلثم :
حمد لله على سلامتك
رفع نظره بدهشة ثم أغلق هاتفه وألقاه بعيداً متمتم بعبث:
هلوسة العلاج دي حلوة حلاوة
احتدت نظراتها وهي تردف بجمود من عبثه :
أنت متعرفش تتكلم كلمتين من غير استظراف
حرك رأسه يميناً ويساراً بتلقائية، فهتف هند باقتضاب:
علي فكرا لولا أن أختك حلفتني اتكلم معاك عشان موضوعها أنا عمري ما كنت اتكلمت معاك
رفع موسي حاجبيه بتعجب وسألها باستغراب:
وملفتش انتباهك ليه عليا اخترتك أنتِ بالذات عشان تقنعيني ؟!!
مطت شفتيها مردفه بلامبالاة مصطنعة:
مش عارفه ومش عايزه أعرف
واستكملت بهدوء وهي تخفي ما يظهر من يدها المصابة :
أنا مقدرش ادخل بينكم، بس ممكن اقولك رأيي بما انها حلفتني اكلمك وكدا
أمأ إليها فقالت بحكمة :
أنا شايفه أن كل طلبات عليا مجابه سواء غلط او صح، وطبعاً عشان تيجي بعد العمر دا وترفض ليها طلب هيكون شئ مش مقبول عندما خالص، وجوازها من عمر هي قررته من نفسها لأنها دايما بتقرر وبتلاقي اللي ينفذ
قطعت حديثها عندما وجدته يرمقها بنظرات جعلتها تتمني أن تدلف داخل عقله لترى ما يدور به الآن، مشاعر مضطربة تحوم حولهما لتكون بداية شرارة التغير …..
: هو الكريم الجديد عمل مفعول ولا لسا مظهرش ؟؟
رمشت بأهدابها بتوتر وأردفت بضيق :
هو أنا كنت بكلم نفسي عشان متدرش علي كلامي
رد عليها بشغف بادي :
مش بعرف اركز في اي حاجه وأنتِ قدامي غيرك
واسترسل بنبرة عاطفية أكثر ليري ذلك الخجل الذي احتل وجنتيها بالحمرة :
مش بعرف اتخطى وجود المهلبية
اقتضبت قسمات وجهها وهي تهدر بحده :
كل مره بتثبت ليا أنك قليل الادب فعلاً وبابا مخدوع فيك، عيب جدا كلامك يكون كدا مع واحده أجنبية عنك
ابتسم بخفة مغمغما بسلاسة:
خلاص أكلم أبوكي وادخل البيت من بابه واثبتلك إني مش بلعب ولا بعاكس وتكوني حلالي
: لا طبعاً
قالتها باندفاع ثم استكملت بفتور :
أنا لسا خارجه من علاقة مش عارفه اعدي منها وكدا بكون بظلم نفسي سواء معاك أو مع غيرك
تطلع إليها بثبات وهو يردف بجدية:
يا هند لازم تتعافي من العلاقة دي
أشارت إليه وهي تقول بتذمر :
ياريت أنت تفهم كدا
قاطعها متمتم ببسالة :
ما أنتِ هتتعافي بيا
حدجته بتعبير خالية من المشاعر، ثم هتفت باقتصار:
كنت جايه في موضوع معين وقولتلك علي الأنا عايزه أقوله
والتفت تغادر ولكن أوقفها بكلماته التي أصابت صميم قلبها:
: عدى عليا أشكال كتير مفيش ولا وحده علقتني زيك
واستكمل المغرم عندما وجدها تسمرت محلها:
بمعني أصح مشوفتش غيرك ومش عارف أشوف غيرك
لم تلتفت إليه واستكملت سيرها الي داخل المنزل، اختبأت خلف الحائط تضع يدها علي قلبها التي تسارعت دقاته عندما صاح موسي قائلاً:
هكلم أبوكي انهارده عشان يكون في علمك
صعدت الدرج وهي تتمتم بهمس مع نفسها، مؤكده أن موسي لن يفعل ما تفوه به، هو فقط يريد أن يثير توترها ..
؛******
في منزل آخر داخل القرية
جاءت تغريد مع والدتها الي منزل أخيها، بعد أن سبقهم والدها الي هناك، كما فعلوا في اليومين الماضيين للجلوس مع سامر وبث الأمان والسكنية بوجودهم حوله…
كان الجميع في غرفة المعيشة يتحدثون في حديث مختلف، وانضمت إليهم مها بعد أن انتهت من تحضير ما يلزمها لوجبة الغذاء ….
: وأخواتك مفيش واحده فيهم تنفع لي خليل يا مها
سألتها مها ببلاهة:
اخواتي مين ؟؟
ضحكت والدة مرتضي مردد بتهكم :
هو فاضل غير خيرية ورحمه بعد الله يسامحه ابن عزيز ما خطب الصغيرة
نظرت مها الي مرتضي لعله ينقذها من مشقة الرد، ففهم الآخر ما يدور في ذهنها، وقال بهدوء :
كل شئ نصيب يا أمي، ومها ملهاش تقول دي تنفع ولا متنفعش
عقدت والدته جبينه بتعجب ثم سألته باقتضاب:
هو أنت المحامي بتاعها؟؟ ولا هي ملهاش لسان ترد بيه ؟!
ثم نظرت إلي مها متسائلة بحنق :
ولا ليكون خليل مش قد المقام ؟!
لم تفهم مها سبب هجوم والدة مرتضي بتلك الطريقة فهي لم تفتح فمها من الأساس، صدح صوت جرس المنزل .. نهض مرتضي يري من الطارق وهو يدعو الله بأن تمر تلك الجلسة بسلام،
: نسرين !!!
انشقت بسمة واسعة علي شفتيها وهي تردف بحفاوة :
: ليك وحشه يا سي مرتضي
تقريباً منذ عشرون يوماً أو أكثر لم يرها، حتي أنه ظن أنها تركت القرية وذهبت الي أقاربها بصحبة والدتها … تخطته وولجت الي داخل المنزل ملقية التحية، فنظرت مها إليها بدهشة مردده بتعجب :
نسرين !!!
ابتسمت نسرين مردده بحزن :
شوفي يا أم سامر أول ما وصلت أنا وأمي من عند خالتي وسمعنا باللي حصل جيت جري عشان أطمن علي ابن الغالي
رسمت مها بسمة خافته متمتمه بفتور :
فيكي الخير يا نسرين طول عمرك
ثم نهضت تدلف الي المطبخ، لحقها مرتضي إلي الداخل فسألته مها بوجوم :
أنت كنت تعرف أنها جايه ؟؟
رد عليها بسلاسة:
وأنا أعرف منين وهي لسا قايلة قدامك أنها كانت مسافره
بدأت في تقطيع الفواكه فتقدم يساعدها في تجهيز صينية الضيافة دون أن يتحدث كلاهما … بينما تمكنت نسرين من لفت انتباه والدة مرتضي بحديثها المعسول، وسرعان ما اقتضبت قسمات وجهه تغريد لِما فهمته من نظرات والدتها وما تنوى فعله، الذي سيكون بداية لجلب الفوضى لحياة مها ومرتضي …
؛****
في منزل عبده
هبطت ندي تجلس مع سميه لحين عودة زوجها من الخارج، قبل أن تأخذ أولادها وتغادر المنزل للأبد بسبب رحاب … طلبت سميه من محمود أن يساعدها لنقل سعد علي الكرسي المتحرك، ثم دفعته للخارج لينضم إليهم، والحت ندي علي سمر للانضمام إليهم هي الأخرى وتستيقظ من غفوتها التي لا تنتهي،
بعد ربع ساعة عاد سالم ومعه بعض الأكياس المختلفة من الحلويات والعصائر بناءً على مهاتفة ندي إليه… وأول شيء فعله عندما ولج إليهم ووجد الجميع ومن ضمنهم محمود، صعد إلي الأعلى يطلب من ميادة الانضمام معهم بدلاً من الجلوس وحدها، رغم معرفته إلي ردها قبل أن يصعد إليها، ولكن فعل ما في استطاعته لجعلها تخرج من قوقعتها حتي وإن كان أخوه لا يبالي بأمرها،
: عارف يا سالم أنك الوحيد اللي في البيت بتهتم بالكل، وشاغل نفسك بينا فوق طاقتك
ابتسم سالم إليها قائلاً بمزاح :
هو أنا ليا غيركم يا سموره
نظرت سمر الي محمود الذي سألها بحده طفيفة:
أنتِ مبحلقة كدا ليه ؟؟
لم ترد عليه والتفت إلى الجهة الأخرى، شعر محمود بالضيق من تجاهلها وكاد أن يوبخها ولكن تحدث سعد قائلاً بزهو:
ما شاء الله صحة أبوكم مساعداه
لم يفهموا ما يقصده فأكمل بفخر :
مش بيتكلم بلسانه زي باقي الناس لا دا بيتكلم برجليه، تلاقيه طاير وراك توقلش شاب عشريني يا خواتي
لم يقطع ضحكاتهم سوي صوت عبده الآتي من خلفهم مغمغما بسخرية:
عارف يا سعد في حاجات تانيه بعرف اعملها برده
بلع سعد لعابه مردد بتوتر :
حبيبي يا حاج
جلس بهدوء بالقرب منه، لولا تؤكده أنه أخرق ومن المحتمل أن يقفز أمامهم كقرد اجدب، لكان صدح صوت كفه وهو يهبط علي مؤخرة رأسه… نهضت سميه تأتي بطبق فواكه وكوب عصير تقدمه الي عبده، الذي سأل سمر بحيره :
مالك يا سمر !! حد مزعلك ؟!
حركت رأسها بالنفي متمتمه بخفوت :
لا بس زهقانه شوية
واسترسلت بملل :
هو أنا ممكن اروح لبنات عمي
رد عليها بحنو فهو يعلم مدي تأثير ما يحدث علي حالتها النفسية:
روحي، وأول الدنيا ما تهدى هخدك تشتري اللي نقصك
ابتسمت سمر إليه بهدوء، فتحدث محمود بسخرية بالغة:
بلاش دلع زيادة
رمقه عبده باشمئزاز مردد بضيق :
نقطنا بسكاتك
فرك سالم وجهه بضجر، ليس من الصعب توقع ما سيحدث خلال دقيقتين بين محمود وعبده من مشادة كلامية حادة ، فهتف بسرعة متسائلاً :
سفريتك مع عمي جابر أمته يابا عشان محمود يعمل حسابه ؟؟
: ممكن خلال يومين لما مي ترجع بيتها
قطب محمود جبينه متعجباً ثم سألهم باستغراب:
وأنا أعمل حسابي علي ايه ؟!
أجابه أخوه باقتصار:
تحضر نفسك للسفرية
ضيق محمود نظره بعدم فهم، دائماً سالم من يسافر مع عبده وجابر الي المصانع لإتمام الصفقات الخاصة بمحلاتهم للأدوات الصحية… وحين أدرك سبب التغيير تلك المرة قال بتهكم:
أنت خايف لامك تطفش مراتك قبل ما ترجع
واستطرد بسخرية:
طيب ما تطلع ندي تقعد مع مرات أبوك لحد ما ترجع
زجره سالم بعنف :
احترم نفسك وأنت بتتكلم
ابتسم محمود ببرود فقال عبده بحده :
وهو دا يعرف ايه عن الاحترام
حدجه بغضب مستكملا باستهجان لتصرفات ابنه :
كفايا عليه كلامه طول الليل مع وحده قليلة الرباية زيه
مال سعد علي زوجته متمتم بزهو :
أسرة متسترش أبداً
ضحكت سميه بخفوت وهي تتذكر عائلتها التي كانت دائماً في شِجَار وبالأخص مايسة، التي لم تهتم بمغادرة زوجها ولا حتي كلفت نفسها بمراسلته، وتكفل عزيز بمهاتفته والحديث بهدوء لحل الخلاف الناشئ بينهم،
؛؛؛
رتب عزيز علي كتفه مغمغم بحفاوة:
: منور يا ابو كريم
رد عليه شريف باحترام:
منور بوجودك يا عمي
دلفت مايسه الغرفة في نفس الوقت وهي تحمل كوب عصير وضعته علي الطاولة بحده، نظر عزيز الي ابنته بضيق متوعد إليها بعد أن ينهي حديثه .. ثم قال بهدوء قاصد شريف الذي لم يتهم بوجود مايسه :
اسمع يا شريف أنت عارف غلاوتك عندي بس المرة دي انا زعلان منك
أردف شريف بحنكة :
وحضرتك عارف أن غلاوتك من غلاوة ولدي بالظبط، لكن اللي بيحصل معايا دا ميرضيش حد
تطلع عزيز الي مايسه التي كادت أن تتفوه وعندما وجدت نظرات والدها الحادة صمتت بامتعاض، هتف عزيز بأسف:
أنا عارف انها غلطانه لكن أنت غلط لما مشيت وسبتها
ابتسم شريف بسلاسة وهو يشير علي مايسه :
أخدها غصب ؟!!
واستكمل بضيق:
شغاله نفسها بغيرها وبتقصد تضايقني بتصرفاتها عشان ارجعها هنا، ولا مهتميه بيا ولا بالولاد وكل دا كوم وخطيبة يعقوب كوم تاني
اندفع يعقوب من الخارج علي ذكر اسمه فكان يرتكز علي الحائط تارك المجال لوالده، لم يكترث شريف بدلوفه وأكمل بحده :
وحالياً بقا سليمان عشان قال كلمتين ومعجبوش سيادتها وأنا سامعها وهي بتحرض أختها عليه
تطلعت مايسه الي والدها تارة والي يعقوب تارة، ثم هتفت بارتباك :
محصلش يابابا هو بيقول كدا عشان يطلعني غلطانه وخلاص
أشار عزيز عليها مردد بحزم :
اخرجي شوفي عيالك فين
انصاعت إليه بعجلة فقال عزيز بحرج :
أنا مش عارف أقولك ايه يابني لكن مش حل أنك تبعد عن بيتك وعيالك
صمت شريف لبرهة وغمغم بقلة حيلة:
ممكن اتكلم معاه شوية
أشار إليها بالتقدم برحابة، اتبعه يعقوب الي الخارج ولكن اتجه إلي بهو المنزل بعد أن رأي اسمها يعتلي شاشة هاتفه… رد عليها باقتضاب بادي من نبرته :
نعم
جاء صوتها المتعجب وهي تقول :
أنت بتكلمني كدا ليه !!
لم يرد عليها فقالت بضيق :
هو أنت هتفضل بحالات كدا كتير
أراد يعقوب أن ينهي المكالمة للعودة الي والده فسألها باقتصار:
مش فاضي دلوقتي، عايزه حاجه ؟!
كانت تتصل كي تعتذر منه علي ما صرحت به آخر مرة، ولكن رأت أن اعتذارها لن يغير شيء فأردفت بوجوم:
لا مش هعطلك
وأغلقت المكالمة بعجلة قبل أن تستمع الي كلماته الجافة، جلست علي فراشها تفكر في تصرفها، وما نهاية ذلك الجفاء الذي أصبح روتين علاقتهم الغير مفهومة… تعلم خطأها لذلك كانت تود أن تعتذر، هي في الأساس غفلت عن ذلك الحلم الذي تركها منذ فترة، رغم أنها عجزت عن تفسيره ولكنها نظرت للواقع الذي هو عكس الحلم …
؛******* بقلم حسناء محمد سويلم
في منزل جابر
وضعت زينب كل ما لذ وطاب علي صينية كبيرة تحتوي علي أصناف مختلفة، ثم خرجت وهي تنادي علي ابنها :
تعالي يا سالم طلع صينية الأكل لمراتك ومتخلهاش تقوم من مكانها
بعد أن أعترض عمه طريقه للثأر من مي، عاد ليأتي بنيره التي لم تنهض من الفراش إلا فقط للمرحاض، ومع أن الطبيبة أخبرتهم أنها بصحة جيدة وكذلك الجنين، إلا أن توجسها بفقدان حملها جعلها تمكث في الفراش طيلة الوقت … وساعدها علي ذلك زينب التي أصبحت تحضر إليها الطعام والفاكهة خلال الأربع وعشرون ساعة،
كان ينتظر ذلك الخبر خلال الخمس سنوات الماضية، من المفترض أن يكون أسعد إنسان علي الكرة الأرضية بعد كم الفحوصات الطبية والأدوية التي اختلفت من طبيب لآخر، آتي فجأة بعد أن حُدد إليهم العملية الجراحية، لِما لا يشعر بتلك السعادة !! هل لأن الخبر ورد فجأة ؟؟ أم أنه لا يصدق حتي الآن ؟؟ … عجز سالم عن شرح مشاعره الجامدة التي سيطرت عليه منذ معرفته بحمل نيره، لا يفهم ما أصابه ليكون تائه لدرجة عدم اهتمامه بالأمر !!
: قومي اتغدي
انتفضت من الفراش بهلع وهي تهتف بحده :
يا سالم قولتلك لما تدخل عليا الاوضة تغير هدومك اللي كنت بيها بره
اعتدل في وقفته بعد أن وضع الصينية أمامها علي الفراش وهو يقول بذهول :
نعم !!!!!
صاحت بنفاذ صبر وهي تمسك زجاجة معقم :
أمسك عقم نفسك قبل الجراثيم ما تتنقل في الاوضة
نظر سالم الي يدها بجمود فاستكملت نيره بضجر :
المفروض تكون واعي اكتر من كدا أني حامل وأقل فيروس هيضرني
شعر سالم أن جرح رأسه تخرج منها نيران ساخنة تضرب عقله، ألقي الزجاجة بعيداً مردد بحنق:
أنت فاكره نفسك بتكلمي ابن أختك اللي كان بيلعب بالطين ولا فكراني ماشي أنقل للناس فيروسات
نهضت نيره من الفراش وهي تسأله باستنكار:
وهي ايه الحكاية ؟؟ دا ولا شكل واحد مبسوط ولا كأن الموضوع فارق معاك اصلا !!
: قولتلك من زمان أنا ولا فارق معايا حمل ولا عيال
انكمش بين حاجبيها باستفهام متسائلة بعدم فهم:
اومال ايه فارق معاك ؟؟
حدق بها مغمغما باستياء:
للأسف أنتِ يا نيره
دار يأخذ المنشفة واتجه الي المرحاض، لم تهتم نيره بكلماته الصريحة، وبدأت في تعقيم المكان بعد مغادرته، ثم أخذت محرمة ورقية تمسح أطراف الصينية وهي تبرطم بسخط من عدم استماعه إليها ….
؛***
في الأسفل
خرجت خلود بعد أن آتي ربيع للاطمئنان علي مي، التي سألته بخفوت :
ليه مجبتش الولاد معاك ؟!
ضحك بخفة قائلاً بمزاح :
لا بلاش التتار دلوقتي بدل ما يدخلوكي المستشفى تاني
ابتسمت مردده بشوق :
وحشوني
رتب علي كفها برفق مغمغما بحنو:
وقت ما تقولي انك جاهزة هخدك علي طول
نظرت إليه لبرهة ثم سألته بفضول:
هو أنت بجد عايزني ارجع ؟!
رد عليها بشغف :
اكيد دا البيت هينور بيكي
: لكن أنا مش عايزه أرجع
بهتت ملامحه واختفت بسمته تدريجياً وبعد أن استوعب حديثها سألها بأسي:
ليه علقتيني بيكي طالما نويه أنك مش هتكملي ؟!
دهشه عمت عليها فكان اعتقادها أن كل همه أولاده، استكمل ربيع حديثه متجاهل الذهول الظاهر علي وجهها:
ليه تعشمي عيالي بوجودك وتخليهم يعيشوا فقد امهم تاني، قولتلك من الأول لو عايزه تبعدي ابعدي قبل ما تدخلي حياتنا، رجعتي وقولتي ليا شروط وأنا وفقت عليها وهنفذها بس مسألة وقت، ليه ترجعي تلعبي بيا ؟؟
احتدت نبرته الغليظة في آخر جملته، امتلأت ملقتي مي بالعبرات وهي تتمتم بتعلثم :
معرفش ليه
عقد جبينه باستفهام وسألها مستفسرا:
يعني ايه متعرفيش ؟؟ متعرفيش عايزه ايه !!
انكمشت علي نفسها وهي تهمس باضطراب :
مش فاهمه حاجه ولا عارفه عايزه ايه
زفر ربيع بصوت مسموع ونهض يدسها تحت الغطاء مردفاً بجمود :
نامي يا مي ولما تهدي بلغيني قرارك
وخرج مغلق الباب خلفه بهدوء، جلس مع جابر قليلا واستأذن منه بحجة تركه لأولاده بمفردهم…
؛****
في المنزل المجاور
طلبت كوثر من المعلم سالم بالحضور لحل الخلاف بين موسي وعليا، بحضور أساس الخلاف الذي جلس بهدوء يستمع إلي النقاش …
: انسي يا عليا أنك تتجوزي الكائن دا
كان يشير علي عمر الذي قال باستنكار:
أنت شايفني من الزواحف ولا ايه !!
رد عليها بتهكم:
مش شايفك أساساً
وجه عمر حديثه الي المعلم سالم وهو يقول بجدية:
لولا أني عامل احترام لوجودك يا معلم أنا كنت عرفته حساب الكلام دا
ابتسم المعلم سالم بهدوء مردد بإصرار:
وأنا بقولك عرفه حسابه
تطلع عمر الي موسي الذي انتصف في فراشه وقال بتلجلج :
لا المسامح كريم بقا
صاح موسي بحده :
ماشي يا عم الكريم، تقدر تقولي اشمعنا وفقت علي الجواز من عليا
جال عمر بنظره بينهم متمتم بحسرة:
أول مره حد يتمسك بيا ويكون فارق معاه وجودي
ارتخت تعبير وجهه عليا مردفه بحزن علي حاله :
ازاي محدش يتمسك بوجود حد كيوت زيك
” كيوت !!!” رددها موسي وهو يضغط على شفتيه بغيظ، بينما ضحك المعلم سالم وقال باقتصار:
طالما كدا يبقا عمر يشتغل ويأسس نفسه ولما يكون قادر يفتح بيت وقتها تفكروا في الجواز
وقبل أن يعترض موسي ردد المعلم سالم بهدوء :
دا رأيي بناءً علي طلب والدتك، وأنت مش مجبر تاخد بيه لكن فكر قبل اي قرار
كاد أن ينهض فهتف موسي بعجلة :
كنت عايز حضرتك في كلمتين
فهمت كوثر ما ينوي عليه، فنهضت تخبر عليا وعمر بأن يتبعها للخارج للحديث في أمر ما … بدون أي مقدمات أو تأهيل أردف باضطراب :
أنا طالب ايد هند
سأله بجدية جعلت موسي يرتبك أكثر :
هتعمل بيها ايه ؟؟
قبل أن يكمل موسي قاطعه بحزم :
بصراحة يا موسي اختيارك للوقت غلط جدا
انكمش بين حاجبيه باستغراب وسأله بتعجب:
يعني ايه اختياري غلط ؟!!
نهض من مقعده مردد باقتصار:
لو اخترت وقتك كان ممكن أفكر
ظل موسي ينظر إلي خطاه حتي اختفي من أمامه ثم همس بحنق :
راجل كل كلامه ألغاز محتاجه خبير يفسرها
مسح وجهه بعنف وهو يفكر في اخر كلمات وقعت عليه، وعلي كل الأحوال أخذ قراره ولن يهدأ حتي تصبح هند إليه رغم أنف ابيها وأنفها هي تحديداً…
؛*****
قبل أن يدلف الي منزله وجد أحد سكان القرية يستأذن بالدلوف، أشار إلي خيريه بأنه قدام علي الفور بعد أن هبطت لتخبره أن العشاء جاهز …
: في واحده ست بتدور عليك يا معلم…
لم يكمل جملته وظهرت سيدة في عقدها الرابع تقريباً، ترتدي فستان بألوان مبهجة، وحجاب ابيض كاد من يرها يعتقد أنها فتاة عشرينية …
: لسا زي ما أنت متغيرتش يا سلومي
تدلي فم الرجل بذهول، بينما هتف المعلم سالم بتهكم:
سلومي تعب من المصايب اللي بتهل عليه
؛******
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)