رواية عرف صعيدي الفصل الحادي عشر 11 بقلم تسنيم المرشدي
رواية عرف صعيدي الجزء الحادي عشر
رواية عرف صعيدي البارت الحادي عشر
رواية عرف صعيدي الحلقة الحادية عشر
( إنتظار.. )
______________________________________
_ تتمايل بجسدها فهي محاوطة حوله منشفة قصير مفتوحة من الجانب الأيمن ، تمسك بخصلاتها وترفعها للأعلى بحركة مغرية وهي تتابع رقصها بتأني وثقة ..
_ إبتلع لُعابة وهو يتابع حركاتها باهتمام شديد، فلم يسبق له ورأى رقصاً بهذا الشكل، شعر بضعف قوته البدنية التي يتحلى بها، خار ثباته أمام ما تفعله تلك الفتاة بربك ألا ترحمي ضعفه وقلة حيلته!
_ يحلوا له ما تفعله ولا يريد رؤية شيئ آخر يعكر جمال ما رأته عينيه، عليه الإنسحاب الأن فإن مرت عليه دقيقة أخرى حتماً سيحدث عواقب يمكن أن يندم عليها في وقت لاحق ..
_ إنسحب بهدوءٍ تام إلى أن خرج من الغرفة، استنشق الصعداء ما أن أغلق باب الغرفة ومر الأمر مرار الكرام، توجه إلى غرفته مباشرةً فهو في حالة لا يرثى لها ولن يستطيع إكمال السهرة معهم ..
_ نهض ضيف قاصداً المغادرة حين تأخر مصطفى في عودته بالتأكيد لن يأتي في ذلك الوقت المتاخر من الليل، أوقفه عسران بقوله:-
على فين يا ضيف لسه السهرة طويلة
_ رد عليه بنفسِ غير سوية:-
السهرات جاية كاتير أني تعبان ورايد أفرد جسمي
_ أنهى جملته وغادر السرايا وعقله لازال يفكر في طريقة ما يقنع بها عائلته بزيجته من صفاء، لا يصل إلى أي حلول وهذا ما يزيد الأمر سوءاً، نفخ بضجر بائن وصاح بتذمر:-
يارب أني بحبها ورايدها في الحلال متصعبهاش عليا يارب
_ عاد إلى منزله يريح عقله تلك الليلة وفي اليوم التالي حتماً ستطرق الحلول بابه ..
______________________________________
_ عاد طاهر إلى المنزل على مضضٍ، فالعودة إليه باتت ثقيلة على قلبه للغاية ويتمني بألا يعود مرةٍ أخرى إليه، حسم أمره على قبول ما يرفضه عقله وتأباه مشاعره لكن ما باليد حيلة ربما هذا الافضل له ..
_ كانت صباح في انتظاره لكي تفاتحه في زواجه من مروة فهي لن تهدأ قبل أن تسير الأمور كما تريد، نهضت مسرعة وأقتربت منه قبل أن يفر هارباً كعادته لكنها تفاجئت به يقترب منها ويقول:-
أني موافج..
_ قطبت جبينها بغرابة وسألته بفضول:-
موافج على إيه؟
_ أخرج تنهيدة مليئة بالهموم وأجابها بتجهم:-
موافج على مروة!!
_ ألقى بحديثه ثم أولاها ظهره وصعد إلى غرفته وتركها تستوعب ما قاله بمفردها، لم ترفع بصرها من على طيفه الذي بدأ يختفي رويداً من أمامها، تطالعه بعدم تصديق أحقاً وافق على تريده؟ كان الحظ حليفها تلك المرة ونجحت في شئ تخطط له، وها هي نجحت في أولى مخططتها التي رسمته لكي توقع ضيف في شر أعماله فهو من جني على نفسه بالتسلية بها إذا فليتحمل قذارتها التي تنوي فعلها ..
_ دقت أسارير السعادة قلبها من خلف موافقة طاهر، تقوس ثغرها ببسمة عريضة انعكاس لسعادتها الداخلية، نظرت حيث اختفى وهتفت بحماس:-
سيب الموضوع ده عليا يا خوي
_ أخفضت من نظرها وواصلت حديثها هامسه وهي تكز عل أسنانها بحقد:-
متجلجلش هيمشي كيف ما رتبت له صوح!!
______________________________________
في اليوم التالي،
استيقظت ورد من الصباح الباكر وارتدت إحدى عبائتها الملونة التي تليق مع بشرتها وضفرت خصلاتها التي أضافت لوجهها بهجة وجمال، ترددت في وضع بعض المساحيق التجميلية لكنها رفضت فجمال ملامحها الطبيعية أحلى بكثير من أن تعكرها بمساحيق صناعية، فاكتفت بوضع مرطب شفاه أضاء من شفاها الوردية …
_ هبطت السُلم وهي تدندن بنشاط وحيوية على غير العادة وولجت للمطبخ المقصود الوصول إليه، رحبت بها صفية بحفاوة:-
طلتك ولا الجمر يا ورد
_ ابتسمت لها ورد بحياء وأردفت برقة:-
ربنا يخليكي يا صفية
_ بحث ورد بعينيها يميناً ويساراً وسألتها باهتمام:-
فينها صفاء السرايا ملهاش حِس عاد
_ قهقهت صفية وأخبرتها بمكانها:-
والله عنديكي حج يابتي الهدوء موجود مطرح ماتكون غايبة عنيه، هي في جامعتها وزمناتها راچعة
_ دعت لها ورد بحب:-
ترجع بالسلامة، بس جوليلي فين الوكل عشان ناوية أحضر الفطور النهاردة بيدي
_ ابتسمت لها صفية وبدأت تحضر ما تطلبه ورد وكانت مساعدتها اليوم تتابعها باهتمام على الرغم من كونها طباخة يشهد لها الجميع إلا أنها أعجبت بطريقة تحضير ورد للفطور ورسمه في الصحون كأنه تحفة فنية، حتماً سيحرص الجميع في الاقتراب منه خشية أن يمحو جماله ..
______________________________________
_ في الاعلى،
استيقظت السيدة نادرة قبل زوجها وعزمت بأن تحادث مصطفى وتعارض تصرفاته الحمقاء التي فعلها بالأمس، طرقت بابه بخفة وولجت للغرفة حين سمح لها ..
_ كان قد انتهى من ارتدائه للجلباب، استدار إليها قائلاً:-
صباح الخير ياما
_ ردت عليه بنبرة جامدة:-
صباح النور يا مصطفى
_ أضاق عينه عليها لتلك اللهجة المريبة التي تحادثه بها، جلست هي على طرف الفراش وبدأت حديثها معاتبة بوجه محتقن:-
اللي حوصل جبل اليوم ديه مش على هوايا ديه وعدك ليا أنك هطليجها! بدل ما تباعِدها عنك تجوم تجلعها وشاحها وتشوفها كماني؟! لاه واللي يفور الدم أنك تمنع الغفر من دخول السرايا إلا بإستئذان وديه من ميتي إن شاءالله؟ كانك اعتبرتها مرتك بحج وحجيجي!!
_ أسرع مصطفى بالرفض لتوقعها:-
لاه، حديت إيه اللي عتجولي ديه كل الحكاية إني رايد أرضي أبوي أنتِ مشوفتيش فرحته كانت مش سيعاه كيف لما عملت اللي عملته؟
_ نهضت عن مقعدها وتابعت رفضها الجلي للأمر:-
ولو، البت ديى مينفعش معاها حنية واصل أني مطيجهاش من وجت ما خوك هرب منيها ليلة دخلته وبعدها بيوم اتجتل وهاه لساتنا موصلناش للجاتل وهي عايشة حياتها ٢٤ جيراط مش هاممها حد واصل وبلي عملته ديه هتديها فرصة تزود في عمايلها..
_ وقف عقل مصطفى عند تذكيرها لمشاركة رجل غيره فيها، لقد دعست على جرحه ولم تكترث، شعر بالنفور من ورد فهي لم تخلق له وحده بل كان الرجل الثاني في حياتها، ضغط على أسنانها بعصبية فلقد تعقدت الأمور بفضله بعد أفعاله بالأمس بالتأكيد خُـيل لها أنه تقبلها زوجة له، لكن لا سيذكرها بمن تكون هي حتى تعود إلي رشدها وتعرف مكانتها جيداً..
_ هبط كليهما إلى الطابق الأول وفوجئوا بإحضار مالذ وطاب ووجود جميع الأصناف التي يحبونها قد ملئت الطاولة بشكل حضاري رائع، انتبهوا لصوته المتحشرج من خلفهم:-
واه إيه كل الوكل اللي يفتح النفس ديه مين اللي راضي عنينا النهاردة؟
_ أجابته صفية وهي تضع أخر صحن قد أعددته ورد:-
ديه كله تحضير ورد أني مليش صالح عاد بيه
_ ظهرت ورد من خلفها مبتسمة بحياء يكسو وجهها بالحُمرة، خفق قلب مصطفى بطلتها الجميلة التي لا تفشل في قلب كيانه، بينما لم تهتز خصلة للسيدة نادرة بل نظرت إلى صفية وأمرتها بحدة:-
جبيلي صحن مالح وفوجيها طماطماية همي
_ ردت عليها صفية بعفوية:-
ورد أصرت تعرِف أنتِ بتحبي إيه عشان تعملهولك بيدها والعجة اللي بتحبيها أهي
_ نهرتها نادرة بعصبية شديدة:-
جولتلك هاتيلي صحن مالح يبجي مترطرطيش حديت ملوش عازة
_ رمقتها صفية مستاءة من تصرفها وعادت إلى المطبخ تحضر ما طلبته بينما لم تبعد ورد نظريها عنها فهي تشعر بالحرج الشديد من طلبها التي أعلنت به رفضها لتناول طعامها، خرجت من شرودها على شُكر خليل لها:-
تسلم يدك يابتي الوكل جميل اجعدي كُلي
_ رسمت بسمة متهكمة على محياها ثم اقتربت من مقعدها وجلست أعلاه، رفعت بصرها على مصطفى في انتظار جلوسه بجوارها لكنها تفاجئت به يتوجه إلى باب السرايا، هو يريد مشاركتهم المائدة لكن حديث والدته لا يقتلع من عقله ويتردد صداه داخله كلما وجد لنفسه حجةٍ يقترب بها منها ..
”مصطفى”
_ نادته بنبرتها المبحوحة التي أربكته وتوقف إثرها، اقتربت منه ووقفت أمامه حين لم يستدير لها وحادثته بحزن مرسوم علي تقاسيمها:-
رايح على فين من غير ما تفطر مرايدش تاكل من يدي؟
_ تبخر تمرده حين شعر بالحزن الذي يشع من زرقاوتاها ناهيك عن نبرتها التي نجحت في محي أي ذرة غضب داخله ؛ أحقاً جائت وبكل سهولة بخرت عصيانه وغضبه في ثوانٍ، أهذا هو مصطفى عقل الحجر الذي لا يلين ولو انقلبت السماء على الأرض!
_ لم يشعر بنفسه سوى وهو يجيبها بنبرة هادئة:-
كنت هشوف الغفر لو محتاجين حاچة..
_ انعكست تعابيرها تماماً عن ذي قبل حيث ظهرت سعادتها لكونه لم يرفض مشاركتهم الفطور، دقت طبول قلبه بتلك الإبتسامة التي تبسمتها فقط من أجله، عادت ورد إلى مقعدها وهو خلفها دون تفكير..
_ رفعت السيدة نادرة حاجبيها مستنكرة عودته بتلك السهولة، لم تستطع المشاهدة دون تعكير صفو تلك اللعينة وخرجت عن صمتها موجهة حديثها إلى مصطفة:-
كانك عاودت تاني يا مصطفى؟
_ أجابها مختصراً:-
هفطر يا اما جعان
_ اتسعت مقلتيها بذهولٍ ورددت بتهكم:-
كُل يا جلب أمك كُل تلاجيك هفتان
_ تدخل خليل ناهياً سخافاتها:-
اجعدي كلي يا نادرة وبلاها حديت معرفينش ناكل لجمة
_ أخذت نادرة الصينية من صفية وقالت وهي توليهم ظهرها:-
المكان خنجة جوي هفطر في أوضتي فيها هوي يرد الروح
_ حرك خليل رأسه باستنكار لتصرفاتها الخرقاء التي لا تنتهي، لكنه لن يعكر صفوه فهناك أطعمة كثيرة لابد من تناولها بشهية مفتوحة ..
_ انتهوا من تناول الطعام وأستاذن مصطفى للذهاب إلى عمله، نادت ورد على صفية قائلة:-
هاتي اللي حضرناه يا صفية
_ حضرت صفية ومعها كيس بلاستيكي وناولته لورد التي لحقت بمصطفى قبل أن يغادر وأوقفته بقولها:-
اتفضل ، أنت بتتأخر وأكيد بتتعب في الشغل لازمن تاكلك حاچة عشان تجدر تصلب طولك
_ عارض تصرفها مستاءً:-
لاه مهينفعش أكل وسط الفلاحين وهما معياكلوش
_ أسرعت ورد بإلقاء حل سريع:-
ثواني نحضرلهم كلاتهم واكل
_ لحق بها مصطفى قبل أن تغادر بمسكه ذراعه، أخفضت ورد بصرها على قبضته فأسرع هو بسحب يده إلى جانبه وأوضح تصرفه:-
الفلاحين كاتير فوج ال ٣٠٠ فلاح بيشتغل في الأرض مينفعش تحضري واكل لكل دول، متشغليش نفسك بيا أني زين
_ رمقته بحزن فهي من أحضرت له الطعام والآن هو من يرفض أخذه، أولاها مصطفى ظهره وسار نحو الباب عدة خطوات ثم استدار إليها فرأى معالم الخيبة على تقاسيمها، عاد إليها وأخذ العُلبة من بين يديها ثم غادر دون إضافة المزيد ..
_ دقت طبول السعادة قلب ورد لفعلته وتقوس ثغرها بإبتسامة عذبة، عادت إلى أرض الواقع على صوت نادرة التي دوى في الأرجاء:-
كانك بلي بتعمليه ديه مفكره هتكسبيه لصحالك!!
_ استدارت إليها ورد لتتابع نادرة حديثها معنفة:-
تبجي بتحلمي، أني ولدي راچل ومهيخيلش عليه حركات البنتة البطالة ديي
_ أولاتها السيدة نادرة ظهرها وقبل أن تخطو للأمام أوقفتها ورد متسائلة بفضول:-
صدر مني حاچة عفشة تخليكي تعامليني أكده؟
_ حركت نادرة رأسها لليمين قليلاً وأجابتها باستعلاء دون أن تنظر إليها:-
مشيفاكيش تليجي بمجام ولدي!!
_ لم تتفاجئ ورد بما قالته فلقد سبق وقالت الحديث نفسه لكنها لا تفهم لماذا رضيت بها في بادئ الأمر؟
_ شعرت بعدم الرغبة في شيئ، فقدت رونقها وحماسها لطالما تحلت به منذ استيقظاها إلى أن عكرت تلك المرأة صفوها، عادت إلى غرفتها بخيبة أمل سكنت قلبها وأطفئت من روحها لا تدري ما الخطأ الذي اقترفته لتنال كل هذا النصيب ذو الحظ السيء…
______________________________________
_ أسرعت في خطاها والابتسامة لا تختفي من على وجهها بانتصار لنجاح أولى خطتها وسيرها على ما يُمرام، فتحت بوابة المنزل الصغيرة ورمقت المنزل بوجه ملئ بالدماء النشيطة من فرط حماسها فهي لا تطيق السنتيمرات التي تبعدها عن إكمال خطتها الداهية..
_ قرعت الجرس وانتظرت أمامه بفروغ صبر، فُتح لها الباب من قِبل ”ضيف” الذي انعكست تقاسيمه وتحولت إلى الغضب ما أن رآها أمامه، التفت برأسه للخلف يتفحص المكان جيداً ثم أعاد النظر إليها وهمس لها بوجه محتقن تفور به الدماء:-
إيه اللي جابك إهنه يا وجه البرص إنتي؟
_ لم تعيره صباح إهتمام ودنت منه هامسة بفتورٍ:-
سبج وجولتلي ملكيش صالح عاد بيا وأني دلوك اللي بجولك ملكش صالح بيا
_ رفعت ذراعها ووضعته على كتفه مُبعدة إياه لكي تمر للداخل، نادت بعلو صوتها ما أن توسطت الردهة:-
مروة يا مروة
_ حضرت مروة إلى مصدر الصوت فتفاجئت بصباح، رسمت بسمة على وجهها واقتربت منها مرحبة بها:-
الدار نورت إلك زمن معتاجيش عندينا
_ بعتاب زائف أجابتها الأخرى:-
كنتي أنتِ سألتي يعني يا ندلة، يلا ممنوش العتاب دلوك أني رايدة اتحدت معاكي في موضوع
_ أضاقت مروة عينيها بغرابة ولم تستطيع الصمود وسألتها والفضول يتآكلها:-
إيه هو الموضوع؟
_ نظرت صباح علي ضيف الذي يتابع حوارهما باهتمام بائن وأردفت:-
مهينفعش إهنه تعالي في أوضتك
_ تعلقت صباح في ذراع مروة ثم ساروا معاً إلى غرفة مروة بينما كز ضيف على أسنانه بضيق شديد فتصرفاتها لا تروق له وبالتأكيد لن يأتي من خلفها سوى المتاعب ..
_ لمح طيف والده وهو يهبط الأدراج متكأ على عصاه فلم يريد المغادرة قبل أن يعيد تكرار طلبه لعله يؤثر عليه تلك المرة في عدم وجود والدته ..
_ انتظر حين جلس في مقعده الخاص في الردهة ثم سحب شهيقاً عميق وهو يستعد لتلك المواجهة الحاسمة، أخرج زفيره على بطئ ثم توجه نحوه بخطى متريثة، ألقى عليه التحية ومن ثم بدأ فيما يريده بنبرة متلعثمة:-
حديثنا مخلصش يا بوي، لساتني عند كلامي ورايد اتجدم لصفاء..
_ حرك والده رأسه وطالعه بملامح جامدة فأسبق ضيف بالتأثير عليه قبل أن يتلقي رفضه:-
يا بوي صفاء بت زينة وأخلاجها عالية وتعليمها كمان عالي يعني دي اللي تليج بيا وبعيلة الحمايدي مش واحدة من عيلة كابيرة وهي نفسها صفاتها ونعتها عفشين!!
_ نفخ الحاج حنفي بإمتعاض وبفتورٍ قال:-
جولت لاه ي…
_ قاطعه ضيف حين ركع أمامه وهو يتوسله بنبرة لحوحة:-
أبوس يدك مترفضش جبل ما تعرفها اني جلبي مرايدش غيرها، ولو رفضتها صدجني مهاشوفش واحدة غيرها واصل
_ انتفض الحاج حنفي من مقعده وضرب بعصاه الأرض مبدي غضبه وهتف بإنفعال بالغ:-
اعتبر ده تهديد ولا ايه يا ولد الحمايدي؟
_ اعتدل ضيف في وقفته وطالعه بنظرات تتوسله بإشاراته التي يتمني أن يرأف به من خلفها وأجابه بنبرة منسكرة:-
مش تهديد يا بوي بس أني مشايفش غيرها تنفع تكون مرتي وعلى إسمي وأني مش هينفع يتغصب عليه الجواز كيف البنتة.
_ بقامة منتصبة أردف بتمرد:-
أني آسف يا بوي لا هي لا بلاها جواز من أساسه
_ أولاه ظهره وتوجه نحو الباب بينما صاح والده شزراً:-
بلاها جواز، عنك ما شوفت غيرها كان اللي خلجها مخلجش غيرها
_ بصق أرضاً ثم مسح على فمه وتابع انفعاله بغضب:-
مناجصش إلا العيال كمان اللي هيهددونا!!
_ حرك رأسه باستنكار ثم عاد لمقعده بمشوخٍ وهو يتوعد لتمرد ضيف عليه
_ في الطابق العلوي وبالتحديد غرفة مروة، رفعت صباح يدها أمام مروة وأشارت لها لكي تجذب انتباهها، نجحت صباح في استعادتها إليها وسألتها باهتمام:-
ها جولتي إيه في اللي سمعتيه عاد؟
_ احمرت وجنتي مروة بخجل ناهيك عن فركها لأناملها بإرتباك حرِج، لقد فاجئتها صباح بذلك الحديث الذي لم يكن علي البال، ابتلعت ريقها وأردفت بنبرة خافتة:-
مخابراش أجول إيه؟
_ عقدت صباح ما بين حاجبيها بتهكم ثم لكزتها في كتفها بخفة وأردفت مازحة:-
جولي رأيك إيه؟ موافجة ولا لاه
_ أخفضت مروة بصرها في حياء وأجابتها مختصرة:-
مخابراش يا صباح متضغطيش عليا، خليه يكلم أبوي هو أدري مني..
_ وضعت صباح سبابتها على ذقن مروة ورفعت وجهها للأعلى لتري عينيها وهي تحادثها:-
أكيد طاهر هيكلم بوكي بس لاول هو محتاج يعرف رأيك موافجة عليه ولا لاه، متعرفيش هو متحمس لجربه منيكي كيف، رايح جاي يجولي كلميها أساليها هتوافج عليا ولا لاه، يطلع وينزل على اسم مروة لما جبهالي في مخي
_ قهقهت صباح عالياً لتضيف للحديث لمسة حتى تؤثر على قرار مروة التي لم تهدأ نبضات قلبها كلما أضافت صباح حديث عن طاهر وتمسكه بها
_ تأففت صباح بضجر بائن وسألتها بتهكم:-
يابتي انطجي وجولي أجوله يطمن ولا ايه
_ إلتوى ثغر مروة للجانب بتهكم معانق للحياء الشديد فهي تخجل التصريح بموافقتها علناً أمام صباح فحتماً ستخبر شقيقها بقرارها ولن تستطيع النظر في عينيه أن صادفته يوماً، جف حلقها وهي لا تعلم ما عليها قوله في تلك الأثناء، شعرت بالاضطراب والضياع كلما ضغطت عليها صباح في انتظار ردها عليها وأخيراً نطقت بنبرة سريعة غير مفهومة:-
ماشي موافجة..
_ انشرح قلب صباح للغاية فتلك الخطوة الثانية التي نجحت في تنفيذها وكانت أكثرهم سهولة، فغرت فاها ببلاهة وقلبها يتراقص على أنغام السعادة، دنت من مروة وهللت بحماس:-
الود ودي ازغرط بس لولا العيبة، على العموم أني هروح افرحه بالخبر ديه وهو يبجي يتحدت مع بوكي بجا، العوافي
”الله يعافيكي”
_ همست بها مروة بنبرة خافتة لم تصل إلى أذان صباح التي قفزت الأدراج بشعور سيطر عليها وهو الإنتصار، لم يعد هناك إلا القليل علي وصولها إلى مرادها، أطلقت ضحكة عالياً ما أن دلفت خارج المنزل وهي ترتب أفكارها بعناية لكي تأتي بضيف راكعاً يتمني أن ينال استحسانها.
______________________________________
_ مساءاً
انتظرت عودته حتى نفذ خزان صبرها، لماذا تأخر اليوم عن سابق أيامه، تأففت بضجر وقررت أن تسأل أحدهم عن سبب تأخيره
_ إلتوى ثغرها للجانب مُشكلة بسمة متهكمه فهي ستسأل الخادمات عن سبب تأخير عودة زوجها!، أخرجت تنهيدة مليئة بالهموم والإرهاق ثم حركت قدميها للامام حتى وصلت إلى الطابق الأول
_ استقبلتها هويدا بترحيب على باب المطبخ قائلة:-
وجهك ولا الجمر اتوحشت طلتك
_ بادلتها الأخرى ابتسامة صافية حين رآتها وهتفت:-
ربنا يخليكي يا هويدا وأني كمان اتوحشتك جوي، ليه معتاجيش كل يوم؟
_ أوضحت هويدا سبب عدم وجودها باستمرار في السرايا:-
أني باجي الأيام اللي بيكون فيها الضغط كابير عشان أساعدهم لكن مجدرش اسيب بيتي وزوجي وأجعد إهنه اليوم كامل
_ حركت ورد رأسها بإيماءة حين تفهمت الأمر، ترددت لوقت قبل أن تردف متسائلة:-
العمدة لساته معاودش وديي مش عادته حد يعرف ليه؟
_ طالعتها صفاء بمكر من خلف هويدا بطرف عينيها وهي من تولت الرد بمزاح:-
النهاردة يوم الجبض يعني بيتأخروا عشان بيجبضوا الفلاحين..
_ نهضت عن مقعدها واقتربت منهن وهي تتمايل بجسدها حتى وصلت بجوار هويدا، أسندت مرفقها على كتفها وواصلت حديثها بمكرٍ:-
بس على حد علمي يعني إن العمدة يدوب بيشرف على اللي بيحوصل بس وممكن يعاود في أي لحظة لكن سي مصطفى هو اللي بيجبض الفلاحين بيده عشان يعرف مين أخد ومين مخدش يعني سهرته طويلة ويمكن ميعادوش غير وش الصبح!!
_ اتسعت مقلتي ورد بذهول مرددة:-
واه ديه مأكلش حاچة من وجت الفطور!
_ غمزت إليها صفاء وتابعت مزاحها بخفة أسلوبها:-
واه تصدجي عنديكي حج يا حرام طيب ما تاخديله وكل وروحي له!
_ ردت عليها ورد بعفوية:-
بجد ينفع؟
_ من بين ضحكاتها أجابتها الأخرى بتلقائية:-
أومال، بس منعرفوش إذا كنتي هتعاودي من غير رجبة ولا دراع!!
_ صُدمت ورد بآخر كلماتها واستشفت أن الأمر ماهو إلا لعبة من ألاعيبها المعتادة، أضاقت عينيها بغيظ عارم وأردفت بحنق:-
بجا اكده يا صفاء بتتمجلصي عليا .. ماشي
_ لكزتها هويدا في ذراعها بخفة معاتبة:-
اتركي البنية في حالها يا صفاء مش كد ألاعيبك ديي
_ أخفضت وردت بصرها وقد سرق الحزن حيوية بشرتها التي بهتت للغاية وتشكل على تعابيرها بسهولة استشفننها الأخريات ورددت بنفاذ صبر:-
حياتي ديي غريبة جوي كانها فيلم هندي
”لا وانتي الصادجة دي ولا كانها رواية كيف اللي بجراهم”
_ هتفت بهم صفاء رداً عليى حديثها، رفعت ورد بصرها عليها وطالبتها بلطفٍ:-
ابجي جبيلي رواية من رواياتك دي أضيع وجتي فيهم بدل الزهج اللي مأنسني دييه
_ أشارت صفاء علي عينيها مرددة بحبٍ ظاهر:-
من عنيا التنين
_ ابتسمت ورد ممتناً لها:-
تسلم لي عنيكي
_ قفزت صفاء في الهواء مهللة بسعادة حين راودتها أحد الألعاب التي سيشاركنها ثلاثتهن:-
جاتني فكرة بما أن ورد زهجانة وهويدا لسه على وجت مرواحها هبابة إيه رأيكم نلعبوا لعبة
_ وافقنها الفتيات فبدأت هي بشرح اللعبة بسلاسة:-
هكتب كلمة واحدة في ورجة صغيرة وأطويها ونحطها في لجن غويط وكل واحدة تختار ورجة وتجول الكلمة ديي بتعني لها ايه هيكونوا تلت حاجات إما ( خوف ) وإما ( فرح ) وإما ( شجن )، زين؟
_ رددن الاخريات في نفسٍ واحد:-
زين
_ افتتحت ورد اللعُبة وبدأت تلقف إحدى الأوراق الصغيرة بعد أن انتهت من كتابتهم صفاء، لَقِفت إحداهم وقامت بفتحها فتفاجئت بالكلمة المدونة بها ( إنتظار )، نفخت بصوت مسموع فهي تهاب تلك الكلمة كثيراً، نظرت إليهن وقالت موضحة:-
الإنتظار بالنسبة لي خوف، أخاف عمري يمشي وأني مستنية كل اللي بتمناه يتحجج، يومي بيضيع وأني مستنية جُرب مصطفى مني، بخاف أمي متطمنش عليا واجعد استني مكالمتها بفارغ الصبر، اني خايفة أموت وأني لساتني بستني!!
_ كان يطالعنها بتأثر وشفقة مرسومان على تقاسيمهن، ابتسمت لهن ورد وأردفت مازحة:-
بطلوا بحلجة فيا وكملوا يلا..
_ جاء دور صفاء فالقِفت ورقة أخرى وقامت بفتحها وقرأت ما بها بصوت عالٍ:-
| الوعد |
_ أخرجت تنهيدة مهمومة وأوضحت ماذا تعني لها الكلمة:-
خوف بردك، بخاف اللي يوعد يتخلي وميوفيش بوعده أو حتى ميجدرش ينفذه!
_ صمتت لبرهة ووعد ضيف قد حضر في ذهنها وتمنت بداخلها بأن ينتهي خوفها عاجلاً، أعادت هويدا تكرار ما فعلنه الفتيات قبلها وقرأت المدون في الورقة التي لقفتها:-
| البيت |
_ تبسمت بشغف وهي تردد:-
البيت طبعا فرح بحس بطعم الدفا في بيتي وسط جوزي وعيالي وبفرح بردك لما بزور بيت أهلي بالنسبة لي البيوت دي جنة مش بس فرح!
_ واصلن لعبهن حتي قرع صوت رنين هاتف هويدا معلناً عن انتهاء وقت عملها فاستأذنتهم وغادرت السرايا سريعاً قاصدة العودة إلى منزلها، بينما نفخت ورد بتذمر وهي تطالع النافذة بفتور لعدم ظهور مصطفى إلى هذا الوقت المتاخر من الليل بعد ولم تشعر بأعين صفاء التي ترمقها بتردد كبير، تود الإفصاح عما بداخلها لعلها تشعر بالراحة إن شاركتها مخاوفها ..
_ ابتلعت ريقها وسارت نحوها بخطى بطيئة تقدم قدم وتؤخر الأخرى خوفاً من ردة فعل ورد إذا علمت، كانت تطمئن قلبها بأن ورد ذو عقلٍ متفتح وقلب رقيق وبالتأكيد لن تشي بها وستساعدها في الوصول إلى الراحة الداخلية التي تفتقر إليها منذ معرفتها بضيف..
_ وصلت إليها وخبطت على ظهرها بخفة فاستدارت اليها ورد متسائلة حين رأت فركها لأناملها بإرتباك:-
نعم؟ كانك رايدة تجولي حاجة؟
_ أماءت لها الأخرى مؤكدة فقالت لها ورد بغرابة:-
تحبي تتحدتي إهنه ولا في أوضتي
_ اختارت صفاء الصعود لغرفة ورد حتى تطمئن بأن لن يسمعها أحد، قصت عليها بدايةً من تبادلاهما النظرات ثم توطدت علاقتهم وتودد ضيف إليها أكثر فأكثر وحدث بينهما حوار تحول مع الوقت إلى لقاءات خفية يسرقنها حين يأتي هو الى السرايا، أخبرتها باعترافه لها وأنه يَكُن لها من المشاعر قدراً ووعده بأنه سيتزوجها وأنهت حديثها بنبرة بتوجس:-
خايفة جوي ميوفيش بوعده أو ميجدرش ينفذه كيف ما بيوحصل في الروايات والأفلام
_ حركت ورد رأسها مستنكرة تفكيرها الساذج وأردفت متهكمة:-
يحرج الروايات اللي لحست عجلك، سبينا من الروايات والأفلام دلوك أنتِ واثقة فيه يعني وواثقة في حبه ولا بيتسلى وخلاص؟
_ أخرجت صفاء زفيراً مرهقاً وأجابتها بقلة حيلة:-
أوجات ببجي واثقة من حبه ليا لما بتفكر كلامه الحنين وتسبيلة عنيه اللي معيرفعهاش واصل طول ما هو واجف جصادي، واوجات تانية بحس أنه بيتسلي بيا مهو مفيش جوازة تمت وكان جبلها بيحوصل المجابلات ديي دايما الراجل بيتخلى عن البت اللي حبيته لمجرد أنها كلمته فبيشوفها انها مش زينة ومتليجش بيه..
_ حاولت ورد تلوين أفكارها السوداوية بتوقعاتها الوردية:-
أني معارفهوش بس يمكن مختلف عن الباجي، يكون راجل صوح ويوفي بوعده، العيال اللي عتهرب من الجواز ديي دايما بيتهربوا من الحديث فيه هو أكده؟
_ أسرعت صفاء بنفي سؤال وردت مجيبة إياها بشغف وحب يشع من عينيها:-
بالعكس هو اللي بيفتح الحديت عنيه، على طول يجولي ميتي تيجي مرتي حلالي وأخلف منك دستة
_ رققت من نبرتها كما أخفضت بصرها خجلاً وتابعت قول كلماته على لسانها:-
على طول يجولي رايد أليج بمجام الداكتورة، بشوف الفخر في عنيه التنين وهو هيتحدت عني وعمره ما حسسني إني أجل منيه على الرغم أنه من عيلة كابيرة جوي وأني يدوب لا روحت ولا جيت
_ لوت شفاها للجانب بتهكم فحاولت ورد تغير الحوار عن مساره الذي أخذه:-
زين اللي عتحكيه دييه بس سؤال أخير عشان أطمن وهو اللي هيحسم إذا كان هو راجل ولا عيل
_ حملقت بها صفاء باهتمام فهي في أشد الحاجة إلى الاطمئنان من علاقتها المعقدة تلك، ابتسمت ورد لانتباهها بهذا الشكل وألقت بسؤالها الحاسم:-
بيحاول يتجرب منك يعني لمس يدك جبل أكده أو..
_ قاطعتها صفاء بنفي ما قالته بلهجة سريعة:-
لاه لاه محوصلش هو بيحاول دايما يحافظ عليا حتى أني اللي اوجات بتوحشه وبطلب منيه ياجي السرايا يشوفني بس هو بيرفض عشان محدش يشوفني معاه وياخد عني فكرة بطالة
_ تنهدت ورد براحة وهتفت:-
يبجي هو أكده راجل صوح وزين وإن شاء الله عن جريب يبجي من نصيبك
”اللهم آمين يارب”
آمنت عليها صفاء بتمني ورغبة شديدة، نظرت إلى ساعة الحائط فشهقت لتأخر الوقت ورددت وهي تنهض من مقعدها بذعر:-
الوجت اتاخر جوي أمي هتموتني، تصبحي على خير
”وأنتي من أهل الخير”
قالتها ورد وهي تقهقه على تصرفاتها الطفولية بينما التفتت إليها صفاء معدلة حديثها:-
جولي وانتِ من أهل ضيف
_ لم تستطيع ورد تمالك نفسها وانفجرت ضاحكة لكن سرعان ما اختفت ضحكتها حين تذكرت مصطفى وتأخيره عن ميعاده المعتاد عليه، نهضت وتوجهت إلى الشرفة لعلها تحظى برؤيته التي ستطمئن قلبها، طالت مدة انتظاره على أمل رؤيته حتى غفت علي سور الشرفة وتبخر أملها وذهب مع الرياح.
______________________________________
_ عاد إلى منزله أخيراً بعد انتظار طال مدته، ركضت نحوه مهرولة لكي تلقي عليه بذلك الخبر السعيد، وقفت أمامه وعاتبته بهجوم:-
اتأخرت أكده ليه غفيت وأني بستنظرك
_ قطب جبينه بتهكم وسألها بجمود:-
ليه حوصل مصيبة رايدة تخبرهالي
_ قلبت عينيها مستاءة منه وأوضحت سبب انتظارها له حتى الأن:-
لاه يا خفيف بس أني روحت لمروة وجولتلها أنك رايد تتجدم لها والبت عينك ما تشوف الا النور مكنتش مصدجة حالها، بجد يا صباح احلفي يا صباح تجولش كانت مستنظراك تتجدم!!
_ لم تهتز له خصله فهذا الهراء لا يعنيه وبفتورٍ أردف:-
زين..
_ مر بجوارها دون إضافة المزيد فامتعضت هي لفعلته واستدارت بجسدها في نفس اتجاهه وسألته بتجهم:-
أفهم أني إيه من زين ديي
_ أجابها وهو يُكمل صعوده للأدراج:-
رايداني أجول إيه عاد؟
_ تقدمت نحوه وقالت وهي تسير خلفه:-
تجولي هتطلب يدها من بوها ميتي؟
_ أخذ طاهر شهيقاً عميقا وأخرجه بصوت مسموع:-
أوف
_ وقف أمام باب غرفته وحرك رأسه لليسار قليلاً حيث تقف صباح وأردف على مضضٍ:-
بكرة اروح له..
_ أنهى جملته ثم اختفي خلف الباب وهو لا يرضي ما ينوي على فعله لكنها الطريقة الوحيدة التي سينسي بها ورد، في الخارج توجهت صباح إلى غرفتها وهي تتغنج بجسدها فرحاً لدهائها التي أوصلها إلى تلك النقطة.
______________________________________
_ عوداً حميداً مع فزوغ الفجر، ركن سيارة العمل الربع نقل جانباً ثم ترجل منها وهو لا يرى أمامه فاليوم كان شاقاً وثقيل للغاية كثقله من كل أسبوع.
_ رفع عينيه تلقائياً على شرفتها فتفاجئ برأسها التي تستند بها علة حافة السور، عقد حاجبيه متعجباً لتصرفها الأرعن، أسرع خطاه نحوها ونادى عليها بنبرة خافتة يجذب انتباهها له:-
ورد يا ورد
_ لا يريد أن يصدق حدسه الذي يخبره بأنها غافية، لم يتوقف مكانه لحظة وركض مهرولاً إلى الأعلى حيث غرفتها التي اقتحمها دون سابق إنذار، وكما توقع تماماً أنها غافية على سور الشرفة، حرك رأسه باستنكار واقترب منها دون تردد
_ خبط برفق على كتفها مع ندائه المتكرر الخافت لكي لا يتسبب في فزعها:-
ورد جومي اصحي..
_ مع تكراره لنطق إسمها الذي تردد داخل عقلها فانتفضت هي بذعر إثره ورددت بتعلثم:-
هاا، أنت جيت
_ خفق قلب مصطفى بشدة حين رأى ذعرها ورجفة جسدها المتسبب بهما، حاول تهدئة روعها بكلماته الرقيقة:-
اهدي أيوة جيت..
_ ساعدها على الدخول إلي الغرفة وأجلسها على الفراش ثم أحضر لها كوب من الماء ترتشفه ليهدئ من روعها، لم يصبر وألقى بسؤاله معاتباً:-
كيف تغفي على السور أكده ممكن لاجدر الله تجعي
_ أجابته بنعاس مسيطر عليها:-
اتأخرت الليلة فكنت بستنظر رجوعك
_ شعر بتأنيب الضمير تجاهها فلماذا لم يخبرها بتأخره اليوم؟
هو لم يكن لديه علم بانتظارها لعودته فلا إثم عليه، تنهد بعد برهة من الصمت وأردف:-
بتأخر النهاردة عشان بجبض الفلاحين
_ أماءت له برأسها فهي على علم بذلك، وضعت الكوب بجوارها أعلى الكومود ونهضت من على الفراش ووقفت مقابله فأسبق هو بالحديث يريد إنهاء الحوار معها:-
ابجي نامي أنتِ وملكيش صالح برجوعي لأن مواعيدي مش ثابتة
_ اقتربت بخطاها أكثر منها فشعرت بأنفاسه الحارة التي يحاول حشرها داخله كلما اقتربت منه، ثبتت قدمها على الأرض وأردفت برقة مبالغة تعكس مشاعرها التي تكُمن بداخلها:-
مبيرفش ليا جفن جبل ما اطمن عليك!
_ رباه!! على تلك النبرة التي همست بها كلماتها التي فاجئته، لم يكف قلبه عن التسارع والتخبط بين نبضاته التي حتماً ستفضح أمره أمامها.
_ يريد الفرار من أمامها لكن زروقاتها تجذبه إليه كأن بهما سحراً لا يعرف كيفية إبطال أثره، فالوضع يزداد سوءاً فسودتاه لا تكتفي بالنظر إلى عينيها، لقد أخفض بصره على برقوقتيها بعد أن تفحص معالم وجهها باهتمام.
_ شفتيها تحثه على التودد معها أكثر كأنهما يناديان غريزته التي بحاجة إلى الإرتواء، لم يقاوم جوارحه التي لبت ندائها برحب ووتلمس وجهها بأنامله، أنخفض قليلاً وملس على ترقوتيها بنعومة.
_ ابتلع ريقه في محاولة بحثه عن ثباته الداخلي لكن أي ثبات سيتحلى به أمام جمالها الخلاق، خارت قواه تماماً وضعفت نفسه فتودد لها أكثر شاعراً بحرارة أنفاسها التي تضرب وجهه دون رأفة.
_ بنبرة خافتة قشعر لها بدنها همس:-
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عرف صعيدي)