رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثالث والعشرون
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثالث والعشرون
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثالثة والعشرون
” لماذا كذبت علينا ..؟! لماذا أوهمتنا بالعكس ..؟! لماذا عشنا سنوات نظن إن والدي ترك زوجته الأولى من أجل حبك ..؟! لماذا ..؟!”
” كنت مضطرة .. لم يكن بوسعي فعل شيء مختلف .. أردت أن أصنع لكما انتِ وأخيكِ حياة مثالية حتى لو كذبا .. ما الخطأ الذي إرتكبته ..؟! علام تحاسبيني ..؟! على حياتي التي عشتها دائما على الهامش ..؟! على وضعي كزوجة بالإسم بينما وجودي في هذا المنزل الكبير هو فقط لأجلكِ انتِ وأخيك …؟! ”
هتفت غالية بقوة :-
” كان بإمكانك أن تفعلي مثلها .. كان بإمكانك أن تتطلقي دون الإستمرار في زيجة كهذه ..”
ردت صباح بغصة محكمة داخل حلقها :-
” انا لست مثلها … ديانا كانت مختلفة .. نحن لا نتشابه من هذه الناحية .. ديانا كبريائها أهم من أي شيء … هي كانت مستعدة للتخلي عن كل شيء في سبيل إستعادة كرامتها المهدورة بزيجة والدك مني ..”
” هي إستعادت كرامتها وانتِ أهدرتِ كرامتكِ بدلا عنها ..”
كانت كلمات غالية قاسية للغاية لكنها لم تستطع أن تكتمها داخلها ولم تستطع أن تمنع نفسها من القول :-
” أنتِ دمرتي حياة المرأة يا ماما .. ألا تلاحظين إنك تسببتي في دمارها بل دمار عائلة كاملة .. ؟!”
شهقت والدتها رغما عنها وكلمات غالية تصفعها بقوة بينما أكملت ابنتها بنفس القسوة والتحدي :-
” الآن فقط بدأت أستوعب سبب تصرفات عمار .. هو بالتأكيد لديه علم بكل هذا..”
قاطعتها والدتها بسرعة :-
” عمار لا يعلم شيئا ..”
صاحت غالية :-
” بل يعلم وانا واثقة من هذا .. وهو ينتقم منك من خلال نديم .. يدمرك كما دمرتي حياته وسرقتي عائلته منه .. ”
” هل ترينني بهذه البشاعة حقا يا غالية ..؟!”
سألتها والدتها بمرارة لتجيب غالية وهي تكتم دموعها بقوة :-
” كونكِ والدتي وأقرب شخص لقلبي لا يغير حقيقة إنك سرقتي الرجل من زوجته بل سرقت حياة أخي .. أخي الذي نشأ دون أم بينما عشنا نحنا طوال عمرك معك بين أحضانك .. مدللين سعيدين بأبوينا بينما كان هو وحيدا .. حتى والدي لم يكن قريبا منه ..”
” هو من ابتعد عن والدك … ”
قالتها صباح محاولة الدفاع عن زوجها لتصيح غالية بنفاذ صبر :-
” ما زلت تدافعين عنه .. تدافعين عنه وقد حرم ابنه من والدته لسنوات .. ماذا كنت تتوقعين من طفل نشأ محروما من والدته طوال عمره ..؟! ”
” أنت تبررين له ما فعله بأخيكِ ..؟!”
سألتها صباح بملامح عصبية لتجيب غالية بسرعة :-
” انا لا أبرر .. ما فعله لا يغتفر .. لكن علينا أن ندرك إن ما وصل إليه وذلك السواد الذي ملأ روحه وقلبه هو من صنع يدي والدي ويديك .. والدي أراد أن ينتقم من هجران زوجته له عن طريق ولدها وانت دمرتي عائلة كانت ستكون مثالية بحق .. ”
” إن جئنا للواقع فجدتك هي السبب الأساسي لكل هذا ..”
رمقتها غالية بنبرة هازئة لتضيف صباح بصوت متحشرج :—
” لكن لا تقلقي .. هي أيضا أخذت عقوبتها كاملة ..”
نظرت إليها غالية بصمت لتهتف صباح بنبرة معذبة :-
” لقد أصابها المرض الخبيث حتى إستهلكها كليا وقبلها فقدت ابنتها الوحيدة في عز شبابها .. أحيانا أشعر إن لعنة ديانا أصابتنا جميعا … فجدتك عانت لسنوات من مرضها وقبلها من ألم فقدان ابنتها حتى انتصر المرض في النهاية عليها ورحلت .. وانا عشت حياة بائسة لا روح فيها .. كنت ميتة وأدعي الحياة لأجلكما … ورغم كل شيء كنت راضية بكل هذا ولكن ما حدث نديم كانت الضربة القاضية بالنسبة لي .. ”
أغمضت غالية عينيها بتعب شعرت به يغزو جسدها بالكامل من هذه المواجهة عندما جلست على الكرسي جانبها محاولة السيطرة على أعصابها النافرة تماما في هذه اللحظة ..
رفعت وجهها تنظر الى والدتها مجددا فترى لأول مرة ذلك الحزن العميق في عينيها لتهمس رغما عنها :-
” وحياة ..؟! ألا تشعرين إنك تكررين نفس المأساة معها ..؟!”
هتفت صباح بدهشة :-
” ما علاقة حياة بالأمر ..؟! ”
ردت غالية بجدية :-
” ألا ترين إن وضعها مع نديم يشبه وضعك مع والدي ..؟! انت كان لديكِ ديانا وهي لديها ليلى ..”
قاطعتها صباح معترضة :-
” كلا بالطبع .. لا يوجد مقارنة بين الوضعين ..”
لكن غالية عادت تنهض من مكانها تعارضها بقوة :-
” بل يتشابهان للغاية .. أنت تشجعين زيجة نديم وحياة رغم إدراكك مدى قوة حب نديم لليلى .. تريدين تكرار نفس مأساتك مع حياة ..”
عاندتها والدتها :-
” أخبرتك إن الوضع مختلف .. ”
هتفت غالية بنفاذ صبر :-
” ما المختلف بالضبط ..؟! نديم يعشق ليلى .. يعشقها منذ اعوام وانت تريدين من حياة أن تتزوجه رغم كونه ما زال يحب ليلى .. القصة نفسها تتكرر لكن بأشخاص وظروف مختلفين .. هل تمنين نفسك إنه سيحب حياة يوما ..؟!”
ردت صباح بهدوء :-
” ولم لا ..؟! لم لا يحبها ..؟!”
” نعم من الممكن أن يحبها ومن الممكن ألا يفعل .. عندما لا يفعل ذلك ستعيش الفتاة بتعاسة وربما ستعاني مثلك تماما ..”
أضافت وهي تضحك بمرارة :-
” وانا بكل غباء كنت أشجع نديم على التقرب منها .. كنت أراها مناسبة له وأشجع علاقتهما ..”
هتفت بصرامة :-
” نحن نستغل الفتاة يا ماما .. ربما تأخرت في إدراك هذا لكن ما سمعته اليوم منك جعلني أشعر بالجريمة التي كنت سنرتكبها في حقها ..”
صاحت صباح بعدم تصديق :-
” جريمة ..؟! أية جريمة يا غالية ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” كنا نفعل ما بوسعنا لنجمع بينها وبين نديم وكنا نفعل هذا فقط لأجل نديم .. لإننا رأينا إن وجود الفتاة معه سيساعده كثيرا ولإننا شعرنا بحاجته لوجود فتاة مثلها جواره … فكرنا به وبوضعه فقط وتناسينا الفتاة نفسها .. تناسينا ما يخصها … كل ما فكرنا به ونديم وكيفية مساعدته على تجاوز ما عايشه ..”
” يكفي يا غالية .. لا تتحدثي بحماقة .. الفتاة تعرف الماضي بأكمله وهي راضية به تماما .. لا داعي للفلسفة الزائدة ..”
” الآن أصبح حديثي فلسفة زائدة .. ماما أنت بالتأكيد تدركين إن حياة تعيش موقفا يشابه الموقف الذي عشته ..”
همت والدتها بالرد مقاطعة إياها لكن طرقات على باب المكتب جعلت الصمت يستقر بينهما للحظات قبل أن تسمح صباح الطارق بالدخول ..
دلفت لطيفة رئيسة الخدم بملامح غير مرتاحة عندما هتفت بهما :-
” صباح هانم .. غالية هانم .. السيد عمار جاء منذ لحظات ..”
صمتت قليلا ثم أضافت :-
” وليلى هانم معه ..”
نظرت غالية الى والدتها بعينين متسعتين قبل أن تسير بسرعة خارج المكان تتبعها صباح وهي تدعو الله داخلها ألا يفتعل ذلك المجنون أي مشكلة ..
” بارك لنا يا أخي .. انا وليلى تراجعنا عن قرار الطلاق وقررنا أن نمنح زيجتنا فرصة جديدة …”
صمت مريب سيطر على اجواء المكان حيث يتبادلان نديم وعمار النظرات ..
عمار بنظراته المستفزة ونديم بتلك الحدة الواضحة في عينيه .. ليلى متصنمة وكأنها لا تستوعب ما يحدث وحياة تتابع الموقف بقلق شديد ..
قطع نديم الصوت أخيرا قائلا بهدوء ونبرة بدت عادية جدا :-
” قرار جيد .. مبارك لكما ..”
تأملت حياة ليلى بذلك الجمود الذي ما زال يسيطر على كل إنش في وجهها بينما عمار يبتسم بطريقة رجل يخفي الكثير داخله ..
دخول غالية تتبعها صباح أنقذ الموقف حيث تصرفت غالية بلباقة من الواضح أن تصطنعها محاولة أن تسيطر على الموقف الحاد برمته ..
تقدمت غالية نحو عمار وليلى تهتف بترحيب رغم شحوب وجهها الذي لم تلحظه سوى حياة فليلى ما زالت في صدمة الموقف ونديم تركيزه منصب على عمار وعمار بالطبع لن ينتبه لشحوب وجه اخته ..
” مرحبا .. كيف حالكما ..؟!”
قالتها غالية بإبتسامة مصطنعة عندما بادلها عمار الإبتسامة بأخرى تماثلها وهو يرد :-
” اهلا غالية .. نحن بأفضل حال كما ترين ..”
عاد يشدد من قبضته على خصر ليلى مرددا :-
” باركي لنا يا غالية .. انا وابنة خالتك قررنا العودة لبعضنا ..”
منحته غالية إبتسامة صفراء وهي تبارك لهما :-
” مبارك لكما …”
بينما أخذت تتأمل جمود ليلى المخيف قبل أن تحرك رأسها وترد المباركة بصوت بالكاد يسمع ..
انتقل عمار ببصره نحو صباح التي تقف على الجانب منهما ليهمس بصوت بدا عاديا لكن نظراته الهازئة كانت واضحة :-
” وزوجة والدي هنا ايضا …”
أضاف بصوت غير مريح :-
” كيف حالك يا زوجة ابي العزيزة ..؟!”
ردت صباح بفتور :-
” اهلا عمار ..”
ثم أشارت الى لطيفة التي تقدمت الى الداخل تسألها :-
” هل الطعام أصبح جاهزا ..؟!”
ردت لطيفة بعملية :-
” مائدة الطعام جاهزة يا هانم .. بإمكانكم الإنتقال الى غرفة الطعام ..”
هتفت صباح وهي تشمخ بجسدها تتقدم الجميع :-
” تفضلوا الى غرفة الطعام ..”
قبض نديم على كف حياة يهمس لها بخفوت :-
” هيا بنا …”
تلاقت نظراته بنظراتها فشعر إنها قلقة للغاية فمنحها إبتسامة صافية وهو يشدد من قبضته لتسير جانبه خلف عمار الذي يقبض على يد ليلى بقوة وقبلهما غالية ..
أخد الجميع موقعه على مائدة الطعام حيث جلست صباح في المقدمة وعلى يمينها عمار وليلى بينما على يسارها نديم وحياة وغالية …
بدأ الجميع في تناول الطعام عندما هتف عمار فجأة وهو ينظر الى حياة مرددا بنبرة لبقة وإبتسامة خاصة :-
” لم يسعفني الترحيب بك جيدا يا انسة حياة .. لقد تشرفت بمعرفتك .. ”
أضاف وهو ينقل بصره بينها هي ونديم :-
” ومبارك لكما الخطبة مقدما …”
ابتسمت حياة بهدوء وهي ترد :-
” أشكرك … وانا ايضا تشرفت بمعرفتك ..”
ارتشف عمار القليل من العصير ثم قال وهو يضع العصير جانبه على الطاوله :-
” أنت ما زلت طالبة جامعية ، أليس كذلك ..؟!”
ردت حياة بصوتها الهادئ :-
” نعم في سنتي الأخيرة ..”
” وماذا تدرسين ..”
ضغط نديم على قطعة اللحم الموضوعة أمامه بشوكته بقوة بينما أجابت حياة بنفس الهدوء :-
” الصيدلة ..”
” رائع ..”
قالها عمار وهو يبتسم لها قبل ان يضيف بنبرة مقصودة :-
” نفس تخصص نديم .. سيساعدك كثيرا في دراستك فهو متفوق للغاية ..”
رد نديم بصوت بارد :-
” حياة لا تحتاج الى مساعدتي .. فهي الاولى على دفعتها طوال العامين السابقين .. ”
هتف عمار وهو ما زال محتفظا بإبتسامته :-
” الاولى على دفعتك .. إنه شيء جيد جدا خاصة إن دراسة الصيدلة صعبة للغاية ..”
أضاف وهو يقلب الطعام في شركته :-
” والدتي ايضا كانت صيدلانية … ”
تجهمت ملامح صباح لا اراديا وتوترت ملامح غالية وكأنه ينقصها أن يأتي ذكر تلك المرأة مجددا في نفس الليلة بينما ابتسمت حياة بهدوء ليضيف وعيناه تتأملان حياة بإهتمام :-
” وأيضا كانت الاولى على دفعتها طوال خمسة سنوات .. كانت متفوقة للغاية وتعشق الصيدلة وكل شيء يتعلق بالكيمياء عموما ..”
قالت حياة برقة :-
” وانا ايضا أحب الصيدلة كثيرا وكذلك الكيمياء ولهذا إخترت دراستها .. ”
لاحت في نظراته لمحة حزينة لم يلحظها أحد سوى غالية فهو كان ماهرا في السيطرة على نظراته وإخفائها قبل أن تظهر لأحد ليسترسل عمار بجدية :-
” يمكنك العمل في صيدلية والدتي رحمها الله .. إنها صيدلية ضخمة جدا ومعروفة ..”
قاطعه نديم بسرعة وقليل من الحدة :-
” شكرا على خدماتك … لكن حياة سيكون لها صيدليتها الخاصة والتي سأفتحها انا لها بنفسي ..”
” زوج جيد ..”
قالها عمار بسخرية صامتة قبل أن يضيف بتهكم مقصود :-
” من الجميل أن يدعم الزوج زوجته في عملها .. ”
أضاف لاويا ثغره بخبث :-
” وبإمكانك أن تساعدها انت ايضا وتمارس مهنتك مجددا معها من خلال شهادتها .. الكثير يفعل هذا وكونك شهادتك سحبت منك لن يؤثر على عملك معها …”
ضغطت ليلى على شفتيها بقوة محاولة إخفاء غضبها من تصرفات عمار بينما توترت ملامح حياة بالكامل ونفس الشيء حدث مع غالية اما نديم فسيطر الجمود على ملامحه تماما ..
جمود امتد للحظات قبل أن يحمل كوب عصيره ويرتشف منه القليل ثم يعاود تناول طعامه حتى قال بعد لحظات مقررا ان يدير دفة الحديث هذه المرة :-
” لكن غريب أمر عودتكما يا عمار انت وليلى .. أتذكر إن الأمر وصل بينكما للمحاكم …”
كتمت غالية أنفاسها الغاضبة بصعوبة من هذين الذين يناطحان بعضيهما كثورين عنيدين …
وكالعادة عمار كان يجيب بهدوء لا يشبهه :-
” كان قرار متهورا من ليلى ولكنها أدركت بعد ذلك مدى صعوبة أمر كهذا … ”
أضاف وهو يغطي كف ليلى الموضوع على الطاولة بكفه :-
” ليلى إمرأة ذكية وعاقلة وهي قررت أن تعطي زيجتنا فرصة أخرى وانا كنت سعيدا للغاية بقرارها لإنني لم أكن أرغب أساسا بالإنفصال عنها …”
أضاف بإبتسامة اختار أن يجعلها مليئة بالفرح :-
” نحن حتى نفكر في انجاب طفل …”
استدارت ليلى نحوه لا إراديا بملامح احتدت تماما بينما أضاف وهو يرمي زوجة والدته بنظرات لا تخلو من الإستهزاء :-
” ألا يقولون إن وجود طفل يعزز العلاقة بين أي زوجين يا زوجة أبي ..؟!”
ضغطت ليلى على السكين بقوة والأفكار المجنونة سيطرت عليها في تلك اللحظة …
ماذا سيحدث إن غرزت هذه السكينة في صدره ..؟!
ربما ستنتحر بعدها او سوف يعدمونها ، لكنها على الأقل سوف يذكرها التاريخ دائما بتلك المرأة التي خلصت العالم من شيطان حقير يسعى لتدمير جميع من حوله ..!!
رمقته صباح بنظرات ثابتة وهي تجيبه :
” لم لا ..؟! لقد مرت عدة سنوات على زواجكما ومن الجيد أن تنجبان طفلا ..”
أضافت ببرود :-
” ولكن ليس دائما وجود الطفل يعزز من العلاقة .. فالعلاقات الفاشلة تنتهي لا محالة حتى لو كان هناك عشرة أطفال وليس طفل واحد .. ”
أضافت وهي تلوك الطعام داخل فمها :-
” أكبر مثال على ذلك والدتك .. فرغم وجودك لم تستمر في زواجها من والدك ..”
نظرت غالية الى والدتها بحدة وهي تفكر في تهور كلماتها والخوف تسرب داخلها من ردة فعل عمار الذي سيقول ربما شيئا يسبب مشكلة كبيرة خاصة لنديم الذي بدوره يبدو متحفزا للدخول في عراك معه ..
لكن عمار فاجئ الجميع وهو يرد بهدوء يحمل في طياته الكثير من الخبث :-
” ورغم ذلك لم يؤثر الإنفصال على مشاعر كليهما ولا زيجتهما الثانية أثرت على ما يحمله كلاهما لبعضيهما … ظلت مشاعر والدي ثابتة راسخة وبرأيي هذا أكبر مكسب حصلت عليه والدتي في النهاية … ”
أضاف وهو ينظر الى ملامح صباح الباهتة :-
” ولا داعي لذكر سبب انفصال والدتي عن والدي وفي النهاية انا لست متضايقا من إصرارها على الإنفصال لإن والدتي إمرأة ذات كبرياء شديد .. إمرأة تعتز بنفسها وكرامتها فوق كل شيء .. لذا فأنا أتفهم تصرفها بل أفتخر بها لإنها عاشت وماتت بكبرياء رائع ورأس مرفوع …”
أخفضت صباح نظراتها نحو الطاولة وهي تفكر إنه يعلم .. يعلم بكل شيء … زوجها من أخبره بالتأكيد .. وكأنه لم يكتفي بتحطيمها طوال عمرها ليأتي ويهدر كرامتها أمام ابنه … غالية كان معها حق .. عمار يعرف الحقيقة وهذا كان كافيا لتشعر إن ألمها السابق ومعاناتها مع زوجها عادت مجددا بعدما دفنتها داخلها لسنوات ..
” بما إنني إنتيهت من عشائي سأنهض وأعد القهوة لكم كي تكون جاهزة بعد العشاء مباشرة ..”
قالتها غالية وهي ترسم على ملامحها إبتسامة بسرعة ما إن أنهى عمار كلامه محاولة انهاء اي حديث اخر قد يحدث لكن حياة هتفت وقد شعرت إن الجلسة لا تحتمل المزيد :-
” في الحقيقة انا يجب أن أذهب الآن … ”
أضافت وهي تلتفت نحو صباح :-
” أشكرك على دعوتك وعلى العشاء المميز ولكن لا يمكنني التأخر أكثر في العودة ..”
رغم شحوب ملامحها إصطنعت صباح الإبتسامة وهي ترد بتفهم :-
” على راحتك بنيتي …”
نهض نديم يقول بدوره وقد شعر إن هذا بالضبط ما يريده في هذه اللحظة :-
” هيا بنا اذا .. ”
أضاف وهو يلتفت لوالدته :-
” انا سأذهب يا أمي .. ”
” مع السلامة حبيبي .. ”
قبض نديم على كف حياة وسحبها متجها خارج المكان عندما وقفت حياة امام غالية تودعها قبل ان تلتفت نحو عمار وليلى تبتسم وهي تقول بهدوء :-
” سعدت بلقائكما اليوم .. مع السلامة ..”
رفعت ليلى وجهها بوجه حياة وقد شعرت حياة إن جمودها خف قليلا فرسمت إبتسامة شاحبة على وجهها وهي ترد تحيتها بخفوت بينما نهض عمار من مكانه قائلا وهو يرسم نفس إبتسامته الجذابة :-
” انا الأسعد حقا يا انسة حياة .. ستجمعنا لقاءات عديدة بعد الآن فأنت ستصبحين فردا من العائلة قريبا ..”
تقدم نديم نحو حياة يقبض على كفها بتملك ليمنحه نديم نظرات هازئة قبل ان ينحني نحوه هامسا له :-
” اختيار موفق جدا .. الفتاة تبدو رائعة .. فقط عليك أن تعرف كيف تحافظ عليها جيدا هذه المرة كي لا يأتي أحدا ويسرقها منك .. ”
رمقه نديم بنظرات نارية ليهمس الى حياة بنبرة جامدة :-
” هيا بنا يا حياة ..”
سارا الاثنان خارج المكان ليشير عمار نحو ليلى :-
” حبيبتي .. يجب أن نذهب نحن أيضا .. غدا لدي الكثير من الأعمال ولا يمكنني السهر طويلا ..”
نهضت ليلى من مكانها وهي تحمد ربها على رغبته بالرحيل بينما أشار عمار نحو صباح بنبرة آمرة :-
” دعي الخدم يجهزون غرفتي انا وليلى.. أريدها جاهزة لإستقبالنا عندما نقرر العودة ..”
ثم قبض على يد ليلى يجرها خلفه دون ان يلقي تحية الوداع حتى تاركا الاثنتين تتطلعان الى آثره بنظرات تجمع ما بين الدهشة والغضب ..
كان يقود سيارته بملامحه بدت مرتاحة وهي تجلس بجانبه بغضب يلفها من رأسها حتى أخمص قدميها ..
” هل أنت سعيد الآن ..؟!”
قالتها وهي تكز على أسنانها بغيظ ليبتسم وهو يومأ برأسه دون رد قبل أن يتجه نحو هاتفه المربوط بمشغل الموسيقى مقررا تشغيل احدى الاغاني ..
” هل تفضلين سماع نوعا معينا من الموسيقى ..؟!”
رمقته بنظرات مشتعلة ليمط شفتيه وهو يرد :-
” لا تجيبي .. لا أفهم لمَ سألتك من الأساس .. وكأن ذوقك سيعجبني … ”
ثم فتح إحدى الأغاني العربية التي يحب سماعها لكن بعد لحظات امتدت يد ليلى وأطفأت الاغنية مرددة بعصبية :-
” لا تصبني بالجنون الآن .. هل هذا وقت الأغاني بالله عليك ..؟!”
” وقت ماذا إذا ..؟!”
سألها ببرود أعصاب لترد من بين أسنانها :-
” كيف تفعل بي هذا ..؟! كيف تتصل بي وتخبرني بضرورة لقائنا لأمر يتعلق بمشكلة والدي ؟! بل تطلب مني أن أرتدي شيئا أنيقا لإن هناك أشخاص مهمين سيجتمعون بي لمواضيع تخص اعمال والدي ..؟! كيف تفعل بي هذا لتفاجئني وتأخذني الى منزل خالتي ..”
قاطعها بقوة :-
” انه منزل والدي وليس منزل خالتك ..”
” هل هذا ما يهمك ..؟! هل المشكلة تكمن هنا ..؟!”
أضافت وهي تود ان تسبه لولا أخلاقها التي لا تسمح لها بهذا :-
” أنت وضعتني في موقف سخيف كهذا دون أن تأخذ رأيي حتى .. تصرفت دون مراعاة لي .. تصرفت من ذاتك وقررت أن تأخذني وتمثل تلك المسرحية الهزلية .. ”
” أنت قلتيها .. مجرد مسرحية .. ما الضرر منها ..؟!”
كان يتحدث ببساطة إستفزتها اكثر لتهتف بقوة :-
” اسمعني يا عمار .. انا لست لعبة عندك ولستُ المرأة التي تقبل أن تستخدمها لإغاضة أخيك ..”
أضافت بعصبية :-
” لا أصدق ما مررت به اليوم ولا أصدق الموقف الذي وضعتني به .. ”
التفتت نحوه مجددا تصيح وهي ترفع إصبعها في وجهها :-
” اسمع يا عمار .. انا لن أسمح لك أن تجعلني مجرد لعبة في يديك تحركها كما تشاء وتستغلها لتصرفاتك الخبيثة .. لست انا من تفعل بها هذا وتتصرف هكذا معها .. ”
أوقف سيارته أمام منزلها أخيرا واستدار نحوها بعدما أطفأ المحرك قائلا بضجر :-
” هل انتهيت أم هناك المزيد ..؟!”
هتفت بتحدي :-
” المهم أن تستوعب ما اقوله يا عمار وتنفذه ..”
رد ببرود :-
” لو كنت طلبت منك المجيء معي الى هناك بصراحة ومسايرتي في تصرفاتي ما كنت لتقبلي ..”
هدرت به :-
” فقررت ان تخدعني وتأخذني هناك بهذه الطريقة الحقيرة ..”
” حسنا يكفي ..”
قالها بضيق قبل ان يضيق :-
” لقد حدث ما حدث وعليك ان تعرفي إنني مقابل ما حدث اليوم سأحقق لك طلبك ..”
زمت شفتيها وهي تستمع الى باقي حديثه :-
” غدا سأكون عندك والدك وأخبره بأمر الشيكات .. بإمكانك أن ترافقيني ايضا …”
أضاف بجدية :-
” اتركي غضبك مما حدث اليوم وفكري في الغد .. أظن إنك تنوين على الكثير من الاشياء بعدها ..”
أكمل بصوت هازئ :-
” لكن انتبهي ألا يصاب والدك بأزمة قلبية عندما يدرك المصيبة التي وقع فيها ..”
لم تهتم بحديثه بل بدت ملامحها في تلك اللحظة ملامح إمرأة تفكر في شيء هام للغاية …
نظرت له بعد لحظات وقالت :-
” جيد .. سأنتظرك غدا وندخل سويا ..”
ثم أضافت بعزيمة :-
” وأمر الشيكات سنتحدث به لاحقا .. فأنا لدي عرض لك .. ربما يعجبك ..”
هز رأسه ببطأ لتفتح باب السيارة جانبها وتهبط منها متجهة الى المنزل يتابعها هو بنظراته حتى اختفت ليهم بتشغيل سيارته لكن رؤية مريم وهي تتقدم بسيارتها الحديثة نحو الفيلا جعلته يتراجع عما يفعله ويفتح باب سيارته هابطا منها ..
عندما رأته أوقفت سيارتها جانبا وهبطت هي بدورها من سيارتها تسير نحوه حتى توقفا أمام بعضيهما فسألته بحدة :-
” ماذا تفعل هنا ..؟؟”
رد بإبتسامة ملتوية :-
” كنت أوصل ليلى الى هنا .. كنا سويا .. ”
” ماذا كنتما تفعلان سويا ..؟!”
سألته بريبة ليرد بخبث :-
” عيب حقا سؤال كهذا يا مريم .. ربما نفعل شيئا خاصا بين الأزواج مثلا ..؟!
رفعت إصبعها في وجهه تهتف بقوة :-
” انظر الي .. أعلم إن هناك شيء مريب يحدث بينكما .. لكنني سأعرفه لا محالة .. الأهم من كل هذا هي ليلى .. اذا فكرت في إيلامها مجددا سأقتلك حينها ..”
قرب وجهه من وجهها يهتف بخفوت رغم انكماشها على ذاتها من قربه :-
” تأكدي إنني لن أؤذيها مجددا مهما حدث .. ليس حبا فيها او شفقة عليها بالطبع .. بل لإنها أختك .. هكذا فقط .. ولإنني أدرك جيدا كم تعني لك وكم تحبينها .. لأجلك يا مريم لن أؤذيها مجددا مهما حدث .. لأجلك انت فقط لا غير …”
رمقته بنظرات محتقرة ليبتسم لها بهدوء قبل أن يسألها وهو يتذكر سبب هبوطه من سيارته :-
” أين كنت ..؟! ”
” عفوا .. ما شأنك ..؟!”
قالتها بإمتعاض ليهتف من بين أسنانه :-
” الساعة قاربت على الحادية عشر مساء .. ماذا كنت تفعلين خارج المنزل في وقت كهذا ..؟!”
ردت ببرود :-
” لن أجيبك لإنه ليس من حقك أن تسأل سؤال كهذا ..”
” مريم ..”
صاح بقوة فمدت لسانها نحوه وهي تهتف بإستفزاز :-
” لن أجيبك .. سأتركك هكذا محتارا وأفكارك تأخذك هنا وهناك ..”
ضحك رغما عنه وهو يشاهدها تتصرف بهذه الشقاوة المحببة فوجدها تتأمله بصمت غريب ليسألها :-
” ما بالك تنظرين إلي هكذا ..؟!”
هتفت بجدية :-
” هل تعلم ..؟! انت وسيم للغاية .. فقط لو كنت تمتلك من الأخلاق والطيبة بقدر ما تمتلك من الجمال الخارجي لأصبحت اكثر رجل مثالي في العالم ..”
” الأخلاق والطيبة ..!! ”
قالها بسخرية قبل أن يقول :-
” هل تعلمين ..؟! ربما ستتفاجئين بما أقوله .. لكنني أعترف إنني شخص أسود القلب والروح … ربما حقير ونذل ايضا .. لكنني على الأقل اعترف بهذا والأهم إنني لست ضجرا من صفاتي .. على العكس تماما .. انا فخور بذاتي وبنفسي وبكل صفاتي اللعينة لإنني لولاها لما أصبحت ما أنا عليه الآن …”
رمقته بنظرات مطولة لم يستطع أن يفهم مغزاها لتتجه بعدها نحو سيارتها وتركبها متجهة الى داخل الفيلا تاركة إياه يتابعها بنظراته حتى اختفت تماما ليأخذ نفسا عميقا قبل ان يرفع وجهه نحو السماء يتأملها لدقائق ..
أخرج هاتفه من جيبه بعدها وأجرى اتصالا سريعا يخبر تلك التي لم يذهب إليها منذ حوالي أربعة أيام :-
” انا قادم يا بوسي … ”
اغلق الهاتف مجددا واتجه نحو سيارته مفكرا إن غدا لديه يوم طويل للغاية أهم ما فيه جيلان وما ينتظرها منه ..
كانت تجلس بجانبه وهو يقود سيارته عندما سألها بإهتمام :-
” هل ضايقك شيئا ما الليلة ..؟! ”
عقدت حاجبيه تسأله بإستغراب :-
” كلا ، لماذا تسأل ..؟!”
رد بجدية :-
” لإنني شعرت إن رغبتك بالرحيل ليس بسبب تأخر الوقت .. شعرت إنك تتخذين رغبتك بالعودة مبكرا حجة ..”
تنهدت وقالت :-
” نعم .. انا بالفعل تحججت بأمر عودتي لكن ليس لإنني تضايقت من شيء ما ..”
صمتت للحظات ثم قالت بصدق :-
” بل لإنني شعرت إن هذا أفضل لك .. شعرت إنك تحتاج الى مغادرة المكان ..”
التفتت نحوها يرمقها للحظات شعرت بها تحمل القليل من الدهشة المصبوغة بالراحة او ربما الإمتنان لإنها تفهمت شعوره بل ساعدته في التخلص منه …
عاد يلتفت نحو الطريق وهو يقول بصدق :-
” في الحقيقة نعم كنت أود المغادرة .. انا كنت أشعر بالإختناق طوال العشاء ..”
” شعرت بهذا وقررت التصرف بتلك الطريقة ..”
قال بنبرة ممازحة :-
” اذا علي أن أشكرك لإنقاذك لي .. ”
رفعت حاجبها تردد :-
” تشكرني اذا ..؟!”
هز رأسه ثم سألها :-
” ماذا تفضلين ..؟! البحر أم مقهى ..”
قاطعته بسرعة :-
” البحر بالطبع ..”
ضحك وهو يقول :-
” من الآن فصاعدا سأدرك إن احدى أفضل الطرق لإسعادك هو أخذك الى البحر ..”
أضاف وهو يرمقها بطرف عينيه :-
” أحب رؤية تلك الفرحة العارمة على وجهك وداخل عينيك ونبرة صوتك التي تشع حماسا .. أظن إنني سآخذك يوميا الى هناك كي أرى تلك الفرحة وأسمع هذه النبرة ..”
ضحكت دون رد ليبتسم بدوره قبل ان يتوقف أخيرا أمام البحر حيث هبطا من السيارة وأخذا يسيران بجانب بعضيهما …
قبض نديم على يديها ليشعر بتوترها فيشدد على قبضته وهو يقول :-
” نحن في حكم المخطوبين .. ومن المفترض ان ترتدي خاتمي أيضا خلال الأيام القادمة .. لذا ما نفعله طبيعيا للغاية ..”
ابتسمت برقة ولم تجبه وقد بدأ توترها يخف تدريجيا ففوجئت به يسألها :-
” انا اول من يفعلها ، أليس كذلك ..؟!”
سألته بعدم فهم :-
” عم تتحدث ..؟؟ ”
رد وهو يبتسم لها بعدما توقفا بجانب احدى المسطبات :-
” اول من يمسك يدك .. هذا الأمر واضحا بالنسبة لي ..”
هزت رأسها وهي تنظر الى عينيه مباشرة ليسألها بعدما جذبها من كفها وأجلسها على المسطبة :-
” ألم تحبي من قبل ..؟! أقصد يعني ،”
صمت قليلا ثم قال :-
” هل أنا صاحب اول دقة قلب كما أشعر أم إن هناك من سبقني ..؟!”
تنحنت بحرج ثم قالت وهي تنظر الى البحر حيث تبعد عينيها عن وجهه :-
” انت اول حب في حياتي يا نديم .. انا لم أحب قبلك أحدا ..”
شعر بسعادة غربية تطفو داخل قلبه وفكرة إنه الوحيد من سرق قلبها كانت رائعة للغاية ومفرحة بشكل عجيب ..
إلتفتت نحوه تقول بعدما تنهدت ببطأ:-
” انا لم يسبق لي أن أحببت شخصا ولو حتى بصمت .. ربما كان هناك إعجاب لكن حب لم يحدث مع سواكِ ..”
عقد حاجبيه يسألها بنبرة بدت حادة :-
“ومن ذلك الذي أعجبتِ به ..؟!”
ابتسمت بهدوء وقالت :-
” ليس مهما .. كان مجرد اعجاب وانتهى ..”
هتف بإصرار :-
” ولكنني أريد أن أعرف ..”
زفرت أنفاسها ثم قالت بصراحة :-
” الدكتور ثامر .. كنت أشعر بالإعجاب نحوه خاصة إنه بدوره كان يبدو معجبا بي ..”
التوى فم نديم مرددا بسخرية :-
” بالطبع معجب بك وإلا ما كان طلب يدك بل ربما كان يحبك ايضا … ”
هتفت بعبوس :-
” لقد انتهى ذلك الامر يا نديم .. انا رفضته وهو تفهم رفضي وتقبله .. ”
” وهل كان من المفترض ألا يفعل ..؟! عليه أن يتقبله غصبا عنه…”
بدت نبرته في تلك اللحظة متسلطة بشكل مخيف فقالت بسرعة :-
” لا أحب أن تتحدث بتلك الطريقة .. انه رجل محترم ولم يسيء لي .. لقد تقدم لخطبتي وانا رفضت وانتهى الأمر .. أساسا لا أرى سببا يجعلها نتحدث عنه الآن .. ”
كتم غضبه بصعوبة وهو يومأ برأسه مرددا بفتور :- ” “معك حق …”
ابتسمت له برقة فظهرت غمازاتها مجددا ليشعر بغضبه يقل تدريجيا حتى يختفي تماما ..
كان لإبتسامتها تحديدا تأثيرا خاصا عليه ..
تمنحه السكينة والهدوء وتضيء روحه في نفس الوقت ..
” ابتسمي دائما يا حياة .. انا أحب إبتسامتك كثيرا ..”
كسا الخجل وجنتيها فقررت ان تبعد بصرها عنه مجددا وتنظر الى البحر عندما هتفت بعد لحظات :-
” هل يمكنني أن أطرح سؤالا ..؟!”
رد بسرعة :-
” بالطبع ..”
التفتت نحوه ترمقه بنظراتها المترددة قبل ان تقول بعدما شعرت به يطمأنها بنظراته التي تطلب منها ان تتحدث :-
” ضيقك وشعورك بالإختناق على العشاء ، هل يعود بسبب وجودهما سويا ..؟!”
أطلق تنهيدة طويلة وسؤالها لم يكن مفاجئا بالنسبة له ..
أجاب بهدوء وجدية :-
” كلا ، الامر أبعد بكثير من وجودهما سويا .. سبب ما شعرت به هو عمار .. وهذا دوما ما كنت أشعر به عندما نجتمع في مكان واحد .. منذ أن كنا صغارا وحتى الآن ولكن بعدما حدث معي شعوري هذا زاد اضعافا .. ”
هزت رأسها بتفهم قبل أن تقول :-
” ألا يوجد أمل أن تتصالحا اليوم ..؟!”
رد بسرعة :-
” مستحيل … ”
أضاف بسرعة كي لا يسمح لتفكيرها أن يأخذ منحى بعيد :-
” والأمر لا يتعلق بليلى يا حياة .. هناك أشياء بيننا أكبر من إرتباطه بها …”
أومأت برأسها قبل أن تعاود النظر نحو البحر مجددا فينظر هو بدوره الى البحر ليشرد كلا منهما في افكاره التي تخصه ..
كان يقف في منتصف غرفته يجري اتصالا بأحدهم حيث يخبره بصوته المتسلط الآمر :-
” اسمعني جيدا … اريد كافة المعلومات عنه والأهم معلومات عن كيفية ثبوت تلك التهمة عليه وتفاصيل محاكمته و كل شيء .. ”
أضاف بصوته القوى الثابت :-
” اريد تفاصيل كاملة .. كما أريد معرفة ما يفعله حاليا … كل شيء يخصه أريد معرفته .. ”
إسترسل بجدية :-
” وأريد أن تضع شخصا يراقبه … يراقبه طوال اليوم .. ”
أكمل :-
” سأمنحك مبلغا ضخما جراء كل شيء تفعله والأهم كلما زادت المعلومات التي ستجلبها أهميه كلما زاد ما سأمنحه إياك ..”
هتف أخيرا قبل أن ينهي المكالمة :-
” حسنا سأنتظر معلوماتك في أقرب وقت ممكن فأنا لا أحب الإنتظار كثيرا ..”
أغلق الهاتف ثم وقف أمام المرآة يلقي نظرة أخيرة على مظهره قبل ان يخرج من الغرفة متجها خارج المنزل للقاء أحد اصدقائه غافلا عن سماع أخته لتلك المكالمة المريبة والتي اندفعت داخل غرفته بعدما خرج لتتوقف مكانها تتأمل ارجاء الغرفة بتردد ..
تقدمت تتأمل الغرفة المرتبة للغاية فأخيها من النوع الذي يهتم بترتيب كافة أغراضه وبعناية فائقة ..
اتجهت نحو ذلك المكتب الموضوع قرب النافذة وبدأت تتفحص تلك الاوراق الموضوعة بعناية عليه فوجدتها أوراق تخص عمل أخيها عندما فتحت درجا وراء الأخر لتتوقف مكانها عندما فتحت الدرج الثاني وهي تنظر الى ما يحتويه بصدمة ..
جذبت الصور وأخذت تقلبها بعدم تصديق ..
صورا لفتاة تراها لأول مرة …
صورا متفرقة لها .. بعضها لها لوحدها والبعض الآخر تجتمع بها مع نضال بل وبعض الأشخاص يشاركونهم الصور ..
ابتلعت ريقها وهي تتأمل ملامح الفتاة والشبه الذي يجمعه بأختها ..
لم تكن نسخة عنها ولا تحمل ذات الملامح لكن كان هناك شبها بينهما .. شبها واضحا …
ملامح تلك الفتاة تحمل شبها كبيرا من ملامح اختها اضافة الى شعرها البني القصير ربما هناك بعض الفروقات بينهما فالفتاة ذات بشرة أفتح من بشرة حياة وعيناها أيضا تحملان لونا أفتح ..
هي فعلا ليست نسخة عن حياة بل إن هناك إختلافات كثيرة بينهما لكنها يبدوان متشابهتان كأختين يحملان الكثير من التشابه …
شعرت بالخوف لا اراديا عندما فتحت هاتفها الذي تحمله معها دائما وقررت ان تلتقط بعض الصور قبل أن تعيدها مكانها بحرص ..
خرجت من الغرفة واتجهت الى الطابق السفلي بملامح يغلب عليها الشرود عندما وجدت والدها يجلس في صالة الجلوس يقرأ في كتاب ما وبجانبه كوب كبير من الشاي كعادته في هذا الوقت من المساء ..
تقدمت نحوه بتردد سرعان ما نحته جانبا مفكره إنه يجب أن يعلم فهو يمتلك من الحكمة ورزانة التفكير ما سيساعدان لإيجاد حل لهذا الموضوع ..
” بابا .. اريد التحدث معك ..”
رفع والدها وجهه من فوق كتابه ليمنحها إبتسامة دافئة قبل أن يغلق كتابه ويضعه على الطاولة أمامه ثم يشير لها أن تتقدم وتجلس جواره ..
” تبدين شاحبة يا حنين ..”
قالها وقد لاحظ شحوب وجهها وإرتباكها لتومأ برأسها فسألها بسرعة :-
” ماذا هناك يا صغيرتي ..؟! أخبريني ..”
” أين ماما اولا ..؟!”
سألته بإهتمام ليجيب بجدية :-
” في غرفتها .. كانت تشعر بصداع خفيف فقررت أن تتناول أدويتها وتخلد للنوم ..”
فتحت هاتفها بسرعة وضغطت على أوضح صورة التقطتها للفتاة وأعطتها لوالدها الذي أخذ ينظر للفتاة بتمعن قبل أن يسأل :-
” من تلك الفتاة يا حنين ..؟!”
سألته حنين بدورها :-
” أخبرني يا أبي ..؟! ألا تذكرك تلك الفتاة بواحدة ما ..؟! واحدة تشبهها ..”
صمت الاب للحظة ثم قال :-
” إنها تشبه اختك حياة .. تحمل بعضا من الشبه بها ..”
أضاف وهو يعطيها الهاتف مجددا :-
” لكن من تلك الفتاة ومن أين تعرفينها ..؟!”
فتحت احدى الصور التي تجمعها بنضال وعادت تعطيها لوالدها الذي نظر الى الصور بذهول مرددا :-
” هل هذه حبيبته ..؟!”
” انت لا تعرف تلك الفتاة اذا ..؟!”
رد بسرعة :-
” كلا لا أعرفها .. لكن من الصور واضح إنهما حبيبان ..”
أضاف يتسائل بجدية :-
” ماذا يحدث يا حنين بالضبط ..؟!”
تنهدت حياة بتعب ثم قالت :-
” سأخبرك يا أبي .. سأخبرك بكل شيء .. فأنت الوحيد القادر على الوقوف في وجه نضال وحل هذه المشكلة …”
في صباح اليوم التالي ..
كانت يسيران بجانب بعضهما عندما وجدها تقف امام مكتب والدها بملامح بدت له متوترة فهمس لها مساندا :-
” كوني قوية وواثقة فالحرب أمامك طويلة يا ليلى ..”
رمقته بنظراتها وإهتمامه بها لا يعجبها حقا .. اهتمام لا تستسيغه ربما لإنها لم تر منه سابقا سوى الألم والعذاب …
زفرت أنفاسها ببطأ ثم شمخت برأسها وهي تطرق على الباب بعدما همست بقوة :-
” هيا ندخل ..”
دلفت الى المكتب يتبعها عمار لينهي والدها اتصاله بسرعة يستقبلها بإبتسامة متحفظة وهو يدرك مدى تباعدها عنه بعدما حدث ..
ابتسامة سرعان ما اندثرت وهو يرى عمار يطل خلفها ..
ألقى عمار التحية بهدوء ليسألهما بتعجب :-
” ماذا هناك ..؟!”
أضاف وهو يكتم غضبه بصعوبة :-
” وماذا تفعلان هنا سويا ..؟! بالتأكيد هذا ليس إعلان منكما بالعودة ..؟!”
” تقصد العودة كزوجين ..”
قالها عمار مدعيا الغباء لتهتف ليلى بقوة وملامحها بدت قاتمة اكثر من اي مرة سابقة :-
” اترك أمر عودتنا جانبا … فهناك شيء أهم جئنا لنتحدث عنه ..”
أشارت لعمار ان يتقدم فسار بخطواته الواثقة وجلس على الكرسي الجانبي لمكتب والدها لتجلس ليلى مقابل عمار قبل أن تستدير نحو والدها تسأله :-
” أخبرني يا والدي العزيز .. كيف تسير أوضاع الشركة عندنا ..؟!”
ظهر التوتر على وجه والدها لكنه أخفاه وهو يجيب بهدوء مصطنع :-
” الشركة تسير على ما يرام …”
وفي لمح البصر كانت ليلى تخرج الشيكات وترميها على المكتب وهي تصيح بحدة :-
” طالما كل شيء على ما يرام ، ما هذه الديون اذا ..؟! من أين جائت ..؟!”
ابتلع والدها ريقه وهو يحمل الشيكات يتأمل المبالغ الهائلة داخلها عندما سارعت ليلى تضيف بقوة :-
” ما سبب كل هذه الديون يا أبي ..؟! كيف إستطعت أن تتداين كل هذه الاموال ..؟! أين ذهبت بها أساسا ..؟!”
” من أين حصلتِ على تلك الشيكات ..؟!”
سألها بملامح قاتمة ليصدح صوت عمار مرددا :-
” مني .. تلك الشيكات معي منذ مدة طويلة بعدما إشتريتها من أصحابها ..”
” ولماذا فعلت هذا ..؟!”
سأله بإنفعال ليرد عمار بسخرية :-
” هذا بدل ان تشكرني لإنني أنقذتك من السجن يا حمايا العزيز .. أصحاب الشيكات كانوا ينوون تقديمها للشرطة اذا لم تدفع المبالغ كاملة .. ”
قال الأب بسخرية :-
” وأنت أصبحت شهما وقررت أن تشتريها … لا تقل أيضا إنك ستتنازل عنها ..”
هتف عمار ببرود :-
” طوال حياتي شهما يا عمي لكن ليس الى درجة التنازل عن ملايين الدولارات .. ”
” تحدث بوضوح ، لماذا جئت ..؟!”
هتف عمار بعدما ألقى نظرة عابرة على ليلى :-
” جئت لأخبرك إنه أمامك ستة أشهر لتسديد الديون وإلا سأقدم الشيكات للشرطة … ”
أضاف وهو ينظر الى ليلى مرددا بنبرة شديدة الوداعة :-
” اعذريني حبيبتي .. لكنها ملايين وانا لن أرمي أموالي في الشارع بسبب استهتار والدك وزيجاته …”
نهض من مكانه وقال أخيرا :-
” كلامي واضح يا عمي .. سأنتظر المبلغ كاملا خلال ستة أشهر وإلا سأضطر أن ألجأ للقضاء ..”
أضاف وهو ينقل بصره بين الاب وابنته :-
” الآن اسمحا لي .. يجب أن أغادر فأظن إنكما تحتاجان لمساحة خاصة بكما كي تتحدثان على راحتكما أيضا …”
انسحب خارج المكان لترمق ليلى والدها بنظرات نافرة وهي تردد :-
” كيف وصل بكِ الامر الى هنا ..؟! كيف أوصلتنا الى هنا ..؟!”
” غصبا عني يا ابنتي .. انا لا أعلم كيف تراكمت الديون ..”
قاطعتها بعصبية :-
” بسبب زيجتك الثانية .. الامر لا يحتاج الى تفسير .. سهام هانم تستغل كل فرصة لسحب الأموال منك وأنت تطيعها بالطبع فهي أم الصبي ..”
” ليلى .. انت تظلمينني كثيرا .. ”
قالها بنبرة مترجية لتنتفض من مكانها مرددة بغضب :-
” انا لا أظلمك .. انا أتحدث بواقعية …”
” هل هذه الطريقة المناسبة للتعامل مع وضعي الحالي ..؟! هل تدركين ماذا سيحدث معي بعد ستة اشهر بل ما سيفعله عمار بي ايضا .. ”
” تستحق ذلك .. هذا نتيجة تصرفاتك الغير محسوبة ..”
قالتها بشماتة قبل أن تضيف بتهكم :-
” عليك أن تبحث الآن عن طريقة معينة تنقذك من ديونك يا والدي العزيز ..”
حملت حقيبتها وهمت بالتحرك خارجا لكنها عادت تلتفت نحوه تقول بجدية :-
” عليك أن تعلم إن والدتي ستعلم بزيجتك الثانية فأنا لا أقبل أن تبقى هكذا على سجيتها والمياه تجري من تحت قدميها ..”
ظهر الخوف في عينيه وهم بالتحدث لتقول بجدية :-
” سأخبرها لكن ليس الآن بالطبع فأنت لديك ما يكفيك ولا ينقصك ما ستفعله أمي ..”
اندفعت بعدها خارجة من المكتب محاولة السيطرة على نبضات قلبها المضطربة ..
اتجهت خارج الشركة عندما وجدت عمار ينتظرها داخل سيارته ليسألها ما إن دلفت وجلست جانبه :-
” تصرفت كما أردت .. ما الخطوة القادمة ..؟!”
صمتت قليلا ثم قالت بعزم :-
” الخطوة القادمة تعتمد علي بشكل اساسي وانا لا أطلب منك سوى موافقتي فيما أريده ..”
” انا معك يا ليلى ..”
قالها بجدية لترمقه من أسفل رموشه وهي تقول :-
” بشأن الشيكات فتأكد إنني سأسددها ..”
قاطعها بسرعة :-
” أخبرتك ألا تهتمي بهذا الأمر ..”
نظرت اليه بشك مفكرة في السبب الذي يجعله غير مهتما بهذا المبلغ الطائل عازمة على معرفة ما ينوي عليه هذا الرجل الذي لن تثق به مهما حدث ..
أفاقت من شرودها على صوته يسألها :-
” والآن أخبريني ..؟! ما غايتك التي تريدين الوصول إليها من كل هذا ..؟!”
نظرت أمامها وهي تجيبه بقوة وثقة :-
” غايتي هي الشركة والفيلا وكافة املاك والدي .. ”
” كما توقعت …”
قالها قبل ان يضيف بسخرية :-
” وأخيرا تخليت عن مثاليتك المملة ..”
رمقته بنظرات حادة وهي تقول :-
” انا أريد الحفاظ على حقي انا ومريم بل وحق والدتي ايضا ولن أسمح لتلك الحقيرة أن تستولي على حقنا ..”
” ولكن أخيك ايضا لديه حق ..”
قالها وهو يتأمل الحنق الظاهر في ملامحها ليبتسم بخفة وهو يميل نحوها قائلا :-
” بكل الاحوال سأكون معك وأدعمك فأنا من أنصار الزوجة الاولى دائما وأبدا ..”
استيقظت حياة من نومها على صوت رنين هاتفها فسارعت تجيب على نديم الذي هتف بسرعة :-
” صباح الخير .. من الواضح إنني أيقظتك من نومك ..؟!”
ردت بسرعة وهي تتثائب بخفوت :-
” من الجيد إنك فعلت ..”
قال بجدية :-
” اليوم عطلتك وانا قررت أن أستغله جيدا … ”
” وكيف سوف تستغله ..؟!”
سألته وهي تنهض من فوق سريرها لتسمعه يرد بجدية :-
” جهزي نفسك .. خلال نصف ساعة سأكون امام منزلك ولا تتناولي شيئا .. سنفطر سويا حسنا ..”
ابتسمت وردت :-
” حسنا يا بك ..”
ودعها بعدها وسارعت لتجهيز نفسها لتجده قد وصل بالفعل بعد حوالي نصف ساعة ..
حملت حقيبتها بعدما وضعت هاتفها داخلها وأغلقتها ثم سارعت تخرج من المنزل ..
تقدمت نحوه وهي تبتسم بسعادة …
تأملها وهي تجلس بجانبه مرتدية فستانا بسيطا ناعما يشببها كثيرا ببساطتها ولطافتها ..
انحنى نحوها يطبع قبلة سريعة على وجنتها وهو يقول :-
” صباح الخير ..”
تجمدت وكانها تحاول ان تستوعب ما حدث لتلتفت نحوه ترمقه بنظرات حادة فكتم هو ضحكته مدعيا الإنشغال بتحريك مقود سيارته عندما هتفت بضيق جلي :-
” لقد اتفقنا ألا تفعل ذلك ..”
رد وهو يكتم ضحكته بصعوبة :-
” ماذا فعلت ..؟!”
ردت بصرامة :
“انا لا أحب أي نوع من التجاوزات يا نديم .. من فضلك لا تكرر تصرفك هذا مجددا ..”
ابتسم بهدوء ثم قال :-
” أرى إن هناك حل أفضل من عدم تكراره ..”
نظرت اليه لتجده يلتفت نحوها مبتسما وهو يقول :-
” أن نتزوج .. وحينها يحق لي تقبيلك متى ما اردت لكنها لن تكون قبلات على الوجنتين بالطبع ..”
احتقنت ملامحها بقوة وهي تردد :-
” لا تفعل ذلك ..”
أضافت بلهجة غير مصدقة :-
” انت لست وقحا يا نديم .. فلا تتصرف هكذا ..”
ضحك رغما عنه ثم قال :-
” ومن أين علمت ذلك ..؟! من قال إنني لست وقحا ..؟!”
رمقته بنظراتها وهي تقول :-
” لا أعلم .. لكنني لا أظن إنك وقحا حقا ..”
ابتسم وهو يردد بمكر :-
” ستعرفين وقاحتي من عدمها بعد الزواج ..”
ضغطت فمها بقوة وهي تشيح بوجهها جانبا عندما وجدته يفتح احدى الاغاني حيث أخذ يدندن معها لتشعر بسعادة غريبة وكلمات الأغنية بدت وكأنها توصف حالتهما سويا او ربما حالتها هي تحديدا …
مر الطريق سريعا عندما اوقف سيارته امام احد المطاعم المطلة على البحر حيث قرر ان يتناولا إفطارهما هناك قبل ان ينطلقها في رحلتهما التي لا تعلم عنها شيء ..
تناولا الافطار بالفعل ليغادرا المطعم بعدها وهو يخبرها إنهما سيقضيان اليوم بطوله سويا ..
بعد مغادرتهما المطعم اتجها الى احد المولات حيث اشترى تذكرتان لحضور فيلم في السينما وقد منحها حرية الاختيار لتختار احد افلام الرعب فيقعد حاجبيه متعجبا وهو الذي ظنها ستختار فيلما رومانسيا فتمط شفتيها وهي تقول ببراءة :-
” احب افلام الرعب .. أجدها مثيرة …”
لاحت على ملامحه إبتسامة ماكرة وهو يقول :-
” من ناحية مثيرة فهي مثيرة جدا خاصة عندما تختبئين داخل أحضاني خوفا من احد المشاهد المخيفة ..”
ضحكت وهي تردد :-
” لا أريد أن أخيب آمالك لكنني بالفعل لا أخاف من افلام الرعب عموما لذا لا تتوقع مني تصرفا كهذا ..”
ومع الاسف كلامها كان صحيحا فهي كانت تتابع الفيلم بإهتمام لا يخلو من الحماس ولم تبدُ خائفة ابدا ليشعر نديم باليأس من تخيلاته التي لن تتحقق ابدا ..
خرجا من الفيلم والمتعة واضحة على كليهما قبل ان يتجها الى الطابق الخاص بمطاعم الوجبات السريعة في نفس المول وترك لها كالعادة الإختيار لتهتف بسرعة :-
”burger kinge بالطبع ..”
ورغم ان البرغر ليس وجبته المفضلة إلا إن الوجبة التي إختارتها له أعجبته …
خرجا اخيرا من المول عندما وجدته يتجه بها نحو البحر وقد بدأ ضوء الشمس يختفي حتى أظلمت السماء تماما …
اوقف سيارته بجانب البحر وهو يشير لها :-
” وهذه آخر محطة في رحلتنا ..”
نظرت اليه بتعجب ليهبط من سيارته ويسارع يفتح الباب لها فتبتسم له وهي تسير جواره …
وجدته يتقدم نحو يخت ضخم للغاية ورائع حتى مد يده لها لتصعد على ظهر اليخت ويصعد هو خلفها ..
نظرت الى اليخت بإنبهار ليسألها :-
” هل أعجبك اليخت ..؟!”
التفت نحوه تهتف بسعادة :-
” انه رائع ..”
تقدم نحوها وقال :-
” بعد قليل سنصبح في عرض البحر ..”
” نديم ..”
قالتها بتردد ليقاطعها فورا :-
” في الاسفل يوجد سائق اليخت ومساعديه …”
” انا لا اقصد ..”
قالتها بتردد ليهتف بجدية :-
” تعلمي ان تثقي بي ..”
قالت بسرعة :-
” انا أثق بك أكثر من اي شيء ..”
ابتسم على جملتها التي خرجت عفوية لكنها صادقة ليقبض على كفها يسحبها خلفها خلفها حيث أوقفها في مقدمة اليخت لتتطلع الى مياه البحر بسعادة والهواء البارد قليلا يلفحهما فيسمح لشعرها أن يتحرك مع نسماته …
شعرت بأنامله تمتد نحو شعرها وتضعه خلف اذنها لتلتفت نحوه بملامح مرتبكة سيطر عليها الخجل ..
وجدته يأخذ نفسا طويلا قبل أن يلفظ إسمها بتروي :-
” حياة …!!”
نظرت له بعينين لامعتين وهي ترى فيه بتلك اللحظة العالم بأكمله عندما سمعته يضيف :-
” هل تعلمين إن إسمك يليق بك كثيرا ..؟! عليك أن تشكري من إختاره ..”
” ليس لهذه الدرجة ..”
قالتها وهي تشيح وجهها بعيدا بخجل لتشعر بأنامله تعبث بخصلاتها القصيرة مجددا وهو يقول بجدية :-
” أنت تنبضين بالحياة يا حياة … انا لا أبالغ إذا قلت إنك الوحيدة التي أعادت لي الشعور بإنني ما زلت حيا وأتنفس بل وأمتلك المشاعر أيضا بعدما خرجت ميتا بجسد حي من ذلك السجن …”
إلتفتت نحوه ترمقه بنظرات ذاهله عندما وجدته يطلق تنهيدة طويلة قبل ان يقول وهو يخرج خاتما ماسيا من جيبه لم تنتبه الى شكله حتى بقدر ما صدمها تصرفه :-
” تزوجيني يا حياة .. تزوجيني وأعدك إنني سأفعل كل ما بوسعي كي أجعلك سعيدة مثلما تمنحيني انت الراحة والسعادة بمجرد وجودك جانبي ..”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)