رواية قدري المر الفصل الرابع 4 بقلم سارة فتحي
رواية قدري المر الجزء الرابع
رواية قدري المر البارت الرابع
رواية قدري المر الحلقة الرابعة
مع أذان الفجر هبط من سيارته فهو يحتاج أن يتحدث
مع خاله، فهو يتسم برزانة العقل والحكمة والقلب النظيف
والدين وما أن انتهوا من صلاة الفجر جلس خلفه
هاتفًا:
-تقبل الله يا خال
استدار وهو فى يده مسبحته التى لا تفارقه ابدًا هاتفًا
-منا ومنكم صالح الأعمال، انت رجعت البلد امته يا مروان؟!
-أنا مرجعتش انا جاى ليك مخصوص
سأله بتوجس هاتفًا::
-خير يا بنى قلقتنى
تنهد بثقل ثم سرد له ما سار معه منذ سفرهم وأكمل
-اللى مجننى أنها فكرانى مش عارف حقيقتها فبتشتغلنى
عاملة نفسها بتصلى وبتعرف ربنا
-طب ما وارد أنها تكون تابت وربك كبير، بعدين انت متعرفش حاجة عن التفاصيل
-تفاصيل أيه بس يا خال بقولك عرفت اللى فيها
هى بتعمل كدا بس قدامى أصل إزاى وهى عاملة
ملاك كدا تعمل كدا، وبعدين المصيبة اللى عملتها
دي ينفع معاها توبة
تنهد خاله قائلًا بجدية:
-ايه يا مروان يابنى مالك
كلنا معرضين للغلط يا بنى وباب التوبة دايما مفتوح
يامروان إللي يغلط يتوب وربُك إسمه الغفور الرحيم
ثم تابع:
-هاتها هنا وسطينا يا بنى واضح أن الحمل تقيل عليك
وبدل ما تشيل ذنب إنك تجرحها بكلمة أو توجعها
والزمام يفلت من إيدك والخير يتقلب شر وبعدين أنت
متجوزها وفى نيتك الستر عليها مش إنك تبقى جلاد عليها دا المفروض أنت تعينها على التوبة مش انت مؤمن بالله
-ونعم بالله
متقلقش يا خال مش هأخلى زمام الأمور يفلت من إيدى
هأقوم عشان ألحق أروح أنا هأبص على امى ويادوب ألحق
وما أن نهض وابتعد خطوتين اوقفه خاله متسائلًا:
-هى إسمها إيه؟!
قطب حاجبيه ثم ارتخت ملامحه وهو يقول :
-روان
ابتسم خاله ثم اطرق رأسه هاتفًا::
-فى رعاية لله يابنى فى رعايته وحفظه
******
طالما كانت بداية أى حكاية إختيار ونهايتها إجبار أما هى
كانت بدايتها إجبار ونهايتها إجبار
بعد عودة عمار لأهله بقت هى على حالها تتجنب الإحتكاك
به تمامًا، رمقت الشقة ملابسه مبعثرة فى كل مكان نهضت
تجمع ثيابه وترتب الشقة، ولجت إلى غرفته فضربت
أنفها رائحته توقفت أمام فراشه تنظر إلى قميصه الابيض
فتناولته لتشم رائحته ثم ابتسمت:
-البرفيوم حلو وخسارة فى جتتك
فى الخارج ولج من عمله ينظر إلى باب غرفتها شعوره
بالذنب يكاد يقتله لم يغمض له جفن الأيام الماضية
فك ازار قميصه ووقف فى الإستقبال عارى الصدر
عزم أمره سيبدل ملابسه ثم يأخذها بجولة داخل
الإسكندرية ولج يدفع الباب بحدة تزامنًا مع خروجها
فصرخت وهى تغطى وجهها بيدها
توسعت عيناه بصدمة اسرع يديرها بهدوء لتواجهه ثم ازاح يدها من على وجهها و مرر يده على وجنتها
كانت بشرتها ناعمة مخملية، لمس بيده النمش الذى
كان دائمًا يُغريه لينظر إليها، أما هى لمساته الدافئة
نظرات عيناه عن قرب ورائحته جعلت الخدر يسرى فى جسدها شعرت أنها لم تمتلك القوة همس لها لأول مرة باسمها:
-روان انتِ كويسة انا مأخدتش بالى مفتكرتش
أنك هنا
شعرت بشئ دافئ يسيل من أنفها وضعت يدها على
انفها وجدت الدماء تسيل من انفها بغزارة اقترب
هو مسرعًا يسألها بلهفة:
-دا دم انتِ كويسة
شعرت بدوار شديد برأسها وقد احست بإقتراب سقوطها وبدأت تترنح وهى واقفة وبالفعل كادت تسقط لولا يد
مروان التى اسندتها هاتفًا:
-روان روان
حمل جسدها الضعيف متوجهًا بها للمرحاض اسندها بيد
وفتح صنبور باليد الأخرى وبدأ يغسل انفها من الدماء
ثم حملها ثانية ووضعها على مقعد وجثى على ركبتيه
أمامها وكادت ترفع رأسها ليتوقف النزيف فهمس لها
بخوف:
-مترجعيش رأسك لورا كدا غلط خليكِ كدا لقدام
وما أن أطرقت رأسها هبطت خصلات شعرها المبتلة
من الماء على وجهها كانت تنافس الليل فى سواده
نهض واقفًا يلملمه ويده تمر بخصلات شعرها فثقلت أنفاسه وغامت عيناه بمشاعر خنفت صدره وبالأخير رفعها للأعلى ككعكة ثم جثى مرة اخرى على ركبتيه
يسألها بلطف:
-إنتِ كويسة؟!
هزت روان رأسها بإيماءة بسيطة دلالة على كونها بخير
ليقول مروان بنبرة متوجسة:
-بجد ولا ننزل المستشفى
-لأ بجد احسن
كان يتطلع لكل أنشًا بها، عنقها الأبيض المرمرى يتحداه
ألا ينظر إليه، غرست اسنانها فى شفتاها وهى ترتجف
فالجو شديد البرودة وهى ملابسها مبتلة كانت مغرية
وشهية حد الجحيم نهض مسرعًا بارتباك فهو بالنهاية رجل
كالبشر وليس محصنًا، ألتقط
معطفه ومد يده به لها، ثم خرج من الغرفة بإرتباك
دقائق وكان يقف أمامها ومعه كوب بها ماء فسألته :
-ايه دا؟!
-ميه بسكر اشربيها عشان الدوخة
تناولتها وهى تنظر لعيناه ونبضات خافقها تزداد لكن هذه المرة ليس خوفًا أو كرهًا، طالت النظرات بينهما وصمت العالم من حولهما
كان هادئًا مسالمًا عكس كل مرة نظرت أرضًا وبصعوبة تلتقط أنفاسها هاتفة:
-شكرًا
ابتسم يسألها بمشاكسة:
-دخلتى اوضتى ليه أوعى تكونى ناوية تفجرينى؟!
لم تبتسم على مزحته لكنه رفعت عينيها تنظر لطوله
المديد والمنكبين العريضين شعرت انها قزمة
بالنسبة له فهتفت:
-أنا بس لميت الهدوم من الريسبشن وكنت بداخلها مكانها
-آه لو كدا تمام، طب أنا جعان أوى
رمقته باستنكار فتابع هو:
– اجهزى هننزل نتغدا برا ، لأنك اكيد مش هتقدرى تعملى
أكل وانتِ دايخة كدا
-لأ لأ أنا كويسة الحمدلله
فرك فروة رأسه قائلًا:
-الله اُمال مين اللى هوسنى كل يوم عايزة أخرج
يلا اجهزى بسرعة وخلينا نروح نأكل انا جعان اوى
ثم ابتسم بهدوء قائلًا بمغزى وبقع الدماء تلطخ اطراف قميصه:
-أنا محتاج اغير لو مش هتخرجى خليكِ وأخرج أنا
اتسعت عينيها بصدمة كان يقف عارى الصدر وهى تجلس
امامه دون أن تنتبه كان يشبه ملكاً فرعونيًا بوقفته هذه
أخفضت بصرها ثم أجابته بتعلثم وهى تهرول للخارج:
-غير براحتك غير أنا ماكنتش واخدة باللى
******
تجلس معه فى مطعم على البحر وخمارها الرقيق يزيد
جمال وجهها، تنظر للبحر بسعادة بينما هو يتكئ للخلف
على مقعده يطالعها بنظرات متفحصة يتابع كل حركاتها
ونظراتها عيناه مثبتة على النمش الذى يملأ وجهها
ابتسمت وهى تنظر للبحر ثم إستدارت تنظر أمامها
تفاجأت من نظراته التى أربكتها وزلزلت كيانها فأطرقت
رأسها فتحمحم متسائلًا:
-هتأكلى أيه؟!
هزت رأسها بالنفى هاتفة :
-لأ أنا شبعانة
-هو يعنى مينفعش أقول حاجة من غير ما تعترضى
اجابته بسخرية وقد اخفت غضبها:
– انت حابسنى ومش عايزنى أعترض ومش فاهمة ليه
واخد موقف عدائى منى؟!
أطبق شفتاه على بعضهم حتى ابيضت هاتفًا:
-أنا نفسيتى مش مظبوطة عشان موت الله يرحمه ريان
أطرقت رأسها فى حجرها وتمتمت:
-الله يرحمه
نظر لها بتفحص لا يبدو عليها الحزن على اخيه على رغم
ما كان بينهما حاول كبح غضبه وسألها:
-هتاكلى ايه؟!
-بصراحة انا مش باكل سمك
رمقها بإستنكار
-فى حد مش بيحب السمك دا أكلتى المفضلة
اجابته بهدوء وهى تنظر للبحر
-بالهنا والشفا أنا مش جعانة
فى لحظة إستقام هامسًا:
-قومى يلا بينا
اسبلت رموشها بحزن وهى تقول:
-احنا ملحقناش قومى
-طب مش هتاكل
جذبها من يدها ارتجف قلبها وتغيرت وتيرة خفقاته يده كانت تضغط عليها لكن ليس بقسوة
بعد مرور عدة دقائق اخرى كانوا يجلسوا فى مطعم اخر على البحر ايضًا لكنه مطعم للمشويات نظرت له بإحراج
-شكرًا، كلفت نفسك أنا كنت هااكل لما أروح
رمقها بصدمة ثم اجابها:
-كلفت!!
اوعى تكونى فاكرة انى مش بنزلك عشان الفلوس
وجدتها فرصة لتلطيف الاجواء بينهما فعقدت حاجبيها هاتفة بمشاكسة:
-الصراحة أنا متأكدة
-لأ طبعًا
وقف النادل يضع الطعام أمامهم وما أن انتهى رفعت بصرها إليه هاتفة بعفوية:
-شكرًا
بادلها بابتسامة قبل أن ينصرف هاتفًا:
-بالهنا والشفا
توحشت نظراته وغضب يشع من كل جزء بجسده عيناه
توحى أنها تجاوزت الحد تمامًا حدثها بنبرة تشبه فحيح
الأفعى:
-هو انتِ متعرفيش أنك لما يكون معاكِ راجل عينيك
متترفعش واللى كنتِ متعودة عليه قبلى انتهى انتِ
على ذمة راجل فاهمة
لمعت الدموع بعيناها؛ دموع قهر تزورنا فى اوقات غير
مناسبة:
-أنا أول مرة أكل برا وأُحرجت لما هو نزل الأكل فقولت كدا، يعنى أنا مش متعودة على حاجة
تقبض على كفها، تذم شفتيها لتكبح نفسها من البكاء
والدموع تملأ عيناها، كل حركاتها زلزلت غضبه فسألها
بلطف:
-يبقى لازم تتعودى، بس ليه أول مرة تأكلى برا
-مابحبش أكل الشارع بقرف منه
أنهت كلامها واشاحت بوجهها الجهة الأخرى فتحمحم قائلًا
-المكان هنا نضيف متقلقيش وكلى بقى
-أنا عايز أروح
-تروحى!! أُمال مين اللى هوسنى عايزة اخرج أنا مش
محبوسة
رمقته بطرف عيناها ثم نظرت للبحر دون أى كلمة فتابع
هو:
-تعرفى بقالى يومين مكلتش وجعان اوى لو قمنا دلوقتى
ذنبى فى رقبتك
التو ثغرها ثم بدأت فى تناول الطعام فى صمت تنهد مروان بخفة قبل أن يتناول الطعام مُغمغمًا:
-الأكل طعمه حلو
لم ترفع عيناها هاتفه:
-اكلى طعمه أحلى
صمت مطبق وكل منهما يلوك اللقمة فى فمه، كانت تنظر
إلى البحر فتنهد هاتفًا:
-بحر اسكندرية يسحر خصوصًا فى الشتا
تناولت محرمة ورقية ومسحت يدها ثم عدلت وضع حجابها هاتفة:
-دي حقيقة شكله يخطف القلب
ثم تابعت
-هو انت ليه يعنى عايش هنا لوحدك
-أنا شغل ابويا كان هنا وجامعتى كانت فى الاسكندرية
ولما تخرجت ابويا قالى شيل انت بقى المسئولية
ومن يومها بقت حياتى البحر والشغل
سألته بإندفاع هاتفة:
-يعنى بحر وشغل بس
لعنت نفسها وأنبتها على استفسارها، نظر لها بعينين ثاقبتين ثم أجابها:
-شغل وبحر بس
اطرقت رأسها تشعر براحة طفيفة وبداخلها شئ لم
تعجبها اجابته رغم انها كانت اجابة متوقعة فهو يشبه
دب العسل فى تصرفاته الهوجاء فمن تقبل به، ابتسمت
بداخلها بسخرية، تناقض نفسها هاتفة الكثير يكفى رموشه الكثيفه فهو رغم أنه بشرته خمرية ألا انه يخطف الانفاس
تحمحت وهى تنفض هذه الأفكار قائلة
-طب بما أنك عزمتنى على الغدا انهاردا أنا عزماك بكرة
قهقة وهو يستند بمرفقيه على الطاولة الزجاج:
-عازمانى؟!
ابتلعت ريقها بتوتر تنازع إرتباكها وتوترها أمام سطوة ضحكاته وحضوره القوى هامسة:
-أه
-وأنا موافق
قال جملته بهدوء وصوته الخشن كمن يقدم فروض الولاء
والطاعة
****
فى اليوم التالى
بعد أن عاد من عمله جلس على طاولة الطعام ينتظرها
وضعت أمامه الصحون وهى ترمقه بتحدٍ، اغمض عيناه
ورائحة محشو ورق العنب تغزو خياشيمه بضراوة،
رائحة ذكية، هجم على صحنه وانهاه فى غضون
دقائق وضعت له الكثير فى الصحن، وما ان انتهى
كان يتنفس بصعوبة كانت تنظر لها بترقب متسائلة:
-ايه رأيك؟!
لَمِ المكابرة اجابها بكل صراحة:
-مش حلو
قطبت حاجبيها وتهدلت اكتافها بحزن فاسرع يقول::
-جبار
ابتسمت بإتساع وهى تسأله ثانية:
-بجد
-جدًا وأنا بصراحة مش عارف كلت كل دا إزاى
أسبلت أهدابها وهى تقول:
-بالهنا والشفا
شعرها الأسود الطويل المتهدل على جذعها والنمش
الذى يملأ وجهها هيئتها شهية مغرية، تنحنح مروان
نافضًا عبث شيطانه كيف يحدث ذلك هو الذى عاف النساء؟!
بنبرة صوت رخيمة اجابها:
-شكرًا تسلم ايديكِ
نكست رأسها بخجل فهبطت احدى خصلاتها وكأنها تشاركها خجلها ونهضت مسرعة
كانت تقف فى المطبخ تشعر باضطراب روحها التى تعبث
طربًا من كلماته، لكنها حاولت أن تهدأ نفسها هاتفة:
-عادى دا جوزك والمفروض دا اللى يحصل واكتر ياروان
إهدى إهدى
بعد قليل أحضرت القهوة وتوجهت إليه تضعها أمامه فنظر
لها والصمت ثالثهما فتناولها يرتشف منها وكان ألذ كوب
قهوة تذوقه بحياته جعله يشعر بإنتشاء ثم سألها:
-فين القهوة بتاعتك
-مش بشرب قهوة
-أُمال عملتى قهوة ليه؟!
احابته باستيحاء وهى تخفض رأسها::
-اصلى بشمها كل يوم الصبح وبالليل وانت بتشربها وعرفت
انها كل يوم لازم
أرتعشت ابتسامة مروان ثم نهض واقفًا:
-تصبحى على الخير
هكذا ببساطة يذهب لينام ويتركها الحجر الصوان ارق منه
*****
بعد ثلاث اسابيع
تقف فى المطبخ تحضر فطور هادئ بيض وفول كما
يفضله والعديد من انواع الجبن وكوبايين احداهما
شاى والأخر قهوة
كان يقف يراقبها وهى تعد الفطور بخفة كانت ترتدى
منامته الصفراء ذات حواف سوداء، لقد تعلق
بوجودها معه
وكأن شئ خفى نادي عليها كى تلتفت للخلف بابتسامة
هادئة همست:
-صباح الخير
-صباح النور، قولتلك مفيش داعى تتعبى نفسك فى
الفطار أنا بفطر مع طه
-أنا متعودة اصحي بدرى اصلا وبفطر بدرى من قبل المستشفى
-ليه دخلتى تمريض
عبست ملامحها وهى تجيبه قائلة:
-دخلته بمزاجى وكنت حابه المجال
حفظ حركاتها عن ظهر قلب، اصبح يعلم متى تكون
سعيدة أو متحمسة أو حزينة أو تشعر بالملل فقط
نظرة واحدة يستطيع فهمها فتحمحم قائلًا:
-دا سؤال عادى على فكرة
اجابته بحدة:
-لأ مش عادى كل شوية تلميحاتك أنها شغلانة مش
كويسة دا انت ناقص تقول ر.اقصة، على فكرة كل
مهنة فيها الحلو والوحش ومهنتنا دي أطهر وانبل
مهنة بس لكل قاعدة شواذ ودول بقى أقلية بس
طلعت سمعة على المهنة كلها
هز رأسه بالنفى ليصحح فكرتها هاتفًا:
-الفكرة كلها أنا بس بعترض على مواعيدها عشان بنت زيك ممكن تسهر وتبات برا
-ولما واحدة تبقى تعبانة بالليل وتروح المستشفى هو
الدكتور هيقعد طول الليل جنبك إحنا اللى بنقعد وبندى
العلاج وفى الآخر يتقال دي يا عم ممرضة
ثم تابعت:
– الفطار اهو عن إذنك
مرت من جنبه لتجاوزه لكنه أمسكها من معصمها
هامسًا امام عينيه:
-أنا مقصدتش حاجة غلط صدقينى أنا عندى
تحفظ على السهر بالليل مش أكتر
ثم تابع
-هو حد يحضر الفطار لحد وينكد عليه ياروان
نزعت يدها هاتفة:
-أنا مش نكدية
أنهت جملتها وأنصرفت من أمامه فكان ينظر فى إثرها
عينيها السوداء وشعرها الناعم المنسدل خلف ظهرها
تشبه زهرة تتفتح فى مقتبل الربيع، لم يفكر بامرأة
هكذا من قبل همس وهو يحك مؤخرة رأسه:
-لأ نكدية وربنا يستر من الجاى
******
-يعنى أيه مش هتفطر معايا الجواز غيرك يا مارو
كانت هذه كلمات طه، فأردف مروان:
-سيب مارو اللى فيه مش فى حد
إبتسم طه وهو يقول بخبث:
-مالك ياض أوعى تكون هنجت فى أول الجواز وفضحتنا
-ما تلم نفسك دا انت أب والمفروض تكون عقلت
تنهد طه وهو يقول له:
-وعلى سيرة الأب روان بجد خلت عمار متعلق بالصلاة
جدًا، ربنا يباركلها دا غير الأذكار اللى حفظها أنا بقيت
مكسوف من نفسى وهو بيقولى الحاجات دي كلها
بصراحة يابختك بيها هو الكمال لله وحده بس هى
عندها كل مقومات الزوجة
حاول مروان ضبط أعصابه لكنه لم يفلح فصرخ به:
-ما خلاص بقى يا طه
توسعت عين طه بصدمة شاعرًا بالإحراج ثم اجابه::
-فى ايه متعصب ليه دا أنا قصدى خير ولا أنت دماغك
راحت فين
هز مروان رأسه بالنفى
-عارف عارف بس أنا أعصابى تعبانة شوية
صمت طه قليلًا ثم قهقة بصخب وهو يقول:
-أنتِ خلبوصة بتغييرى
جز مروان على أسنانه فنهض يلملم اشياءه هاتفًا تصدق
إنى غلطان انا ماشي وأبقى شيل الشغل انت
******
سمعت إذان الفجر
نهضت مسرعة تقف خلف الباب تراقبه كعادتها فى الأيام
السابقة وهو يصلى إبتسمت بسعادة عندما رأته يخرج من المرحاض ويمسح وجهه بالمنشفة ويتمتم بالأذكار
اغمضت عيناها وهى تضع يدها على قلبها الذى
تتسارع نبضاته لا تصدق نفسها كيف تنتظر وقت
صلاته لتختلس النظر إلى عيناه التى افقدتها صوابها
لكنه غامض بالنسبة لها، لكنها لا تنكر أيضًا شعورها
بالأمان كلما كانت جواره خصوصًا الأيام الأخيرة
كان يعاملها بلطف، ربما مشاعرها هذه إحتياج ليست
أكثر، فهو حتى إسمها لا يناديها به، تنفست بعمق
ثم فتحت باب الغرفة وخرجت ليأتيها صوته الرخيم
محدثًا أياها بهدوء:
-صباح الخير، عاملة اية؟!
أمتعضت ملامحها نفس السؤال السخيف كيف حالها
كيف سيكون وهى تعيش مع دب العسل تود أن تمد
يدها كى تخنقه، عندما لم تجيبه همس لها:
-روان
كانت تتذوق حلاوة إسمها من بين شفتاه، تشعر أنها إنقطعت عن الواقع وسحبها لعالم الأحلام
هاتفة:
-صباح الخير، الحمدلله
كان ينظر لإبتسامتها الناعمة مع الضوء الخافت عبقت
صدره بسحرها كسحر أغنية قديمة لحنت على العود
احمرت خجلًا ثم تجاوزته تذهب للمرحاض، كالعادة
ترتدى عباءة مخملية ترسم مفاتنها ببراعة، غير عابئة
بوجوده أو نظراته ، وكالعادة كان مدخل للشيطان
فابتسم بسخرية، كيف يفكر كالأبلة لابد أنها تفعل
كل ذلك لتوقعه فى شباكها..
بعد أن أنهى صلاته سمع صوت هاتفه فتوجه ليجيب
ليجده خاله:
-عامل أيه يا خال؟!
مالها أمى؟! طب مسافة السكة
خرجت من غرفتها وهى ترتدى إسدالها تسأله بفزع:
-فى أيه مالك؟!
-امى تعبانة إجهزى هننزل البلد
*******
قاسية تلك الذكريات التى نحاول أن نمحيها وهى
تحارب كى تبقى معنا
أشرقت الشمس وجدت نفسها تقف أمام باب ذلك
البيت مرة اخرى، لا تدرى إلى اين تذهب أو ماذا
تفعل كل ما تشعر به غصة كادت تزهق روحها
بعد أن تقدم خطوتين أستدار يرمقها وهى تقف
كالتمثال الصخرى، فسألها بإستنكار
-واقفة عندك كدا ليه؟! يلا تعالى
أومأت مقاومة غصتها ثم تحركت خلفه، هزت رأسها
بقوة لتطرد تلك الذكرى وكى تمنع نفسها من الإغراق في التفكير ، فتح مروان باب البيت
ودخل بهدوء وعينيه دارت بالمكان فوجد خاله يجلس
على أريكة خشبية فى مقابل الباب فاقترب منه مسرعًا
يسأله بقلق:
-مالها أمى ياخالى
-بخير يا بنى الحمدلله، سكرها وطى فجأة جِبنا الدكتور
ودلوقتى بقيت احسن متقلقش
رمق خاله التى تقف خلفه منكسة رأسها والحزن يملأ
عينيها فابتسم بهدوء قائلًا:
-حمدلله على السلامة يا بنتى
-الله يسلمك يا خالى
تحرك مروان من امامهم هاتفًا:
-هاطلع أشوف أمى يا خال عن إذنك
دقائق من الصمت الحزين قبل أن يقول لها:
-تعالى يا بنتى أقعدى واقفة ليه
هزت رأسها بإبتسامة هادئة لا تغادر وجهها طول فترة
حديثهما، بعد لحظات ربما دقائق كان يهبط مروان من
الأعلى هاتفًا:
-لقيتها نايمة مرضتش اصحيها
-طب كويس خد مراتك وعرفها طريق اوضتك وريحوا
من الطريق ولما تصحى ابقى روح لها
قلبها كان ينبض كالطبول الإفريقية من لفظه كلمة (مراتك) أول مرة تستشعر حلاوة الكلمة، بينما هو
كان يقف ينظر إلى خاله كعامود إنارة خرسانى
لا يتحرك، ابتلع ريقه هاتفًا:
-احنا هنسافر تانى اصلًا
-هتسافر تانى وتسيب أمك أكيد محتاجالك
اطلعوا يا بنى ريحوا فى اوضتك وبعدين يحلها
حلال
تنهد مروان وهو ينظر إلى خاله بلوم وعتاب ثم وجه
حديثه إليها
-تعالى معايا
صخب من المشاعر العاتية تجتاحها، اصطبغ وجهها باللون الأحمر فتوهج خديهها بالنمش خاصتها اشاح مروان برأسه بعيدًا يعرض عن اضطراب روحه التى يعبث
بها النمش الذى يملأ وجنتها وأنفها
ولجت للغرفة وهو خلفها كانت توزع نظرها فى كل زواية
حتى تحمحم هو فاستدارت تنظر للأعلى وكأنها لا تستوعب الهيئة الضخمة الواقفة امامها
اشاحت ببصرها عنه ولازالت تدور بعيناها فى الغرفة
كأنها تتحاور فى دهاليز عقلها، فاجابها هو بصوت عالى:
-هنضطر نقعد فى اوضة واحدة هى مسألة يومين
اطمن على أمى وبعدين نمشى
-وليه؟!
قطب حاحبيه مستنكرًا ماذا تقصد:
-هو أيه اللى وليه؟!
-ليه يومين ونمشى ما تخلينا فى البلد
-مش وقته الكلام دا أنا هنزل تحت اروح أصلى مع خالى
****
بعد مرور ساعتين خرجت من غرفتها لتذهب لغرفة والدته
فوجدتها تنظر للسقف فأبتسمت بهدوء وتقدمت نحوها
هاتفة::
-عاملة ايه دلوقتى؟!
-الحمدلله على كل حال أهى أيام لحد ما اروح للغالى
قاطعتها وهى تربت على يدها:
-ربنا يبارك فى عمرك ويخليكِ لينا
دقائق وكان يدخل مروان وخاله وزوجته و ما أن ولجوا
نهضت واقفة فاقترب مروان يقبل يدها::
-كدا يا ست الكل تقلقينى عليكِ
-حمدلله على السلامة يا حبيبى
رفعت بصرها لزوجة اخيها هاتفة:
-جيتى ليه يا سعيدة أنا عارفة إنك تعبانة وعذرك معاكِ
-هاجى لأغلى منك؟!
أقترب زوجها يربت على كتفها هاتفًا:
-معنديش أنا اغلى منكم
إبتسمت والدة مروان بوهن هاتفة:
-لأ كلنا عارفين أن مفيش اغلى منها
اطرقت زوجته رأسها بخجل التى بدت فى عقدها الخامس
كانت روان تراقب ذلك الرجل وهو ينظر لزوجته بكل عشق
رفعت نظرها لمروان هو لم ينظر لها كما ينظر ذلك الرجل
لزوجته، رفع بصره ينظر إليها فتلاقت نظراتهما لكن
سرعان ما أطرقت رأسها بقلب ملكوم، كان خاله يراقبهما
فتنهد قائلًا:
-سبحانه يا اختى بيحط الأسباب وبيؤلف بين القلوب فى غمضة عين
استأذنت تفر من امامه متهدلة الكتفيين بحر عينيها
مرهق بعذاب اضناه، أما هو عيناه كانت تراقبها يشعر
بالعجز ولا يعلم ماذا يفعل
هز خاله رأسه بأسى فاإبن أخته نظراته كالمتلهف الذى
ينتظر حبيبته
****
فى المساء
-مالك؟!
كانت هذه كلمات مروان وهو يسألها عن حالها فهى تبدو
على عكس طبيعتها فى الأيام السابقة، أما هى كانت تريد
أن تصرخ به لماذا يمقتها، يعاملها كالمنبوذة ولم يكمل
زواجه بها هل ينتقم لموت أخيه، لكن ما ذنبها هى
أغمضت عيناها وهى تجيبه بصوت متحشرج
-ماليش بس قلة نوم
-طب نامى تحبى أطفى النور أنا هاكون هنا على الكنبة
حاولت كبح دموعها وهزت رأسها فى صمت وتوجهت
على الفراش وأنكمشت على نفسها ثم دثرت نفسها
بالأغطية، كان يرمقها بقلق تبدو مريضة ظل كما هو
على جلسته حاول أن يقاوم نفسه لكنه لم يقدر
ونهض واقفًا يتحسس جبهتها خوفًا أن تكون
حرارتها مرتفعة، ولم يقاوم نفسه ومد يده يتلمس
النمش الذى بوجهها، ابتعد كمن لدغته عقربة
وهو يتمتم مستغفرًا، هالتها الملائكية ستجذبه
إلى الفخ كما فعلت مع اخيه.
*****
مدت روان يدها بالصحن لحماتها فازاحته هى بقسوة هاتفة:
-انتِ مابتفهميش قولتلك مش عايزة حاجة من خلقتك
ولا ناوية تجيبى أجلى زى ابنى
توسعت عيناها بصدمة هاتفة:
-أنا أنا، طب ليه كدا؟! وأنا مالى
-بلا مالى ومش مالى خدى الأكل دا واطلعى بره سيبينى فى حالى
خرجت من عندها مندفعة وشعرها الطويل متهدل على
جذعها وحجابها المهلهل حول رقبتها وما أن رأها هو
جن جنونه، فسحبها من يدها كالماعز غير عابئ بتعثرها
وما أن ولج صرخ بها بعصبية:
-الهانم ماشية فى البيت وفردة شعرها عادى
اجابته بحدة وداخلها يحترق:
-عادى هو البيت فيه مين اصلا غيرك
صرخ بها وهو يقبض على معصمها:
-فى خالى والبيت بابه مش مقفول ممكن اى حد يدخل
عيال خالى أى حد يجى، انتِ عاملة تعرفى ربنا وكله تمثيل فى تمثيل
ألم وقهر انتابها من معاملته الجافة، كلماته السامة
جعلتها تنفجر لم تعد تحتمل أكثر، خبطت على صدرها
بحرقة ودموعها تسيل على وجهها هاتفة بمرارة:
-بتعمل معايا كدا ليه ها؟! بتعملوا معايا كدا ليه؟!
انت اتجوزتنى ليه؟! عشان تنتقم لموت أخوك صح
كنت موتنى وريحتني احب اقولك أن دا قضاء وقدر
وأنا ماليش ذنب فيه
فقد سيطرته وانهارت حصونه أمام دموعها إندفع يكتم شهقاتها بشفتاه ليمنعها من الكلام احاطها بذراعه يضمها
إليه، مغمض عيناه متنفسًا رائحتها، شدد يده حول جسدها الرقيق، ويد الأخرى أزال حجابها وهو يمرر يده فى خصلاتها
تفاجأت من فعلته لكنها لم تستمر كثيرًا فى صدمتها وتجاوبت معه وبادلته القبله بوجع، وما أن انتبهى على وضعهما انتفض كالملسوع بعيدًا عنها صارخًا:
-ابعدى عنى ابعدى، كنت عارف أنك رخيصة وعايزة توصلى لكدا ودا كل هدفك
******
-لأ ما أنا مش هسكت بقى كدا الوقت بيجرى منى وهتفضح
تلك الكلمات قالتها الفتاة وهى تحدث ذلك الشاب الذى
معاها ثم تابعت تسأله:
-أنت قولتلى اخوه جه البلد؟!
-ايوة؟!
-يبقى هو الحل فى المصيبة دي
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قدري المر)