رواية خطايا بريئة الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء الثالث والأربعون
رواية خطايا بريئة البارت الثالث والأربعون
رواية خطايا بريئة الحلقة الثالثة والأربعون
كلما كنت أحتاجك وجدتك على الفور إلى جانبي قبل أن أطلب منك ذلك حتى، سبحان من جعل منك سندًا لي وعونًا في هذه الحياة القاسية التي لا ترحم أحدًا.
——————————-
وقفت تباشر الخادمة وهي تعد الطعام بملامح متقلصة نافرة جعلت الخادمة تتسائل مستغربة:
-واه كنك يا ست چمر
وضعت يدها تسد انفها وقالت بنفور:
-مخبراش ريحة الوكل كنها عِفشة كده ليه!
-واه ده انا طبيخي زين و طبخاه بالسمن حتى دوجي
قالتها وهي ترفع المعلقة معبئة بمهروس البامية المطبوخة الذي يسمى ويكا لديهم، لتنفي “قمر” برأسها وترفض قائلة:
-لع مش لادد عليّ اني مش هاكل منيها ابجي چيبيلي خرطة چبنة جديمة من البلاص
-بس ياست جمر أنتِ لازمك غذى والعيل اللي في حشاكي لازمه وكل عشان يطلع صحته زينة
-مش جادرة معدتي مش جابلة الوكل نفسي رايحة للچبنة
-بس يا ست جمر
-واه اسمعي الكلام اللي هجولك عليه من سكات
وعند أخر جملة صدرت من “قمر” كانت تدلف “ونيسة” للمطبخ ولم تسمتع إلا لسواها لذلك هدرت بحدة متهكمة:
-والله وبجيتي تأمري وتنهي يا”جمر” من غير ما تعملي اعتبار لحد
-انا مجولتش حاچة يأما “ونيسة” دي…
قاطعتها “ونيسة” بقسوة وبسوء نية:
-اسمعي لو فكرك أن بحبلك هتبجي الحاكمة الناهية في الدار تبجي غلطانة انا هنا ست الدار والكلمة كلمتي وإياك يكون فكرك أن وَلدي خرع وياكِ هتركبينا كيف المواشي وتدلدلي
شهقت الخادمة بينما هي نكست رأسها ولم تجرأ على الرد عليها احترامًا لزوجها الذي كانت غافلة كونه استمع لحديث والدته بالصدفة حين اشتاق لها و اتي يبحث عنها، لتستأنف “ونيسة” وهي تلوي شدقها:
-واه كنك ماهترديش ليه حديتي مش لادد عليكِ ولا ايه!
-بكفياكِ يا أما
قالها وهو يقف على أعتاب المطبخ لتلتفت “ونيسة “له قائلة:
-وانا جولت ايه؟ اتشطر على مرتك اللي سيجاك كيف البهيمة
غامت عيناها ونكست رأسها ثم استئذنت قائلة بنبرة مختنقة على وشك البكاء:
-عن اذنكم
تنهد هو بضيق لرؤيتها بتلك الحالة ثم قال لوالدته معاتبًا:
-ولدك راچل يا أما وانتِ خابرة إكده زين ومحدش يجدر يسوجه وهي مجالتش حاچة
هنا تدخلت الخادمة قائلة:
-ايوة صوح يا سي “حامد” هي مجالتش حاچة دي كانت هتطلب مني اطلعلها حتة چبنة من البلاص واني كنت هتحايل عليها عشان تاكل وكل زين للي في بطنها واخر ما زهجت مني جالتلي اسمعي الحديت من سكات على داخلة ست “ونيسة”
هز “حامد” رأسه متفهمًا ثم طلب منها أن تغادر المطبخ وقال مؤازرًا زوجته:
-اهه سمعتي بودنك يا أما
-هتدافع عنيها ولا كأنها سحرالك ده بدل ما تطلجها وترميها لأهلها عشان طلعت جليلة الأصل وخانت عيشنا وملحنا وخبصت على ابوك
-مرتي مش جليلة الاصل مرتي ست البنات وشَهدت بالحَج وعاملة بأصلها بدليل انها مفتحتش خشمها وياكِ بنص كلمة ولا ردت على حديتك الواعر ليها ونجرزتك جَبِل سابج
-يعني ايه هتجسيك عليا انا كُمان إياك كيف ما جستك على ابوك
-لع يا أما مفيش جوة تجدر تجسيني عليكم وهفضل طول ما ربنا عطيني عمر ابركم واتجي الله فيكم…وهجبل أيتها حاچة منيكم لكن مش هجبل على مرتي ويكون في معلومك لو تنيتك بتعامليها إكده أني هخدها ونسيب الدار وهروح اعيش مع أهلها في أسيوط
لطمت “ونيسة” صدرها و ولولت قائلة:
-عاوز تهملني لحالي يا “حامد” إكده دي اخرتها يا وَلدي
-انا عمري ما اجدر اهملك يا أما بس انتِ هتچبريني لكده…
ليتنهد بعمق ولم يطاوعه قلبه حين رأى الحزن والكسرة تحتل تقاسيم وجهها:
-يا أما الله يرضى عليكِ افهميني وريحيني
انا هحبها ومعوزش حاجة تنغص عيشتى وياها وخصوصًا أن ربنا عوض صبرنا خير بِحبلها، بلاش يا أما تكونِ سبب في تنغيص عيشتي ولو عندي خاطر عندِك حني عليها دي مفيش اطيب من جلبها وبكفاية أن ولدك هيعشجها وروحه فيها
هزت “ونيسة” رأسها بشيء من الاقتناع في سبيل عدم تركه لها لينحني هو ويقبل يدها ويتحدث بعطف وحنان شديد:
-ربنا يخليكِ فوج روسنا يا أما
—————
اخذت حمام دافئ كي تريح جسمها وفور انتهائها جلست بروب الاستحمام على ذلك المقعد الصغير أمام مرآتها تمشط شعرها.
فكانت شاردة تتذكر حفل زفاف “ميرال” وكم كان رغم بساطته إلا أن سعادتهم طغت على كل شيء وكانت دليل قاطع كون السعادة لم تكن يومًا بالمال…فكم كانت تأمل من قبل بحفل زفاف مثل حفلها ولكن الآن اختلفت قناعاتها ورغم أنه ألح كي يستأنف تحضيراته إلا أنها رفضت رفض قاطع وعارضته فيكفي ان الله عوضها به وأعاده لها لتنعم بقربه وبتلك القطعة التي تأمل أن تشبهه و تنمو بين أحشائها.
-سرحانة في ايه يا مغلباني
قالها وهو يستند على إِطار الباب ويكتف يده، لتلتفت له وتقول ببسمة هادئة:
-فيك يا حبيبي
اتسعت بسمته الدافئة ثم اقترب منها بعد ان اقفل الباب ثم جلس على طرف الفراش القريب من جلستها ثم ادارها من جلسته على ذلك المقعد الدائري و دفن وجهه بين خصلاتها المبتلة هامسًا:
-بطلي أونطة يا مغلباني وقوليلي كنتِ سرحانة فأيه…
أجابته وهي تنظر لانعكاسهم بالمرآة:
-ابدًا…الفرح امبارح كان يجنن و”ميرال” و”محمد” كانوا مبسوطين اوي
هز رأسه يؤيدها ثم تناول المشط من على التسريحة أمامها وتحدث وهو يمشط به شعرها بحركات حريصة متباطئة:
-ربنا يسعدهم “محمد” جدع ويستاهل كل خير
تأهبت قائلة بدفاع قوي:
-و”ميرال” كمان تستاهل كل خير مش “محمد” لوحده
اجابها ببسمة مشاكسة وهو منشغل في تمشيط خصلاتها:
-خلاص متتحمقيش بصراحة مكنتش برتحلها الأول بس بعد وقفتها معاكِ ودفاعها عنك غيرت رأي فيها
هزت رأسها بتفهم ثم التفتت من جديد له ولكن بكامل جسدها قائلة:
-انا مبسوطة اوي علشانها ونفسي كمان افرح ل “نغم” تخيل أن “فايز” اتقدملها
-“فايز” مين؟
تلعثمت وهي تنكس رأسها:
-“فايز”…صاحب ط…
قاطعها قبل أن تنطق بأسمه:
-متكمليش عرفته بس ده عيل فاقد ومش شبهها
-انا كمان كنت فاكرة كده بس هي بتقول أن ربنا هداه وبقى حاجة تانية خالص
أومأ لها ودون ارادة منه تغير مزاجه على ذكر ذلك الشخص الذي عنفه من قبل كي يخبره بمخطط صديقه اللعين بذلك اليوم المشؤم، لاحظت هي وجوم وجهه وتسائلت:
-“يامن” مالك
نفى برأسه ببسمة باهتة وأجابها:
-واضح كده ان لو حصل نصيب مش هجتمع معاهم ابدًا
تنهدت هي وحاوطت خصره قائلة وهي تمرغ وجهها بذراعه:
-كلنا كنا ضايعين زمان وربنا هدانا واتغيرنا علشان خاطري بلاش تقرر من غير ما تشوفه مش يمكن تبقو اصحاب…وبعدين ربنا غفور رحيم إحنا يا بشر مش هنسامح
تنهد بقوة وهمس وهو يضع قبلة اعلى رأسها:
-هحاول علشان خاطرك
اتسعت بسمتها ورفعت رأسها له متمتمة بسعادة متناهية:
-“يامن” هو انا قولتلك قبل كده إني بحبك؟
هز رأسه بنعم لتستأنف هي:
-طب زيد عليهم دي اقتربت واضعة قُبلة على ثغره خاطفة وهمست بعدها:
-بعشقك يا “يامن” والحب كلمة ملهاش قيمة من كتر اللي جوايا ليك
ضمها اكثر له ورفعها من مقعدها الصغير جاذب جسدها إليه وتراجع بها على الفراش خلفهم حتى تمددو ثم همس بشغب لامثيل له وهو يحتوي مؤخرة رأسها :
-قلب وروح “يامن” أنتِ يا مغلباني ربنا ما يحرمني من قربك ابدًا
ابتسمت باتساع وهامت به قائلة وهي تكوب وجهه:
-متقلقش… انا هفضل لازقة فيك العمر كله ومش هتخلص مني ابدًا
ادار جسدها ليشرف عليها هامسًا بنبرة لعوب تعرف ماذا سيحدث بعدها:
-احب ما على قلبي قربك انا اصلًا مش بعرف اتنفس وانا بعيد عنك
-بحبك
شاكسها بنبرة لعوب:
-لأ اثبتي معلش انا مش عايز كلام انا عايز أفعال
قهقهت على دعابته الماكرة ثم تعلقت بعنقه هامسة وهي تضغط على كل حرف وتتبعه بقبلة خاطفة على شفاهه:
-ب…ح…ب…ك
اعترض بمكر:
-اثباتاتك ضعيفة اوي معجبتنيش تسمحيلي بقى اوريكِ ازاي
وقبل أن تعطيه موافقتها كان يقبل شفاهها بقبلة متلهفة للمزيد من سيل عطائها التي اغدقته به لتعوضه عن تلك الأيام الصارمة.
———–
دخلت هي الشركة التي تعمل بها و تملكها صديقتها بخطوات اعتيادية رتيبة في طريقها لمكتبها وما إن وصلت وكادت تضغط على مقبض الباب حين استمعت لصوته الرخيم وجمدت بأرضها فقد رأته يقف مع “سارة” أمام غرفة مكتبها
-متشكر جدًا يا بشمهندسة “سارة” انا كده سددت قيمة التكاليف كلها وبجد سعيد إني اتعاملت مع حضرتك
-الشكر كله ل “رهف” هي اللي خلصت العيادة في وقت قياسي وطلبت مني اسلمهالك
هز رأسه بحركة بسيطة وابتلع غصة قلبه قائلًا:
-اشكريها بالنيابة عني عن اذنك
لتسمح له “سارة” ببسمة عملية ويلتفت كي يغادر ولم يلحظ وجودها ولكن حين أَن قلبه علم انها قريبة منه، فقد تناول نفس عميق كي يدعم قلبه الذي يختنق من شدة الألم واكمل طريقه بنظرات ثابتة على باب الخروج دون أن يعيرها أي اهتمام اوحتى يمنحها نظرة خاطفة،
مما جعلها تتبع ظهره بنظراتها وتشعر بشيء يثقل قلبها، فتلك ليست أول مرة تراه بها بعد ماحدث فقد تعددت الصدف بحكم جيرتهم ولكن هو يتعمد في كل مرة أن يفي بوعده ويتجاهل وجودها حتى انه يتصرف وكأنه لم يصادفها قط بحياته وبطريقة ما يحزنها الأمر ويثقل قلبها ولا تعرف تفسير لذلك إلا أن وضوحه معها وتحليله لنفورها اخجلها من ذاتها ودون قصد قامت بإيذائه كما تأذت هي.
——————-
أخذها للطبيبة كي يباشر حملها ويطمئن على صحة الجنين وهاهم ثلاثتهم يجلسون داخل العيادة ينتظرون دورهم، فكانت تتأمل كل النساء من حولها بأنتباه شديد حين مال عليها هامسًا:
-“نادين” مالك بطلي بحلقة في الناس
تنهدت ونكست نظراتها وقالت متوجسة:
-“يامن” هو انا هبقى شبهم كده الشهور الجاية
رفع منكبيه وكأنه شيء بديهي، لتشهق هي وتقول برعب:
-معقول هبقى شبه البالون كده لأ انا مش عايزة اتخن انا بحب جسمي كده
استمعت “ثريا” لأعتراضها وطمئنتها قائلة:
-متقلقيش يا بنتي جسمك بيرجع زي الأول بعد الولادة كلنا كنا كده
-ايوة يا امي طمنيها وبعدين متقلقيش شوية رياضة هيرجعوكِ احلى من الأول
ليضيف بهمس ماكر امام اذنها:
-لو إني حبيت جسمك وهو كده اكتر…
شهقت بخجل ونكزته برفق بذراعه موبخة بنظرات زائغة تخشى أن يكون استمع إليهم احد:
-بَطل يا معدوم الادب هتفضحنا ضحك باستمتاع على خجلها ثم همس من جديد متوعدًا:
-هبطل دلوقتِ بس لما نروح هعرفك معدوم الادب هيعمل فيكِ ايه
هزت رأسها بلا فائدة وثبتت نظراتها على معانقته ليدها و تحاول ان تتغلب على توترها وتستمد القوة منه كعادتها ليشدد هو اكثر على كف يدها وكأنه يطمئنها انه معها ويؤازرها بكل اوقاتها وحين رفعت نظراتها إليه غمز لها بتلك البسمة البشوشة الدافئة التي لطالما اشعرتها بالطمئنينة والأمان…
بعد دقائق عدة كانت الطبيبة تقوم بفحصها واتمت الأمر بتمديدها على تلك الاريكة المكتنزة خاصة الكشف وتمرير الاداة الخاصة بجهاز الموجهات فوق الصوتية على بطنها، ساد الصمت لدقائق لحين ابتسمت الطبيبة وهي تتمعن بشاشة الجهاز…لتتسائل “ثريا” مترقبة:
-خير يا دكتورة طمنينا ربنا يكرمك
هزت الطبيبة رأسها وقالت مطمئنة:
-خير يا حجة نادي ابنك علشان يشوف ولاده
توقفت “ثريا” عند أخر كلمة وتسائلت غير مصدقة:
-ولاده ازاي يعني
-المدام حامل في توأم يا حجة الظاهر قدامي كيسين حمل مبروك
تهللت اسارير “ثريا” وقالت بفرحة عارمة وهي تربت على كتف “نادين” التي كانت مصدومة وغير مصدقة:
-يا ألف نهار ابيض يألف نهار مبروك…الحمد والشكر لله…ربنا يقومك بالسلامة يا بنتي ويجعلهم بارين بيكِ وبأبوهم
انا هروح اندهله ده هيطير من الفرحة وبالفعل ما إن فعلت كاد يجن جنونه وهرول إليها بخطوات متلهفة تزف سعادته
ليبتسم بأتساع حتى كادت البسمة تشق وجهه وهو يرى انعاكسهم المموه على شاشة لتقول الطبيبة وهي تجفف الچل الداعم عن بطنها بأحد المناديل الورقية:
-مبروك يا استاذ يتربوا في عزك
وقف مشدوه لا يعلم ماذا يفعل وكأن عقله شل من المفاجاءة ثم حين نهضت هي قام بجذبها واحتضنها قائلًا بسعادة متناهية:
-مش مصدق يا “نادين” مش مصدق
دفنت وجهها بعنقه وتسائلت بعيون غائمة:
-بجد مبسوط يا “يامن”
اجابها وهو يفصل عناقها ويطالعها بذات النظرات التي تفيض فيض بمكنون قلبه الذي لطالما كان مُولع بها:
-مبسوط ايه انا طاير من فرحتي بيكِ وبيهم
-ربنا يخليك لينا يا حبيبي
-ويخليكِ ليا يا قلب وروح “يامن”
تحمحمت الطبيبة كي تقاطعهم :
-طيب يا مدام “نادين” هكتبلك على ڤيتامينات وشوية تحاليل تعمليها واسبوعين وهشوفك تاني علشان اقولك على جنسم
هزت رأسها ببسمة واسعة ليتناول هو من يدها الروشتة التي خطتها وتضيف “ثريا” قائلة قبل أن يغادروا عيادتها:
-ربنا يكرمك ويريح قلبك يا دكتورة زي ما فرحتينا
ابتسمت الطبيبة ممتنة لدعواتها بينما هو احتضن يدها وسار بها وهو يشعر أنه امتلك العالم واكتملت كافة امانيه بفضلها.
—————
كانت تود أن تأخذ وقتها ولذلك جعلته ينتظر قليلًا، فقد أدلت بموافقتها بالفعل من قبل وتم عقد قرانهم اخيرًا بعد شهرين من زفاف اخيها وبعد احتفال بسيط ضم الأصدقاء والاقربون اصطحبها هي وبناتهم إلى أحد القرى الساحلية كي يقضوا بها شهر العسل وبعد أن اطمأنوا على بناتهم برفقة دادة “مُحبة” التي أصر هو أن يصطحبها كي تقوم برعايتهم خصيصًا، فقد سار برفقتها إلى ذلك الجناح الفخم الذي قام بحجزه مخصوص لها بأحد الفنادق السياحية الفاخرة.
طالعت “شهد” الجناح الخاص بهم بنظرات منبهرة للغاية وببسمة هادئة لحين باغتها هو من خلفها بمحاوطة خصرها وضمه لها بعناق متلهف جعل جسدها ينتفض بين يده، ليقول هو مطمئنًا:
-متخافيش مني يا “شهد”
تلعثمت وتوترت وهي تحاول تنظيم انفاسها:
-مش خايفة بس يعني متوترة شوية
-التوتر هيضيع متقلقيش وبكرة تاخدي عليا
هزت رأسها تؤيده ليستأنف وهو يدير جسدها كي تواجهه:
-طيب ممكن تقلعي
اتسعت عيناها وشحب وجهها وانفلتت كلمة واحدة من زمام لسانها:
-نعـــــــــــــــــــــــــــم!
تدارك خوفًا من زمام لسانها:
-مش قصدي اللي فهمتيه…قصدي الحجاب يا “شهد”
تنهدت براحة متراجعة وهزت رأسها بطاعة وماإن مدت اناملها كي تنزع دبوس حجابها جذبه هو برفق من على رأسها لينسدل ليل خصلاتها بانسيابية على وجهها ويعيق رؤيتها، تنهد هو تنهيدة مُسهدة وأخذ يطالعها بنظرات متمعنة جعلتها تطرق برأسها وهي تشعر أنها قاب قوسين او ادنى أن تفقد وعيها من شدة خجلها، مد انامله يرفع ذقنها ثم أمرها بنبرة حنونة:
-بصيلي يا “شهد”عايز ادوب في دفى عنيكِ
اسكرها بحديثه وشعرت أن الأرض تميد بها حين رفعت عيناها، ليتنهد و يضيف هو:
-انتِ جميلة اوي يا “شهد”
قالها وهو يرجع خصلاتها الحريرية كي يتمكن من رؤية وجهها الذي اشتعل من شدة الخجل، ليتنهد مرة أخرى ولكن تلك المرة مُسهدًا ويهمس وهو يرفع خصلة من شعرها يشتمها بنظرات راغبة:
-اتمنيت اشمه اوي واعرف ملمسه
ابتلعت ريقها وحاولت أن تتراجع بخطواتها ولكنه جذبها من خصرها يقربها منه ثم حذرها قائلًا:
-اوعي تبعدي عني وتغربيني تاني…أنا معاكِ بحس أني كنت في غربة ولقيت الأمان والراحة والدفى اللي مبتتحسش غير الوطن… وأنتِ وطني اللي كنت متغرب عنه يا “شهد”
تعالت وتيرة انفاسها وتلجم لسانها وكاد توترها أن يقضي عليها ولكنه زادها عليها وهمس بحاجة راجيًا:
-احضنيني يا “شهد” محتاج حضنك اوي
نفذت رغبته وقد حاولت أن تسيطر على توترها وتدثره بأحضانها ليتنهد هو براحة عارمة ويزفر أنفاسه دفعة واحدة وكأنه كان هائم يبحث عن المأوى و وجده اخيرًا بقربها.
———————–
مر أكثر من شهرين عليها وقد حرصت خلالهم أن تواظب مع طبيب نفسي كي يساعدها على ترميم ذاتها ويصالحها عليها مثلما اقترح “نضال” لا تنكر أن قرارها في اللجوء للاستشاري النفسي اتى متأخر ولكن منذ ذلك اليوم التي تحدث معها في المشفى وصرح لها وشيء يثقل قلبها ويشتت عقلها، و رغم ذلك كان حديثه حافز لها فنعم قد ادركت انه محق هي بحاجة أن تتصالح مع ذاتها اولًا حتى لا تأذي من حولها مثلها…وبالفعل تشعر الآن أن السلام سَكن دواخلها فلم تعد تشعر بالسوء من “حسن” بل ايقنت أن ما فعله لم يكن إلا بسبب خضوعها وضعفها والسماح له باستغلال نقاط ضعفها مما اعدم ثقتها بنفسها وتلك كانت علتها التي تخطتها وتعافت منها فلم تعد تلك الضعيفة التي يستطيع الاستخفاف بها، فقد ساندته بمحنته وتكفلت بكل شيء في سبيل ابنائها فلم يهن عليها أن تقف مكتوفة الأيدي وتتركه يخسر كل شيء و رغم إلحاحه عليها الذي لم ينفك عنه إلا أنها لم تود أن تكرر المحاولة وكيف تفعل وتعيش تحت سطوته من جديد وهي تستمتع بالاستقلالية المطلقة. تلك القناعات التي أصبحت تؤمن بها فلا حاجة لرجل لتتجسد به سعادتها هي ناجحة ولديها كل الإمكانيات الممكنة لتستطيع جلبها لذاتها فيكفي انها ستحيا بسلام وبكرامة مع ابنائها وعلى ذكر ابنائها اوجعها ضميرها، ورغم اقتناعها التام برفضها إلا أن مع تعلق ابنائها ومطالبتهم بقربه نمى شعور بالذنب بأحشائها وظل يطعن بها، فمنذ وعكته الصحية وعلاقته بهم قد توطدت، ويراودها دومًا أنها جارت على حقهم بأنفصالها، وهنا عدة تساؤلات منطقية لاحت بعقلها ماذا إن عادت له ولمت شملهم من اجل ابنائها؟ هل سيستريح قلبها ويَسكن ضميرها؟ هل يتوجب عليها تحاشي نظرة المجتمع والتضحية من أجل ابنائها؟ وإِن فعلت هل ستسطيع أن تتعايش معه من جديد وهل سيتقبل تغيرها أم سيحاول هدمها، ، حقًا لا تعلم ما يتوجب عليها فعله فالخيار شديد الصُعوبة بالنسبة لها يأما تُرضي ذاتها وتظل على رفضها يأما أن تتخلى عن حقها وتبدي مصلحة ابنائها و تضحى براحتها التي لا تضمنها معه وتعود من أجل أبنائها. حقًا لا تعلم ما يتوجب عليه فعله، فكل ما ينغص حياتها أنها مؤنبة وضميرها ينهش بها تجاه ابنائها
ذلك ما كان يدور برأسها وهي مُمدة في فراشها تتوسط ابنائها و تشعر أن شيء ينقصها رغم اكتمالها.
-مامي عايز اشرب
انتشلها صوت الصغير من شرودها لتعتدل وتناوله كوب الماء الموضوع اعلى الكمود ليرتشف منه ويرده لها متسائلًا:
-مامي منمتيش ليه؟
-ابدًا يا “شريف” في حاجة شغلاني
-اكيد عيد ميلاد بابي أصله بكرة
ضيقت عيناها تتذكر الأيام وكم تعجبت كونها تناست يوم كذلك وسابقًا كانت تعد عدة الاحتفال به من قبلها بعدة أيام، ليضيف الصغير:
-مامي انا عايز اروحله ونحتفل معاه ونجيب تورتة وهدية كبيرة
وافقت هي ببسمة هادئة:
-حاضر يا حبيبي بكرة هنروح نزوره بس هنتصل بيه قبلها
-لأ يا مامي خليها مفاجأة
-تمام حاضر اللي أنت عايزه…يلا بقى نام علشان ننزل بكرة بدري نشتري الهدية
أومأ لها ثم وضع قبلة على وجنتها واندس بأحضنها لتعود هي لشرودها وتفكر جديًا بشعور الذنب الذي ينغص حياتها.
—————
-هار اسوح جايبلي خمرة يا “كاظم” ده انت يومك مش فايت
قالتها “شهد” بإندفاع كعادتها المتأصلة وهي تهز بجسده المستلقي أمامها، فز من غفوته القصيرة وقال متفاجئاً:
-في ايه يا “شهد” حرام عليكِ حد يصحي حد كده
رفعت زجاجة الشراب أمام نظراته وتخصرت قائلة:
-في دي يا استاذ يا محترم!
لتلوي ثغرها يمينًا ويسارًا متحسرة:
– ياخسارة الهيبة اللي حلت بعديها الخيبة
زفر انفاسه وحاول تهدئتها:
-طب ممكن تهدي ومتكبريش الموضوع
-لأ بقولك ايه انت مستقل بغضب ربنا أنت مُسلم واكيد عارف انها حرام
تحمحم بحرج:
-عارف
-وبتغضب ربنا ليه طالما عارف ده احنا بنتشعبط في رضاه
حاول التفسير لها:
-لما كنت في ايطاليا الخواجات بيشربوه بدل الميه علشان يدفيهم وبصراحة دي خصلة مش كويسة خدتها منهم
وهنا قالت بقناعات تربت عليها ورسخت بها:
-لأ احنا لازم نبقى على نور من اولها انا لا يمكن اقبل بكده أنا عارفة أن في فرق بين عيشتي وعيشتك زي السما والأرض وفي فوارق كتير ما بينا بس غضب ربنا مفهوش فوارق
تنهد وهز رأسه بتفهم ثم نهض يحاوط خصرها ويرفع يدها يلثمها قائلًا:
-أخر مرة اوعدك…انا بس قولت علشان نحتفل بأول ليلة لينا مع بعض
شهقت وضربت اعلى صدرها:
-ده انت كأنك قاصد ربنا ما يكرمناش ولا يباركلنا
-مش قاصد وبعتذر يا “شهد” مش هتتكرر تاني واوعدك عمري ما هحطها على بقي
تنهدت وهزت رأسها ليضع قبلة على وجنتها ويهمس راجيًا:
-حقك عليا
-خلاص سماح المرة دي
قالتها متنهدة لتلفحه بأنفاسها الدافئة وهو يحتضن خصرها ويرتمي بحضنها، بينما هي ابتسمت بسمة هادئة بوجه يكاد يشتعل من شدة خجلها فكل شيء معه مميز وغريب عليها وتشعر أنها المرة الأولى التي تكتشف بها بواطن تلك المشاعر الكامنة لتتنهد وتضمه لها وتستسلم لاستكانته بين أحضانها وهي تعلم ما سيحل بعدها.
———–
ابتاعوا قالب كيك كبير كتب عليه حروف اسمه والعديد من بالونات الهيليوم الملونة وقد جلبت له ساعة ذهبية قيمة
والعديد من الملابس التي كان يفشل في شرائها وكانت تتكفل هي بها وهاهم وصلوا امام باب الشقة يطرقون عليه طرقات متتالية متحمسة ولكن حين فتح الباب وأطلت عليهم تلك السيدة تجمدوا بأرضهم حين صرخت بهم:
-جرا أيه منك ليها بتخبطوا كده ليه على الباب؟ هو بيت ابوكم!
تشبثوا الصغار بساق “رهف” بخوف لتقول هي بشراسة وهي ترمقها شذرًا من اخمص قدمها لاعلى رأسها:
-اه بيت ابوهم واتكلمي عدل أنتِ مين وبتعملي ايه هنا؟
اجابتها وهي تلوك علكتها بطريقة فظة وتتخصر أمامها:
-آآآه افتكرتك انت طليقته اظن فاكراني انا اللي جيت سألت عليه في المستشفى
ابتلعت “رهف” غصة بحلقها واعادة صياغة سؤالها:
-ايوة عرفت بس بتعملي ايه هنا بالمنظر ده مش فاهمة!
طالعت “سميرة” قميص نومها الصارخ الذي يظهر من أسفل مأذرها الشيفون ثم أجابتها ببسمة منتصرة وكأنها فازت بجائزة:
-هو انا مقولتلكيش أصل مستر “حسن” كتب عليا ليلة امبارح
أصله ياعيني وحداني وعايز حد يونسه وملقاش احسن مني
شهقوا الصغار بينما هي ظلت لثوانِ متجمدة بأرضها لا تستوعب ما نطقت به وحين فعلت نمت بسمة على ثغرها وظلت تتسع إلى أن تحولت إلى ضحكات هستيرية متلاحقة
-بتضحكي على ايه عايزة افهم؟
قالتها هي بصوت جهوري وهي تضع يدها بخصرها وتنظر لهم بنظرات جعلت الصغار يرتعبون منها تزامنًا مع خروجه يرتدي روب الاستحمام ويجفف شعره بمنشفة صغيرة وماإن رآهم شحب وجهه وسقطت المنشفة من يده وهمس بأسمها:
-“رهف”
هزت رأسها وتزايدت ضحكاتها ثم تخطتها وتقدمت منه تضع بحضنه قالب الكيك وتلك الاشياء التي كانت يساعدوها ابنائها في حملها ثم قالت متهكمة بسخرية مريرة:
-اه “رهف”…مبروك يا عريس فرحتلك…أنا وولادك كنا جاين نحتفل بعيد ميلادك بس يظهر أنك احتفلت بطريقتك…مبروك
زاغت نظراته وحاول التبرير وتقمص دور الضحية كعادته:
-“رهف” انتِ فاهمة غلط خليني افهمك…انا اتجوزتها علشان
تشوف طلباتي…
صدر صوت ساخر من فم “سميرة” ولوت فمها على خنوعه وتبريره لها التي عقبت عليه مستنكرة:
-طلباتك ده ايه؟ شايفني الفلبينية اللي بتدفعلها بالدولار وبعدين انت خايف منها ليه قولها أنك كنت هتموت عليا واتجوزتنى علشان أدلعك بعد النكد اللي عيشتك فيه
زعق بها بعصبية كي يخرسها:
-اسكتِ الله يخربيتك
ابتسمت “رهف” بسخرية ونفت برأسها بلافائدة وعقبت على حديثها وكأن الأمر لم يعد يعنيها:
-متتعصبش يا “حسن” هي من غير ما تقولي أنا عارفة كويس اسبابك واظن شرحتها ليا باستفاضة في مرة قبل كده …
لتهزأ من ذاتها ومن ذلك القرار الغبي التي كادت أن تقدم عليه لولا رأفة ربها:
-عارف أنا كنت فاكرة اللي فات غيرك وكنت بحاول اقنع نفسي اعيش معاك علشان خاطر الولاد بس انت رغم ندمك قبل كده إلا أنك اثبت بكل براعة أن اللي فيه طبع عمره ما يقدر يغيره
نكس رأسه بخزي بينما هي تنهدت بضيق و صوبت نظراتها لأطفالها وتسألت:
-تحبوا تقعدوا مع بابي يا ولاد تحتفلوا معاه وارجع اخدكم
نفوا الاثنين سويًا وهم ينظرون بخوف ل “سميرة” التي تقف تتخصر وتهز قدميها، لترشقها “رهف” بنظراتها ثم تسترسل:
-طيب قولوا لبابي كل سنة وهو طيب علشان نمشي
عايدوه الصغار ثم غادرت بهم وهي تبتسم بسخرية مريرة وتهز رأسها بلا فائدة لتثور “سميرة” عليه ويتعالى صراخها وكان رده عليها انه زمجر غاضبًا ورمى ما بيده وهو يسبها بفجوج منفعل ويهدد بضربها كي يخرسها. ولكن كان ردها عليه قوي يدل على انثى لا يستهان بها فقد قذفته بأول شيء طالته يدها وإن تفاداها انهالت عليه بوابل من الكلمات اللاذعة التي جعلته يلعن الساعة التي أوقعته بها وهو يعجز عن ردعها.
ليجلس يكوب رأسه منهزم ينعي غبائه الذي جعل الندم يتفاقم بصورة مضاعفة فكم كان يطمح من جديد في حب امتلاك أم ابنائه ولكن هي صَعب عليه نيل غُفرانهاو أفسد الأمر من جديد بغبائه وقراراته البالية التي أوقعته في نفس الخطأ للمرة الثانية ولكن يبدو أن عواقب تلك المرة لا يستهان بها.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)