رواية خطايا بريئة الفصل الأربعون 40 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء الأربعون
رواية خطايا بريئة البارت الأربعون
رواية خطايا بريئة الحلقة الأربعون
هناك دوما ما اسمه الفرصة التي تعقب الفرصة الأخيرة، ما بعد الأخيرة، إنها الفرصة التي يمنحها لنا القدر ، يمنحها لسبب ما.
– عمرو الجندي
——————–
تقلصت معالمه وفتح عينه بتثاقل شديد ثم اغلقهم مرة ثانية ثم لبعض ثوانِ معدودة كرر المحاولة إلى أن استطاع اخيرًا
أن يسيطر على ردة فعله ويفتح عينه يقلبها في كل ما حوله مشوشًا، ليرفع يده الواهنة ويجذب قناع التنفس و يهمس بتحشرج وبصوت ضعيف النبرات وبحلق جاف لم يسعفه إلا بنطق اسمها:
-“نادين”
-حمد الله على سلامتك يا نضري
قالتها الممرضة وهي تقوم باللازم واستدعاء الطبيب الذي أتى مهرولًا ليعاينه، في تلك الاثناء كانت “ثريا “تجلس في الرواق تستأنث بقرب ولدها حين خرج الطبيب وهرولت إليه متلهفة، ليطمئنها قائلًا:
-متقلقيش مريضكم فاق وشوية وهيطلع غرفة عادية وتقدرو تشفوه وتطمنوا عليه بنفسكم
رفرف قلبها وتهللت أساريرها وقبلت باطن يدها وظهرها حامدة وعيناها تزف فرحة نجاة ولدها:
-الحمد لله…الحمد لله…الحمد والشكر ليك يارب…الحمد والشكر ليك يارب
—————–
طرقات على باب الغرفة جعلتها تصدق على كلمات الله وتغلق كتابه العزيز وتسمح للطارق بالدخول لتندفع الممرضة ذاتها تُبشرها:
-چوزك فاج يا بتي واول ما نطج…نطج بأسمك
لم تستوعب وهبت من جلستها قائلة بنبرة مرتعشة غير مصدقة وهي على حافة البكاء:
-فاق…بجد احلفي انا مش مصدقة
أكدت لها وهي تربت على ذراعها:
-يابتي والله العظيم زي ما بجولك تعالي وهتتأكدي بعينك
نمت بسمة على ثغرها رافقت دمعاتها وهي تخوض حالة من الاضطراب لا مثيل لها وتمتمت بقلب يرتجف مثل سائر جسدها:
-الحمد لله… الحمد لله… الحمد لله…انا عايزة اشوفه وديني ليه الله يخليكِ…
هزت رأسها وسحبتها خلفها وما ان وصلوا لتلك الغرفة التي تم نقله بها وجدت “ثريا” تقف على اعتباها بوجه تكاد البسمة تشقه من شدة سعادتها قائلة:
-فاق يا بنتي الحمد لله ادخليله وانا هروح اتوضى واصلي ركعتين حمد وشكر لله
هزت رأسها بحركة بسيطة ثم اقتربت بخطوات وئيدة متعثرة في حين هو همس بضعف ما أن سقطت ناعستيه الواهنة عليها:
-وحشتيني يا مغلباني
تسمرت بأرضها فور رؤيته و وضعت يدها على وجهها واخذت تهز رأسها بحركة هستيرية تدل على عدم تصدقيها، تضحك تارة وتبكي تارة أخرى وكأنها فقدت عقلها من شدة سعادتها …ف الله استجاب لدعواتها وابتهالها ومنحه القوة كي يعود لها.
.
ليهمس بأسمها من جديد:
-“نادين”…
ابتسمت من بين دمعاتها وهرولت باكية إليه كتلك الطفلة ذاتها صاحبة الضفائر التي تعودت أن تحتمي به وتحظي بالأمان بقربه.
فقد وقفت على بعد خطوة واحدة منه مضطربة لا تعلم ماذا تفعل أتقترب وترتمي بأحضانه أم ستؤلمه، كانت خائفة والشيء الوحيد الذي صدر منها انها كانت تطالعه وكأنها اخيرًا وجدت ضالتها بنظرات صادقة تتلخص بها مزيج من لهفتها وعشقها واحتياجها وقلقها وخوفها مما جعله يطمئنها بنظراته ويهمس بضعف:
-أنا كويس كفاية عياط…
شجعها أن تقترب بمد يده لها لتتشبث هي بها وتجلس بجواره على طرف الفراش بحذر ليمد يده الأخرى يمررها بخصلاتها قائلًا بصوت مبحوح من شدة الوهن:
-كنت خايف مشوفكيش تاني
تمسكت بكلتا يداها بذراعه ثم مالت عليه واغمضتت عيناها وارتعش فمها و وضعت جبهتها على خاصته واخذت دموعها تنساب بغزارة حتى غرقت وجهه القريب معها، ليرفع يده ويكوب وجنتها ويهمس بملامح مُتعبة وهو يمرر إبهامه على وجنتها:
-بلاش دموعك بتقتلني…
هزت رأسها بطاعة وهي مازالت تسند جبهتها على خاصته ثم فتحت عيناها تكوب وجنته كما يفعل هو و قالت بنبرة مختنقة متألمة نال منها العذاب بما يكفي:
-انا مش مصدقة انك رجعتلي…أنا كنت هموت من غيرك يا “يامن”…
همس بضعف وهو يتحامل بكل طاقته:
-بعد الشر عليكِ يا قلب وروح “يامن”…
لتنكس نظراتها بخزي وتقول نادمة:
– اللي حصلك كان بسببي سامحني يا “يامن” علشان خاطري سامحني انا غلطت كتير في حقك وكنت غبية انا مستهلش حبك ومستهلش أي حاجة في الدنيا
تنهد مثقلًا من حديثها الذي شعر انه استمع له من قبل وقال بعشق خالص لها:
– قولتلك قبل كده اللي يحب ميعرفش يكره ومبيعرفش غير يسامح…بلاش تأنبي نفسك وتحمليها فوق طاقتها
كان يتحدث هامسًا ومع كل جملة يختطف قُبلة عابرة من رحيقها الذي اشتاق إليه حد النخاع
تقطعت انفاسها أثر قُبلاته الممزوجة بملوحة دموعها ثم صرحت بصدق وهي تحاوط خصره وتتفادى موقع إصابته:
-انا اكتشفت أنك انت محور حياتي و كل اللي ليا في الدنيا أنت حبيبي وجوزي وسندي وضهري وعزوتي أنا من غيرك ولا حاجة يا “يامن”…
اتسعت بسمته وتحدث مشاكسًا رغم ما يجتاحه من وهن كي يزيح حالة الكآبة والحزن التي هي عليها:
-ياااه كان فين الكلام ده من زمان يعني كان لازم اتضرب بالنار علشان تعقلي وتكتشفي الاكتشافات العظيمة دي
انا لو اعرف كده كنت وصيت خالك يقوم بالواجب من زمان
ابتعدت برأسها وقالت من بين دمعاتها ببسمة عابرة:
-لسة رخم
مرر انامله على وجنتها يجفف دمعها وهمس بصوت مبحوح و بنظرة تفيض بمكنون قلبه المُولع بها:
-بس بتعشقيني مش كده!
أكدت بعدما اندثر حزنها وتسللت الفرحة لتكسو تقاسيمها:
-اه كده واكتر من كده كمان
اتسعت بسمته مما جعل قلبها يتهاوى بين ضلوعها وهي تهيم به بنظرات صادقة مفعمة بما يعتمل في قلبها فقد تعانقت نظراتهم الوالهة كي يعوضون بها تلك الأيام العجاف القاسية التي انهكت كل منهم لحين همس هو معاتبًا وهو يتلمس بأنامله موضع بطنها:
-خبيتي عليا ليه؟
ابتلعت ريقها واستغربت معرفته بالأمر، ليوضح هو:
-انا كنت حاسس بيكِ وسامع كلامك وكان نفسي ارد عليكِ واطمنك بس مكنتش قادر
ابتسمت بتنهيدة مثقلة و وضعت يدها فوق كف يده الذي يستقر على بطنها ثم اجابته بتلك الأفكار القديمة التي كانت ترسخ بها:
-كنت خايفة ترجع علشانه مش علشاني
-بس انا رجعت علشان روحي متعلقة بيكِ ومكنتش اعرف حاجة عنه…وانتِ
وضعت يدها على فمه راجية:
-بلاش تكمل…أنا اسفة واللهِ اسفة… سامحني
-مسامحك يا “نادين” ومش هتكلم في اللي فات…أنا بس عايزك تعرفي إني عمر ما في حاجة عرفت تغير حبي ليكِ
لتغيم عيناها من جديد وتقول بمشاعر صادقة وبنظرات تعدت العشق بمراحل عدة:
-كلمة بحبك متوفيش حقك اللي جوايا ليك اكبر من كده …زمان مكنتش بستوعب لما بتقولي( أنا نقطة ثابتة في ارضك) لكن دلوقتي استوعبت…أنت محور الكون بالنسبالي يا “يامن” ومش عايزة حاجة غير ابقى جنبك
لتتنهد مُسهدة تحت نظراته االدافئة التي تفيض فيض بمكنونها، وتوعده بوعد صادق تقسم أنها لن تخل به مهما حدث:
-إن دعيت ربنا ليل نهار أن ربنا يرجعك ليا و وعد مني ربنا شاهد عليه هعوضك عن كل اللي فات
كان قلبه يرفرف مع كل كلمة تخرج منها واكثر ما راقه بحديثها انه استشعر ندمها الصادق وادرك ايضًا خوفها أن تفقده بعد ما اصابه جعلها تتخلى عن تمردها وعنادها وكم تمنى أن يكون للأبد، لذلك عقب على وعدها وهو يزم فمه ويدعي حسرته:
-اه بصراحة انا اتبهدلت كتير ومحتاج دلع… ليرفع سبابته ويعتلي حاجبه وهو يضيف:
-ولعلمك بقى انا اتكروت في الجوازة دي وده ميرضيش ربنا لينظر لها نظرة جريئة ذات مغزى اخجلها وجعل وميض تلك الليلة الجامحة يترأى امامها:
-دي مكنتش بروفة دي؛ اللي مفيش تجارب بعدها
شهقت وقطمت شفاهها وهمهمت كي تتستر على خجلها وتلك القشعريرة بسائر جسدها:
-على فكرة أنت رخم… وقليل الأدب
قهقه هو على حرجها وتدرج وجهها لدرجة انه تأوه متألمًا وتمسك بصدره وعندما رأى لهفتها وخوفها تحامل وشاكسها من جديد بقلة حيلة :
-واللهِ انا كان نفسي ابقى معدوم الأدب زي ما وعدتك بس للأسف عندي وعكة صحية… اوعدك بعدها
-“يامن” بَطل
-هبطل يا مغلباني
قالها ببسمة حانية وبتنهيدة مُسهدة وهو يجذب رأسها ويجعلها تستقر بين طيات عنقه لتهمس هي بعدما سَكن قلبها:
-لو بنت هسميها “غالية”
-ولو ولد هسميه بُرعي
شهقت ونكزته برفق بيده ليتأوه و يتدارك قائلًا ببسمة واسعة:
-بهزر واللهِ بهزر يا مغلباني
لتتنهد مبتسمة وتتشبث بذراعيه وتمرغ وجهها بين طيات عنقه مغمضة العينين مستمتعة بتلك الطمأنينة والأمان الذي لم تحظى به سوى في كنفه.
———————
رفضت إتمام عقد القران إلا عندما تتحسن ظروف صديقتها مما أثار حنقه وهاهي تحاول إقناعه قائلة بعدما حضر لمنزلها كما طلبت منه:
-يا “حمود” علشان خاطري مش هعرف ابقى مبسوطة من غير “نادين”
تنهد وأجابها:
-انا مصدقت ابوكِ رضا عننا و وافق ومن يومها وانا بعد الايام… وبعدين احنا أجلنا مرة و هي بنفسها طمنتك وقالتلك انه فاق و بقى احسن وكلها كام يوم ويخرج من المستشفى
-بس انا مش هيهون عليا افرح وهي في الظروف دي
تنهد حانقًا وهب واقفًا يواليها ظهره دون أن يعقب بشيء، لتقترب منه قائلة:
-“حمود” متزعلش… انت اكتر حد عارف أن من يوم قراية الفاتحة وانا عقلي طار وبعد الثواني والدقايق مش الأيام علشان ابقى ليك بس…
-من غير بس يا “ميرال” اعملي اللي يريحك… انا ماشي
-“حمود” استنى ….
لم ينصاع لها وغادر مما جعلها تدب الأرض تحتها ويحتل الحزن معالم وجهها وهي تشعر بحيرة لا مثيل لها.
—————–
-“سعاد” متجننيش؟
قالتها “رهف” وهي تدور حول نفسها عبر الهاتف بعدما أخبرتها “سعاد” بتخمينها التي اصرت عليه مرة أخرى:
-مش يمكن يا “رهف” ليه لأ كل شيء جايز
توترت واجابتها:
-“سعاد” الله يخليكِ انا بكلمك افضفض معاكِ متعصبنيش بتخميناتك انا اصلًا مش فكراه
اجابتها “سعاد” من الطرف الأخر:
-بس انا فكراه وفاكرة مامته هو مكدبش عليكِ وبصراحة كلامه ملوش معني تاني غير اللي قولتهولك يا”رهف”
لترد بتوتر بالغ:
-وافرضي انا اعمل ايه يعني!
-مش مطلوب منك تعملي حاجة غير انك تستنيه يكملك الحكاية هو مش قالك في كلام لسة مجاش وقته اكيد مستني فرصة مناسبة
-انتِ عارفة اللي بتقوليه ده معناه ايه؟
-عارفة…وبقولك الحياة مش هتقف…ويمكن ربنا جمع بينكم علشان يعوضك وانتِ بنفسك قولتيلي أنه ذوق اوي معاكِ و وقف جنبك اكتر من مرة ده غير انه شهم وجدع وتصرفاته كلها سوية يبقى ايه المشكلة
زفرت هي حانقة وقالت بنبرة مختنقة بسبب انين قلبها:
-المشكلة فيا أنا يا”سعاد” حتى لو زي ما انتِ بتقولي بس انا معنديش استعداد اخوض تجربة تانية…حاسة إني متلغبطة وضايعة ومعنديش طاقة لأي حاجة غير لولادي ولنفسي وشغلي وبس
-المشكلة مش فيكِ يا “رهف” أنتِ كنتِ الحد الصح مع الشخص الغلط… و”نضال” حد كويس ومفيش وجه مقارنة بينه وبين “حسن”
لتتنهد وتعبر عن هشاشتها التي تخالف تلك القوة التي لطالما تتحلى بها أمام الجميع:
-بس “حسن” استنفذ كل حاجة جوايا يا “سعاد” انا حاسة أن جوايا فراغ ومعنديش مشاعر ولا حاجة أقدر اقدمها لحد.
-“رهف” علشان خاطري حاولي تدي لنفسك فرصة تانية الوقت كفيل يغير كل حاجة
-تفتكري ممكن يا “سعاد”؟
-اه ممكن والله انا متفائلة بس أنتِ فكيها كده وخلي الراجل يتلحلح ويتكلم …عارفة واللهِ انا عذراه تلقيه مرعوب منك هو اللي عملتيه فيه شوية ده انتِ كنتِ قليلة الذوق بشكل والله ما عارفة جاب طولة باله عليكِ دي أزاي…
ابتسمت “رهف”وردت وهي تقلب عيناها وتشعر بالخزي من عجرفتها السابقة:
-“سعاد” اقفلي انا غلطانة إني كلمتك
-خلاص خلاص حقك عليا هقفل بس اوعديني أنك متخليش بمعاهدة السلام اللي بينك وبينه وهتخليكِ على حياد ومش هتخسريه
-حاضر يا “سعاد” هحاول
-خلي بالك من نفسك ومن الولاد
-حاضر
لتغلق معها الهاتف وتتنفس براحة اكبر ثم تجلس على اقرب مقعد وتظل تفكر جديًا في حديثها ومواقف ذلك ال “نضال” تترأى أمام عيناها لتؤكد لها تخمين ابنة عمها.فيبدو أن عقلها قد استوعب الأمر ولديه قابلية لتقبله…ولكن ماذا عن انين قلبها!
—————-
طرقات صاخبة على باب شقتها جعلتها تهرول قائلة:
-يوه ما براحة ياللي على الباب هي الدنيا طارت
-اه طارت يا “شهد “وطار عقلي معاها بسبب اخوكِ
قالتها “ميرال” بعدما فتحت الباب لها، لتعقب “شهد “على حديثها:
-والنعمة انتو جوز مجانين وهتجننوني معاكم
-يا “شهد” هو اللي مش عايز يريحني
وهنا قالت “شهد” بصراحة متناهية :
-انا اه بحبك وادافع عنك برقبتي بس هو معاه حق …صاحبتك واطمنتي على جوزها وأجلتي مرة بسببهم…وبعدين هي بنفسها قالتلك افرحي يبقى ايه لزمتها
-ما انا جاية علشان اقوله إني اقتنعت ومعنديش مانع
-بس انا عندي
قالها وهو يخرج من غرفته ويجلس بسأم على أحد مقاعد السفرة امامها، لتشهق هي بخوف وتهرول له متسائلة:
-هو ايه اللي عندك!
اجابها وهو يكبت بسمته بصعوبة بالغة على خوفها ويدعي الغضب:
-مانع يا “ميرال”…عندي مانع …ومش موافق
فرت الدماء من وجهها وتلعثمت وهي على حافة البكاء:
-“محمد” انت بتقول ايه؟
نكزته “شهد” بذراعه ووبخته وهي تحتضن “ميرال”:
-بس يا خويا اقعد كده…قال مش موافق قال ده انت هتموت عليها …وبعدين اتلم ومتخلنيش اسيحلك واجرصك عندها
ابتسم هو بلا فائدة لتربت هي على ظهر” ميرال” وتطمئنها:
-سيبك منه ده بينغشك
هزت رأسهاوسألته بملامح تشبه الجرو الوديع دون أن تخرج من أحضان “شهد”:
-بجد!
قلد صوتها وكرر قولها ببسة مشاكسة وهو يهز رأسه:
-بجد…اه بجد…انا عارف مش هسلك معاكِ و”شهد” في صفك
عقبت “شهد”دون مجاملة وهي تخرج “ميرال “من أحضانها:
-اه ياخويا في صفها وعلى أد حبي ليك على أد ما بحبها
امتنت “ميرال” لها:
-ربنا يخليكِ ليا يا “شهد”…انتِ الوحيدة اللي مش بهون عليكِ
هنا عاتبها هو بعيون ضيقة:
-هي بس اللي مش بيهون عليها تزعلك مش كده
-اه ما انا هونت عليك
تنهد بعمق وقال بنبرة صادقة:
-عمرك ما تهوني يا “ميرال” انا بجد مقدر اللي حصل ومقدر شعورك ناحية صاحبتك…ومش قاصد ازعلك وعلشان كده سبتك براحتك أنتِ اللي تقرري
-طب انا قررت واستأذنت بابي ومعندهوش مانع نكتب الكتاب بكرة
تنهد بأرتياح وقال مرحبًا:
-ولا انا عندي مانع…
اتسعت بسمتها وهللت فَرحة:
-طيب حيث كده بقى انا يدوب احضر نفسي ومحتاجة اشتري شوية حاجات من المول وعايزة “شهد “معايا
عقبت “شهد” بعفوية على طلبها:
-معاكِ فين انا مفهمش في شرى المولات بتاعكم ده وبعدين البت “طمطم “عند حماتي وكنت شوية وهروح اجيبها
-علشان خاطري يا “شهد” انتِ عارفة ظروف “نادين” و”نغم ” مسافرة ومليش حد تاني ينزل معايا
عاتبتها “شهد” وهي تضع يدها في خصرها:
– ايه مليش حد دي! امال انا ايه وانتِ فكرك هسيبك ولا هتخلصي مني ده انتِ اختي الصغيرة يابت
اقتربت و وضعت قبلة على وجنتها قائلة بأمتنان حقيقي:
-ربنا يخليكِ ليا يا “شهد” وميحرمنيش منك ابدًا
-ولا منك
شاكسهم هو بعدما شَهد على ما يدور بينهم ضارب كف على أخر بقلة حيلة:
-اتفقتوا ربنا يستر
ماشي أمري لله اخرجوا بس ياريت متتأخروش علشان “طمطم “
هزت رأسها بطاعة وبينها وبين نفسها تحمد ربها أنه عوض احتياجها وحرمانها بأنتمائها لهم.
————————-
ابتاعوا الكثير من الاشياء حين وقفت هي مشدوهة أمام أحد العارضات الزجاجية لأحد المحلات لتباغتها “شهد” مستغربة:
-في ايه مال وشك جاب سبع الوان كده ليه!
أجابتها بخجل ووجهها يتوهج حد الاشتعال:
-هاا…ابدًا أصل…
قالتها وهي تشير بنظراتها على أحد المعروضات التي جعلت “شهد “تعقب على حرجها:
-اصل ايه! ده لانچري يا موكوسة ايه اول مرة تشوفيه
-لأ بس عريان اوي! هو في ناس بتلبس كده !
لوت “شهد” شدقيها واخبرتها وهي تجذبها من رسغها ليجلسون على احد المقاعد بالساحة الواسعة داخل ذلك المركز التجاري :
-اه يا ختي الحاجات دي عادي بعد الجواز
شهقت وقالت قبل أن ترفع الكوب البلاستيكي لفمها كي ترتشف جرعة وفيرة من محتوياتها حتى تداوي جفاف حلقها:
-ازاي بس يا “شهد “انا اموت من كسوفي لو لبست حاجة كده
-بيتهيئلك وكسوفك ده مش هيبقى ليه لازمة لما تاخدي عليه
هزت “ميرال” رأسها بشيء من الأقتناع لتتسائل “شهد”:
-هو انتِ مش شايلة حاجات من دي للجواز
نفت برأسها وقالت بحرج وهي تلملم خصلاتها:
-لأ… انا اصلًا اتكسف اشتريها.
لوت “شهد” فمها وعقبت على حرجها:
-على رأي البت” طمطم” انتِ ابيضة
معقول معندكيش خلفية عن حاجة
-وانا هعرف منين يا” شهد” انا طول عمري لوحدي لا عندي اخت ولا أم ولا حتى صاحبة عاقلة جربت وتفهمني
تنهدت” شهد “بحزن على حالها وكم شعرت بالمسؤلية تجاهها:
-انا معاكِ يابت اعتبريني امك واختك وصاحبتك ومش هسيبك وكل قشاية في قلب بيتك هجهزها معاكِ
تهللت اسارير “ميرال” وشكرتها من قلبها وتسائلت بعدها:
-تعرفي إني عمري ما سألتك عن جوزك الله يرحمه
-الله يرحمه
-احكيلي عنه يا “شهد “اتجوزتيه عن حب
-لأ… بس كان ابن حلال وطيب ويتحب ولما اتقدملي “حمود” ارتحله وقالي انه هيبقى أمين عليا والشهادة لله كان محترم والخلق كلها بتشهد بكده وعمري ما شوفت منه غير كل خير
-هو مات ازاي
اجابتها بتنهيدة وبملامح متهدلة:
– كان صنايعي و وقع من على السقالة وراح وفاتني انا والبت
واستها “ميرال” وهي تربت على يدها المسنودة على الطاولة:
-معلش ربنا يرحمه
ابتسمت “شهد “وامنت على دعوتها،ثم قالت:
-طب مش عايزين نتأخر زي ما قال “حمود” علشان “طمطم” عند حماتي
-حاضر…بس شكل حماتك طيبة علشان كده لسه بتوديها لغاية دلوقتِ
-اه طيبة ويتموت فيا وعلطول دعيالي اصل انا مش بسيبها وبتقي ربنا فيها … ما انا عندي بت وربنا هيقعدو فيها لتضيف ذلك المثل الشعبي القديم المتوارث :
-اصل كل حاجة سلف ودين حتى المشي على الرجلين
قهقهت “ميرال” بقوة على ذلك المثل العجيب الذي لأول مرة تسمعه وعقبت:
-انتِ بتقولي حاجات عجيبة يا “شهد”
لوحت بيدها التي تحمل كوب عصير مثلها وقالت بخفة:
-مش اعجب من الكوكتيل اللي انتِ طلبهولي ده والنعمة وجع بطني
هو ماله الشاي بالقرنفل على الأقل اعرفه وعمره ما قصر معايا
لتقهقه “ميرال” من جديد وتشاركها هي ضحكاتها حين وصلهم صوته وهو يقترب منهم:
-“ميرال” ايه الصدفة الحلوة دي مقولتيش انك جاية هنا…
اندثرت ضحكات “شهد” ونظرت له نظرة عابرة متوترة في حين قال هو دون مصافحة:
-ازيك يا مدام “شهد “
هزت رأسها بمعنى انها بخير،بينما “ميرال” قالت مرحبة:
-اهلًا أبيه “كاظم” بتعمل ايه هنا!
-ابدًا كنت بحاول اشتري فستان ل “سنا” لكن فشلت فشل ذريع…هو ينفع تسعدوني في اختياره
-اكيد يا أبيه هنيجي معاك
زجرتها “شهد” بنظراتها وجذبتها لتهمس بأذنها:
-نروح معاه فين هنتأخر و”حمود” هيعلقنا..
ترجتها “ميرال ” بصوت خفيض للغاية لم يصل له:
-معلش مش هنتأخر هنجيب الفستان بسرعة اصل عيب نكسفه…
تنهدت” شهد “موافقة ونهضت مضطرة معهم وهي تشعر بعدم الراحة فرغم تحفظه وهيبة شخصيته إلا أنها توترت وشعرت انها تحت المجهر بحضرته.
بينما هو كان يشعر بلأمتنان لتلك الصدفة التي قدرها الله كأشارة مُبشرة تمهد لمشيئته.
———————–
-سيبوني خد مني كل حاجة كل حاجة… ده ذنبها…ذنبها… وذنب ناس كتير انا مش عايزة اعيش سيبوني…
ذلك ما كانت تصرخ به حين حاول أحد الأطباء اعطائها حقنة المهدئ المعتاد الذي وصف لحالتها بعد ذلك الانهيار العصبي التي انتابتها بعد فعلته بها فلم تعي على ذاتها إلا وهي بالمشفى بعدما وجدتها خادمتها حين عودتها بالصباح تنزف بشدة وبحالة مريعة يرثى لها فقد قامت بالإبلاغ وتم نقلها لأقرب مشفى بعد أن تم اغتصابها بكل وحشية وتم فعل كل الأفاعيل بجسدها بشكل لا ينتمي للأدمية بشيء لا والأنكى أنه لم يكتفي بذلك بل سرق كل مالها ومصوغاتها التي جَنتهم من خلف سذاجة الرجال وقهر نسائهم فكانت لسوء حظها تحتفظ بكل شيء في منزلها ولم يمر الأمر عليه فهو ليس بذلك الغباء حتى انه لم يترك شيء يدينه ومحى أي أثر له يدل على دخوله منزلها من الأساس، وأثبتت التحقيقات التي اجرتها الشرطة فور اتهامها له أنه فر من البلد تاركها تجني ثمار ما جنته يديها وتتجرع مرارة القهر التي أذاقته لغيرها.
————————
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكم في خير .
قالها المأذون بعدما انتهى من عقد قرانهم
وفور نطقه لأخر جملة تعالت الزغاريد والمباركات من حولهم وهاهي بعد انقضاء الحدث السعيد تصحبه معها كي تريه ذلك الركن المحبب لها بالحديقة الخاصة بالقصر حيث زهور الأقحوان…فكانوا يسيرون معًا ونظراتهم متشابكة والبسمة لا تفارق وجههم يتنهدون تنهيدات مُسهدة مفعمة بسعادة قلوبهم، يخلل هو اصابعه بين اناملها بعناق قوي لم تعهده منه من قبل أما هي فكانت تتشبث بيدها الأخرى بذراعه وكأنه هو طوق نجاتها…
فقد مال بجزعه وجذب احد الورود ودسها في خصلاتها قائلًا بوله تام وبنظرات حالمة:
-اخيرًا بقيتِ حلالي يا حلو
هزت رأسها و وضعت يدها تحتضن موضع خافقها وقائلة بسعادة متناهية:
-اخيرًا يا “حمود” انا قلبي دقاته بترقص وخايفة يقف من الفرحة
تنهد تنهيدة محملة بالكثير وهمس وهو يلملم خصلاتها ويضعها خلف اذنها:
-سلامة قلبك ودقاته يا حلو…ربنا يقدرني واسعدك
– انا مش عايزة حاجة تانية من الدنيا انت كل احلامي يا “حمود “
وهنا صرح بنظرات حالمة أفقدتها عقلها:
-وانتِ سر قلبي اللي معرفتش ادفنه جوايا…و النجمة البعيدة اوي اللي عمري ما اتخيلت إني اوصلها أو امتلك قلبها يا “ميرال”
-أنت مملكش قلبي وبس أنت امتلكت روحي وعقلي وكل كياني أنا بحبك اوي يا “حمود” بحبك
لم يستطيع كبح رغبته أكثر من ذلك بعد حديثها فقد ترك العنان لرغبة قلبه حين
جذبها بغتة له كي ينعم بقربها ويحقق تلك الرغبات المكبوتة التي كانت تؤرق مضجعه منذ وقوعه بها ولكنه لطالما خاف ربه وكبحها…فقد عانقها عناق قوي مفعم بـ الدفء والأهتمام وملفح بتلك المشاعر الجارفة التي تأججت بقوة حين تسللست رائحتها المسكرة لكافة حواسه وبعثرته على الأخير…بينما هي فكانت تشعر أنها استحوذت على دفء وحنان وطمأنينة العالم أجمع بين يده حتى أنها كانت تشعر بقلبها يتراقص ويتراقص بجنون بين ضلوعها لتهمس بخفوت وهي تمرغ وجهها بصدره:
-حضنك حلو أوي يا “حمود”
-مش حضني بس على فكرة
رفعت رأسها دون أن تفصل عناقها لتجد نظراته بها نظرة راغبة لأول مرة يطالعها بها، لتبتلع ريقها وتستند بكفوفها على صدره ضائعة مترقبة في حين هو كاد يموت من شدة توقه لترياقها لذلك مال بوجهه والتقم شفاهها بقبلة هادئة، حالمة،متمهلة يصعب وصفها، وكأنه أراد يكافئ ذاته على قوة احتماله وتحامله من أجل إِجازة نيلها…بينما هي كانت مغيبة، مأخوذة به وبحلاوة مذاقها…فصل قبلته التي فاقت كافة تخيلاته الجامحة ثم قال لاهثًا وهو يحتوي وجهها بين يده:
-أنتِ ازاي حلوة كده حرام عليكِ
كانت تشتعل من شدة خجلها وتحاول تنظيم انفاسها تنظر له مستغربة تلك الجرأة التي أصبح عليها، ليعقد حاجبيه الكثيفين ويتفهم ما يدور بذهنها ويمد أنامله يلملم خصلاتها التي تعيق رؤيته لوجهها ويهمس وبندقيتاه تهيم بها:
-عارف أنك مستغرباني بس انا عمري ما كنت هغضب ربنا فيكِ قبل كده واحنا مفيش بينا رباط شرعي…كنت عايز ربنا يرضا عننا ويباركلنا…لكن دلوقتي أنتِ مراتي يا “ميرال” قدام ربنا وصدقيني لومكنتش عملت كده دلوقتِ كان هيحصلي حاجة
-بعد الشر عليك يا حبيبي
همست بها بلهفة وخوف قبل أن تطرق رأسها وتعي لزلفة لسانها،
لتتسع بسمته ويشاكسها وهو يرفع وجهها بطرف انامله:
-قولتي ايه؟
-“حمود” خلاص بقى متكسفنيش
-يخربيت “حمود” وسنين “حمود” دي… ده يا سبحان من كان مصبرني على “حمود” اللي كانت بتطلع منك تقومي تقوليلي يا حبيبي لأ انا كده مضمنش نفسي بصراحة والشيطان زي ما انتِ عارفة شاطر
قالها وهو يقرب وجهه أكثر ويلفحها بأنفاسه الثائرة وهو ينوي تكرار الأمر، لكنها شهقت بخجل ودفعته بصدره وتخطته مدعية غضبها:
-أنت بقيت غريب!
انا مش عرفاك! فين “حمود”
قهقه هو بكامل صوته الرجولي وطوح رأسه للخلف بطريقة رفرفت قلبها وجعلتها تتسأل ترى للمرة الكام التي وقعت بها بحبه
لتهدأ ضحكاته ويلتقط نظراتها ثم يقول مشاكسًا:
-متبصليش كده بقى علشان ارجع مؤدب…وبطلي جر شكل انا ماسك نفسي بالعافية ومش عايز اغرغر بيكِ
شهقت متفاجئة من جرأته الغير معهودة ثم دبت الأرض بحذائها وكأنها تود ان تنشق وتبتلعها كي تخفي خجلها:
-أنت غلس وهمشي واسيبك
كادت تخطوا خطوتين بعيد عنه ولكنه لحق بها وهو بالكاد يخفي بسمته المستمتعة:
-خلاص ياحلو … ميبقاش زعلك وحش…
نفت برأسها ليضيف مشاكسًا:
-شكلك عايزة تتصالحي مش كده
قالها بغمزة من عينه ذات مغزى، تفهمته هي وتوجست خيفة منه و تقهقرت بخطواتها:
-لأ خلاص انا مش زعلانة…مش زعلانة
قهقه من جديد على ردة فعلها ثم عقب يطمئنها:
-طب خلاص تعالى نرجع و وعد مش هغلس عليكِ تاني
حانت منها بسمة هادئة وهي ترى نظراته الصادقة وهزت رأسها بموافقة ليختصر هو المسافة التي صنعتها ويعانق يدها بقوة وكأنه ملك العالم بأمتلاكها ويشاكسها مرة اخيرة بغمزة من بندقيتاه:
-بصي علشان ابقى صريح هو مش وعد اوي يعني… ويجوز اخل بيه
-“حمود”
-يخربيت “حمود”
قالها وهو يقلب عينه بنفاذ صبر وببسمة واسعة وهو يكمل سيره معها وبينه وبين ذاته يحمد الله الذي أتم نعمته عليه على خير.
——————
بينما في الجانب الأخر للقصر وخاصًة على تلك الأرجوحة الكبيرة كانت تجلس الفتاتان وتقوم هي بدفعهم برفق حين قالت “سنا” وهي تتلمس جديلة شعر “طمطم”:
-تسريحة شعرك حلوة اوي يا “طمطم” انتِ اللي عملاها انا نفسي اعمل شعري كده
-لأ ماما اللي عملهالي
تهدلت معالم “سنا” وقالت بحزن:
-انا معنديش ماما علشان تعملهالي
حديثها قطع نياط قلبها وجعلها تقول وهي توقف الارجوحة:
-خدوني جنبكم هو انا مليش نفس ولا ايه
رحبوا بها وافسحو لها بينهم ، لتقول وهي تجلس و تدير “سنا” لتواليها بظهرها :
-هعملك ضفيرة إنما ايه احلى من بتاعت البت “طمطم” ألف مرة وهعلمك تعمليها كمان بطريقة سهلة
اتسعت بسمة “سنا “وقالت بسعادة:
-بجد يا طنط “شهد” هتعلميني اعملها كمان
اكدت “شهد” لها وهي تقوم بتفريق خصلاتها الشقراء الناعمة إلى ثلاث ثم قامت بجدلهم وهي تشرح لها كيفية عملها وإن انتهت احتارت في ايجاد شيء يحكم أخرها لتحل حجابها وتنزع رابطة شعرها الحريري الذي انساب كشلال متدفق حالك السواد ليعيق رؤيتها ويعيق معه حركة ذلك الذي تسمر بأرضه هناك منبهر بها، لم تنتبه لوجوده قط فقد هزت رأسها للخلف ترجع شعرها و وضعت حجابها مرة اخرى على رأسها ثم ربطتت رابطتها بشعر “سنا” كي تنهي مظهرها قائلة:
-ايه رأيك بقى بقيتي شبه البت ربنزل
ضحكت “طمطم” تزامنًا مع قهقهت “سنا “وتفقدت الجديلة بأنبهار بعدما وضعتها على كتفها و قالت فَرحة وهي ترتمي بأحضانها:
-دي حلوة اوي اوي يا طنط “شهد” شكرًا انا بحبك اوي
ابتسمت “شهد” ودثرتها بحنو بين احضانها قائلة بعدما وضعت قبلة حانية على قمة رأسها:
-والنعمة انا اللي حبيتك ودخلتي قلبي من اوسع ابوابه
خرجت” سنا” من بين احضانها ببسمة واسعة لتقترح طمطم عليها:
-طب تعالي نلعب بقى وعايزة اشوف حوض الورد
إنصاعت “سنا” لرغبتها ولكن بعد أن وضعت قبلة خاطفة على وجنة “شهد” جعلتها تبتسم بسمة متحسرة على يُتم تلك الصغيرة التي قطعت حاجتها للأهتمام نياط قلبها
-البنات مبسوطين اوي مع بعض
اجفلها صوته لتشهق متفاجئة وعقبت متسرعة وهي تضع يدها اعلى صدرها:
-يالهوي…مش تحمحم ولا حاجة يا اسمك ايه والنعمة خضتني
اعتذر بلباقة وبكل أدب وهو يقف على بعد مسافة كافية منها:
-انا اسف مكنش قصدي اخضك
تنهدت وصوبت نظراتها نحو لهو الفتاتان من جديد:
-خلاص محصلش حاجة
تحمحم هو وحاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث:
-“سنا” حبت “طمطم” جدًا واتعلقت بيها
اجابته بعفوية ومازالت عيناها على الصغار:
-وانا و”طمطم” كمان حبناها اوي وبصراحة بنتك أسم الله عليها تتحب بسرعة وتدخل القلب من غير استئذان
أكثر ما يروقه بها هو عفويتها وصراحتها المتناهية التي تنم عن قلب لا يعرف الضغينة ولا يوجد به ذرة لؤم واحدة وحقًا بعد تعامله المُتحفظ معها أمس عن قرب وما فعلته مع ابنته الأن ورأه بأم عينه تأكد ان قراره بمحله، لذلك حاول أن يلمح لها:
-مش لوحدها …في ناس من كتر ما هي بسيطة ومريحة تدخل القلب برضو ومن غير استئذان
استشعرت بفطنتها ما يرمي له ولكنها حاولت أن تتروي وهي تحاول اقناع ذاتها أنه لم يتعمد أن يغازلها فهيئته بعيدة كل البعد عن هؤلاء الرجال الذين يستهون العبث، ولكنه استأنف ليزعزع رأيها:
-زيك كده يا “شهد” …
وهنا لم تستطيع كبح لجام لسانها وقالت بشراسة متسرعة دون لحظة تفكير واحدة وهي تهب من على الأرجوحة:
-لأ بقولك ايه انا مش مرتحالك من الأول؟ أقف معوج واتكلم عدل…إلا كلامك مايل ومش لايق على هيبتك.
توقع ردة فعلها لذلك حاول تهدئتها:
-اهدي علشان اعرف افهمك واكمل كلامي
-تفهمني ايه اصلًا مفيش كلام بينا وابعد من سكتي بقى أنا لولآ مش عايزة انكد على اخويا كان ليا تصرف تاني معاك
قالتها وهي تخطوا بعيد عنه ولكنه لحق بها قائلًا:
-على فكرة أنا مستئذن “محمد” إني افاتحك واتكلم معاكِ
-مش فاهمة
-طيب بصراحة كده انا طلبت ايدك من اخوكِ
احتلت الصدمة وجهها وانحشر الحديث بحلقها ليستأنف هو برزانة وبنبرة عقلانية هادئة:
-اسمعيني لو سمحتِ انا عارف أنك متعرفنيش كفاية وعارف أننا شوفنا بعض مرات قليلة لكن أنا ارتحتلك ولقيت فيكِ حاجات مصدفتهاش قبل كده… مش هقولك حبيتك واضحك عليكِ وعلى نفسي بس هقولك معجب جدًا بيكِ وبشخصيتك ولقيت فيكِ مميزات كتير أنا وبنتي محتاجينها…وصدقيني لو وافقتي هبقى اسعد حد في الدنيا واوعدك أنك مش هتندمي
حديثه وترها بشدة وجعل وجيب قلبها يتعالى..فدون قصد منه عزز ثقتها بنفسها و ايقظ مشاعر كامنة كانت تناستها بعد وفاة زوجها…فشعور كونها مازالت مرغوبة كان أكثر من مرضي لها ولكن ما يطلبه هو لم تفكر به قط من قبل وكانت ترفض رفض قاطع كل من يتقدم لها وتوبخ بشدة من يحاول إقناعها بالأمر ولكن الأن لاتعلم ما اصاب لجام لسانها الذي نطق على غير عادته مترويًا:
-هو “محمد” قالك ايه؟
اجابها بنظرات مُتحفظة وببسمة مريحة هادئة:
-قالي أنتِ صاحبة القرار
زاغت نظراتها بتوتر واطرقت برأسها ثم تهربت قائلة:
-انا هروح اشوفه فين علشان لازم نمشي الوقت اتأخر
-“شهد”
جمدها بأرضها
فلا تعلم لمَ ارتجف بدنها حين نطق بأسمها مجرد دون ألقاب لتلتفت له بملامح متوترة حين استأنف برزانة وبنبرة هادئة:
-هسيبك تفكري براحتك ومش هضغط عليكِ بس بتمنى يكون قرارك في صالحي
ابتلعت ريقها وتهربت بنظراتها متلعثمة:
-اللي فيه الخير يقدمه ربنا…عن اذنك
لتحين منه بسمة متفائلة ويدعو الله أن تكون من قسمته فمنذ الوهلة الاولى التي رأها تجسدت بها تلك السَكينة و الانتماء والدفئ الذي طالما كان يفتقده في سنوات غربته.
———————-
طرقات على باب منزلها جعلتها تهرول تفتح الباب لتتفاجئ به أمامها، ترددت لوهلة قبل أن تدعوه قائلة:
-ادخل يا بشمهندس اتفضل
انصاع لها ببسمة باهتة وإن فعل هرولو اطفاله له مهللين:
-بابي… وحشتنا
-وانتو كمان يا ولاد
تعمدت ان تمنحه بعض الوقت معهم وجلست تباشر عملها على حاسوبها وبعد بعض الوقت طلب هو منهم بأرهاق ظهر جلي على تقاسيم وجهه:
-معلش يا ولاد انا تعبان من الطريق ومحتاج اروح ارتاح
لتدخل هي:
-يلا ياولاد علشان هتصحوا بدري عندنا مدرسة الصبح
انصاعوا لها وقاموا بتركهم لتتسأل هي بأهتمام:
-“يامن” عامل ايه دلوقتي؟
اجابها وهو يحل اول زرار بقميصه:
-الحمد لله فاق وكلها كام يوم ويخرج من المستشفى
-إن شاء الله هيبقى احسن وهيخرج بالسلامة متقلقش
هز رأسه يستبشر بحديثها ثم اخرج مفاتيح سيارتها قائلًا:
-معلش مقدرتش ارجعهالك قبل كده مكنش ينفع اسيب خالتي… انا حتى هرجع لهم تاني بس بعد ما اشوف الشغل
-لو عايز خلي العربية معاك
نفى برأسه وهب واقفًا ينوي المغادرة:
-لأ ملوش لزوم…
انا همشي محتاج ارتاح
-استنى
قالتها وهي تفرك بيدها ولا تعلم من اين تبدأ مما جعله يتأهب بأهتمام بالغ لحديثها وهو يظن انها ستعدل عن قرارها بينما هي
كادت تفاتحه بأمر مساعدتها له بشأن عمله ولكن منعه رنين هاتفه الذي صدح بألحاح عجيب جعله يضغط زر الألغاء و يزفر حانقًا ثم يتسائل بترقب وبنبرة صدرت منه راجية:
-اتكلمي يا “رهف” انا سامعك
-رد طيب على التليفون
قالتها بعدما تكرر رنين هاتفه ليجيب حانقًا على الطرف الأخر:
-ألو خير؟
وعندما اتاه الرد من الطرف الأخر ليسقط الهاتف من يده وتتجهم معالمه بشدة وتتشوش رؤيته لدرجة انه كاد يفقد اتزانه وترنح بوقفته مما جعلها تقترب منه تحاول ان تُسنده متسائلة بقلق:
-“حسن” مالك في ايه؟
ايه اللي حصل؟
عجز عن نطق شيء من شدة جفاف حلقه النابع من صدمته… لتتمسك هي ذراعه كي تدعمه ولكن حالته تفاقمت واخذ يلهث وكأنه يعاني ليلتقط انفاسه ثم دون سابق انذار كان جسده يتهاوى مثل قلبها اسفل قدمها.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)