رواية خطايا بريئة الفصل العاشر 10 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء العاشر
رواية خطايا بريئة البارت العاشر
رواية خطايا بريئة الحلقة العاشرة
أعلمُ أني لن أكونَ قويةً على امتدادِ الطريق، لذلكَ أريدكَ أن تأخذَ بيدي وتردني إلى الصواب، أرجوك، كُن معي لنمضي معاً إلى آخر المشوار .
خولة حمدي
(في قلبي أنثى عبرية)
———————
توجهت بخطوات مهزوزة نحو السيارة وهي تدعوا الله ان لا يتلاشى ثباتها وتنهار قبل وصولها، لمحها من بعيد ليشعل المقود تمهيدًا للانطلاق عندما تصعد، وحين فعلت نظر لها عبر مرآته الأمامية نظرة خاطفة كانت كفيلة أن يلحظ شحوبها ورجفتها المسيطرة عليها وانكماشها، ورغم أن هيئتها محزنة للغاية إلا انه ازاح افكاره وذلك الفضول اللعين بعيدًا فهو قد حسم أمره وقرر أن لا يقحم ذاته بها أكثر هو فقط سائق لديها ويؤدي عمله ليس أكثر، بينما هي كان الكثير من الضجيج برأسها فهنا أبيها الذي خذلها في الصباح أثر نظرة واحدة متسلطة من زوجته، وهنا اصدقائها الذين يتهامسون عليها، وهناك في زاوية بعيدة مظلمة يظهر هو يخبرها بكل فخر أنه فضل آخرى عليها أما الصوت الطاغي داخل رأسها هو صوت الإحتياج فماذا كانت تنتظر من كل هؤلاء غير الخذلان إذا كان والدتها التي أتت بها لتلك الحياة قد خذلتها وتخلت عنها، وعند تلك الفكرة وجدت ذاتها تجهش بالبكاء وتضع كفوفها على رأسها وتضرب عليها عدة ضربات متلاحقة وكأنها تود كبح ذلك الضجيج الذي يجعلها تفقد السيطرة دائمًا وتخور ارادتها
اوقف هو السيارة بِجانب الطريق والتفت لها متسائل بإسترابة:
– آنسة “ميرال” مالك …اهدي
نفت برأسها بطريقة هستيرية وزاد نحيبها وهي مازالت تضرب على رأسها مما جعله ينحني بِجزعه من جلسته ويجذب يدها كي تكف عن ما تفعله:
-اهدي …هتأذي نفسك
تلوت من قبضته و صرخت بانهيار وكأنها مغيبة تخاطب تلك الأصوات برأسها:
– كفاااااااااااية اسكتواااااااااا…تعبت … تعبت
كان هجومها شرس لم يتملك السيطرة عليها من موقعه وخاصةً أنها ظلت تدفع يده التي تحاول منعها بقوة اشعرته بوخز قوي بجرح يده مما جعله يصيح بكامل صوته الأجش:
-أهدي … بقولك هتأذي نفسك رفق قوله بهرولته خارج السيارة وفتحه لبابها ثم أنحني بجزعه كي يصل لها ثم استطاع بجدارة ان يتفادى دفاعها ويقبض على رسغيها بين قبضته وهدر بنبرة صارمة نفضتها واعادتها شيء من وعيها:
– استهدي بالله كده، واهدي
لثوانً معدودة حاولت ان تتحكم بوتيرة أنفاسها وهي تطالع تلك النظرة الصارمة بعينه وقبضة يده التي تعتصر رسغها ثم اومأت له كي تسايره و قالت بنبرة مهزوزة بعدما ركزت نظراتها على حقيبتها بِجوارها:
-ههدى بس عايزة ميا …هاتلي ميا، او عصير أي حاجة
التقط نظراتها واستنبط ما تود فعله، ولذلك هز رأسه ليسايرها وترك رسغيها ثم انسحب من أمامها تارك بابها دون ان يغلقه بينما هي حتى لم تمهل ذاتها فرصة لكي تتأكد من ابتعاده واخذت تبحث بحقيبتها ولكن مع تلف أعصابها صرخت بنفاذ صبر وفضت محتوياتها كاملة على المقعد بعشوائية عارمة حتى أن ما تبحث عنه سقط بجانب قدمها بأرضية السيارة وحين همت بأن تلتقطه كانت يده القوية تسبقها إليه ونظراته المتخاذلة تكاد تحرقها بموضعها مما جعلها تصرخ بإحتجاج وبأعصاب تالفة:
– هات الحبوب
نفى برأسه وهو يطالعها شذرًا بعدما تيقن أن ما بيده هو سبب نكبتها
ليحتل الغضب قسمات وجهه ويهدر من بين أسنانه:
– هي دي اللي بتعمل فيكِ كده؟
لتصرخ به بإنفعال شديد :
– ملكش دعوة، وهات الحبوب
استفزه قولها ليصرخ بوجهها:
– بس انتِ وعدتيني مش هتأذي نفسك
نفت برأسها بهستيرية وصاحت مستنكرة بيأس وبعزيمة انعدمت لديها وهي تحاول أن تجذب يده لتستحوذ على ما بها:
-محدش قالك صدقني، حياتي وانا حرة فيها ولو عايز تقول ل بابي قوله بس اديني الحبوب
– لأ … مش هسيبك تضيعي نفسك وتحزني اهلك عليكِ
قالها بإصرار عجيب وهو يعتدل بجسده خارج السيارة ويفض ما بيده على الأرض ثم دهسها تحت قدمه حتى أصبحت هي وتراب الطريق سيان، مما جعلها تشهق من جديد بخيبة أمل وتنزل من السيارة خارة على ركبتيها تتطلع تحت قدميه باكية وتستفيض بنبرة واهنة متألمة زلزلت قاع قلبه ككل مرة:
– حرام عليك … دي هي الحاجة الوحيدة اللي بتخليني مشغلش عقلي …الحاجة الوحيدة اللي بتخليني مفتكرش أنها سابتني واتخلت عني …بتخلينى انسى انشغال ابويا وتحكمات مراته فيه …لتشهق بحرقة جثت على صدرها وتستأنف من بين عبراتها الحارقة:
– بتخليني انسى كل الكلام اللي اصحابي بيقوله … بتخليني انسى أني وِحشة و عمر ما حد حبني ولا اتمسك بيا… ليه عملت كده ….ليه حرام عليك؟؟
كان يستمع لها ومع كل كلمة يشعر ان قلبه ينتفض بين أضلعه حزنًا عليها وتأثرًا بانهيارها حتى انه غامت عيناه وانخفض لمستواها قائلًا بنبرة متعاطفة وهو يحاوط ذراعيها ببعض التحفظ:
– أنتِ مش وِحشة ومحدش معصوم من الغلط، ومش معنى ان كل اللي حواليكِ خذلوكي و مقدروش قيمتك يبقى تفرطي فيها وتعلقي أخطائك على شماعتهم، افتكري ان في ربنا قادر يعوضك بالأحسن، بلاش تيأسي وتستسلمي للقرف ده، قاومي مش علشان حد، علشان نفسك أنتِ
رفعت فيروزتاها الباكية له بِضياع تحاول أن تستوعب حديثه التي شعرت انه خاطب نقطة كامنة بعقلها،
لتتحجج بنظرات زائغة وهي تضرب كفوفها على الأرض الترابية بيأس:
-حاولت كتير وفشلت
ليجيبها بإصرار وبنبرة واثقة كي يبث بها بعض التفاؤل المنعدم لديها:
-كلنا بنفشل بس بعد كل مرة لازم يبقى عندنا اسباب مش أعذار، الفشل بيبقى فرصة تانية علشان نبدا من جديد بس بعزيمة اقوى
لتهمس هي بقلة حيلة وبإحتياج لا مثيل له:
– بس انا تعبت ومش عارفة أكمل لوحدي
أبتلع غصة بحلقه و وجد ذاته يصرح ضارب بقاموسه وتعقله عرض الحائط:
-انا معاكِ
صمتت لوهلة تسترد أنفاسها واستكانت تكفكف دمعاتها قائلة بعدم استيعاب:
-أنت
-صحاب زي ما طلبتي مني …
ليحمحم بحرج ويستأنف وهو يمسد جبهته بإبهامه وسبابته:
-واضح أن شغلي معاكِ هيقلب كل الموازين
لاحت بسمة باهتة على ثغرها بعدما لامس حديثه بطريقة ما اوتار قلبها، ليبتسم هو أيضًا ويحثها بعينه أن تنهض معه وبالفعل انصاعت له ليجلسها على طرف المقعد الخلفي ولكن ظلت قدميها على الأرض ليجلس القرفصاء أمامها ويقول بنبرة هادئة يحاول بث السَكينة بها:
-استهدي بالله كده…وحاولي تتنفسي وإن شاء الله هتبقي أحسن وكله هيبقى زي الفل
تعلقت عيناها الباكية به تود حقًا ان تصدق أن كل شيء سيكون أفضل، ليطمئنها هو بعينه ويطلب منها متوجسًا:
-هجبلك ميا متتحركيش من مكانك
هزت رأسها بضعف وتتبعته بعيناها وهو يركض للمحل القريب يجلبها منه ثم بلمح البصر عاد لها و حثها أن تتناول القليل منها لكي تهدأ ولكن هي رفعت يدها المرتجفة تلتقطها منه ولكنها تراجعت
عندما وجدتها متسخة أثر تراب الأرض التي كانت تفترشها منذ قليل
ليتفهم هو ويهم بفتح الزجاجة ويقوم بجذب يدها و فركها برفق بين يده أثناء سكبه للمياه عليها وإن انتهى وجد ذاته دون وعي او ذرة تفكير وكأنه يتعامل مع ابنة شقيقته حين تبكي ويريد ان يراضيها فقد قام بإزاحة خصلاتها المتهدلة على وجهها بفوضوية يضعها خلف أذنها بحرص شديد كي يفسح المجال ليده التي سكب عليها القليل ايضًا ان تمر على وجهها الملطخ بالدموع مرة وراء مرة ثم مد يده لها بعلبة المحارم الورقية، ولكنها لم تنتبه فكانت تنظر له بضياع و شدوه تام مما يفعله حتى انها لم تعترض بل كانت مأخوذة بكل رد فعل يصدر منه تجاهها ورغم أن نظراته وحتى صوته الأجش يبدو صارم وجاد للغاية إلا أنه مغلف بالاهتمام الذي تفتقده بشدة
أما هو لا يعلم ما أصابه وجعله يضرب بكل قراراته السابقة عرض الحائط، ربما كونها استرسلت معه بالحديث وشعر بمعاناتها وصدق حديثها، وعندما ألتقط نظراتها الضائعة وجد ذاته يهيم بها وكأنه مغيب وسلبت منه كافة إرادته وشيء ما هناك بخافقه يخبره أن لا مفر من التورط بها، قطع ذلك التواصل البصري الذي يشتته لحد كبير و
تحمحم يجلي صوته كي يصدر لين بعض الشيء وهو يزيح بنظراته بعيدًا عنها:
-بقيتي احسن
حركت رأسها بضعف وتناولت المحارم من يده ببسمة باهتة بعدما استعادت ثباتها بعض الشيء ثم همست:
-عايزة اروح بعد أذنك
أومأ لها ونهض من جلسته بينما هي عدلت وضعية جلستها داخل السيارة واغلقت بابها ثم تكورت على ذاتها واغمضت عيناها كي تحفز ذاتها وتتغاضى عن إلحاح عقلها
إما هو انحنى يلتقط شيء ما من الأرض ودسه بجيبه خِفية ثم جلس بموقعه خلف المقود وقبل أن يشرع بالقيادة كان ينظر من مرآته الأمامية وهو يلعن ذلك الشعور الغريب الذي يداهمه نحوها
————————–
كان في قمة سعادته وهو برفقتها ويرى حماسها وذلك الجانب الطفولي منها أثناء قيادة السيارة، حتى انها على غير عادتها ألتزمت بكافة تعليماته بشأن توخي الحذر من الطريق و كانت مُطيعة، تستمع له دون اعتراض أو مجادلة وكم يعشق طاعتها وتلك البسمة الآسرة التي تزين ثغرها لتوها وهي تجلس بِجانبه وتبادله النظرات من حين لآخر بطريقة غريبة لأول مرة تصدر منها ورغم غرابتها شعر ببصيص أمل يتسربل لداخله من تجاهها ولذلك كان ممتن لوالدته ولتلك النصيحة الغالية منها التي أتت نفع مع متمردتته، بعد انتهائهم من تناول الطعام داخل المطعم الصغير الذي يملكه، تنهد في عمق وسألها ببسمة هادئة وهو يشرأب برأسه باهتمام:
-الاكل عجبك؟
هزت رأسها وأجابت ببسمتها الآسرة التي تعبث بثباته:
-جدًا…طعمه يجنن وكمان تناسق الطبق وطريقة تقديمه حلو يظهر أن الشيف ده متمكن وعنده خبرة كفاية
أبتسم وشرد لوهلة ببسمتها تلك ثم أخبرها بعفوية شديدة كأنهم زوجين حقًا ويشاركها تفاصيل يومه:
-دي بنت جديدة بقالها كام يوم بس في الشغل وبصراحة فاجأتني رغم انها مشتغلتش في حتة قبل كده
وأدت بسمتها تدريجيًا وهدرت بعدم رضا:
– ازاي يعني مشتغلتش في حتة قبل كده انت أزاي بتجازف كده بسمعة مطعمك وتشغل اي حد معندوش خبرة
تنهد من جديد وبرر لها:
-البنت كويسة وانتِ شهدتلها بده وهي كانت محتاجة شغل وانا متعودتش أرد حد محتاج مساعدة
– كنت ممكن تساعدها بطريقة تانية غير انك تجازف
قالتها وهي تقلب عيناها وتستند أكثر على ظهر مقعدها تطالع محيط المكان الخالي من الزبائن ولم يشغره غيرهم ليلفت نظرها تقدم امرأة ممشوقة القوام ذات ملامح هادئة وحجاب يزين رأسها وترتدي مريول مطبخ نقش عليه أسم مطعمه لتتقين أنها هي التي يعنيها فنظراتها نحوه تدل على امتنان عظيم، ولكن ليس ذلك الغريب بالأمر بل عندما وجدته يتتبعها بنظرات هادئة مُرحبة وقوله ما أن وقفت أمامه وحيتهم بمجاملة:
-اهلًا يا “رقية”أخبارك إيه؟
أجابته “رقية” بإمتنان:
– تمام يا “يامن” بيه مش ناقصني حاجة والبركة في ربنا ثم حضرتك طبعًا
أومأ لها دون أي تكلف وتساءل بعملية:
– طيب الحمد لله… قوليلي بقى اخبار الأوردر بتاعنا اللي هيروح البيت أيه؟
ابتسمت واجابته:
– جاهز يا فندم زي ما أمرت وأنا اللي نفذته بنفسي، وبصراحة ممنونة لثقة حضرتك واتمنى الأكل يعجب مدام “ثريا”
تنهد وأضاف ببسمته البشوشة بكل عفوية:
-لا متقلقيش هيعجبها، انا واثق من ده علشان عجب “نادين”
تناوبت “رقية “النظرات بينهم ببسمة ممتنة استقبلتها “نادين” بأخرى متعالية وتلاها قولها بعجرفة دون أي لباقة:
-اه فعلًا، بس ده ميمنعش انه مفهوش أي شيء مبتكر يستاهل المدح الزايد بتاعك
قالتها وهي تشملها من اخمص قدمها حتى أعلى رأسها بطريقة لم تعجب “يامن” قط، وجعلته ينظر لها نظرة صارمة تعرف المغزى منها حين قال رأيه بصدق كي يلاحق الموقف:
-ويمكن ده سر حلاوته وسبب ثقتي انه هيعجب امي علشان يشبه أكلها
كانت “رقية “مستاءة من نظرات “نادين” لها ومن عجرفتها معها وكادت أن ترد رد يليق بها ولكن وجدته يتحدث بالنيابة عنها لتعلق عيناها به بامتنان، فرغم منصبه وسُلطته على العاملين داخل مطعمه إلا انه متواضع غير متكلف، ومراعي للجميع ليس معها فقط
أما عن متمردته فقد اعتلى حاجبيها المنمقين من طريقة حديثه ومن تلك النظرات اللعينة التي تشمله بها الأخرى، و لا تعلم لمَ شعرت أن نيران تتآكل أحشائها وإن كادت تثور عليه كعادتها كان يخرسها بإرساله لها نظرة صارمة تعرف هي المغزى منها ولذلك تمالكت زمام نفسها وزفرت انفاسها دفعة واحدة بغيظ وازاحت رأسها بعيدًا عنه، بينما هو مسد ذقنه يحاول تهدأت ذاته و استرسل بعملية شديدة وهو يوجه حديثه ل “رقية” التي لاحظت ما يحدث وأطرقت رأسها احترامًا لرب عملها:
– تمام، شكرًا ليكِ يا “رقية” ومتزعليش “نادين” خانها التعبير مش اكتر…
اومأت “رقية” وقالت بعزة نفس قبل أن تنصاع له وتنصرف:
-ولا يهم حضرتك، انا مزعلتش ده رأي آنسة “نادين” حفزني اكتر إني اطور من نفسي و اوعد حضرتك إني هجتهد و اشتغل على نفسي، عن اذنكم
وإن غادرت هدر هو منفعل بنبرة صارمة لا تعرف الحياد وهو يشدد على قبضة يده بعصبية:
-ليه اتعمدتي تحرجيها؟؟
ردت عليه بغيظ شديد وهي تلوح بيدها:
-انت محموق ليها ليه كده وبأي حق تبرر وتحرجني قدمها
جز على نواجذه وهدر بحدة وهو يضرب بقبضته على الطاولة:
-علشان محدش مجبر يتحمل طريقتك المستفزة دي، كان ممكن تقولي كلمتين تجبري بيهم خاطرها وتراعي بيهم مشاعرها لكن أنتِ دايمًا مبتفكريش غير في نفسك وبس
قلبت عيناها بغيظ وهاجمته بعصبية شديدة:
– طريقتي مش مستفزة انت اللي طريقتك غريبة مع كل اللي شغالين عندك وبتخليهم يتعدوا حدودهم وكمان بتتساهل معاهم
زفر انفاسه دفعة واحدة وهدر بجدية شديدة وبثقة وقناعة خاصة لطالما تريد أن تزعزعها به:
-انا مش مُتساهل بس يمكن اكون رحيم علشان ربنا هيحاسبني ومسمهاش شغالين عندك اسمها شغلين معايا لأن من غيرهم مكنش زماني عملت حاجة لوحدي، واظن متاكدة ان الشغل كله ماشي زي الساعة
نظرت لمحيطهم الفارغ وصدر صوت متهكم من فمها وقالت بنفس تمردها وعنادها الذي دفعها ان تضايقه عن عمد كيفما يفعل معها:
-أنت سياستك غلط ومش مقتنعة بيها وبكرة اثبتلك إني اقدر اعمل اللي انت مش عارف تعمله لما أملاكي ترجعلي قريب اوي
لم يروقه حديثها بالمرة فهي تتعمد ان تقلل منه ومن مجهوداته في كل شيء حتى مشاعره تتجاهلها فحتى انها لم تلحظ أنه بكل مرة يأتي بها إلى هنا يوقف العمل ويخلي المكان من أجل أن تكون رؤياها شيء حصري له ويتمتع بقربها منه بعيدًا عن أي ضجيج يعكر صفو لحظاته معها منفردًا، ولكن الأنكى من كل ذلك أنه يحترم رغبتها ولا يريد فرض مشاعره عليها ولكنها تتعمد ان تخرجه عن طوره وتذكره مرارًا وتكرارً بذلك الاتفاق اللعين والقرار المنتظر منها الذي كلما اقترب موعده تتعمد أن ترهبه وكأنها تعلم ان روحه ستغادر جسده حينها، ولذلك وجد نفسه يصرح لها بعزة نفس دون تردد بنبرة جادة للغاية تضاهي بجديتها وواقعيتها أفكاره الحالية:
-صدقيني انا مستني اليوم ده بفارغ الصبر ويمكن اكتر منك، بس الفرق اللي بيني وبينك أني عمري ما فكرت اقلل منك ولااقتل طموحك علشان عارف انك عنيدة وهتتحققي كل اللي بتتمنيه، و وقتها… ليبتلع غصة في حلقه ويقول بمحايدة تنافي إرادة قلبه الثائر بين أضلعه:
– هبقى فخور بيكِ وبنجاحك حتى لو مبقناش مع بعض
لاتعلم حين تفوه بتلك الجملة الأخيرة شعرت بتلك النبضة العاصية تعلن عن صخبها من جديد ولكن الأن بشكل مقبض للغاية جعلها تنظر له بنظرة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها، بينما هو تهجمت معالم وجهه للغاية بعدما وئدت سعادته كعادتها وهدر بنبرة آمرة وهو يهب واقفًا:
– لازم نرجع البيت قبل خالك أنا هجيب حاجة من المكتب واحصلك على العربية
هزت رأسها وحين تحرك من أمامها ظلت تمرر يدها بخصلاتها القصيرة وهي تلعن ذلك الشعور الذي بدأ يحتلها
—————————
أما هي كانت تحضر الطعام بآلية شديدة، دون أي حماس كالسابق فبعد ان وأد فرحتها بالأمس لم تكف عن التفكير بردة فعله وهجومه وتحامله عليها وكأنها مذنبة وأرتكبت خطيئة فادحة بحملها منه، تنهدت بعمق وتسألت بداخل عقلها لمَ يا ترى لم يهتم ولا يشغل تفكيره قط بها في حين هو وأطفاله شغلها الشاغل بتلك الحياة، و كيف استطاع أن يتركها للآن دون حتى ان يكلف خاطره ويعتذر منها او حتى يطيب خاطرها فمنذ علمه بخبر حملها بالأمس وهو ينفرد بذاته بغرفة مكتبه ولم يتفوه معها ببنت شفة، ،تقسم انها تكاد تجن من تصرفاته ولكن كيف الخلاص من لين قلبها
وعند تلك الفكرة تعالى رنين هاتفها لتتناوله وتجيب برتابة دون أن تلقى بال أن تطلع على رقم المتصل:
-الو
اتاها صوت أنثوي من الطرف الأخر:
– “رهف” وحشيني اوي
تهللت أساريرها و هتفت بسعادة تخالف حالتها السابقة بعدما تيقنت أنه صوت ابنة عمها الراحل التي تربت ببيته:
-“سعاد” انتِ كمان وحشتيني
لتعاتبها “سعاد” من الجانب الأخر:
-لو كنت وحشتك كنتِ كلمتيني ده انا اللي كل مرة بكلمك
تنهدت في ضيق فهي تعلم كونها مقصرة للغاية بالسؤال ولكن ماذا تفعل وزوجها واطفالها اصبحوا شغلها الشاغل واصبحت تكرس حياتها لهم بكل طواعية:
– حقك عليا والله الولاد و”حسن” واخدين عقلي ومخلينى مش مركزة في حاجة ابدًا
– ولايهمك على العموم انا في مصر نزلت اجازة انا و الولاد وهنشبع من بعض
أبتسمت بإتساع وهللت بسعادة:
– بجد فرحت اوي انا بجد مفتقداكِ جدًا يا “سعاد” والأجازة دي جات في وقتها هو انتِ في البيت القديم
– اه هناك هستناكِ انتِ والولاد
– تمام هقول ل “حسن” وهاجي على طول
اغلقت معها وهي تشعر بسعادة عارمة فطالما كانت “سعاد” أبنة عمها أقرب شخص لها قبل مغادرتها للبلاد، وكم هي سعيدة الأن بعودتها حتى انها شعرت بالحماس من جديد وانهت إعداد الطعام في وقت قياسي وعندما ترجته ان يذهب معها، رفض بشدة وثار غضبه عليها، متحجج أن أمر هام بالعمل يشغل تفكيره ويود اتخاذ قرار متأني به، ولذلك اضطرت ان تذهب وتصطحب أطفالها معها غافلة ان القرار المنتظر ذلك سيقلب كافة موازين حياتها، ولكن دعونا نتأمل انها ستصبح في نصابها الصحيح
————————
عادت للمنزل ولكن وهي ساهمة لم تتفوه بشيء طوال طريق فبعد الحديث الذي دار بينهم لا تعرف ما اصابها ولمَ شعرت بتلك الوخزة الغريبة بقلبها كل ماتعلمه أنها ستموت قهرًا إن كان ما تشعر به بِمحله، قطع شرودها صوت “عبد الرحيم” قائلًا أثناء جلوسهم أربعتهم يتناولون الطعام:
– نفَسك في الوكل زين يا بت “غالية”
ابتسمت بسمة مجاملة وركزت نظراتها بداخل صحنها دون أن تعقب، ليتناوب “عبد الرحيم” النظرات بينهم و يتسأل بمكر وهو يلوك ما بفمه:
– واه كنكم واكلين بَلم إِياك …اوعاك تكون مزعل مرتك
تحمحم هو وخرج عن صمته وقال بثبات وببسمة بالكاد اغتصبها وهو ينظر لها:
– حد يزعل روحه يا حج
سايرته هي وبرد فعل سريع منها تمسكت بذراعه وقالت ببسمةعابرة:
– لأ يا خالي احنا كويسين و”يامن” مش مزعلني ولا حاجة بس انا مُجهدة شوية
نظر ليدها التي تعانق ذراعه ونظر لها نظرة غامضة لم تستشف منها شيء ولكنها أجلت تفسيرها ورسمت بسمة واسعة على ثغرها كي يكتمل المشهد أمام خالها الذي لم ينطلي عليه الأمر وضيق عينه متسائل بِفضول دون أي لباقة:
– اوعاكِ تكونِ حِبلة يا بت “غالية”و تورطي حالك
نفت برأسها مستنكرة قوله، ليتابع هو بعجرفة:
-براوة عليكِ اوعاكِ تغلطي دلوقت أصبري لما حقك يرجعلك وتخلصي علامك
إلى هنا وكفى حقًا نفذت طاقته من ذلك الرجل المتعجرف الذي لايفقه شيء في لباقة الحديث ولا الذوق العام ففي كل زيارة له يتعمد ان يرمي الحديث كي يثير غضبه ويجعله يخرج عن طوره وحقًا الآن نجح بذلك فقد ترك الشوكة من يده محدث صوت مزعج وهدر بحدة وبملامح متهجمة للغاية:
-اظن دي حاجة تخصني انا ومراتي ومحدش ليه انه يتدخل فيها، وأسف جدًا لحضرتك بس لهنا وكفاية انا عارف طريقتك وعارف بتحاول توصل لأيه فمتحاولش احنا مرتاحين كده ومتقلقش حقها هيرجعلها انا لايمكن اقبل جنيه واحد مش من حقي
احتدت نظرات “عبد الرحيم” من حدة الآخر وتعمده لإحراجه وكم اراد ان يستغل الموقف لصالحه، ولكن هو ليس بهذا الغباء كي يخرب كل شيء الآن ليتصنع الحرج ويبرر ببراءة كاذبة:
-واه انا مش بَخونك وخابر ان حجها هيرچع أنا بس بوعيها البت صغار ومتعرفش مصلحتها
حانت منه بسمة ساخرة على نواياه الخبيثة التي تفوح من حديثه وقال بنبرة متهكمة قبل أن يغادر طاولة الطعام ويتوجه لغرفته:
-لأ واضح اوي خوفك على مصلحتها، عن اذنكم شبعت و هدخل انام
ليرسل لها نظرة صارمة ويخبرها بنبرة آمرة:
-خلصي أكل وحصليني
ابتلعت غصة بحلقها و اومأت له بطاعة وحين دلف لغرفته حاولت ان تلطف الأجواء وتلاحق الموقف بذكاء:
-اطمن يا خالي انا مش صغيرة وكلها كام يوم وهكمل الواحد وعشرين ومتقلقش انا عارفة مصلحتي كويس ومش مركزة غير في دراستي و”يامن” عمره ما حاول يضغط عليا
تابعت “ثريا” حديثها وعقبت متهكمة:
-يارب تكون ارتحت يا “عبد الرحيم” أهي بنت اختك بنفسها طمنتك ياريت بقى تريح نفسك
احتدت نظرات “عبد الرحيم” أكثر فأكثر وهو يشعر أن مقته لهم يتفاقم فهم يعيقون ما يطمح به دائمًا وخاصًة ذلك ال “يامن” الذي يتعمد أن يردعه ويؤد كافة محاولاته.
تنهدت “ثريا “وهي تتجاهل نظراته التي تعلم انها مفعمة بحقد دفين لا شيء سيغير قناعته به وهدرت قائلة ل “نادين”:
-انا جهزت أوضة الضيوف لخالك ياريت تبقي توصليه هناك بعد ما يخلص اكله انا هقوم اخد علاجي واصلِ ركعتين لله
هزت رأسها وما ان دخلت غرفتها قال “عبد الرحيم” بنبرة خبيثة وهو يربت على منكبيها بغرض طمئنتها وحثها أن تبوح له ببواطنها نحوهم:
-معرفش أنتِ كيف معاشرة المرا دي و ولدها دول يا يا ستار خلج واعرة
استشفت ما يحاول فعله ولكنها أجابته بدهاء يضاهي دهائه وبعيون يسطع بهم المكر:
-ابدًا يا خالي دول طيبين اوي وانا بحبهم ومرتاحة معاهم
زفر انفاسه دفعة واحدة بحنق وهو يشعر أن ابنة شقيقته لا نفع منها الآن، ويقرر انه سينتظر قليلًا حتى يعيد لها ذلك الغريب مالها وحينها يقسم انه لن يتوانى في تخريب زيجتهم مهما كلفه الأمر
——————–
-مساء الخير يا دكتور
هتف بها “محمد” وهو يدلف لتوه لغرفة الكشف بذلك المستوصف الخيري القريب من منطقته ليرد الطبيب مُرحبًا:
-اهلًا يا “محمد” خير طمني عليك اخبار جرحك ايه؟؟
-ما انا جايلك علشان تبص عليه يظهر كده ان في غرزة اتفتحت
-وليه الاستهتار مش تاخد بالك، تعالا ابصلك عليه واشوف لو محتاج خياطة من جديد
-تمام
قام الطبيب بفحصه وبالفعل وجد أحد الغرز قد حُلت لذلك أعاد تقطيبها واستبدل ذلك الضماد الملطخ بالدماء بأخر معقم، ليشكر “محمد”الطبيب ويتحمحم بتردد قائلًا:
-هو ينفع اطلب منك خدمة يا دكتور
هز الطبيب رأسه برحابة ليسترسل “محمد” وهو يخرج من جيب بنطاله ذلك الشريط الفضي الذي فض منه تلك الحبوب اللعينة سبب نكبتها:
– عايز اعرف دي حبوب ايه ؟؟
ألتقط الطبيب الشريط من يده يقرأ ما سُجل على ظهره ثم نظر له نظرة متوجسة ذات مغزى جعلت “محمد” يبرر قائلًا:
-انا عارف النظرة دي معناها ايه؟ مش انا، ده واحد صاحبي بياخذه و عايز يبطله
تنهد الطبيب وهدر بعملية شديدة :
-النوع ده من الحبوب يندرج تحت بند الليسرجيك او(LsD) وتصنيفه جدول اول يا “محمد” لأنه من اقوى الحبوب المخدرة اللي تأثيرها سلبي على المخ
تهجمت ملامحه بعدما صدق حدثه وتسأل وهو يمسد جبهته بأنفعال:
-ممكن تفسرلي اكتر يا دكتور يعني بيعمل ايه؟
أومأ الطبيب برأسه واجابه:
-كل عقار بيختلف عن التاني في التأثير والضرر بس(LSD)
بيعمل اضطرابات في المزاج وبيفصل الإنسان عن الواقع وفي الأغلب بيفقده السيطرة على جسمه وعلى قدرته على التفكير وتقدير الأمور ده غير الهلوسات المرئية والسمعية، والقلق والتوتر ونوبات الذعر بس العوارض دي مش ثابتة يعني ممكن تختلف من شخص للتاني حسب نسبة التعاطي اللي للأسف لو زادت بيبقى الأمر خطير جدًا و مبنقدرش نتنبأ بتأثيره.
ابتلع “محمد” غصته ونظر للطبيب نظرة متوسلة وكانه يريده أن يفض كل ما في جعبته دفعة واحدة، ليسترسل الطبيب:
-معظم اللي بيلجأ للنوع ده بيبقى عايز يهرب من الواقع لأن الاعتماد النفسي فيه اكبر من الجسدي، أعرض صاحبك على دكتور نفسي يا “محمد” واكيد هيفيده ويقدر يساعده
هز “محمد” رأسه متفهمًا ثم تنهد بعمق وهو يتذكر حالتها التي كانت عليها، لينقبض قلبه بشدة ويصرخ بين ضلوعه أن لا يتخلى عنها ويرأف بها، فقد أيقن لتوه أن لا مفر منها وقد تورط بها بفعل نخوته وضميره اليقظ دائمًا
———————–
كان يدور حول نفسه بعصبية مفرطة يشعر بالحنق من ذلك الرجل المتعجرف الذي أخرجه عن طوره ولكن هو ليس نادم على حدته معه فهو يستحق هو من تدخل فيما لا يعنيه وحقًا كان يشعر أن نيران مستعرة تتأكل قلبه حين ادعى أنه ينصحها، فهل هي بحاجة لنصيحته!
بالطبع لا، هي تعلم ماذا تريد والكثير من الأوقات يرى ذلك في عينيها وحتى انها تتعمد ان تذكره كل حين وآخر كي تبقيه دائمًا حائر، مهدد بفقدانها.
انتشله من حالته تلك دخولها إليه وقولها بهجوم سأم منه:
– انت ازاي تحرجه كده هو اول مرة تعرف خالي وتعرف طريقته؟
أغمض عينه واخبرها بعصبية وبنفاذ صبر وهو يلوح بيده:
-خالك يستاهل علشان بعد كده ميدخلش في اللي ملهوش فيه
لوهلة تأملت حالته ثم حانت منها بسمة اعجاب واضحة جعلته يستغرب ويتركز بنظراته عليها ويسألها بحنق:
– ممكن اعرف بتضحكي ليه؟
أجابته ومازالت محتفظة بتلك البسمة الآسرة التي تعبث بثباته:
– بصراحة عجبتني اوي
تنهد بسأم وتحرك لخزانته دون أن يعقب بشيء فهو فهو يعلم طرقها الملتوية تلك ولن تنطلي عليه
كانت تتابعه بعيناها وقد اختفت بسمتها تعلم انه غاضب منها ورغم ذلك تكابر وتعاند وتوجه الدفة لها قائلة:
-انا مش بكلمك على فكرة ولسة زعلانة
اعتلى جانب فمه ببسمة ساخرة وهو يتناول منشفته وملابسه البيتية بغرض التوجه للمرحاض كي يزيح عنه إرهاق يوم مليء بالضغوط وقال غير مباليًا:
-براحتك و اعملي اللي يريحك مبقتش تفرق
اتسعت عيناها وتسألت متسرعة:
– يعني ايه مبقتش تفرق، اللي يسمعك يقول إني بتلكك انت اللي احرجتني قدام حتة بنت ملهاش لازمة وكمان قعدت تمجد فيها قدامي ولا عملت اعتبار ليا
ابتسم هازئًا ورد منفعل:
-انتِ اللي عمرك ما احترمتي مشاعر حد ومعتقدة ان مطلوب من الكل يحترم جنابك
تأففت هي بغيظ وردت بعنجهية:
-انت مكبر الموضوع ليه دي حتة طباخة فاشلة وغصب عنها لازم تحترمني
هز رأسه بلا فائدة وهو يمرر يده على وجهه ثم قال بسأم:
-مفيش فايدة عمرك ما هتتغيري
قالها وهو يتوجه لباب المرحاض وإن كاد غلقه، دبت هي بقدمها الأرض وقالت بتمرد كعادتها:
-اه مش هتغير يا “يامن “علشان انا صح، انا رايحة اوضتي تصبح على خير
اشرأب برأسه واخبرها بتهكم تقصده كي يثير اعصابها كما تفعل معه:
-وماله اعملي اللي يريحك بس متنسيش لما خالك يطمن عليكِ بليل تقوليله جوزي المفتري طردني من الأوضة وياريت تخليه ياخدك في ايده وهو ماشي
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يغلق باب المرحاض، تاركها فاغرة الفاه تحاول أن تستوعب ما استشفته من حديثه، وإن فعلت توترت كثيرًا ولعنت ذاتها فكيف لم تفكر في ذلك الأحتمال من قبل
———————–
كانت تشعر بشعور غريب من الألفة خلال لقاء ابنة عمها وكم كانت منبهرة بها عندما أخبرتها عن انجازاتها في العمل مع زوجها و دعمه لها لتحقيق طموحها وجعلها أن تكاتفه بكل أعماله في مجال ترويج العقارات، وكم كانت هي كفأ في ذلك فهي شخصية مفعمة بالطاقة والطموح وتملك طرق مميزة للأقناع، فمازالت كما هي لم تتغير كما عاهدتها، وعند تلك الفكرة وجدت ذاتها تتذكر نفسها القديمة وكم غيرتها تلك السنوات، تنهدت بعمق وهي تنظر له نائم بجانبها لتبتسم بسمة باهتة معاتبة لأبعد حد فبرغم كل ما يصدر منه تجاهها إلا انها خجلت أن تستفيض مثل ابنة عمها وتخبرها بمستجداتها حفاظًا على شكله الأجتماعي أمامها، نفضت أفكارها بعيدًا وهي مازالت تتأمله و همست بتضرع قبل أن تغلق عيناها كي تتحايل على النوم:
-ربنا يهديك ويصلح حالك ويخليك ليا ولولادك يا “حسن”
——————–
تمكنت المياه الدافئة ان تزيح غضبه وتهدأ اعصابه لحد كبير وعندما انتهى راهن ذاته عليها وهاهي منكمشة داخل فراشه كما توقع تمامًا دون أن يكلف ذاته المجادلة معها، وكم يروقه ذلك الشعور عندما يتعمد ان يرهبها كي تلجأ له بكامل ارادتها، حانت منه بسمة ماكرة اخفاها سريعًا وهو يلحظ توترها وانفاسها المضطربة حين اقترب من الفراش وتسطح بجوارها، لتنتفض هي تصيح بريبة شديدة:
-هو انت هتنام جمبى؟
تصنع عدم الفهم، وقال بثبات:
-نعم يعني ايه؟؟
أضاءت نور الأباجور القريب وقالت وهي تعتدل بِجلستها:
-انا مش هعرف، نام على الكنبة وسيب السرير
نفى برأسه قائلاً بعناد كي يغيظها:
-مش هسيب سريري واحمدي ربنا إني هرضى انيمك جنبي
رفعت حاجبيها واعترضت وهي تنهض من الفراش تقف أمامه وتضع يدها بخصرها:
-انت تطول تنام جنبي اصلًا
كانت نظراته تتجول عليها ويعتلي ثغره بسمة ماكرة وهو يلاحظ أنها ترتدي قميص بجامته القطنية التي تصل لبداية ركبتها مما جعله يقول متهكمًا:
-وكمان لابسة البجامة بتاعتي لأ ده انتِ داخلة على طمع بقى
توترت تحت نظراته وبررت باندفاع:
-خوفت اخرج من الأوضة ألاقيه برة واضطريت استلف هدوم من عندك
فرك ذقنه وهو يتأملها أكثر وهدر بعبثية جعلتها تبتلع ريقها بتوجس شديد:
-طب اللي يستلف ده مش يكمل الشياكة ولا البنطلون ملهوش نصيب و مش قد المقام زي صاحبه
قطمت شفاهها وهي تنظر لمرمى بصره و وجدت ذاتها تتوتر وتبرر وهي تضع خصلات شعرها خلف اذنها:
-أصله كبير عليا اوي وكنت هتكعبل بيه
-طب يلا تعالِ نامي علشان هنصحى الصبح بدري نودع خالك
قالها ببحة صوته المميزة ولكن بنبرة لينة جعلتها تشعر من جديد بتلك النبضة العاصية تطرق بين أضلعها لكنها عاندت ذاتها ونفت برأسها قائلة بتمرد كعادتها:
-مش هنام، نام انت وملكش دعوة بيا
لتسير نحو الشرفة وتفتحها على مصراعيها وتقف تواليه ظهرها تستقبل نسمات الهواء العليل بزفرة قوية حانقة وهي تجاهد ذلك الشعور المريب الذي بدأ يتسربل لها شيء فشيء.
أما هو تنهد بعمق ثم أطفأ الإضاءة وتمدد على الفراش يضع يديه تحت رأسه يتأمل ظهرها وتلك الخصلات المتراقصة مع الهواء التي مازال يعشقها رغم قصرها، وكم تمنى لو أن يدفن وجهه بها ويتمتع بذلك العبق الفريد الذي يفوح منها كي يتناسى ما حدث بينهم اليوم، فرغم حنقه منها إلا أنه على يقين تام انها لن تتخلى عن عنادها وتمردها وتعتذر منه، نعم يشعر بالسأم من طريقتها وحديثها اللاذع ولكن كيف لعاشق مثله أن يصمد أمام انين قلبه.
تنهد وزفر انفاسه دفعة واحدة بنفاذ صبر ثم دون أي تفكير منطقي وجد ذاته يفقد السيطرة على جسده و ينهض ودون اي تمهيد كان يحاوط خصرها من الخلف ويدفن وجهه بين خصلاتها مغمض العينين وكأنه وجد الآن ضالته
شهقت هي بخفوت و تململت بين يده، ولكنه همس بالقرب من أذنها بطريقة اربكتها:
-اهدي يا “نادين” … وبطلي تعاندي وتكابري اكتر من كده
نفت برأسها وقالت بتوتر تحاول أن تتخلص من يده التي تطوقها:
-مش بكابر انا مش غلطانة … ولوسمحت سبني براحتي لما احب انام هبقى انام على الكنبة
زفر انفاسه الساخنة التي لفحت وجهها وقال بهمس وبنبرة بثت بها القشعريرة وهو يدس انفه أكثر بين خصلاتها:
-بس انا محتاجك…وصدقيني مش هفرض عليكِ حاجة عايزك تثقي فيا
همست بأسمه بأنفاس مضطربة:
-“يامن” احنا بينا اتفاق وانت وعدتني انك عمرك ما هتخل بيه
-عارف وانا لسة عند وعدي بس انتِ مراتي ومن حقي على الأقل احس بوجودك جنبي نفسي اتنفس معاكِ نفس الهوا، ليتنهد و يلثم جيدها ويقول بعدها بتهدج:
– عارفة لما ببعد عنك شوية بعد الدقايق واتمنى محسبش الوقت ده من عمري، انا مش بحس براحة غير وأنتِ جنبي، قلبي بيبقى عايز يطمن بيكِ، تسارعت وتيرة أنفاسها عندما مرر شفاهه على عنقها واستكمل همسه :
-بلاش تحرميني من قربك، تعالي نضحك على الزمن و نوقفه ونسرق منه شوية وقت بعيد عن كل حاجة، ليبتلع غصة ملتهبة بحلقه ويضيف راجيًا اياها بأخر شيء يخشى حدوثه:
-سبيلي ذكريات علشان لو سبتيني أعيش عليها
لمَ تخفق هكذا ايها القلب رجاءً تمهل قليلًا، فلن تستطيع ان تجعلني أحيد عن غايتي حتى وإن كان صوت دقاتك تقرع كطبول حرب الآن فأنا لن أتهاون و سأظل صامدة امامه مهما حاول استمالتي،لا ، لن أضعف فهو يحاول خداعي.
ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما صدر منها كان مختلف بتاتًا وهي ذاتها لم تجد مبرر له، فقد ألتفت لتواجهه وتسألت بتشتت لا تعلم مصدره:
-الصبح في المطعم قولت لو مبقناش مع بعض، ودلوقتي بتقولي لما تسبيني
هو انت ليه متأكد إني هسيبك
تنهد تنهيدة حارقة نابعة من صميم قلبه وصرح لها قائلًا بثبات وهو يكوب وجنتها وينظر لها نظرة حانية مفعمة بصدق مشاعره:
-علشان عارف ان دي رغبتك وصدقيني عمري ما هتردد ولا هفرض نفسي عليكِ ويمكن عارف انك هتتخطيني ومش هفرق معاكِ بس خليكِ متأكدة أني عمر ما مشاعري نحيتك هتتغير هتفضلي أنتِ البنت العنيدة أم ضفاير طويلة اللي كبرت قصاد عيني وتمنيت تبقى ليا و أكتفي بيها عن الدنيا كلها
غامت عيناها لوهلة و لا تعلم لمَ شعرت بصدق حديثه و وجدت ذاتها لأول مرة تقبل على شيء دون تفكير ودون أي غرض خبيث منها، فقد وضعت يدها على يده التي تكوب وجنتها وتنزلهم تضعهم حول خصرها ثم دون أي مقدمات أخرى كانت ترتمي بحضنه تتشبث به بقوة تعاند ذلك التمرد الذي يود أن يسيطر عليها وكم مقتت ذلك التناقض بذاتها ولكنها بررت أنها تفعل كما قال هو يسترقون من الزمن بضع الذكريات التي سيحيا عليها حين تنتصر عليه وتحقق غايتها، غافلة انها هي من ستفعل حينها.
دام عناقهم لعدة ثوانً كانت كفيلة أن تبث به الدفء، و السَكينة ولكن دائمًا عندما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته، لتشهق هي بقوة عندما انحنى بجزعه و وضع ذراعه تحت ساقيها وحملها وسار بها نحو الفراش لتصيح متذمرة:
-يامن نزلني متفقناش على كده
-ششششش اهدي وياريت تلغي عقلك ده شوية ومتفكريش كتير علشان مفيش مفر هتنامي في حضني
نفت برأسها ولكن لم يمهلها فرصة للاعتراض ليضعها على الفراش بحرص شديد ثم يتمدد بجوارها ويضمها إلى صدره وكانه يريد أن يزرعها بين أضلعه، حتى انه ظل يمرر يده بين خصلاتها نزولًا لظهرها بحنان بالغ جعلها في غضون دقائق تتخلى عن تلك الحرب الضارية برأسها والتوتر الذي كان يتملك منها ويحل موضعه سَكينة ودفء جعلها تسقط في سبات عميق وكأنها لم تحظى بهم من قبل، بينما هو ظل يتمعن بها بوله تام وهو يشعر بقلبه يستكين مطمئن بين أضلعه لقربه منها ويحثه ان يستمتع بتلك اللحظات الفريدة التي هو على يقين تام أنها لن تتكرر مرة آخرى
——————-
اهتزاز هاتفه الذي يعتلي الكومود اجفله وجعله يتنبأ أن مكالمة واردة ليلتقط الهاتف بنعاس شديد وما ان علم بهوية المتصل، تردد كثيرًا؛ فبعد معرفته بحمل زوجته وحديث “ثريا” تسربل له شيء من الرهبة وكان يفكر جديًا في التراجع وحتى انه تجاهل كل اتصالتها ولكن كيف وهي لن تكف عن ملاحقته ومحاولاتها الشتى طوال اليوم ان تهاتفه، حسم أمره و نهض بخطوات حثيثة من الفراش بعدما تأكد انها نائمة ثم تناول هاتفه و تحرك خارج الغرفة يغلق بابها بحرص ثم توجه نحو المرحاض وقام بإعادة الإتصال قائلًا بصوت خفيض منفعل:
-أنت اتجننتي يا”منار”ازاي تتصلي بيا في وقت زي ده؟
أتاه ردها المغتاظ من الطرف الآخر:
-انت بتتهرب مني مش كده؟ ايه رجعت في كلامك ولا ايه؟
تحمحم وإن كاد يراوغها، قاطعته هي متهكمة:
-ولا تكون خايف من مراتك يا بشمهندس
مرر يده بخصلاته الفحمية واجابها بنفاذ صبر وبنبرة منفعلة جعلتها تتراجع عن حدتها:
-انتِ عارفة إني مش بخاف من حد بس مش عايز وجع دماغ
-يبقى بلاش تعمل كده انا كنت هتجن لما مردتش عليا ومجتش الشغل وبصراحة لو مكنتش رديت كنت هجيلك البيت واللي يحصل يحصل
قالتها بطريقة مغلفة بالتهديد ألجمته وجعلت الحديث يتوقف في حلقه وخاصةً عندما أضافت بنبرة واثقة للغاية :
-انا مش هسمحلك تبعد عني يا “سُونة” ومعنديش حاجة اخسرها بعدك
زمجر غاضبًا وقد اعتلت نبرة صوته قائلًا:
-انتِ بتهدديني يا”منار”؟
شهقت وقالت ببراءة مصتنعة وبنبرة مفعمة بالغنج تعرف تأثيرها عليه:
-ابدًا يا حبيبي انا بس بعرفك إني بحبك ومقدرش اعيش من غيرك، ونفسي ادلعك يا “سُونة” واعرفك يعني ايه سعادة، عارف نفسي في ايه دلوقتي؟
تنهد وسألها بترقب بعدما تمكنت من استمالته بطريقتها:
-في ايه؟؟
-نفسي تبقى معايا دلوقتي علشان أثبتلك انا بحبك أد أيه … انا محتجاك أوي يا”سُونة”
قالتها بجرأة غير عادية ووبنبرة مغوية لطالما طمح ان يحظى بها من قبل مما جعل انفاسه تتعالى وهو ويهمس متناسي قراره السابق وضارب بكل شيء عرض الحائط:
-انا كمان هموت عليكِ ومبقتش قادر
اجابته هامسة ومازالت محتفظة بنبرتها المغوية:
-امتى يا”سُونة” انا كمان مبقتش قادرة اعيش من غيرك
-هانت يا قلب “سُونة” انا هكلم مامتك علشان نستعجل كتب الكتاب
– قلبي الحنين انت، بحبك يا “سُونة”
– وانا كمان بحبك ياقلب “سُونة”
قالها بلطف شديد دون أي تفكير منطقي منه وكأن غريزته هي من تولت أمر كل شيء، ليغلق الخط ويبتسم بسمة واسعة وهو يشعر بالسعادة لمجرد تخيل الأمر بعقله ليزفر أنفاسه دفعة واحدة و دون ذرة تفكير أكثر كان ينزع ملابسه البيتية ويقف تحت المياه الجارية لكي يهدئ مشاعره .
ولكن ماذا عن حرقة قلبها هي تلك التي كانت تقف واهنة بملامح شاحبة تحاكي الموتى مستندة على باب المرحاض من الخارج وقد استرقت السمع لكل كلمة تفوه بها من الداخل، فهل ياترى ماذا سيكون موقفها وماذا ستكون ردة فعلها هل ستبكي وتنتحب مثل كثير من النساء في موقف مشابه، أَم ستصمت وتقدم كبريائها كعادتها تحت قدمه بكل طواعية، مهلًا دعونا نتمهل بتوقعاتنا لأن جميعها ليست بمحلها
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)