رواية خطايا بريئة الفصل السابع 7 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء السابع
رواية خطايا بريئة البارت السابع
رواية خطايا بريئة الحلقة السابعة
كل ما في هذا الكون، قابل للتغير؛ رجاءًا لا تطلب مني الثبات..!!”
“بكوفسكي تشارلز”
——————-
على ماذا تعاقب هي؟ لاتعلم، ولكن كل ما تعلمه، أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها، لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قاتل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها فقد قربت قطعة الزجاج من معصمها ببطء شديد بأيدي مرتعشة وهي قاب قوسين أو ادنى من تحقيق غرضها لولآ تلك اليد القوية التي دفعت ما بيدها وتلاها صراخها :
– يا لهوي …..يالهوي بتعملي ايه يا ست البنات عايزة تموتي نفسك
رفعت نظراتها الباكية وصرخت بانهيار تام وبنبرة هستيرية :
– سبيني يا داده انا حياتي متفرقش مع حد سبيني اموت وارتاح
استغفرت” مُحبة” ودمعاتها تنسل تشاركها بأسها ثم اسرعت بجلوسها في جوارها بعدما ازاحت بعض القطع بطرف تنورتها الفضفاضة وضمتها في حنو شديد مواسية :
-استغفري ربنا يا ست البنات عايزة تموتي كافرة و تغضبي ربنا
فكرت بالأمر لثوانٍ عدة قبل أن
تنفي برأسها ودمعاتها مازالت تنهال على وجهها صارخة بقهر :
-بس ……انا تعبت ومش عايزة اعيش لوحدي
أجابتها “مُحبة” في عطف :
– أنتِ مش لوحدك …..كلنا جنبك يا بنتي استهدي بالله واستغفري ربنا وبلاش الأفكار السودا دي تسيطر عليكِ
خرجت “ميرال” من أحضانها وصرخت بعدم اقتناع :
– لأ أنا لوحدي وأفكاري مش سودا تقدري تقوليلي
ذنبي ايه يا داده الست اللي جابتني للدنيا اتخلت عني وهاجرت برة البلد وعايشة حياتها مع جوزها وعيالها ونستني ………نستني يا داده
قالت أخر جملة بنبرة ممزقة وهي ترفع الهاتف أمام نظرات” مُحبة “التي أحتل البؤس ملامحها وجذبت الهاتف من يدها وهي تراها تتكور على ذاتها و تضم ركبتيها لصدرها، لتصيح بها معاتبة :
-بلاش تعملي في نفسك كده يا بنتي والله هي ما تستاهل ظفرك، وانا قولتلك الف مره بلاش تتابعي أخبارها مش بتاخدي منها ومن سيرتها غير وجع القلب
زاد نحيبها وقالت بِصوت مختنق يأس لأبعد حد وهي تتأرجح في جلستها للأمام والخلف بعدم اتزان :
– حاولت والله ومعرفتش……معرفتش يا داده
= طب استهدي بالله يا بنتي
قالت جملتها وهي تقترب منها تحاول السيطرة على حالتها تلك بين أحضانها ثم أخذت تربت على ظهرها بحنان بالغ،وهي تقرأ لها بضع آيات من كلمات الله العزيز كي تبث بها السَكينة، دقائق عدة مرت حتى هدئت وصعدت لفراشها، وإن اطمئنت “مُحبة” انها غفت نظفت الفوضى و خرجت وهي حائرة هل تخبر والدها أن يتدخل ويعرضها على مختص كي لا تكرر محاولاتها مرة آخرى أم لا ، في حين شعرت هي بخروجها رفعت نظراتها نحو حقيبتها التي تجاور فراشها ثم تناولتها، تخرج منها تلك الحبوب المخدرة التي تنتشلها من ارض الواقع و تجعل عقلها في سبات دون أن يزعجها بذلك الضجيج المزعج الغير محتمل، وبالفعل دست حبتان دفعة واحدة بفمها وارتشفت بعدها بضع قطرات المياه من الكوب الذي يعتلي كمودها ثم تكورت على ذاتها من جديد وظلت ساهمة بيأس تستقبل حالة اللامبالاة والسبات التي تتملك منها بكامل ارادتها
————————
بينما هي خرجت من غرفة “ميرال” والحزن يفترش ملامحها حتى انها لم تنتبه لصوت “دعاء” وهي تتسأل بِسخرية :
– مالها الهانم صريخها جايب أخر القصر
قالتها وهي تربع يدها على صدرها بنظرة شَامتة جعلت “مُحبة” تغتاظ وتقرر انها لن تخبرها الحقيقة كاملة كي لاتجعلها تتشفى بتلك المسكينة :
– ملهاش …..دي بس المراية اتكسرت وهي يا حبة عيني اتخضت مش اكتر
قلبت “دعاء “عينيها بملل قائلة :
– بصراحة أنا اعصابي تعبت منها الحمد لله أن “فاضل” سافر الصبح ومحضرش اللي حصل كان زمانه قاعد جنبها
لوت “مُحبة” شدقيها بعدم رضا وقالت متهكمة بنبرة ساخرة:
– سلامة اعصابك يا هانم …..عن اذنك هروح أبلغ السواق أنها مش رايحة الجامعة
اتسعت عين” دعاء” واعترضت بخبث وهي تتحرك من أمامها :
– لأ خليكِ انا هبلغه بنفسي
ضربت “مُحبة”كف على كف داعية وهي تنظر لآثارها :
– ربنا يديكِ على أد ضميرك ونيتك السودا
————————
أما هي فقد حضرت أطفالها لمدرستهم وبعد أن أوصلتهم جلست على الفراش تتأمله وهو مستغرق بالنوم وكانها تعاتبه، غبية هي وربما تكون مسالمة لحد كبير ولكن ماذا تفعل بقلبها الذي يهيم به رغم كل شيء، انتشلها من شرودها رنين هاتفه لتتناوله كي تكتم صوته و لا يقلقه تجنبًا لعصبيته، ولكن اتسعت عيناها عندما لم تتمكن من التحكم بِشاشته، حتى رقم المتصل لم يظهر، تنهدت في ضيق بعدما تيقنت انه يُفَعل برنامج حماية خاص عليه، شعرت بالريبة من فعلته و ظلت ساهمة وكأنها تجاهد لتبحث له عن مبرر منطقي تقنع به عقلها ولكن لم تجد، جاهدت افكارها سريعًا عندما توقف رنين الهاتف وكادت تعيده لموضعه أعلى الكومود ولكنه باغتها بصراخه عندما شعر بها :
– ماسكة تليفوني ليه ؟؟؟
= كان بيرن يا “حسن” فقلت اسكته معرفتش
جذبه من يدها و وبخها :
– بطلي بقى فضولك ده
لوهلة تعلقت رماديتاها به تود ان تجد أي لين بِملامحه ولكن لم تجد سوى الجمود إلى أن فتح شاشة هاتفه وتبدلت هيئته القاسية تمامًا لبسمة واسعة، وعيون لامعة بوميض تعلمه جيدًا وطالما خصها به وحدها، لتهمهم بريبة وافكارها تعصف بها :
– خير يا “حسن”
وئد بسمته وأخبرها بتوتر :
– مفيش دي مكالمة شغل ياريت تروحي تحضري الفطار علشان نازل
تبًا لك أيها العقل توقف عن العمل، حقًا بدأت ترهقني، وتودي بثباتي، لا هو لن يفعل، لن أهون عليه، هو يعشقني انا اعلم ولن يستبدلني بنساء الأرض، فأين سيجد انثى تعشقه كيفما افعل انا؟! كفاك، شكوك حتمًا العطب بك لا به.
– “رهف” ….سرحتي في ايه بقولك حضري الفطار يلا انا متأخر ؟؟
هدر بها بِحدة أجفلتها وجعلتها تهز رأسها وتذهب مسرعة من امامه لتحضر الطعام قبل ان تثور ثورته عليها
———————-
كان يقف خارج بوابة القصر يستند على مقدمة السيارة وكل فنية وأخرى ينظر لساعة يده ويتسأل لمَ تأخرت لهذا الحد على غير عادتها، يقسم انه اعتاد عليها وأصبح ينتظر الصباح كي يراها ويشبع فضوله نحوها، فلا ينكر أنه إلى الآن يستغرب لمَ فتاة مثلها حزينة وانطوائية لهذا الحد رغم كل ما تملك من رفاهية، انتشله من شروده قول زوجة أبيها :
– “ميرال” مش رايحة الجامعة
تقلصت ملامح وجهه وكاد يسأل عن السبب خوفًا ان تكون مريضة أو أصابها مكروه ولكنه تراجع بأخر لحظة وهو يلعن فضوله المقيت الذي يجعله يتدخل فيما لا يعنيه
-اخبار اختك ايه ؟
انتشله سؤالها من أفكاره مما جعله
يحمحم يجلي صوته ويخبرها في مجاملة :
– تمام الحمد لله بعتالك السلام
أبتسمت هي وقالت بتعالي :
– أختك كانت زميلتي في الجامعة قبل ما تتجوز وبصراحة لما قابلتها بالصدفة و عرفت ظروفها واللي حصل لجوزها، وأنك انت اللي بتصرف عليها وعلى بنتها ومش لاقي شغل صعبت عليا وقولت انت اولى من الغريب وعلى الأقل هتفهمني وتنفذ اللي أقولك عليه
ابتلع غصته وهو يلعن بسره تلك الظروف التي جعلته يقبل بعرضها، من اجل شقيقته وبنتها وقال:
– انا تحت امرك يا مدام “دعاء” وبنفذ كل اللي طلبه “فاضل” بيه مني
نفت “دعاء” بأصبعها أمام نظراته وأخبرته متهكمة :
– أنا اللي مشغلاك مش “فاضل “ولازم تسمع كلامي انا قبل منه
تأهب لحديثها وعقله يخبره انها ستقول شيء لم يعجبه، وبالفعل صدق حدسه حين قالت بنبرة آمرة :
– كل تحركات” ميرال” يكون عندي علم بيها وقبل ما تفكر تعترض افتكر إني أقدر أقطع عيشك
زفر انفاسه حانقًا من تهديدها و عقب بدفاع وبنبرة مفعمة بالكبرياء :
– أولًا- الأرزاق على الله يا هانم
ثانيًا- بقى انسة “ميرال” مبتروحش في حتة غير جامعتها ومش موضع شك وبصراحة مش شايف داعي لقلقك
أطلقت “دعاء “ضحكة صفراء هازئة وعقبت بِخبث:
– يظهر أنك بتتخدع في الناس بسرعة
ودور الضحية والبؤس اللي هي عيشاه ده دخل عليك
مرر يده على وجهه بعدم رضا وهو يستغفر بسره كي لا يتهور بالحديث ويخسر عمله بينما هي
قلبت عينيها وهدرت مبررة :
– باباها علطول مشغول يأما مسافر، وانا عايزة مصلحتها بحكم إني مرات باباها وفي مقام امها
حانت منه بسمة ساخرة حاول كبتها بصعوبة ولكن لم يتمكن من كبت صراحته الممزوجة بالسخرية :
-امها ازاي بس ؟! قولي كلام منطقي يامدام ده اللي يشوفها يقول عليها اكبر منك
تأففت هي هادرة بنفاذ صبر بعدما احرجها :
– يوووووه اسمع هزود مُرتبك وكمان هخلي “فاضل” يثبتك بدل عم “مؤنس”
مسد جبهته بإبهامه وسبابته وقال بمسايرة فقط :
– هفكر……..
———————-
كانت تتحرك داخل مطبخها بحركات آلية وهي تشعر أنها ليست على ما يرام، فكان عقلها يعج بالكثير ولكنها تجاهلت وتمسكت بعقيدة قلبها، حتى أنها تجاهلت ذلك الدوار الطفيف الذي أصبح ملازم لها وتحركت أمام أحد المرايا بردهتها تهندم شعرها وتتفقد منامتها الرقيقة ببسمة هادئة وكأنها تحفز ذاتها ثم توجهت لغرفة النوم كي تخبره أنها انتهت من إعداد الفطور، تسمرت قدماها وكأن علق بهم جوال من الرمل شل حركتها عندما استمعت لصوته الخفيض وبسمته التي تكاد تشق وجهه، عاندتها افكارها من جديد وشعرت برجفة تنتاب أوصالها من أحتمال أن تكون بمحلها، أقتربت بِخطوات حثيثة لعلها تستبين نوعية الحديث ولكن لم يصلها شيء سوى ( موافق بس متبعديش تاني )
تلك الجملة زلزلت كيانها ولم تجد لها تفسير سوى واحد فقط قلبها يرفضه وها هو يعلن عصيانه عليها بذلك الوجيب الذي يطرق ك طبول حرب ضارية تخشى أن تسقط طريحة على آثارها، حاولت الثبات قدر المستطاع و باغتته بسؤالها :
– بتكلم مين ؟؟؟
التفت لها بعيون زائغة وبتوتر التقطته هي بوضوح وهمهم بتقطع :
– ده…..ده…. “يامن”
= طب هات التليفون هسلم عليه
قالتها في محاولة بائسة منها أن تكتشف مدى صدقه ولكنه كان أمكر منها حين قال وهو مازال يضع الهاتف على اذنه :
– “رهف” بتسلم عليك …. سلام بقى علشان معطلكش اكتر من كده
ليغلق الخط ويلقي بالهاتف بأهمال قائلًا ببسمة متوترة :
– كُنت باخد رأيه في شوية حاجات …..و بيسلم عليكِ وعلى الولاد …….
لم تقتنع فجوابه غير منطقي مقارنة بالجملة التي استمعت لها، فما كان منها غير سؤاله بوجل:
– متأكد يا “حسن” أنه “يامن” مش حد تاني؟!
لوح بيده امام وجهها وتسأل منفعل كأنها سبته لتوها:
– حد تاني مين؟
اسعفها قلبها بذلك المبرر الواهي التي وجدت ذاتها تصرح به :
-واحدة زميلتك مثلًا وبتخبي عليا علشان مضايقش واغير عليك
قالتها بوهن والخوف يفترش معالم وجهها وكم تمنت أنه يؤيدها و يطمئنها ولو بكلمة واحدة، ولكن خابت كافة ظنونها عندما صدرت منه ضحكة هازئًا ورد بنبرة مستخفة لأبعد حد :
– بقولك أيه انتِ مجنونة وأنا مش فايقلك على الصبح…. واقولك كمان سديتي نفسي مش عايز افطر انا همشي من وشك علشان ترتاحي
قالها بحدة مبالغ بها وهو يفتح خزانته ويخرج ملابسة يرتديها على عجالة ويغادر أمام نظراتها المشدوهة الغير مستوعبة، فكانت تشعر أنها ضائعة، مشتتة تحارب تلك الخيوط التي تحاول أن تترابط برأسها وتهدد ثباتها واستقرار كيانها
بينما هو كان بعيد كل البعد عن حالتها تلك فها هو بعد وقت قليل من مغادرته لمنزله؛ ينعم بقرب تلك و يعاتبها بود شديد لأبتعادها عنه وجعله يكاد يفقد آخر ذرة تعقل به، يستمع لتبريرها الواهي و يحاول طمأنتها أنه أخذ قراره ولا شيء يستطيع أن يردعه عن ما نوى وها هو يجلس لتوه مع والدتها ويتفق معها على أتمام زواجه منها بعد أن وافق على تلك الشروط المبالغ بها التي أصرت عليها كي تؤمن مستقبل ابنتها كما تدعي
——————–
اسدل الليل ستائره معلن عن تلك الحرب الضارية التي تدور برأسه فقد
تململ في فراشه يجافيه النوم بعد محاولات شتى كلها باءت بالفشل؛ فبعد أخر مشادة بينهم؛ يتعمد ان يتجاهلها حتى انه ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادم معها، هو على يقين تام انها غاضبة من أجل شكه بها وتنتظر مبادرته ولكن لم يشغله ولم يهتم، فماذا كانت تنتظر منه ؟ هو كاد يجن وحقًا هو غير أسف بشأن ذلك بل مازالت الشكوك برأسه ولم يزيحها إلا أن يتأكد بطريقته، ولكن ماذا بشأن قلبه الذي يعصاه ويميل لها، كما يحدث الآن تمامًا عندما وجد ذاته ينهض من فراشه متأففًا وكأنه يأس وترك الذمام له يسوقه أمام غرفتها، يلح عليه ان يسترق لها بعض النظرات التي تجعل خفقاته تستكين بِموضعها ويتأكد انها مازالت معه، مما جعله ينصاع دون مماطلة فقد فتح باب غرفتها بِحرص شديد بعدما تأكد من نوم والدته ثم اشرأب برأسه يتأملها، كانت مستغرقة بنومها بشكل فوضوي للغاية وخصلات شعرها تغطي وجهها بشكل جعله يتوق إلى يزيحها حتى يتمكن من رؤية وجهها وبالفعل ذلك ما فعله وجد نفسه كالمغيب يقترب و يجثو على ركبتيه بجانب فراشها ويزيح بيده خصلاتها بِحنو شديد فكم كانت ملامحها جميلة هادئة بنومها
عكس تمامًا طبيعتها وهي بكامل وعيها وكم راقه بشدة سكونها ذلك حتى انه وجد نفسه يصرح لها هامسًا وكأنه لم يقوى على مواجهتها بِصحوها :
– بحبك يا” نادين “وعمري ما حبيت حد غيرك ……ليرفع خصلة من شعرها الطويل و يستنشقها بعمقٍ راجيًا :
– أوعي تخذليني وتخوني ثقتي فيكِ
تململت بنومها مما جعله ينهض على الفور ويغادر كي لا تشعر به فأخر ما يريده الآن هو أن يتجادل معها من جديد
————————-
في صباح اليوم التالي
أحضر لذاته كوب من القهوة وجلس يحتسيها على طاولة الطعام داخل ذلك المطبخ ذات الطابع الأمريكي، تناول هاتفه برتابة وظل يتفقد مواقع التواصل الإجتماعي، شعر بها تجلس على أحد المقاعد العالية التابعة لذلك الكونتور الرخامي امامه، تصنع عدم الأنتباه لها في حين هي تحمحت :
– هتفضل تتجنبني كده كتير؟
لم يرفع عينه لها بل أخبرها بِصدق ببحة صوته المميزة وهو مازال يصب كافة تركيزه على شاشة هاتفه:
-كده افضل أحنا كل ما نتكلم نتخانق وبصراحة زهقت من الخناق ومن طريقتك
ارتفع حاجبيها المنمقين بِمكر لا يضاهيها أحد به واقتربت تستند بظهرها على طرف الطاولة أمامه تحاول أن تستحوذ على اهتمامه قائلة :
– المفروض انا اللي ازعل مش انت؛ علشان شكيت فيا !؟ …..بس على العموم خلاص سامحتك علشان مش بحبك مكشر بيبقى دمك تقيل
حانت منه بسمة هازئة وأسند ظهره بأريحية أكبر على مقعده يتأملها بِصمت مريب يخالف ضجيج رأسه فمتى ستكف عن طريقتها الملتوية تلك التي تستخدمها عندما تريد شيء فنعم هو يحفظها عن ظهر قلب وعلى يقين تام بكافة طرقها وقد أعتاد عليها.
تابعت هي كي تؤكد له يقينه نحوها:
– طيب انا زهقانة وعايزة أخرج ممكن ولا هتعترض كالعادة ؟
حانت منه بسمة عابرة وسألها وهو يربع يده ويرفع أحد حاجبيه :
– عايزة تروحي فين ….؟؟؟
أبتسمت وقالت ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب :
– عايزة اروح اعمل شعري
تعلقت عينه الناعسة بخصلاتها الهوجاء وكأنه يخشى شيء بعينه ولكنه لم يعقب، لتبتسم هي بدهاء وهي تلتقط نظراته، ويلمع سواد عيناها وخاصةً عندما وافق قائلًا وهو ينهض :
– عشر دقايق وتكونِ جاهزة هوصلك
أومأت له ومازالت محتفظة ببسمتها ودون أي مقدمات كانت تصعد لمستواه على أطراف أصابعها وتطبع قبلة خاطفة على وجنته و تركض كي تستعد بينما هو جلس مرة أخرى وتطلع بآثارها وهو يشعر انها ستفقده صوابه بتصرفتها المتناقضة
———————–
كانت تظن أنه سيوصلها ويغادر لعمله وتتمكن هي من مواعدة”طارق” الذي لن يكف عن الإلحاح ولكن الآخر أصر أن ينتظرها أمام مركز التجميل، لتلعن هي وتقرر انها تضايقه ايضًا كما فعل وعكر صفوها
لتخرج بعد بعض الوقت بخطوات واثقة نحوه وتقول بمكر تجيده :
– ايه رأيك في اللوك الجديد؟
كانت نظراته ثابتة عليها بشكل أثار ريبتها وجعلها تترقب لردة فعله، بينما هو أخبرها بإقتضاب خالف كل توقعاتها :
– حلو ……….
= هاااااا يعني عجبك بجد؟!
اجابها وهو يضع نظارته يخفي ناعستيه الثائرة ويشرع بركوب السيارة :
– أي حاجة عليكِ بتبقى حلوة…..ممكن تتحركِ علشان ارجعك البيت واروح اشوف شغلي
تنهدت بإحباط من ردة فعله واقترحت ببراءة مصطنعة :
– انا ممكن أروح لوحدي عادي ….لو متأخر؟!
= يلا يا “نادين” بدل ما أجيبك من ديل الكلب اللي انتِ عملاه ده
قالها بنبرة ساخرة وهو بالكاد يتحكم بأعصابه، لتصعد بجانبه وينطلق بها عائد إلى المنزل
———————–
– يا لهوي …عملتي أيه في شعرك يا بنتي ؟
هدرت بها “ثريا” ما أن رأتها لتبرر وهي تمرر يدها بِخصلاتها القصيرة :
-دي الموضة يا مرات يا بابا
= يا حول الله يارب موضة أيه بس يا بنتي ده زينة البنت شعرها
نفخت اوداجها ولم تعطي لحديثها أي أهمية ودخلت غرفتها، لتضرب “ثريا” كف على آخر وتقول وهي تلحق ب “يامن” إلى غرفة مكتبه :
– رجعت ليه يا بني مش عندك شغل
= آه يا أمي بس نسيت ملف مهم ورجعت علشان اخده
هزت رأسها بتفهم وأردفت وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة :
– البنت بتعند يا” يامن” …..
تنهد وأخبرها بقلة حيلة :
– عارف يا أمي وعلشان كده محبتش أبينلها إني أتضايقت من قص شعرها
لتتنهد والدته وتقترح بِفطنة:
– أسمع يا بني عايزاك متضغطش عليها …..سيبلها الحبل شوية …”نادين” متربية وعمرها ما هتغلط ……هي مش مقدرة خوفك وحاسة انك مفروض عليها …..يمكن وقتها يا ابني، تحس أنها مش مجبورة وتقدر حبك
مرر يده بِخصلاته البُنية وأخبرها ببعض التردد فهو لا يضمن ذاته عندما يتعلق الأمر بها :
– هحاول يا أمي
————————-
تردد بدل المرة ألف وهو يتطلع لرقمها المسجل الذي أخذه من والدها سابقًا لكي ينسق معها مواعيد العمل، فظل يجاهد تلك الرغبة التي تلح عليه أن يهاتفها منذ أن أخبرته مربيتها انها ليست على ما يرام ولن تذهب اليوم ايضًا لجامعتها انتابه القلق وأراد حقًا أن يطمئن عليها ولكنه تراجع باللحظة الأخيرة وهو يلعن ذلك الفضول الذي يدفعه نحوها فما شأنه هو! ليقذف الهاتف من يده على الفراش ثم يزفر أنفاسه حانقًا عندما تذكر حديث تلك الصفراء له وظل يتساءل أيعقل! أن يكون حدسه نحوها بغير محله رفض عقله التصديق بتاتًا وظل ساهمًا، يفكر بتروي غافل عن تلك التي كانت تتابعه منذ دقائق وجلست بِجانبه متسائلة وهي تضع كوب من الشاي الساخن على الكومود خاصته :
– مالك يا “محمد” من ساعة ما جيت الضهر وأنت مش على بعضك
زفر أنفاسه وأخبرها بنبرة مختنقة :
– مفيش يا” شهد” مضايق شوية وفي موضوع شاغلني
=ايه اللي شاغلك هو حد ضايقك في الشغل؟
تسألت هي بِخوف مترقبة وهي تربت على ساقيه، تعلقت عينه بها بعدما لامس خوفها الجلي على نبرتها وقال مطمئنًا:
– متقلقيش مفيش حاجة كل الموضوع أن صحبتك دي مش نزلالي من زور ومستغرب كنتِ مصحباها ازاي
ابتسمت “شهد” بعدما أزاحت خوفها جانبًا واخبرته :
– أحنا كنا في جامعة واحدة وزمايل بس مكناش قريبين من بعض وبالصدفة قابلتها وحكيت لها عن ظروفي وقررت تساعدك
هز رأسه بتفهم وأخبرها مشاكسًا :
– طيب طمنتيني انكم مش صحاب اوي علشان بس لو حبيت اجيبها من شعرها متزعليش عليها
لطمت صدرها وصاحت :
– لأ الله يخليك اوعى تعمل كده وتقطع عيشك بأيدك ده احنا مصدقنا من يوم ما اتخرجت وانت دايخ على شغل وأديك شايف الحال بعد وفاة “فايق”
تنهد وجذبها يقبل جبينها قائلًا بنبرة حنونة :
– متقلقيش ……..مفيش حاجة مخلياني ماسك في الشغل ده بأيدي و سناني غيركم وإذا كان على صاحبتك أمري لله هسايرها بس لغرض معين في دماغي ويا رب أكون غلطان
وعند لفظه لأخر جملة صدح رنين هاتفه وعندما التقطه اتسعت عيناه مذهولًا عندما وجد رقمها، ليتحمحم يجلي صوته كي يصدر لين ورد وهو يهب واقفًا امام نظرات شقيقته المستغربة :
– انسه “ميرال” تحت أمرك
لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا :
– ألحقني …..
—————–
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)