رواية بيت القاسم الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم ريهام محمود
رواية بيت القاسم البارت الرابع والثلاثون
رواية بيت القاسم الجزء الرابع والثلاثون
رواية بيت القاسم الحلقة الرابعة والثلاثون
“بعد مرور سنة”
.. بعض النهايات لم تكن سعيدة قدر أن تكون منطقية.. حيث أن العابث بحكايته سيظل عابث، عربيد ولكن بتحفظ بعد أن خاف الخسارة..
القلب مغرم بزوجته ولكن عينه عابثة لايستطيع السيطرة عليها.. عيبه وهو معترف به..!
والمشهد عبثي، اجتماعي ساخر.. زياد يحمل صغيره الذي لم يتجاوز عمره العام بعد بحقيبة مربوطة بشكل عكسي على صدره، وملتصقة به نيرة تجر أمامها عربة مشتروات… حيث أن الخروج المعتاد للـ هايبر القريب، ولابد أن يثبت ولاءه كزوج، ودعمه كأب..
تسير بجوار الأرفف، تجذبه من ذراعه لتأتي بأنواع الحفاضات وتقارن بينهم..!
وهو رجل لا باع له ولا سيط في تلك الأمور وبلغة أخرى عابثة كصاحبها “كار الأبوة ده مش كاره”..
يزفر بضيق يُخفيه عنها، يبتسم من حين لآخر لها بمجاملة.. يتركها تتحدث فيما تريد وعقله غائب…
بممر ضيق هي أمامه وهو خلفها والصغير معه، تبحث بعينيها عن شيءٍ ما بالرف العلوي، ولكن شتت تركيزها صوت كعب انثوي مستفز نزعت عيناها من على الرف لتستقر على الصاروخ القادم..
أنثى تسير بهوادة ودلال مفرط تهدي نيرة نظرة عابرة غير مهتمة ومن ورائها تطول النظرة… والغمزة..!
واختفت بعد أن انتهى الممر، حينها التفت نيرة له بجسدها كله فوجدته يعبث بالأغراض أمامه بتركيز شديد!!
رمقته بحاجب مرفوع
-متمثلش.. شوفتك وانت بتبصلها..
فرفع كلا حاجبيه بالمقابل باستفهام
-ببص لمين..!!
واستنكرت
-والله..!!
– قصدك الصاروخ اللي كان ماشي جانبنا..
قالها ببساطة بلا مبالاة عبثية وكأنه شيء عادي
– اللي شعرها أحمر وجيبتها قصيرة..
يتابع رغمًا عنه بوقاحة متأصلة بجيناته
– وعندها……
لم ينطق بالـ…. ولكن يديه ترسم ماقصد بالهواء..
ثم يعود كزوج مصري أصيل بعد أن خفض بصره وادعى البراءة.. ينفي
– لا مشفتهاش..
كتفت ذراعيها باستنكار
– والله..
تلوي شفتيها كاظمة غيظها قبل أن تنفجر به..
– أنا قولت ديل الكلب عمره ماهيتعدل..
يهتف بحمائية زائفة
– لا بقولك ايه تغلطي هغلط..
قاطعته بانفعال زوجة
– أغلط!! هو انت لسه شوفت غلط..
وزادت وهي توليه ظهرها تاركة له المكان كله..
– ابعتلي ورقتي ع بيت اهلي..
وقف مذهولًا بأعين متسعة، يهتف بها وقد اختفت هي الأخرى عن ناظره..
– خدي يامجنونة… طب خدي الواد..
ويبدو أنه سينال العقاب، يلوي قسماته بشبه بكاء مفتعل..
– ياني عليا وع سنيني السودا..
– طب الصاروخ راح فين..!!
ظل بالمنتصف كـالأبله، والصغير يضحك على هيئته، فرمقه زياد بغيظ، يشتم من بين أسنانه
– يللا يابن الكلب انجر معايا أما نشوف هنصالح أمك إزاي ..
…………..
.. أن تكون أب لـ ثلاثة أولاد، لابد وأن تتأكد بأن لديك ثلاث كوارث متحركة..
وكارثته الوسطى، ابنه الثاني افتعل شجار اليوم بالمدرسة، على إثره قام بتحطيم كرسيين، وضرب شقيقه الأكبر.. كان غضبه أعمى، هائج ولم يوقفه سوى صياح المدير وهو يطلب إستدعاء والده… والده الذي ترك كل مافي يديه وتوجه لمدرسة أولاده..
كان المدير يرغي ويزبد وطال بشكواه من حاتم وفرط عصبيته.. وكمال محرج، يتأسف تارةً، وتارةً أخرى يعنف حاتم أمام الرجل، وتكفل بمصاريف تصليح ما أتلفه إبنه بشجاره ومبلغ مالي على هيئة تبرع للمدرسة..
والآن منزله كأنه جحيم، يتوسط الصالة بوقفته وأمامه أولاده – مراد وحاتم-
مذنبين أمامه كلاهما ثيابهما مبعثرة وبعض أزرر من قميصيهما قد فقدت، وزاد من الكارثة كدمة أرجوانية تتوسط عين مراد اليسرى..
يقترب من حاتم، يصرخ به
– إيه مربي بلطجي..!
يزيد من صراخه وهياجه
-بتكسّر الفصل… وبتضرب أخوك..!!
يشدد على أحرف الكلمة بصدمة موجعة
-أخوووك …
يستنكر غاضبًا
– خليت إيه لبتوع الشوارع..
رفع حاتم عيناه لوالده رغم بريق الدمع اللامع بعينيه إلا أنه لم يتماسك.. ثار وانهار..
– اشمعنى بتزعقللي أنا… اسأله هو عمل فيا ايه..
يريد أن يبكي، تنمر شقيقه الدائم له، سخريته منه ومن تعلقه المرضي بوفاة والدته.. ولم يستكفِ مراد بل جعل اصدقاؤه بالصف يتنمرون عليه..
لم يهتم والده قيد أنملة، استهزأ
– عمل فيك ايه…!!
يُقر بواقع مايراه
– أنا شايفه هو اللي مضروب…
يرمقه بنظرة حارقة، وغضبه فاق الحد
– كل الشكاوى مش بتيجي غير منك إنت.. وعليك إنت ..!
ثم التفت للوقفة بالجوار تتابع الأمر بصمت متأثرة
– ريم..
– الواد ده يتحبس ف اوضته.. ميطلعش منها أبدًا..
تهز رأسها رافضة، دون شيء حاتم يكرهها.. يتهمها بسرقة مكان والدته.. فكيف سيكون الحال وهي من ستكون سجانه..
ولم يبال كمال برفضها، تابع بنبرة باترة لأي جدال
– وإنتِ المسؤولة أودامي..
ثم استعرت نبرته بقسوة..
– أما أشوف هعرف أربيك ياحاتم ولا لأ …
انفعلت عينا الصغير بضعف، بيأسٍ ممزق وخاصة وهو يراقب أخيه ونظرته المنتصرة اللامعة، يغيظه بتلاعب حاجبيه دون أن يلاحظ والده… هذا وإن لاحظ من الأساس..
…………..
…. فرع جديد واليوم افتتاحه، متوقع له النجاح بناءً على السمعة الطيبة للفرع الأول… ولـ مالك الفرع الأول..
….زيارة معتادة لشركة شقيقها، تسير بضجر وحرارة الجو تزيد من احمرار بشرتها.. تعدل من أحكام بلوزتها الحريرية على جزعها، وحقيبتها التي أغلقت للتو، في طريقها إلى سيارتها والتي لم تجد مكان قريب كي تركن به، فقامت بركنها بمرآب أبعد..
…. يرمق ساعة يده والتي كشفت له عن الوقت، فزفر بضيق ويبدو أنه تأخر عن موعد آخر..
…. كعب حذائها الذي يدق على الأرض بصوت غير مسموع بسبب الزحام والضوضاء..
…..يسير في طريقه مسرعاً وهو يفتح أول ثلاثة أزرر من قميصه الكتاني بفضل الحرارة المرتفعة، ينزح بكفه حبيبات عرق من أعلى جبينه..
… أقدام وطريق مزدحم.. واصطدام خفيف.. واعتذار كادا أن ينطقان به ولكن…. اتسعت عيناها بمفاجأة نطقت بها
– أحمد..!!
ولم يتجاوز الصدام ولا الصدمة، مبهوتًا برؤيتها
-يارا….. إنتِ بتعملي ايه هنا!!
نظرت إليه مطولًا، وكأنها مشتاقة.. بل كانت مشتاقة، أخبرته بخفوت عن تفاصيل كانت تتمنى أن يكون على علم بها..
-مفيش كنت ف شركة زياد وأكرم، أصلهم فتحوا شركة سوا من فترة قريبة..
وانتبهت أنها تثرثر، وخشت أن يكون غير مهتم.. فعضت على شفتها بحرج
أخبرها هو الآخر وكان ينتظر سؤالها..
– أنا فتحت فرع للجيم هنا.. انهاردة الافتتاح..
يتأمل ملامحها عن قرب، مشدودًا لها كما كان سابقًا، توردت وجنتيها من نظراته.. فابتسمت برقة تهنأه
– مبروك ع الميدالية..
رفع حاجب مستغربًا
– كنتي متابعة..!!
أكدت بمرح
– أكيد…. مصر كلها كانت متابعة…
يخفق قلبها بشدة ولا تدري أهذا من أثر المفاجأة.. أم الحنين
– السوشيال كلها مكنش عندها سيرة غير البطل..
واحمر وجهه.. وكان حالة نادرة.. رجلًا يحمر وجهه إذا خجل، رغم شعوره بالزهو أمامها الا أنه غمغم بتواضع
– مش للدرجادي..
ولكنها لا تبالغ، تتابع بعفوية دون سيطرة
-أكتر … انت كنت تريند..
وضحكت، فـ ضحك، وعيناه تفيض بنظرة غريبة ولكنها كانت رائعة..
ابتسم بـ شجن وهو يلاحظ ارتباكها، وكأنه عاد لأول مرة رآها بها، كان مرتبكًا، خجولًا… حتى أنه تذكر وقت أن صافحها طال بتمسكه بكفها… وكم كان ناعم وصغير بين أنامله..
ولسوء حظه اليوم لا توجد مصافحة بينهما.. ولكنّ عناق النظرات كان كافيًا
تنهد طويلًا قبل أن يسألها بود حقيقي، ود كان ممزوجًا بحنين
– عاملة إيه؟!
بطلها الوسيم يسألها عن حالها.. هل يسألها عن حالها بالعموم أم يسألها عن حالها بعد أن خذلها!!
وتذكرت الخذلان.. ودرسه القاسي.. همهمت
تمام…
ثم تحركت تنوي المغادرة، تبتسم له ابتسامة هادئة تودعه بها رغم فوضى مشاعرها..
خطوة خطوتان خمس خطوات واستوقفها ببحته المميزة
– يارا… رقمك لسه زي ماهو..!!!
……………..
“بس أنا ملقتش ونس للعمر أحسن منك
ملقتش سنين وحياة تتعاش غير وأنا وياك”
.. يتمدد على الأريكة واضعًا رأسه فوق قدمها بينما هي تمرر أصابعها بين خصلاته السوداء تسحب شحناته السلبية بنعومة أناملها، تبتسم له بصدق وعشق حقيقي، تستمع لكل كلمة يقولها وكل حرفٍ يتفوه به رغم أن معظم حديثه عن العمل وهي لا تفقه فيه شيء ولكنها تهز رأسها وكأنها تفهمه ..
يشكو لها إرهاق العمل وقد صار مضاعفًا بعدما ترك وظيفته المرموقة بالبنك وتشارك مع زياد بشركة خاصة تحمل اسميهما معًا..
تحاوطه بعشق.. دفئ، تنير حياته وكأن حروف إسمها كله مختزلة في وجهها..
تركض ملك الصغيرة نحوهما، تقصد أبيها بالحديث تتنهنه ببكاء طفلة تعلم بتأثيرها على والدها..
-شوفت يابابي.. مجد زعلني وخد من التابلت بتاعي..
وطبعًا معظم حروفها كانت طائرة وفهم هو المضمون، نهض من مكانه المفضل، يدعي الغضب..
– لا مجد ملوش حق.. ازاي يزعل برنسيس بابي..
يعقد حاجبيه فضحكت الصغيرة..
-روحي خوديه منه.. قوليله بابي هيجيلك لو زعلك تاني..
وضحكت الصغيرة تتركه وتركض باتجاه غرفتها وعلى وجهها علامة نصر..
ليعود لنورهان مرة أخرى.. يتمدد.. يثرثر بالفراغ عن أي شيء وكل شيء
وهي لا تقاطعه.. يفرغ رأسه من الفوضى بداخلها..
يصمت قليلًا لينتبه لشرودها،زيغ عينيها.. فيعتدل.. يسألها
-ف إيه؟!
ينظر لوجهها بتدقيق
-مش ع بعضك انهارده..!
نظراته الثاقبة، تتوترها أكثر، تنفي بخفوت
-مفيش..
يصمم على رأيه
-لا فيه!!
يقترب منها، يحتضن كفيها بكفه، يحثها على القول
-انجزي وقولي..
تتهرب بنظراتها منه ثم تنهدت باستسلام وهي تتركه
-طب ثواني..
دخلت غرفة نومهما وغابت بداخلها لحظات قصيرة وعادت إليه، ملامح وجهها كانت شاحبة، وخطواتها متعثرة حتى جلست على أريكته ، على بعد منه.. ناولته شريط بلاستيكي لونه أبيض دون أن تتفوه بحرف..
سألها وهو يقلب الشريط بين كفه باستفهام
-إيه ده..!
توقفت نظراتها على خاصته، وخفتت نبرتها
– ده إختبار ..!
عقد حاجبيه بضيق
-مش فاهم؟!
يوزع نظراته بينها وبين مايحمله بدون فهم، ولكن ملامحها أخبرته
اقترب متسائلًا بتردد
– إنتِ حامل !!
اومأت بضعف.. استقبله هو بإبتسامة بدأت تظهر بشكل تدريجي أعلى ثغره.. ينظر للاختبار بيده بغير تصديق والفرحة بادية على ملامحه..
ينفض نفسه من حالته يسألها باستغراب
-طب وكنت مترددة تقولي ليه..
– خوفت تتضايق..
حيث أن بدايتها معه كانت مرهقة أكثر من اللازم..
واجابتها ضايقته بالفعل، عاتبها بالنبرة
– هو أنا كنت اضايقت في ملك.؟!
أشاحت بوجهها عنه وصمتت، وصمتها كان كفيل بإشعال ضميره.. ليس الآن، ليس بعد كل ماوصلوا له، ليس بعد العناء، ضميره يأنبه.. يعذبه، يذكره بجرحه القديم لها..!..
هز رأسه وابتسم، كانت إبتسامة حقيقية، دافئة وكانت هي بحاجة لها. وخاصة بـ هاته اللحظة..
لم يكن اختبار حمل بقدر أنه اختبار له.. ولحياته معها.. حياتهما سويًا..
يقترب منها، يقطع المسافة الفاصلة بينهما.. يحتضن وجهها براحتيه
-مبروك..
قالها بدفئ مشاعره وهو يلثمها بثغره بجانب رأسها، وطالت القبلة وكأنه يشكرها، وابتعد برأسه عنها قليلاً ومازال كما هو يعانقها بنظرته، يذوب فيها وتذوب فيه… وأهداها قبلة أخرى طويلة كسابقتها بجانب ثغرها..
فابتسمت له.. تهمهم برقة ودعوة صادقة..
-ربنا يخليك لينا..
يبتعد وقد التمع بريق عابث بمقلتيه، يسألها والنية بداخله سوء
-الباب مقفول كويس ع مجد وملك!!
ضحكت بدلال ، ترفض بحاجبيها
-اللي ف دماغك تنساه….انا مستنية المسلسل
يغمز بشقاوة
-الماتش ولا المسلسل..
تُصر على موقفها بثبات واهي
-المسلسل
يزفر بقوة قبل أن يغمغم
-مش وش نعمة..
………………
..الزواج مقبرة الحب أو نهايته أو بدايته حتى لايهم.. المهم أن يتزوج!!
أن تُزف له عروسه.. ويغلق عليهما باب والبقية سيتكفل بها..
بعد عامٍ كاملٍ كان يعمل به بكد وصبر، وانتظر نجاحها حيث لازفاف قبل النجاح.. وقد كان، نجاح مبهر لها بالثانوية كما وعدته ووعدت جده والجميع..
وجاء اليوم الموعود… يوم زفافه.. قاعة كبيرة شهيرة تقع بأطراف البلد.. تضج بالزغاريد والحضور بكل ارجائها.. وعلى باب القاعة بوابة كبيرة مزينة بالورود واللألئ اللامعة مكتوب عليها بزخرفة “زفاف قاسم&حنين”..
يقف هو بأول القاعة ينتظر دخول عروسه وقد أصر والدها أنه هو من سيأخذها له.. يسلمها بيديه ليده..
ظهرت حنين متأبطة ذراع والدها بفستان أبيض رائع التفاصيل، يشبه فساتين أميرات ديزني،ببريق ماسي متلألئ..
أغنية لبنانية عريقة تناسب أجواء العرس وفستانها تصدح بالقاعة وقاسم يأخذ عروسه من والدها يقبلها من رأسها.. ثم يمسك بكفها بعد نظرة انبهار ألقاها عليها رغم أن الفستان من اختياره ولكن لم يكن يتخيل بأنه سيكون بتلك الروعة حين ترتديه..
يطالعها بين لحظة وأخرى بانبهار وحب، وهي أيضًا رغم خجل المرة الأولى..
تتأبط ذراعه، ويسير بها متجاوزًا الحضور ليصعد للمنتصف حيث مكانه هو والعروس.. تزغرد أمه بفرح، وأخريات يلتففن حولهم بشبه دائرة..
ليبدأ الحفل برقصة هادئة للعروسين وكانت الغنوة المختارة من اختيار العروس.
“انت ياللي خدت قلبي من الزمان ومن اللي فيه..
خدت قلبي لدنيا تانية أحلى م اللي حلمت بيه..
كان يراقصها بفرحة حقيقية والجميع ملتفون حولهما، وكلمات الأغنية تنساب لمسامعه فيدق قلبه بعنف وكأن هي من تقولها له.. أليست من اختيارها..
” أحلى عمر أنا عشته جمبك والحنان عندك كتير… هو فيه كدة زي
قلبك… لسه فيه ف الدنيا خيير.”
.. انتهت الأغنية والرقصة على تصفيق الحضور، قبل أن تنقلب الإضاءة من حولهما وتتبدل الموسيقى…
اقترب زياد من حنين يهمس لها
-محضرلك مفاجأة هتبوسيني عليها..
نهاية كلامه غمزة والتقطها قاسم وبالطبع التقط كلامه.. فتوجس ورمقه بحيرة مصحوبة بضيق قابلها الآخر بتراقص حاجبين واغاظة..
لم يمر ثواني الا وأغنية معينة صدحت بالمكان، وحضرت هدية زياد، وهي مجئ مطربها المفضل،، فتعالت الصيحات والتهليل…. واقترب المغني من قاسم يصافحه، وأشار فقط للعروس.. ثم انطلق بالغناء وكان موجهًا لحنين..
” السما ف عنيه..
قلبها سيقف من الفرحة وهي ترى مطربها أمامها هكذا، ابتسامتها العريضة أشبه بضحكة بلهاء أطفأها قاسم وهو يجذبها من يدها بشبه عنف، يحذر بلهجة شديدة
-لو اتحركتي من جمبي هقطعلك شعرك بأيدي…
ووافقت مرغمة، وقررت ألا ينزع منها فرحتها، ظلت تتراقص بجواره..والفتيات تتمايلن معها.. وكانت أغانيه مختارة بعناية تناسب فرحتها..
…
تقف يارا بعيد عنهم قليلًا، تتابع بسعادة حقيقية، تضم من الوشاح الخفيف الملفوف حول كتفيها، كانت مهلكة الطلح بفستانها الأسود اللامع فستان ضيق يبرز رشاقة قدها وضيق خصرها ينزل باتساع مابعد الركبتين يشبه بتصميمه حورية البحر.. عاري الكتفين ولذلك ارتدت وشاح يقيها انتقادات أحمد اللاذعة وكفاها شر القتال..
وعلى ذكره حضر واقترب منها يرمقها بضيق رغم إعجابه بها إلا أن فستانها ضيق بما يفوق الحد وعاري حيث حد اللاحد..
يقترب أكثر يميل عليها دون تلامس.. يهتف بنزق حقيقي..
– وأنا هفضل متعلق كدة لحد أمته..
وضحكت ملئ شدقيها وكانت ضحكتها حقيقية.. ترمقه وتعلم بأن صبره نفذ.. تحدثه بدلال..
-الله وحد ماسكك.. ماتتكلم زياد..
وابتعدت بغنج.. وسقط الوشاح وظهر ماتحته، جز على نواجزه غاضبًا، لابد وأن يضع الأمور بنصابها الحقيقي.. وعيناه تدور وتبحث عن شقيقها..
…
.. وقبل رحيل المطرب طلب من العروسين، أداء رقصة على أغنية هادئة له وكانت علي ذوقه وهدية للعروس..
ويتجاوز قاسم ذلك الأمر.. سيتجاوز كي تمر الليلة، يقسم بداخله اغلظ الأيمانات أن يردها اضعافًا لزياد..
يحتضن خصر حنين بذراعيه وهي تتوسد صدره بكفيها.. وخفتت الإضاءة
“ياما حكيت عليك للناس وللأيام.. قالولي خيال وقولت حقيقة مش
أوهام”
يلتصق بها، ف ابتسمت له، وتعلقت عيناه بشكل عبثي على شفتيها، ليهتف بنزق..
-أنا زهقت وعايز أروح..
وفهمت ما يرمي إليه، عكست كلامه تتلاعب به
-يعني الجو الجميل ده مش عاجبك..
ولم يروقه الحديث. لا الحفل حتى، ماينقصه أن يعلق على صدره يافطة مكتوب عليها بالخط العريض “أنه لا يطيق الانتظار”
-لأ مش عاجبني، أنا عايز م الجو التاني بتاع أفك السوستة
ورغم خجلها ووقاحته، الا انها امتعضت
-سوستة إيه .. إيه الجو القديم ده.. معتش فيه فساتين بسوستة..
وعلا صوته ولكن لم يصل لغيرها نظرًا للموسيقى العالية
-نعم ياختي.. أنا أروح فيكو في داهية..
يتابع بحاجبين معقودين
انا حافظ ومذاكر أن السوستة ضرورية ..
يتسائل بجدية
انت دلوقتي لما تلغيلي السوستة أعمل إيه أنا؟
…
– أراهنك أنه دلوقتي بيتخانق عشان عايز يروح..
يقولها زياد وهو يضحك يشير بسبابته على قاسم، فتبادله نيرة الضحك مؤكدة
– يعملها والله، اخويا وأنا عرفاه..
لاحظت اقتراب أحمد من وقفتهم فصمتت ونظرت لزياد بقلق
-ألف مبروك يا نيرة..
يقولها أحمد بنبرة هادئة وضحكة بسيطة زينت محياه فردت عليه بعاطفة اخوية
-الله يبارك فيك ياكابتن..
التفت لزياد واختفت الإبتسامة، يطحن ضروسه قبل أن يهتف مجبرًا..
-مبروك يازياد..
تهكم..
– نيرة وزياد حاف..!!
يسخر منه بغرور
– ماتيجي تبات عندنا أحسن..
ولكن الآخر تمتلك نفسه، يسحب نفسًا ويزفره، والمحبة بينهما متبادلة..
-ممكن ياأستاذ زياد بيه.. استغل الحفلة الحلوة دي وأطلب إيد أختك ..
وجاؤه الرد سريعًا، بسرعة البرق
-مش م موافق..
ضغطت نيرة على كفه، تهدر به بخفوت
-زياد..
يرفع كتفاه بغرور، وعيناه مرآه لداخله..
– مبحبوش ياستي..
ووصل الرد للآخر ولكنه تجاوزه وكأنه لم يسمعه، لتشدد نيرة على كلامها بنبرة ذات مغزى..
– زياااد… عيب بقى..
واضطر موافقًا تحت التهديد أن يتنازل قليلا.. تنهد قبل أن يقول مستسلمًا
– طيب خلاص هات الحاج وتعالى يوم الجمعة واللي ف الخير يقدمه ربنا..
ليجيبه أحمد..
– الحاج مات
تأثر زياد.. فلانت ملامحه ونبرته أيضًا..
الله يرحمه… خلاص هات الحاجة وتعالى..
باغته بالقول
– الحاجة ماتت
ماتلك المآسي.. تراجع قليلاً بوقفته رغم تأثره
-ياباي، وأنا لما اعوز اجيبلك كبير.. اجيب مين..!!
رد أحمد بثبات وثقة
– أنا كبير نفسي..
اشاح زياد بكفه له ودار برأسه عنه
– خلاص هات نفسك وتعالى يوم الجمعة..
……………………..
**”الختــــــــــام” **
،، بعد عدة سنوات،،
…الأمل هو تعويذة الاستمرارية في الحياة..
مالذي ممكن أن يحدث في سنوات..!! سؤال بسيط واجابته أبسط “الكثير”
كثير من الأحداث حدثت وتحدث، تقلب هذا وتغير هذا وتجمع تلك مع ذاك..
وخلال كل ذلك.. استمرارية، حيث لاوقوف ولا هدنة تأخذها بين الفواصل..
خلال سنوات تنضج، تتبدل… تصبح آخر..
… بمنزل جديد واسع، اختاره كمال على النظام الحديث.. يناسبه ويناسب أولاده من قبله.. وأولاده أهم منه، أختاره بمكان قريب من النادي المشتركين به، قريب من مدارسهم وحياتهم… وترك بيت العائلة وظن أن قراره صائب..
يقف بغرفة نوم مازالت فارغة والأثاث موضوع جانباً.. يرمق الجدران بنظرة مبهمة، غريبة.. أتت ريم من وراء ظهره تضع كفها على كتفه..
-مش مصدقة أن أحنا سيبنا البيت هناك…
نبرتها كانت حزينة مليئة بالشجن، استدار لها مبتسمًا، يتنهد بضيق..
-كان لازم يحصل، البيت هناك بقى صغير علينا..
تعلم بأنه على حق.. ولكنّ
-والولاد وذكرياتهم هناك..!
الأمل بنبرته واضح
-هنعمل ذكريات جديدة حلوة.. وإنتِ معانا..
والتأكيد الواثق منها، تقترب لتلتصق بصدره
-العمر كله هكون معاك ومعاهم..
ليحاوطها بذراعيه، يستغل الفرصة ليطبع قبلة عميقة أعلى جيدها استجابت لأثرها للحظات قبل أن تبتعد عنه، ترميه بضحكة حلوة من ضحكاتها..
وخرجت للصالة الواسعة، تدور بنظراتها هنا وهناك إلى أن استقرت على حاتم وجلسته يجلس على أريكة صغيرة للتو وضعها ممدًدا ساقيه أمامه على طاولة صغيرة..
يجذبها بحديثه الوقح، ولسانه السليط
– مش عارف أنا والله.. إنتِ جايه عشان تخدمينا ولا تلزقي لبابا..
وانفعلت.. انقلبت ملامحها لأخرى محتقنة، تصيح به
– اخدمكو! ليه انت شايفني خدامة؟!
يستنكر كلامها بسخرية، ولازال على بروده
– أومال المفروض انتِ جاية بدال ماما..!!
وانفعالها اشتد، حد البكاء ورجفة النبرة
-أنا مش جاية مكان حد.. أنا جيت عشانكو..
يهز رأيه وسخريته زادت وفاضت، يكتم ضحكة
– ممممـ واضح..
وعزّ عليها حالها أن تبكي أمامه.. ركضت من أمامه تلج الغرفة التي خرجت منها للتو..
فيأتيها صوته الغير عابئ بشئ
-يللا بسرعة أجرى اشتكيلو…
………………….
… وكأن حياته قبلها مجرد وهم.. مسابقة طويلة ونهايتها هي.. هي ميداليته الذهبية، من جعلت عالمه وردي مثلها..
كانت له العائلة التي حُرم منها، وكان لها الأمان والسند وأميرها الوسيم..
حفل زفافها به كان كبير، وجميل ضم باقة كبيرة من صفوة المجتمع كونه لاعب أولمبياد.. وكونه وجهة اجتماعية مشرفة لبلده… ولها..!
وقرار تأجيل الحمل كان لها، حيث أنها لا تستطيع أن توفق بين دراستها وحملها وكان هو خير داعم..
والآن تقف بمنتصف الغرفة وهو خلفها يحتضنها بصدره، يطبع قبلة على رأسها .. وثيابهما وكفوفهما ملطخة بالطلاء الأزرق والأرضية كلها مفروشة بورق جرائد ومجلات..
سيغيرون لون الغرفة من زهري ل أزرق فاتح.. حيث أن يارا تنتظر مولودها الأول.. يكتب أحمد أعلى الحائط فوق مهد الصغير الأبيض “boy”
تقلب شفتيها بشبه بكاء مصطنع
– كان نفسي ف بنت..
والتأكيد بالغمزة.. والعبرة لمن بدأ بالعبث
– المرة الجاية نجيب بنت حلوة زيك..
والتفت له، تتأمله، وقد زادته السنين وسامة، وطيبة
– هتسميه إيه؟!
يبتسم لها، يجيب بثبات هادئ
– بإذن الله هسميه محمد ع اسم الرسول عليه افضل الصلاة واتم التسليم وجدي الله يرحمه..
أمنت
عليه الصلاة والسلام
ب…
الله يرحمه…
ثم تشاكسه
– طب وافرض اعترضت!!
وكان طلبها عز الطلب.. يتلاعب بأشرطة قميصها النبيتي، يجذبها نحوه وفعله سابق قوله..
– هقنعك بطريقتي..
.. ولم يستمع لأعتراضها الناعم ولا حتى لعلبة الطلاء التي انسكبت على إحدى ورقات مجلة ما كان يتصدرها عنوان رئيسي بخط كبير..،، حفل زفاف رجل الأعمال عاصم النجار على كريمة رجل الأعمال المصري محمود الهندي، حفل زفاف أسطوري يليق بوالد العروس… وأسفله خط أصغر عن شراكة بين العريس ووالد العروس، شراكة لم تكن بأحلام عاصم النجار “..
……………..
.. تفرد حنين ظهرها بتعب بعد وقفة طويلة على قدميها تقوم فيها بتحمير البطاطس لصغيرتيها” التوأم ” تالا وتالين هي من اختارت اسمائهما، فهو كان ذوقه كارثي وقت اختيار الأسماء..
تقترب منه بجلسته، يحتسي قهوة ويتصفح هاتفه دون شئ مهم..
-بناتك دول هلكوني طلبات من الصبح..
يجيبها قاسم بجلافته المعتادة
-ياسلام وفيها ايه.. هو إنتِ أول واحدة تربى..!
تطلق زفرة يائسة منه.. تذكرت وقت حملها وحين جائها التعب كان ذاك هو رده
-ياسلام وإنتِ أول واحدة تولدي..!
.. اعتدلت بجلستها، تنزع من هاتفه وتصرخ به
-دي مبقتش عيشة أنا طهقت..
يكمل عنها صياحها بنبرته هو.. يشيح بكلا ذراعيه بالهواء
– في لحظة هتلاقيني سايبالك البيت والبنات وماشية..
يتابع بعد صمتها ومراقبتها له وهو يقلد كلامها
-كل يوم طلبات طلبااات طلبات انا زهقت..
ثم يميل عليها، يستنشق عطرها الدائم.. يتمهل بكلامه، وعناق نظراته الذي لانهاية له..
– وأنا هقولك اسبقيني ع الاوضة حضريلي هدوم،… وهاجي وراكي أراضيكي…
.. تغمغم بكلمات غير مفهومة، وأحمرت وجنتيها كثمرتي ناضجتين ، تشيح بوجهها عنه، ثم تعاود الصراخ به من جديد…
– بس علفكرة أنا طهقت..
وأقصر طريق للخناق الهجوم.. عبث بالنبرة
– خلاص اسبقيني ع الأوضة حضريلي هدووم…
………… َ………
**”ما بعد النهاية” **
حيث أن لا نهاية.. النهايات ماكانت إلا بدايات لحكايات أخرى.. حكايات ولدت بلحظة.. وفرضت حروفها لتكون رواية..
**حاتم كمال القاسم :
.. وذلك بدايته أنه قرر أن يكون شرير الحكاية كي يلفت الانتباه له.. وفرض على الراوي تقبله.. وكبريائه أبى أن يكون دور ثانوي في حكايتها..يقف،يدور حول نفسه، وأخيرًا يستقر أمام مرآته بملامح قاتمة، يحدث الجالس خلفه بنبرة أخافته..
– مش مهم مين بيحب ملك… المهم ملك هتحب مين..
**مراد كمال القاسم:
الحياة عدسة كاميرا حديثة، يمسكها بيده.. تلك متعته وغايته.. أمامه فتاة عشرينية بملامح أجنبية ولكنة فرنسية تتمايل على لحن غربي قام بتشغيله من أجلها تتمايل فيتمايل معها، يبتعد عنها.. يلتقط لها العديد من الصور والأوضاع.. تجذبه بقبلة طويلة كان ليرحب بها، لولا رنين هاتفه المحمول.. ليمسك به ويجيبه مسرعًا بالطبع بعد أن أشار لمن تلتصق به أن تصمت.. يجيبها بلهفة مُحب صادقة..
-ملك… وحشتيني، مسافة السكة وأكون عندك..
**جواد زياد الدالي :
الحياة تاء تأنيث، جيبة قصيرة أو طويلة، أو حتى عباءة سوداء لايهم..
هو اتبع نهج والده وسار على خطاه.. فتى مراهق في الثامنة عشر من عمره
ظبطه والد زميلته ببيته، وبغرفة نوم ابنته.. بعد صراخ وتهديد وتحذير..
وصراخ من نيرة وبكاء… وصل زياد لتصرخ فيه نيرة تلعن حظها..
-اتفضل شوف ابنك كان مع بنت جارنا في شقتهم..
ورمقه الأب بخيبة أمل، ونظرة منكسرة ما أن تركتهما نيرة وابتعدت حتى اجتذبه لأحضانه يربت بقوة، ثم يهتف بخفوت..
-أنا هعلمك تصيع إزاي من غير ماتتقفش..
**ريان زياد الدالي:
-جواد قولي لو عايز اقول لواحدة اني معجب بيها اعمل إيه!
يقولها الفتى وهو يعدل من وضع نظارته ذات الإطار السميك على عينيه، يرف بجفنيه كل ثانية.. وينتظر إجابة الخبرة..
ليرفع جواد حاجب خبير..
-قولها ع أكتر حاجة عجباك فيها..
يسأله الفتى بشك
-متأكد!!
-جرب وادعيلي..
واستمع الفتى للنصيحة، وأخذها كما هي دون تزيين، حيث أن الفتى “غشيم” عار على والده وأسطورته في العبث والمجون ..
ينتظر انتهاء حصته، يهتف بإسم معلمته لتقف قبالته بملل وتنتظر قول مايريده..
ليعدل من نظارته فوق أنفه وكانت هي المقصودة..
-انتي حلوة أوي يامس عبير..
**مجد الزيني:
.. الحياة غير عادلة.. من قال تلك المقولة كان معه كل الحق..
هو رجل لا يعرف من رغد الحياة سوى اسمها، اسمه مجد وحياته كانت على نقيض من معنى اسمه.. منتهى البؤس.. ولكنه راضياً..
يستلقي أسفل سيارة يقوم بتصليحها في الشمس الحارقة.. بورشة ليس هو مالكها، ورشة موجودة بداخل مجمع لايعلم عنها سكانه بها والا أغلقوها..
يُخرج من أسفل السيارة ملطخ بسواد زيت الشحم، يقف ويلتقط منشفة صغيرة ملطخة ككل شئ محيط به يمسح بها كفيه وجبهته..
أحس بشئ بالأعلى يجذبه، شئ يلمع كلمعان شمس الظهيرة.. رفع رأسه بشكل تدريجي وعيناه استقرت على شرفة لطالما تأملها وتأمل من تقف بها مأخوذًا بـ الطلة … فتاة بجمال القمر ونعومة الورد وجسد الحوريات تقف بالأعلى خصلاتها ذهبية فزادتها جمالًا وابتعادًا… يرمقها بإعجاب.. وحسرة..
حسرة أكدها مالك الورشة وهو يربت على كتفه بأبوة
-الناس دول مش زينا، لا عايشين عيشتنا.. ولا بياكلو أكلنا..
يبتعد عنه ولكن صوته يخترق أذنيه
– متبصش لفوق يامجد.. اللي بيبص لفوق رقبته بتتكسر..
إلى اللقاء في الجزء الثاني “لأجل عشقك والليالي”
– حيث الهوس، ولذة السقوط-
………………………..
– تمت-
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)