رواية عهود الحب والورد الفصل الثامن 8 بقلم سارة نيل
رواية عهود الحب والورد الجزء الثامن
رواية عهود الحب والورد البارت الثامن
رواية عهود الحب والورد الحلقة الثامنة
“الـــخـاتـمــة” ج1
﷽.
صرخ أمان وهو يقترب لكن سبقه والدها وهو يحمل رأسها بين يديه وقد انهار جموده وصلابته..
انطلى الهلع على ملامح وجهه، ورفع صوته يُنادي للطبيب:-
– دكتور .. دكتور هنا بسرعة..
جاء الطبيب وبصحبته ممرضة بينما تقف الجدة تشاهد الموقف بشبه إبتسامة .. لا عجب فمن الطبيعي أن تكون هذه علاقة الوالد..
انحنى توفيق وحمل عُهود ثم دخل إحدى الغُرف المُجهزة ووضعها برفق فوق الفراش..
– هي مالها يا دكتور .. أيه إللي حصلها..!
تسائلت والدة عُهود بخوف فاقترب الطبيب ليفحصها وهتف بعد مدة:-
– الآنسة اتبرعت بكمية كبيرة من الدم وكان لازم تعوض الدم ده، غير إن عندها نقص فيتامينات ومعادن والدكتور حذرها لكنها أصرت تتبرع لأختها..
كلمات نزلت على قلب توفيق وكأنها عاصفة رعدية لكن ابتسمت الجدة دلال فهذه هي عهود..
ابتعد وخارت قواه ليسقط على طرف الفراش، بينما اقتربت منها والدتها وبكت بعنف وهي تُقبل يديها بحنان:-
– حقك عليا يا عهود .. أنا السبب يا حبيبتي، والله يا بنتي إنتِ لو سامحتيني على الظلم ده أنا مش هسامح نفسي، حقك عليا، يلا فتحي عيونك يا أجمل ما شافت عيني..
أنا غلطانة أنا إللي أم مش كويسة، أنا أصلًا مستاهلش كلمة أم، أنا دمرت بناتي الإتنين .. سامحني يارب.
سحبتها الجدة برفق وهي تهدئها:-
– إهدي يا نجلاء .. إهدي يا بنتي، كل حاجة هترجع ودا كان إختبار طويل لكم كلكم وأهم حاجة إنكم عرفتوا قيمة إللي بين إديكم..
ألقت بنفسها دا أحضان الجدة وقالت بمرار:-
– أنا وجعتها كتير أوي يا أمي، أنا بعدت عنها كتير أووي .. أنا ليه كنت قاسية كدا يا أمي دلال.. قوليلي..
نظرت لتوفيق الذي يجلس بصمت وأكتاف ساقطة وقد اصفر وجهه، صاحت بوجهه وهي تبكي:-
– دي عهود يا توفيق إللي قولت عليها أنانية ومعندهاش أصل، ونفسها أختها تموت..
دي عهود إللي كان نفسك هي تموت بدل سمر..
دي عهود إللي قولت هحرمها من الأكل والشرب وهمنع عنها الفلوس لغاية ما ترجع لعقلها..
دي عهود إللي بعدنا عنها في محنتها ومصدقتهاش وظلمناها كتير..
في عز ضعفها ووجعها سبناها، أنا مكسوفة منها أووي والله..
كم استحقر نفسه، وكم كان حقير! كما قالت زوجته لا يستحق تلك النعمة، نعم عهود نعمة هو لا يستحقها.
اقترب أمان من توفيق ووضع يده على كتفه بدعم ثم هتف:-
– عهود بريئة من أي إتهام من إتهامات زمان، كان شوية عيال بعد تفوقها حبوا يبعدوها عن طريقهم، وأنا للأسف شاركت في ظلمها معاكم..
رفع توفيق رأسه ونظر له بتعجب ثم تسائل:-
– ليه وإنت أيه داخلك في الموضوع ده يا أمان.
تنفس أمان بعمق ثم بدأ يسرد ما حدث قديمًا دون أن يترك تفصيلة صغيرة، لتنجلي حقيقية كانت عهود قد توسلت إليه وروتها له مرارًا وتكرارًا لكن قد كان أصم أعمى عن كل شيء..
خرج صوت توفيق ضعيف متسائل تعصف به عواصف الحيرة:-
– هي هتسامحني! يعني أقدر أرجع بنتي تاني ليّا.
اقتربت الجدة من ولدها وقلبها يأبى أن يراه في ضعفه هذا، وقالت وهي تُشير لهم لتسحبهم للخارج:-
– سيبوا عهود ترتاح شوية.
وأكملت تقول بهدوء لتوفيق الذي جلس بضعف وخنوع:-
– بص يا توفيق أنا أكتر واحدة عارفة عهود لأني أقرب حد لها، آن الأوان يا ابني تفوق من إللي إنت وقعت فيه ده، عهود قلبها صافي وطاهر وكان خسارة من زمان القلب ده يضيع بين إللي كانت فيه قبل كدا..
ربنا حكيم يا ابني وعادل، كل الأزمات إللي مرت بيها عهود من أول إنها تتظلم وتنخدع من أقرب الناس ليها .. صحابها إللي كانت مستعدة تفديهم بالغالي، وبعدين الكلام الزور إللي طعنوها بيه .. وحرمنها من الكلية إللي طول عمرها بتسعى لها وتعبت لغاية ما وصلتلها بمجهودها واتحدت الكل..
وبعدين أهلها وأقرب الناس ليها بدل ما يدعموها لا كمان بعدوا عنها .. غير إنها سنتين بطولهم خسرت صحتها وعانت..
دا كله يا توفيق علشان توصل للي وصلتله وأنا واثقة إنها هتوصل لأكتر من كدا..
العفة حلوة يا ابني، عمر ما كان الحجاب الشرعي يعرك ولا يكسفك في وسط الناس؛ لأن دا أمر ربنا، الحجاب ستر ووقار وبيزود جمال الوجه والقلب.
افرح ببنتك وافتخر بيها وادعمها لأنها عملت الصح وسيبك من المظاهر الإجتماعية وكلام الناس إللي مستحيل يخلص..
تنهدت بهدوء واسترسلت في حديثها:-
– إحنا بشر يا توفيق .. عهود اتصدمت من هجومك عليها وردة فعلك، إديها وقتها لغاية ما تصفى وإنت أبوها مش هتهون عليها زي ما هي هانت عليك.
كانت تتحدث بينما هو فأقسم بأغلظ الأيمان أن يجعل لها السعادة مهدًا وأن يعوضها على ما فات..
هي قد ملكت قلبه وكل جوارحه وسيبذل كل غالٍ وثمين في سبيل إرضائها وسعادتها..
انصرف الجميع مسرعين بعدما علموا بإستيقاظ سمر، بينما بقى أمان يُحدق بغرفة عهود بكل مشاعر الحب والحنان..
تنهد بثقل وهو يُغمض عيناه ويتخيل ألا لو كانت حلاله وبين أحضانه كان قد استطاع مواستها وإبتلاع كل حزنها.
– عهود يا حبيبة قلب أمان ربنا ييسرنا أمورنا ويجعلك من نصيبي يا روح قلبي .. سامحيني يا عهود وارجعي بخير علشان أقطع كل العهود لقلبك.. صبري نفذ والله .. يارب اجعلها من نصيبي يارب وأبعد عن قلبها كل سوء يا لطيف.
********
– سمر يا بنتي سمر إنتِ سمعاني.
نظرت لهم بأعين مهزومة وهي ترى تجمع الجميع حولها..
الجميع بجانبها … لكن أين عهود شقيقتها..
تجمعت الدموع بأعينها عند ذكرها..
– ليه كدا يا سمر، ليه تعملي كدا يا حبيبتي.
ابتلعت ريقها بجفاف وهتفت بضعف وقد سمحت لدموعها بالنزول:-
– خطيبي إللي كنت بعاير أختي بيه وبقولها هو إنتِ تطولي ضفره وبجرحها في كل فرصة .. رمى الدبلة في وشي وقالي إن قرف مني وإن هو بيحب واحدة تانية..
وأنا مش عهود علشان أقاوم ويبقى عندي عزيمة وقوة..
ياريتني كنت زيها ولا كنت سألتها استحملت كل إللي حصلها إزاي.. قوليلها يا ماما إن ربنا أخدلها حقها مني..واتحرق قلبي زي ما كنت بحرق قلبها..خسرت أختي تلاقيها دلوقتي بتكرهني وحقها.
– لا يا بنتي لا يا سمر .. إنتوا اخوات ملكمش ألا بعض، عهود بتحبك دا حتى لما عرفت إللي حصلت جات جري، وهي إللي اتبرعت بدمها لكِ علشان فصيلتك مكانتش موجوده.
حاولت الاعتدال وهي تقول بإندهاش:-
– بجد .. بجد يا ماما..
احتضنتها والدتها وقالت بحنان:-
– بجد يا حبيبتي..
اقتربت الجدة وقبلت رأس حفيدتها وقالت بحنان:-
– حبيبتي يا بنتي ألف سلامة عليكِ يا جميلة ستك..
رمت نفسها بأحضانها وهي تشعر بأن ألامها تطيب من فرط ما تلقى من حنان ووقوف الجميع بجانبها:-
– وحشتيني يا نينا أووي..
رفعت رأسها ونظرت لهم قائلة:-
– ممكن أروح أشوف عهود .. أنا كويسة وعايزة أقوم .. أشوفها بس..
وقبل أن يعترض الجميع، كانت عهود تدخل الغرفة بخطوات بطيئة وعلى شفتيها بسمة بسيطة مُرددة:-
– عهود بنفسها جيتلك هنا..
ابتهج قلب سمر وطالعتها بعدم تصديق محاولة الوقوف والسعي نحوها لكن اختصرت عهود الخطوات وسارعت نحوها ثم جذبتها بأحضانها بقوة..
كانت لحظة مؤثرة وبالأخص عندما زادت سمر من بكائها وشهقاتها علت، وقالت:-
– شكرًا إنك أنقذتيني يا عهود وكنتِ أحسن مني، الحمد لله إنك أنقذيني ومسبتنيش أموت كافرة وكنت خسرت دنيتي وأخرتي..
كانت عهود تحضنها وتمسح دموعها برفق وحنان، أكملت سمر تقول لها:-
– شوفتي يا عهود إللي حصلي… هو سابني وقالي إن قرف مني ورمى الدبلة في وشي .. هو قال بيحب واحدة تانية..
هو فعلًا يا عهود أنا وحشة أووي كدا..
ابتسمت عهود برفق، وقالت بنبرة تحمل قوة وشكيمة رغم لينها:-
– ارفعي راسك يا سمر، محدش في الدنيا يستاهل إنك تنحني علشانه، إنتِ أقوى من دا كله والأهم من كدا إن ربنا بعد عنك شر كبير أوي يا سمر..
قوليلي يا سمر هو حد يستاهل إن تقابلي ربنا كافرة!
للدرجة دي .. للأسف ده ملهوش ألا اسم واحد .. ضعف..
إحنا بإدينا نقدر نختار إللي يسعدنا وبإدينا بردوة يا سمر نروح للحزن..
يا سمر إنتِ هتعيشي مرة واحدة وصدقيني يا أختي نَفسك أولى بالحب ده كله، حِبي نفسك وفرحيها وبلاش تظلميها.
اعرفي إن كل واقعة بتقويك وبتعلمك جديد .. أيوا بتاخدي الوقت على ما تقومي وتستردي نفسك تاني، بس تعرفي بترجعي أقوى من الأول بل بترجعي شخص تاني..
أنا معاكِ مش هسيبك أبدًا هنعدي الفترة دي سواا وهنرجع أحسن من الأول.
إيدي أهي ممدوده لإيدك، هتحطي إيدك في إيد أختك عهود يا سمر..؟
رفعت أنظارها تتأمل يدها والدموع تُهرول على وجنتيها، فيالحسرتها ويالسوءها حقًا..
غمست يدها بيد عهود وهي سعيدة لأجل تلك الفرصة..
********
بعد مرور يوم وفي صباح يومٍ جديد، أخذ الجميع يستعد للخروج من المشفى، بينما عهود فكانت تقف أمام الشرفة تنظر للخارج بأعين شاردة ووجه يتكرمش بين الحين والآخر فور أن تُهاجم تلك الكلمات عقلها بإلحاح فتُسرع بالإستغفار..
إلتزمت الصمت منذ أمس والجميع احترم رغبتها، حتى “أمان” الذي حاول مرارًا أن يجذب معها حديث .. لكن كان دون جدوى..
سارت بضعف خفيّ حتى وقفت أمام سمر وساندتها وهي تقول بمرح:-
– مستعدة يا بطلة، بصراحة حقك تخرجي أن زيك مش بحب جو المستشفيات ده ولا بستحمله.
تحاملت على ذراعها وهمست لها بحزن:-
– مش بتستحمليه .. وإزاي استحملتيه سنتين! إنتِ قوية يا عهود..
– يا ستي بلا قوية بلا غيره دا أنا كحكحت وبقيت عجوزة، حتى شوفي وشي بقاا عامل إزاي..
اندمجت سمر معها في الحديث وردت بمرح:-
– اصبري بس أخف وأنا هعملك شوية اسكربات إنما أيه، دا بس من الأرهاق لكن الحقيقة إنتِ جميلة يا عهودي وروحك أجمل..
ابتسمت لها عهود لذاك اللقب الذي غاب كثيرًا عن لسانها، وحمدت الله لما آلت إليه الأمور .. فحقًا في كل محنة منحة..
أجلست عهود شقيقتها بالسيارة بينما كانت أعين والدها تتابعها بحسرة ووجع وشوق وكم يؤلمه صمتها وذاك الوجع الذي يراه في عينيها وتنضح به ملامحها..
جلس الجميع بالسيارات وجاءت والدتها تضع يدها على كتفها وقالت:-
– يلا يا عهود إركبي معانا.
ابتسمت عهود وقالت ما جعل الجميع يقف مصدومًا، فماذا كانوا يعتقدون فبالنهاية لها مشاعر يجب أن تداويها:-
– لا يا ماما أنا هرجع مع دولا … هناك مكاني.
ونظرت لسمر قائلة بأعين حانية:-
– متقلقيش كل يوم هاجي أقضيه معاكِ ونخرج سوا.
﷽.
استلقت على فراشها المريح بمنزل جدتها بأعين شاردة، الهدوء يسيطر على الأجواء وبالأخص داخلها، كان الجو شديد الحرارة وهي قد أتت من العمل منهكة، ظلت راقدة تستظل بجو منزل الجدة اللطيف، فعلى الرغم من قسوة الحرارة إلا أن هنا تجد المنزل به ريح خفيفية باردة تُنعش النفس..
تنهدت بثقل ثم تحركت تُخرج ملابس صيفية خفيفة واتجهت نحو المرحاض لتنال حمامًا باردًا..
بعد قليل خرجت عهود وأخذت تجفف خصلاتها بشرود، قد مر أسبوع على الأحداث المنصرمة، عملت فيها على زيارة شقيقتها يوميًا واصطحابها خارج المنزل في نزهات لطيفة حتى تماثل شفاءها النفسي، تجنبت الإحتكاك بوالدها الذي بدأت تشعر تجاهه أنه حقًا يبغضها ويريد الخلاص منها، لكن هل من أبٍ يبغض ويكره قطعة من روحه.!
تركت العنان لشعرها وخرجت للشرفة الخاصة بالغرفة والتي تطل على حديقة المنزل الخلفية، جلست على أعقابها وبدأت بزراعة ورود جديدة، والأعتناء بكل الزروع والورد وتستنشق رائحته المريحة، ورائحة التراب المختلط بالماء التي تعشقها..
وبدأت تُدندن بصوت رقيق هاديء:-
الورد جميل .. جميل الورد
الورد جميل وله أوراق .. عليها دليل من الأشواق
اذا اهداه حبيب لحبيب .. يكون معناه وصاله قريب
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم
و النرجس مال .. يمين وشمال
على الأغصان بتيه و دلال
عيونه تقول معانا عزول .. خلينا بعيد عن العزال
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور..شوف واتعلم
يا فل يا روح يا روح الروح
من شم هواك عمره ما ينساك
لكل جميل تقول بلغاك
حبيب مشتاق بيستناك
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم
شوفو الياسمين جميل نعسان
حلي له النوم على الاغصان
بكل حنان تضمه الايد
و بيه تزدان صدور الغيد
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم.
كان أمان يقف مستندًا على جدار الحديقة من الجهة الأخرى مغمض العينان يستمع لعُهود الحُب والورد خاصته بعذوبة شديدة..
منذ ما حدث بالمشفى وهي تلتزم صمت مُميت، تأتي للعمل وتعمل بصمت وهدوء يُحلق فوقها، يأتي الجدة دلال لزياراتها فيجدها بنفس الحال .. نعم تتحدث وتضحك وتذهب هنا وهناك لكن كل هذا تشعر أنه خاليًا من الروح..
ليته يستطيع أن ينتزع كل الحزن الذي بداخلها ويضعه داخل قلبه…
ليته يحمل الحق في جذبها لأحضانه ليُدثر برودة الوحدة التي تشع من عينيها..
ليته تحلل من حُرمة بث حبه لها بالحلال وجأر بما له من صوت أنه مُتيم بعهدها المتين..
ابتسمت عهود للورد وهمست لها:-
– إنتوا أصدقائي الأوفياء .. إنتوا إللي بتسمعوا من غير ما تملوا.. إنتوا نعمة من الرحمان.
خرجت من غرفتها، بحثت عن جدتها فلم تجدها قد عادت..
ظلت ترتب بعض الأمور وتُجهز طعام الغداء وبعد مرور قليل من الوقت سمعت صوت الباب يُغلق فعلمت أن جدتها قد عادت..
خرجت لها بفم مبتسم واقتربت منها مقبلة رأسها..
– الحمد لله على سلامتك يا دولا.
تنهدت الجدة بحرارة وأجابتها بصوت ضعيف ليس كعادتها:-
– الله يسلمك يا عهود..
تسائلت عهود بتعجب:-
– مالك يا تيتا فيكِ أيه، في حاجة حصلت.!
– لا .. لا مفيش حاجة يا عهود أنا بس هبطانة شوية..
– لا مش كدا .. أنا مش تايهة عنك يا تيتا، قوليلي حصل حاجة..
– عهود .. هو إنتِ مروحتيش لسمر من إمتى..!
زاد التوتر لدى عهود وأجابت باستغراب:-
– كان عندي شغل إمبارح والنهاردة ومعرفتش أروحلها بس إن شاء الله هكلمها..
– ااه ماشي.
وثبت عهود بقلق وعلمت أن بالأمر شيء، تسائلت بصوت مصبوغ بالبكاء:-
– هتقوليلي في أيه .. ولا أعرف أنا بطريقتي يا تيتا، وبقالك يومين بتخرجي وترجعي مهمومة وأنا مش راضية أضغط عليكِ.
أخفضت الجدة رأسها بحزن وقالت:-
– علشان ابني..
طرق قلب عهود خوفًا وقالت بتيهة:-
– قصدك بابا..
– أيوا..
– ماله .. في أيه..
– تعب فجأة وفي المستشفى بقاله يومين..
عادت للخلف ولم تدري إلا والدموع تهبط من عينيها وتُحرك رأسها بلا..
تسائلت بحذر:-
– ماله..
– فيروس في الكبد..
تجمد الدمع بعينيها .. وعادت للخلف ثم ولجت للغرفة مغلقة الباب .. وقفت وسط الغرفة قلبها يدق بعنف وصدرها يعلو ويهبط بجنون وأعينها تدور بأركان الغرفة تغرق بالتوهان..
مازال لم يحتضنها بعد!!
مازال لم يُسقيها الحنان.!!
وقفت الجدة دلال أمام غرفة عهود تترجى خروجها:-
– عهود يا بنتي طمنيني الله يباركلك..
فتحت عهود الباب وخرجت بكامل ملابسها..
– راحة فين يا عهود؟
ركضت تجاه باب المنزل ومن ثم أخذت تركض بعرض الشارع بأعين تنسكب منها الدموع سكبًا..
ظلت الجدة دلال تهتف بأسمها حتى تجمع الجيران وخرج أمان الذي كان خلف المنزل ليجد عهود تركض بتلك الحالة سقط قلبه وركض يُناديها بصوته كله:-
– عُــــــهــــــــود.
تشبثت الجدة به بانهيار وهتفت باستجداء:-
– أمان .. إلحقها يا بني .. عهود يا أمان..
وجاء يواصل السير خلفها فلمحها تستقل أحد سيارات الأجرة من بداية الشارع..
– إنتِ عارفة هي هتروح فين يا ستي..
صمتت قليلًا وقالت بثقة:-
– هتروحله .. هتروح لأبوها..
– طب يلا بينا..
*********
– هبطت من سيارة الأجرة التي كانت تود أن تصبح طائرة، هرولت لداخل المشفى واستعلمت عن مكان والدها ولم تتوانى عن الركض برواق المشفى تبحث عن رقم الغرفة بجنون..
وقفت بتخشب عندما رأت والدتها وشقيقتها يقفان أمام الغرفة المنشودة..
صُعقت كلًا منهما فور رؤيتها وجاءتا يقتربان منها إلا أنها اقتحمت الغرفة بلهفة..
وقفت بسكون والعالم يدور من حولها أمامه..
لماذ يبدو بهذا الشحوب..؟!!
متى أصبح نحيلًا هكذا..!!
أما توفيق فلم يكن أفضل حالًا منها وهو يتأملها بدئًا من حالتها المشعثة ووجها الغارق بدمعه وصدرها ينهج بجنون…
اقتربت منه بينما الغرفة تمتلىء بالممرضات ووالدتها وشقيقتها وأمان والجدة اللذان وصلوا للتو..
صاحت عهود بنبرة لم يتوقعها الجميع:-
– إنت فاكر إن هسيبك تمشي..
إنت مش هتسبني علشان إنت لسه مديون ليا بكتر..
أنا مشبعتش منك لسه..
أخر مرة أخدتني في حضنك إمتى..!
إنت بقالك قد أيه سايبني لواحدي، أنا مش هسمحلك تمشي وتسبني ألا ما تروي حرماني..
متبقاش أناني .. أنا لسه ماحكيتش لك على العذاب إللي شوفته .. أنا لسه ماورتكاش نجاحي .. أنا لسه ماظهرتش برائتي..
أنا معملتش حاجة .. مش هتصدقني صح..!
إستنى أقولك الليل كان بيعدي عليا إزاي وأنا متكسحة..!
إستنى أقولك شعور النبذ إللي حسيته..!
علا صوت بكاء توفيق الشديد وبكى من كان بالغرفة..
جلست بأحد زوايا الغرفة وضمت ركبتيها لها وهتفت وهي تنظر للسماء:-
– شوفت هو إللي عايز يسيبني ويمشي إزاي..!
كلهم بيسبوني .. عالطول أنا لواحدي كدا .. مش إنت كنت شاهد .. هما مش عايزيني..
ليه كدا .. ليه .. أنا كنت وحشه زمان بس عمري ما أذيت حد ..ودلوقتي أنا مش وحشه والله
طب جرب تقرب مني..
بس أنا مش هسيبك .. إنتوا كرهتوني بس أنا حبيتكم..
وقامت مسرعة نحو والدها ففتح ذراعيه لها وألقت نفسها بينهم وأحكم الغلق عليها ليُقسم بأشد الأيمان أنه لن يتفلتها أبدًا..
*********
وقفت أمام الطبيب تستمع لحالة والدها ختم الطبيب قوله:-
– الكل بيعمل الفحوصات اللازمة علشان هنشوف من المتطابق مع والدك ويقدر يتبرع بجزء من الكبد لأن الفيروس موجود من فترة طويلة وقضى على الكبد ودا الحل الوحيد يا آنسة عهود..
– أقدر أعمل الفحص دا أنا كمان، إعمل اللازم يا دكتور، تقدر تعمل التحاليل..
– حضرتك متأكدة..
– أكيد، أمي أصلًا مريضة، واختي لسه خارجة من عمليات الأسبوع إللي فات وجدتي كبيرة في السن..
– في كمان المهندس أمان بيعمل التحاليل..
– أنا عايزة أعملها يا دكتور…
– تمام .. اتفضلي..
بعد مرور ساعتين من إنتظار نتيجة الفحص والوقت يمر ببطء شديد..
خرج الطبيب وهتف بحسم:-
– آنسة عهود هي الوحيدة المتطابقة وتقدر تتبرع لوالدها..
صُدم الجميع بينما ابتسمت بهدوء واقتربت من الطبيب وقالت بحزم:-
– أنا جاهزة يا دكتور .. متتأخرش أكتر من كدا نقدر ندخل العمليات دلوقتي..
هرعت والدتها وقالت بخوف:-
– عهود يا بنتي بلاش .. إحنا هنشوف أي متبرع تاني..
– متحاوليش يا أمي .. محدش هيتبرع لبابا وأنا موجودة .. خلص الكلام..
توضأت وصلت ركعتان ثم نظرت للسماء وهمست بيقين:-
– دايمًا كنت معايا .. مخذلتنيش أبدًا، ودايمًا عند حُسن ظني ومتأكدة إن دي كمان هتعدي..
اشفي أبي يا الله ولا ترني به مكروهًا..
كل ظني الجميل بك يا شافي يا معافي يا أرحم الراحمين فلا ترد يدي صفرًا خائبة يا الله..
اقتربت من والدها وجعلته يتوضأ وساعدته في صلاة ركعتان وهو كان عاجزًا عن الحديث ينظر إليها يتأملها فقط ويتسائل ماذا قد فعل بحياته حتى يرزقه الله بنعمة كهذه..!!
مسد على كتفها بحنان ونظر لها:-
– مسمحاني يا عهودي.
ابتسمت بصفاء:-
– ومن إمتى عهودك بتزعل منك يا غالي عليا..
احتضنها وهي أغمضت أعينها بسكينة وراحة زارتها أخيرًا..
خرجت وبدأت تستعد للدخول لغرفة العمليات، نظرت للطبيب وقالت له وللجميع:-
– مش عايزة بابا يعرف إن أنا المتبرعة رجاءًا.
حرك الجميع رؤسهم بقلة حيلة ودخلت للداخل بقوة بينما قلوب الجميع كانت منتزعة لهذا الدخول..
وقف أمان كالغارق كل خطوة تخطوها للداخل تنسحب روحه أكثر، هبطت دمعة حارة اختبأت في لحيته وهو يسير خلفها حتى أُغلق الباب..
نظرت عهود خلفها فوقعت أنظارها عليه من الزجاج ولمحت دمعه الذي أثبت لها الناقص، أهدته إبتسامة بسيطة وأُغلق الستار…
رقدت أعلى الفراش وسط الأجهزة الطبية والغرفة الكئيبة التي لطالما كرهتها وتشائمت منها من كثرة ولوجها بالماضي إليها، رقد والدها بالجهة الأخرى يفصلهم ستار، نظرت عهود نحو تلك الجهة وابتسمت وهي تمد يدها للطبيب ثم تدريجًا أغمضت أعينها مستسلمة لسائل مخدر هرع يقبض على عقلها يُخضعها للاوعي والإنفصال عن الواقع..
همست قبل الذهاب بعالم آخر:-
– اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد حبيبي ونبيّ ورسول الله..
**********
بعد مرور بضع ساعات كان الجميع ينتظر أسفل نيران القلق، الجميع يدعوا بقلب مُلبد بالخشوع، منهم من ينفرد بزاوية يدعو، ومنهم الذي يقرأ أيات الله..
وخرج أمان سرًا للصدقة..
التف الجميع حول الأطباء الذين خرجوا من غرفة العمليات، الجميع ينظر بترقب شديد..
وأمان يستند على الحائط مُغمض العينين بقلب ملهوف..
– طمنا يا دكتور الله يباركلك..
ابتسم الطبيب وقال:-
– الحمد لله العملية نجحت وجسم المهندس توفيق مطردتش العضو ومسألة أيام وهيرجع أحسن من الأول..
قالت الجدة دلال بإمتنان:-
– الحمد لله يارب .. لك الحمد يارب العالمين..
للآن لم يرتح قلبه، للآن يغلي بحميم القلق، تسائل الجميع مرةً أخرى بلهفة وترقب:-
– طب وعهود..
أخفض الطبيب رأسه بحزن ووزع نظراته بين طاقمه، مما جعل والدة عهود تضع يدها على قلبها وأمان فقد خانته أعصابه وتراخت أقدامه..
– للأسف…
صاحت سمر شقيقة عهود بجزع:-
– للأسف أيه يا راجل إنت..!
– الآنسة عهود مقدرتش تستحمل من ضعفها..
– أمان … أمان … يا أمان..
شهق بفزع ووثب قائمًا يصيح بفزع:-
– عهود .. عهود .. هي فين.
ابتسمت الجدة دلال بهدوء وقالت تطمئنه:-
– إهدى يا أمان هي بخير وخرجت هي وتوفيق وكويسين بس عهود لسه بتفوق من البنج، قولت أصحيك لما لقيتك راحت عليك نومه وإنت قاعد..
كان كابوس ده ولا أيه..!!
قال بتيهة وهو يتلفت من حوله بجزع:-
– كابوس وحش أووي يا ستي .. وحش أوي..
طبطبت على كتفه وقالت براحة:-
– خلاص هانت يا أمان كل حاجة هتتعدل وتبقى زي الأول وأحسن، والأمور هترجع لطبيعتها..
أول ما توفيق وعهود يشدوا حيلهم أطلب إيديها من أبوها أنا ملاحقتش أفاتحهم في الموضوع..
مسح على وجهه وتنهد براحة ثم هتف بفرحة غمرت قلبه:-
– إن شاء الله يا ستي، بس عهود تشد حيلها، أنا انتظرت كتير ومستعد أنتظرها العمر كله..
– للدرجة دي بتحبها يا واد..
– وأكتر من كدا بكتير يا دولا لدرجة إنت متتصورهاش..
أنتظر الجميع إفاقتها وعلى الأخص والدها الذي كان يبكي بصمت عندما علم أن المتبرعة هي عهود..
قتلها وهي من قامت بإنقاذه.. أي عدلٍ هذا..
رفع رأسه للسماء يهمس بداخله..
– أكيد في حكمة من دا كله يا رحيم..
أنا مكسوف أكلمك .. أنا إللي وقفت قدام طريق عفتها وقدام طريقك..
علشان الناس يارب .. بعترف كنت عايز أرضي الناس مقابل سخطك ..
رحمتك يا أرحم الراحمين أنا ظلمت نفسي..
دا كله حصل علشان أرجع لعيلتي وعيلتي ترجعلي، جعلت عهود سبب إن عيني تتفتح على كتير أووي..
بدأت عهود تفيق شيءً فشيء وهي تتمتم من بين غفوتها:-
– بابا .. بابا .. كويس .. وماما .. تيتا .. سمر..
وصمتت تتأوه بخفة ثم همست بما جعل أمان في قمة صدمته وهو لا يُصدق:-
– أمـــــان … أمان .. أنا سامحتك..
أهو قد سمع جيدًا أم أنه يتخيل ليس إلا..
للمرة الأولى تنطق اسمه … وأيضًا هل حقًا نال مسامحتها..!!
همست باسمه بين غفوتها إذًا هو بعقلها..
دق قلبه بعنف يطرب فرحًا، تنهد بحرارة ورفع رأسه للسماء:-
– لُطفك يا الله … كرمك واسع..
**********
بعد مرور ثلاثة أشهر كان منزل عهود مُزين بالكامل بالورود رغبةً فيما شددّ عليه توفيق..
المنزل يضج بالسعادة ومكتظ بالأقارب والأحباب..
أصدقاء عهود في الدارسة والجميع هنا لأجلها فقط..
– الفستان أختفى يا سمر..!
تصنعت سمر البحث وهتفت بتعجب:-
– إزاي اختفى بس يا عهود بس افتكري إنتِ احتفظتي بيه فين..
– يعني هو ميدالية يا سمر علشان مش تظهر، دي من فعل فاعل..
– إهدى بس ثواني وراجعالك..
خرجت سمر وأجابت على الهاتف باستعجال:-
– إنتِ فين .. قدامك كتير..
– لا أنا قدام البيت أهو، ممكن بس حد يقابلني..
قالت سمر وهي تخرج خارج المنزل:-
– أنا قدامك أهو..
اقتربت منها وحيتها بإبتسامة مرحبة قائلة:-
– أهلًا وسهلًا يا باشمهندسة غصون، مبسوطة جدًا بوجودك وإنك اصريتي توصلي الفستان لعهود بنفسك..
اتسعت إبتسامة غصون الجميلة وقالت بحماس:-
– لما جيتي ليا وحبيتي تعملي مفاجأة لعهود وطلبتي تصميم خاص بيها وحكيتي حكايتها أنا اشتغلت على الفستان بكل محبة وصدق وشغف إن أشوف عهود، صمتته يليق برقتها وقلبها وحبيت يكون هدية مني لها وأنال الشرف إن أقابل عهود..
قالت سمر بعدم تصديق:-
– عهود بتحبك جدًا ومتابعة الديزاين بتاعك بشغف جامد أووي مش هتصدق نفسها لما تشوفك..
– أنا إللي متحمسة أشوف عهود واتعلم منها إللي هي اتحملته..
– إنتِ حد جميل أووي يا غصون..
– يلا يا بنتي يلا مش وقت غزل ابقي امدحيني بعدين العروسة لسه من غير فستان..
– أيوا تصدقي .. دا الفستان الوهمي إللي إحنا جبناه بالاتفاق مع أمان أنا خفيته..
– طب يلا بينا..
في هذا الاثناء جلست عهود بإحباط على الفراش وقالت بسخط:-
– شكل حد بيحاول يعمل معايا مقلب وخفى الفستان..
– ترن ترن ترن .. فستانك هنا يا عروسة..
التفتت عهود على صوت سمر لتجد أمامها التي عرفتها جيدًا .. غصون ..
وقفت بصدمة تتأملها عن قرب..
رددت بعدم تصديق:-
– غصون .. صح .. أنا مش بتخيل.
لم تترك غصون لها مجالًا للتصديق واحتضنتها قائلة:-
– عهود .. زي ما وصفوكِ بالضبط..
فرحانة أووي إن شوفتك..
قالت عهود دون تصديق:-
– هو في أيه!!
– يلا مش وقت أسئلة العريس هيجي وكتب الكتاب هيبدأ..
– أنا مش مصدقة .. غصون .. طب فهموني..
بدأت سمر تحكي لها ما حدث ليترقرق الدمع بأعين عهود وجذبتها لأحضانها:-
– مش لاقيه كلام أوفي بيه إللي عملتيه يا سمر..
– دا ولا حاجة من إللي عملتيه معانا يا عهود .. كفاية إن أخيرًا وصلت لبر الأمان..
– معلش هفصل وصلة العشق ده .. وأقولك يلا يا ست عهود فستانك مستنيكِ.
ابتسمت لها عهود واحتضنتها بإمتنان:-
– شكرًا جدًا لكِ يا غصون .. جزاكِ الله خيرًا..
أخرجت الفستان من داخل الحافظة الخاصة به لتقف عهود مدهوشة وهي ترى فستان من اللون الوردي الذي يناسب رقتها له طبقتان أعلاهما من التُل الخفيف.. ضيق من الخصر .. ومن الرقبة إلى الخصر يهبط بكشكشات بسيطة..
ثم عند أسفل تنورة الفستان الواسعة ينتشر الكثير من الورود الرقيقة..
كان تصميم بسيط فريد من نوعه يليق بعهود حقًا..
– ما شاء الله تبارك الرحمن حقيقي تحفة يا غصون تسلم إيدك وعيونك..
– دا أقل حاجة يا عهود إنتِ يليق بيكِ كل جمال الورود..
قالت سمر:-
– حقيقي مبدعة يا غصون .. تسلم إيدك..
– دا شوية على عهود والله .. تسلمولي يا حبايبي..
وبدأت عهود ترتدي الفستان ثم أكملت طلتها بحجاب طويل ذا لفة مُميزة صنعتها لها غصون بكل حب..
ولم تضع على وجهها سوى بعض المُرطبات الخفيفة..
خطفت طلتها العقول ببرائها التي نطقت بها ملامحها الرقيقية الطاهرة..
– تبارك الرحمن ربنا يحفظك ويسعدك يا عهود..
قالت سمر بانبهار:-
– حقيقي أجمل عروسة شافتها عيوني، ربنا يسعدك يا نور عيني..
دارت حول نفسها بفرحة وقلبها يرقص بسعادة أخيرًا نالتها..
هتفت غصون بحماس كعادتها عند أي عقد قرآن .. يسعد قلبها وهي ترى قلبان ينعقدان إلى الأبد برباط الوِد والرحمة..
– كتب الكتاب هيبدأ يا بنات ..يلا يا عروسة اسمعي حبيبك وهو بيكتبك على اسمه..
ترقرق الدمع بأعين عهود ونظرت للسماء قائلة بكل صدق وكل ألم مر على قلبها:-
– ربنا يدوق الفرحة دي لكل البنات .. البنات طيبة أووي ويستحقوا كل خير..
بسمة خفيفية أثمر فم غصون بها وهي تذكرها بنفسها غير أن عهود بها شيء مختلف عنها .. صدقًا ذاقت ألآم عدة وتستحق العوض الجميل..
أغمضت عهود عينيها وهي تسمع المُكبر يعلو بصوت أمان:-
– قبلتُ أن أكون أمانُها وسندٌ لها بعد الله وجدارها الراسخ حتى وإن مالت بها الحياة وجدتني مئواها، أُهديها كل عهود الحُب والورد ولن أنكث يومًا بواحدٍ منها .. قبلتُ بعُهود زوجة وحبيبة وقرة عين لا تنقطع.
هلل الجميع وسقطت دموع نجلاء والجدة دلال وتوفيق تأثرًا، بينما عهود التي وقفت في شرفة غرفتها فانتفض قلبها وابتسمت بخجل وقد تسلل الحُب اللحوح إلي قلبها على مهل حتى تمكن منها ولا خلاص من الآن..
– فكرتيني بيوم كتب كتابي أووي يا عهود..
– لحظة جميلة وبتقشعر لها الأبدان ربنا يدوقها لكل البنات، وعقبال ست البنات أختي سمر..
– يارب يارب، ألف مبروك يا عهود..
– الله يبارك فيكِ يا أجمل غصون وتسلمي حقيقي لكل إللي عملتيه دي أغلى حاجة ممكن أحصل عليها..
ونظرت لشقيقتها وقالت:-
– مش هنسى إللي عملتيه أبدًا يا سمر..
طرق الباب لتدخل والدة عهود ووالدها وجدتها .. ولم يكن موقفهم أقل من سمر وغصون بجمال عهود فقد أخذوا يبكون فرحةً..
احتضن توفيق ابنته بحنان جارف وهو يشعر أنها جوهرة لا تقدر..
– حقيقي النعمة كانت تقيلة عليا يا عهود .. حقيقي يا عهودي إنتِ نعمة كبيرة علي أووي يا بنتي..
– كفاية حضنك يا بابا دا عندي بالدنيا وما فيها..
– سيبها بقاا يا توفيق كفاية .. عايزة أحضن بنتي..
ضحك الجميع وأخذت نجلاء عهود بأحضانها قائلة:-
– تعالي يا وش الخير في حضن أمك تعالي..
قبلت عهود رأسها واستقرت في أحضانها تنال ما حُرمت منه يومًا..
وقفت أمام جدتها التي ابتسمت بدفء ثم هتفت:-
– ربح البيع يا عهود، شوفتي الحلاوة إللي بعد مرارة الصبر .. عيشي حياتك واستمتعي بكل لحظة وعوضي إللي فات..
قبلت عهود رأسها ويديها بحب وقالت بإمتنان:-
– محتاجة لكل نصايحك، دعمك ليا كان هو الحافز لكل حاجة هو إللي أبقاني..
تنحنح أمان قبل الدخول فالتفت عهود بخجل وأعطت له ظهرها..
– تعالى يا أمان تصدق نسيناك..
قالت نجلاء بمرح:-
– هو حد يشوف عهود وعقله يبقى براسه..
لم تسقط أعين أمان عن ظهر عهود وعَلا وجيب قلبه، قال توفيق وهو يقترب منه:-
– أخدت حتة من روحي يا أمان .. أنا مش هوصيك عليها لو مسها أي سوء مش هيكفيني عمرك..
ضحكت عهود ومازالت على حالتها وقالت بمزاح مارح:-
– يا بابا غلطت في العنوان .. وصيني عليه دا أنا هخلص منه الجديد والقديم اصبر عليا..
انفجر الجميع ضاحكًا فقالت سمر وهي تسحب الجميع:-
– يلا يا جماعة الخير خلي عندنا شوية دم ونسيب أمان يشوف مراته بقاا ويسلم عليها..
قال توفيق بتذمر:-
– ما يسلم وإحنا واقفين.
جذبته للخارج وقالت وهي تغلق الباب:-
– تعالى بس يا توفيق أفندي ونتناقش في الموضوع ده براا..
هدرت دقات قلب عهود وشعرت أن أنفاسها قد حُبست، وقف أمان خلفها تمامًا وهمس بجانب أذنها وهو يستنشق راحة الورد المنبعثة منها بنهم:-
– عهودي … حبيبة قلبي .. نور عيني مش هتوريني حُمرة الورد على خدودك..
ابتعدت خطوتان بخجل وهي تكاد تذوب وهمست بإعتراض:-
– أمان..!
– قلبه وروحه .. أمان طاب وانهرى أووي يا عُهوده حِني عليه..
زادت حُمرة خديها ودارت حول نفسها حتى وقفت أمامه مُغمضة العينان..
لم ينقصه أن تتزايد وتيرة دقاته فهو كان قد ذهب بعالم أخر، تأملها دون قيود وأشبع أعينها بها الذي يظن أنها لن تشبع .. فقد تحلل أخيرًا وأصبحت حلاله..
رفع يديه وتحسس خديها بعدما كوب وجهها برقة وهمس أمام وجهها:-
– افتحي عيونك يا عهودي..
ببطء فرقت بين جفنيها وتطلعت بوجهه دون قيود، أقترب أكثر وطبع قبلة فوق رأسها ثم هبط يوشم حمرة خديها بقبلة طويلة..
وهمس بينما عهود فكانت قد غابت وهو يُباغتها بتلك المشاعر الأجنبية التي تتذوقها لمرتها الأولى معها:-
– مبارك عليا إنتِ يا عهودي..
حاولت سحب أنفاسها والفرار من تلك الغارة الهجومية لكن أكمل أمان بنبرة صادقة منسوجة بالعشق:-
– بحبك يا عهود .. بعشقك وهيمانك يا وردتي، سامحيني على غبائي زمان وظلمي يا روحي..
رفعت أعينها ليغرق بها وهمست بصدق ونقاء:-
– ربنا بيسامح يا أمان وسامحتك من زمان وكلنا اتعلمنا الدرس .. دا أنا بشكرك على إللي عملته لأن لولاه مكونتش وصلت للي أنا فيه دلوقتي..
بشكر ربنا مُسبب الأسباب قبل كل ده..
– ممكن أعمل حاجة كان نفسي دايمًا أعملها..!! بس قبل كدا اتفضلي جبتلك أكبر باقة ورد جات لعروسة قبل كدا .. متنسيش إحنا بتوع الورد..
ابتسمت وأخذته تتأمله بإعجاب فقد كان حقًا باقة ورود كبيرةً جدًا وتضم كل الورود التي تفضلها، لكنها تعجبت وتسائلت:-
– أيه هيّ..؟!
جذبها لأحضانه وأغلق فوقها ذراعيه فابتسمت وهي تقنع عقلها أنه زوجها وحلالها، تحللت من خجلها وارتفع ذراعيها تطوق عنقه تتذوق أمانه..
همس لها بوعد صادق:-
– سأفي بكل عهود الحُب والورد خاصتنا..
أغمضت أعينها براحة:-
– أحبك، فأنت أصبحت أماني ومأمني..
-تمت بحمد الله-
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عهود الحب والورد)
قصة رائعة
اعجبتني الرواية واريد اكمال الخاتمة
تم
فين البقية ؟
شكرا